الإخوان و دخول البرلمان
الإخوان و دخول البرلمان
ما كنا نحسب أن الغزو الثقافي والإيحاء الغربي وصل إلي كثير من الإسلاميين وترجم في مخيلتهم إلى اتهامات لكل من استعصي على الغزو الثقافي ، وسار على طريق الإسلام الصحيح ، ليترجم تعاليم دينه عمليا ، ويأخذ دينه كاملا لا أبعاضا وتفا ريق كما يفعل البعض الآن ، فقد أوحي بعض شياطين الغرب ومستشر قيهم إلى شياطين الشرق ومهزوميهم ، أن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ، والإسلام الحق لا يمكن أن يكون سياسيا، وإذا جرد الإسلام من السياسة كان دينا آخر ، قد يكون بوذية أو نصرانية أو غير ذلك .
لأن الإسلام ليس عقيدة لاهوتية ، أو شعائر تعبدية ، فحسب ، وليس علاقة بين الله وربه ، ولا صلة له بالحياة ، وتوجيه المجتمع والدولة ، كلا وألف كلا . .
فالإسلام يتناول مظاهر الحياة جميعا ، فهو دولة ووطن ، أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة ، أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون ، أو علم وقضاء ، وهو مادة وثروة ، أو كسب وغني ، وهو جهاد وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.
ومن قرأ القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وكتب الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه وجد هذا واضحا كل الوضوح ، بل الإسلام لا يقبل أن تقسم الحياة بينه وبين سيد اخر، يقاسمه التوجيه أو التشريع ولا يرضي المقولة التي أسرت عن السيد المسيح "ا ما لقيصر لقيصر، وما لله " .
وشخصية المسلم ، كما كونها ا لإسلام وصنعتها عقيدته وشريعته وعبادته وتربيته لا يمكن إلا أن تكون سياسية، إلا إذا ساء فهمها للإسلام ، أو ساء تطبيقها له ، لأنه يعلم أن للإسلام شريعة تصاحبه في الحياة ، لابد أن تحكم المجتمع ، ولا يتم ذلك إلا بقيادة ودولة ، تقيم العدل ، وتحارب المنكر ، وتدافع عن الدولة ، ولابد لكل فرد أن يؤازر تلك الدولة ، وفي الحديث : "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن لم يصبح ناصحا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم ، وأيما أهال عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله " كما يحض المسلم على إقامة الدولة وتنصيب إمام ، وإلا التحق بأهل الجاهلية ، ففي الحديث الصحيح : "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية"
ولقد قام الإسلام بدولة ، وحارب أعداءه بدولة ، وساس الدنيا بتعاليمه ورجاله ، واستمرت هذه الدولة أربعة عشر قرنا من الزمان تملك زمام العالم بسياسة رشيد ة .
إذن فالسياسة - من الناحية النظرية - علم له أهميته ومنزلته ، وهي من الناحية العملية مهنة لها شرفها ونفعها، لأنها تتعلق بتدبير أمر الخلق على أحسن وجه ممكن . نقل الإمام ابن القيم عن الإمام أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي : أن السياسة هي الفعل الذي يكون الناس معه أقرب إلي الصلاح وأبعد عن الفساد مادامت لا تخالف السرع .
وذكر ابن القيم أن : السياسة العادلة لا تكون مخالفة لما نطق به الشرع ، بل هي موافقة لما جاء به ، بل هي جزء من أجزائه ، ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحكم ، وإنما هي عدل الله ورسوله.
وقد نوه علماؤنا السابقون بقيمة السياسة وفضلها حتى قال الإمام الغزالي : "إن الدنيا مزرعة الآخرة ، ولا يتم الدين إلا بالدنيا ، والملك والدين توأمان ، فالدين أصل ، والسلطان حارس ، ومالا أصل له فمهدوم ، وما لا حارس له فضائع"
. وقد عرفوا الإمامة أو الخلافة بأنها : نيابة عامة عن صاحب الشرع - وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم - في "حراسة" الدين ، و"سياسة" الدنيا به ، فالخلافة حراسة وسياسة .
وقد كان النبي (صلي الله علية وسلم ) سياسيا ، بجوار كونه مبلغا ومعلما وقاضيا ، وكان خلفاؤه الراشدون المهديون من بعده سياسيين على نهجه وطريقته ، حيث ساسوا الأمة بالعدل والإحسان ، وقادوها بالعلم والإيمان . ولكن الناس في عصرنا وفي أقطارنا خاصة من كثرة ما عانوا من السياسة وأهلها ، سواء كانت سياسة الاستعمار أم سياسة الحكام الخونة ، أو الحكام الظلمة ، كرهوا السياسة ، وكل ما يتعلق بها ، وخصوصا بعدما أصبحت فلسفة ميكافيلي هي المسيطرة علي السياسة والمواجهة لها ، حتى حكوا عن الشيخ محمد عبده أنه قال -بعدما ذاق من مكر السياسة وألاعيبها ما ذاق - قال كلمته الشهيرة : "أعوذ بالله من السياسة ، ومن لساس ويسوس ، وسائس ومسوس " ! .
ومن ثم استغل خصوم الفكر الإسلامي ، والحركة الإسلامية بغض الناس للسياسة ، وضيقهم بها ، ونفورهم منها ، ليصفوا الإسلام الشامل المتكامل الذي يدعو إليه الإسلاميون اليوم بأنه "الإسلام السياسي " .
ولقد أصبح من المألوف الآن وصف كل ما يتميز به المسلم الملتزم من المسلم المتسيب بأنه "سياسي " ! ويكفي هذا ذما له وتنفيرا منه .
ذهب بعض الفتيات المسلمات المحجبات في بلد من بلاد المغرب العربي إلئ شخصيه لها منصب ديني وسياسي ، يشكون إليه أن بعض الكليات تشترط عليهن -لكي يقبلن فيها -أن يخلعن الحجاب ، وهن يستشفعن به في إعفائهن من هذا الشرط الذي يفرض عليهن كشف الرأس ولبس القصير ، وهو ما حرم الله ورسوله ، وما كان أشد دهشة هؤلاء الطالبات الملتزمات حين قال لهن هذا الرجل المشفع : إن هذا الذي ترتدينه ليس مجرد حجاب ، إنه زي سياسي ! . وقبله قال العلماني الأكبر في تونس : إنه زي طائفي ! .
وقال آخر عن صلاة العيد في الخلاء : إنها ليست سنة، إنما هي صلاة سياسية! والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان اعتكاف سياسي !
ولا تستبعد أن يأتي وقت تكون فيه صلاة الجماعة في المسجد صلاة سياسية ! وقراءة الغزوات في كتاب مثل سيرة ابن هشام أو "إمتاع الأسماع " أو المغازي من صحيح البخاري قراءة سياسية .
وقد تصبح تلاوة القرآن الكريم نفسه - وخصوصا سورا معينة منه - تلاوة سياسية
ولم ننس عهدا كان من الأدلة التي تقدم ضد المتهمين فيه حفظ سورة الأنفال ، لأنها سورة جهاد! ! . إذن فينبغي على المسلم أن يملك الزمام في أمته وأن يسارع إلى تولي قيادة التشريع ا لاجتهادي والرقابي في أمته ، حتى ينفذ تعاليم ربه ويعتدل ميزان العدالة ، وتسود تعاليم الإسلام ، ولا ينفذ في الأمة إلا ما يرضي الله ورسوله .
أما أن يتقاعس عن البرلمانات والمجالس صاحبة القرار ، ويترك ذلك للعلمانيين وممثلي الثقافات الدخيلة ، أو المناهضين للإسلام ، فهذا خطأ كبير يدل على عدم فهم وتقدير للأمور ، لأن أحوال الأمة اليوم تحتاج من المخلصين أن يتقدموا ليكونوا البديل الصالح داخل البرلمانات وليكونوا دعاة ومثلا لرسالتهم ومنهجهم ، هذا وقد راجع بعض الذين يلومون [[الإخوان]] علي دخولهم الحياة النيابية أشمهم ، وتقدموا للحياة النيابية ودخلوا البرلمانات والمجلس فما قولهم فيما سطروه من لوم يوم كانوا غير مدركين لنفع ذلك للأمة .
ولقد شعر الاستعمار وأعوانه من السلطات أخيرا بخطر الإسلاميين على مناهجهم وعلى توجهاتهم الفاسدة ، فمنع كثير من البلاد والأقطار الإسلاميين من دخول المجالس النيابية بل حتى النقابات المهنية ، بل تعدي ذلك إلى ردعهم بالسجن والمحاكم العسكرية ، حتى يتخلصوا منهم ومن قوتهم في قول الحق ، وفي تقديمهم للبديل الصالح الذي سيفضح أمر المفسدين والضالين ، نقول بعد ذلك : ما موقف الذين ينتقدون ، أما زالوا لا يعلمون ولا يفقهون ؟
ثم لما عجز الإسلاميون الممنوعون من دخول البرلمانات بقوانين جائرة من السلطات تحايلوا على الدخول بالتحالف مع ا لأحزاب الوطنية المؤيدة لهم ، ليؤدوا ستهم في الدفاع عن الإسلام ودعوته وتعاليمه من المنابر المؤثرة ، والمواقع المهمة التي ترهب الجرمين ، وتمكنوا من ذلك بعد كفاح وجراح ، إذ ببعض القاعدين والمتسكعين من المتدينين العاجزين ، يلومون الإخوان على تحالفهم هذا ، ولم يعط أحد من العاملين المسلمين لأحد أي مقابل ولم يرض الدنية في دينه وشخصه ، ويقولون : إن الذين تحالف معهم الإخوان ليسوا إسلاميين ، بل قوميين .
يا سبحان الله ، وما المانع من ذلك ؟ ألم يقرؤوا قول الرسول (صلي الله علية وسلم ) عن حلف الفضول : "وكان حلفا في الجاهلية لنصرة المظلومين " ، وقال (صلي الله علية وسلم ) : "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان لحفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت " ، أترفض من يتحالف معك على تنفيذ الحق ؟
ثم ألم تدخل خزاعة –وهم مشركون – في حلف الرسول لمج!ز في صلح الحديبية؟ فهل من تحالف معهم الإخوان المسلمون كفار؟ ! ثم ألم يدخل الرسول !ؤ مكة في جوار المطعم بن عدي وهو كافر ، ليبلغ دعوة ربه ، وكان ينادي في مواسم الحج : هل من رجل يأويني ويحميني حتى أبلغ دعوة ربي ؟
وبعد . . ماذا نقول لهؤلاء السلبيين المتخفين وراء أوهامهم ؟ هدانا الله وإياهم .
الحركة السلفية ودخول البرلمانات
وبعد كل هذا نري أن الحركة السلفية في أنحاء الوطن العربي قد فهمت مهمتها الإسلامية وتقدمت للمشاركة في الحياة السياسية بفعالية مشكورة ، ونافست للدخول في مجالس الأمة ، والوزارة ، ووقفت بالمرصاد للمد العلماني والقرارات التي تجرح الأمة في عقيدتها وهويتها ، وقد أصدرت الحركة السلفية في الكويت بيانا صحفيا أبانت فيه رأيها في حل مجلس الأمة وما ينبغي عمله في ذلك :
بيان الحركة السلفية:
أكدت الحركة السلفية "أن أي مجتمع لا يستقيم نظامه إلا بالقيام بما أمر الله به من الحكم بالحق في قوة ، والأخذ بالعدل في إحسان ، وأداء الأمانة في قسط ، ومشاورة أولي الرأي في تواضع ، وأن هذا هو الميزان الذي إذا اضطرب اختل نظام الأمة ، وتخللها الوهن والضعف ، وتوالت عليها الأزمات " .
وأضافت في بيان لها بشأن حل مجلس الأمة : "وإذا وجدت أن مجتمعنا الكويتي الصغير قد أثقلته في الآونة الأخيرة مشكلات سياسية متلاحقة أخذت تعرقل مسيرة التنمية والبناء فيه ، وأدخلت المواطنين في دوامة من الهموم والأزمات ، حتى أفضي ذلك كله إلي أزمة حل مجلس الأمة الذي صدر فجه المرسوم يوم 4/ 5/ 1999م وحتى لا تموج الساحة السياسية في تحليلات ، تخوض فيها الأطراف ، كل من منظوره الخاص ، ويلقي كل طرف باللائمة على غيره ، مما قد يفضي إلي تولد أزمات جديدة ، فإن الحركة السلفية إزاء هذا الوضع - مع إشادتها بالتمسك بالمشاركة الشعبية المتمثلة بالحل الدستوري والدعوة إلى الانتخابات - وهي تشير مع ذلك إلى أن اللجوء إلف الحلول الدستورية للمجالس النيابية لا يصار إليه إلا في حالات الضرورة القصوى ، لأنه دليل على تراجع في وعي أهمية المشاركة الشعبية ، غير أنها تؤكد ما يلي :
1 - ضرورة التشخيص السليم والمحايد للأزمة الحالية والذي يجب أن ينطلق من المصلحة العامة للوطن ، دون المصالح الشخصية ، والحزبية والطائفية ، وغيرها .
2- عدم إلقاء اللوم على المجلس فحسب ، بل التمسك بالتحليل الشمولي الذي يحمل كل طرف مسؤوليته .
3 - الدعوة الصادقة إلي ضرورة إعادة النظر في أسلوب الممارسة وتجنب كل ما من شأنه أن يعكر على التفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
4 - العمل على إيجاد وبث روح الانسجام والتلاحم بين الشعب والسلطة ، والتأكيد على أن مفهوم العمل الوزاري وتوزير النواب يجب أن يغذي هذه الروح لا يضعفها .
5 - ضرورة مراجعة كل من الحكومة والقوي السياسية لأولوياتها وبرامجها في ضوء استمرار ظاهرة التأزم السياسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية - وبناء على تلك الأولويات والبرامج على نظرة موضوعية متجردة هدفها ا لإصلاح وا لاستقرار السياسي ورفاه المواطن " . ودعت الحركة السلفية "القوي السياسية إلى عقد اجتماع عاجل لمناقشة الوضع ورسم الأولويات والخروج بتصور عام متوازن يحقق المصلحة العامة" .
هذا بيان الحركة السلفية في الكويت ، والذي صدر بمناسبة حل مجلس الأمة ، ويظهر فيه أن الحركة السلفية متمسكة بالمشاركة الشعبية ، وقد شاركت فعلا في الحياة النيابية ، وكان لها حضور في قلب الأحداث ، وكان لها مطالب لإصلاح الحياة السياسية ، كما طالبت بالتمسك بالدستور الذي يعدونه القول الفصل في الحياة النيابية ، ويطالبون كذلك بالتفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وبضرورة التفاهم بين القوي السياسية ، ومراعاة الأولويات في ذلك كما جاء في البيان . . الخ.
وهذا يدل على تقدم فكري وحركي وسياسي ينبغي أن يشاد به ويعمل على تقويته حتى تخلص عقلياتنا جميعا من التقوقع والسلبية التي استغلها أعداء الإسلام واستولوا على قيادات ا لأمة ومراكز الرأي فيها .
كما أن الحركة السلفية في الكويت وفي بعض الأقطار دخلوا الوزارات وتعاونوا على تنفيذ القرارات تحت ما يسمونه بالقانون الوضعي ، وكذلك فعلوا في اتحادات الطلبة والنقابات المختلفة ، وأصدروا المجلات السياسية ، ونشروا فيها التصاوير الغي كانوا يحرمونها قبل ذلك . . إلخ .
ولا أظن أن اعتراضهم على الإخوان المسلمين في دخولهم الحياة السياسية واشتراكهم في المجالس النيابية وغير ذلك ، ما كان هذا إلا مرحلة معينة من مراحل التطور الفكري وفي النهاية سينتهون إلى ما بدأ به الإخوان من 70 عاما ، وهذا شيء يختصر الطريق على العاملين في الحقل الإسلامي ، ويوحي بخير، بدل الجدل العقيم والفرقة والنشر ذم الذي أصيب به العمل الإسلامي من جراء ذلك الفهم الذي كانت تنقصه الدراية والخبرة وسعة الأفق .
ملفات خاصة