الإخوان وحكومة علي ماهر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان وحكومة علي ماهر الأولى (30يناير 1936ـ 9مايو 1936)

مقدمة

كلف الملك فؤاد علي ماهر باشا.(1)وكان رئيساً للديوان الملكي بتشكيل الحكومة ، فقد رغب أن تعقب وزارة نسيم باشا وزارة ائتلافية، ولكن المساعي في هذا الاتجاه فشلت ، وقد ألف علي ماهر الوزارة فى 30 يناير 1936، وهى وزارة محايدة لا تمت إلى الأحزاب بصلة وليس من أعضائها من يتصل بالأحزاب السياسية وكانت مهمتها إجراء انتخابات حرة لا تتدخل فيها الحكومة .(2 )

وعقب تأليفها أصدرالملك فؤاد مرسوما بتكوين هيئة المفاوضات مع الإنجليز، وبهذا تهيأت الفرضة لبدء المفاوضات واستمرارها فى الإسكندرية ، وجرت المفاوضات من أجل عقد معاهدة مصرية بريطانية منذ أواخر عهد الملك فؤاد.

والتى بدأت في القاهرة يوم 2 مارس سنة 1936 "بقصر الزعفران".

ثم استمرت في الإسكندرية منذ أواخر يوليو بقصر "انطونيادس" وانتهت بوضع مشروع المعاهدة التى وقعت في لندن بقاعة "لوكارنو" التاريخية بوزارة الخارجية البريطانية يوم 26 أغسطس سنة 1936.

وتهيأت الفرصة ، لإجراء انتخابات تتولى الحكم على أثرها وزارة الأغلبية ، وفي 26 مارس 1936 صدر المرسوم الملكي بدعوة الناخبين إلي انتخاب أعضاء مجلس النواب ، وحدد يوم 2مايو لإجراء الانتخابات ، ويوم 10 مايو لانعقاد البرلمان .

إلا أن الملك فؤاد توفي 28 إبريل 1936. ونودى بابنه فاروق ملكاً علي مصر.

وظن الناس فى مصر أن هذه الوزارة الجديدة وزارة انتخابات فقط ، أو أنها لن تتناول من الأمور السياسية شيئا ذا بال .

لكن علي ماهر باشا لم يلبث حين اطمئن اليه الأمر وعلى الرغم من أن وزارته لم تكن لتبقى فى الحكم أكثر من ثلاثة أشهر تظر فى ختامها نتيجة الانتخابات أن فكر فى التمهيد لإصلاحات داخلية ومعالجة مشاكل خارجية طال الأمد على بعضها وهى معلقة لا تجد حلا. (3)

وأخيراً أُجريت الانتخابات التى لم تتدخل فيها الحكومة،وأسفرت عن أغلبية للوفد،ومن ثم كلف مصطفي النحاس باشا بتأليف الوزارة الجديدة فألفها في 10 مايو 1936 وهى وزارته الثالثة.

وقد تفاعل الإخوان مع الانتخابات النيابية ،فقد دعى مكتب الإرشاد الإخوان إلى النزول لاختيار نوابهم ، وقدموا لهم النصائح التى على أساسها يكون اختيار النواب ، صدرت بذلك نشرة ، منها : ( إلى الإخوان المسلمين في مختلف دوائرهم بمناسبة الانتخابات ).

1 ـ الصوت الانتخابي من حق الوطن فلا يصح أن يتأخر قادرعن إبداء صوته في قضية هي من أمس القضايا ، بل الواجبات الوطنية، فاحرصوا على أداء الواجب ، ولا تعطلوا أصواتكم ولا تهملوها.

2ـ الصوت شهادة يسأل الإنسان عنها، فحكموا ضمائرهم وعقولكم وكونوا أحرارًا في مناصرة الحق شجعانًا في اختيار الأصلح.

3ـ اشترطوا على نوابكم أن يكون منهاجهم وطنيًا إسلاميًا يؤيد قضية الإسلام، ويعمل على صبغ الأمة بتعاليمه وشرائعه، ولا تغلبنكم المجاملات والعواطف ، فإن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

4ـ الابتعاد عن السباب والشتائم والنميمة الكاذبة، والرياء القاتل والنفاق الوبيل.

5ـ لا مانع من أن يعرض الإنسان منهاجه أو منهاج من يناصره ويتكلم عن مزاياه وفضائله ويدلي بالحجج والبراهين على صلاحيته ولكن لا يصح مطلقًا أن يغتاب المنافس ويسبه ويشتمه ويلصق به المعايب والتهم بحق أو بغير حق، فإن ذلك ليس من الدين ولا من المروءة ولا من الإنسانية في شيء، ولئن قالوا إن ذلك جائز في عرف السياسة ، فإن الإسلام لم يتسامح فيه أبدًا ولم يجزه أبدًا....

6ـ ستنتهي الانتخابات وتبقى الحزازات أو المجاملات فلأن يبق المعروف بينكم خير ولا تنسوا الفضل بينكم في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والتساند ذلك ما أردت أن ألفتكم إليه رجاء أن تعملوا به وتشيعوه بين إخوانكم وتحملوا عليه من استطعتم من مواطنيكم ومعارفكم.. (4)

إيجابيات حكومة علي ماهر فى نظر الإخوان

وبالرغم من أن حكومة علي ماهر باشا جاءت لهدف معين هو إجراء الانتخابات ، إلا أنها استطاعت أن تقوم ببعض الإصلاحات جعلت الإخوان يثنون عليها ، فكتب الأستاذ البنا يؤيد تلك الإصلاحات في مقال بعنوان: "خطوات موفقة"(5).

قال فيه: ليس من عادة هذه الجريدة ، ولا من سنة الإخوان المسلمين أن يتوجهوا إلى أحد بشكرأو يغرقوا في مدح أو ثناء ؛ لأنهم يعتقدون أن في عنق كل فرد لهذه الأمة الكريمة والبلد الأمين واجبات كبارا مهما جد في قضائها فلا يزال ما أمامه منها أكبر مما يراه.

ولكن دولة علي ماهر باشا في فترة حكمه القصير خطا بالهمم خطوات لو لم يكن من نتائجها إلا أنها أحيت الأمل وأماتت اليأس، وأثبتت للناس بطريق عملي أن الإصلاح ممكن هين يسير لو توجهت إليه الهمم وانصرفت نحوه العزائم لكانت نتيجة مشكورة وخطوة من أبرك الخطوات وأيمنها في أدوار النهضة الجديدة.

ودولة علي ماهر باشا يتجه في إصلاحه وجهة جديدة طيبة مباركة ويعمل على أن يوجه الناس إليها بعد أن ظن المصلحون أن الحكام والزعماء قد انصرفوا عن هذه الوجهة وأهملوها فنفضوا أيديهم منهم وعولوا على أنفسهم، تلك هي وجهة الإصلاح الخلقي وتجديد شباب الأمة النفسي وتحصينها بالإيمان والأخلاق وإعادتها إلى ما تركت من دين كريم وخلق قويم.

ولماهر باشا في ذلك شواهد جمَّة نحب أن نسجل هنا بعضها تذكيرًا للزعماء والحكام.وأخذ الأستاذ البنا يذكر إنجازته ، وهى :

1ـ المجلس الاجتماعي الأعلى هو الصورة الحية لاقتناع الوزير الكبير بسوء الحالة الاجتماعية في البلد ووجوب الإصلاح القوي العاجل لها، إذ إنها مصدر فقر الحياة في نفوس الأمة المجاهدة التي تستقبل الحياة من جديد.

2ـ إصلاح القوانين ، وهذا مظهر آخر من مظاهر اقتناع الوزير بوجوب العودة إلى التشريع الإسلامي وبأن التشريع الحالي في رخاوته وليونته لا ينهض أبدًا بتحقيق الغايات النبيلة في الإصلاح الخلقي، ولا يصلح أساسًا للحياة المستقلة الوطنية التي نريد أن تحياها مصر المجيدة.

3ـ الشروع في المفاوضة بين مصر والحجاز مظهر ثالث من مظاهر اقتناع الوزير بوجوب اعتماد مصر على الوحدة العربية ووجوب تقوية الصلة بينها وبين جاراتها التي يجمعها وإياه الدين واللغة والوطن والمصالح والثقافات والفكر وكل مقومات الأمم.

4ـ ظهور علي ماهر باشا في مسالكه الشخصى بصورة مستقيمة ، فها هو في حفل "جاناكليس" يسأل أول ما يسأل عن المصلى للعمال، ويمتنع عن أن يشرب الخمر ، ويصرح في اقتناع وحماس بكراهته للروايات قاطبة وبخاصة الروايات الغرامية التي أفسدت نفوس الشباب.

ولهذه الأعمال التى قام بها فى وزارته القصيرة التى امتدت ما يقرب من مائة يوم والتى كان من المتوقع منها أنها جاءت للإعداد للانتخابات ، ولم ينتظر منها جديد في السياسة العامة للدولة ، لذا فإن الإخوان يؤكدون على أن " هذه المظاهر كلها في مسالك دولة ماهر باشا واتجاهاته الشخصية أو العامة تبشر بخير كثير، وتوجه الأمة توجيهًا نافعًا صالحًا وتلفت أنظار المصلحين والعاملين إلى ما يجب أن يكون، وإلى أنه من الخير لهذا البلدأن يستمر هذا الاتجاه بل لا صلاح للبلد إلا باستمراره فصلاح الأخلاق وتعديل القوانين وتقوية الرابطة بين الأمة العربية وحسن القدوة كل هذه دعائم لا تستغني عنها في بناء النهضة الجديدة." (6)

ويؤكد الأستاذ البنا أن ما بذله علي ماهر باشا لا يعدو سوى خطوة في سبيل الإصلاح الاجتماعي والثقافي تحتاج من يتابعها فى العمل حتى يستكمل الإصلاح خطواته .

وأن الإخوان المسلمين يضعون جهودهم المتواضعة بين يدي كل هيئة تعمل لخير هذا البلد الكريم لا يرجون من وراء ذلك إلا أداء بعض واجبهم في الإصلاح العام ثم يتوجه إليه بالشكر ويطالبه بالتقدم إلى الأمام دائما .(7)

ولم يؤيد الإخوان المسلمون وزارة علي ماهر وهي في السلطة فقط ، بل بعد أن ترك الوزارة، فقد كتبت صحيفة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحييه على جهوده في الإصلاح أثناء الوزارة وتدعو حكومة النحاس باشا أن تكمل المسير في سبيل الإصلاح فكتبت تحت عنوان "بين عهدين"(8)

تقول: انقضى عهد الوزارة الماهرية بما حفل به على قصر مداه من مشروعات وإصلاح، ولا يسع المنصف النزيه إلا أن يثني على همة الوزير الجريء ماهر باشا وإخلاصه، فلقد استطاع أن ينجز في بضعة أشهر ما لم يستطعه سواه في سنوات، وتناول إصلاحه الصحافة والتشريع وتشجيع الروح الرياضية وإنجاز المعاهدة العربية المصرية التي كان من أثرها اعتراف الحكومة المصرية بحكومة الحجاز، وغير هذا مما لا يتسع المقام لذكره تفصيلاً.

ثالثا: مآخذ الإخوان على حكومة علي ماهر

وبالرغم من ثناء الإخوان على حكومة علي ماهرإلا أنهم أخذوا عليه البدء فى مشروع ترجمة القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم لا يترجم لفظه ، بل معانيه .

ويعبرون عن رأيهم ذلك فى ( مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية ) : "بيد أننا يعز علينا كثيرًا أن يتم في عهده مشروع ترجمة القرآن، فلقد خطا بذلك خطوة جريئة، قابلها المسلمون بالفزع والدهشة، وجأر الشكاة منهم إلى المراجع العليا يلتمسون وقف هذا المشروع الخطير، فلم يأبه لشكواهم أحد، وسار أنصار هذه الفكرة في طريقهم لا يلوون على شيء. (9)

وطالبوا وزارة النحاس باشا ـ التى خلفته ـ باستكمال مسيرة الإصلاح ودعت له أن يتم الله على يديه ما لم يوفق غيره إليه من نصرة الدين وإعزاز كلمة الله ، فيستهل أعماله الصالحة بوقف مشروع ترجمة القرآن.

رابعا: المراجع

(1) علي محمد ماهر باشا (1882 - 1960) سياسي مصري بارز، تولى وزيرا فى وزارات مختلفة ، ورئيسا للديوان الملكى ، ورئيسا للوزراء فى مصر أربع مرات منذ الثلاثينات من االقرن العشرين ، والده محمد ماهر باشا وكيل وزارة البحرية ومحافظ القاهرة.

درس القانون في مصر وفرنسا وعمل بعد تخرّجه بالتدريس في مدرسة الحقوق وأصبح مديرا لها كما عمل في المحاماة والقضاء.

انضمّ إلى حزب الوفد المصري عند تشكيله في أعقاب الحرب العالمية الأولى ثم إلى حزب الأحرار الدستوريين ثم إلى حزب الاتحاد .

ولما قامت ثورة 23 يوليو 1952 تولى الوزارة فترة مؤقتة انتهت بالاستقالة يوم 7 من سبتمر 1952عُيّن عام 1953م عضوا ثم رئيسا للجنة مشروع الدستور المصري.

وقد عرف عنه دهاءه السياسي وحسن معالجته للأمور بحيث أطلق عليه مرارا لقب رجل الساعة في مصر ورجل الأزمات اعترافا بحنكته وقدراته السياسية المتميزة في مختلف الشئون السياسية.

توفي في أغسطس 1960م في مدينة القاهرة.

(2) عبد الرحمن الرافعى  : فى أعقاب الثورة المصرية ج2 ص228 . (3) د. محمد حسين هيكل : مذكرات فى السياسة المصرية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1990. ج1ص 325، 342.

(4) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 3 ، 7صفر 1355هـ / 28أبريل 1936م. وهذه التوجيهات صادرة عن مكتب الإرشاد العام منشور رقم 2 سنة 1355هـ.

(5) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية ،السنة الرابعة ، العدد (3) ،7صفر 1355هـ / 28أبريل 1936م.

(6) السابق نفس العدد والصفحة .

(7 )راجع : جمعة أمين عبد العزيز : أوراق من تاريخ الإخوان ، دار التوزيع والنشر الإسلامية ،القاهرة ، 1424هـ / 2003، ج3 ص 44.

(8) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 6 – 28صفر 1355هـ / 19مايو 1936م.

(9) السابق نفس العدد والصفحة .