الإخوان المسلمون دعوة ورسالة.. وشريعة وهداية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون دعوة ورسالة.. وشريعة وهداية
رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف -المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على خير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد!!

فلقد ظهرت دعوة الإخوان المسلمين وبرزت على الساحة الإسلامية والعالمية منذ أكثر من سبعين عامًا، وقدمت الإسلام إلى العالم في ثوبه الصحيح، وبتمامه وكماله، وشموله ووضوحه، كمنهج حياة صالح لكل زمان ومكان، إذا تحاكم إليه الناس سعدوا في دنياهم بالحق والعدل، وفازوا في أخراهم برضا ربهم، الذي خلقهم ورزقهم وضمِن لهم أعمارهم، وأرسل فيهم الأنبياء والمرسلين مبشرين ومنذرين.. "لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" (النساء: 165).

وكان خاتمهم رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله ربه بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلَّغ عن ربه "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ" (يوسف: 108).

وحمل الأمانة، وأوضح الدين، وفصَّل الرسالة، وكوَّن على الحق رجالاً عاشوا بهذا الإسلام العظيم، وكانوا له منارات الهدى، وأحيا الله بجهادهم قلوبًا كانت غافلةً لاهيةً، فصارت- بفضل الله- واعيةً ذاكرةً مجاهدةً "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام: 122).

ولأنَّ دعوة الإخوان إسلاميةٌ خالصةٌ التفَّ حولها المسلمون وتفاعلوا معها، فأخذوا الإسلام بجدٍّ، وألزموا أنفسهم به بحق، وحرصوا على نشره، وجاهدوا في سبيل ذلك؛ إنفاذًا لأمر الله تعالى "ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ" (النحل: 125)، فانتشرت الدعوة في كل أركان المعمورة، وظهر للعالم أجمع أن الإخوان المسلمين يمثِّلون الإسلام الصحيح الكامل.. الشعائر والشرائع.. فأركان الإسلام وشعائره وأحكام الإسلام وشرائعه هي الإسلام كما أراد له الحق سبحانه وتعالى أن يكون "اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا" (المائدة: 3).

و الإسلام الذي نعرفه ونفهمه بهذا الشمول يربي النفوس، ويكوِّن الرجال، ويؤسس المجتمعات، ويقضي بين الناس ويعطي كل ذي حق حقه.. مسلمًا كان أو غير مسلم.. فالبشر في نظر الإسلام مكرَّمون ?ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ? والناس تحت راية القرآن يُرحمون "ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107)، والكل- بغض النظر عن عقائدهم- أمام عدل الإسلام لا يُظلمون "ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة: 8).

وهذا هو الإسلام الذي تحتاج إليه الدنيا الآن.. وقد ظهر فيها الظلم والجور والفساد "ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم: 41)، هذا الإسلام العظيم الذي يعلي قيمة الروح وُيقدِّر رغبات البشر ويهذِّبها ويقوِّمها، ويحترم حرية الإنسان في الاعتقاد ويدعو الناس أن يكونوا جميعًا عبادًا لله متراحمين، وإن اختلفت عقائدهم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13)، ولا ينهَى المسلمين عن برِّ إخوانهم من بني البشر من أهل الكتاب "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ" (الممتحنة: 8).

بل إن الله تعالى بشَّرَ المؤمنين بفوز الروم وغلبتهم؛ لأنهم الأقرب مودةً والأجدر بالتعاطف معهم "غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدِ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم: 2-5)، وإن الخير لم ينقطع من أهل الكتاب منذ جاء المسيح (عليه السلام) برسالة ربه الحق وحتى اليوم "ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورُهْبَانًا وأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة: 82).

ولقد كان البابا يوحنا بولس الثالث مثالاً ونموذجًا لهؤلاء المذكورين في هذه الآية الكريمة، فلقد سعى في الأرض لنشر السلام وتحقيق الأمان بين الناس جميعًا، وجهده وجهوده في ذلك لا ينكرها أحد، فحرص- وبتواضع ملحوظ- على دعوة الجميع إلى السلام، وكم تحتاج البشرية الآن إلى أمثاله من الرجال والمصلحين؛ فالعزاء لإخواننا الكاثوليك ولباقي الطوائف والمذاهب المسيحية- بل وللعالم- في فقدانه واجبٌ، ونتمنى أن يكون خلَفُه مثلَه لتتواصل دعوة الحب والسلام.

وعالمنا اليوم تتقاذفه أمواج عاتية، ونزوات طائشة، ورغبات جامحة، تريد أن تعود به إلى شريعة الغاب؛ حيث الظلم والجور والقوة الباطشة والعدوان، وأصبح الأمر الآن واضحًا لكل ذي بصر وبصيرة بأن الصهيونية التي تمتطي ظهر القيادة الأمريكية هي التي تحرك هذا الصراع الدامي، وهي التي تشعل وتؤجِّج نيران العداوة والبغضاء بين الناس، فالدماء تسيل، والفوضى توشك أن تعم، وخاصةً في بلاد العرب والمسلمين، ومكروا مكرًا كبَّارًا، ويسعون في الأرض فسادًا، ويتآمرون على الإنسان وعتَوا عتوًّا كبيرًا.

فها هي فلسطين جرح في قلب العالم، وها هي العراق بركان تفجِّره رغبة المحافظين الجدد في البيت الأبيض، وقبل ذلك أفغانستان والشيشان، وظلم وعدوان غير مسبوق في التاريخ، والبوسنة وما كان فيها، وكوسوفو وما وقع لأهلها، ومشروع صهيوني أمريكي تتبلور معالمه الآن في مأساة دارفور في السودان.

ومن المؤسف والمقلق أن حكام ونظم بلاد كثيرة من بلاد العرب والمسلمين لاهيةٌ غافلةٌ أو مقهورةٌ متغافلةٌ، تقف في خندق الاستسلام، بعيدًا عن شعوبها وعن أبنائها، فسهَّل ذلك على أعداء البشر اغتيال الإرادة، وتغييب الهوية، وتغريب الأمة..!!

واليوم يعيش هؤلاء الحكام في حالة من الاضطراب والضعف والتردي والخوف من السقوط في ظل أوضاع داخلية في بلادهم، باتت تُنذر بخطر الفوضى وسقوط الدول، ضعف هؤلاء، وأضعفوا شعوبهم وأمتهم، فهانت على أعدائهم، وابتغوا العزة عند غير الله فصار هذا حالهم، ولاذوا واستعانوا بالأعداء على الشعوب، فانقطعت وتقطَّعت أرحامهم، ابتُليت الأمة بهم وهم ما زالوا- على ضعفهم- يصرون على مواقفهم ضد شعوبهم.

وفي هذه الظروف وأمام هذه الأوضاع للأنظمة الواهية الظالمة المستبدة وللشعوب- صاحبة الحق في الحياة الكريمة والراغبة في العدل والحرية- فإننا نعلن من منطلق الواجب والإحساس بالمسئولية:

أولاً: على أمريكا أن تكف عن التدخل في شئون هذه البلاد، وأن تُنهي احتلالها للعراق، وأن تتوقف عن دعمها الظالم للصهاينة في فلسطين ، وأن يعرف قادتُها المستكبرون أن ما يفعلونه لا يحقِّق مصالح الشعب الأمريكي، بل يجلب له الخسارة وكراهية الشعوب، وأن الحق فوق الجميع, وأن للكون إلهًا- سبحانه وتعالى- قادرًا قاهرًا فوق عباده، وأنهم سيُغلبون "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ" (القمر:45).

ثانيًا: على الأنظمة العربية والإسلامية أن تقدر الأمر قدره، وأن تنـزل على إرادة الشعوب، وأن تعمل على تحقيق طموحاتها وآمالها، ولْتعلم أنه من الخير لها أن تكون مع شعوبها لا أن تكون عليها، ولن يستطيع أحد- بإذن الله- أن يحتوي دعوة الإخوان المسلمين، ونحن على مصالح بلادنا حريصون، وبالحكمة والنهج السلمي إلى آخر الدرب سائرون، نرعى الله في أمتنا وفيكم، فهلاَّ كففتم أيديكم، وتنازلتم لإرادة أمتكم، ونزلتم على رغبتها في الإصلاح، فإن أبَيتم فإن الله فوق الجميع، يسمع ويرى، وإنا على دربنا لسائرون، وعليكم لصابرون، حتى يفتح الله بيننا وبينكم بالحق وهو خير الفاتحين، واحذروا الفتن، ووالله إنكم بين يدي الله لمسئولون، ونسأل الله لنا ولكم الهداية.. اللهم هذا بلاغنا.. اللهم فاشهد.

ثالثًا: وعلى الشعوب الصابرة، أحفاد الأمة المجاهدة، أن تصبر على درب الجهاد والتضحية، وأن تتحمل مسئوليتها أمام ربها وحيال أمتها، فلا تكاسُل، ولا خوَر، ولا تهوُّر، ولا صدام.. ولكن وعيٌ، وهمةٌ، وتفاعلٌ، ومطالبةٌ دائمةٌ بالحق المشروع، بالحكم الصالح الراشد، وبالإصلاح المنشود، فلا ندعوكم لثورة، ولكن ندعوكم ليقظة وهمة ومراجعة، ورفض لظلم الظالمين، وعلينا جميعًا التزام الحكمة والوسائل السلمية- وهي كثيرة- لإسماع هؤلاء صوتَنا، فنحن جميعًا غاضبون، وعن الظلم غير راضين، نريد الحق والعدل والحرية.

رابعًا: والأمم المتحدة- وقد سيطرت عليها أمريكا- ما زلنا نطالبها بدور إيجابي، والدول الأعضاء فيها- وخاصةً دول غرب أوروبا- يمكنها أن يكون لها دور فاعل في إقرار السلام في العالم، ولن يتحقق ذلك إلا بالعدل "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء 58).

خامسًا: وجامعة الدول العربية، وقد اعتراها الضعف وبدت عاجزةً- على الرغم من جهود أمينها العام المتواصلة الطيبة- فأين دورها؟ وأين ميثاقها؟ الوحدة العربية والإسلامية يجب أن تنال أكبر الاهتمام، وبغيرها لن يكون لهذه الأمة دور فعال في هذا العالم، والنظُم القائمة الآن تحتاج إلى الإصلاح، وربما إلى التغيير، فندعو الله لإدارة الجامعة العربية بالرشد والتوفيق للقيام ببعض هذا، وما ذلك على الله بعزيز.. "إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء: 92).

سادسًا: وكلمتيللإخوان المسلمين جميعًا "لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلا مَن ظُلِمَ وكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" (النساء: 148)، ولا يزال أهل الباطل بأهل الحق يناوئونهم ويخاصمونهم ويقاتلونهم ليفتنوهم عن حقهم وليحيدوا بهم عن طريقهم، ولكنَّ اللهَ الحقَّ لا يزال يثبِّت أولياءَه على حقهم، ويأَجُرُهم بجهادهم ثم ينصرهم بعد ذلك على أعدائهم.

وكم صبرنا على المحن..!! وإنَّ محنة اليوم تحتاج إلى ذات الصبر، فصبرًا صبرًا أيها الإخوان، فما لمثل هذه المحنة الطارئة أعددتم ما أعددتم من قول أو عمل، وإنا لنألم لهؤلاء أكثر مما نألم منهم، وإن الله خيَّر بين العقوبة والصبر، وقرر أن في الأخير الخير، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، وهو العزم، والتقوى أنتم أحق بها وأهلها "وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" (آل عمران: 186).

وإن مهمتنا لا تستهدف أشخاصًا، لكنها تستهدف إصلاحًا من خلال القنوات الدستورية والقانونية والشرعية وبالوسائل السلمية والحضارية، فالزموا أصولَ دعوتِكم وشُدُّوا وِثاقَكم في مناشطكم داخل مجتمعاتكم، واعلموا أن النصر مع الصبر فـ"اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200)، وثقتي بالله لا تحدُّها حدود، وهو معكم ولن يتركم أعمالكم، وإنَّ غدًا لناظره قريبٌ.

"واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21).

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين