الإخوان المسلمون ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي ( حقبة عبد الناصر ) (الحلقة الأولى)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي ( حقبة عبد الناصر ) (الحلقة الأولى)


بقلم : زياد أبو غنيمة

من ثورة ، إلى انقلاب ، إلى ديكتاتورية مُطلقة

55شعار-الاخوان.jpg

في فجر 23 / تموز ـ يوليو / 1952 م إنطلق صوت الصاغ محمد أنور السادات من إذاعة القاهرة بالبيان رقم واحد إلى الشعب المصري باسم اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة يُبشـِّـره بقيام الجيش المصري بحركة عسكرية لإنقاذ مصر وشعبها من الفساد والظلم والاستبداد .

اختلفت الأراء في وصف حركة 23 يوليو ، البعض أطلق عليها إسم ثورة يوليو مستندا إلى أن من قام بها أطلق على نفسه إسم ( مجلس قيادة الثورة ) ، والبعض وصفها بالإنقلاب العسكري ، أما الصحف الصادرة في اليوم التالي لنجاح الحركة فأطلقت عليها إسم ( حركة عسكرية مفاجئة ) ، وبعيدا عن الجدال العقيم ، واستنادا إلى الوقائع المُثبتة ، فإن أصدق ما توصف بها حركة 23 / تموز ـ يوليو / 1952 م أنها بدأت ثورةً قام بها تنظيم ( الضباط الأحرار ) بقيادة اللواء الركن محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة على نظام الملك فاروق بفساده وظلمه وارتهانه للسفارة البريطانية في القاهرة ، ولكن سرعان ما تحوَّلت الثورة إلى انقلاب عندما انقلب البكباشي جمال عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب وأقصاه عنوة عن رئاسة مجلس الثورة وعن رئاسة الجمهورية التي تولاها بعد إلغاء الحكم الملكي في مصر ، ولم يطل الأمر حتى تحوّل نظام الحكم برئاسة جمال عبد الناصر إلى ديكتاتورية مطلقة جثمت على صدر مصر وعلى صدور المصريين خمسة عشر عاما عجافا كما سنرى في الحلقات القادمة بإذن الله عزَّ وجلَّ .

دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو1952 م

لا يملُّ خصوم الإخوان المسلمين على اختلاف مُسمَّياتهم من ترديد الإسطوانة المشروخة التي تزعم عدم وجود أي دور لجماعة الإخوان المسلمين في ثورة 23 / تموز ـ يوليو / 1952 م ، وهي مزاعم تتهاوى أمام الحقائق المكتوبة ، وأمام الصور التي لا تكذب التي ستحفل بها هذه الحلقة وحلقات قادمة .

شهادة الملك المخلوع فاروق عن دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو

على قاعدة ( قطعت جهيزة قولَ كل خطيب ) ، فإني أحسب أن شهادة الملك فاروق الذي أنهت حركة 23 يوليو ملكه وملك عائلته تكفي وحدها لتأكيد مشاركة الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو 1952 م ، فقد نقل الدكتور إسحق موسى الحسيني في كتابه ( الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية ) عن كتاب ( فاروق بين القمة والحضيض ) أن الملك المخلوع فاروق قال بعد طرده من مصر : ( إن الإخوان المسلمين هم الذين قلبوا عرشي , ولم يكن رجال الثورة إلا العوبة بأيديهم , ولقد أراد الإخوان المسلمون ضربي في عرض البحر لولا أني أمرت ربان السفينة فغيَّر اتجاهها( ، وفي ذات السياق نشرت صحيفة ( الأهرام ) في 26 / تموز ـ يوليو / 1952 م وهو اليوم التالي لطرد فاروق إلى إيطاليا في تغطيتها لخبر طرد فاروق قوله للضبَّـاط الذين رافقوه إلى متن اليخت الملكي ( المحروسة ) الذي أقله إلى منفاه في نابولي بإيطاليا : ( إن مهمتكم شاقة وإنني أعلم أن الذين قاموا بهذه الحركة شرذمة من الإخوان المسلمين ) .

شهادات الضباط الأحرار عن دور الإخوان في حركة 23 يوليو

وإلى جانب شهادة الملك المخلوع فاروق سأورد العديد من الشهادات التي تؤكد مشاركة الإخوان في حركة 23 يوليو على لسان بعض من شاركوا فيها من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار على القاعدة القرآنية الكريمة ( وشهد شاهدٌ من أهلها ) .

شهادة جمال عبد الناصر

لا ريب أن شهادة البكباشي جمال عبد الناصر عن دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو تكتسب أهمية خاصة ، ففي إحدى حلقات دراسته التي نشرتها مجلة ( المصور ) تحت عنوان ( قصة ثورة الجيش من المهد إلى المجد ( ينقل الكاتب المصري حلمي سلام على لسان البكباشي جمال عبد الناصر عن ذكرياته عن نشأة ومولد تنظيم الضباط الأحرار قوله : الذي كان يجمعنا وينظمنا هو المرحوم الصاغ م . ل ، ( هو الصاغ محمود لبيب الذي أوكل له مرشد الإخوان الشيخ حسن البنا مسؤولية الجناح العسكري في الجماعة ) ، وفي نفس الحلقة ينقل سلام على لسان عبد الناصر أنه التقى ( م. ل ) في صيف 1944م في جزيرة الشاي بحديقة الحيوان بالقاهرة ، وأنه تأثر بحديثه تأثراً عميقاً حين حدَّثه عن أهمية العقيدة الإسلامية وعن هيئة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها ، وينقل سلام عن عبد الناصر أن فكرة تأسيس تنظيم سري داخل الجيش هي فكرة م . ل عندما سأله عبد الناصر عن الأسلوب العملي للتخطيط فأجابه : علينا أن نبدأ في تنظيم جماعة في الجيش تعتقد بما تؤمن به حتى إذا جاء الوقت المناسب نكون انتظمنا في صف واحد فيستحيل على أعدائنا أن يقهرونا .

شهادة خالد محي الدين

ويُعزِّز مشاركة الإخوان في حركة 23 يوليو شهادة عضو مجلس قيادة الثورة خالد محي الدين الذي تحوَّل من فكر الإخوان إلى الفكر الماركسي ، ففي كتابه ( والآن أتكلم ) المنشور في عام 1992 م عن مركز الأهرام للترجمة والنشر يورد محي الدين ( ص 130 ـ 135 ) الترتيبات التي اتخذتها اللجنة التأسيسة للضباط الأحرار في اجتماعها العاجل لتحقيق أهداف المرحلة الأولى للحركة وهي السيطرة على مبنى قيادة الجيش الموالية للملك واقتحامه والاستيلاء عليه واعتقال بعض كبار ضباط الجيش والطيران وقادة الأسلحة المختلفة الموالين للملك فاروق حتى لا يُحرِّكوا أية قوات عسكرية للتصدي للثورة ، ويذكر خالد محي الدين من بين تلك الترتيبات تكليف الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف ( ممثل الضبَّـاط الإخوان في اللجنة ) والضابط كمال الدين حسين بقيادة قوات المدفعية للقيام بعزل منطقتي ألماظة والهايكستب والطرق المؤدية إلى وحدات الجيش المختلفة لمنع وصول أية قوَّات موالية للملك لإجهاض الحركة ، وفي موضع آخر من كتابه ( والآن أتكلم ) يقول خالد محيي الدين: إتصل جمال عبد الناصر بالإخوان ليبلغهم بالحركة وليطلب مساعدتهم في حالة تحرُّك الإنجليز ضدَّنا ، وقبل التحرك أبلغني عبد الناصر أنه أبلغ الإخوان باستعدادنا للتحرك ، فسألته : هل كان ردهم إيجابي ؟ ، فهزَّ رأسه بالموافقة ، ولكنه أضاف : إنهم مُتعـِـبون جداً ، وعلينا أن نعيد الحسابات بالنسبة لهم ، ففهمت من كلامه أنهم واجهوه بمطالب كثيرة ، ولكن الظروف الحرجة أملت على عبد الناصر عدم مجابهتهم .

شهادة جمال حمَّـاد

وتـُعزِّز شهادة عضو تنظيم الضباط الأحرار جمال حمَّـاد الذي صاغ البيان رقم واحد للحركة العسكرية الذي أذاعه محمد أنور السادات ، ففي الطبعة الأولى من كتابه ( أسرار ثورة يوليو ـ ص 516 ) الذي نشرته في عام 2005 م دار الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة يذكر حمَّـاد أن المرحلة الثالثة من خـُطة الحركة العسكرية كان هدفها التحرُّك لعزل الملك ومحاصرته ، ومنْعه من الاتصال بالقوات المسلحة ، أو القوات البريطانية ، وقد أنيط أمر تنفيذ المرحلة الثالثة بمجموعتين من القوات المسلحة إحداهما بقيادة القائم مقام أحمد شوقي لحصار قصر المُتنزَّه بالإسكندرية ، والأخرى لحصار قصر رأس التين بالإسكندرية بقيادة البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف وهو ممثل ضبَّـاط الإخوان المسلمين في تنظيم الضباط الأحرار ، وشاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن يكون الملك فاروق آنذاك في قصر التين ليكون تنازل الملك فاروق عن العرش ومغادرته إلى منفاه في إيطاليا تحت إشراف البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي حلَّها نظام فاروق واغتال مؤسِّـسها وأذاق الآلاف من قادتها واعضائها أبشع أشكال التعذيب في زنازين سجونه ( تحدثت عن ذلك في الفصل الأول من الكتاب ) ، وفي الطبعة الثانية من كتابه ( أسرار ثورة 23 يوليو ) التي نشرتها في عام 2010 م دار العلوم للنشر بالقاهرة يُكرِّر اللواء جمال حماد شهادته عن مشاركة الإخوان المسلمين في الحركة العسكرية التي أسقطت نظام الملك فاروق بقوله :

( لم يكن هناك للحقيقة والتاريخ أي حزب أو جماعة سياسية في مصر لديه الإمكانيات للتصدِّي للقوات البريطانية إلى جانب الجيش المصري سوى جماعة الإخوان المسلمين ، فقد كانت وقتئذ قوة شعبية منظمة ومتماسكة ، ولديها جماعات عديدة من المتطوعين المدربين والمزوَّدين بالسلاح والذين سبق أن أثبتوا شجاعتهم خلال حرب 1948 م بفلسطين وأثناء معركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز في منطقة قناة السويس في عام 1952 م ، لذا كان على تنظيم الضباط الأحرار ضرورة الإسراع لتوفير التأييد الشعبي لإنجاح الحركة ، وهكذا بدأ الاتصال بين قيادة جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الضباط الأحرار لوضع اللمسات الأخيرة للحركة ، وللاتفاق على دورهم في الثورة ، وسيناريوهات الحكم بعد نجاح الحركة ، وقد ثبت بما لا يقبل الشك أنه لم يكن لدى أحد من الأحزاب السياسية أو التنظيمات الوطنية علم مسبق بموعد حركة الجيش المنتظرة سوى قيادة جماعة الإخوان المسلمين ، ولم يكن موقف قيادة الجماعة بتاييد الحركة العسكرية مفاجئا ، لأن الجماعة كانت تعلم بوجود تنظيم الضباط الأحرار ودقائقه وأسراره حيث كان كثيرٌ من ضباطه من أعضاء الإخوان المسلمين ، ولأنهما التنظيم والجماعة يلتقيان على ذات الأهداف ، وسبق التنسيق بينهما في مراحل عدة ، ولأن بعض الضباط الأحرار قاموا بتدريب الإخوان المسلمين على المهارات القتالية المختلفة خلال فترة المقاومة المسلحة ضدَّ القوات البريطانية المرابطة في مصر وخاصة حول قناة السويس ) .

شهادة كمال الدين حسين

وتـُعزِّز شهادة القيادي في تنظيم الضباط الأحرار كمال الدين حسين في مذكراته بمجلة المصور في عددها الصادر يوم 26/ كانون الأول / 1975 م مشاركة الإخوان في حركة 23 يوليو حيث تحدَّث عن واقعة ذهابه مع عبد الناصر صباح يوم 22 يوليو إلى القيادي الإخواني صالح أبو رقيق لإبلاغه بموعد حركة 23 يوليو ، يقول كمال الدين حسين في مذكراته : ) أخطرنا أبو رقيق حسب اتفاقنا المسبق بموعد الثورة بهدف كسب تأييدهم ( الإخوان ) لثورتنا ، كما اتفقنا معه على أن تقوم قوات من متطوعي الإخوان بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصدِّ أيَّ هجوم إنجليزي محتمل يستهدف الوصول إلى القاهرة صباح يوم الثورة ) ، وكرِّر كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة فى حديث آخر أجراه مع مجلة روز اليوسف سنة 1975 م نفس الرواية حيث ذكر فيه أنه اتصل هو وجمال عبدالناصر بالإخوان المسلمين فى ليلة الثورة وأطلعاهم على التفاصيل ، وفى اليوم التالى كان هناك متطوعون من الإخوان على طريق السويس مع الجيش لمواجهة احتمال تحرش القوات البريطانية بالثورة.

وينقل الكاتب المصري سامي جوهر في الصفحة 82 من كتابه ( الصامتون يتكلمون ) عن كمال الدين حسين قوله إن أهداف تنظيم الضباط الأحرار كانت العمل على تطبيق الإسلام ، ولا نعلم له هدفًا غير ذلك ، وإن حركة الضباط الأحرار منذ تأسيسها في عام 1944 م لا يُعرف لها هدف سوى الحكم بكتاب الله ، وإنهم جميعاً جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وعبدالمنعم عبدالرؤوف قد بايعوا المرشد البنا ومحمود لبيب و عبد الرحمن السندي على ذلك ، وإن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبدالناصر ضبَّـاطاً من غرز الحشيش والخمَّارات بدءاً من سنة 1948م .

شهادة عبد اللطيف البغدادي

وفي كتابه ( مذكرات عبد اللطيف البغدادي ) الذي نشره المكتب المصري الحديث بالقاهرة علـَّـق عضو مجلس قيادة الثورة عبد اللطيف البغدادي على قرار حل الأحزاب والجمعيات باستثناء الإخوان المسلمين بقوله : ( الحقيقة أننا رأينا استثناء جمعية الإخوان المسلمين من هذا الحل لسابق اتصالنا بها ، وتعاونها مع تنظيم الضباط الأحرار ، وموقف التأييد منهم ليلة قيام الثورة ) .

شهادة الدكتور رفعت سيد أحمد

يذكر الناشط اليساري الدكتور رفعت سيد أحمد في رسالته لنيل شهادة الماجستير التي نشرها في كتاب ( عبد الناصر والإخوان ... قصة الدم والنار ) أن اتصال جماعة الإخوان بالضباط الأحرار بدأ منذ الحرب العالمية الثانية ، وكان عزيز المصرى يمثل نقطة البداية في هذه الاتصالات ، إذ إن صلة الإخوان بالضابط المصري عزيز المصرى كانت سابقة لصلتهم بالجيش ، ويتقل الدكتور رفعت عن أنور السادات أنه قابل حسن البنا عام 1940 م وتكررت زياراته له ، وأن الشيخ حسن البنا هو من قدمه إلى عزيز المصرى أول مرة وعرض عليه الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وكاشفه عن نشاطه في جمع السلاح وتخزينه والتزامه السرية الكاملة ، ويذكر السادات أنه فرح يومها عندما عرف أن الضبَّاط عندما يضربون ضربتهم سيجدون قوة شعبية مسلحة ومدربة تقف إلى جانبهم .