اقتراح من المرشد العام .. جبهة وطنية شعبية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اقتراح من المرشد العام .. جبهة وطنية شعبية

بقلم / الإمام حسن البنا

أول من أمس تحدثت على صفحات هذه الجريدة إلى رئيس الحكومة، وبالأمس تحدثت إلى الزعماء والساسة، واليوم أتحدث إلى الشعب نفسه، إلى الشعب صاحب الحق الأول والكلمة الفاصلة، وإذا حضر الأصيل بطل الوكيل.

أتحدث إلى الشعب لأقترح ناحية عملية، فقد طال بنا مدى القول، وأصبح لزاما أن نخرج من هذه الحيرة، وأن نجد الوسيلة التى تجتمع بها الكلمة، وتظهر بها إرادة الأمة، بعد أن آمنا جميعا أعمق الإيمان بأنه لا سبيل إلى النجاح إلا هذه الوحدة، وبعد أن عز علينا جميعا أن نقيم هذه الجبهة بين الهيئات والأحزاب المختلفة.

أريد أن أقترح على كل هيئة من هيئات الأمة: كهيئة المستشارين، ورجال القضاء، والمحامين، والمهندسين، والأطباء والتجار، والعمال والموظفين، ورجال الجيش، وذوى المهن الحرة.. إلخ أن تأخذ فى التجمع من الآن بعد أن فرقتها الحزبية السياسية تارة، واليأس والخمول وطول العهد بالكفاح والنضال تارة أخرى.

وأن يقوم من بينها من يدعوها إلى اجتماع وطنى جامع تختار فيه كل هيئة ممثلين لها فى كل بلد من البلدان، حتى إذا دنت ساعة العمل أو ساعة الاستفتاء استطاعت الأمة أن توحد خطتها، وأن تقول كلمتها وتعلن إرادتها عن طريق هذه المجموعات التى يكون من السهل الميسور حينئذ أن تختار كل منها مندوبا عاما عنها، وأن تتألف من هؤلاء المندوبين "جبهة وطنية شعبية" لا سياسية ولا حزبية.

وليس فى هذا الاقتراح إقحام لهذه الطوائف فى الغمرات السياسية، إذ إن مهمة هذه الجبهة ستكون وطنية بحتة، والواجب الوطنى حتم على كل أبناء الوطن، بل إن هذا فى الحقيقة إنقاذ لهذه الطوائف من هوة السياسة الحزبية المفرقة إلى بحبوحة الفكرة الوطنية المجردة.

ولست أجهل أن مثل هذا الاقتراح الآن قد لا يتفق مع الأوضاع السياسية الشكلية فى مصر، من وجود الدستور والبرلمان وقيام الأحزاب والهيئات، ولكنى أحب أن نواجه الحقائق، وألا تحول الشكليات بيننا وبين لب الأمور وصميمها.

فالحقيقة التى يشعر بها كل مواطن الآن أن زمام القيادة الشعبية قد أفلت من يد الأحزاب السياسية وأن الانتخابات لم تعد توصل إلى معرفة إرادة الأمة معرفة حقيقية، وأن الخلاف بين الزعماء لم يعد على المناهج والآراء، ولكن على الأشخاص والأهواء، ولم تعد الأمة تحتمل الدوران فى هذه الحلقة المفرغة من الأوضاع السياسية الفاسدة التى لا تنتهى إلى شىء.

والفرصة السانحة الآن لا يمكن أن تعوض، والقضية المطروحة ليس قضية حزب أو هيئة أو جماعة أو حكومة أو إصلاح داخلى جزئى، ولكنها قضية مستقبل هذا الوطن وحريته، فلا يصح بحال أن ينفرد بالإفتاء والحكم فيها نفر من الناس كائنا من كان.

ولقد تألفت جبهة سنة 1936 من الزعماء وحدهم، فأنتجت معاهدة الشرف والاستقلال التى ما زلنا نكتوى بنارها إلى الآن، ولكنا فى سنة 1946 نريد أن نستفيد من الماضى، فلا تكون الجبهة جبهة الزعماء فقط بل جبهة الزعماء والشعب من ورائهم يرقبهم ويحاسبهم.

ولست أقصد بهذا الاقتراح أن تقم هذه الجبهة الشعبية للعمل وحدها توا، ولكنى إنما قصدت إلى أن تتكون وتتألف من الآن؛ لتكون دافعا لهؤلاءالزعماء إلى الوحدة ورقيبا عليهم بعد ذلك إذا ما عرضت معاهدة أو وضعت خطة لجهاد.

وقد تختلف هذه الأحزاب كلها عن العمل المنتج المجدى فى ساعة العسرة، فتكون هذه الجبهة بمثابة قيادة احتياطية تنفخ فى البوق، وترفع الراية التى نكسها الساسة والزعماء، وتقود الكتيبة التى تخلف عنها قوادها، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[الروم: 4-5].

المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية ، العدد(143)، السنة الأولى، 25 ذو القعدة 1365/ 20 أكتوبر 1946

للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg