اعرف الإخوان على حق

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اعرف الإخوان على حق


  • إلى الذين لم يعرفونا


55شعار-الاخوان.jpg

كتب الإخوان كثيرًا فى بيان فكرتهم، وخطبوا كثيرًا فى شرح مناهجهم، وأبانوا أنفسهم فى كثير من المواطن بوسائل الدعوة المختلفة، بالرغم من ذلك لا يزال فريق من الناس يفهمون الإخوان على غير حقيقتهم ويرسمون لهم فى خيالهم صورًا لا تتفق مع الحقيقة فى قليل ولا كثير، فإلى هؤلاء الذين لم يعرفونا من قبل أو الذين عرفونا بصورة غير حقيقية أوجه هذه الكلمة:

الإخوان المسلمون فى إيجاز جماعة فهموا الإسلام فهمًا صحيحًا، واعتقدوه أفضل نظام لإصلاح الأمم والشعوب فى كل مناحى الحياة، فاجتهدوا أن يعملوا به فى أنفسهم وشئونهم, ووقفوا حياتهم على بيان محاسنه وجماله ودعوة الناس جميعًا إليه؛ حتى تسود تعاليمه هذا الكون حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله".

يظن كثير من الناس أن الإخوان المسلمين دعوة حزبية لأنهم يتبرمون بالأحزاب السياسية، ويمقتون نظام المجتمع القائم على أساسها، وينادون بالقضاء عليها وجمع كلمة الأمة على ما فيه خيرها ومصلحتها، ويستشهدون بالواقع الذى لا مكابرة فيه على ضرر الأحزاب، وخطر الأحزاب على شعب فى فجر نهضته كالشعب المصرى، فليعلم هؤلاء أن الإخوان ما كانوا يومًا من الأيام صنيعه لحزب أو متصلين بحزب أو عاملين لمصلحة حزب أو نصراء لحزب على آخر، ولكنهم يرون فى الحزبية خطرًا فهم يدعون دائمًا إلى الوحدة ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾]المؤمنون: 52[.

يظن كثير من الناس أن الإخوان المسلمين يقضون الليل فى المساجد والمغاور، ويشترطون على من يلتحق بهم أن يتجرد من عمله ويتفرغ للعبادة ويهمل فى شئونه الخاصة، والإخوان المسلمون فى حقيقة دعوتهم يحاربون هذا التنطع وينكرون هذه البطالة، ويلزمون من يتبع طريقهم أن يكون إمامًا فى كل شىء فى العلم, وفى المال, وفى القوة, وفى الصحة, وفى الخُلق, ولا يلزمون أحدًا إلا أن يؤدى فرائض الله التى فرضها ويجتنب محارمه التى حرمها , أما تلك الليالى التى يجتمع الإخوان فيها فى مسجد من المساجد أو فى مكان خلوى فليست إلا اجتماعات عادية إما لدرس أو لمعارف, أو رياضة, أو نزهة شأنها فى ذلك شأن غيرهم من الجماعات, وكل اجتماعاتهم إنما تكون فى دورهم وفى أنديتهم.

ويظن كثير من الناس أن الإخوان يشترطون فى أعضاء جماعتهم هيئة خاصة فى اللباس ونظام الحياة المنزلية وغيرها من شئون الحياة الخاصة، وذلك وهم كبير فالإخوان يعلمون أن التقوى فى القلوب والأعمال قبل أن تكون فى المظاهر والأشكال، وأن الدين يعنى أول ما يعنى بتطهير النفوس وتزكيتها وسلامة العقائد وتصحيحها وإحسان العبادة لله تبارك وتعالى، ولم يجعل الناس فى حرج من العادات والشئون الخاصة وكل الذى يقوله الإخوان فى هذا: إن للإسلام آدابًا وضعها يجب على كل مسلم سواء أكان عضوًا فى جماعتهم أم غير عضو فيها أن يحافظ عليها وأن يلزمها ويلتزم بها أهله ونساءه وكل من له ولاية عليهم.

ويظن كثير من الناس أن الإخوان يتاجرون بالدين ويسترون وراء دعوتهم الإسلامية دعوة أخرى خفية غير ظاهرة، فإذا سألتهم عن ماهية هذه الغايات المستورة والدعوة الخفية سكتوا أو ضربوا فى بيداء من الخيال لا حدود لها ولا نهاية، والإخوان المسلمون لا يعملون فى الظلام، ولا يجتمعون فى بطن الأرض، ولا يتدارسون رموزًا ولا شفرات، ولكنهم يعملون فى وضح، ويجتمعون فى المساجد الجامعة والأندية العامة، ويفتحون أبوابهم على مصاريعها لجميع الناس، ويذيعون آرائهم إلى أبعد ما تبلغه محطة الإذاعة، ويتدارسون كتاب الله وأحاديث رسوله ويخطبون بفكرتهم على رءوس المنابر وعلى ملأ الألوف من الأشهاد، ولا يكتفون بهذا فهم يطبعون ما يقولون وينشرونه بالمجان فى غالب الأحيان ودأبوا على ذلك عشر سنين طوالاً فلم ينكشف باطن أمرهم عن شىء يخالف ما ظهروا به وما دعوا الناس إليه.

ويغمز كثير من الناس الإخوان المسلمين بالقول فى المجالس أو بالكتابة فى الصحف غمزًا خفيًا أو ظاهرًا واضحًا فى وطنيتهم أو فى خطتهم أو فى جرأتهم فى الحق وصراحتهم فى الجهاد، وكثير من هؤلاء لم يجربوا ما جرب الإخوان ولم يحيطوا بأطراف الدعوات وشئونها ومستلزماتها ما أحاط الإخوان، ولم يفكروا فى عواقب الأعمال ونتائجها وثمراتها ما فكر الإخوان، وقد يكون كل ما عندهم حماسة مشكورة أو جهالة معذورة، هذه المزاعم كلها أو بعضها أو أكثر منها فى سلسلة طويلة من الخيال البديع أحيانًا والمريع أحيانًا أخرى أسمعها أو تنتقل إلى الإخوان فأعجب لها وأفرح بها فإن الحيرة بدء المعرفة والشك سبيل اليقين.

فإلى هؤلاء الذين لا يعرفوننا أوجه الدعوة عامة وخاصة أن يشرفوا دورنا بالزيارة القصيرة أو الدائمة؛ ليروا بأنفسهم أين الإخوان مما سمعوا أو تخيلوا، وليطمئنوا على أن هذه الزيارة لا تكلفهم أية تبعة مادية أو أدبية، بل قد يفيدون منها فى ناحية من هاتين أو فيهما معًا، وأظن أن هذه هى أدق طريق وأنصرها إلى المعرفة الصحيحة فليس بعد البيان بيان والمشاهدة أصدق دليل.

وليثق الذين يكتبون عن الإخوان فى صحفهم وجرائدهم فيصورونهم تصويرًا غير حقيقى ويتجنون عليهم فى الأوصاف والأحكام أن الإخوان لا يغضبون لهذا، ولا يحنقون على كاتبيه، وأنهم سوف لا يردون عليهم هذا العدوان بمثله لا لأنهم يعجزون عن الرد فلا أظن أحدًا -وخصوصًا فى مصر فى هذه الأيام- يعجز عن أن يقارض غيره انتقاصًا بانتقاص وشمًا بشم، ولكن لأن الإخوان يريدون أن يضربوا للناس مثلاً فى التكرم والمرور باللغو مر الكرام ووجوب صرف الوقت فى غير الجدل اللفظى، وهم كذلك لا يريدون أن يوسعوا شقة الخلاف بينهم وبين غيرهم فهم يعتقدون أن الغيب سر من أسرار الله، ومن يدرى فقد يكون خصم اليوم صديق الغد وصديق اليوم خصم الغد ولله فى خلقه شئون، وما أحكم قول رسول الله  "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما, وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما"أخرجه الترمذي.

وحسبنا أن نقول لهؤلاء الإخوان: يحسن -إن أردتم- أن تقابلوا هذا التكرم بالتقدير ولكم الحرية على كل حال. أيها الذين لم تعرفوا الإخوان المسلمين بعد، اجتهدوا أن تعرفوهم وهم ليسوا ألغازًا وستجدون فيهم سمو المبدأ إلى أبعد حدود السمو، وعمق الإيمان إلى أعمق أغوار النفوس والأرواح وصدق الرغبة والغيرة والحماسة إلى أرفع حدود الصدق، وستعلمون بحق أنهم بفضل الله عليهم لا بأنفسهم مقعد الأمل وموضع الرجاء تحسبنا كذلك ولا نزكى على الله أحدًا، واللهم لا تكلنا إلى أنفسنا.

  • إلى الذين عرفونا

والذين عرفونا منهم من اكتفى بهذه المعرفة فلم يستكملها ولم يتصل بنا ليتعاون معنا على ما نحن بصدده من دعوة الناس إلى الخير، فهؤلاء ندعوهم إلى أن يعملوا معنا، ونذكرهم بأنهم آثمون مقصرون إن قعدوا عن الاستجابة، فإن الميدان فسيح يتطلب جُهد كل ذى جَهد ويستدعى عملاً متواصلاً من الجميع فلا حجة له فى القعود ولا عذر لهم بين يدى الله والناس.

هذا قسم، وقسم آخر عرفنا واتصل بنا وتعاون معنا، ولكنه أساء أكثر مما نفع إذ لصق بالإخوان وعمل على غير سنتهم وطريقهم فكان دعاية سيئة لهم, وكان سببًا فى الصد عنهم لا فى تقريب الناس منهم فإلى هؤلاء أتوجه بالرجاء أن يكونوا إخوانًا بحق يلتزمون تعاليم الإخوان الصحيحة أو أن ينصرفوا مشكورين وأمرهم إلى الله , ورجاؤنا إلى جماهير الشعب الإسلامى أن يزن كل منتسب للإخوان بميزان الشريعة السمحة وآداب الإسلام، فمن استمسك بها ونزل على حكمها فهو منا ونحن أخوته, ومن خالف شيئًا منا أو صدر عنه ما يتنافى معها فنحن من عمله برآء ولا صلة بيننا وبينه.

إن الإخوان المسلمين لا يقصرون فى فرائض الله، ولا ينتهكون حرماته ولا يجرءون على معصيته، فإن قدر لأحدهم العصيان فهو لن يتجاهر به ولن يفخر به ولن يسكت عن التوبة منه والندم الشديد عليه, فمن كان مستهينًا بالصلاة أو مستخفًا بالفرائض أو جريئًا على المعاصى أو مستهترًا بارتكاب الآثام أو ظنينًا فى ريبة فليس منا، وعلى الذين عرفونا أن يجتنبوا ذلك كله.

والإخوان المسلمون مع هذا لا يفرطون فى التعبد، ولا يبالغون فى التزهد، ولا يظلمون دنياهم على حساب آخرتهم لأن هذا ليس من سنة نبى الإسلام ، فهم يصومون ويفطرون، وينامون ويقومون، ويتريضون ويمزحون، ويجدون ويجاهدون، ويتبسطون مع أصدقائهم ومع أهلهم، ويعملون للآخرة ولا ينسون النصيب من الدنيا، فمن أفرط فى تعبده أو تظاهر بتزهده أو أهمل حقوق عمله أو أساء إلى أهله أو فرط فى جانب من جوانب حياته الدنيوية الصالحة يدعى بذلك أنه يقوم بواجب الآخرة، فليس على طريقة الإخوان، ولا هو من العاملين بمبادئهم

والإخوان المسلمون يعلمون أن الله كتب الإحسان على كل شىء حتى من قتل فليحسن القتلة ومن ذبح فليحسن الذبحة، وهم لهذا يعنون بإتقان كل عمل كم أعمالهم حتى يبلغ حد الإجادة، فمن نقص وهو قادر على الكمال أو قصر دون الإجادة والسبق فليس من الإخوان المسلمين، وإن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه، فعلى الذين عرفونا أن يحفظوا ذلك كله، وأن يعملوا على غراره، فعلى الطالب أن يكون أول إخوانه, وعلى الصانع أن يكون أمهر زملاءه، وعلى التاجر أن يكون أصدق وأبرع أقرانه, وعلى الموظف أن يكون مثال أداء الواجب من جميع نواحيه وعلى كل ذى عمل منا أن يتقنه، وعلى الناس ألا يعتبروا المقصرين من الإخوان مهما حملوا من شارات أو ألصقوا بأنفسهم من ألقاب إخوانية.

والإخوان المسلمون يعلمون أن الدين المعاملة، وأن مطل الغنى ظلم فهم لهذا يبادرون بتسديد حقوق الله التى تكون بجانبهم، ويمثلون أشرف ناحية فى هذا المعنى، وأن من تجارهم من لا يزال إلى الأبد بعد سنين طويلة يسدد أقساطه التجارية قبل موعدها بيوم على الأقل دائمًا حتى يحتفظ للأخ المسلم بشرفه وكرامته ومنزلته فمن ماطل فليس منا، ومن طمع فيما فى أيدى الناس فليس منا، ومن أساء الأداء أو الاقتضاء فليس منا, لأن الدعوة غير هذه السبيل, فعلى الذين عرفونا أن يكونوا مثال الأدب فى الوفاء والقضاء والإعطاء والاقتضاء.

والإخوان المسلمون بعد ذلك كله يعلمون أن الأخلاق أساس دعوتهم، وأن الله حين أراد أن يمتدح نبيه -وهو قدوتنا-  امتدحه بالخلق العظيم، وأنه تعالى رتب على صلاح النفس صلاح الناس وفلاحهم فقال تبارك وتعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾]الشمس: 9-10[, فالأخ المسلم لهذا يأخذ نفسه دائمًا بالتثقيف والمراقبة والمحاسبة؛ حتى تنطبع على أفضل الأخلاق وأحسنها فهو صادق لا يكذب ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾[النحل: 105] وهو وفى لا يغدر ولا يخلف.

وهو حليم لا يسرع بالغضب ولا يفحش فى القول.
وهو حتى لا يجهر بالسوء ولا يثبت للمنكر.
وهو شجاع يجهر بالحق ولا يخشى فيه لومة لائم.
وهو عفيف أى يضع كرامته فوق كل غاليات والأغراض الزائلة.
وهو منصف يقدر الحسنة ويزن السيئة ويأخذ من كل شىء أحسنه.
وهو حسن التصرف وإنما يدير الأمور على وجوهها ثم يسلك إليها أفضل طرقاتها.
وهو بعد ذلك يعفو ويصفح ويدرأ بالحسنة السيئة إلا أن تنهك محارم الله فلا يقوم لغضبه شىء.

أيها الإخوان الذين اتصلتم بنا، كونوا مثال الخلق والفضيلة فإن لم تكونوا كذلك فجاهدوا أنفسكم فإن أفلحتم فاحمدوا الله وإلا فأنتم عن تقويم غيركم أشد عجزًا وفاقد الشىء لا يعطيه.

أيها الإخوان الذين اتصلتم بنا، لا تيأسوا ولكن حاولوا واعملوا فهى مرتبة الصابرين، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾]العنكبوت: 69[.

انظر:

مجلة النذير، العدد الثالث، السنة الثانية، الاثنين 15 من المحرم 1358ه- 7 مارس 1939م، ص(3-5).

مجلة النذير، العدد الرابع ، السنة الثانية، الاثنين 22 من المحرم 1358ه- 14 مارس 1939 م، ص (3-5).