اعتقال إخوان الأردن.. الأسباب والتداعيات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اعتقال إخوان الأردن.. الأسباب والتداعيات

تحليل- رضا السويدي

حملة اعتقالات واسعة

فاجأت السلطات الأردنية المجتمع المدني العربي الخميس الماضي بحملة اعتقالات واسعة في صفوف حركة الإخوان المسلمين شملت نحو 39 شخصًا، بينهم وزراء ونواب سابقون،وشخصيات اعتبارية وعشائرية معروفة،وذلك بدعوى مخالفة هؤلاء لقوانين تتعلق بمنعهم من اعتلاء المنابر والخطابة.

وتمَّ توجيه للحكام الإدرايين بضرورة منع وملاحقة الأشخاص الذين يقومون باعتلاء منابر المساجد،وإلقاء الخطب والدروس الدينية دون أخذ موافقة وزارة الأوقاف، من بين هؤلاء الدكتور محمد الحاج أستاذ كلية الشريعة في الجامعة الأردنية وهو نائب سابق،والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، وهو وزير ونائب سابق،إضافةً إلى الدكتور أحمد الكوفحي أحد أبرز القيادات الإخوانية،وعضو المكتب التنفيذي للجماعة ونائب سابق في البرلمان الأردني.

وسبق حملة الاعتقالات المذكورة،لقاءات عقدتها قيادات إخوانية مع فيصل الفايز، رئيس الوزراء الأردني،وعدد من وزراء الحكومة،بينهم وزيري الداخلية والتنمية السياسية،نُوقش خلالها عدد من القضايا،بينها المضايقات،التي يتعرض لها الإخوان،خلال تنقلهم،إضافةً إلى سحب الجنسية عن عدد من المواطنين من ذوي الأصول الفلسطينية.

وأدان الإخوان المسلمون،الذين اتصفت علاقتهم مع الدولة بالهدوء والتفاهم الضمني طوال العقود الماضية،الاعتقالات،وطالبوا بإطلاق سراح جميع الموقوفين،ووقف كل إجراءات الملاحقات الأمنية بحقهم.

واعتبر الإخوان أنَّ حملة الاعتقالات تُشير إلى تراجعٍ كبيرٍ في الحريات العامة،وتعد تشجيعًا للفساد ومحاصرة للوعي،في وقت تشتد فيه الهجمة العدوانية الأمريكية الصهيونية على الأمة،ويصبح الإسلام هو المستهدف الأول بهذا العدوان،كما تُحاك المخططات لإخراج العدو الصهيوني من أزمته،وفرض مشاريعه في تصفية القضية الفلسطينية".


أسباب الحملة

وتعود أسباب تلك الحملة الشرسة إلى عدة أسباب كامنة وراء التطور النوعي والقدرة الفائقة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن على التعاطي السياسي مع مستجدات الواقع الأردني؛ من قدرة على تقديم وجوه نيابية جديدة خلال الانتخابات النيابية الماضية دون ترشيح قادة الحركة أو قادة جبهة العمل الإسلامي، مما خلق زخمًا برلمانيًّا وسياسيًّا دعَّم التواجد الشعبي للحركة في أوساط الشعب الأردني.

كما أنَّ إصرارَ نواب الإخوان على توجيه النقد اللاذع للسياسات الحكومية والفساد الذي استشرى في المجتمع الأردني ومعدلات البطالة التي ارتفعت بنسب تجاوزت 30%،كما يوجِّه الإخوان المسلمون عادةً في خطابهم السياسي والديني،انتقاداتٍ لأداء الحكومة الأردنية، وسياساتها الخارجية،خصوصًا تلك المتعلقة بالسياسة تجاه الكيان الصهيوني التي تربطها مع عمان اتفاقية سلام، منذ عام 1994م،والتي أشارت آخر التقارير الاقتصادية الحكومية عن ارتفاع حجم التجارة البينية مع الكيان الصهيوني إلى معدلات غير مسبوقة خلال العام الحالي عبر منفذ الحسين.

كما وجَّه وعَّاظ الحركة انتقادات شديدة لبعض المظاهر الأخلاقية،التي بدأت تنتشر في العاصمة عمان،تحت لافتتات متعددة (مراكز تجميل ومساج تعمل بها الفتيات الروسيات التي تعبر عبر الكيان الصهيوني)، في الوقت الذي تعتبره الحكومة جزءًا هامًا من سياسة التنشيط السياحي،وجلب الاستثمارات الخارجية.

كما تعدُّ حملة الاعتقالات في صفوف الإخوان تهيئةً للحزب الجديد الذي تقف وراءه عدد من الجهات السيادية،والذي يضم جميع المتقاعدين العسكريين من الأجهزة الأمنية الأربعة،والذي يعمل الآن تحت التأسيس تحت اسم "اللجنة المركزية للجنة الوطنية للعسكريين القدامي"، والذي تدعمه وزارة التنمية السياسية كواجهة شعبية لمجابهة شعبية الإخوان الجارفة في الشارع الأردني لمواقفهم الوطنية،والتي كان آخرها رفض نواب الإخوان للتسهيلات الجمركية للنواب البرلمانيين والمقدَّرة بنحو 35 ألف دينار أردني الذي ألهب قلوب أغلبية النواب والمنتفعين.


إستراتيجية جديدة لتقويض المعارضة

ومن خلال القراءة المتأنية لحجم وتوقيت حملة الاعتقالات التي تستند إلى قانون الوعظ والإرشاد رقم 7 لسنة 1986م،أي أننا إزاء قانون لم يُفعَّل على هذا النحو عمليًّا منذ ما يقرب من عقدين من الزمان؛حيث اكتفت الحكومات المتعاقبة عمليًّا بمنع خطباء الإخوان ومن تشم منهم رائحة المعارضة السياسية من اعتلاء المنابر،فيما كان بعضهم يجد ملاذه في كلمة هنا أو هناك في هذا المسجد أو ذاك، وهي حالات جد محدودة كان يجري التعامل معها أمنيًّا عندما تتجاوز بعض الخطوط المسموح بها.

ولكن ما الجديد الذي دفع إلى الإجراءات الأخيرة، ولماذا جرى تطبيق القانون بعد منتصف الليل في حق المعنيين، وهل ثمة بالفعل ما يستحق ذلك كله؟

في قراءة ما جرى يمكن القول إن شيئًا لم يتغير في واقع الحال سوى ذلك النزوع نحو المزيد من التضييق على المعارضة،ذلك الذي بات يحكم الحياة السياسية ويزداد باطراد منذ سنوات.

وهو تضييق لا يمس قطاعًا بعينه؛ بل يصيب كافة القطاعاتِ، ويترك آثاره على التعامل مع البلديات والجامعات والنقابات والأندية.

ما جرى إذن هو تعبير عن الضيق بالمعارضة أكثر من كونه تطبيقًا للقانون؛ لأن القوانين تبقى موجودة وتطبق حسب ما يرى المسئول.. ما جرى لا مبرر له، ليس لأن ظاهرة اعتلاء المنابر دون ترخيص غير موجودة إلا في حالات نادرة فقط؛ بل لأن المتهمين يفعلون ذلك خارج المنبر،ومن خلال كلمة هنا أو هناك بعد الصلاة لم يتجاوزوا الحدودَ المتداولةَ في الساحة السياسية،وهم في العموم أو كثير منهم يعبرون عن تيار مشهود له بالاعتدال إذا ما أخذناه كمجموع وليس من خلال كلمة عابرة أو موقف من أحدهم هنا أو هناك.

والحال أن ما يجري بشأن المنابر هو مشكلة من الأصل؛لأن استبعاد بعض الخطباء بسبب انتماءاتهم السياسية ليس من الديمقراطية في شيء،وهو نوع من أنواع الحجر على حرية التعبير،أما مخالفة القوانين فلها مجالها في ساحات القضاء وليس الإقصاء من الأصل وعلى الشبهة أو بسبب الانتماء السياسي.

ما يجري إذنْ هو شكل من أشكال التضييق على المعارضة السياسية الذي يتم على الأرض منذ سنوات وعلى مختلف الصعد،وبالطبع من خلال القوانين،أكان مما هو متوفر منها من الأصل،أم من تلك التي جرى استحداثها خلال حقبة الديمقراطية مثل قوانين البلديات والاتحادات الطلابية في الجامعات،ما يؤكد ذلك أن هناك كثيرين يدرّسون في المساجد دون أن يتعرض لهم أحد،بل إن تيارًا بعينه يتخصص في تفسيق وتبديع- وأحياناً تكفير- العلماء والدعاة والمجاهدين بدعوى أنه سيد العلم الشرعي والأمين على منهج أهل السنة والجماعة، هذا التيار تجري رعايته بعناية وتفتح له المساجد على نحو استثنائي،لا لشيء إلا لأنه يتجنب الحديث في السياسة المعارضة،مع أنه في واقع الحال يؤسس لفكر التكفير وشرذمة الأمة وحرفها عن الاهتمام بقضاياها الرئيسية.

خلاصةُ القول هي إن ما جرى ويجري في سياق التعامل مع الأصوات المعارضة لا مبررَ له بحال من الأحوال،ليس لأنها ضرورية من أجل القول إننا نعيش حالة ديمقراطية فحسب،بل أيضًا لأنه لم يحدث ما يدفع إلى تشديد الخناق على ديمقراطية محدودة الإطار تمنح الحكومات فرصة التحرك كلاعب أساسي وشبه وحيد في الساحة السياسية وغير السياسية.

المصدر