اعتقالات الإخوان ترتيبات داخلية ورسائل للخارج والأسوأ قادم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اعتقالات الإخوان ترتيبات داخلية ورسائل للخارج والأسوأ قادم


اعتقالات الإخوان

معتقل 2.jpg

أصبحت حملات الاعتقالات المتكررة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في مصر حدثا روتينيا، ليس الجديد وقوعه، وإنما محاولة رصد أسبابه أو الرسائل التي يفضل النظام إرسالها للجماعة عبر مؤسساته الأمنية.

لكن ما يعطي أهمية لحملة الاعتقالات الأخيرة، والتي تمت فجر الخميس 14 مايو 2009 ليس فقط أنها نالت عددا من كبار قيادات الصف الأول، منهم نواب بالبرلمان يتقدمهم رئيس الكتلة البرلمانية للجماعة سعد الكتاتني، فضلا عن قيادات كبرى أبرزها عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، بل وكذلك نوعية الاتهامات، التي ورد فيها السعي لتشكيل ما سمي بـ”لجنة الاتصال بالعالم الخارجي” التي تهدف إلى إنشاء وتكوين بؤر إخوانية في دول عربية وأوروبية، واستغلال البعوث الأجنبية التي تدرس في مصر لنشر أفكار الجماعة والتواصل مع وحدات الجماعة خارج مصر، وأنها تهدف لدعم مكتب الإرشاد العالمي فيما يتعلق بسياسات وتوجهات التنظيم ذات البعد الخارجي.

وكان لافتا اتساع جغرافية القضية لتبدأ في مصر، ولكنها تتسع إلى السعودية والعراق وأوروبا وأمريكا؛ حيث أوردت التحريات عددا كبيرا من أسماء قيادات ومسئولين في الإخوان والحركات الإسلامية في العالم (مثل الداعية السعودي عائض القرني، وإياد السمرائي نائب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي)، إضافة إلى عدد من المؤسسات الإسلامية الكبيرة في العالم منها الندوة العالمية للشباب في السعودية ومؤسسة “ماس MAS” في الولايات المتحدة الأمريكية.

فهل ثمة متغيرات جديدة في العلاقة بين الجماعة والنظام دفعت الدولة إلى شن هذه الحملة الجديدة في نوعية الاتهامات والمتهمين؟ وهل ثمة أبعاد دولية للحملة قد تتصل بالسيناريوهات التي يجري الإعداد لها إقليميا ودوليا أو حتى بالزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما لمصر؟ وفي أي اتجاه يمكن أن تسير القضية، خاصة مع وجود نواب برلمانيين بلائحة الاتهام؟ هل يقدم النظام على طلب رفع الحصانة البرلمانية عن النواب المتهمين؟ هل يمكن أن نشهد تكرارا لسيناريو المحاكمات العسكرية على غرار قضية غسيل الأموال التي لحقت النائب الثاني للمرشد خيرت الشاطر، وعددا من رجال الأعمال والقيادات الإخوانية؟.


بين زيارة أوباما ودعم المقاومة

يشرح القيادي الإخواني عصام العريان أسباب حملة الاعتقالات الأخيرة فيؤكد على أن الضربات الأمنية ضد الجماعة لم تتوقف، وقد بلغت ذروتها في المحاكمات العسكرية للجماعة عام 2008، وتأتي الاعتقالات الأخيرة، بنظره، في إطار سياسة التنكيل بالجماعة ومحاولة إقصائها عن ساحة المعارضة بعد تمسك الجماعة بخطها السياسي المعارض رغم الصعاب.

الملفت للانتباه في الحملة الأخيرة -برأي العريان- هو التوقيت؛ حيث جاءت قبل يوم واحد من إعلان مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف عن يوم الغضب من أجل فلسطين، فجاءت الاستجابة لهذه الغضبة ضعيفة، رغم انعقاد عدد من المؤتمرات في الإسكندرية والغربية وعدد آخر من المحافظات المصرية.

ويربط العريان بين الاعتقالات وزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمصر؛ فهي في نظره ضربة استباقية للجماعة تهدف لصرف نظر أوباما عن أي أفكار تتعلق بدمج الإخوان في الحياة السياسية، خاصة أنه سيتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالنظام المصري كما يقول العريان سيكون في حرج؛ حيث لا تزال يديه ملطخة بدماء الإسلاميين، وملفه الحقوقي بالغ السوء.

يقول العريان “ما يجهله النظام هو أننا كإخوان لم نعتمد يوما على الدعم الأمريكي لمواقفنا، وقضيتنا الإصلاح في الداخل، ولم تفتح الجماعة قنوات للاتصال بالإدارة الأمريكية ولو كان لنا علاقات مع أمريكا لما وصلنا لما نحن عليه الآن من المطاردة والتنكيل والإقصاء”!.

رفيق حبيب الباحث في شئون الحركات الإسلامية يتفق مع ما يذهب إليه العريان، مشيرا إلى أن هذه الاعتقالات هي محاولة جادة من قبل النظام المصري لغلق أي نوافذ لحوار متوقع بين نواب الجماعة في البرلمان وأي مسئول أمريكي، خاصة مع مراعاة ما تردد عن أن الإدارة الأمريكية الجديدة ترغب في أن تكون أكثر انفتاحا مع الإخوان، ولهذا السبب تم استهداف أعضاء الجماعة في البرلمان.

إلا أن نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يستبعد أن تكون هذه الاعتقالات محاولة لقطع الطريق على الحوار بين أمريكا والإخوان، مؤكدا أنه إذا رغبت أمريكا في إقامة حوار مع الإخوان فلن يستطيع النظام أن يقف في طريقها، وما يحكم الخيارات الأمريكية هو مبدأ المصلحة، فالسياسية الأمريكية تدور حيثما دارت المصلحة، وفي أحيان كثيرة لا تصلح فزاعة الإخوان للترهيب من القوى الإسلامية.


تداعيات الموقف من إيران وحزب الله

د. رفيق حبيب

وبجانب تأكيده على أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق حملات الاعتقالات الروتينية لعرقلة النشاط السياسي للجماعة يرى رفيق حبيب أن المتغيرات الجديدة في العلاقة بين الجماعة والنظام تتعلق بتصريحات مرشد الإخوان بشأن خلية حزب الله، وموقف الجماعة من دعم حركة حماس، هذه التصريحات جاءت في وقت يعاني فيه النظام من تراجع مكانته الإقليمية لصالح دول أخرى كإيران وتركيا، ويربط بين الاعتقالات وبين تصريحات الرئيس حسني مبارك بأنه لن يتهاون مع من برر دعم حزب الله وحركة حماس بدعم المقاومة، والاعتقالات هي تنفيذ لما قاله الرئيس.

وفي السياق ذاته يرى نبيل عبد الفتاح أن الدولة تستغل المواقف المتناقضة والتصريحات غير المسئولة والانفعالية لمرشد الإخوان وبعض قيادات مكتب الإرشاد في تبرير سياستها المتعسفة تجاه الجماعة، وبجانب أن هذه المواقف المتناقضة مبرر لضرب الجماعة فإنها أحدثت فجوة بين الإخوان والثقافة السياسية السائدة في مصر، والتي تعطي أولوية للتضامن وتوحيد الصف في مواجهة أي استهداف خارجي.

ومع تقديره للجماعة وموقعها في الحياة السياسية إلا أن عبد الفتاح يؤكد أنها تعاني خلال هذه الفترة من غياب رؤية سياسية ساهمت في تخبط الجماعة وعدم قدرتها على ضبط مواقفها السياسية، وهذا برأيه يستوجب مراجعة لسياساتها ولمواقفها وأولوياتها، خاصة فيما يتعلق بالرابطة الدينية وصعودها فوق الرابطة الوطنية، ونتيجة لهذا التخبط يتوقع عبد الفتاح أنه ستكون هناك سلسلة من الضربات القوية في المرحلة القادمة للجماعة من أجل مراجعة حساباتها.

ومن بين الدلالات في الاعتقالات الأخيرة -يرى نبيل عبد الفتاح- أنها وجهت إلى عدد من قيادات تيار الاعتدال داخل الجماعة أمثال عبدالمنعم أبوالفتوح، وهي رسالة لأن يتخذ هؤلاء الأعضاء مواقف واضحة من التيار المتشدد الذي سيطر على الجماعة خلال الفترة الأخيرة، ومن المواقف المتناقضة التي تورط الجماعة في مشاكل هي في غنى عنها.


الأمن القومي ودعم المقاومة

وفي سياق موقف الإخوان من خلية حزب الله وحركة حماس، وتأثيرها على علاقة النظام بالجماعة يذهب عصام العريان إلى أن هناك حملة ضارية من قبل النظام ضد أي عمل لدعم المقاومة، ولهذا فإن النظام يوجه رسالة لإسرائيل بأن مصر ليست بصدد دعم المقاومة، وأنها ماضية في طريق تجفيف أي منابع للدعم عبر أراضيها، وخطورة هذا الموقف -برأي العريان- أنه يتجاهل قضية الأمن القومي المصري، والذي يبدأ عادة من قوة وامتداد النفوذ المصري في غزة وفلسطين؛ لأنه أكبر تهديد للأمن القومي المصري، وليس الإخوان أو المقاومة أو دعم حماس، ولكن للعدو الصهيوني.

ويشير محمد البلتاجي النائب عن جماعة الإخوان في البرلمان إلى أن النظام بالاعتقالات الأخيرة يعلن الحرب ضد تيار دعم المقاومة ولن يتراجع في الوقت الحالي، وهو موقف يتوافق مع الموقف الإسرائيلي والأمريكي من المقاومة، ويمكن هنا استحضار الرسالة التي بعثت بها الرئاسة المصرية مؤخرا لتهنئة إسرائيل بعيد الاستقلال في وقت تحل فيه ذكرى النكبة.

لكن محمد البلتاجي يرى أن الحملة أبعد من ذلك أيضا؛ فالاتهامات التي تحدثت عن دعم التنظيم الدولي وتكوين لجنة علاقات خارجية للجماعة تسعى لتحجيم علاقات الجماعة بالخارج، خاصة تواصلها مع عدد من التكتلات الإسلامية الخارجية، وفي مقدمتها اتحاد البرلمانيين الإسلاميين، وهو يؤكد على أن علاقات إخوان مصر بالخارج تتم في إطار الاحترام للقوانين والدستور الخاصة بأي دولة، وأنه لا يوجد أي تدخل من قبل ما يعرف بالتنظيم الدولي في شئون الأقطار الداخلية، وإنما يوجد فقط تنسيق في المواقف وهو ظهر ذلك خلال حرب غزة، وأثار قلق النظام فقرر ضرب الجماعة.


ضربات قادمة

ما زالت القضية في بدايتها، لكن رفيق حبيب يتوقع أن تسير في اتجاه رفع الحصانة البرلمانية عن نواب الإخوان وفتح التحقيق مع عبدالمنعم أبوالفتوح، وساعتها سيتم توسيع القضية وتضخيمها، وربما تضم مجموعات أخرى تصل إلى خمسين عضوا من أعضاء الجماعة، ويقلل حبيب من احتمالات بقائها في مسار قضايا الاعتقال الروتيني التي تنتهي بالتحقيق مع المجموعة بعد حبسها احتياطيا في حدود مدة أقصاها شهرين.

ومن العوامل التي يرى حبيب أنها يمكن أن تؤدي لترجيح النظام لهذا البديل أو ذاك ردود فعل الإدارة الأمريكية؛ لأن مجرد التصعيد للقضية في هذا التوقيت قد يحرج الإدارة الأمريكية، والتي تبشر بأن هناك صفحة جديدة في علاقتها بالإسلاميين، بينما النظام يريد من خلال تضخيم القضية البقاء في المربع الأول، والقضاء على أي تحولات محتملة في الموقف الأمريكي من الإخوان.

ويرى حبيب أن النظام المصري منزعج من التحول في الموقف الأمريكي تجاه إيران والحركات الإسلامية، ومن الموقف الأوروبي من حركة حماس والدعوة إلى فتح حوار معها، ولذلك فهو سيدفع من خلال إثارة موضوع النظام الدوليللإخوان إلى استعادة الموقف السابق من الإسلاميين في عهد الرئيس جورج بوش، والاستمرار في سياسة تخويف الغرب من الإسلاميين.

بهذه الحملة فإن النظام -كما يرى رفيق حبيب - يرسل بعدة رسائل للإدارة الأمريكية: أولها أن هؤلاء النواب ليسوا جزءا من النظام؛ لأنهم يرتكبون أفعالا ضد القانون، وأن هناك نشاطا لتشكيل بؤر إخوانية في العديد من دول العالم الغربي، ما يستوجب مساعدة مصر في التصدي للخطر الإخواني، حسب كلام حبيب.

نبيل عبد الفتاح يؤكد أن هذه الحملة هي جزء من إستراتيجية الضربات الوقائية التي يمارسها جهاز الدولة المصرية ضد الجماعة، بهدف إضفاء مزيد من الارتباك على حركة الجماعة وأساليبها الدعوية والسياسية، وتنظيف الساحة وإعدادها للانتخابات القادمة، والحيلولة دون دخول الإخوان البرلمان مرة أخرى، لاسيما وأن الانتخابات البرلمانية ستكون مقدمة لعملية انتخاب رئيس مصر القادم.

ويستبعد نبيل عبد الفتاح احتمالات أن تتوقف القضية على مستوى الاتهامات الروتينية والإفراج عن المتهمين، مؤكدا أن الجماعة مقدمة على سلسلة من الضربات القوية والموجعة؛ بهدف إقصائها عن المجال السياسي، فنحن على أعتاب مرحلة جديدة سيضرب فيها النظام الجماعة بلا هوادة.