أول قانون إخواني لإلغاء المحاكم العسكرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أول قانون إخواني لإلغاء المحاكم العسكرية


2006-12-02

كتب: عبد المعز محمد

مقدمة

:مظاهرة للصحفيين أمام محمكة النقض

- حسين محمد يطالب بإلغاء الأحكام العسكرية

- القانون الجنائي يكفل حرية التقاضي وصرامة العقوبة

- المحاكم العسكرية تفرقة وسيف على رقاب الجميع

تقدم حسين محمد إبراهيم- نائب رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري- بمشروع قانون لإلغاء المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 على أن تُحَال كل القضايا المنظورة أمام المحاكم العسكرية- والمحالة إليها طبقًا للمادة 6 من القانون رقم 25 لسنة 1966- إلى محاكم الجُنَح والجنايات ذات الاختصاص طبقًا للقواعد المقرَّرة في قانون الإجراءات الجنائية، وتعتبر الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية استنادًا للمادة السادسة المشار إليها كأن لم تكن حتى ولو كان قد صُدِّق عليها, وذلك متى كانت لم تنفذ أو لم يكتمل تنفيذها بعد وتُعَاد محاكمة المحكوم عليهم أمام المحاكم المختصة، وفي حال صدور الحكم بعقوبات مقيدةٍ للحرية تُستنزل منها مدة العقوبة السابق تنفيذها.

وقال النائب- في مذكرته التوضيحية-: إن هذا المشروع كان قد تقدَّم به النائب الراحل عادل عيد، وإنه وجد فيه من الفائدة ما يستدعي تقديمَه مرةً أخرى، وقال: إنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرص على أن يورد في المادة العاشرة منه أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تُنظَر قضيتُهُ أمام محكمة مستقلةٍ نزيهةٍ نظرًا عادلاً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية تُوجَّه إليه.

ثم نصَّت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 من ديسمبر سنة 1966 وصدَّقت عليه جمهورية مصر العربية في عام 1981م على أنَّ الناس جميعًا سواءٌ أمام القضاء، ومن حق كل فرد الفصل في أية تهمة جزائية تُوجَّه إليه، وتكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قِبَل محكمة مختصة مستقلة ومحايدة مُنشَأة بحكم القانون.

ثم خَطَت هيئة الأمم المتحدة خطوةً أبعد نحو تحقيق هذا الهدف، وهو توفير ضمانات المحاكمة العادلة المنصفة للأفراد، وذلك من خلال ضمان استقلال السلطة القضائية، فأصدرت في 29 من نوفمبر 1985م إعلانًا بالمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، وحرصت على أن ينص في هذا الإعلان صراحةً على أن تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البتِّ فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخُلُ في نطاق اختصاصها (المادة الثالثة من الإعلان) كما نص على أن (لكل فرد الحق في أن يحاكَم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبِّق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لتنتزع الولاية المقررة التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية) كما نصت المادة الخامسة.

الدستور المصري

أما الدستور المصري الصادر سنة 1971م فقد حرص على إقرار وتأكيد هذا الحق الطبيعي للمواطن المصري، فنص في المادة 98 منه على (أن يكون لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي)، وقد وردت هذه المادة ضمن مواد الباب الخامس الخاص بسيادة القانون؛ ممَّا يؤكد أن الإخلال بهذه الضمانة الأساسية يعتبر في نفس الوقت إخلالاً بسيادة القانون، وأن حق المواطن في المحاكمة العادلة أمام القاضي الطبيعي يُعتبر واحدًا من أهم حقوق الإنسان، بل لعلَّه الضمان الحقيقي لممارسة تلك الحقوق جميعًا وبغير استثناء.

وقال إنه رغم هذه النصوص الواضحة التي نصَّت عليها المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان ثم أوردها الدستور (وهو أساس الشرعية لنظام الحكم في الدولة بحيث لا ينبغي أن تخالفه أية نصوص ترِد في تشريع أدنى وإلا وُصِمَت بعدم الدستورية، بل تكفل استقلال القضاء كسلطة، واستقلال القضاء كأفراد، وتؤكد كلها حق المواطن المصري في ألا يُحَاكَم إلا أمام قاضيه الطبيعي) رغم ذلك كله فما يزال هذا الحق الأساسي عرضةً للانتهاك بين الحين والحين من جانب السلطة التنفيذية التي دأبت على أن تعهد إلى ضباط من القوات المسلَّحة بمحاكمة المواطنين المدنيين المتهمين بتهم جنائيةٍ آثمة بقانون العقوبات وغيره من القوانين العادية.

مستندةً في ذلك إلى نص المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1966 بشأن الأحكام العسكرية، وهو قانونٌ سابقٌ على صدور الدستور الحالي ومخالفٌ لأحكامه؛ حيث نصَّت تلك المادة المعدلة بالقرار بقانون رقم 5 لسنة 1970 على أن تسري أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم والتي تُحَال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية "ولرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يُحِيل إلى القضاء العسكري أيًّا من الجرائم التي يُعاِقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر".

وهذا النص ينطوي على إخلال صارخٍ بأحكام الدستور والمواثيق الدولية؛ حيث إنه يحرم المواطن من حقِّه الطبيعي في أن يُحَاكَم أمام قاضيه الطبيعي، فضلاً عن إخلاله بقاعدة المساواة أمام القضاء، وفرض عليه المثول أمام "محكمة" عسكرية لا تتوافر فيها أيٌّ من مقومات المحاكم العادية، ولا يتوافر فيمن يجلسون فيها أيٌّ من مواصفات أو ضمانات القاضي الطبيعي، بل إنها لا تعدو أن تكون "مجلسًا عسكريًّا" لا يمتُّ إلى القضاء بسبب أو صلة.

وتفصيل ذلك أن الدستور المصري حرص على أن يوفر للسلطة القضائية فصلاً مستقلاً باعتبارها إحدى سلطات الدولة الثلاث، وقد نُصَّ في المادة 165- وهي أولى مواد هذا الفصل- على أن (السلطة القضائية مستقلة)، والمقصود بهذا الاستقلال تحصين تلك السلطة ضد تدخل أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية عملاً بمبدأ فصل السلطات الذي هو الركيزة الأولى لقيام دولة المؤسسات كبديلٍ عن الشمولية وحكم الفرد، ومن جهةٍ أخرى نصَّ إعلان الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء في المادة الأولى على أن (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية، وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية).

وفي المقابل نجد عكس ذلك تمامًا في قانون الأحكام العسكرية، فالمادة الأولى منه تنص صراحةً على أن (الإدارة العامة للقضاء العسكري هي إحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة)، وتنصُّ المادة الثانية على أن (يتولى الإدارة العامة للقضاء العسكري مدير ضابط مُجاز في الحقوق يتبع وزير الدفاع مباشرةً)، وهذه النصوص واضحةٌ ولا تحتاج إلى تعليق.

وأشار النائب إلى أنه فضلاً عن استقلال القضاء كسلطةٍ فقد نصَّ الدستور على استقلال القضاة أنفسهم، فنصَّت المادة 166 على أن (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة)، كما تنص المادة الثانية من إعلان الأمم المتحدة على أن تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيُّز على أساس الوقائع ووفقًا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إجراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرةً كانت أو غير مباشرة، من أي جهة ولأي سبب.

وتأكيدًا على هذا الاستقلال وتجسيدًا له نصت المادة 167 من الدستور على أن (يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبيِّن شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم).

وفي إطار هذا التوجيه الدستوري قَنَّن المشرع في قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 كلَّ ما يتعلق بالمحاكم وبالقضاة في نصوصٍ واضحةٍ قاطعةٍ لا تحتمل لبسًا ولا تأويلاً، فنصَّ على ترتيب المحاكم بدرجاتها المختلفة وتنظيمها وتحديد مقارِّها وكيفية إنشائها (المواد من 1 إلى 14) ثم أوضح ما يدخل في ولاية المحاكم وما لا يدخل فيها (المواد 15- 17) ثم ناطَ بالجمعية العمومية للمحكمة المشكَّلة من كافة قضاتها الاختصاص بترتيب وتأليف الدوائر وتوزيع القضايا على الدوائر المختلفة وتحديد عدد الجلسات وأيام الانعقاد وندب المستشارين للعمل بمحاكم الجنايات والقضاة للعمل بالمحاكم الجزئية، وأوجب أن تصدر قرارات الجمعيات العمومية بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين (المواد 30- 37).

مشيرًا إلى أنَّ حكمة ذلك أن المشرِّع رأى أن يتم توزيع العمل بين القضاة بواسطتهم أنفسهم كضمانةٍ لا بد منها لتأكيد حيدةِ القاضي واستقلاله وإبعاده عن المؤثرات وهي شبهة التحيز التي لا بد وأن تثور إذا ما انتُقِي قاضٍ بعينه لنظرِ دعوى بعينها، وهو ما جرى قضاء محكمة النقض على اعتباره أمرًا منافيًا للحيدة الواجبة في القاضي، ثم يحدد القانون شروط تعيين القضاة وترقيتهم وتحديد أقدمياتهم، وجعل التعيين لجميع رجال القضاة وترقيتهم وتحديد أقدمياتهم، وجعل التعيين لجميع رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة بقرار رئيس الجمهورية بموافقة مجلس القضاء الأعلى (المواد 38 حتى 50) كما نصَّت المادة 14 من إعلان استقلال السلطة القضائية الصادر عن الأمم المتحدة على أن يُعتبر إسناد القضايا إلى القضاة ضمن إطار المحكمة التي ينتمون إليها مسألةً داخليةً تخص الإدارة القضائية.

مؤكدًا أنه وفي المقابل نجد أنَّ قانون الأحكام العسكرية لم يكتفِ بنفي الاستقلال عن جهاز القضاء العسكري وتأكيد انتمائه عضوًا للقيادة العامة للقوات المسلحة، فضلاً عن تأكيد تبعيته المباشرة لوزير الدفاع.. وإنما مضى على ذات النهج بالنسبة للقضاة العسكريين أنفسهم، فنصَّ صراحةً في المادة 57 على أن (يخضع القضاة العسكريون لكافة الأنظمة المنصوص عليها في قوانين الخدمة العسكرية)، وفي نفس الوقت أغفل تمامًا أي تنظيم يتعلق بطريقة تشكيل دوائر المحاكم العسكرية وتوزيع القضايا فيما بينها، كما خلا من أي نصوص تنظِّم نقل القضاة العسكريين أو ندبهم لغير عملهم أو تأديبهم أو وجوب قبول استقالتهم إذا ما تقدموا بها.

الأمر الذي يؤكد أنَّ القاضي العسكري هو ضابط أولاً وأخيرًا، وأنه يخضع لكل ما يخضع له الضابط من أحكام انضباطية وأنظمة عسكرية بلا أدنى تفرقة أو تمييز بينه وبين سائر ضباط القوات المسلَّحة، الأمر الذي يجعله عرضةً للتدخل في عمله من جانب القادة والرؤساء، وأن يمارسوا عليه الضعوط والمؤثرات ترغيبًا وترهيبًا، وعلى وجه الخصوص من رئاسته المتمثلة في مدير إدارة القضاء العسكري الذي يتبع وزير الدفاع مباشرةً حسبما تنص المادة الثانية من ذات القانون بل- ومن باب أولى- من وزير الدفاع نفسه القائد العام للقوات المسلَّحة، والذي لن يجد حرجًا في أن يصدر إلى القضاة العسكريين ما قد يتراءى له من التعليمات والتوجيهات في شأن القضايا المعروضة عليهم!!

وأما بالنسبة للمعاملة المالية للقضاة فقد نص المشرّع في المادة 78 من قانون السلطة القضائية على تحديد مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفق الجدول الملحَق بذلك للقانون، وحظَر أن يقرَّر لأحد منهم مرتباتٌ شخصية أو أن يعامَل معاملةً استثنائيةًَ بأية صورة، بل إنه زيادة في الحيطة- لما قد تعمَد إليه السلطة التنفيذية من مكافأة قاضٍ بعينه وبذاته أو معاملته معاملةً مميزةً- ناط بمجلس القضاء الأعلى وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي في حالة ندبه لغير عمله أو بالإضافة إليه (لمادة 62)؛ وذلك تقديرًا من المشرع؛ لأنَّ المعاملة المالية للقاضي إذا ما تركت بلا ضابط جاز أن تكون ذريعةً للتأثير عليه سلبًا أو إيجابًا من قبل السلطة التنفيذية.

ثم تابع المشرّع هذا النهج، فنصَّ على أن الاستثناء من أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وقوانين المعاشات، ولا يترتب على استقالة القاضي سقوط حقه في المعاش أو المكافأة، وأن تعتبر استقالته مقبولةً من تاريخ تقديمها لوزير العدل (المواد 68 حتى 70) ثم نصَّ المشرِّع على واجبات القضاة وما يحظر عليهم من أعمال (المواد 71 حتى 77) ثم نظَّم كيفية التفتيش على القضاة والتظلم والطعن في القرارات الخاصة بشئونهم (المواد 78 حتى 85) كما نظَّم إجازات القضاة السنوية (المواد 86 حتى 92)، وأخيرًا نظَّم مساءلةَ القضاة تأديبيَّا (المواد 93 حتى 115).

كذلك فقد نصَّ الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية في المادة 11 على أن يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب إمضاء المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم, وحصولهم على أجر ملائم, وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.

الحصانة

وقال إنه بالنسبة للقضاة العسكريين الذين تُشَكَّل منهم المحاكم العسكرية فإن المعاملة المالية الخاصة بهم منذ تعيينهم في هذه المحاكم لا يتناولها قانون الأحكام العسكرية بأي تنظيم, وإنما هي سرٌّ مجهولٌ لا يعلمه أحد؛ مما يلقي على هؤلاء الضباط "القضاة" ظلالاً كثيفةً من الريبة وعدم الاطمئنان إلى حيدتهم وبُعدهم عن المؤثرات المادية, ويفتح الباب واسعًا أمام شبهة تعرضهم لما يؤثر عليهم من السلطة التنفيذية التي يتبعونها تبعيةً مباشرةً، والتي تملك لهم الإغداق والمِنَح كما تملك الحرمان والمنع.

وأما بالنسبة لحصانة القاضي الطبيعي أو عدم قابليته للعزل فتنصُّ المادة 78 من الدستور صراحةً على أنَّ (القضاة غير قابلين للعزل والقانون ينظِّم مساءلتهم تأديبيًّا) ثم تعود المادة 67 من قانون السلطة القضائية فتردد ذات الحكم، بل إن المشرِّع لا يكتفي أن يحصِّن القاضي الطبيعي ضد العزل, وإنما يحصّنه أيضًا ضد النقل، سواءٌ كان نقلاً نوعيًّا إلى وظيفة أخرى خارج السلطة القضائية- وهو ما لا تملكه السلطة التنفيذية بغير اتِّخاد الطريق التأديبي باعتباره عزلاً مقنعًا وإسقاطًا لولاية القضاء عن القاضي- أو كان مجرد نقل مكاني؛ توقيًا لاحتمال أن يُتَّخذَ وسيلةً غير مباشرة لمجازاة القاضي بغير سلوك الطريق التأديبي الذي رسمه القانون, ومن هنا حرص قانون السلطة القضائية على أن ينظِّم نقل القضاة وأن يحدد المُدَد التي لا يجوز نقلهم من محاكمهم قبل انقضائها, وأن يجعل النقل- في جميع الأحوال- بقرار يصدره رئيس الجمهورية وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وأن يحظر النقل إلا في الأحوال- وبالكيفية- المبينة بهذا القانون (المواد 52 إلى 54).

مؤكدًا أيضًا أن قانون السلطة القضائية نص في المواد من 62 إلى 66 على ألا يتم ندب القاضي لغير عمله أو الإضافة إليه أو إعارته للحكومات الأجنبية إلا بعد أخذ رأي الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها القاضي وموافقة مجلس القضاء الأعلى، وأن يصدر بالندب أو الإعارة قرارٌ من رئيس الجمهورية.

وفي ذات المعنى فإن إعلان الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية ينص في المادة 12 منه على أن يتمتع القضاة- سواءٌ أكانوا معينين أو منتخبين- بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب.

الاختصاصات

كما يَجب ألا يُساءل القاضي تأديبيًّا إلا بإجراءات وضمانات صارمة, فتنص المادة 17 منه على أن يُنظر في التهمة الموجَّهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاضٍ بصفته القضائية والمهنية وذلك على نحو مستعجل وعالٍ بموجب إجراءات ملائمة، وللقاضي الحق في الحصول على محاكمة عادلة، ويكون فحص الموضوع في مرحلته الأولى سريًّا ما لم يطلب القاضي خلافَ ذلك كما تنص المادة 18 على أن لا يكون القضاة عرضةً للإيقاف أو العزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم.

ثم تنص المادة 19 على أن تحدد جميع الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل وفقًا للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي، وتنص المادة 20 على أنه ينبغي أن تكون القرارات الصادرة بشأن الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلةً لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة.

ومما تقدَّم يتبين أن مبدأ عدم قابلية القاضي الطبيعي للعزل بغير الطريق التأديبي يُعدُّ مبدأً دستوريًّا بحيث لا يملك المشرِّع العادي المساس به بشكل مباشر أو غير مباشر؛ إذ هو ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة التي هي حق طبيعي لكافة المواطنين؛ حيث تكفل للقاضي الاستقلال في الرأي والتأبِّي على أيه ضغوط أو مؤثرات مادية أو معنوية تنال من حيدته في قضائه.

أما بالنسبة للقضاة العسكريين فإن الأمر على العكس من ذلك تمامًا؛ إذ تقضي المادة 59 من قانون الأحكام العسكرية بأن (يكون تعيين القضاة العسكريين لمدة سنتين قابلتين للتجديد ولا يجوز نقلهم إلى مناصب أخرى إلا للضروريات العسكرية)، وهذا النص صريحُ الدلالة على أن ولاية "القاضي" العسكري للقضاء هي ولاية موقوتة بنص القانون، وأن إدارة القضاء العسكري لها حق النظر في أمره كل عامين، فإما أن تبقي عليه إذا كان مَرْضِيًّا عنه وإلا عزلته من منصبه القضائي ونقلته إلى منصب آخر حسبما يتراءى لها!!

بل إن ذلك النص لا يضمن للقاضي العسكري حتى مجرد البقاء في منصبه طيلة عامين كاملين؛ إذ إنه يجيز عزله من ولاية القضاء في أي وقت بمجرد أمر يصدره وزير الدفاع ولو قبل مضيّ هذين العامين بذريعة "الضرورات العسكرية"، وبذلك نستطيع أن نقدِّر مدى ما يستشعره القاضي العسكري من قلق على منصبه ومستقبله وهو جالس مجلس "القضاء".. الأمر الذي مؤاده حتمًا أن ينتقص هذا القلق من حيدته وحصانته، وأن ينعكس بالضرورة على ما يصدر عنه من أحكام, فيحرص على أن تكون مدعاةً لإرضاء تلك السلطات العليا المتحكِّمة في مصيره.

وأخيرًا.. فإن القاضي الطبيعي لا بد وأن تتوافر فيه الخبرة والتخصص والتأهيل القانوني المناسب؛ ولهذا فقد اشترط قانون السلطة القضائية في المادة 38 فيمن يتولى القضاء أن يكون قد بلغ ثلاثين سنةً بالنسبة للمستشار بمحكمة النقض، كما اشترطت ذات المادة فيمن يُعيَّن في إحدى وظائف القضاء أن يكون حاصلاً على إجازة في الحقوق من إحدى الجامعات المصرية، ثم تنص المادة 39 على تحديد الفئات التي ينبغي أن يُعيَّن القضاةُ من بينها، وهي فئاتٌ روعي فيها كلها سابقة الاشتغال الفعلي بالعمل القضائي أو القانوني، سواءٌ كان العمل في سلك القضاء أو النيابة العامة أو مجلس الدولة أو هيئة قضايا الدولة أو النيابة الإدارية أو المحاماة أو التدريس بكليات الحقوق، مع وجوب أن يكون هذا العمل القانوني السابق قد امتد لفترة معينة؛ بحيث تكفل لأصحابها الخبرة والتأهيل اللازم لشغل منصب القاضي.

وفي هذا المعنى تنص المادة 10 من إعلان الأمم المتحدة الخاصة باستقلال القضاء، على أن يتعين أن يكون مَن يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادًا من ذوي النزاهة والكفاءة وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسِبة في القانون، ويجب أن تشتمل أية طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة، ولا يجوز عند اختيار القضاة أن يتعرَّض أي شخص على أساس العنصر أو اللغة أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو المنشأ القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو المركز, على أنه لا يُعتبر من قبيل التمييز أن يُشترط في المرشح لوظيفة قضائيةٍ أن يكون من رعايا البلد المعني.

وأضاف إنه في الجانب الآخر فإن قانون الأحكام العسكرية لم يتطلب في الضابط- كي يتولَّى القضاء العسكري- أن يكون حاصلاً على أي مؤهل في القانون، ولا أن يكون قد سبق له الاشتغال بأي عمل يمتُّ للقانون بصلة, بل ولا يشترط أن يكون قد بلغ من العمر سنًّا معينةً، وإنما اكتفى فقط بالنص في المادة 55 على أن (يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة) ومؤدَّى ذلك أن القاضي العسكري الذي يجلس للفصل في أخطر الجنايات ويقضي فيها بأشد العقوبات التي قد تصل إلى عقوبة الإعدام فضلاً عن العلم والإلمام بأصول القانون ومبادئه, ناهيك عن نظرياته وتطوراته.

مطالبًا ألا ينال من ذلك أن يكون الدستور قد نص في المادة 183 الوارد في الفصل الخاص بالقوات المسلحة على أن (ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصاته في حدود المبادئ الواردة في الدستور)، فهذه المادة وإن أجازت أن ينظم القانون القضاء العسكري ويبين اختصاصاته فقد جعلت ذلك مشروطًا بأن يتم في حدود المبادئ الواردة في الدستور، ومن هذه المبادئ التي تعنيها ألا يمتد اختصاص القضاء العسكري لمحاكمة غير العسكريين؛ وذلك التزامًا بالمبدأ الدستوري المقرر بالمادة 68 التي تكرِّس حقَّ المواطن في ألا يحاكَم إلا أمام قاضيه الطبيعي، كذلك فإنها تشير إلى وجوب بالمبادئ الدستورية المقررة بشأن مواصفات القاضي العسكري وضماناته والتي وردت في النصوص الخاصة بالسلطة القضائية المطروحة عليه وضمان حيدته بمن يؤمنه من وقوع أي تأثير عليه أو تدخل في القضايا المطروحة عليه، فضلاً عن حصانته ضد العزل.

وبالتالي فإن تلك المادة التي وردت في الدستور الذي صدر في عام 1971 أن تُدمغ بعدم دستورية أحكام قانون الأحكام العسكرية الصادر 1966 والتي نظمت القضاء العسكري على نحو يجافي المبادئ التي وردت في الدستور بشأن القضاء, ويجرِّده تمامًا من أي حيدة أو استقلال أو حصانة ضد العزل أو التدخل في عمله والتأثير عليه، وذلك على التفصيل السابق بيانه.. الأمر الذي يقتضي القول بأن "القضاء" العسكري حسبما نظمه القانون 25 لسنة 1966 ليس هو القضاء العسكري الذي عناه المشرّع الدستوري في المادة 183 سالفة الذكر التي أوجبت على المشرّع بقانون وأن يبين اختصاصاته في حدود المبادئ الواردة في الددستور وهو ما يوجب إعادة النظر في قانون الأحكام العسكرية برمته بما يضمن المواءمة لنصوصه من جهة ومبادئ الدستور من جهة أخرى بما يكفل للقاضي العسكري التخصص والحيدة والاستقلال وعدم القابلية للعزل هذا فضلاً عن إخضاع الأحكام التي تصدرها المحاكم العسكرية للطعن أمام محكمة النقض.

وأضاف النائب أن "القضاء" العسكري بصورته الراهنة الواردة في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 لا يعد قضاءً بحال من الأحوال, كما أن "المحاكم" العسكرية التي تُشَكَّل في إطار هذا القانون لا تعد محاكمَ حقيقيةً, وكذلك لا يعد "القضاة" العسكريون الجالسون فيها قضاةً بالمعنى الذي يبتغيه الدستور ونصَّت عليه المواثيق الدولية, وبالتالي فإن "الأحكام" التي تصدر عنهم لا تعد أحكامًا ذات حجية فيما قضت به؛ بحيث تعتبر عنوانًا للحقيقة بالمعنى الصحيح، وإنما لا تعدو الحقيقة أن تكون مجرد "قرارات إدارية" صادرة من "مجالس عسكرية" بحتة، وإن كان المشرع قد وصفها- بغير حق- بأنها أحكام قضائية.. الأمر الذي اقتضى تقديم هذا الاقتراح بقانون بإلغاء المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1966 لما تنطوي عليه من مساس خطير بحريات المواطنين وحقوقهم الأساسية وعلى وجه الخصوص حقهم في المحاكمة العادلة أمام قاضيهم الطبيعي.

المصدر