أخلاقُ الحرْبِ عندنا و عندهم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


أخلاقُ الحرْبِ عندنا و عندهم

بقلم / أحمد بلال

تتبعتُ بعضَ رواياتِ السادة الأطباء المصريين الأبطال ، الذين ذهبوا إلي غزة ، ليُنفقوا مما أنعم الله عليهم به من نعمة النبوغ في الطب ، و يشاركوا في إسعاف المصابين هناك ، و لو تعرَّضوا معهم للخطر ، و سمعتُ عن مدي خطورة الأسلحة و المقذوفات التي استخدمها الصهاينة المجرمون ، و المحرمة دولياً و إنسانياً ، كالقنابل الفسفورية و غيرها ، و التي أحدثت أنواعاً من الإصابات لا عهد للطب الحديث بها من قبل ، و علمتُ أن بعض هذه الأسلحة قادمٌٌ لتوِّه من الخارج لاستخدامه في غزة كحقلٍ للتجارب ، و تعجبتُ من مدي الوحشية و الإجرام عند هؤلاء الصهاينة ، مع الاعتذار للوحوش و للمجرمين  ! ، .. ثم قلتُ إن أخلاقَ الحرب لها صلةٌ بشريعة المُحارِبين ، فاليهود لا يرون في استخدام هذه الأسلحة الفتاكة و الهتاكة ، إلا تقرباً مزعوماً و التزاماً بديانتهم المحرفة طبقاً لأهوائهم الخبيثة ، فقد قالوا " ليس علينا في الأميين سبيل " ، فلا مؤاخذة لهم عما يفعلون في غير اليهود ، و حصروا الجنة عليهم " وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى " ، و زعموا أنهم أحباب الله دون غيرهم " نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ " ، فهذه جرائمهم تشهد ببطلان اعتقاداتهم ، و بدناءة نفسياتهم ، و بانحطاط تصوراتهم ..

ثم انتقلتُ من الأرض إلي السماء ، و من الوحل إلي العلياء ، و تذكرتُ قيود و آداب القتال و الحرب عند المسلمين ، و أن الجهاد شُرِعَ من الأساس لغايتين : الدفاع عن عقيدة الأمة وأخلاقها بل و عن حرية الاعتقاد للمسلمين و غيرهم . و الدفاع عن حرية الشعب واستقلاله ، و أنه شُرِعَ بقيودٍ ، كالقيود المفروضة علي مشرطِ الجرَّاح ، أن يستأصلَ موضع الجرح ، و يطهِّرَه ، و لا يتعدّاه إلي غيره ، و لا يستبيح ما سواه مما يسعه الإعراض عنه . و تذكرتُ وصية الصدِّيق لقُواده و هم ذاهبون إلي القتال : (لا تمثِّلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيـراً ، و لا شيخاً كبيراً ، و لا امـرأة ، و لاتعقـروا نخلاً و لا تحرقوه ، و لا تقطعوا شجرة مثمرة ، و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لابعيراً إلا لِمَأكلة .. ) ، فتلك هي أخلاقنا الحربية : عدلٌ و رحمةٌ و وفاء.

ولمّا ولِيَ الخلافة عمر بن عبدالعزيز ، وفد إليه قومٌ من أهل سمرقند ، و رفعوا إليه أن قتيبة قائد الجيش الإسلاميفيها دخل مدينتهم و أسكنها المسلمين دون أن ينذرَهم قبلها ، فكتب عمر إلى عامله هناك ، أن ينصبلهم قاضياً ينظر فيما ذكروا ، فحكم القاضي المسلم بإخراج المسلمين ! ، على أن يُنذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك ، وينابذهم وفقاً لمبادئ الحرب الإسلامية ، حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين فلا يُؤخذوا بغتة ، فلمارأى ذلك أهل سمرقند ، رأَوْا ما لا مثيل له في التاريخ من عدالةٍ تنفذها الدولة علىجيشها وقائدها  ! ، فقالوا : هذه أمّة لا تُحارَب ، وإنما حكمُها رحمة ونعمة ، فرَضُوا ببقاءالجيش الإسلامي ، وأقروا أن يُقيم المسلمون بين أظهرهم.

ولما فتحت جيوش المسلمين الظافرة دمشق وحمص وبقية المدن السورية ، وأخذوا من أهلها مبالغ من المال صلحاً نظير حمايتهموالدفاع عنهم ، رأى قادة المسلمين بعد أن جمع هرقل لهم الجموع لينازلهم في معركة فاصلة ، رأوا أنيُخلُّوا المدن المفتوحة ، و يتجمعوا في مكانٍ واحدٍ ينازلون به الروم مجتمعين. وخرج جيش المسلمين من حمص ودمشق والمدن الأخرى ، و جمع خالد أهل حمص ، و أبو عبيدة أهل دمشق ، وغيرهما منالقادة أهل المدن الأخرى ، و قالوا لهم : إنا كنا قد أخذنا منكم أموالاً على أن نحميَكم و ندافعَ عنكم ، و نحن الآن خارجون عنكم ، لا نملكُ حمايتكم ، فهذه أموالكم ، نردُّها إليكم!، فقال أهل المدن : ردَّكم الله ونصركم ، والله لَحُكمكم وعدلُكم أحبُّ إلينا من جور الروموظلمهم ، والله لو كانوا مكانكم لما دفعوا إلينا شيئاً أخذوه ، بل كانوا يأخذون معهمكل شيء يستطيعون حمله ! .

وفي حروب التتار في بلادالشام ، وقع بأيديهم كثيرٌ من أسرى المسلمين والنصارى واليهود ، ثم تدخل شيخ الإسلامابن تيمية مع أمير التتار في أمر الأسرى وفكّ أسرهم ، فأجابه الأمير إلى فك أسرىالمسلمين فقط دون النصارى واليهود ، فأبى شيخ الإسلام ذلك ، وقال له : لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمَّتنا ، ولا ندع أسيراً لا من أهلالملة ولا من أهل الذمة.

هذا قليل من كثير من آداب الجهاد و القتال في الإسلام ، دين رب العالمين ، فلنقارن بما حدث في غزة ، و لنعتبر، و لنتعجب من صمت الحضارة الحديثة البعيدة عن الله تعالي بقيادة أمريكا الراعي الأكبر للمذابح الصهيونية ، و صمتُها أكبر عار في حقها ، و دولة الظلم لن تدوم ، فالعدل هو ميزان الملك و أساسه ، و لنستبشر بصمود أهل غزة الذي هو ردٌّ عن ديار المسلمين كلها ، و بداية بإذن الله تعالي لانهيار دولة الصهاينة ، و من ورائها دول الظلم كلها .

ملكْنـا فكان العفوُ منا سجيةً

فلما ملكتُم سال بالدم أبطحُ

وما عجبٌ هذا التفاوتُ بيننا

فكلإناءٍ بالذي فيه ينضحُ