أحمد أبو رتيمة يكتب : تحول مفهوم القوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد أبو رتيمة يكتب : تحول مفهوم القوة


(07/9/2013)

نافذة مصر

شاهدت تقريراً مخيفاً عن الأسلحة التي تمتلكها الولايات المتحدة وقدراتها التدميرية الهائلة، من هذه الأسلحة طائرة b2 سبيريت التي تعد أغلى طائرة على الإطلاق فتبلغ تكلفة الطائرة الواحدة منها مليارين ومائتي مليون دولار، وقد صممت كقاذفة للصواريخ النووية ويمكنها التخفي عن الرادار..

أمريكا حريصة على أن تظل هي الدولة الأقوى عسكرياً حتى تكون لها الكبرياء والعلو في الأرض، وهذه الترسانة المخيفة من الأسلحة هي أصنام هذا العصر فالدول تتخذ من ترسانة الأسلحة آلهةً يقدمون لها القرابين بتخصيص ميزانيات ضخمة للتسليح لعلهم ينصرون.. وبهذه الأصنام تستعبد الشعوب فيخاف الناس من الأقوياء ويتخذونهم أولياء لعلهم ينصرون ويحذرون من إغضابهم لاعتقادهم بأن هؤلاء الأقوياء يملكون لهم الضر والنفع والموت والحياة..

أمام هذه المعادلة فإن التفكير التقليدي يقول: يجب أن نمتلك السلاح حتى نهزم أمريكا، وهي معادلة تبدو صعبةً وشائكةً جداً، لكن ماذا لو فكرنا خارج الإطار فبدل أن نسعى لامتلاك هذه الأسلحة حيدنا تأثيرها وفرغناها من فاعليتها حتى لا تغني عن أصحابها شيئاً فنحطم بذلك أصنام العصر كما فعل أبونا إبراهيم بأصنام عصره، ونحقق معنى التوحيد: "فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب"..

استعمال القوة العسكرية ليس عمليةً فنيةً بسيطةً تتوقف على إصدار أمر من قائد عسكري أو الضغط على زر تقني إنما هناك شبكة مصالح اقتصادية وسياسية ومنظومة علاقات اجتماعية وثقافية هي الأساس وقبل أن تفكر أي دولة في استعمال السلاح فإنها تراعي كل هذه العوامل، فالجانب الفني من استعمال السلاح ليس سوى الثمرة الأخيرة، فلو أحسنا التعامل مع المقدمات فخلقنا معادلةً سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً فإننا لن نكون مضطرين للاقتراب من حافة الهاوية أصلاً فضلاً عن السقوط فيها..

تقوم الدول على شبكة علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية، ولا يمكن أن تمارس دولة مسئولة الحروب ترفاً دون مراعاة مصالحها، فالحرب تنشأ نتيجة تصور الدولة المعتدية بأن هذه الحرب ستعود عليها بالفائدة، وأن رد العدو على اعتدائها لن يتسبب في إلحاق أضرار استراتيجية بمصالحها، فلو تغير الوعي لدى صناع قرار الحرب بأنها ستلحق الضرر الفادح بمصالحهم فلن يقدموا عليها حتى لو امتلكوا أسلحةً نوويةً ليس انطلاقاً من دوافع أخلاقية بطبيعة الحال إنما حرصاً على مصلحتهم التي تشابكت وتلاقت مع مصلحة العدو..

أضرب مثالاً تبسيطياً لإيضاح المعنى: لنفترض أن هناك شعباً أعزل لا يملك قوةً عسكريةً لرد العدوان عن نفسه وهذا الشعب معاد لأمريكا التي تمتلك قنبلةً نوويةً يمكنها أن تمحو هذا الشعب عن الوجود بضربة واحدة، لكن هذا الشعب استعاض عن القوة العسكرية بتحقيق ريادة علمية وصناعية كبيرة فأغرقت منتجاته الأسواق العالمية، واستطاع تكوين شبكة مصالح واسعة متغلغلة في كثير من دول العالم بما فيها أمريكا، واستطاع أن يحدث إضافةً نوعيةً للإنتاج العالمي، هل تملك أمريكا شن اعتداء عسكري على هذا البلد الأعزل؟؟

فنياً تستطيع فعل ذلك، لكن إذا راعينا شبكة المصالح الاقتصادية والمعادلة الدولية فإن أمريكا لن تجرؤ على ذلك، لأن مصلحتها هي ذاتها ستتضرر، كما أن شبكة العلاقات التي استطاع هذا البلد نسجها مع دول العالم ستوفر غطاء حماية له، لأن أي اعتداء عليه سيلحق الضرر الفادح بمصالح الدول المرتبطة اقتصادياً به، وبذلك فإن انفتاح العالم وتشابك العلاقات الاقتصادية خدم السلام العالمي، وخيار الحرب يتراجع في العالم، فلم نعد نرى حروباً بين الدول المتقدمة لأن مصالحها تشابكت وتداخلت، وأي توتر فضلاً عن المواجهة العسكرية الفعلية سيهوي بمؤشرات البورصة وسيلحق الضرر بالاقتصاد في هذه الدول..

في واقعنا المعاصر أمثلة كثيرة لدول شقت طريقها نحو التقدم بالتنمية الاقتصادية دون الحاجة إلى جيوش وأسلحة مثل ألمانيا واليابان وماليزيا وتركيا، ويكفي أن نشير إلى ما ذكره كتاب اليابان تقول لأمريكا لا من أن التكنولوجيا النووية لأمريكا متوقفة على الميكرو شيبس الذي تنتجه اليابان!!

لقد تحول السلاح إلى صنم لا يضر ولا ينفع، فقد امتلكت باكستان سلاحاً نووياً لكنه لم يغن عنها شيئاً ولا تزال تئن تحت وطأة الفقر والجهل والتخلف، أما الاتحاد السوفييتي فقد انهار وهو يملك من السلاح ما يمكنه من تدمير الكرة الأرضية عدة مرات "فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب".

لذلك فإن المدخل للحاق بالدول المتقدمة ومنافستها هو التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وليس تكديس الأسلحة أو بناء ترسانة نووية كما تفعل بعض الدول الإسلامية، وحين ننجح في إحداث نهضة ثقافية واجتماعية واقتصادية وبناء أنظمة سياسية مسئولة في بلادنا العربية فإننا سنمتلك عناصر قوة تجبر العالم على احترامنا..

هذه ليست دعوةً إلى التخلي عن القوة حتى لا يحاججني أحد بقوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" بل للتنبه إلى أن مفهوم القوة قد تغير، فصار بإمكان الأدوات الاقتصادية والسياسية والإعلامية أن تصنع ما لا تصنعه أصنام الأسلحة المتكدسة

المصدر