أبو جرة سلطاني لـ(الشرق الأوسط) هناك في الجزائر من يعتقد نفسه وصيا على الشعب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أبو جرة سلطاني لـ(الشرق الأوسط) هناك في الجزائر من يعتقد نفسه وصيا على الشعب


حاوره : بوعلام غمراسة

الشرق الأوسط

يسعى الحزب الإسلامي الجزائري «حركة مجتمع السلم» إلى حشد تأييد الأحزاب والسلطة والجمعيات، حول مبادرة تزيل حالة الاحتقان الاجتماعي التي خلفتها احتجاجات 5 يناير (كانون الثاني) الجاري.

ويتوقع مراقبون برودة في التعاطي معها من طرف أحزاب كبيرة مثل الحزب الحاكم «جبهة التحرير الوطني»، وحزب رئيس الوزراء «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية».

وقال رئيس الحزب أبو جرة سلطاني في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن المبادرة تقترح «ميثاق شرف» على شركاء الحركة السياسيين وتهدف إلى فتح «نقاش وطني طمعا في تحصين بيوتنا قبل هبوب العاصفة الزاحفة».

رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامي: لو قاد التيار الإسلامي ما حدث في تونس لنزلت علينا هراوات العالم كله

وأضاف سلطاني أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتخفيض أسعار مواد غذائية لإزالة الاحتقان، غير كافية، فهي لا تعدو، حسبه، أن تكون، «مسكنات لأمراض لا يمكن أن نعالجها بالسكر والزيت والسميد، فهناك توتر اجتماعي له أسباب سياسية أعمق من الخبز». ويعتقد أن الذين احتجوا في الشوارع يرفعون مطالب سياسية بالأساس.

وحول أسباب غياب التيار الإسلامي عن موجة الاحتجاج التي خلفت 4 قتلى وخرابا في المرافق، قال سلطاني إن الإسلاميين يمرون بحالة من الحصار حيث نجحت أنظمة عربية في جعلهم «بعبعا» يخيفون به جماعات المصالح في البلدان المتحالفة مع الغرب لضرب الإرهاب.

وانتقد سلطاني ، الذي كان وزير دولة قبل عامين، استمرار حالة الطوارئ التي غالبا ما تبرر بها السلطات منع المظاهرات والمسيرات في شوارع المدن.

وفيما يلي نص الحوار:
  • أطلق حزبكم مسعى سماه «مبادرة من أجل الاستقرار»، موجهة للسلطة والأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني الهدف منها فتح نقاش حول مشكلات الجزائريين. لماذا هذه المبادرة؟ وماذا تتضمن بالتحديد؟
- العالم كله يعيش مخاض الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وكل الأوراق التي قدمتها الجهات المتحكمة في التحولات الكبرى احترقت في أفغانستان والعراق واليمن وفلسطين.
وظهرت فضائح هذه الأنظمة وعلاقاتها الحقيقية بشعوبها وجيرانها وعلاقاتها بالخارج، وظهرت نماذج من ذلك من خلال ما تسرب حتى الآن من موقع «ويكيليكس»، وتأكد في الميدان أن العلاقات التقليدية بين الأنظمة وشعوبها بدأت تهتز وتفقد كل يوم المزيد من رصيد الثقة التي كانت تمثل الأسمنت المسلح في بناء الدولة الوطنية عند بداية خروجها من ربقة الاستعمار، ثم إن الأزمة المالية العالمية بدأت تلقي بتداعياتها على الجبهة الاجتماعية.
أمام الغلاء المتزايد للأسعار في السوق العالمية، لذلك بدأت التوترات تزحف على كل بقاع العالم، ونال عالمنا الثالث الحظ الأوفر منها، وعرفت ذروة تأججها في تونس الشقيقة مما بات يعرف بـ«ثورة الياسمين»، لذلك بادرنا بإطلاق صيحة تحذير في وجه السلطة والأحزاب والمجتمع المدني، ودعوناهم جميعا إلى فتح نقاش وطني حول واقع ما يجري، طمعا في تحصين بيوتنا قبل هبوب العاصفة الزاحفة على الوطن العربي.
وتم ذلك في إطار مبادرة هي عبارة عن قراءة أولية للواقع المحلي والإقليمي والدولي، وطرح بعض الأسئلة المنهجية التي تحتاج إلى أجوبة صريحة، وتقترح المبادرة نقطتين كأرضية للعمل المشترك بعد تشريح دقيق للواقع. الأولى، تكمن في فتح نقاش وطني عام.
والثانية، تكمن في اقتراح أرضية ميثاق شرف.
وتم توزيعها على كل الأطياف السياسية والنقابية والمجتمعية، وعلى الجهات الرسمية كذلك، ولاقت استحسانا من كثير من الأطراف، لأنها جاءت في وقتها وتم طرحها بطريقة فيها كثير من المرونة التي يجد فيها كل حريص على المصلحة المشتركة ضالته.
  • لكن بعض المراقبين يتنبأون بفشلها، أو على الأصح يتوقعون برودة في التعاطي معها على أساس أن كل مسعى لمناقشة أزمات الجزائريين أو حلها لا يحظى بالتأييد إذا لم يأت من الحكومة، ما مدى صحة ذلك برأيكم؟
ــ لا أنكر أن هناك أنانيات سياسية، كما أن هناك من يعتقد نفسه وصيا على الشعب وبيده كل خيوط اللعبة، لكن هذه النظرة بدأت تتلاشى أمام ما يحدث في تونس وفي السودان، واليمن، والحبل على الجرار. لذلك استقبل الجميع هذه المبادرة بكثير من الاهتمام، وقد سلمتنا بعض الأحزاب مبادرات مماثلة، نعتقد أن جمعها يمكن أن يصنع ورقة عمل يتعاون الجميع على بلورتها وتنفيذها في الميدان.
  • على عكس ما وقع في الماضي، غاب التيار الإسلامي عن الاحتجاجات الشعبية التي جرت في غالبية ولايات الجزائر في الأسبوع الأول من شهر يناير الجاري. لماذا؟
- التيار الإسلامي في الجزائر دفع نصف الفاتورة في أحداث 05 أكتوبر (تشرين الأول) 1988، وسدد الفاتورة كاملة خلال المأساة الوطنية، واستوعب الدرس جيدا لما رأى أنه كل مرة يواجه بالتهم من الداخل والخارج، وتتضافر الجهود العالمية على محاصرته، ووأده في كل الاستحقاقات.
فالتيار الإسلامي اليوم يمر بحالة من الحصار الدولي الذي نجحت بعض الأنظمة في جعله «بعبعا» أو فزاعة تخيف بها جماعات المصالح في أقطارنا الأنظمة المتحالفة على ضرب الإرهاب وتجفيف منابعه، وتلوح بها في وجه النافذين في العالم مهددة أمنهم واستقرارهم، لقد أقحمت بعض الأنظمة التيار الإسلامي في سوق المقايضة في كثير من المؤسسات الدولية، وكشفت أحداث تونس عن جزء من هذه المقايضات الرخيصة، فلو أن «ثورة الياسمين» قادها التيار الإسلامي لنزلت عليها هراوات العالم كله، ولن تجد من يتحدث عن حقوق الإنسان أو عن الإسراف في استخدام القوة.
  • كيف تفسرون انفجار الشارع في الجزائر يوم 5 يناير الجاري، واستمرار الاحتجاجات 5 أيام؟
- لقد شغلنا المجتمع الجزائري بالوضع الأمني كأولوية، وهذا حق، فسكت عشرين عاما ملتمسا الأعذار للحكومات المتتالية، لأن الوضع فعلا كان ينذر بالخطر، ويتهدد الدولة نفسها بالسقوط أو بالأفغنة أو اللبننة أو الصوملة أو البغددة، وبُذلت جهود جبارة لاسترجاع السلم المدني والانخراط في المصالحة الوطنية وعودة الحياة إلى سابق عهدها الطبيعي لكن، إدارة الوضع الأمني ظلت محكومة بحالة الطوارئ التي تسير بها السلطات العمومية البلد بعقلية الخوف من كل صوت ناقد، حتى لو كان في إطار النصح أو المبادرة بما هو من النشاطات العادية لصالح السلم والأمن والتنمية.
  • هل تقصدون حالة الطوارئ التي تسري في البلاد منذ 1992؟
- حالة الطوارئ أصبحت لا معنى لها، ومع ذلك مازالت الإدارة تتبجح بالوضع الأمني كلما تعلق الأمر بتنظيم نشاط في الفضاءات المفتوحة، صحيح أن حركة مجتمع السلم نظمت تجمعات في ملاعب كرة القدم، وعبرت عن قناعاتها بحرية، ولكن هذا لا يكفي بالنسبة لدولة مثل الجزائر التي أسست لفكرة الثورة والحرية ووقفت مع الشعوب المضطهدة في حقها في تقرير مصيرها، ثم فجأة نجد أنفسنا عاجزين عن تطويق احتجاجات شبانية عبرت عن مطالبها بطريقة تخللها بعض العنف الاجتماعي، هل هذا وضع طبيعي؟ في حركة مجتمع السلم، نعتقد أن مبادرتنا جاءت لتساهم في معالجة هذه الأوضاع، ولا سيما انشغالات الشباب.
  • أنتم مشاركون في الحكومة بأربعة وزراء. هل تعتقدون أن الإجراءات ذات الطابع التجاري التي اتخذتها السلطات لتهدئة الوضع الاجتماعي كافية؟
- هذه إجراءات ظرفية، تنتهي في أواخر شهر يوليو (تموز) 2011، وهي عبارة عن مسكنات لأمراض لا يمكن أن نعالجها بالسكر والزيت والسميد، فهناك توتر اجتماعي له أسباب سياسية أعمق من الخبز، والذين احتجوا على رفع الأسعار في الجزائر لم يحركهم التهاب الأسعار فقط إنما حركهم كذلك الإحساس بالتهميش وغلق قنوات الحوار، باسم حالة الطوارئ أو باسم المأساة الوطنية.
  • هل تعتقدون أن جهة ما في السلطة حركت غضب الشارع؟ وهل كان المستهدف هو الرئيس أم سياسته؟
- في غياب الحوار والشفافية، يصعب أن تعرف من معك ومن ضدك، كما يصعب التعرف على نوايا محركي هذه الاحتجاجات، ومن المستفيد منها، لكن المؤكد أن عوامل كثيرة تراكمت منذ بدأت بعض الأطراف تتحدث عن الوضع الاجتماعي، وعن اختلاسات ضخمة للأموال العمومية، وعن فساد مهيكل مس كل القطاعات، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس الزيادات الجنونية في الأسعار، والتي تأكد أن كمشة من البارونات صاروا يحتكرون السوق، ويتلاعبون بقوت الشعب، والسلطات العمومية تقف عاجزة عن لجم هذه الاستفزازات الاجتماعية التي تدفع كل يوم نحو المزيد من الاحتقان المنذر بانفجارات اجتماعية صعبة.
  • يعتقد البعض أن غضب الشارع يعكس صراع أجنحة في السلطة، على مصالح مادية. ما رأيكم؟
- قد يكون ذلك صحيحا لكن تفريغ الساحة الوطنية من جميع محركاتها السياسية والإيديولوجية والنقابية وإسكات النخب بالتهميش وظهور الفتوحات الإلكترونية كل ذلك سهل مهمة افتعال الصدام بين الشباب وقوات منع الشغب. وطبيعي أن يوجد من يستثمر في الأزمات.
فالوضع الجديد شطب وسائط التهدئة والتعبئة والتأطير فاختفت النخب الثقافية والطبقة السياسية، وتدنى منسوب الثقة بين السلطة والشعب، فبرزت حالة توجس تشبه الاحتقار المتبادل الذي ولد حالات من التوتر، لا شك أن وراءها من يحركها لأغراض لها علاقة بما يسميه البعض مساعي الاستخلاف.
  • ماذا تقصدون بمساعي الاستخلاف؟
- السيد رئيس الجمهورية رجل قدم كل حياته للجزائر، فشارك في معركة التحرير وساهم في بناء الجزائر، كما كان له أكبر الفضل في إنقاذها من الاحتراق بإخراجها من المأساة الوطنية بين 1999 و2004 والذهاب بها إلى مصالحة وطنية بين 2005 و2011، تعيش اليوم الربع ساعة الأخير من نهايتها، والناظر في معدلات أعمار رجال الطبقة الحاكمة الآن في الجزائر يلاحظ تقدمهم في السن، ويلاحظ أن نسبة الشباب قليلة في سدة الحكم وفي الصفوف الأمامية.
أمام هذا الوضع ظهرت مجموعة من الانتهازيين تتحدث عن حزب الرئيس، وعمن سوف يخلف الرئيس، رغم أن عهدته ما زالت في بدايتها، وأعتقد أن التسابق بدأ مبكرا. ونحن بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية.
- الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، تعرض لغدر حواشي السلطة عندما منعوه من مجرد الترشح للمنافسة على رئاسيات 2009 بوضع قوانين على المقاس أقصت فضيلته من السباق، وكان رحمه الله يعرف مفاصل السلطة، ويدرك أن الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي لسياسات يفرضها الماسكون بزمام الحكم، وكان يعرف سلطات رئيس الحكومة، لذلك أطلق مقولته الشهيرة: «نحن في الحكومة ولسنا في الحكم»؛ ليبين للناس أننا نتعاون على تطبيق برامج غيرنا لمصلحة الجزائر، وأن برنامجنا لا يمكن أن يعرف النور إلا إذا صرنا جزءا من منظومة الحكم، وهو ما وضعناه تحت عنوان الشراكة السياسية.
  • وهل تحقق ذلك بعد وفاة الشيخ نحناح؟
- لقد فقدت الحكومة كثيرا من صلاحياتها، بما في ذلك تسويق منجزات الدولة والتعريف بمشاريع رئيس الجمهورية، بعد التعديل الدستوري الأخير، وتحولت إلى ما يشبه مكتب دراسات يعالج الملفات، ويقدم الاقتراحات، وينتظر مجلس الوزراء للبت في الكبيرة والصغيرة، لذلك يمكن أن نقول اليوم: «نحن في مكتب دراسات ولسنا في الحكومة».
  • يلزمكم «التضامن الحكومي» بالصمت في بعض الأحيان حيال إجراءات حكومية تبدو في غير مصلحة الجزائريين، ما يجعلكم تظهرون في كثير من الأحيان حزبا يختفي تحت معطف السلطة، بينما أنتم في الأصل حركة شعبية. ما تعليقكم؟
- التضامن الحكومي مبدأ أخلاقي نلتزم به إذا تعلق الأمر بمصلحة عامة، أما حينما يترجح لدينا أنه في غير مصلحة الجزائريين فلا نلتزم به ونسجل تحفظاتنا، ونعلن عن مواقفنا في حينها، ولقد لاحظتم كيف اختلفنا مع الحكومة في كثير من القرارات، لا سيما منها ذات البعد الإيديولوجي كقانون الأسرة، والباكالوريا (الثانوية العامة) الإسلامية، وجواز السفر البيوميتري، ورفع حالة الطوارئ.
وقد أنصفنا رئيس الجمهورية في كثير منها، وزملاؤنا في الحكومة يتفهمون مواقفنا لأننا لسنا أحرص على مصلحة الوطن منهم وإن تفاوتت وجهات النظر وتباينت المرجعيات لهذا الطرف أو ذاك .

المصدر