" ملعقة في فنجان الثورة "

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
" ملعقة في فنجان الثورة "


الاحد 22 مارس 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

من آيات الله في اهلاك الظالمين -وعلى ما ألاحظ - أنهم يؤخذون وهم في أعلى درجات يقينهم من التمكن والجبروت ، فلم يكن يخطر أبدا ببال حسني مبارك وهو يخوض معركة تولية ابنه جمال مقاليد الحكم أنه وابنه أقرب ما يكونوا إلى الخلع والإهانة والإستجواب والمثول في الأقفاص والسجن ، لم يكن جمال مبارك أبدا يتوقع وهو يصدر أوامره لقادة الحرس الجمهوري باتمام تأمين مواكبه وتحركاته أن ثمة لجنة شعبية سوف تمر على زنزانته لتتقين إن كان يقبع داخلها بعد إغلاقها أم لا ، ولم يطف أبدا في خاطر أحمد عز وهو يكتب أسماء أعضاء برلمان 2010 يمحو فيها ما يشاء ويثبت أنه سيرتدي البدلة الزرقاء ويمثل صاغرا أمام القضاء محاولا التنصل مما كان يزأر به بالأمس القريب ، نعم رأينا هؤلاء وهم في أحقر وضع وأذل مكانة ، وكانوا قبلها بأيام معدودات مترفين يصرون على الحنث العظيم ، وبين طرفة عين وانتباهتها تحول حبيب العادلي عن منصب كان فيه يحيي ويميت إلى سجين يجمع القانونيون على أنه لا محالة سيعدم ، ولابد وأنه قد مضت عليه أيام وليال يري فيها حبل العدالة يتدلى أمامه ويعد له الساعات عدا .

في المقابل أيضا لم يكن الرئيس محمد مرسي يتوقع أبدا أن تلك القوات التي تقوم باقتحام منزله واعتقاله قبل جمعة الغضب في يناير 2011 ستقوم بأداء التحية العسكرية له بعد عام واحد باعتباره رئيس الجمهورية ، ولم يصل أبدا طموح الإخوان المسلمين قبل انتخابات برلمان 2010 أنهم سيشكلون الأغلبية الساحقة في البرلمان الذي يليه بغرفتيه الشعب والشورى .

وإذا استُدرجنا إلى الحديث عن مفاجآت ما بعد ثورة يناير فإن أحدا لم يتوقع أبدا أن يغيب الموت أو الإختفاء الطوعى الأبدي عمر سليمان ، أو أن يطلق الجيش الرصاص على سيارة الفريق سامي عنان ليعلن بعدها بساعات توتبته النصوح عن ذنب التفكير في العمل السياسي ، أو أن تطول العمرة بالفريق أحمد شفيق حتى أنه لا يتجرأ على ذكر كلمة واحدة عن العودة لمصر ، أو أن يتحول حمدين صباحي المطالب بعرش الرئاسة وصاحب العبارة الأشهر في تاريخ مصر الحديث " انتخابات رئاسية مبكرة " إلى " فوطة " يلمع بها السيسي لافتاته في انتخابات الرئاسة ، أو أن يختفي الدكتور سليم العوا فلا تسمع له ركزا ، أو تنهار الحركة السلفية بشقيها الدعوي القديم والسياسي الحديث ويخجل المنتمون إليها من ذكرها باعتبارهم قد ساهموا في اسقاط المشروع الإسلامي عن عمد وبصيرة ، أو أن تصبح أحاديث قادة الجيش والشرطة والقضاء أشبه بحديث محمود عبد العزيز في فيلم الكيت كات عندما نسي الميكروفون مفتوحا .

غير أن المفاجأة الأكبر في المشهد السياسي كله هو أن تستمر جذوة الثورة مشتعلة حتى بعد نحو العشرين شهرا من الإنقلاب العسكري ، ورغم أحكام الإعدام بل والإعدامات الميدانية وتجاوز الخطوط الحمراء في معاملة النساء والأطفال والمعوقين ، ومن المفاجئ أيضا أن تظل المطالب الثورية باقية على أصولها لا تجرؤ يد على أن تمتد اليها بتحريف أو تأويل أو انتقاص ، وبينما الإنقلابيون يستدبرون سيطرتهم على الحكم يستقبل الثوار وصولهم لغاية ثورتهم وهى إقامة نظام ديمقراطي بل وصل الأمر ببعضهم حينا أن وضع لائحة بالوزراء والمحافظين والمستشارين والمساعدين وهو ما يؤكد يقين كافة القوي الثورية بسقوط النظام الإنقلابي المجرم ووصولهم - ليس فقط لمرحلة الإعداد لما بعده بل تجاوزها إلى مرحلة الصراع السياسي التالي لسقوط حكم العسكر . .

كثير من المتعجلين والمنزعجين - وجميعهم حسنوا النية - في معرض الخوف من تمكن العسكر من الحكم يستحضرون المرحلة الناصرية التي أطبق فيها العسكر على البلاد بيد من حديد فاستقر لهم الأمر ستين عاما ، ولو دققوا مليّا لوجدوا اختلافا بل تباينا كاملا ، فالتواصل الإجتماعى حل محل المنشورات ، والموبايلات حلت محل النداء من وراء الحجرات والشباب يجتمع على الفيس بوك بعشرات الآلاف وكان محظورا عليهم أن يزيد جمعهم عن أربعة والمقالات والصحف تطير إلى أقصي شرق الدنيا وغربها قبل أن يرتد إليك طرفك ، ومصر التي تسلمها عسكر الخمسينات كانت دولة عظمي تمتد من أوغنده إلى يافا ومن أم الرشراش إلى طبرق أما دولة عسكر كامب ديفيد فهى الصغيرة المتسولة الجائعة الحافية ، ورث عسكر الخمسينات مصر التي تتطلع الهند ويوغسلافيا إلى التقرب إليها وأورثوا عسكر اليوم " مصر قريبة " تتوسل إلى فحول الخليج أن يبتغوا بأموالهم نساءها بغاء ودعارة ، ورث عسكر الخمسينات علماء وأدباء وفنانين وصناعة وتجارة وزراعة ونيلا ونعيما وملكا كبيرا ، وأورثوا عسكر كامب ديفيد أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ، تسلم عسكر الخمسينات القاهرة أجمل مدينة في العالم وأورثوها " صفيحة زبالة " يأبي الأجانب دخولها خوفا من المرض والطاعون .

ليس لعسكر الإنقلاب إلا كبر ما هم ببالغيه ، فلا الزمان زمانهم ، ولا الشعب شعبهم ، وهم الآن من قريب يتجهمهم إلى عدو ملك أمرهم ، وقد خبروا كيف يكون الذل والمهانة إذا أمكن الله منهم ، وقد رأوا الآيات الكبر من المؤمنين الذين لم تلن لهم قناة ولم يضعف لهم عزم حتى وهم يستقبلون أحكام اعدام فلذات أكبادهم بل وجثثهم الممزقة بكل يقين في فضل الله ورحمته ، وإن كانت السلمية مغرية لهم أن يصلوا ببطشهم إلى أبعد مدى دون أن يخشوا مواجهة أو انتقام فإن ذلك سببه قلة فهمهم وضعف بصيرتهم ، فالسلمية التي فرحوا بها هى الحالقة التي خلخلت جمعهم ووضعتهم اليوم أمام الشعب موضع الجاني المستحق العقاب وكانوا في يوم انقلابهم هم و الشعب " ايد واحدة " .

إن التقلبات التي تحرك الشرق الأوسط بل والعالم كله ستزيد من دوامات الحراك السياسي الذي شهدته مصر خلال السنوات العشر الماضية وسيسلم العسكر السلطة صاغرين كما سلموها أول مرة وسيعود الإسلاميون لحكم مصر كما حكموها أول مرة وسيخرج اليهود من فلسطين كما خرجوا أول مرة وسيدخل المؤمنون المسجد الأقصي كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا .

المصدر