" برنامج النفط مقابل الدماء "

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
" برنامج النفط مقابل الدماء "


الاثنين 30 مارس 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

قليل هو من يجادل الآن في أن النكبة الكبري التي ألمت بالأمة العربية هى نكبة " المال " ، فالبترول الذي تفجرت أنهاره حول مضيق هرمز كان الضابط الأكبر لإيقاع السيمفونية الأكثر حزنا في تاريخ أمتنا الحديث ، فإذا قيل لماذا تولي أمريكا والغرب جل اهتمامهم بإضعافنا قيل ذلكم البترول الذي هو عمود النهضة الأمريكية وذروة سنام خلق فرص العمل هناك ، لا شك أن لوجود اسرائيل في منطقتنا العربية جزء كبير من الإهتمام الغربي بل دعونا نقول أن زرع اسرائيل هنا سببه الرئيسي هدم تميز موقعنا واهدار تميز أيديولجيتنا الإسلامية ، غير أن ظهور البترول قد حول ذلك الإهتمام إلى جنون وإدمان ثم تطور إلى زواج كاثوليكي بين منطقة الخليج وحلف الأطلنطي الذي تعتبر روسيا احدي دوله عندما يتعلق الأمر بأمن اسرائيل .

في أحد الفيديوهات التي سجلت لملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز يروي أنه في جمع من كبير من حاشيته فقد طلب منهم أن يؤمنوا وراءه عندما يدع الله : " الله يطول عمره " فقالوا آمين وتكرر الدعاء ثلاث مرات وعندما سألوه عمن يدعون له بطول العمر أجابهم الملك السعودي : إنه البترول ، وإذا اتفقنا على أن تدفق البترول يحسب في خانة المصائب فإن طول عمره ولاشك هو امتداد أجل تلك المصائب ، وللحقيقة فإن الدول العربية البترولية تدرجت في التحول مع الغني نحو الأسوأ ، وكان أول استعمال سياسي لسلاح البترول في حرب أكتوبر عندما خفضت الدول العربية جميعا انتاجها وللحق أيضا فإن السادات هو من طلب من الملك فيصل عليه رحمة الله اعادة كمية الإنتاج إلى سابقتها ، ثم كان الخط الفاصل بين عرب الفقر وعرب الترف هو الزيارة المشئومة للسادات إلى القدس فيما عرف بمبادرة السلام وبعد أن قطعوا العلاقات مع مصر بدت دول الخليج كمن فقد أمه في حادث مفاجئ وكان التبني الكامل من قبل الأم الأمريكية البديلة بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1991.

البترول في العراق ، والبترول في الكويت ، والبترول في الإمارات والبترول في السعودية ، البترول في عمان والبترول في الجزائر ، البترول في ليبيا والبترول في جنوب السودان ، مصائب بعضها فوق بعض وكوارث تراصت جنبا لجنب ، في بداية الأربعينات أخرج هنري بركات فيلمه " لو كنت غني " يتحدث فيه عن الأسطي محروس الحلاق المناضل صاحب المبادئ العمالية الإشتراكية والذي يرث فجأة ابن عمه المتسول فيصبح في لحظة مليونير " بحسابات ذلك الزمن " فيتنكر لثقافته وحارته ومبادئه وينغمس في حياة الترف فمن الملاهى الليلية ومرافقة الغواني إلى سباقات الخيل وصالات القمار لاعنا ولائما على الفقر والفقراء وحقدهم المتزايد على الأغنياء والمترفين . ولم يكن حال شعوب الدول العربية البترولية بأحسن حالا من الأسطي محروس الحلاق من جهة التنكر لقضايا الأمة والإنغماس في حياة الترف والدعة .

وإلي هنا فالأذي الناشئ عن المال العربي المتدفق منحسر أثره على اطلاق الشهوات وارضاء النزوات ، غير أن الأمر تعدي ذلك بعد تجاوز صدمة المال الأولي إلى تحريك المال سياسيا فكانت الحرب العراقية الإيرانية في ذروة زهو صدام حسين كون العراق ثاني أكبر منتج للنفط في العالم العربي وكون النفط العراقي هو الأجود في العالم ، وكان أن فقد العراق مليونين من شبابه بينما وجه كل عائدات النفط إلى شراء الأسلحة فقبض الغرب باليسار ما دفعه له باليمين ثم كان غزو الكويت لتحصل أمريكا كل فواتير النفط التي دفعتها لدول الخليج خلال عشرين عاما في فاتورة واحدة عليها خاتم خليجي يقرأ : عاصفة الصحراء .

كون العراق هو الأقوى من ناحية القوة البشرية فلم يكن مسموحا له أن يستفيد من خطئه أو أن يعيد قراءة المشهد بعد حربين مجنونتين ما كان أغناه عنهما فكان احتلاله وتطور الأمر إلى ما يخرج عن مضمون ذلك المقال ، وأما الجزائر فقد دفعت من أموال بترولها ثمن الأسلحة الروسية التي حاربت بها مصر عام 1973 وتزعمت جبهة الصمود والتصدي في مواجهة التصالح مع اسرائيل إلى جانب ليبيا والعراق وسورية فكان أن بدأت فيها المشروعات الصهيونية الفرنسية المشتركة لإشعال الحرب الأهلية واقصائها عن محيطها العربي وعن القضايا العربية بشكل عام ، أما دول الخليج فلم تكن سواء في تعاطيها مع الصدمات الكهربائية التي تلك ذلك الثراء المباغت فقد كان تعاطيها مع مسألة المال خلال العقود الثلاثة الماضية غريبا جدا ، فعلى سبيل المثال تعتبر الإمارات من أثري الدول العربية وأقلها في عدد السكان ، ومع ذلك فشوارع مدن عجمان والشارقة وأم القوين ورأس الخيمة والفجيرة لم تكن مرصوفة إلى ما قبل ثلاثة أعوام ولم تكن خدمات الكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب ممتدة إلى تلك المدن التي تشكل خمسة من سبع امارات هى كل مدن الدولة ، وبينما برزت دبي كمدينة أحلام لرجال الأعمال والمتسوقين كانت قد فقدت تماما طابعها العربي وصار المواطنون من أهل البلد يخجلون من دخول المحلات فيها لعجزهم عن الحديث باللغة الإنجليزية واليوم تبدو الإمارات كدولة للهنود والبنغال تنتظر ظرفا دوليا شديدا لتعلن أمارة هندية يقطنها أغلبية من المسلمين الآسيوين إذا طبقت قواعد حقوق الإنسان في مسألة منح الجنسية لمن زادت اقامته في البلاد على عشرين عاما ، غير أن الجديد في الأمر هو قيام الإمارات بدعم العدوان الفرنسي على المسلمين في مالي والذي ربما يجد سببا له كون فرنسا تضع قاعدة عسكرية في ابي ظبي لمواجهة عدوان إيراني مزعوم ، إلا أن ما قامت به الإمارات من دعم للإنقلاب العسكري على أول رئيس منتخب في مصر والذي قدره الشيخ محمد بن راشد بمبلغ 14 مليار دولار وضعت خطوطا حمراء تحت اسم الدولة الصغيرة من حيث قدرتها على توجيه أموال لتغيير الأوضاع السياسية في مصر حتى تصل إلى درجة صناعة إنقلاب عسكري أو اجهاضه .

وبينما تبدو الكويت غير معنية بكل ما يجري حولها لإطمئنان قادتها إلى سلامة حدودهم وأمان سربهم بعد أن نال صدام حسين ما ناله عندما تجاسر على تخطي حدودها فهى تشارك في الأحداث العربية من قبيل " تأدية الواجب " غير معنية بضخامة الحدث أو ضآلته فهى تري أن العرب لا خير في كثير من نجواهم كونهم لا يقدمون ولا يؤخرون ولولا أمريكا والغرب لكانت الكويت الآن المحافظة التاسعة عشرة في العراق فلا بأس من ارضاء دول مجلس التعاون بمد يد العون نحو الإنقلابيين في مصر ببضع مليارات أو قبضها وهما بالنسبة لها سواء .

أما المملكة العربية السعودية فلعل الإحاطة بما آلت إليه أوضاعها والتي كان المال عاملا رئيسيا فيها تستلزم معالجة كبيرة بما لا يتسع له المقال والحال وكذلك بالنسبة لقطر التي نازلت الكبار بالحق فلم تزل قوامة على اسم ذهبي لم يصدأ في ذلك الطوفان البترولي الكبير .

المصدر