"الجامعة العمالية".. مسمار جديد في نعش تعليم الانقلاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"الجامعة العمالية".. مسمار جديد في نعش تعليم الانقلاب


وزير التعليم العالي الانقلابي السيد عبد الخالق

(22/06/2015)

مقدمة

دق الانقلاب الفاشي مسمارا جديدا في نعش منظومة التعليم المنهارة بعدما أقدم دون دراسة على خروج الجامعة العمالية من الخدمة وقرر وقف قبول طلاب الثانوية العامة بها انطلاقا من العام الدراسي المقبل، متذرعا بتردي الأوضاع داخل المؤسسة التعليمية، وتضخم ملف الفساد المالي والإداري بالجامعة والمؤسسة الثقافية العمالية.

القرار يعكس حالة التخبط التي تضرب مفاصل دولاب العمل الحكومي في مصر منذ استيلاء العسكر على الحكم، والذي انعكس بجلاء على العملية التعليمة بشكل خاص، يمكن أن يظهر في عجز الانقلاب عن السيطرة على التسريب الفاضح والمتوالي لامتحانات الثانوية العامة بقطاعيها العام والأزهري، فضلا عن القرارات المتخبطة حول التعليم المفتوح وما سبقها من حرق الكتب وما تلاها من تراجع وانهيار في تصنيف الجامعات المصرية عالميا وإقليميا.

بدأت الأزمة على وقع قرار المجلس الأعلى للجامعات بإجماع الآراء، برئاسة وزير التعليم العالي الانقلابي السيد عبد الخالق، بعدم قبول طلاب الثانوية العامة في الجامعة العمالية هذا العام حتى تتم دراسة وتقييم أوضاع الجامعة العمالية، بعد ورود شكاوى متعددة من تردى الوضع داخل الجامعة العمالية لكافة الجهات، وهو اختصاص أصيل للمجلس الأعلى للجامعات.

مؤامرة الجامعات الخاصة

القرار أثار ردود أفعال غاضبة داخل أروقة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر المشرف على الجامعة العمالية، وأكد عبد المنعم الجمل - نائب رئيس الاتحاد - أن المستشارين القانونيين للجامعة يعكفون على دراسة الآليات القانونية المناسبة، للرد على قرار المجلس الأعلى المفاجئ والمريب.

وشدد الجمل على أن قرار المجلس الأعلى "المشبوه" لم يحدث من قبل مع أية مؤسسة تعليمية حكومية أو خاصة، مشيرا إلى أن دوافع القرار واهية وتكشف عن أمور غامضة في الكواليس حيث كان من المفترض أن يقوم المسئولون بإصلاح السلبيات وحل المشكلات وعلاج العوار والتصدي للفساد داخل الجامعة حفاظا على الكيان القائم بالفعل وعلى العاملين فيه، بدلا من بتر الجامعة من العملية التعليمية بالكلية.

واعتبر نائب رئيس اتحاد نقابات عمال مصر أن هناك مؤامرة تحاك ضد الجامعة واتحاد العمال، خاصة وأن القرار صدر في أعقاب الاجتماع السري للجنة الوزارية المعنية بدراسة أوضاع الجامعة في الأيام الماضية، برئاسة ناهد العشري وزيرة القوى العاملة دون دعوة ممثل اتحاد العمال.

وعقد مجلس إدارة الاتحاد اجتماعا طارئا، لاتخاذ اجراءات قانونية ضد هذا "المؤامرة" التي تحاك ضد الجامعة العمالية لصالح الجامعات الخاصة، بعد تسريب محضر الاجتماع السرى للجنة الوزارية المشكلة استنادا إلى قرار إبراهيم محلب رئيس حكومة الانقلاب رقم 516 لسنة 2015 بشأن دراسة أوضاع الجامعة العمالية بهدف تطويرها

وقد عقدت اللجنة الوزارية اجتماعا بتاريخ 14 ابريل 2015 أسفر عن التوصل إلى مغالطات تفتقر إلى الموضوعية والشفافية اعتمدت على عدد ممن وصفوهم بالـ" مرتزقة" من العاملين بالجامعة، الذين نقلوا إلي اللجنة صورة مغالطة للواقع وهو ما انتهى إلى صدور هذا القرار. وأكد الاتحاد أنه لا يعارض فكرة التطوير والتحديث، وأنه مع البناء وليس الهدم، ولكنه ضد منع قبول الطلاب بالجامعة مؤكدا أن من يتعلم بها هم أبناء العمال الغلابة.

تصريحات "الجمل" حول مؤامرة حكومة الانقلاب لم ترق لصناع القرار في دولة البيادة، فخرج على الفور أشرف حاتم -أمين المجلس الأعلى للجامعات - ليكشف أن عدد الطلاب الذين يتم قبولهم سنويا بالجامعة العمالية 2000 طالب، موضحا أن الطلاب سيتم توزيعهم هذا العام على المعاهد العليا والكليات ودمجهم في التنسيق، بعد قرار المجلس.

وأوضح حاتم - في تصريحات صحفية - أن مشكلة الجامعة العمالية قديمة وأن المجلس الأعلى للجامعات قدم تقريرا من قبل للدكتور حازم الببلاوي رئيس حكومة الانقلاب السابق، بالمخالفات والمشكلات التي تعاني منها الجامعة بناء على شكاوى وصلت للمجلس.

سجال الجانب العمالي مع الكيان الحكومي، أجبر جبالي المراغي - رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر - على الدخول على خط الأحداث الساخن سريعا، متوعدا بأنه لا تراجع في الدفاع عن الحق في ملكية الجامعة العمالية التي تضم 11 فرعا بالمحافظات و86 مركزا ومعهدا للثقافة العمالية بالمحافظات.

وأكد المراغي أن الاتحاد سيتقدم بطعن أمام القضاء؛ لوقف قرار المجلس الأعلى للجامعات، بشأن منع طلاب الثانوية العامة من الالتحاق بالجامعة العمالية العام المقبل، موضحا أن إنشاء الجامعة العمالية جاء بقرار جمهوري يحمل رقم 156 لسنة 1985، وينص على قبول طلاب الثانوية العامة والمدارس الفنية؛ لذا لا يجوز الرجوع فيه إلا بقرار جمهوري آخر.

وأضاف رئيس اتحاد نقابات عمال مصر أن قرار المجلس الأعلى للجامعات ينسف ما وعد به قائد الانقلاب، والذي زعم اهتمامه بإعداد عمالة فنية من الشباب لتحقق الاستقرار الاجتماعي بين فئات محدودي الدخل والفقراء. وزارة القوى العاملة والهجرة حاولت تبييض وجه الانقلاب، وأكدت أنه لن يُضَار العاملين بالجامعة العمالية والبالغ عددهم 4 آلاف عامل من عملية التطهير الوظيفي التي تمارسها حكومة إبراهيم محلب سواء داخل الجامعة أو في غيرها من مؤسسات وهيئات الدولة.

وأوضحت الوزارة - في بيان لها - أن القرار الصادر من المجلس الأعلى للجامعات، بشأن عدم قبول طلاب الثانوية العامة في الجامعة العمالية هذا العام، جاء بإجماع الآراء في اجتماع برئاسة وزير التعليم العالي، الدكتور السيد عبد الخالق، لحين دراسة وتقييم أوضاع الجامعة، مشيرًا إلى أن القرار صدر بعد ورود شكاوى متعددة من تردي الوضع داخل الجامعة العمالية لجميع الجهات.

انعدام الثقة

ومع انعدام الثقة بين الشعب والسلطة الانقلابية، قام العاملون بالجامعة بتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة القوى العاملة، لمطالبة الوزيرة بالتدخل لوقف هذا القرار وإلغائه، لأنه يعد تجفيف لموارد الجامعة ويلحق الضرر بـ 4000 عامل.

وناشد العمال وزيرة القوى العاملة في حكومة الانقلاب ناهد عشري، التدخل الفوري باعتبارها رئيسة اللجنة الوزارية التي أمر إبراهيم محلب بتشكيلها والمكونة من 6 وزراء لتطوير لتحديث الجامعة العمالية، إلا أن الوزيرة رفضت اللقاء وقام أمن الوزارة بالتعدي بالضرب على وفد الجامعة، ما أجبر العمال على التقدم باستغاثة إلى قائد الانقلاب كـ"المستغيث من الرمضاء بالنار".

الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، طالب السيسي بالتدخل للحفاظ على الجامعة العمالية، التي حرص الاتحاد العام على تنميتها والتوسع فيها، حتى وصل عدد فروعها إلى 11 فرعًا في مختلف محافظات الجمهورية، وتضم حاليا 35000 طالب وطالبة، بعد صدور قرار المجلس الأعلى للجامعات.

وأشار الاتحاد، إلى أن القرار ليس له مبرر منطقي واضح، بخاصة وأنها الجامعة الوحيدة في الوطن العربي التي يمتلكها العمال، وهي تنفرد بتخريج عمالة فنية خاصة برقابة الجودة، كما أنها الجامعة الوحيدة التي يتسنى لمحدودي الدخل إلحاق أبنائهم بها، بتكلفة لا تزيد عن 10% من مصروفات الجامعات الخاصة.

وتابع - في بيان

"الاتحاد العام لنقابات عمال مصر المالك للجامعة العمالية، التي أنشئت بالقرار الجمهوري رقم 156 لسنة 1985، يعرب عن أسفه لقرار المجلس الأعلى للجامعات، الذي يؤدى إلى عدم قبول طلاب جدد بالجامعة، رغم حرص الدولة على إتاحة التعليم الجامعي لأكبر عدد من الطلبة".

وأضاف البيان

"امتدت مأساة هذا القرار المجحف إلى قرابة 20 ألف مواطن، يمثلون 4000 من العاملين بكل من المؤسسة الثقافية العمالية والجامعة العمالية وهيئة التدريس، إضافة إلى ما سيلحق من أضرار بملايين الخريجين الموجودين حاليا في سوق العمل بالمصانع والوحدات الإنتاجية، جراء السمعة السيئة التي تحاول هذه اللجنة إلحاق الضرر بالجامعة وخريجيها ومن يفكرون في الالتحاق بها".

وفى رد فعل سريع، أعلن رجب معتوق -أمين عام الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب- تضامن الاتحاد الكامل مع الجامعة العمالية في مصر، مؤكدا أنها "صرح ثقافي تعليمي، وهي بخلاف أنها مكسب للعمال المصريين، فهي مكسب لكل العمال العرب، حيث أقيمت مئات وربما آلاف الأنشطة والفعاليات من ورش عمل ودورات وندوات ومؤتمرات مصرية وعربية وأفريقية ودولية، وتدرب وتتلمذ على أساتذتها آلاف العمال العرب من مختلف البلدان العربية".

وأعرب معتوق عن استيائه مما يحدث لهذا الصرح العمالي الرائع، والمكسب الكبير مصري وعربي بل وعالمي، متسائلا عن حقيقة ما يتعرض له الصرح العمالي وأهاب بكل المؤسسات العربية تفعيل آليات التضامن العربي نحو ما يتعرض له كيان تعليمي وتثقيفي بحجم وقيمة المؤسسة الثقافية العمالية وجامعتها.

وفى محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، عادت ناهد عشري، لتؤكد أنها على استعداد للجلوس والتحاور مع مجموعة مصغرة من موظفي الجامعة العمالية تضم جميع الشرائح من العاملين واللجنة النقابية وأعضاء هيئة التدريس؛ لمناقشتهم ومشاركتهم في إجراءات تصويب الأوضاع.

وأشارت الوزيرة إلى أنها سبق وطالبت مسئولي الجامعة العمالية بالتعاون معها في إصلاح مظاهر الخلل، إلا أن كل محاولاتها قوبلت بالرفض، ولازالت حتى الآن تتلقى شكاوى من داخل الجامعة؛ لمطالبة الوزيرة بسرعة التدخل، في حين لم يتم وضع أي تصورات محددة عن الخطوات التي سيتم تنفيذها لإصلاح الجامعة العمالية في المرحلة المقبلة.

المراقبون اتهموا الحكومة بتمرير القرار لصالح الجامعات الخاصة، في ظل محاولات محلب للبحث عن موارد داخلية لـ"الرز" بعد جفاف الوارد من بلاد النفط على خلفية الخلافات التي ضربت شهر العسل المصري السعودي، لذلك يرضخ مسئولو البيادة إلى مطالب رجال الأعمال من أجل تحصيل عائدات تدعم الاقتصاد المنهار حتى وإن كان على حساب 4 آلاف عامل.

مأساة التعليم

مأساة الجامعة العمالية، تنضم إلى قائمة طويلة من مشكلات التعليم في عهد الانقلاب والتي كشفها بجلاء تقرير التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنويا حول أهمية الابتكار وقوة البيئات المؤسسية، والذي تراجع خلاله التعليم في دولة العسكر إلى المرتبة رقم 141 لتقبع في قاع لائحة الترتيب.

تقرير تنافسية التعليم فضح تراجع منظومة التعليم في عهد السيسي في ظل ضعف الميزانية المخصصة، وصرف ما يقرب من 90% منها على الأجور، فيما اعتبرت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد أن التقرير ظلم مصر وذلك لوضعه مجموعة من المعايير لا تلائم الواقع المصري، خاصة أن محور التقييم الذي نتج عنه هذا الترتيب.

ويتم التقييم وفقا لعدة عناصر رئيسية، البنية الأساسية، والتحتية للمؤسسات، ومعززات الكفاءة والتدريب، والسوق الحر، والتسويق المالي، وحجم السوق، والاستعداد التكنولوجي، والإبداع، وعوامل التطور من خلال التعاون بين الصناعة ومؤسسات البحث العلمي.

الدكتور كمال مغيث -الخبير التربوي- شدد على أنه يتعين على المجتمع المصري، أن يعترف بأن وضع التعليم المصري هو الأسوأ في العالم، خاصة أن الاعتراف يأتي كنتيجة طبيعية لاكتشاف أن مجموعة من الطلاب في مراحل تعليمية متقدمة لا يجيدون القراءة والكتابة، موضحا أن العالم لم يعد يعترف، بأي نظام تعليمي يكلف الطالب ما يعادل 2500 جنيه بأقل التقديرات، أو بناء منظومة تعليمية سليمة على معلم يتقاضى أجر لا يتجاوز الـ300 جنيه أو 500 جنيه، مشددا على أن تلك جميعها عوامل تؤدى إلى وجود مصر بالترتيب الأخير بجدارة.

وأكد مغيث، أن الهيئة القومية لم تقدم جديدا للتعليم المصري، ومصر في حاجة إلى تعليم حقيقي على أساس تربوي وعلمي سليم يعبر بالبلاد النفق المظلم، الذي استقرت فيه منذ فترا، لافتا إلى أن 26 ألف مبنى مدرسي يطبق به نظام الفترتين، أي ما يعادل 90% من المدارس، خاصة في محافظات "القاهرة، والجيزة، والمنيا، والإسكندرية"، فيما تكفل المعايير الدولية للطفل الحق في مساحة 1.6 متر بالفصل الدراسي.. ليبرهن الحكم العسكري على أنه لا يهدف لذبح حاضر الوطن وإنما وأد مستقبله أيضا.

المصدر