https://www.ikhwanwiki.com/api.php?action=feedcontributions&user=Helmy&feedformat=atomIkhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين - مساهمات المستخدم [ar]2024-03-29T10:50:36Zمساهمات المستخدمMediaWiki 1.39.3https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D9%85%D8%B5%D8%B1&diff=644612سيادة الشريعة الإسلامية في مصر2012-03-05T23:49:24Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية في [[مصر]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
<center><font color="green"><br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم'''<br />
<br />
''' (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) ، فصلت/ 33 ، صدق الله العظيم''' <br />
</font></center><br />
<br />
'''بقلم: د.[[توفيق الشاوي]]'''<br />
<br />
<br />
==مقدمة المؤلف==<br />
<br />
لا شك في أن الحوار الدائر حول "تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية" سوف يطول ويتشعب في جميع أنحاء العالمين العربي و[[الإسلام]]ي، لأنه علامة من علامات اليقظة، ومرحلة من مراحل النهضة في بلادنا لاستكمال سيادتنا التشريعية وتدعيم مقوماتنا الذاتية التي نستمدها من عقيدة [[الإسلام]] وتاريخه وحضارته وثقافته وشريعته.<br />
<br />
في نظري أن هذا الحوار يجب أن يؤدي إلى خطوات عملية حتى لا يتحول إلى جدل عقيم ولا تدخل فيه المهاترات التي تحوله عن أهدافه الجدية. وما زلت أرى أن تكن نقطة البداية هي تقرير مبدأ "سيادة الشريعة" وهو التعبير [[الإسلام]]ي عن سيادة [[القانون]] ومبدأ الشرعية وهما المبدآن المعروفان في النظم العصرية ولا يجهلهما أي دارس للقوانين أو مشتغل بالشئون السياسية أو الاجتماعية.<br />
<br />
لقد كثر الكلام وطال فترة من الزمن في [[مصر]] وغيرها من البلاد حول "سيادة [[القانون]]" وقبل أن يستقر هذا المبدأ في العمل ويستفيد الناس من حمايته ظهر هم أن القوانين نفسها أصبحت سلاحا في يد الطغاة والمستبدين يهددون به حريات الأفراد وحقوقهم – لقد أثبتت التجارب في كثير من البلاد أن الجهة التي تصدر القوانين الوضعية لم تعد مستقرة ولا مضمونة نتيجة تعرض الدساتير ونظم الحكم إلى الانقلابات والنظم المفروضة التي تغير في القوانين وتستعملها سلاحا لفرض سيطرتها على المجتمع وأفراده ومؤسساته. <br />
<br />
لذلك لا يستقر المجتمع إلا إذا زودناه بوسيلة لنزع سلاح التشريع من يد الحكام الذين تفرض الظروف، أو يفرضون أنفسهم على الشعوب في كثير من الأحيان دون علمها ودون موافقتها. ولقد أقر الدارسون والباحثون في ميادين الفقه والتشريع أن [[الإسلام]] قد سبق جميع النظم إلى حل هذه المشكلة وعلاج هذه الحالة منذ عدة قرون؛ لأنه زود أمته بأقوى سلاح لمقاومة الطغيان، حيث قامت شريعته على مصادر سماوية تسمو على كل سلطة بشرية – وينتج عن ذلك حرمان الحكام من سلطة وضع القوانين على هواهم دون الالتزام بمصادر الشريعة الإلهية الأصيلة ومبادئها السامية التي يلتزم بها الحكام كما يلتزم بها الأفراد والعامة – هذا المبدأ السامي الذي أقرته شريعتنا جعل الشعوب تعتبر أن الاحتماء بالشريعة [[الإسلام]]ية ضرورة لا بديل عنها لحماية نفسها والدفاع عن حرياتها ومقوماتها – وأصبح مطلبا ملحا للجماهير لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه. فلا بد من الاستجابة له.<br />
<br />
عندما تطالب شعوبنا بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية قد يظن البعض أن الهدف من ذلك هو تطبيق الفقه [[الإسلام]]ي على علاقات الأفراد في المجتمع، سواء في النواحي المدنية أو التجارية أو الجنائية أو غيرها، ولكن هذا لا يكفي لأن الهدف الأول هو أن تلتزم الدولة نفسها بالخضوع لسيادة الشريعة وإلزام جميع من يمثلها من هيئات أو مؤسسات لسلطاتهم قبل أن يطبقوها على عامة الناس وأفراد المجتمع – وهذا المقصود الأول من مبدأ سيادة الشريعة وما يجعلها أسمى وأعلى وأقوى من سيادة [[القانون]] الذي يتكلمون عنها الآن. يريد الناس أن تسود المجتمع المبادئ والمثل والقيم والقواعد والأحكام الإلهية التي تمثلها الشريعة [[الإسلام]]ية – وأن تكون سلطات الدولة وحكوماتها أول من يخضع لذلك وتلتزم به قبل أن تفكر في إلزام الناس به.<br />
<br />
هذا هو المقصود من سيادة الشريعة التي يجب أن يكون تقريرها أو الاعتراف بها أو الإجماع عليها هو الخطوة الأولى العملية والفعلية في التطبيق الجدي للشريعة [[الإسلام]]ية – وهو التطبيق الذي يشمل بعد ذلك جميع نواحي حياة المجتمع والأفراد في النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها – وسيادة الشريعة بهذا المعنى هي التي تعطي لمبدأ الشرعية مضمونا محددا وعلميا ولا يبقى مجرد شعار يفسره كل على هواه، كما هو حادث في عالم [[القانون]] الوضعي في هذا العصر.<br />
<br />
لقد أجهد علماء الفقه [[الدستور]]ي الحديث أنفسهم في ابتكار المبادئ التي توفر للأفراد ضمانات تحمي حقوقهم الشرعية وحرياتهم الشخصية من حيف ممثلي السلطة العامة والمسئولين عن تنفيذ القوانين – هذه المبادئ تعطي للمجتمع صفته الشرعية وتخضع جميع أفراده لمبدأ الشرعية – ولم يكن مبدأ سيادة [[القانون]] إلا خطوة موفقة في هذا السبيل – ولكنهم اكتشفوا أن احترام [[القانون]] قد يحصن الأفراد ضد تعسف الموظفين وممثلي الحكومة الذين يخالفون قوانين الدولة، ولكنها لا تحصنهم من تعسف الدولة نفسها إذا كانت الدولة أو حكامها – بواسطة سلطتهم التشريعية – تستعمل القوانين الوضعية وسيلة للاستبداد أو لتحقيق مصالح الفئات الحاكمة أو المسيطرة أو تنفيذ أهواء الحكام على حساب حريات الأفراد وحقوقهم.<br />
<br />
لقد لجأت النظم الحديثة إلى مبدأ دستورية القوانين لتجعل منه قيدا على تعسف السلطة التشريعية وتضع حدا لاستبدادها – ولكن الضمانات التي تحمي الأفراد من مخالفة القوانين للدستور لم تصل بعد إلى درجة تجعل هذا المبدأ يوفر للأفراد وحقوقهم حماية جدية كافية – كما أنه تبين أن من يحكمون بواسطة قوانين وضعية استبدادية أو استثنائية يضعونها على هواهم لا يعجزون عن إلغاء الدساتير ذاتها، أو تبديلها أو وقف العمل بها. <br />
<br />
بل أصبح تغيير الدساتير وتعطيلها أمرا عاديا في كثير من البلاد، فتأكد للجميع أن دستورية القوانين لا تكفي لوضع حد لطغيان بعض الأنظمة والحكام الذين يفرضون أنفسهم، أو تفرضهم ظروف خارجة عن إرادة الشعوب ورضاها ومصالحها. <br />
<br />
لقد فكر بعض الفلاسفة في ابتكار نظرية [[القانون]] الطبيعي الذي يسمو عن القوانين الوضعية ويهيمن عليها وعلى الهيئات التي تصدرها (سواء كانت القوانين عادية أو دستورية) ولكنهم لم يصلوا للآن إلى تحديد مضمون فعلي لهذا [[القانون]] الطبيعي الذي يفترضون وجوده – ولا قيمة لقانون بدون محتوى محدد معروف – كما أنهم لم يتفقوا على المصدر الذي يرجع إليه لمعرفة هذا [[القانون]] الطبيعي المزعوم.<br />
<br />
هنا تظهر ميزة الشريعة [[الإسلام]]ية، فإن مبادئها ليست مجرد نظرية فلسفية أو افتراضية وإنما اشتملت على قواعد محددة ومفصلة تهيمن على جميع أنظمة المجتمع وعلاقات الأفراد فيما بينهم وبين حكامهم أو بينهم وبين غيرهم من الأفراد – هذه القواعد الشرعية هي التي تهيمن على الأحكام الوضعية التي قد تصدر عن أية سلطة أو هيئة من هيئات الدولة. وبذلك توفر للأفراد ضمانة جدية وعملية تحميهم من طغيان الحكام الذين يفرضون إرادتهم وسلطانهم بواسطة قواعد ملزمة سواء أخذت تلك القواعد اسم القوانين أو الأنظمة أو الدساتير أو غير ذلك.<br />
<br />
معنى ذلك أن هيمنة الشريعة على كل نواحي حياة الفرد والمجتمع هي المحتوى الفعلي والجدي لمبدأ الشرعية الذي يتكلم عنه كثير من فقهاء [[القانون]] الحديث دون أن يقدموا له محتوى يمكن أن يطمئن الفرد أو الجماعة على فاعلية وجديته – ويكون مبدأ الشرعية وسيادة الشرعية [[الإسلام]]ية في نظر شعوبنا أمرا واحدا من حيث أنهما تعبير عن هيمنة الشريعة على أنظمة المجتمع وقوانينه وعلاقات الدولة بالأفراد وعلاقات الأفراد فيما بينهم.<br />
<br />
إن مبدأ الشرعية وسيادة الشريعة في هذه الحالة هما قاعدة متينة صالحة لإقامة مجتمع تسوده المساواة والعدالة – فما دامت السيادة لمبادئ شريعتنا مستمدة من المصادر السماوية الأصيلة، فإنه لا يجوز لبشر أن يدعي لنفسه السيادة على غيره ولا يحق له أن يمارس ما يتصل بالسيادة من تشريع إلا في حدود مبادئ الشريعة العادلة أو أحكامها الثابتة التي لها وحدها السيادة في المجتمع – ويصبح ادعاء السيادة لفرد أو جماعة أو طبقة من طبقات المجتمع صورة من صور التأله، وطريقا لاستعباد الناس وفرض عبودية البشر للبشر التي جاء [[الإسلام]] لإخراج الناس منها، وتأكيد مساواتهم جميعا في العبودية لله الواحد القهار، وخضوعهم لشريعته ... وهذا هو معنى الإيمان الذي تقوم عليه شريعة [[الإسلام]].<br />
<br />
'''د. [[توفيق الشاوي]]'''<br />
<br />
==إجماع على سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية وسيادة [[القانون]] في [[مصر]]==<br />
<br />
[[الإسلام]] بخير في [[مصر]] العزيزة، والشريعة [[الإسلام]]ية تحظى بكثير من الثناء والاحترام، تشهد بذلك هذه الصفحات التي خصصتها الصحافة ال[[مصر]]ية والإعلام ال[[مصر]]ي لمناقشة موضوع تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، وشارك في الحوار كتاب ومفكرون وأساتذة ومعلقون وقراء من جميع الهيئات والأحزاب والاتجاهات السياسية والفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.<br />
<br />
ولقد رأيت أن أساهم مع من سبقوني في هذا الحوار، لأن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية لا يخص [[مصر]] وحدها، بل إنه موضوع يشغل المسلمين في جميع أنحاء العالم، وا يقال بشأنه يهم جميع أقطار العالم [[الإسلام]]ي من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلنطي، بل إنه يتابع باهتمام من جانب مراكز الأبحاث والدراسات الاجتماعية والسياسية في الدول الأجنبية التي لها علاقات وثيقة بالبلاد [[الإسلام]]ية ومن جانب كثير من الباحثين والمعلقين الأجانب الذين يعتقدون أن مستقبل العالم [[الإسلام]]ي لا بد أن يكون له تأثير في مصير الحضارة الإنسانية وتقدم البشرية.<br />
<br />
لقد سارت [[مصر]]، حكومة وشعبا، منذ عدة سنوات على الإشادة بمبدأ سيادة [[القانون]] باعتباره مبدأ دستوريا يقوم عليه نظام الحكم. ومقتضى هذا المبدأ أن تلتزم الحكومة وجميع من يمثلها من هيئات ومؤسسات وأفراد بالقوانين، ف[[القانون]] سيد يخضع له المحكومون.<br />
<br />
ومن المتفق عليه في ميادين التشريع والسياسة أن أي إصلاح سياسي أو اجتماعي لا يمكن أن يتم إلا على أساس مبدأ سيادة [[القانون]]، لأن [[القانون]] هو الأداة التي تستخدم لكل إصلاح في المجتمع، ولكل تغيير أو تنظيم في الدولة، فإذا لم يكن محترما من الجميع – حكاما ومحكومين – فإنه لا يمكن أن يحقق أغراضه أو يقوم بوظيفته في نظام الدولة واستقرار المجتمع وأمنه وتقدمه.<br />
<br />
بهذا المعنى نجدد أن مبدأ سيادة [[القانون]] ليس خاصا ب[[مصر]] وحدها، بل هو مبدأ عام في جميع النظم [[الدستور]]ية والتشريعية لأنه لا قيمة للدساتير ولا للقوانين إلا إذا احترمتها الدولة كما يحترمها الأفراد.<br />
<br />
لكن الشعب في [[مصر]] وغيرها من الدول [[الإسلام]]ية يطمح الآن إلى مبدأ أعلى من ذلك وأسمى، وهو مبدأ سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية وهو مبدأ يعتبر خطوة تقدمية بالنسبة لمبدأ سيادة [[القانون]]، إن سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية في نظر العلماء والمفكرين الذين شاركوا في الحوار الدائر في [[مصر]] أعم وأخطر من سيادة [[القانون]]، لأن المقصود بها أن [[القانون]] الذي يصدر من السلطة التشريعية الوضعية يجب أن يخضع لمبادئ الشريعة أو أصولها العامة – وبذلك يتم خضوع الحكام والأفراد للشريعة نتيجة لخضوعهم للقوانين التي يلتزم من أصدروها بمبادئ الشريعة وأصولها العامة. ذلك أن مبدأ سيادة [[القانون]] ، وإن كان خطوة عملية وضمانة ضرورية لمبدأ سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية إلا أنه لا يغني عنها ولا يحل محلها.<br />
<br />
وبيان ذلك أن معنى سيادة الشريعة هو تقييد سلطة المشروع الوضعي وحماية الأفراد والمجتمع من طغيان الحكام الذين يتخذون القوانين وسيلة لفرض سلطاتهم واستبدادهم. في حين أن مبدأ سيادة [[القانون]] معناه حماية الأفراد والمجتمع من مخالفة مؤسسات الدولة وحكامها للقوانين الوضعية التي أصدرتها السلطات المختصة في الدولة، ويبقى الباب مفتوحا للحكام لإصدار القوانين الوضعية التي تعطي لاستبداده وطغيانه وانحرافاته صورة قانونية، والظلم والاستبداد بواسطة القوانين أخطر بكثير من الظلم والانحراف عن طريق مخالفة القوانين سواء كانت هذه القوانين عادلة أو ظالمة. <br />
<br />
وإذا أردنا أن نعبر عن هذا المبدأ بلغة الفقه [[الدستور]]ي المعاصر، فإن الفريق بين سيادة الشريعة وسيادة [[القانون]] هو أن المبدأ الأول تلتزم به السلطة التشريعية الوضعية (كالبرلمان أو رئيس الدولة أو أي هيئة أخرى خاضعة أو ممثلة له) أما المبدأ الثاني فتلتزم به السلطة التنفيذية ولا تلتزم به السلطة التشريعية، لأن وظيفتها هي صنع القوانين وتعديلها ولا يعتبر هذا التعديل خروجا عليها، أما السلطة القضائية فهي بلا شك تلتزم بمبدأ سيادة [[القانون]] – أما التزامها بسيادة الشريعة [[الإسلام]]ية فيتوقف على حقها في تطبيق مبدأ دستورية القوانين وشرعيتها – وهذا الحق يختلف مداه في كل دولة عن الأخرى.<br />
<br />
إن مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية باعتبارها تشريعا إلهيا مرتبطا بالعقيدة ونابعا من مصادر أسمى من مصادر التشريع الوضعي مؤهلة – في نظر شعوبنا – لكي تكبح جماح هذا التشريع الذي تصنعه الدولة، ولكي تفرض عليه حدود وقيودا تمنعه من أن يكون وسيلة للفساد والطغيان إذا اتخذه الحكام والمشرعون الوضعيون أداة لتمكين سلطانهم وتحقيق أهوائهم أو أهواء الأحزاب أو الطوائف أو الطبقات التي يمثلونها.<br />
<br />
لذلك فإن تمسك الشعوب [[الإسلام]]ية بسيادة الشريعة ومطالبتهم باحترامها ودفاعهم عنها يزداد قوة وعنفا كلما أحسوا بانحراف أو ظلم لا يستطيعون دفعه إلا بالاستنجاد بالله سبحانه وتعالى والاستعانة بشريعته والتشبث بمبادئها وأحكامها.<br />
<br />
من ذلك يتبين أن الحوار حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في [[مصر]] لا يقتصر على رجال الفقه و[[القانون]] والقضاء وأساتذة الجامعات، بل إن أعلى الأصوات وأكثرها حماسا واندفاعا، هي أصوات ممثلي الاتجاهات السياسية المؤيدة للحكومة أو المعارضة لها والذين يتكلمون بلغة السياسة والتحزب والتعصب أكثر ممن يتكلمون بلغة [[القانون]] أو الفقه.<br />
<br />
ومن حسن الحظ أن موضوع سيادة الشريعة وسيادة [[القانون]] وأسلوب تطبيق كل منهما هو من موضوعا الفقه [[القانون]]ي و[[الدستور]]ي، ولذلك فإنه يهمنا يهمنا ما قيل بشأنه في تعليقات الأساتذة والعلماء والمفكرين بعيدة عن المهاترات السياسية والصيحات الإعلامية التي تختلط بها وتحاول إبعادها عن الحوار العلمي الجدي والجدل المنطقي النزيه.<br />
<br />
وسوف نستعرض هنا أقوال من اشتركوا في هذا الحوار من العلماء والمفكرين لأنها تؤكد أن هناك إجماعا على مبدأ سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية وحماسا له في التشريع ال[[مصر]]ي، وهو حماس لا يقل عن الحماس الذي لقيه مبدأ سيادة [[القانون]] من قبل ... <br />
<br />
'''قال الدكتور [[جمال الدين محمود]] نائب رئيس محكمة النقض ال[[مصر]]ية – في ندوة [[الأهرام]] التي نشر ملخصها في [[الأهرام]] 2/ 8/ [[1985]]:'''<br />
<br />
"إن الدين أو العقيدة بالنسبة للفرد والمجتمعات الإنسانية. ضرورة حياة ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا، و[[الإسلام]] تميز بكونه منهج حياة ولا يعني ذلك أنه وضع أحكاما تفصيلية ولكنه وضع الأسس العامة التي يمكن أن يسير عليها أي مجتمع إنساني، ولذلك فنحن حينما نقول إن [[الإسلام]] عقيدة ومنهج حياة فلا نعني بضعة أحكام قطعية في مسائل جزئية، ولكن نعني أن الأصول الاجتماعية [[الإسلام]]ية لا يمكن مطلقا أن يثور حولها خلاف كأصل الشورى الذي ينفي الظلم، وأصل كرامة الإنسان التي تعني حرمة النفس الإنسانية والبدن الإنساني من أن يمس أحدهما بغير حق ...".<br />
<br />
'''كما أشار إلى المبادئ [[الإسلام]]ية في التطبيق السياسي قائلا:'''<br />
<br />
"إن [[الإسلام]] أقام الدولة على الشورى لمنع الاستبداد من أساسه، سواء بالنسبة للحاكم الفرد، أو حتى بالنسبة للمؤسسات ولو تعددت، وليس الشورى نظام حكم ولكنها منهج حياة في كل المؤسسات أو الأجهزة التي تحتاج إلى الوقت والتفكير، فكلمة الشورى في الواقع أوسع من كلمة [[الديمقراطية]]، لأن [[الديمقراطية]] قد تكون شكلا نيابيا، لكن الشورى منهج حياة في كل مؤسسات الدولة بدءا من الحاكم حتى أصغر وحدة سياسية".<br />
<br />
وعن وجوب تطبيق مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية والالتزام بها في [[مصر]] قال الدكتور [[حامد جامع]] الأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر في أهرام (9/ 8/ [[1985]]م): <br />
<br />
"هل تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية يعارض نظامنا القائم؟ وإذا عارضه فما الحل؟ أستأذن في أن أقول للأهرام بكل صراحة إنه إذا عارض أي نظام شرع الله فشرع الله أولى ... لأن الحكم، ، لله وما الحكم إلا لله ... هذا إذا حصل تعارض ولكنني أقرر بضمير مستريح تماما أن نظامنا لا يتعارض مع [[الإسلام]] ، ولكن هذا النظام القائم ينبغي أن يطبق شرع الله ".<br />
<br />
وفي نفس العدد من جريدة [[الأهرام]] أكد الشيخ/ [[عطية صقر]] عضو [[مجلس الشعب]] وعضو [[مجمع البحوث الإسلامية]] وجوب سيادة أصول الشريعة [[الإسلام]]ية بقوله:<br />
<br />
"إن [[الإسلام]] الحقيقي يكمن في عقائده وأصوله المجمع عليها، ومن هنا يكون تطبيق الشريعة بهذا المعنى واجبا على كل مسلم على المستويات كافة: الأفراد والجماعات. <br />
<br />
لأن كل مسلم لا يصح أن يطلق عليه لفظ مسلم إلا إذا طبق هذه الأصول الكبرى الأولى في [[الإسلام]]".<br />
<br />
'''وعن [[الدستور]] قال فضيلته:'''<br />
<br />
" وفيما يتعلق ب [[الدستور]] فإن دستور الله هو [[[[القرآن]] الكريم]] تتبعه السنة المطهرة لأنها كالمذكرة التفسيرية الشارحة لدستور الله".<br />
<br />
وفي الندوة التي نظمتها جريدة [[الأهرام]] ونشرت ملخصا لها في العدد المؤرخ 2/ 8/ [[1985]]م، أكد الدكتور [[أبو الوفا التفتازاني]] وكيل جامعة [[القاهرة]] أن الشريعة [[الإسلام]]ية هي أساس وجودنا وهويتنا المستقلة في العالم المعاصر، ولها أهميتها في تحديد هويتنا السياسية في عصر الصراع الفكري والتكنولوجي حيث تتضارب النظريات السياسية الآتية من الشرق والغرب والتي ترتبت عليها الحيرة التي يعيشها معظم شبابنا حيث يدعي البعض انتماءه إلى هذه النظرية الغربية، أو تلك الشرقية في الوقت الذي ينبغي ألا نتبع الغير سياسيا أو فكريا أو حضاريا، وتكون لنا ذاتيتنا المتميزة.<br />
<br />
وقوله أيضا: إن [[الإسلام]] هو [[الإسلام]] لا أن نقول إن إسلامنا ليبرالي أو اشتراكي، ولكن قد تتفق بعض النظم الوضعية السياسية مع [[الإسلام]] في بعض المبادئ.<br />
<br />
ثم قال سيادته أيضا: إذا كنا نريد تطبيق المنهج [[الإسلام]]ي في مجال السياسة فيجب أن نعطي اهتماما كبيرا لجوانب الاعتقاد حتى تتسنى لنا مواجهة الأيديولوجيات الدخيلة والنظريات السياسية المستوردة ومن هنا كان موضوع تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي من الأهمية بمكان لأن هذا هو أساس وجودنا في هذا العالم المعاصر.<br />
<br />
قال الدكتور [[السيد ياسين]] مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية ب [[الأهرام]] بتاريخ 1/ 8/ [[1985]]م: "إننا نعتبر [[الدعوة]] لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية دعوة للأصالة الحضارية تحتاج – لكي تسير في الطريق الصحيح – إلى أن نقوم جميعا – مهما كانت اتجاهاتنا السياسية – ببعض الاجتهاد والإبداع الفكري في مجال تراثنا [[الإسلام]]ي حتى لا نترك مستقبلنا تحدده عقول جامدة أو اتجاهات منغلقة".<br />
<br />
كما أشار في نفس المقال إلى أن [[الدعوة]] للشريعة [[الإسلام]]ية تهدف إلى مقاومة التبعية للفكر الأوروبي، التي انغمس فيها من يرفعون شعار العلمانية '''مع اعترافه بأنه منهم وذلك بقوله:'''<br />
<br />
"إننا نحن جمهرة المثقفين والمفكرين والكتاب والباحثين العلمانيين قد انغمسنا في اقتباس الفكر السياسي والاجتماعي الأوروبي نقلا وترجمة، وأن الأجيال الأولى من المفكرين العرب والأجيال التالية لهم قد تأثرت بالاتجاه الذي عمد إلى التهوين من قيمة التراث الوطني والديني، وإننا نشهد الآن ثورة نقدية عنيفة ضد هذا الاتجاه الأوروبي المتعالي".<br />
<br />
'''في مقال الدكتور/ [[فؤاد زكريا]] ب[[الأهرام]] بتاريخ 29/ 7/ 1405 هـ قال:'''<br />
<br />
"إن هناك بالفعل أعدادا غفيرة من الناس تؤمن بصدق هذه [[الدعوة]] لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، وتطالب بها بحماسة وإخلاص، والأهم من ذلك أن الغالبية الساحقة من هؤلاء المواطنين هم من ذوي النوايا الطيبة الذين يسعون سعيا جادا إلى إصلاح أنفسهم ومجتمعهم".<br />
<br />
وقال كذلك: "إن الجموع الكبيرة من الشبان والفتيات الذين تحركهم نوازع خيرة ونوايا طيبة يحتاجون إلى أسلوب خاص في التعامل ... وإنهم يؤمنون بأنهم يريدون [[الإصلاح]] ، بل ويؤكدون لأنفسهم أنهم هم وحدهم الذين يملكون طريق الخلاص من جميع المشاكل الفردية والاجتماعية ... وأن الذي يفتقرون إليه حقا هو الحوار الذي يدور على أساس من احترام نواياهم الطيبة ورغبتهم في [[الإصلاح]] .<br />
<br />
هذه الأعداد الغفيرة من الناس، والجموع الكبيرة من الشبان والفتيات، هي جماهير الشعب ال[[مصر]]ي وعامته الذين يجمعون على وجوب الالتزام بمبادئ الشريعة وأصولها، ولذلك أصبح من المؤكد أن أي مفكر أو مثقف لا يمكن أن يقوم بدور قيادي في [[مصر]]، إلا إذا أعلن لهذه الجماهير أنه يؤيد مطلبها الأساسي في سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
وقد عبر عن ذلك الدكتور [[يوسف إدريس]] في مقال له ب[[الأهرام]] الصادر في 15/ 8/ 1405 بكلمات '''ذات مغزى حين قال:'''<br />
<br />
"إن أحدا لا ينادي أبدا بعدم تطبيق الشريعة الإلهية [[الإسلام]]ية. إنه يكون مجنونا لو فعل. فالشرائع السماوية كلها – وعلى رأسها [[الإسلام]] فوق أنها أمر الله سبحانه وتعالى إلا أنها – لم تأت إلا لتقيم العدل بين البشر ...".<br />
<br />
فإذا لاحظنا أن من يقول ذلك هو من الكتاب الذين ينتمون إلى الاتجاهات الاشتراكية الماركسية، أمكن القول بأن المفكرين والكتاب والعلماء وقادة الفكر في [[مصر]] يجمعون اليوم على الالتزام بمبدأ سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية ويعتبرونه مطلبا جماهيريا لا يمكن لعاقل أن يتنكر له أو يعارضه، ولكنهم مع ذلك يختلفون في كيفية تطبيق هذا المبدأ، وهذا هو جوهر المشكلة القائمة الآن وما زال الحوار حولها قائما. ولنا أمل كبير في أن يؤدي هذا الحوار إلى خطوات إيجابية عملية في سبيل إقامة المجتمع وإصلاحه على أساس هدى [[الإسلام]] ومبادئه الخالدة.<br />
<br />
==مبدأ سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية وشرعية القوانين مبدأ دستوري في التشريع ال[[مصر]]ي==<br />
<br />
في البلاد التي يوجد فيها دستور مكتوب كما في [[مصر]]، يكون [[الدستور]] قانونا أعلى، وما عداه من القوانين والأنظمة يخضع لنصوصه ومبادئه. وينتج عن ذلك أن [[القانون]] العادي الوضعي إذا خالف أحكام [[الدستور]] فإنه يكون باطلا لأنه غير دستوري، أي أنه يكون غير شرعي في لغة [[الدستور]] الوضعي.<br />
<br />
معنى ذلك أن [[القانون]] الوضعي، كغيره من أعمال البشر وتصرفاتهم، يمكن أن يكون صحيحا وأن يكون باطلا أي أنه يمكن أن يكون شرعيا أو غير شرعي بالمعنى المقصود في [[القانون]] الوضعي ذاته.<br />
<br />
لكن هذه الشرعية الوضعية تختلف عن الشريعة [[الإسلام]]ية فالشرعية الوضعية مبدأ عام في الفقه [[الدستور]] الحديث، لا يخص [[مصر]] وحدها وإنما يجب الالتزام به في جميع البلاد التي توجد فيها دساتير مكتوبة أو غير مكتوبة.<br />
<br />
بل أكثر من ذلك فإن بعض أساتذة الفقه [[الدستور]]ي الحديث يرون أن الشرعية مبدأ أسمى من [[الدستور]] نفسه، ويجب الالتزام به في جميع النظم [[القانون]]ية التي تعترف بوجود مبادئ إنسانية عامة تلتزم بها جميع المجتمعات البشرية سواء وجد لها دستور أو لم يوجد، لأن هذه المبادئ العليا هي دستور طبيعي عند من يقولون بوجود قانون طبيعي أو دستور إنساني أو إلهي حسب اختلاف العقائد، ومن أمثلة هذه المبادئ العليا مبدأ المساواة بين الناس واحتراق حقوق الإنسان الأساسية ... إلخ ومن أشهر الأساتذة الذين توسعوا في بحث مبدأ الشرعية الوضعية الأستاذ "[[دوجيه]] " الذي كان عميدا لكلية الحقوق بجامعة [[القاهرة]] في فترة من الفترات ولم يقصر في الإشادة بمبادئ الشرعية [[الإسلام]]ية في بحوثه عن مبدأ الشرعية.<br />
<br />
أما الشرعية [[الإسلام]]ية فإنها تربط المبادئ الإنسانية السامية بمصادرها [[الإسلام]]ية الأساسية في الكتاب والسنة، ولذلك فإن الشرعية [[الإسلام]]ية يقصد بها الالتزام بالمبادئ والأحكام المستمدة من المصادر الأساسية للشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
فمبدأ الشرعية معناه وجود مبادئ عليا تمثل السيادة التشريعية في النظام [[القانون]]ي، إنما تختلف إلى أنواع بحسب مصادر هذه المبادئ، فإن كان مصدرها هو الشريعة [[الإسلام]]ية كانت شرعية إسلامية، وإن كان مصدرها [[الدستور]] الوضعي كانت شرعية دستورية وضعية، أما إن اجتمع المصدران واتفقا فلا مناص من اعتبار الشرعية إسلامية ودستورية وضعية في آن واحد.<br />
<br />
لقد أسفر الحوار الدائر في [[مصر]] حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية عن نقطة إيجابية لا بد من تسجيلها لتكون نبراسا يستضاء به عند دراسة هذه القضية في أنحاء أخرى من العالم [[الإسلام]]ي. هذه النقطة الأساسية هي إمكان التقاء الشرعية الوضعية بالشرعية [[الإسلام]]ية واندماجهما ليصبحا مبدأ واحدا هو مبدأ الشرعية بالمعنى [[الإسلام]]ي والمعنى الوضعي معا.<br />
<br />
ولم تكن هذه الفكرة طارئة أو كلاما جدليا استحدثه هذا الحوار، بل إنها ظهرت في أحكام القضاء ال[[مصر]]ي بصورة فعلية من مدة طويلة عندما تعرض القضاء للنظام العام الذي يقصد به المبادئ غير المكتوبة التي يجب احترامها دون حاجة إلى نص في القوانين العصرية الوضعية سواء في [[مصر]] أو في غيرها. ونجد في أحكام القضاء ال[[مصر]]ي إشارات صريحة إلى أن النظام العام في [[القانون]] ال[[مصر]]ي هو أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية التي يجب إعمال أحكامها والالتزام بها حتى ولو لم يوجد نص صريح بذلك، فهي [[القانون]] غير المكتوب الذي يماثل [[القانون]] العام المسمى في النظم الإنجليزية – COMMON Law – ولا جدال في سلامة هذا الاتجاه ما دام لا يتعارض مع نص وضعي مكتوب. أما إذا حدث تعارض، فإننا نواجه بحث عدم شرعية [[القانون]] الوضعي بالمعنى [[الإسلام]]ي، أو عدم دستوريته لمخالفته نص [[الدستور]] الذي جعل مبادئ الشريعة مصدر [[القانون]] الوضعي.<br />
<br />
لقد كان الحوار الذي يدور في الصحافة ال[[مصر]]ية فرصة لرجال القضاء ال[[مصر]]ي لتأكيد فكرة الارتباط بين الشرعية [[الإسلام]]ية والشرعية الوضعية في التشريع ال[[مصر]]ي وأساس هذا الارتباط هو نص [[الدستور]] الحالي الذي يقرر في المادة الثانية منه أن الشريعة [[الإسلام]]ية هي المصدر الرئيسي للقوانين (الوضعية طبعا).<br />
<br />
خير مثال لذلك مقال الدكتور [[جمال الدين محمود]] نائب رئيس محكمة النقض ال[[مصر]]ية بجريدة [[الأهرام]] بعددها الصادر في 15/ 8/ [[1985]]، '''حيث قال:'''<br />
<br />
"إن صياغة نص المادة الثانية من [[الدستور]] ال[[مصر]]ي قد جعلت "مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية" هي ال[[مصر]] الرئيسي للتشريع، وهي تعين ولا شك على اختيار المنهج القويم الذي يحقق الهدف، وهو أن تكون القوانين في [[مصر]] مطابقة لأحكام الشريعة [[الإسلام]]ية وأصولها العامة".<br />
<br />
ويضيف سيادته: إن هذا النص يماثل المبدأ الذي أعلنه الملك [[عبد العزيز آل سعود]] في البلاغ الذي أصدره في الثاني عشر من جمادى الأولى 1343 هـ والذي جاء به: "إن مصدر التشريع والأحكام في [[المملكة العربية السعودية]] لا يكون إلا من كتاب الله ومما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو ما أقره علماء [[الإسلام]] بطريق القياس أو ما أجمعوا عليه". ويشير سيادته إلى هذا المبدأ الذي تسير عليه [[المملكة العربية السعودية]] لم يمنعها من إصدار تقنيات أو "أنظمة" تحكم المسائل المهمة والرئيسية مثل نظام الحكم والقضاء والعقوبات وغيرها مما هو ضروري ولازم لاستقرار الأحكام في دولة حديثة. وبناء على ذلك فإن اعتبار الشريعة [[الإسلام]]ية مصدر التشريع والأحكام لا يمنع من وجود تقنيات (وضعية) في نظره بل يرى أن التقنيين مفيد وضروري. وعبر عن حجته في ذلك بقوله.<br />
<br />
"إن الإحالة إلى [[القرآن الكريم]] والسنة ليحكم القاضي بمقتضاها – نظر خاطئ وخطير – فإن [[القرآن]] الكريم والسنة هما الأصلان العظيمان للتشريع وهما أجل وأعظم من أن يكونا كتابي قانون يعهد إلى القاضي أو الحاكم بتطبيقهما مباشرة، كما أن هذا الرأي يفتح الباب للفساد والعبث بأحكام الشريعة ويهدر ثروة فقهية وعلمية قامت على الكتاب والسنة طوال قرون عديدة ويجعل حقوق العباد وحقهم في العدل والمساواة بالذات، مهددا باختلاف الأفهام وتعدد الآراء وسوء التأويل".<br />
<br />
ويلاحظ أن الحكومات التي تطبق الشريعة [[الإسلام]]ية تعالج هذه الناحية بأن تفرض على القضاة الأخذ بمذهب واحد من مذاهب الفقه [[الإسلام]]ي، بل بقول واحد في مذهب واحد.<br />
<br />
يستنتج الدكتور [[جمال الدين محمود]] من ذك أن التقنين ضروري في الوقت الحاضر لأنه في حالة عدم التقنين يلتزم القضاء بمذهب واحد، أما التقنين فإنه يتيح الفرصة للاستفادة من المذاهب الفقهية المختلفة وخاصة في القوانين الأساسية التي تنظم معاملات الناس أو سياسة التجريم والعقاب ك[[القانون]] المدني أو قانون العقوبات حيث لا يتصور أن يكون هناك التزام بفقه مذهب واحد ينبغي أن يكون الالتزام بالأحكام القطعية في الشريعة [[الإسلام]]ية وأصولها العامة.<br />
<br />
خلاصة هذا الرأي أنه يمكن أن تلتقي الشرعية [[الإسلام]]ية بالشرعية [[الدستور]]ية في القوانين الوضعية، وبذلك تصبح الشريعة نافذة بحكم [[الدستور]] الذي تخضع له القوانين الوضعية وتلتزم حدوده وتكون باطلة إذا خالفته.<br />
<br />
وهذه النظرة قد تؤدي إلى إسباغ صفة الشرعية بالمعنى [[الإسلام]]ي على التقنينات الوضعية في [[مصر]]، ولكن ذلك يستلزم شروطا معينة لا بد من توفرها لكي يمكن وصف التقنين الوضعي بأنه شرعي، وهذه هي النقطة الأساسية في الحوار الدائر في [[مصر]]، والتي تثير كثيرا من النقاش الذي نرجو أن يسفر عن نتائج عملية وألا يقف عند الأفكار النظرية والمناقشات الجدلية.<br />
<br />
==سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية تستلزم تغيير المنابع والمصادر والأصول في التشريع ال[[مصر]]ي==<br />
<br />
من حسن الحظ أن الحوار الذي دار في [[مصر]] بشأن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية قد شارك فيه مجموعة فذة فريدة من علماء الفقه و[[القانون]] وأساطين القضاء وقادة الفكر في [[مصر]]، وأنه قد أتيح لهم أن يناقشوا الموضوع من نواح متعددة، وأن يستعرضوا كل ما يتعلق به من الحجج [[الدستور]]ية والفقهية و[[القانون]]ية والاعتبارات الاجتماعية السياسية والاقتصادية، مما جعل متابعة هذا الحوار متعة لكل صاحب فكر ورأي، وفائدة كبرى لكل دارس يهمه استقراء التطورات الفكرية في العالم [[الإسلام]]ي، وما أسفر عنه هذا الحوار يشهد ل[[مصر]] بأنها ما زالت جديرة بأن تقوم بدورها التاريخي الرائد في نهضة العالم [[الإسلام]]ي ومسيرته الحديثة نحو التقدم والرقي والسيادة، وكفاحه لاسترداد أصالته [[الإسلام]]ية والاعتزاز بتاريخه المجيد وتراثه العلمي والفقهي الخالد.<br />
<br />
أول ما نستفيده من هذا الحوار هو أن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية هو موضوع خطير لا يجوز أن يعالج بإجراءات أو قرارات مرتجلة ولا مظاهرات غوغائية ولا مناورات سياسية ولا حملات إعلامية. إنه مشكلة أعمق من ذلك تحتاج إلى استراتيجية بعيدة المدى طويلة الأمد. وقد سار [[الدستور]] ال[[مصر]]ي بخطى حكيمة ترسم خطوات إيجابية تفرض على المشروع الوضعي تغيير منابع التشريع الوضعي ومصادره وأصوله لكي يصح بعد ذلك وصفه بأنه شرعي بالمعنى [[الإسلام]]ي والمعنى [[الدستور]]ي معا، حسبما نص عليه [[الدستور]] القائم.<br />
<br />
إن هذه الاستراتيجية قد فرضها نص [[الدستور]] القائم، عندما نص في مادته الثانية على أن الشريعة [[الإسلام]]ية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ذلك أن هذا النص يوجه المشروع الوضعي إلى ضرورة تغيير المصدر في القوانين الوضعية جميعا، بما في ذلك التقنيات التي تنظم جميع فروع [[القانون]] وتغطي أغلب موضوعات المعاملات المدنية والتجارية والجنائية والإجراءات والمرافعات وغيرها.<br />
<br />
'''وقد عبر عن ذلك الدكتور [[جمال الدين محمود]] نائب رئيس محكمة النقض في مقاله بعدد [[الأهرام]] الصادر في 15/ 8/ [[1985]] بقوله:'''<br />
<br />
"تستدعي [[الدعوة]] إلى تطبيق الشريعة – وهي محل اتفاق بين الجماهير والدولة – النظر في قضية أخرى تتصل بها اتصالا وثيقا وتعد جانبا هاما منها وهي قضية تقنين الشريعة، وطبقا للدستور فقد وضعت المادة الثانية منه القاعدة العامة وأشارت إلى السلطة المختصة بأعمال هذه القاعدة حين نصت على أن [[الإسلام]] دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية المصدر الرئيسي للتشريع. <br />
<br />
فمبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية هي المرجع الأول عند سن التشريع الذي تتولاه بحكم [[الدستور]] السلطة التشريعية ممثلة في [[مجلس الشعب]] طبقا للمادة 86 من [[الدستور]]، ونص المادة الثانية من [[الدستور]] يتوجه بلا شك إلى السلطة، ويفرض عليها عند سن التشريع – أيا كان الموضوع الذي يعالجه – أن يكون مصدره مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية".<br />
<br />
إن تغيير المنابع والمصادر والأصول التشريعية هدف خطير له نتائج بعيدة المدى، وهو نتيجة حتمية ومنطقية للخطوات التي سارتها [[مصر]] في طريق استرداد سيادتها التشريعية التي قيدتها الامتيازات الأجنبية فترة طويلة من الزمن. كما أنه ثمرة لحركة علمية وفكرية وسياسية أثبتت قدرة [[مصر]] على الاعتزاز بمنهجها الذاتي في ميادين التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتشريعي، وهو منهج ينبع من تراثها [[الإسلام]]ي الخالد.<br />
<br />
هذا التغيير الذي فرضه [[الدستور]] ليس ظاهرة سياسية أو مطلبا حزبيا بل هو خطوة استراتيجية تستمد جذورها من أعماق تاريخنا وموقعنا الحضاري في العالم [[الإسلام]]ي، ولها آثارها العديدة البعيدة المدى في مستقبل العالم كله ومستقبل العالمين العربي و[[الإسلام]]ي بصفة خاصة.<br />
<br />
هذا الهدف الاستراتيجي عبر عنه أحد أعضاء [[مجلس الشعب]] ورئيس لجنة الشؤون الدينية، والأستاذ بجامعة عين شمس الدكتور محمد علي محجوب – ووزير الأوقاف حاليا – '''وفي مقال له بمجلة "منار [[الإسلام]]" عدد [[يونيو]] [[1985]] بقوله:'''<br />
<br />
"إن هدف هذا المنهج هو تحقيق ما نادى به المصلحون والفاهمون من قيام النهضة التشريعية على أساس من أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية محاولين بذلك استعادة مجدنا العلمي من خلال الرجوع إلى تراثنا التشريعي المستمدة من قانون السماء العادل.<br />
<br />
ذلك أن الشريعة [[الإسلام]]ية أصبحت مطلبا شعبيا في جميع بقاع البلدان [[الإسلام]]ية – الجميع يريد أن يعودوا إلى الله، والكل يتسابق إلى المنهج الإلهي الذي ارتضاه لحكم البشر".<br />
<br />
لقد قاست [[مصر]] وغيرها من البلاد التي خضعت للحكم العثماني من مساوئ الامتيازات الأجنبية التي قيدت سلطات الدولة وانتقصت من سيادتها على المقيمين في أرضها، سواء من ناحية التشريع أو القضاء أو التنفيذ، ولكي تتخلص بلادنا من هذه الآفة وجد حكامها أنفسهم مضطرين إلى نقل التشريعات الأجنبية السائدة في الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات، ليكون ذلك حجة لدى المفاوض ال[[مصر]]ي لطلب إلغاء الامتيازات، استدعى هذا الأسلوب في استيراد القوانين أن يقوم الفقه والقضاء بمجهود كبير في سبيل الملاءمة بين القوانين المستوردة وبين المجتمع ال[[مصر]]ي حتى أصبحت لدينا "ثروة فقهية وقضائية استغرق بناؤها عشرات السنين واستقرت الأحكام بناء عليها". <br />
<br />
كما يقول الدكتور [[جمال الدين محمود]] في مقاله المشار إليه. ولا شك أن فقهنا وقضاءنا قد قام بجهد جبار في سبيل تطويع النصوص الشريعية المستوردة لمقتضيات بيئتنا الاجتماعية وشخصيتنا الذاتية والأصول التي تمثل رصيدنا العلمي وتراثنا التاريخي، وهو مجهود لا بد من الاعتراف به والثناء عليه وتمجيد جميع من أسهموا فيه من أساتذة وقضاة فقه، حتى صار البعض ممن شاركوا في الحوار يشعرون بأن القوانين والأنظمة القائمة في [[مصر]] أصبحت تتفق في الجانب الأعظم منها مع مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية على حد قول الدكتور [[جمال الدين محمود]] في مقاله سالف الذكر، وإن كان كثيرون يرون أنه ما زال هناك بعض نقاط تتعارض مع مبادئ الشريعة بنصوص صريحة، صادرة عن المشرع الوضعي نفسه – ويصعب على القضاء والفقه إهمالها أو تطويرها – لذلك فإنهم يلحون على المشرع الوضعي في تعديل هذه النصوص لكي يصبح التشريع الوضعي متفقا مع أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
لكن هذا التصحيح الواجب لإزالة التعارض بين النصوص الوضعية وبين أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية لا يكفي لتنفيذ النص [[الدستور]]ي الذي يوجب على المشرع الوضعي أن يجعل الشريعة المصدر والمنبع الذي يستمد منه مبادئ التشريع وأحكامه، إن تنفيذ هذا النص يستلزم أن يقوم صانعو التشريع الوضعي بالرجوع إلى مبادئ الشريعة وأصولها عند وضع القوانين وقبل إصدارها، حتى يستمدوا من روح [[الإسلام]] وتعاليمه ومصادره الأساسية أحكام قوانينهم، وبذلك تكون الشريعة [[الإسلام]]ية المصدر الأساسي للتشريع الوضعي فعلا وعملا. وتنفيذا لهذا النص [[الدستور]]ي سارعت وزارة العدل بالحكومة ال[[مصر]]ية – بمجرد صدوره – بتشكيل لجان لإعداد مجموعات تقنيات جديدة تستمد أصولها من الشريعة [[الإسلام]]ية وكان يرأس هذه اللجان شيخ قضاة [[مصر]] في ذلك الوقت وهو رئيس محكمة النقض الأستاذ [[جمال الدين المرصفاوي]] ، وكان من أعضائها عدد كبير من أساتذة [[القانون]] وكبار القضاة والمستشارين ورجال الفقه و[[القانون]]، وكان لي الشرف أن كنت عضوا بتلك اللجان التي شهدت مناقشات طويلة حامية، أسفرت عن مشروعات أمضت اللجنة عامين لإعدادها وقدمتها لصانع القوانين الوضعية، وهو [[مجلس الشعب]] الذي أحالها إلى [[الأزهر]] لإبداء رأيه فيها، فأعاد علماؤه مناقشتها ودراستها وأرسلت بعد ذلك ل[[مجلس الشعب]] وما زالت تحت نظره. وإنا لنأمل أن تحظى منه بكل اهتمام وتقدير. <br />
<br />
وإذا كانت هناك ظروف وقتية حملت الأغلبية من أعضاء [[مجلس الشعب]] في العام الماضي على تأجيل مناقشتها، فإننا نأمل أن يكون في التأجيل فسحة من الوقت لإعطاء الحكومة والمجلس فرصة كافية لإعداد المجتمع لهذا التغيير الاستراتيجي في التشريع الوضعي، كما نادى بذلك كثيرون ممن ساهموا في هذا الحوار، ومن بينهم رئيس لجنة الشئون الدينية ب[[مجلس الشعب]] الدكتور محمد علي محجوب في مقاله المشار إليه بمجلة "[[منار الإسلام]]" عدد [[يونيو]] [[1985]] '''حيث قال:'''<br />
<br />
"إن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية وإن كان مطلبا عاما لكل مسلم غيور على دينه وعقيدته خاصة بعد أن غابت عن سماء كثير من بلدان العالم [[الإسلام]]ي سنين طويلة، وأصبح لا مخرج ولا خلاص لهذه البلدان مما حل بها إلا بتطبيق شرع الله الذي أنزله لحكم البشر، إلا أن هذا يقتضي عملية إصلاح شاملة تسبق هذا التطبيق يهيأ فيها المجتمع [[الإسلام]]ي لاستقبال هذا التشريع العادل، وذلك من خلال القضاء على كافة مظاهر الغواية والفساد في المجتمع، فالشباب لم ينحرف وحده ولكن البيئة المحيطة به قد انحرفت وهذا يقتضي إصلاح المناخ الاجتماعي والإعلامي والفني وقطع دابر الاستغلال الاقتصادي بكافة أشكاله قبل أن نأخذ الناس بالعقاب، وكذا وقف هذا السيل العارم من الغواية والإثارة التي تشاهد في أفلام العري والأغاني الهابطة. ومن ثم فلا بد من التدرج والأخذ بمبدأ تطبيق الشريعة على مراحل، فلا يمكن أن نحول مجتمعا هابطا إلى مجتمع فاضل بين عشية وضحاها بمرسوم وزاري أو قانون تشريعي، ولا يمكن أن نحول الهبوط الفني إلى سمو فني في لحظة واحدة، بل لا بد من التدرج في التطبيق وحينما تزداد حرارة الإيمان في المجتمع وتسكن القلوب إلى بارئها لا يعود الفرد يختار إلا ما اختاره له خالقه ويصبح هواه فيما شرعه له مولاه.<br />
<br />
وإلى أن يتحقق ذلك فمن الممكن أن نبدأ بتطبيق شريعة [[الإسلام]] في القوانين المدنية والتجارية، والمجتمع مهيأ الآن لاستقبالها، ولتكن هذه القوانين هي اللبنة الأولى في صرح هذا البناء التشريعي العادل وبعدها تطبق باقي فروع [[القانون]] [[الإسلام]]ي في شتى المجالات ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. وعلى الله قصد السبيل".<br />
<br />
إذا كان هذا رأي الأغلبية في [[مجلس الشعب]]، فإننا نأمل أن يعد المجلس برنامجا عمليا يبين مراحل التدرج في تطبيق الشريعة وإعداد المجتمع هذا التطبيق، وأن يوضع لذلك جدول زمني ينتهي بإصدار هذه المشروعات التي ما زالت معروضة على المجلس، ونحن في انتظار ذلك ممن يدعون إلى التدرج والاعتدال.<br />
<br />
إن هذه المشروعات التي أعدتها لجان متخصصة في وزارة العدل – وراجعتها لجان أخرى في [[الأزهر]] بناء على طلب [[مجلس الشعب]] لا يجوز تجاهلها أو إنكار وجودها – إنها ثمرة جهود علمية ومناقشات فقهية وتجارب قضائية وقانونية يحق ل[[مصر]] أن تفخر بها وتعتبرها عملا تاريخيا تعتز به وتدعو غيرها من البلدان لكي تستفيد منه، وأن تعلن أن كل عقبة تحول دون مناقشتها أو إصدارها الآن هي عقبة مؤقتة لا بد أن يتعاون الجميع لإزالتها، خصوصا أن ممثلي الشعب قد أعلنوا تمسكهم بمبادئ الشريعة ورغبتهم في إزالة كل تعارض بين نصوص القوانين الوضعية وبين مبادئها وأحكامها.<br />
<br />
==سيادة الشريعة هي سيادتنا التشريعية==<br />
<br />
إن ما قرره [[الدستور]] ال[[مصر]]ي الحالي من أن الشريعة [[الإسلام]]ية هي المصدر الأساسي للتشريع الوضعي، كان خطوة تاريخية لها أهميتها في تحديد هدف النهضة التشريعية في [[مصر]]، وتوجهها نحو مصادر الشريعة وأصولها. كما أنها وضعت الشريعة إلى جانب اللغة العربية والعقيدة [[الإسلام]]ية باعتبارها الملامح الثلاثة الرئيسية لشخصية الشعب ال[[مصر]]ي. وبهذا النص وضع [[الدستور]] حدا لأسلوب استيراد التشريع الأجنبي – ذلك الأسلوب الذي فرضته ظروف خارجية خاصة تمثلت في الامتيازات الأجنبية و[[معاهدة مونتريه]] ، التي أبقت الامتيازات في صورة ضمانات لمدة اثني عشر عاما انتهت في عام [[1949]] م – بل اشتملت المعاهدة المذكورة على نص قصد به تقييد حرية [[مصر]] في التشريع بعد انتهاء تلك الفترة، حسب التفسير الاستعماري لذلك النص، وإن كان فقهاء [[مصر]] وعلماؤها لا يوافقون عليه.<br />
<br />
إن نص [[الدستور]] الحالي قد قطع الخلاف حول تفسير نص [[معاهدة مونتريه]] الذي أريد به فرض وصاية أبدية على سيادة [[مصر]] وتشريعها، فأعلن [[الدستور]] صراحة أن سلطة التشريع والقضاء في [[مصر]] قد بلغت رشدها وتحررت نهائيا من وصاية الدول الاستعمارية الأجنبية التي كانت تعتبر الامتيازات الأجنبية أبدية. فلم يكن إذن مجرد نص ارتجالي، بل هو استجابة واضحة لطموح شعب [[مصر]] الذي ما زال يعتبر الشريعة [[الإسلام]]ية رمز ذاتيته وسيادته وإرادته المستقلة عن كل تدخل أجنبي.<br />
<br />
لقد سادت الشريعة [[الإسلام]]ية في [[مصر]]، وغيرها من أقطار العالم [[الإسلام]]ي خلال أربعة عشر قرنا كانت فيها محور ذاتية الأمة وأساس وحدتها وحضارتها وسيادتها، وبقيت كذلك ما دامت الدول [[الإسلام]]ية كاملة السيادة على أرضها وعلى جميع سكانها. وعندما بدأت عصور الاضمحلال والضعف، وبدأت هجمات الاستعمار ترسي سفنها على شواطئنا، وتجد في ضعفنا فرصة لكي تكون لها قواعد على أرضنا تمثلت في "الامتيازات الأجنبية" التي قيدت سلطة الدولة العثمانية بمقتضى معاهدات فرضت بالخديعة تارة وبالقوة تارة أخرى. هذه الامتيازات كانت تزحزح سيادة الشريعة عن مجموعة من القاطنين في بلادنا بحجة أنهم "أجانب" أو يتمتعون بحماية الأجانب. وكان ذلك تقييدا لسيادتنا عن طريق الانتقاص من سيادة شريعتنا. فالسيادة واحدة لا تتجزأ، ولا يمكن لدولة أن تدعي أن سيادتها كاملة إذا كانت سيادة شريعتها ناقصة. ومنذ ذلك اليوم إلى الآن ونحن نجاهد ونسعى لاستكمال سيادتنا وسيادة شريعتنا، ولا نفرق بينهما.<br />
<br />
لذلك فإن نص المادة الثانية من [[الدستور]] ال[[مصر]]ي الحالي إذا كان قد أعاد للشريعة سيادتها في مجال التشريع، فإنه أكد بذلك سيادتنا التشريعية في بلادنا بإزالة آخر القيود التي خلقها الامتيازات الأجنبية و[[معاهدة مونتريه]] وهو قيد استيراد القوانين الأجنبية الوضعية.<br />
<br />
لقد كانت القيود المفروضة على التشريع والقضاء ال[[مصر]]ي أبشع صور العدوان الاستعماري على سيادتنا وحريتنا، وكانت جماهير شعب [[مصر]] في المدن والقرى تحس بهذا العدوان الذي مكن بعض الأجانب من السيطرة على اقتصاد [[مصر]]، ومكن المرابين من انتزاع ملكية كثير من الأراضي بأساليب الغش والخداع التي كان يمارسها عملاؤهم ووكلاؤهم في ساحات المحاكم المختلطة والمحاكم القنصلية، التي كانت تتجاهل قوانين بلادنا وأعرافنا، بل ولغتها وحكوماتها وإدارتها، وكان عامة الشعب وخصوصا الفلاحين وسكان القرى يعتبرون هذه القوانين الأجنبية سببا لكثير من المظالم التي حلت بهم والتي تمثلت في نزع ملكية كثير من أراضيهم لصالح المرابين والمستغلين من "الخواجات" وورث هذه الثورة أبناؤهم الذين كانوا يحسون بالمرارة كلما رأوا محضري هذه المحاكم يجوسون خلال القرى يوزعون الإنذارات ويحررون المحاضر بلغة أجنبية وينزعون ملكيات الأغنياء والفقراء على السواء لأنهم وقعوا فريسة للمرابين الأجانب الذين تحميهم قوانين أجنبية ومحاكم مختلطة وقنصلية. وكان أبناء المدن يعرفون كثيرا من الأوباش وطريدي العدالة من الأجانب الذين يجيئون من أوروبا ومستعمراتها بل وبعضهم من أصل [[مصر]]ي استطاع أن يشتري "الحماية" من القناصل بالمال ليعيث في الأرض فسادا دون أن تمتد إليه يد ممثلي الحكومة الوطنية التي تقف عاجزة أمام هذه الامتيازات.<br />
<br />
وكان أكثر الناس ثورة على الوصاية الأجنبية على تشريعاتنا وقضائنا هم رجال القضاء ورجال [[القانون]] والمحاماة في المحاكم "الأهلية"، ويكفي أن هذا الوصف في ذاته كان يستعمل للحط من قيمتهم وقيمة محاكمهم والمتقاضين أمامها من "الأهالي"، بل وقيمة الدولة ال[[مصر]]ية الناشئة العاجزة عن رفض قوانينها على أصحاب الامتيازات والحمايات المقيمين على أرضها، العاجز قضاؤها حماية رعاياها من عبث هؤلاء الأجانب واعتداءاتهم. وكانوا يرون الدولة ال[[مصر]]ية الناشئة مضطرة إلى أن تستورد بعض "الخواجات" ليضعوا لها قوانين يستوردونها من بلادهم وتفرض هذه القوانين المستوردة على المشرع ال[[مصر]]ي، لكي يرضى بذلك الدولة صاحبة الامتيازات فتمنحنا شهادة بالتمدن والتحضر نستخدمها في استعطافهم من أجل أن "ينازلوا" عن امتيازاتهم. إن استيراد القوانين من الخارج كان في نظر حكامنا ضرورة لترويض الاستعمار الذي لا يريد أن يرانا نحكم شريعتنا ونعتز بتراثنا، ولكنها ضرورة مؤقتة.<br />
<br />
هذه القوانين المستوردة إذن لم تكن تعبيرا عن إرادة [[مصر]] ولا إرادة شعبها – ولم تكن نابعة من ذاته ولا من أصالته وتاريخه وتراثه – فمن الطبيعي إن كان شعبا بجميع طوائفه وطبقاته وفي مقدمتهم رجال [[القانون]] والقضاء يعتبرون استعادة الشريعة [[الإسلام]]ية للسيادة في التشريع ال[[مصر]]ي هدفا وطنيا يجاهدون من أجله منذ بدءوا نهضتهم وكفاحهم ضد المظالم الاستعمارية.<br />
<br />
'''وقد أشار الدكتور [[جمال الدين محمود]] في مقاله ب[[الأهرام]] بتاريخ 7/ 8/ [[1985]] إلى تلك المظالم بقوله:'''<br />
<br />
"إن العالم [[الإسلام]]ي في مجموعه تعرض في العصر الحديث إلى العدوان المباشر من الغرب ومحاولة الهيمنة الفكرية وطمس الهوية [[الإسلام]]ية، فم نر من الغير "الغرب أو الشرق الأوروبي"، خلال سنوات طويلة سوى المظالم السياسية والاقتصادية، والكثير منها ما زال مستمرا حتى الآن في أنحاء العالمين العربي و[[الإسلام]]ي.<br />
<br />
لقد كانت المظالم السياسية والاقتصادية ومحاولات طمس الهوية الذاتية للشعوب [[الإسلام]]ية شديدة الوطأة طوال عشرات السنين. أزال الغرب القوة الذاتية للأمة [[الإسلام]]ية بهزيمة ممالكها عسكريا، ثم أزال رمزها السياسي الذي كانت تمثله الخلافة [[الإسلام]]ية ولم يهتم الغرب أصلا بالحوار حين كان يملك السيطرة على مقدرات هذه الشعوب، بل إنه يستطيع حتى الآن بمسلكه وسياساته أن يؤثر في فهمنا واختيارنا للمواقف في الحوار ونتائجه، فهم لم يبد حتى الآن رغبة صادقة في الكف عن إيقاع المظالم السياسية والاقتصادية بالعالمين العربي و[[الإسلام]]ي، ولم تتجه سياسته فعلا إلى تحقيق العدل والسلام لجميع الشعوب دون تفرقة".<br />
<br />
إذن كان استرداد الشريعة [[الإسلام]]ية لسيادتها كاملة في التشريع ال[[مصر]]ي رمزا ودليلا على استرداد [[مصر]] لسيادتها واستقلالها في نظر دعاة الأصالة من قادة شعبنا والمعبرين عن إرادته وطموحه، ف[[الدعوة]] لها هي دعوة إلى الأصالة والسيادة التشريعية والقضائية الكاملة. وهي دعوة عميقة الجذور لا يمكن وقفها بالصرخات الهستيرية التي يطلقها بعض المعارضين لها في الداخل والخارج. لأنها مستمدة من منابع العقيدة [[الإسلام]]ية ومن أمجاد أربعة عشر قرنا من السيادة والعزة والعلم والفقه الذي نفخر به حتى الآن.<br />
<br />
لهذا السبب فإن الحوار الذي دار في الصحافة ال[[مصر]]ية قد أكمل بك صراحة ووضوح إجماعا على مبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية وسيادتها في التشريع ال[[مصر]]ي – وهذا الإجماع لا يقتصر على جماهير الشعب بجميع طبقاته، وإنما تؤيده الحكومة وتشارك فيه – وهذا الإجماع ليس جديدا، بل هو حقيقة ثابتة مؤكدة منذ أن بدأت شعوبنا نهضتها وكفاحها لاسترداد سيادتها، والدليل على ذلك أنه ما كادت حكومة [[مصر]] توقع [[معاهدة مونتريه]] في عام [[1937]] حتى شكلت لجنة من كبار رجال [[القانون]] لوضع قانون مدني جديد موحد يحل محل [[القانون]] المدني المختلط الذي وضعه خواجات الامتيازات الأجنبية – و[[القانون]] الأهلي الذي وضعه "خواجة" آخر (هو محام بلجيكي) – ليكون أول قانون موحد يطبق على جميع المتقاضين من ال[[مصر]]يين والأجانب بعد انتهاء [[معاهدة مونتريه]] ، التي حددت فترة انتقال تنتهي في عام [[1949]] ، بقيت فيها الامتيازات باعتبارها ضمانات للأجانب. هذه اللجنة بدأت عملها في عام [[1937]] وكان يرأسها أكبر رجال [[القانون]] في جيلنا المرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] ، وتقدم للحكومة عدد من رجال [[القانون]] والفقه والقضاء على رأسهم مستشارو محكمة النقض وبعض علماء [[الأزهر]]، يطالبون الحكومة بأن تفرض على اللجنة أن تكون الشريعة [[الإسلام]]ية هي المصدر الذي تستمد منه اللجنة نصوص هذا [[القانون]] الجديد. <br />
<br />
'''ويشير إلى ذلك الدكتور [[جمال الدين محمود]] نائب رئيس محكمة النقض في مقاله ب[[الأهرام]] عندما قال:'''<br />
<br />
"وكان مستشار محكمة النقض ولفيف من أساتذة [[الأزهر]] قد طالبوا بالرجوع إلى أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية في إعداد [[القانون]] لاتصالها بشعور الأمة ودقتها الفنية، ثم أنها – على حد قولهم – أقرب الشرائع إلى "[[القانون]] الفرنسي" الذي استوردت منه نصوص [[القانون]] المدني المختلط والأهلي على السواء"...،(أهرام 15/ 8/ [[1985]]م).<br />
<br />
هذه العبارة الأخيرة تدل على أن هؤلاء المطالبين بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية كانوا في منتهى الحذر خشية أن يثيروا القوى الأجنبية على [[مصر]] بحجة أنها ابتعدت عن التشريع "العصري" فأكدوا لها أن شريعتنا هي أقرب الشرائع إلى [[القانون]] الفرنسي .<br />
<br />
في ذلك الوقت الذي اتجه فيه رجال القضاء و[[القانون]] والفقه من دعاة الأصالة والتحرر التشريعي والقضائي بهذا النداء إلى الحكومة عام [[1937]]، كانت الحكومة تعلم يقينا أنها لم تسترد بعد حريتها الكاملة في التشريع والقضاء، وأن [[معاهدة مونتريه]] لم تضع نهاية للقيود المفروضة على سيادة [[مصر]] بل إنها حولت الامتيازات إلى ضمانات في فترة الانتقال وهي اثنا عشر عاما. لذلك فإن الحكومة لم تستجب لهذا النداء، '''وقد تكفلت اللجنة بالرد على هذا النداء ردا ذا مغزى إذ ورد في تقريرها ما يلي:'''<br />
<br />
"إذا ما أريد حقا أن تضع [[مصر]] لنفسها ولأهل العروبة قانونا مدنيا يضارع أحدث قوانين العالم، بل يسمو عليها، كان لزاما عليها أن تتجه إلى ثروتها الوطنية وتراثها المجيد، ألا وهو الشريعة [[الإسلام]]ية "وأضافت اللجنة" لذا قد وضعنا مشروعا كاملا لكتاب العقد – وهو أساس المعاملات المدنية مستمدا من أحكام الفقه [[الإسلام]]ي ووازنا بينه وبين ما يقابله، كما رجعت اللجنة إلى نحو عشرين قانونا من القوانين الحديثة في العالم ...".<br />
<br />
إن عبارة "إذا ما أريد حقا" يفهم منها أن اللجنة تشير إلى أن هناك محاذير تحول "في ذلك الوقت" دون أن تستجيب الحكومة لنداء المستشارين والقضاة والعلماء، وأن اللجنة قد راعت تلك المحاذير ولكنها تتمنى أن تزول، وأنها إذا زالت فإن [[مصر]] ستضع لنفسها ولأهل العروبة قوانينها الذاتية المستمدة من ثروتها التشريعية، وتراثها المجيد، ألا وهو الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
إن نص [[الدستور]] الذي أشرنا إليه – الصادر في [[1971]] – الصادر في [[1971]] – يعلن زوال هذه المحاذير، وإن كانت بعض العناصر في الخارج وفي الداخل ما زالت تلوح بها ضمنا إن لم يكن ذلك بعبارات صريحة، وما زال المعتدلون الذين يدعون للتدرج في التنفيذ يأخذون ذلك بعين الاعتبار. وأحسن مثال لذلك ما قاله الأستاذ [[عمر التلمساني]] في مقاله بمجلة [[الوفد]] بتاريخ (26 [[سبتمبر]] عام [[1985]] م) حيث أشار إلى أنه يدعو لتطبيق الشريعة على مهل لتعقد الأمور التي تحيط ب[[مصر]] ...".<br />
<br />
هذا التعقيد الذي ألمح إليه ناتج عن سلوك بعض الأوساط الأجنبية ذات العقلية الاستعمارية التي تتصرف إلى اليوم كأنها ما زالت تعطي لنفسها نوعا من الوصاية على شعوبنا وحكوماتنا.<br />
<br />
يكفي مثالا لذلك أن نراجع ما نشرته مجلة "أكونومست" البريطانية عدد أول [[مايو]] [[1985]] م حيث ذكرت على لسان من سمته "مراسلها [[الإسلام]]ي" الصعوبات التي يواجهها تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في [[إيران]] و[[باكستان]] و[[السودان]] و[[مصر]] و[[ماليزيا]] و[[سوريا]] و[[الجزائر]] و[[المغرب]] و[[أندونيسيا]]، وأكدت أن الصعوبات المالية التي تواجهها هذه الدول لها دخل كبير في تعطيل تطبيق [[الإسلام]] وكذلك وجود أقليات غير مسلمة، وطائفة كبيرة من ذوي الثقافة العربية ..." وكذلك ما نشرته مجلة "[[نيوزويك]] " الأمريكية عدد 5/ 8/ [[1985]] بتوقيع "[[جوزيف ترين]]" التي رددت نفس النغمة وركزت على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها [[مصر]]. معنى ذلك أن هذه الصعوبات تضطرها إلى أن تأخذ بعين الاعتبار تحذيرات أصدقائها الذين نطلب إليهم. مساعدتها اقتصاديا.<br />
<br />
إن سبب هذا الموقف العدائي الذي يقفه "أصدقاؤنا هو الغرور الذي يمارسه الأوروبيون والأمريكيون الذين يعجزون عن تصور حضارة أو شريعة مغايرة أو متميزة عما ألفوه في بلادهم، فكل ما يختلف عما عندهم يعتبر تخلفا عن "العصرية" وقصورا في "المدنية" وقد أشار إلى ذلك السيد [[سامي خشبة]] في [[الأهرام]] بتاريخ 27/ 9/ [[1985]] '''بقوله:'''<br />
<br />
"إن الأوروبيين يعجزون عن تصور "المغايرة". إنها عندهم "الخروج" أو "المروق" بل "والسقوط". بذلك يكون الإلحاح المحموم في الطعن والزراية عندما يناقشون اختلاف المجتمعات غير الأوروبية عنهم".<br />
<br />
لو وقف الأمر عند هذه الفئة من الأجانب لهان الأمر، ولكن الواقع أن الامتيازات الأجنبية ومحاكمها المختلطة قد تركت في مجتمعاتنا طائفة مختلطة الثقافة والعقل والتربية والفكر والمنطق، ومنطق هؤلاء أخطر علينا وأشد إضرارا بنا من منطق الاستعلاء والاستكبار الذي نأخذه على أساتذتهم وسادتهم الأجانب، '''وقد أشار لهؤلاء الأستاذ [[سامي خشبة]] في مقاله سالف الذكر ب [[الأهرام]] قائلا:'''<br />
<br />
"مشكلتنا هي ناسنا الذين يتاح لهم أو يلزمهم أو يتوجب عليهم الاقتراب من الغرب دارسين أو ممثلين دبلوماسيين أو رجال أعمال أو عاملين أو سائحين، لماذا يعود هؤلاء إلينا ويحكون لنا عن الغرب أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، أين يكتمون مواجعهم من ترفع الإنسان الأوروبي وفتوره وعماه؟<br />
<br />
"ناسنا هؤلاء يرجعون إلينا يحكون لنا ويكتبون عن الغرب الأساطير ثم يفاجأ جمهورنا بين آن وآخر بالوجه الغربي القبيح في شيء. مثل ما كتبه عنا [[جان بول سارتر]] أو [[جان كوكتو]] أو [[فلوبير]] في القديم أو غيرهم ذهبوا، وغيرهم ممن يجيئون".<br />
<br />
"أيا ما كان الأمر فإن المخيف أن من ناسنا أناسا أدخل في روعهم أن الاختلاف عن أوروبا هو بعينه "السقوط" فهم يسوطون ظهورنا ليلا ونهارا بسوط المثل الأوروبي، والليل والنهار يشتمون بلادتنا وجهلنا وتخلفنا، ونسمع في أصواتهم الرنة الأوروبية وفي ألسنتهم اللكنة الغربية".<br />
<br />
"وأكرر ما أقول المرة بعد المرة، إننا منذ مائة وثمانين عاما بالتمام والكمال، منذ مجيء [[محمد علي الكبير]] إلى السلطة في [[مصر]]، منذ ذلك الوقت ونحن نلهث وراء المثل الأوروبي، فماذا حصلنا وماذا وصلنا؟ تكون النموذج الأوروبي على أرضنا صورة شائهة مضطربة متسخة عاجزة مشلولة، لا هي هو ولا هو نحن. ألا يحفزنا هذا لأن نجرب شيئا آخر؟<br />
<br />
فبدلا من افتقاد المثل الأوروبي يكون اعتبار هذا المثل وتدبره ونقله وفهمه بلا انبهار ولا خوف، وبدلا من الإحساس العميق بالخجل من أنفسنا تكون محاولة معرفة حقيقتنا ومقدار احتياجاتنا وواقع طموحنا، وبدلا من بناء نموذج أوروبي على أرضنا تكون محاولة بناء وطن لنا يشبهنا ويفي باحتياطاتنا ويشبع طموحنا!".<br />
<br />
هؤلاء الذين يشير إليهم كاتب المقال ما زال بعضهم يعارض [[الدعوة]] لتطبيق الشريعة ويجرحون دعاتها رغم أنهم الآن أصبحوا يقرون بأن تطبيق الشريعة هو مطلب شعبي واسع النطاق، حتى قال أحدهم إن أحدا لا يستطيع أن يعارض في ذلك وإلا كان مجنونا، فهل لنا أن نتوقع منهم أن يستجيبوا لدعوة الأستاذ [[أحمد بهجت]] التي وجهها لهم على صفحات [[الأهرام]] بتاريخ 27، 28/ 9 بأن يعتبروا العودة إلى الأصول [[الإسلام]]ية والصحوة [[الإسلام]]ية مشروعا متكاملا هدفه إنقاذ الإنسان وبناء الحضارة الذاتية لأمتنا، وأن يذكروا أن توجه شعوبنا إلى ذاتها وتاريخها هو أساس نهضتها وشخصيتها، وأن الاعتماد على الذات أفضل من الاعتماد على الغير.<br />
<br />
==سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية أساسها العلم والإيمان==<br />
<br />
يسود في [[مصر]] شعار "دولة العلم والإيمان"، وقد علل بعضهم تقديم العلم على الإيمان بأن العلم هو مفتاح الإيمان والطريق إليه، فالعلم وسيلة والإيمان هو الغاية والهدف. هذا هو الفهم السائد في [[مصر]] لدى المفكرين ولدى الجماهير، هذا الشعار يدل على أن الإيمان والعلم صنوان متكاملان، ولم يقل أحد في [[مصر]] إنهما متناقضان أو إنهما متعارضان.<br />
<br />
لذلك دهشنا أن نرى بعض كتاب الصحف في [[مصر]] يعودون إلى النغمة القديمة البالية، فيزعم أن دعاة تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية "يعرضون حججهم على أساس التصديق والإيمان المطلق، لا على أساس من العقل!" فيتوهم بعض القراء أنه يلوح بأن الإيمان المطلق يتعارض مع العقل أو مع العلم، أو أن العلم يستلزم الخروج من دائرة الإيمان المطلق، وأنا شخصيا لا أعتقد أنه يقصد ذلك لأنه يعلم أن نغمة التفرقة بين الإيمان والعقل أو العلم نغمة أوروبية ظهرت في القرون الوسطى لمواجهة موقف الكنيسة المسيحية المعارض للفكر والعلم بحجة أنها وحدها الواسطة بين الله والناس. أما في [[الإسلام]] فلا توجد كنيسة تفرض على الناس رأيها، ولا يوجد من يدعي الوساطة بين الله والناس – وإنما يوجد علماء من البشر يناقشون الحجة بالحجة ويجتهدون فيؤخذ من قولهم ويترك، كما قال الإمام مالك – رحمه الله.<br />
<br />
أمام قول الإمام مالك – لا نرى أننا في حاجة للرد على هذه الشبهة بأقوال أحد من المعاصرين سواء من المسلمين أو غيرهم – وإن كان يسرنا أن نشير إلى ما نشرته الصحف نقلا عن العالم الإنجليزي الدكتور "[[آرثر البيون]] " رئيس قسم الهندسة الإلكترونية والكهربائية بجامعة سيتي البريطانية، "الذي أشهر إسلامه ب[[القاهرة]] أمام شيخ [[الأزهر]] عقب اشتراكه في مؤتمر الإعجاز الطبي في [[القرآن الكريم]] ، وعقد مؤتمرا صحفيا ذكر فيه أن الذي يميز [[الإسلام]] هو "أنه لا يتعارض مع العقل ولا مع العلم – لأن الله أنزل [[القرآن]] هو الذي خلق العقل – وأن [[القرآن]] لم يتناقض مع العلم، ف[[الإسلام]] دين الفطرة الذي يخاطب العقل والوجدان".<br />
<br />
أهمية هذا القول أنه صدر من أستاذ كان عالما قبل أن يكون مسلما – وأنه تخصص في تدريس الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعات بريطانيا أعواما طويلة – فضلا عن أنه كان رئيسا لجمعية للدراسات النفسية والروحية في بريطانيا لمدة ستة أعوام، ويشارك حاليا في إعداد بحث عن "[[العلاقة بين الموت والنوم]]" لأن جزءا من هذا البحث يعلق كما يقول بالآلات الكهربائية التي تخصص فيها. ومعنى ذلك أن تعمقه في العلم هو الذي قاده إلى الإيمان و[[الإسلام]]، وأن العقل والفكر الحر وحده هو الذي هداه للإسلام – ولم يكن مسلما بالوراثة مثل بعض الذين يتجاهلون أن العقل هو أساس الإيمان.<br />
<br />
إذا كان كثير من المتحمسين لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية يحرصون على تذكير الناس بإيمانهم المطلق بسمو الشريعة وصلاحيتها لك زمان ومكان بسبب مصدرها الإلهي فعلة ذلك أنهم يخاطبون العقلاء ليذكروهم بميزة خاصة بالشريعة [[الإسلام]]ية، هي أن مصدرها الإلهي يعطي لأحكامها والتشريع المستمد منها قوة في التطبيق تفوق قوة التشريع الوضعي، لأن الناس يلتزمون بها طائعين مختارين سعداء، لأن طاعتهم للشريعة فريضة دينية وخضوع لأمر الله سبحانه وتعالى، أما الخضوع للتشريع الوضعي فهو مجرد خضوع لإرادة الحاكم وسلطة الدولة التي أصدرته. إن المصدر الإلهي للشريعة في نظر كل مسلم هو الأساس الذي يوجب سيادتها على التشريع الوضعي لكي تعطيه احتراما أكبر في نظر الناس – وأقوى فاعلية في المجتمع.<br />
<br />
ومن المؤكد أن ميزة ارتباط الشريعة بالعقيدة والإيمان بالله هي أساس تعلق الجماهير بها واستجابتهم للدعوة لتطبيقها – حتى أصبح تطبيقها مطلبا شعبيا واسع النطاق، كما أقر بذلك الجميع في [[مصر]] حكاما ومحكومين، مؤيدين ومعارضين، وبهذا الإجماع الشعبي صارت الاستجابة لهذا الطلب التزاما دستوريا مستمدا من إرادة الشعب ورغبة الأغلبية الساحقة من جماهير هذه الأمة – وهذا الالتزام [[الدستور]]ي كاف لإقناع الذين لا يفكرون في الخضوع لأوامر الله وطاعته بالعقيدة [[الإسلام]]ية لأنهم ينتمون لدين آخر أو يرفعون شعار الإلحاد.<br />
<br />
إن الأصول السماوية والمصادر الإلهية للشريعة [[الإسلام]]ية المتمثلة في [[القرآن]] والسنة لا تتعارض مع الجهد العقلي والجانب العلمي الذي يعتبر مصدرا بشريا للفقه تحت اسم الاجتهاد أو الإجماع القائم على الأصول الشرعية. وارتباط الاجتهاد البشري بالكتاب والسنة يكسب التشريع قدرا من الثبات والاستقرار يحمي الناس من نزوات الحكام الذين يثبتون إلى السلطة بطريق غير مشروع أو يتخذونها وسيلة لفرض أهوائهم وتنفيذ مآرب [[الأحزاب]] أو الطوائف أو الطبقات أو العصبيات التي يمثلونها.<br />
<br />
إن الشعوب اليوم تشعر أنها في أشد الحاجة إلى هذا الاستقرار والأمن الذي تضمنه لهم الشريعة [[الإسلام]]ية – لأنهم قاسوا كثيرا من نزوات الحكام وأهوائهم التي تفرض عليهم في صورة "قوانين" وضعية تتغير بتغير الحكام وتتبدل بتبدل الأنظمة الحاكمة التي لا يعرف الناس كيف تأتي وكيف تفرض عليهم وماذا وراءها وما هي أهدافها. هذه الأنظمة سلاحها هو [[القانون]] الوضعي هو إرادة الحاكم الذي يدعي أنه الحكومة أو الدولة، أما الشريعة [[الإسلام]]ية فميزتها عند شعوبنا أنها لا تمنح الشرعية إلا لقانون مستمد من مصادر الشريعة ومبادئها وأحكامها ولا تعترف ب[[القانون]] الوضعي الذي يستمد من إرادة الدولة وحكامها – سواء كان الحاكم الذي وضعه قد استولى على السلطة بطريق شرعي، أو بطريق الغصب والسطو الذي تكرر في هذه الأيام، وسواء كان هذا الحاكم عاقلا أو مجنونا وقد رأت الشعوب حكاما يوصفون بالجنون والشذوذ وبالطغيان والطاغوت – فكيف تسمح شعوبنا لنفسها أن تخضع لقوانين يصنعها هؤلاء ويفرضونها عليهم بحجة أنها قوانين وضعية، وهم يرونها تخالف مبادئ الشريعة وأحكامها وتشذ عنها وتتعارض معها؟<br />
<br />
ولو وقف الأمر عند احتمال فساد الحكام أو استبدادهم أو استغلالهم لهان الأمر، ولكن كل حاكم يلتف حوله بطانة تؤيده وتشاركه – فإن كانت هذه البطانة من المنافقين والانتهازيين والاستغلاليين الذين يغرونه بالظلم والفساد ويشاركونه فيه، فإنهم غالبا يعملون لمصالحهم الذاتية أكثر مما يعملون لحسابه – وهو قد لا يعلم ذلك ولا يشعر به – هذه البطانات المستغلة الفاسدة تكره شريعة الله أكثر ما يكرهها الحكام. لأن الحاكم، حتى ولو كان مستبدا أو مغتصبا، قد يكون لديه قدرة من الإيمان والخلق يوجهه إلى طاعة الله وتنفيذ شريعته، إذا وجد حوله بطانة مؤمنة صالحة تخشى الله وتصدق له النصح – وإن كان هذا لا يحدث كثيرا في العمل.<br />
<br />
إن الإيمان يدفع الشعوب للإلحاح على تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية دائما لكنه يزداد قوة، وقد تتحول قوته إلى تعصب وتطرف وعناد وعنف إذا زادت آلام شعوبنا ونفد صبرها بسبب ما شاهدوه أو قاسوه من فساد بعض الحكام أو فساد أنظمتهم وبطانتهم أو قوانينهم، ولكن بطانة السوء بدلا من أن تطالب الأنظمة والحكومات بإصلاح حال شعوبها وإرشادها إلى عيوب أنظمتها وقوانينها الوضعية المرتجلة أو المتكاثرة أو المتناقضة، وبدلا من أن تساعدها على إصلاح هذه العيوب فإنها تزين لهم أن العيب ليس في أنظمتهم أو قوانينهم، بل تؤكد لهم أو توهمهم أن كل شيء في بلادهم هو على أتم ما يراد، وأن جماهير الشعوب سعيدة بقوانينهم المتكاثرة المتغيرة بتغير الحكام وتقلب أهواء بطاناتهم، ويزعمون لهم إنه لا يزعج هذه السعادة ويهدد هذا الاستقرار الموهوم إلا فئة قليلة هم "الأصوليون" أو المتطرفون الذين يطالبون بتحكيم شريعة الله. <br />
<br />
إن هذا النوع من بطانة السوء هم طائفة قليلة من المنتفعين من الأوضاع القائمة، المستفيدين من مآسي الجماهير، بل والمستغلين لسخطها وسوء حالها، هؤلاء لا يشعرون بآلام شعوبهم ولا يعبرون عن مطالبها، تؤيدهم جوقة من الصحافة الأجنبية تتجاهل الطابع الشعبي المتزايد للمطالبة بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية وتنسبه إلى جماعات محدودة تطلق عليهم اسم "الأصوليين" – بل إن بعض المخدوعين بالدعاية الاستعمارية يسمونهم متطرفين أو متشددين، ويقصدون بذلك استعداء الحكومات عليهم وإحداث فتنة داخلية يستفيد منها المتآمرون الذين يحركون الفتن ليستفيد منها كثير من الأعداء المتربصين الذين يكيدون لشعوبنا في كل بلد إسلامي كلما وجدوا سبيلا لذلك.<br />
<br />
ومما يؤسف له أن بعض المعترضين الذين يلوحون من حين لآخر بأن ارتباط تطبيق الشريعة بالعقيدة [[الإسلام]]ية يبعدها عن "رحابة الفكر العقلي" و "المنهج العلمي" ليسوا من علماء الفقه أو [[القانون]] حتى يتصدوا للإفتاء أو للكتابة في مسألة تدخل في إطار علم [[القانون]] والفقه، وكان أولى بهم أن يلتزموا بالمنهج العلمي الذي يحترم آراء ذوي الاختصاص ويوجب الرجوع إليهم في كل ما يتعلق باختصاصهم.<br />
<br />
إنهم يعرفون أن من تصدوا لهذا الموضوع من علماء [[القانون]] قد أكدوا مرارا أن أحكام الشريعة في جميع فروع [[القانون]] لا تقل دقة وأصالة عن أرقى الأنظمة [[القانون]]ية، بل هي أسمى وأرقى من كثير من النظم المعاصرة، وأن مصدرها الإلهي لا يعني أنها تجافي الأصول العامة في التشريع أو أن أحكامها تتعارض مع مصالح المجتمعات والأفراد، بل إنها تتمتع بخصائص تجعلها أصلح من غيرها في جميع الأزمان والأقطار.<br />
<br />
ويكفي أن نذكر هنا قول المرحوم [[عبد الرزاق السنهوري]] باشا في مذكرة لجنة تعديل [[القانون]] المدني: "إن [[مصر]] إذا أرادت أن تضع لنفسها ولأهل العروبة قانونا يضارع أحدث قوانين العالم – بل يسمو عليها – كان لزاما عليها أن تتجه إلى ثروتها التشريعية وتراثها المجيد المتمثل في الشريعة [[الإسلام]]ية".<br />
<br />
هذا هو قول أكبر فقيه في [[القانون]] في هذا الجيل أنجبه العالم العربي كله، فلا يمكن لشعبنا أن ينصرف عنه ويستمع إلى تهجمات بعض الصحافيين أو مؤلفي القصص أو دارسي الطب أو الفلسفة. ونضيف لذلك ما قاله الدكتور [[محمد علي محجوب]] الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، ورئيس لجنة الشئون الدينية ب[[مجلس الشعب]] ال[[مصر]]ي: "نستطيع أن نقرر بكل تأكيد ووضوح أن الشريعة [[الإسلام]]ية قد امتازت بالسمو والكمال ... وليس هناك فرع من فروع [[القانون]] الحديث لم يتكلم عنه الفقهاء المسلمون، بل إن النظريات التي وضعها هؤلاء الفقهاء والأحكام التي استنبطوها من روح الشريعة الغراء تعتبر المنار الذي أنار لمن بعدهم طريق الفكر [[القانون]]ي الأصيل في نطاق [[القانون]] العام والخاص على حد سواء ..." ([[مجلة منار الإسلام]] عدد [[يونيو]] عام [[1985]] م).<br />
<br />
ولمزيد من الوضوح، نحيل القارئ إلى ما جاء على لسان أحد الشيوخ القضاء في [[مصر]] وهو الدكتور [[عبد الرحمن عياد]] في مقاله ب[[الأهرام]] في 27/ 8/ [[1985]] قائلا: "إن أكثرية المتحمسين لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية يبنون اعتقادهم بصلاحية هذا التطبيق، ليس فقط على إيمانهم كمسلمين، وإنما على ذات الفكر العقلي البحث الذي أوجب [[الإسلام]] نفسه أعماله وأن اقتناعهم جاء نتيجة دراساتهم أو نتيجة تجاربهم في الحياة وتفكيرهم المستقل أو الإثنين معا".<br />
<br />
كما كتب المستشار علي محيي الدين ياسين رئيس محكمة عابدين يدافع عن التشريع الجنائي [[الإسلام]]ي وسياسة العقاب في الحدود الشرعية في مقال له بجريدة الجمهورية في 1/ 9/ [[1985]]م فقال: "إن [[الإسلام]] أقام سياسة التجريم والعقاب على أسس وأهداف تعود على المجتمع بالخير والأمن والاستقرار وهي الحفاظ على العقيدة والنوع البشري والعقل والعرض والمال ... وبهذا استطاع [[الإسلام]] أن يقدم للإنسانية كل أنواع النفع العام، وأقام للحضارة معالم لولاها لظلت أوروبا غارقة في ظلمات العصور الوسطى ...".<br />
<br />
هذه الفكرة أكدها مرة ثانية نائب آخر من نواب رئيس محكمة النقض هو الدكتور [[جمال الدين محمود]] في مقاله ب[[الأهرام]] في 4/ 9/ [[1985]] تحت عنوان "الحدود [[الإسلام]]ية وسياسة التجريم والعقاب في [[مصر]]" قال فيه: "إن الذين يطالبون بتطبيق الحدود في [[مصر]] لا يدفعهم إلى ذلك الحماس الديني وحده، فهم يدافعون عن منهج علمي واضح المعالم في سياسة التجريم والعقاب ولهذا المنهج أسانيده العقلية والعلمية، فضلا عن الإيمان بصحته وسلامته وفائدته، ومن الظلم أن يدعي البعض التعارض بين المنهج الديني والمنهج العقلي في المسائل المتعلقة بالتشريع الجنائي [[الإسلام]]ي فهذه المسائل ليست من الغيبيات ولا تختلف في بحثها ودراستها عن السياسات الوضعية المعروفة في التجريم والعقاب إلا في جوانب معينة، وهذا الاختلاف حين يدرس دراسة جادة يؤكد قدرة المنهج [[الإسلام]]ي في السياسة الجنائية على تحقيق العدل والمصلحة الاجتماعية بطريقة أوفى مما تحققه المناهج المطبقة حاليا. وربما لا يعلم الكثيرون أن القواعد العامة في التجريم والعقاب والتي، استقرت في السياسات الجنائية الحديثة أو ما يطلق عليه أساتذة [[القانون]] الجنائي "القسم العام في قانون العقوبات" تتماثل مع قواعد التشريع الجنائي [[الإسلام]]ي ...".<br />
<br />
وكتب الأستاذ [[مختار محمد نوح]] المحامي وعضو مجلس نقابة المحاميين في أخبار اليوم بتاريخ 24/ 8/ [[1985]] '''قائلا:''' "الحقيقة هي أن [[الإسلام]] غني بحل المشكلات جميعا حتى المشكلات التي صنعها الإنسان بنفسه ... وأنه وضع الأساس الأعلى الذي يجب أن تنبثق منه القوانين ... والخطوط العالمية و[[الدستور]]ية التي تهيمن بدورها على كافة القوانين ...".<br />
<br />
هذه هي آراء رجال [[القانون]] الوضعي المعاصرين، ولقد أسهبنا في استعراضها حتى يتضح للجميع أن [[الدعوة]] لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية ليست دعوة غوغائية يروجها بعض السياسيين أو الصحافيين أو الخطباء أو الكتاب، بل هي حركة علمية أصيلة بدأها رجال [[القانون]] والفقه والقضاء في [[مصر]]، وما زالوا يغذونها بآرائهم واجتهاداتهم التي رسمت مسار النهضة [[القانون]]ية والقضائية التي استهدفت إلغاء الامتيازات الأجنبية أولا ثم تطهير القوانين الوضعية من رواسب القوانين المستوردة من الخارج أو المفروضة في عهد الاحتلال، ثم بدأت المرحلة الثانية بنص [[الدستور]] على تغيير مصادر التشريع [[الإسلام]]ية، هذه النهضة التشريعية والحركة العلمية يعرفها جيدا رجال [[القانون]] والقضاء، ويدعمونها بحجج علمية وأدلة قانونية مستمدة من أبحاثهم وتجاربهم كأساتذة أو قضاة أو محامين أو علماء، فالزعم الذي تروجه بعض الصحف الاستعمارية ويجد صداه لدى بعض الصحافيين في [[مصر]]، الذين يوهمون القراء بأن المطالبة بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية مجرد نزعة عاطفية تغذيها طائفة محدودة أو جماعات معينة يصفهم البعض بأنهم "أصوليون" كما تفعل الصحافة الأجنبية، ويصفهم آخرون بأنهم "متطرفون" أو "متعصبون" أو "متشددون" مجاراة لأجهزة الأمن والمباحث، هذا الزعم المبتكر في هذه الأيام إنما هو مجرد اختلاف وافتراء للتشويش على جهود الأساتذة و[[القانون]]يين والعلماء والفقهاء والقضاة والمحامين الذين هم أصحاب الاختصاص في توجيه نهضتنا [[القانون]]ية والفقهية، ويتجاهل ما قاموا به من أجل استعادة قوانيننا لأصالتها المستمدة من الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
هذا الزعم الخاطئ المضلل يتولاه فئة قليلة تهدف إلى تعطيل حركة تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية بتوجيه الأوساط الحكومة والرأي العام إلى الدخول في معركة جانبية مع سموهم متطرفين.<br />
<br />
ومما يؤسف له أن بعض هؤلاء يسيء استخدام صفحات الصحف التي فتحت صدرها للحوار حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، فيتخذونها منابر لتجريح دعاة تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية والتشكيك في صلاحيتها، بل والتشهير بتاريخنا وحضارتنا وأمجادنا العلمية في ميدان التشريع والفقه و[[القانون]]، مع أنهم ليسوا من ذوي الاختصاص في علوم [[القانون]] أو الفقه أو التشريع، ونحن ندعوهم للرجوع إلى نقطة البداية في مناهج البحث العلمي النزيه والمنطق العقلي السليم، وهي الاستماع إلى رجال [[القانون]] والفقه الحاليين والسابقين، لأنهم أهل الاختصاص في مادة البحث وموضوعه، وندعوهم إلى احترام آرائهم بدلا من تجاهلها والتظاهر بتوجيه اللوم إلى آخرين يزعمون تارة أنهم أقلية متطرفة، ويصفونهم تارة أخرى بأنهم متشددون متعصبون. إننا نأمل ألا يغريهم على الاستمرار في هذا المسلك الاستفزازي أن كثيرين من الكتاب قد تعففوا حتى الآن عن الدخول معهم في مهاترات كلامية أو حوار علمي حول موضوع لا اختصاص لهم في البحث فيه بحثا علميا موضوعيا بالمعنى الصحيح، خصوصا بعد أن أثبتت أقوالهم وكتاباتهم ذلك، سامحهم الله وهداهم وإيانا إلى سواء السبيل.<br />
<br />
'''تعالوا إلى كلمة سواء'''<br />
<br />
'''نداء:'''<br />
<br />
'''هذا هو عنوان نداء شيخ [[الأزهر]] الشيخ [[جاد الحق علي جاد الحق]] في جريدة [[الأهرام]] بتاريخ 14/ 7/ [[1985]]م، وقد ورد فيه ما يلي:'''<br />
<br />
إن هذا الشعب ال[[مصر]]ي يسوءه أن تهوي المعاول لهدم قيمه وشريعته بل ووحدته، لقد عاش هذا الشعب حينا من الدهر أكثر من عشرة قرون في ظل [[الإسلام]] وشريعته عيشة راضية مستقرة مستنيرة، كل يعرف حقه وما عليه من واجبات ... فأعيدوا لهذا الشعب هدوءه النفسي وأوقفوا هذه الحملات على الشريعة وتطبيقها.<br />
<br />
إن شيخ [[الأزهر]]، يمثل أكبر مؤسسة للعلم والفكر [[الإسلام]]ي الرسمي في [[مصر]]، بل وفي العالمين العربي و[[الإسلام]]ي كله، في الماضي والحاضر. فلا يمكن أن تصدر منه هذه الصرخة ولا هذا التحذير إلا إذا كان صبره قد نفد، وصدره قد ضاق بما نشر في بعض الصحف من مقالات فيها تهجم على مبادئ [[الإسلام]] وقيمه وشريعته وتاريخه وهي مقدسات يعتبر نفسه مسئولا عن الذود عنها وحراستها. لذلك دعا وسائل الإعلام التي تورطت في تلك الحملة إلى كلمة سواء، وطلب وقف هذه الحملة الظالمة على الشريعة وتطبيقها. وحذرهم من غضبة عامة الشعب وجماهيره المسلمة المؤمنة بعقيدتها وشريعتها ومقدساتها، كما دعا المسئولين إلى أن يعيدوا لهذا الشعب هدوء النفسي. الذي تهدده هذه الحملة الظالمة.<br />
<br />
==سبب غضبة شيخ [[الأزهر]]==<br />
<br />
لاحظ شيخ [[الأزهر]] أن هذه الحملة الظالمة على شريعة [[الإسلام]] ومبادئه وتاريخه جاءت متناقضة مع نتائج الحوار الذي أسفر عن الإجماع على مبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، ذلك أن القارئ الذي تتبع الحوار الدائر في [[مصر]] حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية تبين له من هذا الحوار أن مبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية هو مبدأ أجمعت عليه الحكومة والشعب في [[مصر]]، فمن يتجرأ على تجريح الشريعة أو تحقيرها أو التهجم عليها إنما يهاجم الحكومة والشعب ويستفزهما معا، ويخرج عن إجماع قادة الرأي والفكر في [[مصر]] على مبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية الذي أصبح حقيقة مؤكدة لا يمكن إنكارها بعد أن نص [[الدستور]] صراحة عليه. ولذلك فإن الحملات التي يشكو منها شيخ [[الأزهر]] لا يمكن أن يكون مصدرها أي حزب من [[الأحزاب]] أو الهيئات أو المؤسسات السياسية المعترف بها، والتي أعلنت بالإجماع تأييدها لمبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية. كما أن هذه الحملات لا تعبر عن رأي الحكومة، ولا تتكلم باسم جماهير الأمة. ومع ذلك وجدت في بعض الصحف والمجلات مجالا لا تستحقه.<br />
<br />
==إجماع الشعب والحكومة==<br />
<br />
لم يعد هناك شك في [[مصر]] أن الشعب والحكومة قد أجمعا على مبدأ تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، وأن الحوار يدور حول كيفية تطبيق هذا المبدأ وأسلوبه ولقد عبر عن هذا الإجماع الأستاذ [[أحمد السيوفي]] في كلمة له ب[[مجلة الشعب]]الصادرة في 15/ 10/ [[1985]] '''بقوله:'''<br />
<br />
"إن تطبيق شرع الله أمل تتوق إليه أعناق الملايين وغاية ترخص أمامها الأرواح، وهو فضلا عن أنه شرع الله الحكيم فإنه مطلب شعبي ملح للشعب ال[[مصر]]ي ولا سبيل للتفريط فيه أو المساومة عليه، ولم ينعقد إجماع على شيء مثلما انعقد على ضرورة تطبيق شرع الله في [[مصر]] بلد [[الأزهر]].<br />
<br />
ولم تجمع [[الأحزاب]] ال[[مصر]]ية جميعها بيمينها ويسارها ووسطها على شيء مثلما أجمعت على ضرورة تطبيق شرع الله، وقد نص على هذا في جميع برامج [[الأحزاب]] ال[[مصر]]ية ابتداء من [[الحزب الوطني الديمقراطي]] ومرورا بحزب التجمع وانتهاء بحزب الأمة.<br />
<br />
وفوق كل هذا فإن دستور [[مصر]] الذي أقسم كل المسئولين على حمايته وعدم الخروج عليه ينص على أن الشريعة [[الإسلام]]ية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد، ومعنى عدم تطبيق شرع الله أن نصا من نصوص [[الدستور]] قد تعطل.<br />
"والجماهير المسلمة التي أجريت عليها عدة استفتاءات من مواقع مسئولة مثل المركز القومي للبحوث وكانت النتائج أن 96% من هذه الجماهير طالبت بتطبيق شرع الله، وكل الاستفتاءات التي أجريت كانت نتائجها مثل هذه النسب، فالجماهير إذن لها مطلب واضح يجب أن يحترم".<br />
<br />
==الخلاف على أسلوب تطبيق الشريعة لا على المبدأ==<br />
<br />
لقد كان هذا الإجماع واضحا في الندوات التي نشرتها الصحف ال[[مصر]]ية التي فتحت باب الحوار حول تطبيق الشريعة وعقدت لها لقاءات تابعها الناس جميعا بكل اهتمام وتقدير. وعرضت فيها آراء المؤيدين المتحمسين للتطبيق الفوري العاجل والمعارضين الذين يدعون إلى التأني والتدرج. ولكل من الفريقين أدلته وحججه الموضوعية التي تستحق التقدير كلما كانت تستند إلى اعتبارات تتفق مع أصول الشريعة ومبادئها وأهدافها ولا تتعارض مع المبدأ المجمع عليه.<br />
<br />
===الحوار الموضوعي===<br />
<br />
ولقد لخص هذا الحوار الموضوعي أحد أساتذة الحقوق في الجامعات ال[[مصر]]ية وهو الدكتور [[محمد علي محجوب]] في مقاله المنشور بمجلة منار [[الإسلام]] في عدد [[يونيو]] [[1985]] '''بقوله:'''<br />
<br />
"إن الكل يتسابق إلى المنهج الإلهي الذي ارتضاه لحكم البشر. وبجانب هؤلاء وقف فريق يطالب بالتأني والتدرج لأن الشريعة رحمة ووقاية وصيانة ودفاع عن الضعفاء من بطش الأقوياء. وكلا الفريقين محق فيما ذهب إليه، ونحن نرى أنه من الممكن التوفيق بين الاتجاهين لأن تطبيق الشريعة يقتضي عملية إصلاح شاملة تسبق هذا التطبيق، يهيأ فيها المجتمع لاستقبال هذا التشريع العادل من خلال القضاء على كافة مظاهر الغواية والفساد في المجتمع". <br />
<br />
إن الصحف التي نظمت ندواتها وفتحت صفحاتها لنشر وقائع هذا الحوار قد أحسنت اختيار من شاركوا فيه من رجال الفكر و[[القانون]] والعلماء والفقهاء والقضاة والمستشارين. وقد كان من الواضح أنهم أجمعوا على مبدأ سيادة الشريعة وتطبيقها التزاما بالعقيدة واحتراما لنصوص [[الدستور]] الصريحة القاطعة، فكان من الطبيعي أن يكون ما أجمعوا على كيفية التطبيق ووقته ووسيلته، إلا أن أدلتهم وحججهم كانت لا تتعارض مع مبادئ [[الإسلام]] وأصوله وأهدافه وتاريخه وتراثه، ولم يدع أحد من دعاة التأني والتدرج أنه يعارض في تطبيق الشريعة أو يشك في صلاحيتها ولكنهم قدموا عللا وأسبابا ترجع إلى ظروف المجتمع ال[[مصر]]ي، وعبر عن ذلك الأستاذ [[عمر التلمساني]] – رحمه الله – وهو من رجال [[القانون]] والمحاماة، فضلا عن أنه زعيم [[الإخوان المسلمين]]، فقال في كلمة نشرتها له مجلة [[الوفد]] الجديد بعددها الصادر في 26/ 9/ [[1985]]م:<br />
<br />
"إن المنصف يجب أن يقدر كل ما يحيط ب[[مصر]] داخليا وخارجيا. فإذا ما طالب بأمر لا بد أن يقدر ما في هذا الأمر من نفع أو ضرر ... إن الكل يسعده أن يرى شرع الله مطبقا في الأرض ... وهذا ما ندعو إليه وعلى مهلن لتعقد الأمور التي تحيط ب[[مصر]]، والضرورة تبيح المحظور ...".<br />
<br />
===استغلال حرية الصحافة===<br />
<br />
لكن القراء لاحظوا – كما لاحظ شيخ [[الأزهر]] – أن هناك أقلية شذت عن هذا الإجماع واستغلت حظوتها لدى مراكز القوى في بعض الصحف التي أفسحت لهم في صفحاتها مجالا أكبر بكثير مما يمثلونه في ساحات الفكر أو السياسة أو المجتمع فاستغلها بعضهم للهجوم على الشريعة [[الإسلام]]ية التي يقدسها الجميع ويدين لها المؤيدون والمعارضون بالاحترام والولاء، ولهذا السبب بادر شيخ [[الأزهر]] بتوجيه [[الدعوة]] إلى نقابة الصحافيين والمسئولين عن الإعلام والصحافة في [[مصر]] إلى التدخل لوقف هذه الحملة الاستفزازية التي تثير عامة الشعب وتهدد أمن البلاد واستقرارها. لأن التهجم على عقائد [[الإسلام]] وشرائعه وأحكامه في صحافة دولة إسلامية بحكم دستورها أسلوب مستحدث في العدوان والاستفزاز لم يعهده المسلمون من قبل ولا يمكن أن يقبلوه أو يسكتوا عليه.<br />
<br />
===حملات المستعمرين والمستشرقين===<br />
<br />
لقد واجه المسلمون من قبل حملات قاسية من كتابات بعض المستشرقين وأمثالهم ممن يعملون لحساب القوى الاستعمارية الأجنبية، لكنهم كانوا واثقين دائما من أن تلك الحملات هي افتراءات يروجها المستعمرون أعداء [[الإسلام]]، لأنهم يعتبرونه أكبر عقبة في سبيل فرض سيطرتهم على بلادنا وتمزيق أوطاننا واستبعاد شعوبنا واستغلال مواردنا. ثم إن تلك الحملات كانت تظهر في كتب أجنبية تنشر بلغات المستعمرين وتوجه لغير المسلمين من مواطني الدول الاستعمارية وعملائهم بقصد إثارتهم وتغذية حملات الكراهية والبغض لديهم لكي يتابعوا خططهم المعادية للشعوب [[الإسلام]]ية، ولم يتجرأ هؤلاء الأجانب على إرسال مثل هذه الافتراءات إلى صحيفة عربية لتنشرها على قرائها المسلمين، ولو فعلوا ذلك لما قبلت نشرها بل ولمنعهم من ذلك رؤساؤهم من ساسة الاستعمار ومفكريه ولثار عليه جميع القراء المسلمين. <br />
<br />
وأنا واثق أن بعض الذين شاركوا في الحملات الشاذة التي شكا منها شيخ [[الأزهر]] سوف يكونون ممن يردون على حملا الأعداء على [[الإسلام]]. فعليهم الآن أن يعذرونا إذا ثرنا على الأسلوب الذي لجئوا إليه، حتى أن شيخ [[الأزهر]] وجد من واجبه أن يردهم إلى الصواب، كما أن عليهم ألا يدهشوا لتأييد كثيرين له في استنكاره وتحذيره، وأن يعتبروا أن هذا هو رد الفعل الطبيعي مثل هذه الحملة الجائزة. <br />
<br />
إلا إذا كانوا فعلا قد قصدوا أو تعمدوا إثارة المؤمنين الصادقين واستفزاز أولئك الذين لا يمكن أن يسكتوا على مثل ما صدر منهم لأنه تجاوز كل الحدود التي كان يمكن أن يتوقعها مسلم يعيش في بلد مسلم، ولهذا كان لا بد من تذكير المسئولين عن نقابة الصحافة والمسئولين عن الإعلام في [[مصر]] بأن من واجبهم أن يوقفوا هذا الأسلوب الشاذ الذي يستفز عامة الناس ويوقع بينهم وبين حكامهم عداوة وخصومة لا مبرر لها، وهذا ما قصده شيخ [[الأزهر]] بندائه الموجه للمسئولين.<br />
<br />
إن النداء الذي وجهه الإمام الأكبر على صفحات [[الأهرام]]، يذكرنا بالمواقف التاريخية التي سجلها التاريخ لكبار العلماء وشيوخ [[الأزهر]]، ولذلك فإنه لا يمكن أن يمر دون أن تكون له آثار بعيدة المدى، لأن عباراته ذات معان وإشارات عميقة تستحق من المسئولين ومن المختصين أن يقفوا عندها طويلا، وأن يوضحوا مواقفهم على ضوئها حتى يطمئن العلماء وأهل الرأي الذين يتطلع الرأي العام وجمهور الأمة إلى قيادتهم، والعبارة الأخيرة في هذا النداء تهمنا بصفة خاصة، لأنها تشير إلى وجود صنفين ممن يهاجمون الشريعة '''حين يقول:'''<br />
<br />
"إن الطعون التي وجهت إلى الشريعة، والتي سالت بها أنهر الصحف والمجلات منذ ثار فيها الحوار حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية قد تكون صدرت عن سوء قصد، كما قد تكون صدرت عن قصور في الفهم والتحصيل، وكلا الأمرين معيب، وقد قيل قديما الناس أعداء لما جهلوا".<br />
<br />
إننا لا نريد الآن أن نتعقب الحملات التي أشار إليها الإمام الأكبر من أجل كشف حقيقة الذين يقومون بهذه الحملات عن (سوء قصد) كما ورد في نداء شيخ [[الأزهر]] وفضح أهدافهم وبواعثهم، ولكننا نحاول إظهار ما وقعوا فيه من قصور في الفهم، آملين أن يصححوا موقفهم حتى لا ينخدع الجمهور بهم ولا يصدق ما يريدون أن يوهمونا به أنهم يمثلون اتجاهات فكرية عصرية أو وطنية، ويستطيع الرأي العام أن يكشف من بينهم من يعملون لصالح جهات أجنبية أو تيارات فكرية معادية لأمتنا وحكومتنا.<br />
<br />
ومن المؤكد أنه ما دام هناك احتمال جدي في أن يكون التهجم على الشريعة أو الطعن في سيادتها أو أحكامها راجعا إلى قصور في الفهم والتحصيل. كما قال شيخ [[الأزهر]]، فإنه لا داعي لأن يتهم المتهجمون على الشريعة بسوء القصد لأن هذا الاتهام لا يجوز أن يوجه إلا لمن أبدوا انتقاداتهم وهم يعلمون بعدم صحتها.<br />
<br />
إن مهمة تعريف هؤلاء المقصرين في الفهم والتحصيل وإيضاح الحقائق لهم يقع عبئها في الأصل على عاتق العلماء والمتخصصين من رجال الفقه و[[القانون]] فهم المسئولون عن التعريف بمبادئ الشريعة وأصولها وأحكامها بكل وضوح وأمانة للعامة، وللخاصة أيضا، حتى لا يقع البعض فريسة لآراء خاطئة أو معلومات فاسدة أو بيانات ناقصة يروجها أعداء [[الإسلام]]، وتمتلئ بها صفحات الكتب والنشرات المسمومة التي تروجها دور النشر ومراكز الإعلام المعادية للإسلام، فتثير الشكوك لدى قرائها حول بعض الأحكام الأصولية أو الفرعية في شريعتنا.<br />
<br />
إننا نؤيد الخطة الحكيمة التي يتبعها الدعاة العقلاء الذين لا يسارعون إلى اتهام صحفي أو كاتب بسوء القصد أو فساد في العقيدة إلا أن يقوموا هم من جانبهم بواجبهم في عرض الفكر [[الإسلام]]ي في الموضوع الذي التبس عليه الأمر فيه عرضا واضحا هادئا مقنعا، يقوم على أدلة علمية ومنطقية موضوعية دون الاستعانة بالحماس العاطفي في غير موضوعه، ولا شك أن ذلك يكون ممكنا فقط لمن يتوفر لديهم إلمام بالموضوع مع المقدرة العلمية والمعرفة الكافية لكي يعرضوا المبادئ أو الأحكام التي يدافعون عنها عرضا علميا، وأن يكون لديهم إلى جانب ذلك الشجاعة الكافية ليقولوا كلمة الحق دون خوف من سخط الساخطين أو غضب ذوي المصالح أو ذوي النفوذ، وهذه هي أول صفات العلماء الصادقين، وقد حفل تاريخ [[الإسلام]] بكثير من المواقف البطولية الشجاعة لعلماء [[الإسلام]] التي نعتز بها، وإني أعتقد أن بيان شيخ [[الأزهر]] يعتبر قدوة ونموذجا يحتذى ويضعه في مستوى أسلافه المشهود لهم من شيوخ [[الأزهر]] وعلمائه ونحن نسجله له بمداد الفخر.<br />
<br />
ولقد تبعنا ما نشر في الصحف عن جلسات الحوار التي نظمتها جريدة [[الأهرام]]، ونشرت ملخصا لها على صفحاتها حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، ولاحظنا أنه عندما تطرق النقاش إلى مبادئ [[الإسلام]] في سياسة الحكم ونظام الدولة قنع كثيرون بالإشارة إلى أوجه التوافق بين مبادئ [[الدستور]] ال[[مصر]]ي ومبادئ الشريعة لأن الأسئلة التي وجهت لهم كانت تدور حول رأيهم في النظام القائم، وقد يكون في ذلك تلميح إلى أن المقصود هو معرفة مدى تأييدهم للحكومة أو معارضتهم لها، أو لعل هذا هو ما فهمه بعض من سارعوا إلى التعليقات العامة دون أن يتعرضوا لما توفره الشريعة من مبادئ وأصول كافية لإصلاح ما يشكو منه الناس من عيوب بعض أجهزة الحكومة أو مؤسسات الدولة. لقد كنا نتوقع على الأقل أن يشيروا إلى مبدأ هام هو مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر حجر الزاوية في نظام الحكم [[الإسلام]]ي والذي يكفل استقلال التشريع [[الإسلام]]ية الأساسية وهي [[القرآن]] والسنة والإجماع والاجتهاد، التي لا تسمح الشريعة للحكام بالتدخل فيها.<br />
<br />
إننا لا نستطيع أن نلوم الذين شاركوا في الحوار على هذا القصور لأن ما نشرته الصحف هو ملخصات، وليس لدينا دليل على أن ما نشر كان النص الكامل لما قاله كل المتحدثين الذين شاركوا في الحوار.<br />
إن السادة العلماء ورجال [[القانون]] الذين حظوا بالمشاركة في ذلك الحوار يعرفون جيدا مبادئ الشريعة الخاصة باستقلال التشريع عن الدولة استقلالا كاملا، ومبدأ الفصل الكامل بين مصادر التشريع التي يرجع فيها إلى العلماء المجتهدين وبين السلطات السياسية في الحكومة والدولة. إن عامة الناس ينتظرون من علمائنا أن يبينوا لهم ما هي الجهة التي لها حق الاجتهاد أو التشريع في [[الإسلام]]، وأن الشريعة [[الإسلام]]ية لا تعترف للحكومة أو أحد أجهزتها بالحق في إصدار تشريع يخالف أحكامها، وأن الدولة لا تتولى سلطة التشريع دون العلماء والمجتهدين ولا تحتكرها كما هو الحال في الدساتير العصرية، إن هذا التوضيح ضروري حتى لا يتركوا فرصة للجاهلين أو المغرضين للزعم بأن الشريعة [[الإسلام]]ية لم تعرف مبدأ الفصل بين السلطات الذي عرفته أوروبا فقط في العصر الحديث، في حين أن الجميع يعلمون جيدا أن الشريعة [[الإسلام]]ية سبقت أوروبا بعشرة قرون في تقرير هذا المبدأ ...<br />
<br />
'''تساؤل ورجاء:'''<br />
<br />
أخيرا فإن الذين يؤيدون شيخ [[الأزهر]] في ندائه من حقهم كذلك أن يتساءلوا عن مصدر تلك الحملة الشاذة التي يشكو منها شيخ [[الأزهر]] – ويبحثوا عمن يوجهها ويقف وراءها – ومن حقهم أن يعرفوا أهدافها القريبة والبعيدة وأن يفندوا ما اشتملت عليه من مزاعم، ولا يكون ذلك إلا بمناقشة موضوعية لكل ما تضمنه تلك الحملة من ادعاءات وافتراءات، لذلك فنحن ندعو الصحف التي نشرت هذه الكتابات التي شكا منها شيخ [[الأزهر]] إلى أن تفسح في صفحاتها لرجال العلم والفكر – ورجال [[القانون]] بصفة خاصة – الذين يتقدمون لها بالرد عليها، بل إننا نرجوها أن تدعو من تختاره منهم لكي يتولوا هذا الرد بصورة منطقية علمية هادئة وبذلك يكونون قد استجابوا لنداء شيخ [[الأزهر]]، ونزعوا من صدور عامة الشعب شكوكا وظنونا بأنهم يؤيدون هذه الأفكار أو يروجون لها أو يظاهرون المروجين لها.<br />
<br />
==الشريعة [[الإسلام]]ية والأصالة الفكرية==<br />
<br />
===الأصول الأوروبية===<br />
<br />
إن كثيرا من الأوروبيين عندما يتكلمون عن تطور أنظمتهم الاجتماعية والسياسية و[[القانون]]ية وعندما يدرسون مقومات حضارتهم يبدءون بعلوم [[اليونان]] و[[الرومان]] ثم العصور الوسطى المسيحية والإقطاعية، وينتهون بعصر النهضة الصناعية والفكرية التي بدأت في [[القرن السابع عشر]] الميلادي، وما تلاه من عصور الاستعمار والسيطرة الأوروبية العالمية، ويصفون حضارتهم بأنها مسيحية استمدت جذورها وأصولها من الحضارتين [[اليونان]]ية و[[الرومان]]ية القديمتين، ولم يعيرهم أحد بأن اعتزازهم بتلك الأصول يعتبر رجعية أو جمودا أو تعصبا.<br />
<br />
===الأصول [[الإسلام]]ية===<br />
<br />
ولكن في بلادنا – نظرا لواقع الضعف والتخلف الحالي الذي خلفه لنا الاحتلال والسيطرة الأجنبية – ما زال لدينا طائفة أصيبت بمركب النقص ولذلك تفزع من كل دعوة إلى بناء نهضتنا على الأصول والمبادئ والقيم [[الإسلام]]ية، ويسارعون إلى اتهام الأصوليين بأنهم متطرفون أو متعصبون، وهي نفس الاتهامات التي تغدقها علينا صحافة الاستعمار ودعاته وعملاؤه في الثقافة والفن والسياسة. وقد كشف الحوار الذي دار في [[مصر]] حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية أن هذه الطائفة لم تكتف بالتشهير بالأصوليين [[الإسلام]]يين، بل تعدوا ذلك إلى التهجم على [[الإسلام]] وشريعته حتى اضطر شيخ [[الأزهر]] إلى إصدار بيان تاريخي نشرته [[الأهرام]] في 14/ 7/ [[1985]] يحذر فيه من هذا الاتجاه.<br />
<br />
===النظام العالمي الجديد===<br />
<br />
إن ظاهرة المد الديني ليست خاصة ب[[مصر]] ولا بالعالم [[الإسلام]]ي، بل إنها تمثل أمل كثير من الشعوب التي كشفت مساوئ الفلسفات المادية والإلحادية ولجأت إلى العقائد الدينية لتستمد منها الطاقة الضرورية لكفاحها من أجل مستقبل أفضل، وجميع الحكومات و[[الأحزاب]] غير الشيوعية تؤيدها وتشجعها، ولا تخشاها إلا الحكومات الإلحادية والشيوعية، ذلك أن جميع شعوب العالم تشعر بالأخطار التي تهدد الحضارة المادية العصرية بالانهيار ويسعى مفكروها وعلماؤها للتعاون من أجل إنشاء حضارة أكثر إنسانية تقوم على القضاء على سيطرة الدول الكبرى والمذاهب المادية على العالم واحتكارها للثقافة العالمية والاقتصاد العالمي وإتاحة الفرصة لجميع الأمم للمساهمة – على قدم المساواة – في بناء نظام عالمي جديد تساهم فيه كل منها في بناء الحضارة الإنسانية المشتركة التي تتسع للحضارات والثقافات المتنوعة المتعددة الأصيلة التي تبنيها الأمم على أساس معتقداتها وتراثها ودورها التاريخي لتساهم بها في تقدم الإنسانية وتطورها.<br />
<br />
===الفكر الإنساني في الغرب===<br />
<br />
هذا هو التيار الإنساني الجديد الذي يمثله عدد كبير من المفكرين والباحثين الغربيين الذين يدعون لإعادة النظر في النظريات الغربية الموروثة عن عهد الاستعمار. إن هؤلاء المفكرين يعترفون بمنجزات الحضارات الشرقية ودورها في بناء المدنية الحديثة ويستشهدون على ذلك بالكشوف الأثرية التي دل على ما وصلت إليه تلك الحضارات من تقدم في جميع مظاهر المدنية، كما يستشهدون بالبحوث التاريخية التي أثبتت مساهمة الفلسفات والعقائد الشرقية في الفكرين [[اليونان]]ي و[[الرومان]]ي، والمساهمة الكبرى للعلوم العربية والفكر [[الإسلام]]ي في إخراج أوروبا من ظلمات العصور الوسطى، وبعث النهضة الأوروبية في جميع مجالات العلم والمعرفة فضلا عن أثرها في الكشوف الجغرافية والتطورين الصناعي والاقتصادي.<br />
<br />
===الخطر المادي على الحضارة===<br />
<br />
إن الخطر الذي يهدد مستقبل البشرية نتيجة لتغلب النزعة المادية في الفكر والفلسفة الأوروبية والأمريكية، وسيطرة الآلة على الاقتصاد والسياسة، جعل هؤلاء المفكرين الغربيين الإنسانيين يعتقدون أنه لا يمكن حماية الحضارة من خطر الانهيار إلا إذا قامت فيها بدور أكبر جميع الشعوب الآسيوية والأفريقية ذات المدنيات الكبرى في العالم، سواء في [[الصين]] أو [[الهند]] أو فارس أو في [[مصر]] وبابل وغيرها من الحضارات القديمة. كما يعترفون بأن حضارة [[الإسلام]] كانت رائدة للمدنية الحديثة لأنها استوعبت ثمار الحضارات الشرقية القديمة ومزجت بينها وبين علوم [[اليونان]] و[[الرومان]] تحت مظلة العقيدة [[الإسلام]]ية ثم نقلت خلاصتها لأوروبا المسيحية التي استفادت منها في حركة [[الإصلاح]] الديني أولا ثم في بناء نهضتها العلمية ثانيا.<br />
<br />
===دور [[الإسلام]] والحضارات الشرقية===<br />
<br />
إن بحوث هؤلاء العلماء تبرز الدور الكبير الذي قامت به منجزات تلك الحضارات، وعلى رأسها حضارة [[الإسلام]] في بناء الحضارة الحديثة وتدعو إلى إعادة النظر في الأفكار الاستعمارية المبنية على الغرور الأوروبي والجشع الاستعماري الذي قامت عليه عنصرية الرجل الأبيض ومطامعه السياسية وسياسته التوسعية وسيطرته العسكرية. وسعى كثير منهم إلى الاستعانة في بحوثهم بأبناء الشعوب الناهضة في العالم الثالث الذين يعتزون بأصالة تاريخهم وتراث أممهم، فساهم هؤلاء العلماء الشرقيون بأصالتهم واعتزازهم بحضارتهم في الدراسات التي تكشف عن مزايا الأنظمة والمبادئ التي قامت عليها ثقافة بلادهم وحضارتها ولفتوا نظر العالم إلى ما قدمته أممهم من عوامل التقدم في بناء المدنية المعاصرة أولا، وإلى ما يمكن أن تساهم به تلك المبادئ والقيم الشرقية الأصيلة في دفع عجلة الرقي الإنساني وإنقاذ الحضارة الحديثة من خطر الانهيار الذي يؤدي إليه إسرافها في الإنتاج الآلي والفكر المادي وما يتبعه من انحلال خلقي وفوضى فكرية.<br />
<br />
===تياران في الفكر الغربي===<br />
<br />
يمكن القول إذن إن الفكر الغربي الآن يتنازعه تياران متميزان، أحدهما استعماري، يمثل رواسب التعصب والأنانية والغرور الأوروبي، ويسعى إلى استمرار السيطرة العسكرية العالمية لدول أوروبا وأمريكا، ويخضع خططها لاستغلال شعوب العالم الثالث، لأنه يعتبرها شعوبا يجب أن تقنع بالتبعية السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية للدول الكبرى المتقدمة.<br />
<br />
===الفكر الاستعماري وأتباعه===<br />
<br />
هذا التيار الفكري الاستعماري يعتبر المدنية الحديثة أوروبية بحتة يتوقف مصيرها على استمرار سيطرة أوروبا وأمريكا وهيمنتهما على العالم. ولتنفيذ خطط هذا التيار الفكري الاستعماري يعمل أصحابه على أن يستعينوا ببطانة وأعوان من أبناء شعوب العالم الثالث الذين يستسلمون لنظرياتهم وأفكارهم ويدعون شعوبهم إلى الاستكانة والاستسلام لخطط الاستعمار وسيطرته والسير في طريق التقليد الأعمى والتبعية للدول الكبرى بحجة أنها أكثر تقدما ورقيا. هذه الطائفة تضم المصابين بمركب النقص الذين يعتقدون بأن شعوب العالم الثالث لا حق لها في الطموح للقيام بأي دور إيجابي في الحاضر أو المستقبل كأنداد للأوروبيين والأمريكيين في تقرير مصير العالم وبناء مستقبل الإنسانية. إنهم قانعون بما وصلهم من رواسب الفكر الاستعماري الأوروبي الذي ينسب كل المزايا للشعوب الأوروبية. إن بعض هؤلاء يستفيدون من تبعيتهم للفكر والنفوذ الاستعماري فيظهرون على سطح بعض مجتمعات شعوب العالم الثالث، ويحتلون بعض مراكز القوى في بلادهم ليقوموا بتقديم الأفكار الاستعمارية على أنها أفكارهم ليخدعوا بها شعوبهم، في حين أن ما عندهم هو فتات موائد الأفكار الاستعمارية العنصرية التي ترددها وسائل الإعلام للقوى الأجنبية وكتب الغزو الفكري ومجلاته ودوائر معارفه وآدابه وقصصه.<br />
<br />
===الأصالة الفكرية===<br />
<br />
إلى جانب ذلك التيار الفكري الاستعماري الذي أشرنا إليه يوجد في الفكر الغربي تيار إنساني أصيل يعترف بأن مستقبل الحضارة ملك للإنسانية جميعا، وأن تقدمها وتطورها يتوقف على مساهمة جميع الأمم في بناء الحضارة الإنسانية في المستقبل كما ساهمت في الماضي، ويرى أنه لا بد من إفساح المجال لأبناء الأمم المتخلفة الناهضة للاعتزاز بشخصيتهم والدفاع عن أصالتهم والقيام بدورهم كأنداد وشركاء في بناء الحضارة الإنسانية. <br />
<br />
ويرون أن على الأصوليين من أبناء الشعوب الشرقية أن يقوموا بالدور الأكبر في البحوث التي تكشف عن أصالة مجتمعاتهم وسمو المبادئ والنظم التي أنتجتها عبقرية شعوبهم ويفتحون أمامهم باب العمل في مراكز البحوث الخاصة بالحضارات الشرقية وأقسام الجامعات للدراسات الشرقية وعلى الأخص منها دراسات الشرق الأوسط التي تقوم بنشر البحوث العلمية التي تبرز أهمية الدور الذي قامت به حضارات شعوب آسيا وأفريقيا وفي مقدمتها الحضارة العربية [[الإسلام]]ية في تقدم البشرية وبناء أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.<br />
<br />
إن [[مصر]] خاصة لها الحق في أن تعتز بما قام به كثير من أبنائها وأبناء الشعوب [[الإسلام]]ية الشقيقة، وخاصة المغتربين والمهاجرين منهم في البحوث الخاصة ب[[الإسلام]] والشريعة والحضارة [[الإسلام]]ية تشهد بها الكتب والرسائل التي تسجل وتبرز للعالم ما أغفله الأوروبيون من تراث حضارتنا ومقوماتها وقيمها الأصيلة التي نعتز بها ونقدمها للعالم اليوم لأنه في أشد الحاجة إليها لبناء مستقبل أفضل للحضارة الإنسانية.<br />
<br />
إن مستقبل البشرية يتوقف على التعاون العلمي والثقافي بين أصحاب الاتجاه الإنساني في الغرب وبين الأصوليين من أبناء الأمم الشرقية الذين يرون أن من واجبهم أن يبنوا نهضتهم التي قامت عليها حضارات بلادهم الأصيلة، وفي مقدمة هؤلاء "الأصوليين" دعاة النهضة والأصالة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
===الأصوليون===<br />
<br />
هؤلاء الأصوليون من أبناء أمتنا هم أقدر الناس على التعاون مع تيار الفكر الإنساني الأصيل ويمثله في الغرب بعض المنصفين من علماء أوروبا وأمريكا، الذين لا ينكرون على المسلمين ولا على الشرقيين عامة حقهم في الاعتزاز بمقومات حضارتهم ومزايا تراثهم الفكري والحضاري، بل يعتبرون هذه الأصالة الفكرية عاملا مهما في تقدم الحضارة الإنسانية وتطورها نحو مستقبل أفضل، ويعتبرون التعاون بين الأصوليين من مختلف الأمم والقارات ضروريا للتقدم العلمي والحضاري الذي يتوقف عليه مستقبل الشرق والغرب معا، ومستقبل الجنس البشري بصفة عامة، وليكون هذا التعاون إيجابيا مثمرا يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل، وعلى تنمية المقومات الذاتية والأصالة الحضارية لجميع الأمم، لا على السيطرة من ناحية، والتبعية الذليلة السلبية التي يدعو لها تيار الفكر الاستعماري ومن يتحدثون باسمه ويرددون شعاراته من أبناء شعوبنا من ناحية أخرى. إن هؤلاء إنما يتولون حراسة واقع التخلف وتثبيت التبعية التي فرضها الفكر الاستعماري على شعوبنا ويهاجمون من يقاومها من "الأصوليين".<br />
<br />
===التبعية الفكرية===<br />
<br />
إن "الأصوليين" من أبناء الأمة [[الإسلام]]ية وغيرها من الأمم الشرقية عندما يعارضون سيطرة الفكر الغربي، إنما يوجهون معارضتهم للتبعية للفكر الاستعماري الذي يستغل الغزو الثقافي الأجنبي للقضاء على المقومات الذاتية للحضارة [[الإسلام]]ية والحضارات الشرقية الأخرى وطمس معالم شخصية أمتنا لأنه يعتبر وجودها عقبة في سبيل استمرار السيطرة على مصير العالم وشعوبه، ويوجه أتباعه في البلاد الناشئة لمقاومة كفاح شعوبنا لاسترداد أصالتها واستقلالها الفكري والتشهير بالأصوليين واتهامهم بالرجعية أو التطرف أو الجمود لمجرد أنهم لا يستسلمون لمستوردات الفكر الاستعماري كما يدعون شعوبهم للتحرر منها والاعتزاز بأصالة فكرهم وحضارتهم وتراثهم وشريعتهم.<br />
<br />
إن أنصار التبعية الفكرية في بعض البلاد يستغلون الأخطار الخارجية التي تحيط بدولنا، والصراعات الحزبية الداخلية في بعض البلاد، ومراكز الحظوة والقوة التي يحتلونها في بعض المؤسسات الإعلامية أو الثقافية ليوهموا الناس بأنهم يتحدثون باسم الحكام أو باسم بعض ذوي السلطة والنفوذ.<br />
<br />
===أثرها في الحوار===<br />
<br />
ولقد كان هذا واضحا لمن يتتبعون الحوار الذي دار في [[مصر]] حول تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، فقد لاحظنا أن الأسئلة كانت تدور حول نظام الحكم القائم في [[مصر]]، كأن المقصود هو معرفة رأي المتحدثين فيه ومدى تأييدهم له بدلا من وجيه أسئلة موضوعية حول الأصول [[الإسلام]]ية بشأن نظام الحكومة [[الإسلام]]ية، ونتج عن ذلك أن اكتفى كثيرون بتعليقات سطحية وعبارات عامة دون أن يتطرقوا إلى جوهر نظام الحكم [[الإسلام]]ي. ولو كان الحوار علميا موضوعيا لظهر منه أن الباحثين في [[القانون]] المقارن بصفة عامة، ولو كان الحوار علميا موضوعيا لظهر منه أن الباحثين في [[القانون]] بصفة عامة، والذين درسوا نظام الحكم [[الإسلام]]ي بصفة خاصة سواء في [[مصر]] أو في الخارج مجمعون على أن مبدأ الفصل بين السلطات هو حجر الزاوية في نظام الحكم [[الإسلام]]ي سواء من الناحية النظرية أو الناحية العملية وهو أهم أصل من أصول نظام الحكم في [[الإسلام]].<br />
<br />
===كتاب الخلافة===<br />
<br />
وأكبر شاهد على ذلك هو كتاب "الخلافة أو الحكم [[الإسلام]]ي" للمرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] وهو بحث تفرغ لإعداده في أعز سنوات شبابه أثناء دراسته في [[فرنسا]] بمعهد [[القانون]] المقارن بجامعة ليون تحت إشراف أستاذه البروفيسور "[[إدوارد لامبير]]" الذي كان يعتز بأنه كان عميدا للمدارسة الخديوية للحقوق ب[[القاهرة]] (التي أصبحت فيما بعد كلية الحقوق بجامعة [[القاهرة]]). <br />
<br />
لقد استفاد الأستاذ لامبير من إقامته ب[[مصر]] وعمله بها للاطلاع على ما يتصل بالفقه [[الإسلام]]ي والشريعة، فحرص بعد عودته ل[[فرنسا]] على أن يوجه تلاميذه ال[[مصر]]يين الذين يلتحقون بمعهد [[القانون]] المقارن بجامعة ليون إلى البحوث المتعلقة بمبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية ونظرياتها التي يجهلها الفقه [[القانون]]ي الغربي الحديث، وكان يعتبر هذه البحوث من أهم ما أنتجه معهده للثقافة [[القانون]]ية الأوروبية عامة والفرنسية بصفة خاصة، وفي كتاب الخلافة الذي أشرنا إليه، كتب له مقدمة أبدى فيها اعتزازه بمؤلفات الباحثين المسلمين وخاصة الدكتور [[محمد فتحي]] صاحب كتاب "[[نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية]]" الذي كشف للعالم الغربي أن هذه النظرية التي لم تعرفها القوانين الأوروبية إلا في العصور الحديثة وجدت في الشريعة [[الإسلام]]ية قبل ذلك بعدة قرون، ولنفس السبب أعلن هذا الأستاذ الفرنسي اعتزازه بكتاب السنهوري عن الخلافة، لأنه كشف عن أن مبدأ الفصل بين السلطات والسيادة الشعبية – الذي لم تعرفه أوروبا إلا في العصر الحديث – هما من أصول الحكم [[الإسلام]]ي في الشريعة [[الإسلام]]ية قبل أن يعرفهما الفقه الأوروبي بعدة قرون.<br />
<br />
===السنهوري وفصل السلطات===<br />
<br />
لقد خصص المرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] فصلا تمهيديا في كتابه تحت عنوان "الفصل بين السلطات والنظام النيابي في الحكومة [[الإسلام]]ية – ومبدأ الإجماع". فنرجو أن يراجعه كل من يهتم بهذا الموضوع ليجد فيه الرأي [[القانون]]ي الموضوعي، في كتاب نشرته أرقى معاهد [[القانون]] المقارن في أوروبا التابع لجامعة ليون الفرنسية عام [[1926]]م، ونرجو أن يعطي هذا الرأي اهتماما خاصا لأن الأستاذ "[[إدوار لامبير]]" عميد المعهد أعلن في مقدمته اعتزازه وفخره به، ولم يناقضه أحد من العلماء والباحثين حتى اليوم.<br />
<br />
وإذا كان الذين شاركوا في الحوار حول الشريعة لم يصرحوا بهذا الرأي اهتماما خاصا لأن الأستاذ "[[إدوار لامبير]]" عميد المعهد أعلن في مقدمته أعلن في مقدمته اعتزازه وفخره به، ولم يناقضه أحد من العلماء والباحثين حتى اليوم.<br />
<br />
وإذا كان الذين شاركوا في الحوار حول الشريعة لم يصرحوا بهذا الرأي [[القانون]]ي الموضوعي، في كتاب نشرته أرقى معاهد [[القانون]] المقارن في أوروبا التابع لجامعة ليون الفرنسية عام [[1926]]م، ونرجو أن يعطي هذا الرأي اهتماما خاصا لأن الأستاذ "[[إدوار لامبير]]" عميد المعهد أعلن في مقدمته اعتزازه وفخره به، ولم يناقضه أحد من العلماء والباحثين حتى اليوم.<br />
<br />
وإذا كان الذين شاركوا في الحوار حول الشريعة لم يصرحوا بهذا الرأي فإن لديهم الفرصة لبيان وجهة نظرهم. فربما كان الغموض الذي ترتب على سكوتهم هو الذي أدى إلى أننا فوجئنا بكاتب [[مصر]]ي ينشر في صحيفة [[الأهرام]] بعددها الصادر بتاريخ 23/ 9/ [[1985]]م اعتراضا على ما قاله الأستاذ خالد محمد خالد من أن الشورى التي يقوم عليها [[الإسلام]] تشمل جميع مزايا [[الديمقراطية]]، بما في ذلك فصل السلطات، فكان من بين اعتراضات الدكتور [[فؤاد زكريا]] استنكار هذا القول بحجة أن "هذا القول مستحيل لسبب بسيط هو أن مبدأ فصل السلطات لم يعرف إلا في العصر الحديث".<br />
<br />
ليسمح لي الكاتب الفاضل أن يراجع مؤلف [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] ويكتب لنا برأيه فيما ورد في ذلك الكتاب، من أن مبدأ الفصل بين السلطات عرفته الشريعة [[الإسلام]]ية قبل أوروبا بعدة قرون، إننا واثقون من أنه بعد ذلك سيشاركنا في الاعتزاز بشريعتنا بأصولها السامية ومقاومة كل خروج عن هذه الأصول أو انحراف عنها.<br />
<br />
==الشريعة [[الإسلام]]ية والأصالة العلمية==<br />
<br />
قصة كتاب الخلافة الذي ألفه المرحوم [[عبد الرزاق السنهوري]] تستحق أن تكون نموذجا للأسلوب العلمي الأصيل في مناقشة الموضوعات الخاصة بالشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
في عام [[1925]] ميلادية، وهو في العشرينيات من عمره، يدرس الحقوق حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ليون في [[فرنسا]]، وكانت رسالته التي حصلت على جائزة أحسن الرسائل من تلك الجامعة، عن موضوع خاص ب[[القانون]] الإنجليزي حازت إعجاب جميع أساتذة [[القانون]] المقارن وتقديرهم، '''ويكفي أن نذكر أن الأستاذ لامبير قال عنها ما يلي:'''<br />
<br />
"لقد نشر [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] في عام [[1925]] ضمن مجموعة مكتبة معهد [[القانون]] المقارن بحثا ممتازا حول "القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي". وهو البحث الذي منحته كلية الحقوق بجامعة ليون جائزة أحسن رسائل الدكتوراه.<br />
<br />
ويكفي أن خبيرا مشهورا ذا نظر ثاقب هو الأستاذ "[[جورج كورنيل]]". قد أثنى عليه في مجلة جامعة بروكسل ووصفه بأنه من أحسن ركائز مجموعة معهد [[القانون]] المقارن في جامعتنا.<br />
<br />
"لقد قام [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] في ذلك البحث بفحص القضاء المدني والتجاري بأسلوب علمي دقيق في إطار تخلله بحوث اجتماعية قانونية حول دور ومزايا كل من القاعدة [[القانون]]ية و (المعيار القضائي) رغم أنني حاول صرفه عن هذا الأسلوب لأنني كنت أعتقد أنه يتجاوز مقدرة باحث مبتدئ مهما يكن نبوغه. ولكنني الآن أعترف بأنني أخطأت في اعتراضي. لأن هذا الأسلوب المبتكر الذي سار عليه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] في معالجة ذلك الموضوع البكر من موضوعات العلوم الاجتماعية هو الذي لفت إليه نظر الأستاذ الكبير ([[موريس هوريو]]) وجعله يفرض نفسه عليه، حتى أنه ناقش وجهة نظر [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] حول القاعدة [[القانون]]ية والمعيار القضائي مناقشة تنم عن تعاطف وتقدير كبير، وذلك في إحدى مقالاته القيمة المنشورة في المجلة الفصلية للقانون المدني. ولقد جعل ([[موريس هوريو|هوريو]]) من هذه المناقشة حجر الزاوية في بناء نظريته حول النظام [[القانون]]ي".<br />
<br />
إنني لا يمكن أن أتوقع لباحث مبتدئ نجاحا أكبر مما حققه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]]، إذ اختار بحثه أستاذ في مستوى. "البروفيسور [[موريس هوريو|هوريو]]" لكي يكون نقطة انطلاق نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع التشريعي.<br />
<br />
ولكنه أثناء إعداد هذه الرسالة كان يتابع أنباء وطنه [[الإسلام]]ي الكبير، وحز في نفسه ما آل إليه العالم [[الإسلام]]ي من ضياع، ووقوع أقطاره، واحدا بعد الآخر، فريسة لاحتلال الدول الاستعمارية الأوروبية عقب انتصارها على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبدأت تتقاسم السيطرة عليها بناء على اتفاقات سرية مثل "[[معاهدة سايكس بيكو]]" المشهورة، التي مكنت [[فرنسا]] من احتلال [[سوريا]] ولبنان، ومكنت بريطانيا من افتراس فلسطين لتسليمها للصهيونية تنفيذا ل[[وعد بلفور]]، فضلا عن سيطرتها على [[الأردن]] و[[العراق]] و[[مصر]]، مقابل السيطرة الفرنسية على الأقطار العربية في شمال أفريقية، ([[الجزائر]] و[[تونس]] و[[المغرب]]) ومقابل استعمار [[إيطاليا]] لليبيا و[[أريتريا]]، هذا فضلا عن توزيع أقطار العالم [[الإسلام]]ي غير العربي على مناطق النفوذ المختلفة، حتى أن [[اليونان]] حصلت هي الأخرى على نصيب كبير من السيطرة على شواطئ الدردنيل وبحر إيجه الشرقية وقبرص، ولكنها اضطرت للتراجع إلى حد كبير أمام [[المقاومة]] العنيدة للشعب التركي والعسكريين الأتراك.<br />
<br />
هذا الواقع الأليم أثار الطالب [[عبد الرزاق السنهوري]] الذي كان يعيش في [[فرنسا]] ليتم دراسته وكان يؤلمه أن يشهد ابتهاج شعبها وحكومتها بما حصلت عليه من مغانم بتحقيق أحلامها في السيطرة على أقطار المشرق الأدنى ([[سوريا]] و[[لبنان]]) فضلا عن أقطار [[المغرب]] في شمال إفريقية، وذلك على أنقاض دولة الخلافة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
فماذا فعل الطالب العصامي الذي أتم دراسته وتأهل لكي يعود إلى وطنه معززا مكرما كأستاذ في الجامعة ال[[مصر]]ية الناشئة يحمل تهاني أساتذته وشهاداتهم له بالنبوغ والعبقرية؟ إنه أصر على ألا يعود إلى بلاده إلا بعد أن يستأنف بحوثه في [[القانون]] المقارن في [[فرنسا]] ذاتها ليقدم لجامعاتها وأساتذتها وعلمائها بحثا عن نظرية "الخلافة" [[الإسلام]]ية وتاريخها وتطورها ومستقبلها.<br />
<br />
وظاهر من حجم المؤلف الذي أعده [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] عن الخلافة والذي يتكون من ستمائة وخمس وعشرين صفحة – ومن قائمة المراجع العربية والفرنسية والإنجليزية التي تشير إليها الهوامش المطولة في ذلك الكتاب – أن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] قد بدأ في إعداده في نفس الوقت الذي كان يعد فيه رسالته الأولى عن [[القانون]] الإنجليزي، وأنه بلا شك أعطى له من جهده ووقته أكثر مما أعطى لرسالة الدكتوراه التي ابتعث لإعدادها، وأنه سار في عمله على حذر خوفا من ردود فعل الفرنسيين، ولذلك لم يخاطر بتقديم هذا البحث للحصول على الدكتوراه مرة ثانية، ولم يعلن عزمه على تقديم بحث عن الخلافة إلا بعد أن حصل فعلا على شهادة الدكتوراه الأولى في موضوع خاص ب[[القانون]] والقضاء الإنجليزي، أي أنه بعيد جدا عن [[القانون]] [[الإسلام]]ي، وبعد أن اطمأن إلى حصوله على الدكتوراه الأولى وتفوقه فيها وحصوله على جائزة أحسن الرسائل، أعلن اختياره لموضوع الخلافة ليقدم فيه رسالة ثانية أهم من الأولى وأعمق أثرا.<br />
<br />
إنه أقدم على ذلك ليثبت للعالم كله أن النظام [[الإسلام]]ي الذي قامت عليه الخلافة ليس قائما على القوة السياسية والعسكرية، ولكنه مجموعة مبادئ تشريعية وأصول اجتماعية ترتكز على عقيدة خالدة لا يمكن أن تمحوها الهزيمة العسكرية أو يضعفها الفشل السياسي، وأن العقيدة والشريعة التي قامت عليها هذه الأمة وحضارتها التاريخية ووحدتها قادرة على النهوض بها وبناء وحدتها ونظامها السياسي على أسس إسلامية تناسب روح العصر من جديد. <br />
<br />
إنه وهو شاب عصامي يقاسي الغربة والوحدة في [[فرنسا]] التي تجتر ما حصلت عليه من مغانم استعمارية من أسلاب الخلافة [[الإسلام]]ية، يسخر عبقريته ونبوغه في وضع خطة لإعادة بناء الخلافة على أسس جديدة كمنظمة دولية في المستقبل، ويسجل هذه الخطة العبقرية في رسالة ثانية يقدمها إلى معهد [[القانون]] المقارن في نفس الجامعة الفرنسية التي منحته قبل ذلك بعام واحد شهادة الدكتوراه، وتحمل هذه الرسالة الثانية اسم "الخلافة" تمجيدا لها وتخليدا يتعارض مع الاتجاه الأوروبي لإسدال ستار النسيان على نظام الحكم [[الإسلام]]ي وتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية – ومما يؤسف له أن يوجد لدينا الآن من يؤيد هذا الاتجاه ويدافع عنه .<br />
<br />
كان [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] يعرف وهو يتجه لدراسة الخلافة أن هذا الموضوع الذي اختاره لا يعجب زملاءه وأساتذته الفرنسيين، وأن ما سيكتبه عنها سيثير "حساسيات" لديهم، وأن أستاذه لامبير نفسه قد حذره من ذلك ونصحه مرارا بأن يترك هذا البحث الذي قد لا يعجب الأوروبيين في ذلك الوقت، ولكنه أصر على أن ينصف أمته ويدافع عن قانونها وحضارتها، بل ويرسم الخطة لها لكي تعيد وحدة دولتها التي حطمها الفرنسيون وحلفاؤهم في الحرب العالمية الأولى، وها هو الأستاذ لامبير يسجل في مقدمته عناد [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] وإصراره على هذا البحث رغم ما قدمه له من نصائح للابتعاد عنه، ويعلن سروره بهذا العناد من باحث شاب عصامي [[مصر]]ي مسلم، ولكنه عبقري نابغة قدم لمعهده وجامعه مؤلفا في [[القانون]] المقارن فخر به وتكسب به سبقا ونفوذا في مجال الدراسات [[القانون]]ية المقارنة، '''وهذه هي عباراته:'''<br />
<br />
"لقد راودني القلق عندما وجدت [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] ينساق رغم مقاومتي واعتراضي نحو استكشاف موضوع واسع عميق الأثر شديد التعقيد، وهو موضوع الخلافة وتاريخها كما يراه هو: إنه المرآة الكبرى للفقه [[الإسلام]]ي التي يمكنه تاريخها من تتبع المراحل التاريخية لانهيار وحدة العالم [[الإسلام]]ي، وتقييم الجهود المبذولة في العصر الحاضر استعدادا لإعادة بنائها الذي يقترح أن يكون في صورة أكثر مرونة وأكثر ملاءمة لمتطلبات القوميات الناشئة".<br />
<br />
"للمرة الثانية، كان عناد [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] خصبا ومثمرا، فإن كتابه الذي نقدمه ليس أقل جدارة من كتابه الأول ... إنه يشهد له بمزايا من نوع جديد وهي ليست أقل أهمية لمن يعد نفسه ليكون أستاذا جامعيا في المستقبل، فبعد أن كان كتابه الأول رائدا للمتخصصين في [[القانون]] وعلم الاجتماع التشريعي؛ أثبت كتابه الثاني الذي نقدمه أنه يستطيع أن يكتب للجمهور الواسع العريض؛ لا أقصد فقط جمهور أبناء وطنه، الذي لن يصل إليه هذا الكتاب إلا بترجمته إلى اللغة العربية؛ وإنما أقصد كذلك جمهور الأوروبيين الذين يهمهم أن يطلعوا على وجهة نظر شرقية من عقلية مفكر مسلم ذي ثقافة عالية، بشأن مشكلة الخلافة التي تناولتها بحوث أوروبية عديدة؛ إلا أنها على كثرتها وتنوع اتجاهاتها، لا تقدم هذا الموضوع إلا من زاوية وجهة نظر أوروبية، أو أوروبية أمريكية، واقعة تحت تأثير المحاذير المسيحية ..".<br />
<br />
"لقد استخدم [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] كثيرا المراجع الأوروبية الأمريكية التي كانت تحت تصرفه مع حرصه على الانتقاء الدقيق. وكان أكثر اعتماده على ما كتب منها بالإنجليزية أو الفرنسية أو ترجم إليهما، وإذا كان قد أهمل إلى حد ما ما كتب باللغة الألمانية، فإنه على العكس من ذلك قد استطاع أن يغترف بنهم وشره من المؤلفات المكتوبة باللغة العربية التي هي في الحقيقة تكون المراجع المباشرة الوحيدة في مثل هذا الموضوع".<br />
<br />
هذا هو ما قاله "لامبير" في مقدمته لكتاب الخلافة باللغة الفرنسية.<br />
<br />
إن علماء [[فرنسا]] المعتزة بانتصارها على الدولة العثمانية، وبما حصلت عليه من غنائم نتيجة لمساهمتها في القضاء على الخلافة التي تمثل وحدة الأمة [[الإسلام]]ية – هؤلاء العلماء هم الذين ناقشوا كتاب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] عن نظرية الخلافة وتاريخها ومستقبلها وشهدوا له مرة ثانية بالنبوغ والعبقرية، وأهم من ذلك أنهم يسجلون اقتناعهم من خلال هذا الكتاب بأن قوانين [[الإسلام]] وحضارته وثقافته وعلومه تراث عظيم للإنسانية جمعاء يجب العناية به والغوص في أعماقه لمعرفة ما به من كنوز تحتاج إليها الإنسانية لبناء مستقبل أفضل لجميع الأمم والشعوب. وقد أيده في ذلك أستاذه لامبير، الذي يسجل في مقدمة كتاب الخلافة أن علماء [[القانون]] المقارن الأوروبيين لا يجوز بعد الآن أن يعتمدوا في بحوثهم عن الشريعة [[الإسلام]]ية و[[القانون]] [[الإسلام]]ي على المراجع المترجمة إلى اللغات الأوروبية والأمريكية، بل عليهم من الآن فصاعدا أن يتعلموا اللغة العربية ليستطيعوا أن يتعاونوا مع الباحثين المسلمين في الدراسات المقارنة عن قوانين [[الإسلام]] وحضارة الشرق، وأنه قد وجه ابنه "[[جاك لامبير]]" إلى تعلم اللغة العربية الفصحى ويعده ليعيش في إحدى البلاد [[الإسلام]]ية ليتم دراسته لهذه اللغة التي تمكنه من الاطلاع على المراجع العربية في الشريعة [[الإسلام]]ية والتعمق في بحوثها. <br />
<br />
'''وهذه هي عبارة الأستاذ لامبير:'''<br />
<br />
إن فقر مكتباتنا اليوم وعدم توافر المراجع الأجنبية بها كان جديرا بأن يثبط همتي في استئناف بحوث المركز – مركز الدراسات [[القانون]]ية والاجتماعية الشرقية – والتوسع فيه – إلا أنني آمل أن يخلفني في القيام بمهمة الإشراف على البحوث من يتسلحون بالقدرة على الرجوع مباشرة إلى المصادر الشرقية (العربية) وهذا هو الذي شجعني على مواصلة هذا العمل. لهذا الغرض فإن ابني "[[جاك لامبير]]" – إلى جانب دراسته للقانون والفقه المقارن عن طريق الدراسات التاريخية التي اعتمدت عليها – يتابع أيضا دراسته للغة العربية الفصحى التي بدأها منذ أكثر من أربع سنوات تحت إشراف زميلي وصديقي "[[جاستون ويت]]". وأعتقد أنه لو تمكن من إتمام دراسته للغة العربية. <br />
<br />
لأن التعاون الصادق بينه وبين زملائه من المسلمين الدارسين بمعهد [[القانون]] المقارن في ليوم أمثال [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] هو الذي اعتمد عليه لكي يعطي دفعة علمية حقيقية لأبحاث المركز الشرقي للدراسات [[القانون]]ية والاجتماعية، ها هو أثر كتاب الخلافة على فكر أستاذ فرنسي من أساتذة [[القانون]] "العصري".<br />
<br />
'''ولقد سجل لنا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] في مقدمة كتابه الأسباب التي دعته لاختيار الموضوع المتعلق بالشريعة [[الإسلام]]ية، وشرح لنا الصعوبات التي واجهته بقوله:'''<br />
<br />
"للمرة الثانية في تاريخ [[الإسلام]] وجد العالم [[الإسلام]]ي نفسه دون خليفة أن الجمهورية التركية عقب انتصارها (على [[اليونان]]). أعلنت أنها عاجزة عن أن تتحمل المسئولية التي كانت تقع على عاتق الإمبراطورية العثمانية منذ عدة قرون. وبذلك أصبح موضوع الخلافة مشكلة عصرية حادة".<br />
<br />
في هذه الدراسة تناولت الخلافة من وجهة نظر مزدوجة: من الناحيتين النظرية والتاريخية. ولا أدعي أنني بريء من كل تحيز عاطفي في معالجتي لموضوع يثير من الحماس العاطفي ما يجعل للمحاذير الناتجة عن البيئة والارتباط الغريزي بالتقاليد العريقة بعض التأثير على طريقة معالجته، حتى من جانب أحرص الباحثين على الموضوعية. بل إنني أقر بأنني منذ حداثة سني لم أستطع أن أقاوم تعلقي الواضح بكل ما يصل بالشرق، وإنني كنت دائما أشعر بحماس شديد لدراسة حضارة [[الإسلام]] التي أعتز بها وأعجب بها ... ومع ذلك فقد بذلت جهدي في هذه الدراسة لكي يكون عملي علميا قد استطاعتي. لقد التزمت الموضوعية وعملت دائما على ضبط العاطفة حتى لا تطغى على الحقيقة.<br />
<br />
"لقد واجهت أثناء هذا البحث عدة صعوبات كان لا بد من التغلب عليها بعضها صعوبات عملية: إذ أن هذا الموضوع تستلزم دراسته التوفيق بين احترام الحقائق العلمية ومداراة بعض الحساسيات المشروعة، ولأن المراجع التي يجب الرجوع إليها كانت واسعة لا حدود لها، فضلا عن أنه كان علي أن أكتب بلغة أجنبية لا يمكن لألفاظها أن تؤدي بدقة كافية المعاني التي تؤديها عبارات اللغة الأصلية (العربية). ثم أنه كان يجب علي أيضا أن أتابع ما يجري في العالم الشرقي يوما بعد يوم، وما يلتزم به كل من يدرس [[القانون]] [[الإسلام]]ي بأن يكون له أسلوب شخصي يمكنه من عرض الأفكار والآراء والفقه [[الإسلام]]ي بترتيب وتنسيق يتناسب مع أسلوب الدراسات العصرية".<br />
<br />
'''ثم أضاف لذلك قوله:'''<br />
<br />
"لقد تكلمت كثيرا عن [[الإسلام]] في هذه الدراسة، ولكني لا أتكلم عنه باعتباره عقيدة دينية. لا شك أنني كمسلم ألتزم بإخلاص شديد واحترام عميق للإسلام كدين. ولكن الذي يهمني في هذا البحث هو ثقافة [[الإسلام]] وعلمه".<br />
<br />
هل يمكن أن يكون هذا درسا في الأصالة العلمية والفكرية لبعض إخواننا من الكتاب والصحافيين الذين يهاجمون الشريعة ويشككون في أنظمتها ومبادئها بصورة مزعجة ومؤسفة، اضطرت شيخ [[الأزهر]] ليصدر نداءه التاريخي الذي يطلب فيه إلى المسئولين عن الإعلام والصحافة في [[مصر]] أن يوقفوا هذه الحملات التي تستفز الجماهير وتجرح شعورهم وعواطفهم.<br />
<br />
إنني لا أدعي أن أحدا من هؤلاء الذين وجه لهم شيخ [[الأزهر]] نداءه هم أقل تدينا أو إيمانا ب[[الإسلام]] من المرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] ، ولكنهم يقررون معي بأن الجيل لم ينجب عالما في [[القانون]] ينافسه أو ينكر عليه نبوغه وعبقريته كعالم في [[القانون]]. إن هذه العبقرية [[القانون]]ية هي التي تجعل شهادته وبحوثه عن الشريعة [[الإسلام]]ية والفقه [[الإسلام]]ي لها قيمة خاصة لدى جميع من يبحثون عن الحقيقة دون هوى أو غرض، ولي أمل كبير في أن يكون كثيرون ممن شاركوا في هذه الحملة الظالمة على الشريعة [[الإسلام]]ية من الباحثين عن الحقيقة المقدرين للعلم والعلماء، ولذلك أدعوهم لكي يقرأوا كتاب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] ليدركوا معنا أن شريعتنا جديرة بأن نعتز بها ونفخر بمبادئها ونظمها، وأن بعض الحكام إذا كانوا قد قصروا في الالتزام بما قررته من أحكام، وما أقامته من نظم فإن علينا الآن وفي المستقبل أن نقوم بذلك بدلا من أن نأخذ تقصيرهم حجة للهجوم على الشريعة وعلى [[الإسلام]] كما قال شيخ [[الأزهر]]. هدانا الله وإياهم إلى سواء السبيل.<br />
<br />
==دروس في الشجاعة والأصالة== <br />
<br />
'''أستاذي [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]]'''<br />
<br />
يحسن أن يسترطع التلميذ بعض الدروس التي تلقاها عن أساتذته من حين إلى آخر، حتى يطمئن إلى أن قلبه وعقله ما زالا عامرين بمعانيها ومغزاها.<br />
<br />
ويحسن أن يفعل ذلك أيضا كل جيل من أجيال أمتنا حتى لا ينسى الدروس التي تلقاها عن الأجيال السابقة. ولا تقتصر الدروس على ما يلقى في قاعات الدراسة والتعليم، بل إن أهمها وأبعدها أثرا هي المواقف التاريخية في مواجهة الأحداث والشدائد، سواء كانت مواقف فرد أو جماعة أو شعب.<br />
<br />
لا أذكر أنني استمعت إلى دروس المرحوم [[عبد الرزاق السنهوري]] في كلية الحقوق رغم أنه عاد من [[العراق]] أثناء دراستي بها، لكنني أعتبره أكبر أستاذ لي، لأنني عرفته بعد ذلك وتتلمذت عليه من خلال كتاب "الخلافة" الذي اطلعت عليه في [[فرنسا]] أثناء دراستي بها. <br />
<br />
لقد عثرت على نسخة منه في إحدى المكتبات بالحي اللاتيني أثناء جولة به في أحد أيام شهر مارس عام ([[1946]]) وعدت به إلى منزلي أتصفحه وأتمعن في كل سطر من سطوره، وأعجبني في المقدمة التي كتبها المسيو [[إدوار لامبير]] الذي أشرف على الرسالة، أنه أشاد بالكتاب لأن فائدته لا تقتصر على المتخصصين في [[القانون]] المقارن بل إنه يهم الجماهير العريضة من القراء الأوروبيين والمسلمين، وإن كان استدرك فقال إن العرب لكي يستفيدوا منه فلا بد من ترجمته إلى اللغة العربية، وقد دهشت حينذاك لأنه قد مضى على نر الكتاب بالفرنسية عشرون عاما، حيث نشر في ليون [[1926]]م – ولكنه لم يحظ بالترجمة للعربية حتى ذلك الوقت.<br />
<br />
'''وفي نظر الأستاذ لامبير:'''<br />
<br />
أن فائدة الكتاب لمن يقرأ اللغة الفرنسية وخاصة منهم الأوروبيين والأمريكيين أنه يعرض هم نظرية الخلافة وأصول الحكم في الشريعة [[الإسلام]]ية من وجهة نظر عالم مسلم ناشئ فذ، تضيء لهم الطريق ليعيدوا النظر فيما قرءوه عن هذا الموضوع "المعقد" لكثير من الأوروبيين والأمريكيين الذين تشوب كتاباتهم "محاذير العقلية المسيحية".<br />
<br />
أما فائدته للقراء العرب والمسلمين فإنه يوضح الفرق بين المبادئ [[الإسلام]]ية التي تقوم عليها نظرية الخلافة ونظام الحكم، وبين الممارسات الواقعية التي ابتعدت عن تلك المبادئ وقام عليها نظام الخلافة "الواقعية" أو "غير الراشدة" خلال تاريخها الطويل. وأنه فوق ذلك يستخلص من الأصول النظرية والتجارب التاريخية والواقع العصري للعالم [[الإسلام]]ي وشعوبه – التي تجتاحها موجة القوميات – خطة جديدة لإعادة بناء الخلافة في المستقبل في صورة منظمة، دولية شرقية إسلامية.<br />
<br />
وفيما يتعلق بي شخصيا فإن هذا الكتاب قد صاحبني في كل مراحل حياتي منذ اطلعت عليه حتى الآن، وأعتقد أنني استفدت منه وعشت معه أكثر مما استفاد منه مؤلفه الذي صرح لي أنه انشغل عنه منذ عودته ل[[مصر]]، بعد أن أتم دراسته في [[فرنسا]] لأنه اتجه إلى التخصص في تدريس [[القانون]] المدني، وهناك عديدون قد أسعدهم الحظ بأن كانوا تلاميذه في دراسة القوانين المدنية أو تقنينها سواء في [[مصر]] أو [[العراق]] أو [[سوريا]] أو الكويت، أما أنا فما زلت أعتز بأنني تتلمذت عليه في [[القانون]] العام من خلال هذا الكتاب، وإنني إذا كنت قد شغلت عن ترجمته فإنني لم أقصر قط في مراجعته والاستفادة منه في جميع ما أقدمت عليه من بحوث أو أعمال لا مجال هنا للتحدث عنها.<br />
<br />
==ترجمة كتاب الخلافة==<br />
<br />
لقد مضى على قراءتي لهذا الكتاب أربعون سنة، ومع ذلك فلم تنشر له ترجمة باللغة العربية فيما أعلم، لكي يستفيد منه قراء اللغة العربية كما وقع الأستاذ لامبير.<br />
<br />
وإنني أقر بأنني أعتبر نفسي مسئولا عن هذا التقصر والتأخير أكثر من أي باحث آخر، فإنني بعد اطلاعي عليه في باريس عدت إلى [[مصر]] في عطلة صيف عام [[1947]]، والتقيت بالمؤلف – رحمه الله – فأنبأته – باطلاعي على كتابه واقتناعي بأهميته للباحثين في الفقه [[الإسلام]]ي والنظريات [[الدستور]]ية، وتعهد له بأن أتولى ترجمته، فأذن لي بذلك وشجعني عليه لأنه كان يتمنى أن يقوم بذلك بنفسه، ولكن الظروف لا تسمح له، ورغم أنني مدين لهذا الكتاب بكثير مما حصلته من فقه الشريعة وما أعتز به من يقين بسمو مبادئها وتفوق علمائها وفقهائها فإنني للآن لم أنجز ما التزمت به رغم محاولات عديدة قاهرة عطلت استمراري في القيام بهذه المهمة، كما عطلت كل مشروعاتي في التأليف والتدريس والكتابة في ميدان البحوث [[القانون]]ية.<br />
<br />
واليوم أشعر بأنني مدين بهذا الوعد الذي قدمته للمؤلف – رحمه الله – وما زلت ملتزما بالوفاء به، وقد استعنت بالله على أن أعود لهذا الكتاب وأتم ما بدأته من ترجمة وتعليق وحواش لا بد منها لكي يصدر الكتاب في الصورة المناسبة للظروف الحاضرة لأن الستين عاما التي مضت على تأليفه قد حفلت بالبحوث والأحداث التي لا يمكن تجاهلها عند نشره الآن.<br />
<br />
لذلك لا بد من أن أضيف إليه بعض الحواشي التي تربط بينه وبين واقع الجيل الجديد الذي سيطلع عليه، ولا بد كذلك من مراجعة ما نشر من آراء وبحوث في موضوعه واستعراض تجارب الشعوب [[الإسلام]]ية متفرقة ومجتمعة فيما يتعلق بتطبيق مبادئ الشريعة وأحكامها وإقامة المنظمات الدولية الإقليمية التي تسير في الاتجاه الذي اقترحه المؤلف لتحويل الخلافة إلى منظمة دولية.<br />
<br />
إنني أشعر بصعوبة العمل الذي أعود إليه بعد أربعين سنة كاملة من اليوم الذي فكرت فيه أن أبدأ بتنفيذه، ولكن الذي يشجعني على إتمامه اليوم هو أن الدكتورة [[نادية السنهوري]] – وهي البنت الوحيدة لأستاذنا العظيم – قد تعهدت بالمساهمة في عملية الترجمة من الفرنسية إلى العربية، وهي مهمة أدركت صعوبتها منذ بدأت أفكر في هذا العمل بسبب ضخامة المؤلف وكثرة هوامشه واقتباساته من المراجع العربية القديمة والحديثة، وخاصة كتب الفقه [[الإسلام]]ي بجميع مذاهبه وفروعه، مما يستلزم الرجوع إلى هذه الكتب لنقل تلك النصوص منها بدلا من ترجمتها بعبارات قد تبعدها عن الأصل الذي نقلت منه.<br />
<br />
وإني لآمل أن يعينني بعض أصدقائي وإخواني وتلاميذي في هذه المهمة إن شاء الله.<br />
<br />
===أهميته في الحوار حول الشريعة===<br />
<br />
إن أهمية هذا الكتاب قد ازدادت في هذه الأيام التي يحتدم فيها الحوار حول الشريعة [[الإسلام]]ية وسيادتها وتطبيقها والاستفادة من أصولها ومبادئها سواء في ميدان [[القانون]] الخاص أو [[القانون]] العام، ذلك أن الحوار يدور ظاهريا حول التعجيل أو التدرج في تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، ولكن هناك خلافا أهم حول النقطة التي يجب أن نبدأ منها في تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، فالبعض يطالبون بأن يبدأ التنفيذ في ميدان [[القانون]] العام، وخاصة منها ما يتعلق بالضمانات الشرعية للحريات الفردية، والمبادئ التي تحمي الأفراد من طغيان الدولة واستبداد الحكام، وحجتهم أن هذا هو المطلب العاجل الملح الذي تتطلع إليه الشعوب الناشئة.<br />
<br />
أما تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في ميدان [[القانون]] الخاص، وبالأخص فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية، فإنه في نظرهم قد يحول الأنظار عن [[الإصلاح]] ات الضرورية في نظم الحكم وقد يعطي للحكام المستبدين سلاحا جديدا يفرضون به سلطتهم واستبدادهم ويهددون به معارضيهم وخصومهم، ويستشهدون على ذلك ببعض التجارب القديمة والحديثة.<br />
<br />
وفي الوقت نفسه نجد بعض المتعجلين في تطبيق أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية يبدءون بتقنين المعاملات والأحوال الشخصية والحدود وقد يقف بعضهم عند هذا الحد لأنهم يعتقدون أن إصلاح النظم السياسية هي مسئولية الشعوب والحركات السياسية، ولا يمكن أن يطالب فقهاء الشريعة، أو علماء الفقه بعلاج استبداد بعض الحكام أو سلبية بعض الشعوب، ويكفيهم المطالبة بتقرير مبدأ الرجوع إلى الأصول التي وضعتها الشريعة لتكون أساسا للنظم الاجتماعية والسياسية ونظام الحكم بصفة خاصة.<br />
<br />
المهم إذن هو اتفاق الطرفين على ضرورة العناية بدراسة المبادئ [[الإسلام]]ية الأساسية لنظام الدولة والمجتمع التي يلتزم بها الحكام والشعوب معا، والتي يترتب على مخالفتها زوال صفة الشرعية عن كل عمل يخالفها وكل واقع يتعارض معها، أما مبدأ الشرعية الذي يوجب على الجميع تغيير الواقع وإصلاحه وتعديله فهو واجب عامة الشعوب ورجال السياسة ومسئوليتهم.<br />
<br />
ولكن قيام الأفراد والشعوب بهذا الواجب يحتاج أولا إلى فهم عميق للمبادئ والأصول الشرعية لنظام المجتمع والدولة، وإلى كثير من الشجاعة والأصالة للدفاع عنها والتصدي لها.<br />
<br />
===الدرس الأول في المقدمة===<br />
<br />
والدرس الأول في الشجاعة والأصالة الذي استفدته من مقدمة هذا الكتاب هو موقف [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] وهو باحث شاب يتعلم في [[فرنسا]] عندما أقدم على هذا البحث، وهو يعلم أنه لا يلقى ترحيبا كبيرا من أساتذته وزملائه الفرنسيين في جامعة ليون الذين ملأتهم نشوة النصر الذي أحرزته بلادهم وحلفاؤها في [[الحرب العالمية الأولى]]، ذلك النصر الذي أدى إلى الإطاحة بالخلافة العثمانية وتوزيع ممتلكاتها وأسلابها بين دول الحلفاء المنتصرين وفي مقدمتهم [[فرنسا]].<br />
<br />
وسبب هذا الموقف الشجاع العنيد الذي أقدم عليه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]]، هو ثقته الكاملة بسمو مبادئ الفقه [[الإسلام]]ي وتفوقه على الفقه الأوروبي، في مجال النظم [[القانون]]ية والسياسية والاجتماعية، هذا التفوق لا ينقص من قيمته ما أصاب دولته من هزيمة عسكرية أو محنة سياسية أدت إلى إلغاء الخلافة، ولهذا فقد آمن إيمانا قاطعا بضرورة إعادة هذا النظام واستفاد من عبقريته في إعداد خطة لهذا الغرض تعتبر تحديا لأعداء الخلافة والشامتين في مصيرها والمهاجمين لها في الماضي والحاضر والمستقبل.<br />
<br />
وقد نجح [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في هذا التحدي لأنه أثبت كفاءته كباحث موضوعي قادر على دحض الحجج الاستعمارية التي تشوه الشريعة وتهاجم الخلافة، وهو قد فعل ذلك بمنطق وحجة لا يملك المتخصصون في [[القانون]] إلا الاقتناع بها.<br />
<br />
شهد بذلك الأستاذ لامبير في المقدمة التي كتبها لهذا البحث إذ قال إنه حذر [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] من أن يقتحم هذا المجال "المملوء بالتعقيدات" ولكنه رفض نصيحته وتحذيره، ويضيف لذلك أنه بعد أن اطلع على الكتاب كان سعيدا لأن تلميذه رفض الاستماع إلى تحذيره ونصحه، لان مخالفته كانت مثمرة للعلم و[[القانون]]، إذ أنه قدم لمعهد [[القانون]] المقارن كتابا يفخر به في مجال الدراسات المقارنة، كما قدم لعلم [[القانون]] المقارن وللبحوث [[القانون]]ية بصفة عامة أكبر خدمة علمية بإبراز مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية الأصيلة فيما يتعلق بنظام الدولة وأصول الحكم على حقيقتها التي يجهلها العلماء الأوروبيون أو يتجاهلونها نتيجة "للمحاذير" السياسية ورواسب التعصب التي ينسبونها إلى المسيحية، وهي في حقيقتها مظهر من مظاهر الأطماع الاستعمارية.<br />
<br />
===التحدي===<br />
<br />
ولقد أشار [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في المقدمة إلى أن أول الصعوبات التي واجهها في هذا البحث هو ما سماه من ضرورة مداراة بعض "الحساسيات المشروعة" ولا شك عندي أنه قصد بذلك الإشارة إلى ما لمسه لدى أستاذه وغيره من زملائه الفرنسيين من أنهم قد يعتبرون مجرد الكتابة عن الخلافة في ذلك الوقت استفزازا لهم وتحديا لانتصارهم التاريخي على الدولة العثمانية، ذلك الانتصار العسكري الذي جعل [[فرنسا]] تعتبر نفسها أكبر إمبراطورية أوروبية في ذلك العصر.<br />
<br />
ومما يزيد في الاستفزاز أن الكتاب لا يقتصر على دراسة الخلافة كظاهرة تاريخية انتهت وزالت، ولكنه بعد استقراء الواقع الناتج عن زوالها يسرع ويرسم الخطة لعودتها في صورة منظمة دولية في المستقبل تحمل راية [[الإسلام]] وتخلد مبادئه ونظمه وتحمي وحدة أمته ومستقبلها وتمكنها من أن تقوم بدورها في مستقبل العالم كأمة عظيمة خالدة موحدة.<br />
<br />
ورغم هذه الحساسيات التي أشار إليها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] وحذره منها "لامبير" '''فإن السطور الأولى في مقدمة الكتاب تقرر أنه:'''<br />
<br />
"للمرة الثانية في تاريخ [[الإسلام]] وجد العالم [[الإسلام]]ي نفسه دون خلافة لأن الجمهورية التركية أعلنت أنها عاجزة عن أن تتحمل المسئوليات التي كانت قع على عاتق الإمبراطورية العثمانية منذ عدة قرون ...".<br />
<br />
فأول جملة في مقدمة الكتاب تشبه الهجمة الأوروبية على الخلافة العثمانية بهجوم التتار على الخلافة العباسية في بغداد من حيث الأثر ... أما إشارته إلى أن الجمهورية التركية ألغت الخلافة لعجزها عن تحمل مسئوليات الإمبراطورية العثمانية، ففيها إشارة واضحة إلى أن التهديدات الأجنبية هي التي دفعت الأتراك لذلك، وأن إلغاء الخلافة لا يعني تخليهم عن [[الإسلام]] أو التنكر الذي يريد البعض أن يستدرجهم أو يدفعهم إليه أو يشجعهم عليه.<br />
<br />
هذا هو درس قيم في الشجاعة الأدبية التي يتحلى بها عالم يعتز برأيه ويعلنه في جميع الظروف دون تردد أو تراجع أمام "الحساسيات" أو "التعقيدات" التي تحيط به كما أنه درس في الأصالة التي تستلزم الدفاع عن القيم الأصيلة للأمة، خصوصا في أوقات المحن والشدائد التي تدفع الجبناء والأنانيين والانتهازيين والنفعيين إلى التبرؤ من أصالتهم والتنكر لعقيدتهم أو شريعتهم، أو قيم أمتهم حضارتها ومبادئها، إرضاء للقوى الأجنبية المنتصرة التي يخيل إليهم أنها أصبحت تقرر مصائر الشعوب والأفراد، ولا يتوروعون عن التقرب من مراكز السلطة التي يعلمون أنها أصبحت خاضعة لأعداء أمتهم والمعتدين عليها.<br />
<br />
===الحماس والموضوعية===<br />
<br />
لقد ختم [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] مقدمته موجها حديثه للقارئ الأوروبي يدعو ليطرح جانا كل ما يتصل بالتعصب ضد [[الإسلام]] كدين، لأن موضوع بحثه ليس الدين [[الإسلام]]ي وإنما الشريعة باعتبارها علما وثقافة قانونية زاخرة بالنظريات التي تثري الفقه [[القانون]]ي في العالم كله، قال:<br />
"لقد تكلمت كثيرا عن [[الإسلام]] في هذه الدراسة ولكني لا أتكلم عنه باعتباره عقيدة دينية. لا شك أنني كمسلم ألتزم بإخلاص شديد واحترام عميق للإسلام كدين ولكن موضوع هذا البحث هو ثقافة [[الإسلام]] وعلمه".<br />
<br />
إن الفقرة الأخيرة في المقدمة هي قمة التحدي لأن المؤلف الشاب لا ينكر حماسه للإسلام كمسلم ملتزم بعقيدته، معتز بحضارته وثقافته وعلومه، ولكنه يؤكد أنه التزم الموضوعية، لأن بحثه انصب على علم [[الإسلام]] وتشريعه وفقهه وثقافته. إن الباحث الشاب المسلم يدعو القارئ والباحث الأوروبي المنصف – إن استطاع – أن ينزل إلى ميدان بحوث [[القانون]] المقارن فيما يتعلق بأصول الشريعة ونظمها السياسية والاجتماعية وأن يلتزم الموضوعية التي التزم هو بها.<br />
<br />
وقد نجح [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في تحديه، وناقش رسالته أساتذة فرنسيون في جامعة فرنسية وأقروا له بالتفوق والعبقرية، وكان هذا الكتاب استهلالا بارعا لحياة علمية حافلة بأكبر المؤلفات والإنجازات في ميدان [[القانون]] والفقه والتشريع في العالم العربي في العصر الحديث، وسيبقى هذا الكتاب منارا يضيء الطريق لكل باحث في "نظام الدولة وأصول الحكم في [[الإسلام]]"، ونحن ندعو كل من يقرون للمؤلف بالتفوق والنزاهة العلمية أن يرجعوا إلى هذا الكتاب، وأن يستفيدوا منه في معالجة المشاكل الحاضرة بشأن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في ميدان [[القانون]] العام.<br />
<br />
===سيادة الشريعة فوق سيادة البشر===<br />
<br />
عندما نتكلم عن سيادة الشريعة، فإن المقصود بالسيادة هي السلطة العليا وقد حفلت كتب [[القانون]] العصري بتعريفات متعددة تؤدي إلى هذا المعنى، فالجهة أو الهيئة التي يعترفون لها بالسيادة هي التي يكون لها الكلمة العليا والأخيرة، وتخضع غيرها من الجهات أو الهيئات لأوامرها وتوجيهاتها، ولا يجوز لها الخروج على ما تفرضه من مبادئ وما تضعه من قيود وحدود.<br />
<br />
===السيادة المطلقة===<br />
<br />
معنى ذلك أن السيادة تكون لمن يعتبر المرجع الأخير والسلطة العليا في المجتمع البشري، وبذلك يكون لصاحب السيادة سلطة مطلقة لا تملك أية جهة أو هيئة أخرى أن تعقب عليها أو تخرج عن حدودها، وإلا كان شريكا لها في سيادتها، وهذا يتعارض مع السيادة التي يجب أن تكون كاملة لا تتجزأ ولا تتعدد، وبذلك لا يمكن الاعتراف بها إلا لجهة واحدة لا شريك لها، وكل سلطة تمنح لغير هذه الجهة لا بد أن تكون محدودة ومقيدة.<br />
<br />
ويلاحظ أن بعض الكتب المعاصرة وخاصة ما كتبه بعض المؤلفين من المسلمين غير العرب يعبرون عن السيادة المطلقة بالحاكمية لتمييزها عن السيادة النسبية التي نتكلم عنها فيما يلي.<br />
<br />
===السيادة النسبية===<br />
<br />
رغم إشارة الفقه الحديث إلى أن السيادة يقصد بها السلطة العليا أو المطلقة، فإننا نجد في كتب [[القانون]] العصري، وفي لغة الإعلام والثقافة والصحافة كذلك كلاما كثيرا عن السيادة التي تنسب إلى جهات متعددة لا جهة واحدة، مما يتنافى مع الزعم بأنها سيادة مطلقة، ويوجب علينا المقارنة بينها للبحث عما يمكن أن يكون منها سيادة مطلقة، وتمييزه عن غيره مما يدخل في نطاق نوع آخر هو السيادة النسبية.<br />
<br />
فهناك سيادة الدولة، ويجب أن نفرق بين "السيادة الخارجية" والسيادة الداخلية لكل دول من الدول، وهناك أيضا سيادتها الإقليمية، والسيادة الوطنية ... إلخ.<br />
<br />
ويكثر الكلام عن سيادة الشعب، أو سيادة الأمة.<br />
<br />
وإلى جانب ذلك يتكلم الناس عن "سيادة [[القانون]]"، وسيادة "[[الدستور]]".<br />
<br />
وفوق ذلك نتكلم عن سيادة الشريعة: ومع ذلك لا ننكر سيادة [[القانون]]، إذا كانت خاضعة سيادة الشريعة، ب اعتبرناها خطوة ضرورية وعملية لتطبيق سيادة الشريعة بإخضاع القوانين الوضعية لها واستمدادها من أصولها ومبادئها والتزامها بقيودها وأحكامها. وعندما يكون مصدر [[القانون]] هو الشريعة فإنه يكتسب صفة شرعية رغم أنه قد يوصف بأنه قانون وضعي، ولا ضرر بعد ذلك أن يصدره برلمان أو تصدره دولة أو حكومة ما دامت تستمده من مصادر الشريعة وتلتزم بأحكامها، وهنا يتضح من كل ذلك أن سيادة الشريعة أعلى من سيادة [[القانون]] ومهيمنة عليها، بل هي مصدرها في المجتمع [[الإسلام]]ي.<br />
<br />
بل في فقه القوانين الوضعية تكون سيادة [[القانون]] نسبية لسببين: أولهما أنها تهيمن على أعمال الأفراد والهيئات التنفيذية والقضائية، ولكن يصعب القول بأنها تهيمن على السلطة التي تباشر التشريع لأن لها الحق في تعديله وإلغائه وإصداره. والسبب الثاني: أنه في كثير من الدول يوجد هناك قانون أعلى يسمى [[الدستور]] أو [[القانون]] الأساسي الذي يعتبر مصدر السلطات وتهيمن على جميع أجهزة الدولة بما في ذلك الهيئة التشريعية التي يجب أن تلتزم به لأنه هو أساس وجودها ومصدر شرعية قوانينها بالمعنى الوضعي.<br />
<br />
وقد نتج عن ذلك أن قال البعض بأن سيادة [[الدستور]] هي السيادة المطلقة، لأنه يصدر مباشرة عن السلطة [[الدستور]]ية التي تنسب إلى الشعب بطريق الاستفتاء، أو بطريق جمعية تأسيسية منتخبة. ومع ذلك فيوجد فقهاء كثيرون ينكرون على الدساتير سيادتها المطلقة لأنها يجب أن تتقيد بالمبادئ العليا الأساسية التي تحمي حريات الأفراد وحقوق الإنسان. والتي تستمد مما يسمونه [[القانون]] الطبيعي أو المبادئ الإنسانية العليا، وما نسميه نحن "الشريعة [[الإسلام]]ية".<br />
<br />
===سيادة الشعب===<br />
<br />
كثيرون هم الذين يتكلمون عن سيادة الشعب، ولكنهم لا يتفقون في أهدافهم ولا في الأسس التي يبنون عليها ادعاءهم. فالأفراد الذين يشكون من استبداد الحكام أو طغيانهم يريدون أن تكون هناك سلطة أعلى من سلطة الدولة والحكومة تقيد من سلطاتها وتحكم تصرفاتها، فيلجأون للسيادة الشعبية لتقوم بدور حماية الحريات الفردية والحقوق الإنسانية من الاستبداد والطغيان. <br />
<br />
لكن هذا الهدف السامي يضيع في زحمة المزايدات التي يلجأ إليها كثير من الحكام الذين يرفعون أصواتهم بالمناداة بالسيادة الشعبية لأنهم يعتبرون أنفسهم متكلمين باسم الشعب، ويمارسون سيادته ويفرضون بها كل ما يريدون من أسباب الفساد والعبث والطغيان، حتى اشتهر المثل القائل – كم من الجرائم ترتكب باسم الشعب – وكم من جرائم ترتكب باسم الدفاع عن حقوق الشعب أو مصالحه ممن ينصبون أنفسهم متكلمين باسمه ويدعون أنهم مفوضون لممارسة سيادته.<br />
<br />
إن الذين يلحون في القول بأن سيادة الشعب أو الأمة مطلقة، يهدفون بذلك إلى جعلها فوق سيادة الدولة وسلطة الحكومات وتمكين الشعوب بها من تقييد صلاحيات الدولة وسلطاتها بحدود دستورية صادرة عن إرادة الشعب أو الأمة. ومعنى ذلك أن البحث في سيادة الشعب والأمة هو نفس البحث في سيادة [[الدستور]]. ولكن هناك دولا كثيرة لا تكون لها دساتير أو قوانين أساسية ويرى البعض أن أشهر نموذج لها هو بريطانيا العظمى لأنها ليس لها دستور مكتوب، فالذي يمثل الشعب أو الأمة هو البرلمان، ولم توجد بها هيئة تأسيسية ولا سلطة دستورية غيره، ولذلك وجد المثل السائر الذي يقول بأن البرلمان الإنجليزي يملك أن يقرر بطريق التشريع كل شيء إلا شيئا واحدا هو أن يحول الرجل إلى امرأة. ومن الناس من أصبح يشك في هذا الاستثناء أيضا بعد ما قيل عن إباحة اللواط و "الزواج" المزعوم بين المصابين بالشذوذ الجنسي.<br />
<br />
ولا شك أن الجميع يسلمون بأن التشريع هو التعبير الأساسي عن السيادة، وكل ما هنالك أن البعض يحاول أن يفرق بين التشريع الأعلى – أي [[القانون]] الأساسي أو [[الدستور]]ي – الذي يعتقدون أنه يعبر عن السيادة المطلقة، والتشريع العادي أو الأدنى الذي يعبر عن السيادة المحدودة، ولكن وصف سيادة [[الدستور]] بأنها مطلقة يقوم على الظن بأنه لا توجد سلطة أعلى من الهيئة [[الدستور]]ية، وهو ظن لا يسلم به كثير من العلماء المعاصرين، فضلا عن فقهاء الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
===سيادة الشريعة ومصدرها السماوي===<br />
<br />
إن الذين يتكلمون عن سيادة الشريعة يضعونها فوق التشريع الوضعي، سواء كان في صورة قوانين أساسية أو دستورية أو قوانين عادية، أو نظم وبذلك تكون هي صاحبة السيادة المطلقة، ويصبح [[الدستور]] كأي تشريع وضعي آخر في مرتبة أدنى وتكون سيادته – إن وجدت – نسبية محدودة بحدود الشريعة.<br />
<br />
وبما أن الشريعة ذات مصدر سماوي – لأنها شريعة الله سبحانه وتعالى – فإنها تصبح مظهر السيادة الإلهية، وبذلك نصل إلى ما نصل إلى ما قاله كثير من العلماء، من أن السيادة لله وحده، ويقصد بذلك أن الله سبحانه هو وحده صاحب السيادة المطلقة والكلمة العليا، وإرادته هي المرجع الأسمى. <br />
<br />
أما ما ينسب إلى البشر من أي صنف كانوا، وبأي صفة عملوا – فلا يمكن أن يكون سيادة مطلقة بأي حال من الأحوال، وإذا كان لا بد من نسبة السيادة إلى جماعة أو هيئة من البشر – فلا بد من التأكيد على أنها سيادة نسبية محدودة بحدود الشريعة الإلهية، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون بغير حدود ولا قيود، ولا يمكن أن يعني بها – "السلطة المطلقة"، وبذلك نصل إلى الغاية التي يسعى لها العالم في العصر القديم والحديث، وهي سد الطريق أمام السلطة المطلقة التي يدعيها فرد أو هيئة إنسانية في هذا العالم – وحماية الشعوب والأفراد من طغيان الحكام واستبدادهم وذلك بإعمال المبدأ الذي قرره فقهاؤنا، وهو أن السلطة المطلقة والسيادة المطلقة تتركز في يد الله سبحانه وتعالى خالق الكون وبارئه ومدبره ومسيره، وخالق البشر ومصورهم ومعبودهم لا إله إلا هو – وبذلك يكون فقهاء [[الإسلام]] قد حرموا نسبة السلطة المطلقة لأي مخلوق لأنها من مستلزمات الألوهية وخصائصها، وادعاؤها هو ادعاء للألوهية والتسليم بها نوع من الشرك أو الوثنية التي جاء [[الإسلام]] لتحرير البشر منها، فأخرج الناس بذلك من عبادة البشر إلى عبادة الله وحده لا إله إلا هو.<br />
<br />
ولقد أشار إلى هذا المبدأ أستاذنا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في بحثه عن الخلافة (بند 6 ص 18) مستشهدا بأقوال كثير من علماء [[الإسلام]] وخاصة [[السيد عبد الرحيم]] في كتابه "مبادئ الفقه [[الإسلام]]ي" '''وعبر عنه بما يأتي:'''<br />
<br />
"إن روح التشريع [[الإسلام]]ي تؤكد أن السيادة بمعنى السلطة المطلقة غير المحدودة لا يملكها أحد من البشر، وكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله لأنه وحده صاحب السيادة العليا ومالك الملك.<br />
<br />
ومظهر السيادة الإلهية والتعبير عنها هو كلام الله المنزل في [[القرآن الكريم]] وسنة الرسول المعصوم الملهم.<br />
<br />
والتوضيح الأخير يشير إلى مبدأ ختم الرسالة الذي يعتبر أهم ركائز العقيدة [[الإسلام]]ية، ويقفل الباب نهائيا أمام كل من يزعم لنفسه الحق في التعبير عن السيادة الإلهية أو السلطة المطلقة بعد وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين. وهو أكبر سلاح زود به [[الإسلام]] أمته لمقاومة أدعياء الألوهية أو النبوية أو السيادة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، لأن وفاته قطعت عن العالم خبر السماء كما قال عمر بن الخطاب – وأصبح [[القرآن الكريم]] والسنة المحمدية هما التعبير الوحيد الخالد عن إرادة الله وشريعته، وكل ما يكملهما من اجتهادات بشرية أو إجماع أو ما يماثل ذلك إنما يكون علما وفقها أو تشريعا ثانويا خاضعا للأصول والمبادئ والقيود والحدود المستمدة من [[القرآن الكريم]] وأوضحتها السنة المطهرة، من أجل ذلك كان حفظ [[القرآن]] وخلوده من أهم الأصول [[الإسلام]]ية التي تعهد بها الله سبحانه وتعالى بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". وكان من أهم أصول التربية والثقافة [[الإسلام]]ية هو حفظ [[القرآن الكريم]] وتلاوته لأنه [[الدستور]] الأسمى للبشرية الصادر عن صاحب السيادة العليا سبحانه وتعالى ...<br />
<br />
===سيادة الشريعة فوق سيادة الدولة===<br />
<br />
عندما يقول علماؤنا إن الله سبحانه هو وحده صاحب السيادة لا يشاركه فيها أحد من خلقه، فمعنى ذلك أن الله وحده هو الذي لا يسأل عما يفعل. "وهم يسألون". وهذه العبارة الأخيرة تؤكد المبدأ القائل بأن كل سيادة تنسب إلى أحد من البشر هي سيادة محدودة، وتؤكد كذلك أن البشر جميعا مسئولون عن أعمالهم ومحاسبون عليها. والمرجع الأعلى الذي يسألون أمامه هو الله سبحانه وتعالى وشريعته المتمثلة في [[القرآن]] والسنة النبوية المطهرة. فالكتاب والسنة هما التعبير عن الإرادة الإلهية والمرجع الوحيد للسلطة العليا للشريعة [[الإسلام]]ية التي يحاسب الجميع بمقتضاها. فكل من يباشر سلطة من البشر مسئول أمامهما ومحاسب على أعماله بمقتضاهما.<br />
<br />
كما أن بعض علماء [[القانون]] العصري الذين بنوا نظرياتهم على إبعاد الدين عن الدولة ونظمها، حرصوا مع ذلك على وضع المبادئ التي تجعل سلطة الحكام محدودة، فلجأوا إلى وضع دساتير تقوم على توزيع السلطات عند حدود السلطتين الأخريين فتكون كل واحدة منها مقيدة للأخرى وحارسة لحدودها فلا تتجاوزها.<br />
<br />
===الدولة شخصية معنوية افتراضية===<br />
<br />
ولكيلا يقولوا باجتماع السلطات الثلاث في يد واحدة، ابتكروا فكرة الشخص المعنوي الذي تنسب إليه جميع السلطات وعبروا عنه بأنه "الدولة" وقالوا إن الدولة هي صاحبة السيادة. وفهم البعض من ذلك أن الدولة هي صاحبة السلطة المطلقة. ولكن هذا كان مجرد افتراض واستنتاج ممن لا يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى ولا يعترفون بشريعته التي يحاسب الجميع أمامها سواء كانوا حكاما أو محكومين، ولا يعرفون مبادئها التي تقرر أن الحكام كغيرهم من الأفراد هم بشر لا يجوز لهم ادعاء سيادة مطلقة للتهرب من المسئولية الشرعية.<br />
<br />
===سيادتها نسبية===<br />
<br />
والحق إن الذين تكلموا عن سيادة الدولة من علماء [[القانون]] الحديث لم يقصدوا بذلك إعطاءها سلطة مطلقة في مواجهة الأفراد أو الشعوب، وأن ما يسمى بسيادة الدولة – إذا صح هذا التعبير – فإنه إنما يعني به في نظرهم سيادة نسبية في مواجهة غيرها من الدول، بمعنى أن المقصود بهذا المبدأ هو حرمان "الدول" الأخرى من أن تدعي لنفسها الحق في التدخل في الشئون الداخلية أو الخارجية أو الوطنية أو الإقليمية لدول أخرى "ذات سيادة" فسيادة الدول من قواعد [[القانون]] الدولي، والمقصود بها إذن هو تحقيق قدر كاف من المساواة بين الدول بحيث تصبح كل دول مستقلة عن الدول الأخرى بشئونها الداخلية والخارجية والوطنية والإقليمية دون هيمنة أو تدخل من الدول أو القوى الخارجية، ويتقرر مبدأ التساوي بين الدول في السيادة.<br />
<br />
===إساءة استغلال فكرة السيادة===<br />
<br />
لكن بعض الحكام قد يسيئون استغلال "السيادة"، فبدلا من التحصن بها ضد تدخل الدول الأجنبية أو هيمنتها أو سيطرتها نجدهم يتحصنون بها ضد الرقابة الشعبية، ويعطلون بها حق شعوبهم في محاسبتهم ومساءلتهم عن تصرفاتهم ومؤاخذتهم عن استبدادهم أو أخطائهم أو استغلالهم لما وكل إليهم من سلطة لأهوائهم الشخصية ومصالحهم النفعية ومصالح ذويهم وحزبهم وعصبيتهم وأنصارهم وحاشية السوء التي تزين لهم الفساد وتعينهم عليه.<br />
<br />
بل إن بعض هؤلاء المستبدين لا يقدرون على مواجهة التهديدات والضغوط الخارجية فيخضعون لها ويستعينون بالقوى الأجنبية ويتواطئون معها ويفتحون لها باب التدخل في الشئون الخارجية والداخلية لبلادهم، مقابل ما تقدمه تلك الدول الطامعة لهم من سلاح أو معونة تمكنهم من إحكام سيطرتهم على شعوبهم وقهرها وحرمانها من حقها في الرقابة على أعمالهم ومجازاتهم على استبدادهم أو فسادهم أو طغيانهم.<br />
<br />
الواقع الأليم أن مبدأ المساواة بين الدول – وهو الهدف الأصلي الذي وضعت من أجله نظرية السيادة – فقد فاعليته العملية نتيجة هيمنة الدول الكبرى في مجال العلاقات الدولية، ففي عهد عصبة الأمم بعد [[الحرب العالمية الأولى]] وصفت الدول الصغرى بأنها دول ذات مصالح محدودة، وبعد الحرب العالمية الثانية أعلن بعض ساسة الدول الكبرى أن الدول التي تدور في فلكها وارتبطت معها في محالفات دفاعية تصبح بذلك محدودة السيادة، وأعطى ميثاق الأمم المتحدة لطائفة من الدول الكبرى حق الفيتو الذي تميزت به عن غيرها من الدول مما يهدم فكرة المساواة بين الدول، وفي الوقت نفسه كثرت الانقلابات وانتشرت في دول العالم الثالث بتشجيع وتحريض من القوى الخارجية والدول الكبرى التي تتخدها وسيلة للتدخل في شئون الدول الصغرى، وفرض الحكام الذين يقبلون وصايتها وتدخلاتها التي تقيد سيادة الدول التي يفرضون أنفسهم عليها.<br />
<br />
===المعارضون لشخصية الدولة وسيادتها===<br />
<br />
من أجل ذلك فإن بعض علماء [[القانون]] يعارضون فكرة سيادة الدولة، بل إن بعضهم ينكر ذاتية "الدولة" قائلين إنها كائن وهمي لا وجود له – كل ما يوجد في الواقع هو الحكومة في مواجهة الشعب – وأن اصطلاح الدولة وسيادة الدولة إنما هو افتراض يسيء بعض الحكام استغلاله ليتهربوا من مواجهة مسئوليتهم أمام شعوبهم بأن يتستروا وراء "الدولة" أو يتمسكوا بما يزعمونه من سيادتها لحماية أنفسهم من المساءلة والمحاسبة. وقد كان [[لويس الرابع عشر]] ملك [[فرنسا]] المستبد صريحا في التعبير عن ذلك عندما قال كلمته المشهورة "أنا الدولة" وإذا كان بعض الحكام لا يصرحون بذلك الآن، إلا أن كثيرا منهم يتصرفون على هذا الأساس، فالدولة هي الحكومة في نظرهم والحكام هم الدولة والحكومة معا. <br />
<br />
هذه هي الحقيقة في نظر الفقهاء الذين ينكرون وجود شيء اسمه الدولة يختلف عن الحكومة ويرون من الواجب أن يكتفي بالكلام عن الحكومة لأنها هي الموجودة والقائمة فعلا والمسئولة أمام الله والناس.<br />
<br />
===الدولة هي الحكومة===<br />
<br />
وإذا رجعنا إلى الفقه [[الإسلام]]ي وجدنا أن كلمة الدولة إنما قصد بها دائما الحكومة والحكام والسلطة التنفيذية فقط، ولم يقصد بها شيء غير ذلك. فالدولة الأموية أو العباسية أو غيرهما من "الدول" المعروفة في تاريخ [[الإسلام]] كان يقصد بها دائما نوع الحكومة القائمة وشخصية الحاكم وعصبيته ونظام حكمه، وهذه الحكومات [[الإسلام]]ية كانت تمارس السلطة التنفيذية والإدارية فقط، ولم تدع إحداها أن لها سلطة التشريع أو إصدار القوانين أو تغييرها أو تبديلها أو التدخل في نطاق التشريع بأي صورة من الصور، ولم يدع أحد أن لها شيئا اسمه "السيادة – فالسيادة اصطلاح ابتكره الفقه [[الدستور]]ي الحديث، للغرض المحدد الذي أشرنا إليه في بداية الحديث، وهو تقرير مبدأ المساواة بين الدول، ولكن أسيئ استعماله في الواقع كما بينا.<br />
<br />
والحق أن المهمة الأولى والأساسية للحكومة في [[الإسلام]] هي الدفاع عن أرضها وشعبها في مواجهة القوى الخارجية أو الدول الأجنبية، فإذا قصد بالسيادة منع الدول والقوى الخارجية من التدخل في شئون بلادنا أو السيطرة على شعبنا وأرضنا فلا بأس من ذلك، وهنا لا يعترض أحد على وجود دولة إسلامية ذات سيادة نسبية في مواجهة القوى الخارجية يستخدمها في رفض أي تدخل أجنبي في بلادنا وشئوننا الخارجية والداخلية.<br />
<br />
أما الكلام عن السيادة لتعطيل أحكام الشريعة أو التهرب من المسئولية أمامها فهو ما لا يمكن لمسلم قبوله.<br />
<br />
ولم يفت بعض علماء [[القانون]] [[الدستور]]ي المعاصر ما يقع من مساوئ بسبب تستر الحكام وراء سيادة الدولة، للاحتماء بها من المسئولية والمحاسبة، فقرروا أن السلطات الثلاث في الدولة لا يجوز أن توضع على قدم المساواة، وأن السلطة العليا يجب أن تباشرها الهيئة التشريعية الممثلة للشعب، ووصلوا بذلك إلى مبدأ السيادة الشعبية الذي يعني أن الشعب هو صاحب السلطة العليا في كل دولة، وأنه صاحب السيادة في داخل الدولة، وأن له الهيمنة على من يمارسون السلطة التنفيذية، فالكل يعمل باسم الشعب ولحسابه ومسئول أمامه.<br />
<br />
وظاهر من ذلك أن الشعب يمارس سيادته في النظم [[الدستور]]ية المعاصرة بواسطة التشريع، فالسيادة في الدولة هي للتشريع، ومن هنا جاء الاعتراف بسيادة [[القانون]]، وهذا هو المنطق الذي يؤكد سيادة الشريعة، باعتبار أنها هي مصدر [[القانون]] وأصله وأساسه بل هي [[القانون]] ذاته، وبذلك تهيمن على جميع سلطات الدولة وقوانينها ونظمها ومن يعملون، باسمها أو يمارسون السلطة فيها.<br />
<br />
===السيادة الشعبية وسيلة لتقرير سيادة التشريع===<br />
<br />
يتضح من ذلك أن مبدأ السيادة الشعبية إنما كان وسيلة لتقرير مبدأ سيادة [[القانون]]، وكلاهما له غرض نبيل وغاية محمودة: هي وجود سلطة أعلى من سلطة الحكومة التي يعمل باسمها الحكام التنفيذيون ويمثلونها، ولذلك يسعى واضعو الدساتير والنظم السياسية إلى تزويد عامة الشعوب بالوسائل والأجهزة التي تمكنهم من فرض السيادة الشعبية بواسطة التشريع، ويختلف مدى نجاحهم في تحقيق هذا الهدف النبيل باختلاف ظروف كل أمة وكل شعب من الشعوب، وتتفاوت الشعوب في المدى الذي تصل إليه في فرض سيادتها وسيادة شريعتها على حكامها بحسب ما وصلت إليه من رقي وتقدم واحترام مواطنيها للمبادئ والقيم السامية، واعترافهم بسيادة [[القانون]] و[[الدستور]]، ومن الواضح أن الشعوب المتخلفة أو النامية أو شعوب العالم الثالث في العصر الحديث، لم تنجح إلى الآن في تحقيق هذا الهدف بالقدر المناسب الذي يمكنها من فرض سيادة القوانين على من يمارسون السلطة وما تضمنته من حدود أو قيود كافية لحماية حريات الأفراد وحقوقهم الإنسانية والمدنية فضلا عن أعراضهم وأموالهم وحرماتهم، وغير ذلك مما يوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الإنسانية الحرة الكريمة والأمن والطمأنينة.<br />
<br />
لقد أظهر الواقع أن إعلان سيادة القوانين الوضعية لم يكن كافيا لوقف التجاوزات التي تهدد حريات الأفراد، ما دام بعض الحكام يعطي لنفسه الحق في تغييرها وتبديلها على هواه دون التزام بشريعة سماوية تسمو سيادتها على سيادة الدولة التي يسيطرون عليها أو يدعون لأنفسهم تمثيلها، لذلك كان من أهم أصول [[الإسلام]] في الحكم أن الحكام مهما بلغوا من سلطان لا يملكون سلطة التشريع وأن مهمتهم هي تنفيذ أحكام الشريعة والالتزام بها وإلزام غيرهم بها، لأن التشريع هو الشريعة [[الإسلام]]ية صاحبة السيادة العليا في المجتمع.<br />
<br />
لذلك فإنه لا يهمنا الجدل حول اصطلاح سيادة الدولة والاعتراف بها أو عدمه إنما المهم في [[الإسلام]] هو أن سلطات الدولة لا يجوز أن تتعارض مع سيادة الشريعة، بل ويجب أن تخضع لها وتعمل في إطارها وتلتزم بحدودها، وهذا هو ما نقصده بسيادة الشريعة، التي لا يمكن لأحد أن يدعي لنفسه سلطة لا نستمد منها ولا تلتزم بحدودها، وهذا هو ما يعبر عنه بمبدأ الشرعية في الفقه [[الإسلام]]ي الذي يقابله مبدأ سيادة [[القانون]] في الفقه الحديث، والفرق بينهما أن سيادة الشريعة مستمدة من الإيمان باله سبحانه وتعالى الذي يبرر هيمنة شريعته على الناس جميعا – حكاما ومحكومين – فأساس الخضوع للشريعة والالتزام بها هو طابعها السماوي ومصدرها الإلهي، وكل قانون يستمد منها يكتسب سيادة فعلية في المجتمع وفي ضمير الأفراد – وكل حاكم يلتزم بحدودها وأصولها يكتسب الشرعية في نظر المؤمنين بها، ويكون الخضوع له في هذه الحالة خضوعا لله والاحتكام إليه احتكاما لله سبحانه وتعالى وطاعته طاعة لله. ولا يحتاج الحكام المسلمون بذلك إلى استخدام مظاهر السلطة ووسائل القهر والاستبداد لفرض سيطرتهم على شعوبهم، ولا يحتاج فقهاء [[القانون]] للكلام عن السيادة إلى إقناع الناس بطاعة الحكام والخضوع للدولة والاعتزاز بها. وإذا كان لا بد من الكلام عنها فلا بد من التأكيد على أنها سيادة نسبية محدودة لا تعني التهرب من سيادة الشريعة والخضوع لها أو تعطيل أحكامها.<br />
<br />
==شرعية نظام الحكم "الوطني"==<br />
<br />
إن ما وضعه فقهاؤنا من قواعد لنظام الحكم [[الإسلام]]ي، يفترض فيه وحدة الدولة [[الإسلام]]ية في ظل الخلافة. فكيف تطبق هذه الأحكام في حالة انهيار دولة الخلافة وقيام دول إسلامية متعددة على أساس وطني أو قومي وإلى أي حد تلتزم هذه النظم الوطنية بالأحكام الشرعية.<br />
<br />
عندما كتب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] بحثه عن الخلافة كان العالم [[الإسلام]]ي يغلي ويثور نتيجة للصدمة التي أصابته بصدور قرار [[تركيا]] الكمالية بإلغاء نظام الخلافة العثمانية تنفيذا لما فرضته عليها الدول الاستعمارية، وصرحت به معاهدة لوزان. وفي ذلك الوقت كان كثير من المفكرين وقادة الرأي في العالم [[الإسلام]]ي يظنون أنهم يستطيعون أن تقوم بمسئولية الخلافة التي تخلت عنها [[تركيا]] لعجزها عن تحمل أعبائها، أو على الأقل شخصية إسلامية تقبل أن تكون رمزا شكليا لطموح الشعوب لإعادة الخلافة.<br />
<br />
لقد عقدوا لذلك مؤتمرات وقاموا باتصالات انتهت بالفشل، لأن الذين فرضوا على [[تركيا]] التخلي عن الخلافة لم يكن من المتوقع أن يسمحوا لغيرها من الدول أو الأشخاص بالتصدي لها، ولو كان هذا التصدي رمزيا أو شكليا فقط.<br />
<br />
وفي غمرة البحث عن البديل تبارى المفكرون في البحث عن المقومات الأساسية التي تستلزم الشريعة توفرها في هذا النظام لكي يكون شرعيا وفي نفس الوقت يكون ممكنا وعمليا في هذا الجو المضطرب الذي تمارس فيه القوى الاستعمارية المعادية للإسلام سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على كثير من الأقطار [[الإسلام]]ية، فضلا عما لديها من وسائل الضغط والهيمنة الدولية والعالمية التي مكنته من محاصرة الأقطار الأخرى التي تخرج رسميا من نطاق سيطرتها، لتمتعها باستقلالها (ولكنه استقلال شكلي لأنها واقعة تحت نوع من الحصار العسكري والسياسي الذي تمارسه الدول الاستعمارية وتستخدمه لتطويق إرادتها وتقييد سيادتها والحد من حريتها في التصرف، وكانت الجمهورية التركية الناشئة في أنقرة الكمالية أحسن نموذج لذلك).<br />
<br />
لقد كانت أول محاولة يقوم بها الأتراك أنفسهم قبل إلغاء الخلافة هو "الفصل بين الأمور الدينية والسياسية" وإبقاء الخلافة كمؤسسة دينية إسلامية عالمية محصورة في الشئون الدينية البحتة، لا شأن لها بالأمور السياسية والدنيوية – ورغم أن هذا التصور كان يفقد الخلافة أهم خصائص النظام [[الإسلام]]ي فقد اتجه البعض إلى الاستسلام له قانعين بهذه المؤسسة كرمز فقط لوحدة الأمة [[الإسلام]]ية لأن هذه الوحدة ضرورية لبقاء الأمة [[الإسلام]]ية وتمسكها بشخصيتها التاريخية الكفيلة ببعث نهضة جديدة تكون وسيلة لبناء دولة إسلامية كبرى موحدة من جديد على أسس متينة. ورغم ذلك فإن هذا البديل الرمزي لم يحظ بقبول القوى الأجنبية فسارع أتاتورك وأصحابه لإرضائه بإلغاء الخلافة؛ وبدأت جوقة من بعض الأقلام المخدوعة أو المضللة أو الحاقدة على [[الإسلام]] تتبارى في تقديم المبررات – سياسية وقانونية وشرعية لهذا الإلغاء – فركز [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] بحثه في الرد على هذه الأفكار المسمومة، وبنى نظريته التي قدمها في رسالته على أن إقامة نظام الخلافة ولو كانت ناقصة هي ضرورة دينية ليست واجبة فقط بل هي ممكنة كذلك إذا أخذت صورة منظمة دولية بدل كبرى موحدة. <br />
<br />
إنه لاحظ أن هناك واقعا جديدا لا بد من أخذه بعين الاعتبار وهو انفصال الأقطار [[الإسلام]]ية بعضها عن بعض نتيجة انهيار دولة الخلافة، مما أدى إلى انشغال كل قطر منها بكفاحه الوطني ضد الغزو أو النفوذ الاستعماري، وتمكن بعضها من تكوين دولة "وطنية" في حدود القطر التي رسمتها له وفرضتها عليه القوى الأجنبية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في حين بقي البعض الآخر (وهم الأغلبية) أسرى للاحتلال الأجنبي (كما في [[الهند]]) أو خاضعين للسيطرة الاستعمارية مباشرة أو بطريقة غير مباشرة (كما هو الشأن في البلاد العربية).<br />
<br />
هذا الواقع الجديد كان لا بد للسنهوري أن يتعرض له، وأن يأخذه في اعتباره حتى يستطيع أن يرسم لشعوبنا طريقا لبناء جديد للخلافة يعالج هذا الواقع الأليم ويتلاءم معه – وقدم لنا بذلك خطته التي تضمنتها خاتمة رسالته والتي تتلخص في تحويل الخلافة إلى منظمة دولية عالمية، ما دامت الضرورات الواقعية تحول دون إقامة دولة موحدة عظمى (كما كان الحال منذ فجر [[الإسلام]] حتى انهيار الإمبراطورية العثمانية الذي أدى إلى إلغاء الأتراك لنظام الخلافة).<br />
<br />
إن من سبقه من الكتاب أو القادة الذين عقدوا المؤتمرات أو قادوا حركة الدفاع عن الخلافة بنوا اجتهاداتهم على أساس أن انهيار الخلافة العثمانية عارض وقتي لا بد أن يسارع المسلمون لمواجهته باختيار خليفة من بلد آخر ودعم نظامه ولو كان نظاما ناقصا أو ضعيفا – كما فعل المسلمون عقب انهيار الخلافة العباسية أمام غزو التتار ولجوء الخليفة إلى [[مصر]]. لكن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] لمح بعبقريته أن واقع التمزق والانقسام الذي فرض على الأقطار [[الإسلام]]ية رغم أنه واقع أليم فإنه سيبقى ما دامت السيطرة الأوروبية باقية على مصائر العالم ... ولذلك يجب مواجهته بنظريات جديدة وحلول جذرية عاجلة. وعلى هذا الأساس بنى مقترحات خطته.<br />
<br />
مثل هذه الخطة لم تكن تدور بخلد فقهاء الشريعة [[الإسلام]]ية من قبل – لأن كتاباتهم كلها بنيت على أساس قيام دولة إسلامية موحدة عظمى تحمل رسالة [[الإسلام]] وتمثل وحدة الأمة [[الإسلام]]ية وسيادتها واستقلالها؛ وهذا هو ما تحقق فعلا منذ فجر [[الإسلام]] حتى انهيار الدولة العثمانية – لذلك فإن حادث انهيار الدولة العثمانية قد فوجئ به المسلمون. ولم يكن يدور بخلد أحد من علماء المسلمين أو عامتهم مجرد إمكان وجوده واستمراره، وبالتالي فم يكن بين فقهائنا من قدم لنا صورة لنظام جديد يمكننا من التوفيق بين مبدأ وجوب الخلافة وبين واقع التجزئة والانقسام الحزين المؤلم، الذي لم يشهده العالم [[الإسلام]]ي قط في تاريخه الطويلة؛ وها هو [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] يتصدى بعبقريته ليسد هذا الفراغ – ونعتقد أنه قدم لنا أحسن حل ممكن يوفق بين مبادئ الشريعة ومأساة التمزق الذي فرض على العالم [[الإسلام]]ي في هذا العصر.<br />
<br />
من أجل هذا فإن كتابه يستحق منا أن نجعله نقطة تحول في تاريخ الفقه [[الإسلام]]ي – وبابا من أبواب الاجتهاد الذي يجب على المسلمين أن يلجئوا إليه لمواجهة "النوازل" التي لم يشهدها أسلافهم ولم يواجهها فقهاؤهم من قبل، حتى في نطاق التصور والخيال، والتي من أجلها شرع الله لنا الاجتهاد والإجماع ليقدم لنا الحلول الشرعية التي نواجه بها هذه "النوازل" الجديدة.<br />
<br />
إننا نعتبر أن بحث [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] كان مجرد بداية لانطلاق جديد في عالم الفكر والفقه وعالم السياسة والواقع – ولذلك حرصنا على ترجمته وإضافة ما يلزم من حواش تربط بينه وبين التطورات السياسية والفكرية التي جدت بعد تأليفه. وكنا نتمنى أن يقوم المؤلف بذلك – وقد صرح هو لي بذلك في حياته – ولكنه بكل أسف كنا قد انصرف عن طريق الدراسات المتعلقة ب[[القانون]] العام واتجه بكليته إلى دراسات [[القانون]] المدني، التي شهد له الجميع بعبقريته فيما أنتجه في مضمارها. وليس هنا مجال البحث عن السبب الذي دفعه إلى التخلي عن دراسات [[القانون]] العام والتفرغ المدني، وإن كان قد عاد إليه رئيسا لمجلس الدولة ولقي بسبب مواقفه المثالية الجريئة ما يعرفه الجميع وما أدى لاعتزاله العمل العام بسبب اصطدامه مع السلطة الحاكمة في ذلك الوقت.<br />
<br />
لقد كان من نصيبي أن عشت مع كتاب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] منذ عام [[1946]] إلى اليوم أكثر مما عاش معه المؤلف نفسه. فقد بدأت قراءته ودراسته في باريس – فترة دراستي بها – وكنت في ذلك الوقت في نفس السن التي كان فيها المؤلف عندما كتبه. ولكن الطريق الذي سار فيه كل منا كان مختلفا كل الاختلاف. فإنه سار في طريق البحث العلمي والتأليف ودراسة الفقه و[[القانون]] طوال بقية حياته وخاصة في نطاق [[القانون]] المدني. أما أنا فقد اختار الله لي طريقا آخر فيه من العمل السياسي أكثر مما فيه من البحث والتأليف، وليس هنا مجال التحدث عن دروبه ومسالكه ومصاعبه ومزالقه التي حرمتني من الاستقرار في دراسة معينة أو مهنة واحدة أو بلد واحد أو عمل واحد منذ ذلك التاريخ إلى الآن. <br />
<br />
ورغم ذلك فلم يفارقني هذا الكتاب بل جعلته هو برنامج كفاحي وعملي السياسي منذ قرأته. وأقر بأنه كان له دور كبير في اختياري الطريق الذي سرت فيه رغم ما فيه من محاذير ومخاطر الاصطدام بالسلطات الحاكمة الذي واجهته منذ مطلع شبابي في عام [[1954]]، وهو نفس العام الذي وقع فيه للسنهوري ما وقع – والفارق بيننا هو أنني كنت في بداية حياتي العملية ولازمني ذلك طوال حياتي فعاقني عن الإنتاج العلمي الذي كنت أرجوه – أما هو فقد واجهه بعد حياة علمية حافلة بالمؤلفات والكتب التي تخلد ذكراه. هذا هو الذي صرفني عن إتمام ما بدأته في عام [[1947]] بقصد ترجمته ونشره باللغة العربية وإضافة تعليقات عليه. ولقد فكرت مرارا في نشر مؤلف مكمل له وسائر في الطريق الذي افتتحه أستاذنا العظيم، ولكن ذلك لم يتم لنفس الأسباب التي أخرتني عن إتمام ترجمة كتاب الخلافة.<br />
<br />
هذا المؤلف الذي كنت أعتزم أن أكمل به رسالة [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] كان ضروريا في نظري ليسد الفراغ الذي لمسته في كتاب "الخلافة" منذ قرأته – وهو اقتحام الفقه [[الإسلام]]ي لميدان البحث في نظم الحكم ودساتيره في "الدول [[الإسلام]]ية الوطنية"، ووضع نظرية كاملة لهذه النظم الجديدة التي تطرق [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] إلى إمكان الاعتراف بها في حالة الضرورة.<br />
<br />
لقد خطا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] خطوة جريئة بإدخال هذه النظم الوطنية التي تقوم في أقطار العالم [[الإسلام]]ي المختلفة الممزقة في إطار المنظمة الدولية العالمية التي يرى أن تكون الصورة الجديدة الخلافة في الظروف الحاضر للعالم [[الإسلام]]ي – بل إنه جعل هذه الدول الوطنية أساس المنظمة وجزءا منها – ولكن مجال دراسته لم يتسع للبحث في معيار "شرعية" تلك النظم المستحدثة – لذلك أصبح مجال البحث فيه متروكا لمن يأتي بعده.<br />
<br />
إن هذا البحث يستلزم إبراز الأصول الفقهية التي تحكم هذه النظم، وبناء نظرية متكاملة لها، سواء استظلت بمظلة المنظمة الدولية التي اقترحها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]]، أو كانت خارجة عن إطارها، ويزداد الأمر تعقيدا إذا كانت تستظل بمظلة قوة أجنبية غير إسلامية.<br />
<br />
لقد كنت أطمع في أن تتاح لي الفرصة للمساهمة في بحث هذا الموضوع مستعينا بما قدمه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في نظرية الخلافة – وراودني هذا الأمل كلما أتيح لي بعض الاستقرار في العمل الأكاديمي. ولكني الآن – وقد بلغت السن التي يتلاشى معها مثل هذا الأمل – قد آثرت أن أقدم ما لدي من آراء في هذا الصدد في صورة حاشية مكملة لترجمة كتاب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]]، التي آمل أن أقدمها لقراء العربية بعد أن تأخر ذلك ستين عاما – وكنت أسعى لإتمامها ولم أتمكن من ذلك خلال أربعين عاما مضت.<br />
<br />
لقد كتب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] بحثه عن الخلافة وهو في العشرينات من عمره وهو يدرس في [[فرنسا]]. وقرأته وأنا في مثل تلك السن أدرس في [[فرنسا]] وعدت إليه مرات بعد ذلك من حين لآخر – ولكني الآن قد تجاوزت الستين وأشرفت على السبعين وقد عقدت العزم على إتمام ما بدأته – إذا أعانني الله عليه – ويشرفني أن أقدم آرائي في صورة حاشية مكملة لكتاب [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] – اعترافا له بالسبق وإقرارا له بالفضل وإحياء لسنة أجدادنا من العلماء الذين كانوا يحرصون على الاعتراف لأسلافهم من الباحثين بالإمامة والفضل وتخليد تراثهم وأفكارهم بإضافة الحواشي إليها. وأرجو أن تواصل الأجيال القادمة بحوثها في هذا الموضوع لكي تقدم لأمتنا ما تحتاج إليه من معالم طريق النهضة على أساس الوحدة والسيادة إن شاء الله.<br />
<br />
إن نظرية الخلافة التي قدمها لنا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] هي مجموعة المبادئ والقواعد الفقهية التي يقوم عليها نظام الخلافة "الصحيحة" – وأحسن نموذج لها هو نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة.<br />
<br />
أما نظم الخلافة غير الصحيحة التي جاءت بعد ذلك والتي بدأت بحكم الأمويين وانتهت بالدولة العثمانية – فإنه اعتبرها خلافة "ناقصة" لكنه لم يهملها بل قدم لنا نظرية متكاملة لها جعلها مكملة لنظرية الخلافة الصحيحة، وذلك لسبب واضح وهام وهو أنها في نظره استثنائية فرضتها حالة الضرورة وقد اعترف بها المسلمون لكي تكون طريقا لإعادة الخلافة الصحيحة عندما تزول حالة الضرورة التي أوجدتها – ولذلك خصص لها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] بابا وضعه ضمن أسباب انتهاء الخلافة الصحيحة – وصرح بأنه قصد بذلك تأكيد الصفة الاستثنائية المؤقتة لهذه النظم مهما كان أمدها طويلا – وأن الاعتراف بشرعيتها على أساس نظرية الضرورة يجعلها وسيلة لإعادة بناء نظام الخلافة الصحيحة الراشدة متى توفرت الظروف التي تجعل ذلك ممكنا.<br />
<br />
ولتأكيد هذه الفكرة نجد أنه عند دراسة أسباب انتهاء الخلافة الناقصة حصر بحثه في سبب واحد، هو انتهاؤها لتحل محلها الخلافة الصحيحة.<br />
<br />
معنى ذلك أنه لم يتعرض لانتهاء الخلافة الناقصة بتمزق الدولة وانهيارها وقيام دول وطنية قطرية متعددة تحل محلها، رغم أن هذا هو ما شاهده عندما كان يعد بحثه. ولكن الذي دعاه إلى تجاهل تلك الصورة هو أنه كان واثقا بأنها لن تدوم طويلا، وأن العالم [[الإسلام]]ي لن يسمح ببقاء هذا التمزق والانقسام وسوف يسارع إلى بناء وحدته في صورة من الصور أقربها في نظره هي صورة المنظمة الدولية التي اقترحها. لكي تبقى وحدة الأمة في الفترة التي توجد فيها ضرورة قاهرة تمنع وحدة الدولة.<br />
<br />
إن نظرية الضرورة من الركائز الأساسية الأصيلة في الفقه [[الإسلام]]ي عامة – وفي فقه الخلافة بصفة خاصة. وقد استفاد منها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في بحثه استفادة لفتت نظر أستاذه الفرنسي المسيو [[إدوار لامبير]] الذي نوه بما أقدم عليه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] – مشيرا إلى أن نظرية الضرورة مبدأ عالمي تقوم عليه كثير من الأحكام [[القانون]]ية عامة وأحكام القوانين [[الدستور]]ية بصفة خاصة، بل والمبادئ الدينية كذلك، كما هو واضح في القوانين [[الدستور]]ية بصفة خاصة، بل والمبادئ الدينية كذلك، كما هو واضح في مقدمته لكتاب الخلافة.<br />
<br />
إن نظرية الضرورة هي الحلقة المجهولة التي تربط نظم الحكم الواقعية في البلاد [[الإسلام]]ية بالفقه [[الإسلام]]ي المثالي المستمد من الخلافة الراشدة. إن هذا الحكم الراشد هو النموذج الخالد للحكم [[الإسلام]]ي الصالح الشامل العام المتكامل. إنه النموذج المتمثل في نظرية "الخلافة الصحيحة" التي يجب أن تبقى أمام كل مسلم مثلا أعلى يطمح إليه، ويجب أن تكون الأحكام والقواعد المستمدة منها منبعا لكل تطور تسير فيه الشعوب [[الإسلام]]ية نحو الكمال الذي تنشده وينشده العالم أجمع في هذا العصر الذي أصبحت فيه الوحدة العالمية والتضامن العالمي هدفا عمليا لا مجرد حلم خيالي. إن مساهمة الأمة [[الإسلام]]ية في بناء الوحدة العالمية هي بناء وحدتها وتضامن شعوبها وحكوماتها ودولها وتوثيق عرى التعاون بينها لتكون جديرة بالمساهمة في إقامة الوحدة العالمية والتضامن والتعاون العالمي.<br />
<br />
إن نظرية الضرورة مكنتنا من أن نقدم للضمير المسلم ما يحرره من الشعور بالتناقض بين عقيدته وشريعته من ناحية، وواقعه العملي من ناحية أخرى وهذا التحرر يعطيه طاقة عقدية إيجابية توجهه إلى سلوك الطريق العملي للسعي لعلاج هذا التناقض وإزالة أسبابه كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.<br />
<br />
إن نظرية الضرورة عندما تعطي للمسلم المبرر الشرعي لاعترافه بنظام الحكم القائم وخضوعه له في حالة الضرورة، إنما تربط ذلك بواجبه الشرعي في السعي الجدي من أجل تصحيح ما يعتقد بوجوده في ذلك الواقع من نقص أو خلل أو عيب أو فساد، بدلا من الاستكانة إلى سلبية الرفض الذي يجعل البعض يديرون ظهورهم للواقع المفروض، ويهجرونه إلى صوامع الخيال والأحلام التي تبعدهم عن طريق العمل الجدي المثمر.<br />
<br />
إن النظرية العامة التي نحاول رسمها لنظام الحكم [[الإسلام]]ي في حالة تعدد الدولة، هي الأساس الذي ينطلق منه الفقه [[الإسلام]]ي ليكون عاملا إيجابيا فعالا في إصلاح النظم [[الدستور]]ية في جميع الأنظمة القائمة في البلاد [[الإسلام]]ية المختلفة، لأنها في الوقت الذي يجيز للمسلم الاعتراف بتلك النظم والخضوع لها ترسم له الطريق العملي الذي يسير فيه نحو إعادة بناء النظام [[الإسلام]]ي الشامل الصالح الصحيح المتكامل العام. <br />
<br />
وقد رسم لنا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] الخطوات العملية والمراحل المتوالية التي يمكن أن تحقق لنا هذا الهدف الأسمى في صورة تناسب ظروف العصر الذي نعيش فيه، وتربطنا في نفس الوقت بشريعتنا وعقيدتنا في عصر تعذر علينا فيه إقامة الدولة [[الإسلام]]ية العظمى الموحدة، فلا بد لنا على الأقل من إيجاد تنظيم دولي يضم الدول [[الإسلام]]ية المتعددة ويرسم لها سبل التعاون والتضامن والوحدة في مجالات التعاون التي سبقتنا إليه دول أخرى أقامت وحدتها رغم تعدد دولها، على أسس اقتصادية (كما في أوروبا) أو على أسس سياسية (في أفريقيا).<br />
<br />
وواضح من الواقع المعاصر أن الدول العربية و[[الإسلام]]ية لم تتخلف في هذا المضمار بل كانت سباقة إليه عندما أقامت جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر [[الإسلام]]ي وما تفرغ عن كل هاتين المنظمتين من منظمات متخصصة في الشئون الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفقهية. وبذلك يكون طريق العمل المفتوح أمامنا الآن هو تدعيم تلك المنظمات واستكمال فاعليتها لكي تؤدي إلى تحقيق هدفنا الأسمى، وهو وحدة العالم [[الإسلام]]ي وتضامنه ليكون عضوا فاعلا في مجال التطلع إلى الوحدة العالمية والتضامن العالمي الذي أصبح هدف جميع الأمم والشعوب في عصرنا الحاضر.<br />
<br />
==[[الإسلام]] والقومية==<br />
<br />
هل يعني الاعتراف بالحكومات الوطنية رفع شعار القوميات وشغل الشعوب بها؟ وهل تتعارض الحركات الوطنية مع القول بأن الشعوب [[الإسلام]]ية هي أمة واحدة؟ الأصل أن [[الإسلام]] لا يتعارض مع الوطنية بشرط أن تكون الوطنية (أو القومية) أهدافا مرحلية تؤدي إلى إقامة الوحدة [[الإسلام]]ية الشاملة وليست بديلا عنها. وألا يكون أساسها النعرات العنصرية التي تثير خلافات ومنازعات بين شعوبنا.<br />
إذا كان ما يقصد بالوطنية (أو القومية) هو السعي لاستخلاص حقوق الشعوب القومية والكفاح ضد السيطرة الأجنبية على بلادنا، فإن هذه المطالبة واجب إسلامي، ولا يمكن أن يعارضه داعية للإسلام، لأن ضمان حقوق الأفراد والشعوب هو جزء لا يتجزأ من نظم [[الإسلام]] ومبادئه وشريعته، أما إذا كان المقصود بالقومية هو تعطيل الوحدة الشاملة للأمة [[الإسلام]]ية – فالعمل للواحدة يوجب علينا مقاومتها لأنها تخلق خصومات وعداوات.<br />
<br />
===القوميات التي تمزق وحدة الأمة===<br />
<br />
إن شعار القومية أصبح سلاحا ذا حدين، فإنه في مرحلة النضال ضد السيطرة الاستعمارية كان في نظر شعوبنا وسيلة لتجميعها وتوحيدها وتوثيق عرى الأخوة والتضامن بينها ضد العدو الأجنبي، ولكن منذ إعلان استقلال هذه الأقطار أصبحت [[الدعوة]] إلى القوميات الآن تتخذ مبررا لبعض الدعوات الانفصالية والعنصرية التي تستخدم لتمزيق الوحدة الداخلية في كثير من أقطارنا. فقد اتخذها البعض وسيلة لدفع الطوائف والعناصر المختلفة في داخل كل شعب من شعوبنا، لكي تدعي لنفسها قومية لها الحق في (الاستقلال) أي الانفصال، بحجة أنها تريد تكوين دولة أو دويلة طفيلية مصطنعة مصيرها أن تقع حتما تحت حماية القوى الأجنبية العالمية التي تزود دعاة هذه الحركات بالمال والسلاح لإشعال نيران الحروب الأهلية في بلادنا باسم حركات التحرير أو الثورات التي تغذيها القوى الأجنبية لتحطيم وحدة كل دولة من الدول العربية أو [[الإسلام]]ية كما يحدث في [[لبنان]] و[[السودان]] و[[المغرب]] و[[باكستان]] و[[إيران]] و[[العراق]]، بل وفي [[نيجيريا]] و[[تشاد]].<br />
<br />
فضلا عن ذلك، فإن بعض أنظمة الحكم الاستبدادي تستغل هذا الشعار لتعطيل التقارب والتضامن والوحدة بين شعوبنا بخلق مشاكل مع جاراتها وإخوانها في العقيدة واللغة والتاريخ والأهداف. <br />
<br />
ويتم ذلك بتغذية النزعات العنصرية باسم القومية واصطناع نزاع على الحدود يتحول إلى حرب عدوانية أو أهلية كلما رأت إحدى القوى العالمية أن تشجعها على ذلك وتمدها بالعون المالي أو السياسي. بذلك أصبحت منطقتنا مجالا للحروب بين الحكومات المتنافسة والأنظمة المتخاصمة، التي تتخذ القومية شعارا ومبررا لتمزيق وحدتها التاريخية التي أقامها [[الإسلام]] وقامت عليها دول كبرى إسلامية تضم شعوبنا من المحيط إلى المحيط. إن هذه الوحدة الكبرى هي القادرة على إذابة هذه الخصومات وإقفال باب النزاعات التي تغذيها القوى الأجنبية الطامعة وتستغلها في النهاية لمصالحها وحدها.<br />
<br />
===الدول الصغيرة مصيرها الزوال===<br />
<br />
منذ حصول كل قطر من أقطارنا على استقلاله أصبحت الشعارات القومية عقبة في طريق الوحدة بين أقطارنا، ووسيلة لتغذية الخصومات والانقسامات والعداوات بين شعوبنا لبقاء التجزئة التي فرضها الاستعمار على أمتنا. إن الحدود الحالية لدولنا الصغيرة قد رسمها الاستعمار. وهو يسخر أعوانه وعملاءه لكي تتمكن القوى الأجنبية الطامعة من أن تحكم سيطرتها على دولنا الصغيرة. إن الدول الصغيرة لم يعد لها وزن في المعترك الدولي إذا لم تنضم إلى مجموعات كبيرة، ولا تستطيع أن يكون لها كيان اقتصادي أو عسكري تقاوم به الضغوط والمطامع الأجنبية.<br />
<br />
لقد أصبح من المؤكد أن عالمنا الحاضر تسيطر عليه دول كبيرة في إقليمها وعدد سكانها، بل إن هذه الدول الكبرى تسعى إلى جانب ذلك لكي تكون حولها مجموعة من الدول التي تشاركها في عقيدتها ونظامها السياسي والاقتصادي لكي تزداد بها قوة ونفوذا في المجال الدولي. ولم تعد للدول الصغيرة قدرة على مواجهة أطماع هذه الدول الكبرى وتكتلاتها في شرق أوروبا أو غربها (بما في ذلك أمريكا) إلا إذا تجمعت واتحدت وكونت فيما بينها مجموعة كبرى يكون لها وزن في المجتمع العالمي سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.<br />
<br />
إن مهمة الجيل الجديد هي قيادة شعوبنا المختلفة نحو الوحدة. وعليه أن يختار بين التبعية أو الاندماج في أحد التكتلات الأجنبية وبين الوحدة الأصيلة على أساس نظام إسلامي اجتماعي واقتصادي وأخلاقي متكامل وتضامن شامل بين جميع الشعوب [[الإسلام]]ية التي وحدتها العقيدة.<br />
<br />
إن طريق التبعية يفتح الباب لسيطرة عملاء المذاهب المستوردة التي تدعو إلى الانضمام للقوى الرأسمالية الغربية (التي ترفع شعار "الليبرالية" كوسيلة لفرض سيطرتها الاقتصادية والسياسية والثقافية)، أو الانضمام للديمقراطيات الشعبية (المبنية) على المبادئ الماركسية أو الاشتراكية الثورية الإلحادية وما يشتق منها، والتي تدعو إلى الاشتراكية العالمية).<br />
<br />
===الشعارات القومية تتجاهل المطالب الاجتماعية===<br />
<br />
إن الأغلبية الساحقة في بلادنا قد اختارت العمل لإقامة وحدة أصيلة متميزة على أساس مقوماتنا التاريخية والعقيدية [[الإسلام]]ية. ونحن واثقون من أن ذلك هو اختيار جميع الأحرار المكافحين في سبيل الأهداف السامية التي تطمح لها شعوبنا. ولكي يؤكدوا هذا الاختيار عليهم أن يسموه باسمه [[الإسلام]]ي بدلا من الأسماء والشعارات المستوردة التي يستغلها أعداء شعوبنا وعملاؤهم.<br />
<br />
إن الشعارات القومية أصبحت قاصرة عن تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية في هذه المرحة من مراحل كفاح شعوبنا، لأنها شعارات سياسية بحتة ليس لها مضمون اجتماعي أو اقتصادي – ونحن الآن نحتاج إلى أن يكون لكفاحنا السياسي محتوى فكري أو عقيدي أو اجتماعي أو اقتصادي متميز يغنينا عن المضمون الليبرالي الذي تدعو له الكتلة الغربية، وعن المضمون الاشتراكي الذي تدعو له الكتلة الشرقية – وليس أمامنا مضمون أصيل نستطيع أن نعتمد عليه في تطوير نظمنا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية الأصيلة إلا المضمون [[الإسلام]]ي المستمد من عقيدتنا وتاريخنا – وبه وحده تستطيع شعوبنا أن تتحصن ضد التبعية الفكرية والأيديولوجية للتكتلات التوسعية الغربية والشرقية في أوروبا وأمريكا – وتستطيع في نفس الوقت أن تصلح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها له السيطرة الأجنبية والفرقة والتمزق الذي تغذيه الشعارات القومية.<br />
<br />
إننا ندعو المخلصين منهم إلى أن يتميزوا عن دعاة التبعية أو الاندماج في التكتلات الأجنبية التوسعية التي لها مطامع استراتيجية واقتصادية تحول دون سير اقتصاديات بلادنا نحو الاكتفاء الذاتي، وتطوير إنتاجنا لتستغني عن الاعتماد عليهم في تطوير صناعاتها وزراعتها ومؤسساتها الاجتماعية والثقافية على أساس مقوماتها الذاتية وشخصيتها التاريخية.<br />
<br />
===عقيدتنا تزودنا بطاقة نضالية كبرى===<br />
<br />
إن دعاة [[الإسلام]] قد ارتفعت أصواتهم في الفترة الأخيرة مطالبين بهذه الوحدة تؤيدهم الغالبية العظمى من شعوبنا بعد أن مرت بتجارب الفترة الماضية وعرفت من تجاربها أن القوى [[الإسلام]]ية هي التي تقدمت صفوف [[المقاومة]] للمطامع الخارجية والنظم الاستبدادية وأنها قدمت في سبيل هذه [[المقاومة]] ضحايا وشهداء – هؤلاء الشهداء لم يقدموا أرواحهم في سبيل أهداف جزئية أو مرحلية، بل في سبيل الله الذي سلحهم بعقيدة [[الإسلام]] وفرض عليهم التضحية من أجل إقامة نظمه وتطبيق شريعته. إن شعوبنا الآن قد اكتشفت المنبع الخالد الذي يزود كفاحها ضد أعداء وضد عملائهم بقوة ذاتية لا يمكن أن تقهر، ولا بد أن يحقق لها النصر إن شاء الله، فلا يجوز بعد ذلك إرجاعها للوراء لترديد شعارات شكلية جوفاء تصرفها عن طريق الكفاح والتضحية في سبيل الله.<br />
<br />
إن العقيدة [[الإسلام]]ية كان لها الدور الأكبر في إمداد شعوبنا بالقدرة على مقاومة الاستعمار والطغيان بروح التضحية والفداء ... وهي تؤمن بأن [[الإسلام]] هو المصدر الأول الذي يمدها بالقدرة على [[المقاومة]] والتضحية .. وأمامها الآن مرحلة جديدة للجهاد من أجل إقامة الوحدة [[الإسلام]]ية وهو هدف لا يمكن أن ننشغل عنه بترديد الشعارات المستوردة التي لا تغنينا عنه أصالة [[الإسلام]] ولا تصلح بديلا عن الإيمان به وبقيمه وشريعته وأصالته.<br />
<br />
===حوار علمي===<br />
<br />
صحيح أن هناك أسئلة جادة وعميقة يرددها البعض عن كيفية تحقيق النظام [[الإسلام]]ي، وهي تفتح الحوار العلمي في موضوعات واسعة تحتاج إلى دراسات واجتهادات وتجارب، وتحتاج إلى مناقشات علمية وفقهية ولا بد من بحثها ومناقشتها بل والاجتهاد فيها على ضوء التجارب المعاصرة إذا كنا نريد فعلا أن نصل إلى إقامة وحدة إسلامية ونظام إسلامي لا زيف فيه ولا تجاوز. ولكن المناقشة تكون بعد إقرار المبدأ والتسليم به وهذا ما يطالب به الآن دعاة [[الإسلام]]. وأعتقد أننا في كثير من البلاد قد وصلنا إلى نوع من الإجماع على هذا المبدأ – ولم نعد نكتم إيماننا بضرورة إقامة نظم [[الإسلام]] ووحدة شعوبه وأصبح من حقنا أن نفتح الحوار حول هذه الأسئلة التي تشغل كثيرين في الوقت الحاضر في كثير من البلاد العربية و[[الإسلام]]ية.<br />
<br />
إننا نواجه مشكلة حقيقية عندما نفكر في الإجابة عن هذه الأسئلة، وأعتقد أن المحاولات المعاصرة قد كشفت عن ذلك، والتجارب التي نشاهدها في بعض الأقطار لإقامة نظم إسلامية عصرية سوف تفيدنا كثيرا في هذا المجال ويجب علينا أن نستفيد منها بدلا من التشهير بها – إن لها فضل السبق – ويجب أن نعرف أن التطبيق وحده هو الذي يضطرنا اضطرارا إلى البحث عن حلول إسلامية للمشاكل العصرية التي تواجهنا، وإقامة النظام [[الإسلام]]ي عمليا هو الذي يدفع بنا دفعا نحو الاجتهاد في استكشاف أصول الحكم [[الإسلام]]ي الصحيح وتدعيمها وتحصينها من الانحراف أو التزييف. ولا يمنع من ذلك أن تواجه هذه التجارب عثرات أو تجاوزات لأنه لا تجارب بدون شوائب – لكنها شوائب لا تحسب على [[الإسلام]] أو على نظامه أو مبادئه وإنما هي محسوبة على الأفراد أو الجماعات الذين يحاولون ويخطئون، والخطأ من طبيعة البشر. وعلينا الآن أن نفكر جديا في البحث عن الوسائل والمبادئ والقواعد [[الإسلام]]ية التي يمكننا أن نعالج بها هذه الأخطاء أو الانحرافات التي وقعت والتي ستقع بعد ذلك مسترشدين بعقيدة [[الإسلام]] ومبادئه السامية وشريعته السمحاء.<br />
<br />
==مبدأ الشرعية بين نظام الحكم المثالي ونظام الحكم الوطني==<br />
<br />
الدولة [[الإسلام]]ية التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وسار على نهجه في بنائها خلفاؤه الراشدون على الأصول والأسس التي استمدوها من [[القرآن]] والسنة تمثل نظام الحكم المثالي الذي يبقى أمام الأجيال التالية نموذجا يحتذى، ويستنبط منه علماؤنا وفقهاؤنا القواعد التي تبنى عليها نظم الحكم في الدولة التي تنتسب للإسلام، وتبنى على أساس مبادئه وشريعته.<br />
<br />
إن أحكام هذا النظام المثالي هي التي عرضها لنا [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] في نظرية الخلافة وسماها "الخلافة الصحيحة" – وميزها عن نظم الحكم التي فرضها الواقع على الأمة [[الإسلام]]ية بعد عهد الخلفاء الراشدين، والتي وضع لها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] نظرية "الخلافة الناقصة"، لكي يميزها بذلك عن الخلافة الراشدة الصحيحة، وأعلن لنا أنه قصد بذلك تطهير أحكام الخلافة الصحيحة من التأثر بالسوابق التاريخية التي وجدت في عهود الخلافة الناقصة.<br />
<br />
رغم أن نظرية الخلافة الناقصة – هي باعتراف الجميع – مشوبة بعيوب تخالف الأصول والمبادئ التي وضعتها الشريعة للحكم في الخلافة الصحيحة – فإن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] قد استفاد من نظرية الضرورة ليجيز للمسلمين الاعتراف لهذه الحكومات بالشرعية – لأن ما شابها من نقص أو عيب أو فساد إنما نتج عن أسباب طارئة عارضة لا بد من إزالتها لإعادة نظام الخلافة الصحيحة الراشدة الملتزمة بالأصول والمبادئ الشرعية التزاما كاملا.<br />
<br />
في نظرية [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] أن النقص أو العيب أو الفساد الذي يشوب الخلافة الناقصة ليس إلا مرضا عارضا أصاب نظام الخلافة الصحيحة، واعتراف المسلمين بالشرعية لهذا النظام الذي فرضته الضرورة يلزمهم بعلاج هذا المرض والقضاء عليه لتصحيح نظام الحكم وإعادة الخلافة الراشدة.<br />
<br />
لهذا السبب نجد أن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] يصور لنا أن نهاية أحد النظامين لا بد أن تكون بقيام النظام الآخر – فالخلافة الناقصة هي السبب الوحيد الذي قدمه لنا لانتهاء نظام الخلافة الصحيحة – وكذلك إقامة الخلافة الصحيحة هي النهاية التي يجب أن تنتهي بها الخلافة الفاسدة.<br />
<br />
ويدهش القارئ عندما يجد أنه لم يذكر لنا إلغاء الخلافة أو إنهاءها تماما (سواء كانت صحيحة أو فاسدة) باعتباره أحد أسباب انقضاء النظام الصحيح أو النظام الناقص – كأن هذا الإلغاء أمر مستحيل التصور أو الوقوع.<br />
<br />
إن فقهاءنا الأقدمين لم يدر بخلدهم إمكان إلغاء الخلافة وزوالها – وقد كانوا معذورين في ذلك لأن إقامة دولة المسلمين في دار [[الإسلام]] في نظرهم فريضة باقية ما بقيت العقيدة والشريعة إلى يوم الدين، ولا يمكن أن يوجد إسلام بدون دولة. فزوال دولة [[الإسلام]] لا يكون متصورا لديهم إلا بزوال [[الإسلام]] أو انقراض المسلمين من على ظهر الأرض.<br />
<br />
ولكن ما لم يتصوره فقهاؤنا الأقدمون قد رآه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] وعاصره وعاينه. ففي العام الذي بدأ فيه كتابة هذا البحث أصدر حكام [[تركيا]] قرارا بإلغاء الخلافة بهذا القرار أم لا؟ إن إجابته كانت صريحة وواضحة: وهي أن النظام يجب أن يبقى ويتطور ليتلاءم مع الظروف الحالية. وقدم لنا تصورا يضمن استمرار نظام الخلافة رغم وال الدولة العظمى التي كانت تمثله، وهي الدولة العثمانية، ونشوء عدة دول وطنية على أنقاضها – وعدم احتمال قيام دولة عظمى مماثلة تخلفها في تحمل مسئولية الخلافة. ولكي يتحقق ذلك دعا إلى أن تأخذ الخلافة صورة اتحاد بين عدة دول أو على الأقل منظمة دولية إسلامية تمارس مسئوليات الخلافة في الحدود التي تسمح بها إمكانيات العالم [[الإسلام]]ي، بدلا من أن تكون في صورة دولة عظمى موحدة، لأن ذلك أصبح غير ممكن في الظروف العالمية الحاضرة.<br />
<br />
معنى ذلك أن تمزيق وحدة الدولة [[الإسلام]]ية وتجزئة العالم [[الإسلام]]ي إلى أقطار متفرقة لا يعني حتما انتهاء نظام الخلافة، لأنه يمكن للمسلمين أن يقيموها في الصورة التي تسمح لهم ظروفهم – وهي صورة تنظيم عالمي تلتف حوله الأقطار [[الإسلام]]ية المختلفة، لأن دينهم وشريعتهم تفرض عليهم بقاء نظام الخلافة ما بقي [[الإسلام]] في قلوبهم وضمائرهم.<br />
<br />
النتيجة إذن أن إلغاء الخلافة العثمانية الذي فرض على [[تركيا]] لم يكن نهاية لنظام الخلافة – بل إنه مجرد بداية لتطويرها إلى صورة تتناسب مع ظروف المسلمين في عصرنا وهي صورة المنظمة الدولية.<br />
<br />
إن إلغاء الخلافة ليس معناه إذن انتهاء للنظام لأن انتهاءه غير وارد في ذهن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] كما كان مستبعدا في تصور الفقهاء الذين سبقوه – بل ربما كان هو أكثر تفاؤلا منهم، لأنه شهد بنفسه ما لم يشاهدوه. إنه شهد كارثة انهيار الدولة [[الإسلام]]ية التي كانت تمثل الخلافة وترفع علمها وتتحمل مسئوليتها بقدر استطاعتها. لكن هذه الكارثة لم تدفعه إلى قبول ما سارع إليه غيره ممن استسلموا لهذا الإلغاء واعتبروه نهاية للنظام وبدءوا يبحثون في بطون الكتب عن أسباب تبرر للمسلمين التخلي عن الالتزام بإقامة نظام الخلافة، بل ذهب بعضهم إلى إنكار وجود هذا النظام في الماضي لمجرد أن المسلمين اختلفوا فيمن يتولى هذا المنصب. (كما فعل الشيخ [[علي عبد الرازق]] سامحه الله وغفر له).<br />
<br />
الفكرة الأساسية في خطته هي أن الأمة [[الإسلام]]ية لا يمكن أن تتخلى عن مسئوليتها بإقامة نظام يضمن لها ما تستطيع توفيره من مقومات الوحدة أو الاتحاد. أنه في هذه الحالة سيكون لدينا نظام حكم إسلامي، يتكون من قاعدة تضم الدول الوطنية المستقلة في العالم [[الإسلام]]ي. أما القمة فهي منظمة دولية تساهم فيها هذه الدول وتختص برعاية المسائل المشترك بينها.<br />
<br />
معنى ذلك أن الخطة التي اقترحها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] قد فتحت أمام المسلمين بابا للاعتراف بشرعية نظم الحكم القطرية الوطنية لكي تكون هي القاعدة التي تقوم عليها المنظمة التي اقترحها. ينتج عن ذلك في نظرنا أن كل أحكام الخلافة الناقصة يجب أن تطبق على الحكومات الوطنية في الأقطار [[الإسلام]]ية المختلفة. أي أن نظرية الخلافة الناقصة التي قدمها تطبق على كل حكم لا يستكمل شروط الخلافة الصحيحة ولا تتوفر فيه أركانها ومقوماتها بصورة كاملة.<br />
<br />
إن تقرير هذا المبدأ يفتح لنا باب استكمال النقص الذي يشوب تلك النظم، ويرسم لنا الطريق الذي يجب اتباعه لكي نصل إلى ما نطمح إليه من حكم مثالي. ولكي نرسم معالم هذا الطريق سوف نستعرض الثغرات التي يمكن أن تفصل هذه الأنظمة الناقصة عن الحكم المثالي '''وهذه الثغرات هي:'''<br />
<br />
1 – عدم اكتمال السيادة [[الإسلام]]ية في دار [[الإسلام]]، لأنه من البديهي أن أول شروط صحة الحكم في الدولة [[الإسلام]]ية – سواء كانت دولة خلافة موحدة أم دولا وطنية متعددة – هو عدم خضوعها لسيطرة أجنبية أو نفوذ أجنبي مهما تكن صورة ذلك النفوذ.<br />
<br />
وعلى ذلك فإن وجود محاذير أو قيود تفرضها الدول الأجنبية على حرية الدولة سواء كانت دولة وطنية أم دولة خلافة – يجعل نظام الحكم فيها غير مستقل، وبالتالي فإنه لا يكون حكما صحيحا لا من الوجهة الوطنية ولا من الوجهة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
2 – فساد عقد الولاية نتيجة استخدام الإكراه والعنف لفرض سيطرة حاكم معين أو جماعة معينة: ذلك أن الأساس الشرعي الوحيد لولاية الأمر في [[الإسلام]] هو عقد البيعة وهو عقد رضائي يخضع في صحته لجميع أحكام العقود. ويفسد هذا العقد لجميع العيوب التي تشوب إرادة المتعاقدين ويترتب عليها فساد العقد وأهمها الإكراه والعنف – فضلا عن التدليس والغش والخطأ.<br />
<br />
وعلى ذلك فإن نظام الحكم الذي يتولى فيه الأمر من مارس الإكراه أو الضغط أو العنف يكون نظاما فاسدا شرعا نتيجة لهذا الإكراه، سواء كان نظاما وطنيا أو خلافة شاملة.<br />
<br />
3 – عدم الصلاح أو عدم الصلاحية فالحكم الصالح شرعا هو الذي يضمن للشعب أمنا واستقرارا ويقوم بشئونه الدنيوية والدينية، فإذا لم يقم بهذه الالتزامات بصورة مرضية يكون مقصرا أو ناقصا ويعتبر حكما غير صالح سواء كان حكما وطنيا أو خلافة شاملة. وظاهر أن مقياس الصلاح هنا هو مقياس واقعي يرجع إلى طموح الشعب والدرجة التي وصل إليها من الرقي الاجتماعي والاقتصادي والحضاري بصفة عامة فهو الذي يقرر إذا كان من يتولى الأمر قد قام بالتزاماته في هذه النواحي جميعا أم أنه قصر في ذلك.<br />
<br />
4 – عدم الشمول أو عدم وحدة دار [[الإسلام]] لأن ولاية الحاكم الوطني محدودة بحدود إقليمية قطرية تقوم على تجزئة ديار المسلمين ولا تحقق وحدة الأمة [[الإسلام]]ية. وهذا النوع من الدول المحدودة الإقليم قد تفرض وجودها قوة قاهرة سواء كانت قوة خارجية استعمارية – أو كانت اعتبارات عرقية عنصرية أدت إلى سيطرة الزعامات الانفصالية أو تعارض المصالح القومية الاقتصادية أو السياسية أو غير ذلك من الفوارق التي أذابها [[الإسلام]] ولكنها قد تعود للظهور لأسباب عارضة ... وقد يكون سببها مجرد تنافس بين الحكام المتعددين والتنازع بينهم إذا أدى إلى عدم اعترافهم لأحدهم بالولاية الشاملة على دار [[الإسلام]] مما يجعل نظمهم ناقصة سواء حملت اسم الخلافة، أو حملت اسم الحكومات الوطنية.<br />
<br />
5 – سيادة مبدأ الشرعية، وهو ما يعبر عنه في النظم النيابية و[[الديمقراطية]] بسيادة [[الدستور]] و[[القانون]]. ومن وجهة نظر [[الإسلام]] في [[الدستور]] و[[القانون]] كلاهما يتمثل في الشريعة [[الإسلام]]ية وبذلك تكون سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية من أهم مقومات نظام الحكم المثالي، وإذا قصر في ذلك كان نظام الحكم ناقصا وأصبح من واجب الأمة أن تسعى لاستكمال هذا النقص الجوهري في نظام الحكم سواء كان هذا الحكم وطنيا أو كان يحمل اسم الخلافة الشاملة.<br />
<br />
ويمكن للباحث أن يلاحظ بسهولة أن جميع المقومات المستمدة من الأصول الشرعية لنظام الحكم المثالي التي استعرضناها، كما استخلصها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] من مؤلفات فقهائنا، لا تختلف عن المقومات التي يقدمها الفقه المعاصر لنظم الحكم الحديثة، والتي تحمل شعار [[الديمقراطية]] أو الليبرالية النيابية الحرة مع اختلاف في الشكل أو اللفظ: فما نسميه بيعة حرة يسمونه انتخابا أو استفتاء حرا، وما يسمونه مصالح أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية نسميه نحن شئونا دنيوية ودينية، وما يسمونه وحدة التراب أو الإقليم نسميه وحدة دار [[الإسلام]] ... وما يسمونه سيادة [[القانون]] نسميه سيادة الشريعة.<br />
<br />
كما يمكن للباحث أن يلاحظ أن الفارق الوحيد بين ما يسميه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] نظم الخلافة الناقصة، وبين نظم الحكم الوطنية هو أن الأولى تقوم على وحدة دار [[الإسلام]] في ظل دولة كبرى موحدة، أما الثانية فتقوم أساسا على تقسيم دار [[الإسلام]] إلى عدة دول لكل منها إقليم "وطني" يشمل فقط جزءا من دار [[الإسلام]].<br />
<br />
إن الخطة التي اقترحها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] تفتح الطريق أمام الدول الوطنية في العالم [[الإسلام]]ي لكي تشترك في إقامة منظمة دولية إسلامية، وبذلك نسير في طريق التضامن وتوحيد الشعوب [[الإسلام]]ية سلميا دون حاجة إلى الالتجاء إلى سير إحداها في طريق التوسع وفرض سيطرتها على الدول الأخرى من أجل تحقيق هذه الوحدة.<br />
<br />
وفي الوضع الحاضر الذي تتربص فيه القوى الخارجية لمنع إقامة دولة إسلامية عظمى موحدة كما كان الحال في الماضي – فإن هذا الحل الذي اقترحه [[عبد الرزاق السنهوري|السنهوري]] يفتح الباب أمام المسلمين للاعتراف بشرعية النظم الوطنية مع السعي لإقناعها بالسير في طريق التضامن والتعاون في إطار منظمة دولية إسلامية. وبذلك يكون الفرق بينها وبين دول الخلافة الناقصة أنها تسلك للوحدة طريقا سلميا على أساس المساواة والتعاون والتضامن فيما بينها بدلا من طريق التوسع وفرض السيطرة إحداها على الأقطار الأخرى.<br />
<br />
وقبل أن نبحث الفرق بين نظم الحكم [[الإسلام]]ية المختلفة يجب علينا أن نرسم الخط الفاصل بينها وبين النظم المعاصرة، وهذا الخط الفاصل هو الفرق بين [[القانون]] الوضعي، والشريعة [[الإسلام]]ية الإلهية السماوية المصدر والمنبع – وهو مبدأ الشرعية [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
ولإيضاح هذه المقارنة يجب أن نستبعد أولا نظم الحكم الشمولي المطلق، التي لا تعترف بمبدأ الشرعية ولا تلتزم به، فهذا النوع من نظم الحكم لا تدخل ضمن المقارنة التي نعقدها، لأن إرادة الحاكم مطلقة يفعل ما يشاء – ف[[القانون]] هو إرادته وهواه دون رقيب ولا حسيب، سواء كان الحكم ديكتاتورية فردية أو ديكتاتورية جماعية يمارسها حزب واحد يملك جميع السلطات التنفيذية والتشريعية. معنى ذلك أن الموازنة بين النظام [[الإسلام]]ي ونظم الحكم المعاصرة تنحصر في المقارنة بينه وبين نظم الحكم النيابية الليبرالية (في الديمقراطيات البرلمانية الغربية).<br />
<br />
ففي النظم النيابية الليبرالية ([[الديمقراطية]]) الحديثة تكون سيادة [[القانون]] هي المثل الأعلى الذي تتفاوت في احترامها تلك النظم، وأقصى ما تتباهى به تلك النظم هي أن تخضع جميع أجهزة الدولة للقوانين الوضعية الصادرة من سلطتها التشريعية – ولكنها كلها تعتبر [[القانون]] تعبيرا عن إرادة الدولة وصادرا عن سيادتها – فسيادة الدولة هي منبع [[القانون]] ومصدره.<br />
<br />
أما في الشريعة [[الإسلام]]ية فإن الشريعة تهيمن على الدولة ذاتها لأن الدولة ليست هي مصدر التشريع بل إن الشريعة تعبير عن الإرادة الإلهية المتمثلة في [[القرآن]] والسنة. والفقه المستمد منها يسود فعلا على الدولة بجميع أجهزتها، بما في ذلك المجالس النيابية التي تمارس في الدساتير العصرية مهمة إصدار القوانين الوضعية – إن هذه المجالس تلتزم بأحكام الشريعة ولا يجوز لها أن تصدر قانونا وضعيا يخالفها – فسيادة الشريعة هنا سيادة حقيقة فعلية على جميع سلطات الدولة بما فيها سلطة إصدار القوانين الوضعية.<br />
<br />
ولهذا أثره الواضح على نظام الحكم. فكل دولة عصرية ديمقراطية (ليبرالية أو غير ليبرالية) هي التي تختار المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم فيها – وتصدر ذلك في صورة دستور تلتزم به لأنه صادر عن سلطتها [[الدستور]]ية.<br />
<br />
إن هذا يستلزم أن تكون الهيئة التي تملك سلطة إصدار [[الدستور]] وتغييره معروفة مقدما ومستقرة. ولكن جاءت صور عديدة من الانقلابات استطاع فيها كل من يسيطر على الحكم أن يدعي لنفسه حق تغيير الدساتير وإلغائها بحجة أن حكمه ثوري – وأن الشرعية الثورية تجيز له تغيير كل القوانين والدساتير والأنظمة.<br />
<br />
أما الشريعة [[الإسلام]]ية فإن لها حصانة لا يجوز أن تعبث بها السلطات الثورية التي تدعي لنفسها سلطة إلغاء الدساتير الوضعية، لأن الشريعة سماوية تفرض العقيدة [[الإسلام]]ية على الجميع احترامها وتقديسها والخضوع لها، هذا الخضوع هو محتوى مبدأ الشرعية [[الإسلام]]ية ومضمونه.<br />
<br />
والنتيجة العملية لهذا المبدأ هي أن الأسس التي يقوم عليها نظام ا لحكم [[الإسلام]]ي مستمدة من مصدر أعلى من الدولة ومهيمن عليها، فليست الدولة [[الإسلام]]ية حرة في تغيير مبادئ دستورها أو المساس بالمبادئ الشرعية التي تحدد مقومات الحكم الشرعي، أو خصائصه وأصوله، وإذا فعلت إحدى الدول أو الحكومات ذلك وهو ما يحدث من حين لآخر – فإنها تخرج في نظر جمهور المسلمين عن حدود الشرعية، ويلتزمون بالسعي لتصحيح الوضع الذي فرضه مخالفا للأصول الشرعية، على النحو الذي بيناه فيما سبق.<br />
<br />
وقد يشمل النقص أكثر من واحد من هذه المقومات. فهذه الأصول الخمسة هي المقياس الدقيق للمدى الذي يبتعد به الحكم الناقص عن الحكم المثالي (سواء كان هذا الحكم الناقص خلافة ناقصة أو حكما وطنيا) وهذا المقياس يرسم لنا الطريق الذي تلتزم الشعوب [[الإسلام]]ية بالسير فيه لكي تصبح العيوب التي شابت مقومات الحكم المثالي الخمسة كلها أو بعضها.<br />
<br />
إن بعض نظم الحكم الناقصة قد تحرص على تنفيذ أحكام الفقه [[الإسلام]]ي على الأفراد سواء في ميادين [[القانون]] والأحوال الشخصية أو المواد الجنائية، لأن هذه أول واجبات الحاكم المسلم. ولكن هذا لا يكفي لتطبيق أحكام الشريعة، لأنها أوسع من ذلك نطاقا: فلا يجوز إهمال مبادئها المتعلقة بنظام الحكم والتي لخصناها في المبادئ الخمسة الأساسية التي تحدد لنا مقومات الحكم المثالي.<br />
<br />
فالحاكم الراشد يبدأ بتطبيق مبادئ الشريعة فيما يتعلق بالبيعة الحرة وصحة عقد الولاية، وحماية سيادة [[الإسلام]] في دار [[الإسلام]] من الخضوع للقوى الأجنبية والقيام بواجبه في حسن تدبير جميع الشئون الدينية والدنيوية للأمة ووحدة دار [[الإسلام]] هذا كله يدخل في إطار التزامه بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية، ولا يكفي إذن مجرد إلزام الأفراد بها دون أن يلزم نفسه وحكومته بأصولها وفروعها، لأن الأصل أن يكون قدوة للناس في احترام مبادئ [[الإسلام]]، وإذا قصر هو في ذلك فإن حاشيته وأعوانه وغيره من الأفراد لا بد أن يسير في نفس الاتجاه الذي يسير فيه وبذلك يسيطر الفساد والظلم والأهواء على تصرفات الحكام والأفراد وينهار المجتمع وتسقط الدولة ذاتها في النهاية.<br />
<br />
من ذلك يتضح أن جميع مقومات الحكم في [[الإسلام]] تستمد كلها من مبدأ واحد هو سيادة الشريعة والالتزام بها، لأن كل القواعد والمبادئ المتعلقة بنظام الحكم ونظام المجتمع وحقوق الأفراد وحرياتهم لها مصدر واحد هو شريعتنا الغراء، فسيادتها هي نقطة البداية في كل إصلاح وكل نهضة ومصدر كل عزة وسيادة ووحدة وتقدم.<br />
<br />
==[[الإسلام]] و[[الديمقراطية]]==<br />
<br />
يتساءل كثيرون عما إذا كان هناك تناقض بين [[الإسلام]] من ناحية، وبين ما يسمونه ب[[الديمقراطية]] من ناحية أخرى، ويتساءلون لماذا لا يرفع دعاة [[الإسلام]] شعارات [[الديمقراطية]] الرائجة في هذه الأيام.<br />
لا تعارض ولا تماثل:<br />
<br />
والرأي عندي أن الإيمان بأن [[الإسلام]] نظام كامل شامل لا يتعارض مع ما يقوم به البعض مما يسمونه المطالبة ب[[الديمقراطية]]، بشرط أن يكون مفهوما أن [[الديمقراطية]] توفر المناخ الضروري لإقامة النظام [[الإسلام]]ي الشامل.<br />
<br />
إن ما يقصد ب[[الديمقراطية]] هو إقامة نظام حكم نيابي يضمن رقابة الشعب على الحكومة ويضمن للأفراد حرياتهم وحقوقهم في ظل مبدأ الشرعية والعدالة القضائية المستقلة. فالمطالبة بهذه الحريات والحقوق واجب شرعي، ولا يمكن أن يعارضه داعية للإسلام، لأن ضمان حقوق الأفراد والشعوب هي جزء لا يتجزأ من نظم [[الإسلام]] ومبادئه وشريعته.<br />
<br />
لكن الذي يجب أن نضيفه هنا هو أمر هام: ذلك أنه إذا لم يكن هناك تناقض بين [[الإسلام]] وبين المطالبة ب[[الديمقراطية]] أو حقوق الشعوب وحريات الأفراد '''إلا أن هناك فارقا كبيرا بين [[الإسلام]] وبين هذه المطالبات – نلخصه فيما يلي:'''<br />
<br />
===[[الديمقراطية]] والمضمون المستورد===<br />
<br />
'''أولا:''' إن العمل [[الإسلام]]ي لا تنحصر أهدافه في نظام الحكم كهدف سياسي بل هو أوسع نطاقا من ذلك وأعم لأنه يهدف إلى إقامة نظم أخلاقية واجتماعية واقتصادية عادلة هي المضمون والمحتوى العقيدي والاجتماعي والأخلاقي للتنظيم السياسي [[الإسلام]]ي.<br />
<br />
إن [[الإسلام]] لا يقف عند حد ما يسمى ب[[الديمقراطية]] السياسية الجوفاء الفارغة من المضمون الاجتماعي والأخلاقي التي تفتح الباب لغزو مجتمعنا بالنظريات الرأسمالية القادمة من الدول الاستعمارية الأوروبية والأمريكية التي تكون الكتلة الغربية كما تفتح الباب لدعاة الأفكار المادية الماركسية الإلحادية التي تصدرها لنا الكتلة الشيوعية التي تضم [[الاتحاد السوفيتي]] ودول أوروبا الشرقية التي تدور في فلكه والتي تسمي نفسها "الديمقراطيات الشعبية الاشتراكية".<br />
<br />
لهذا السبب فإن من حق دعاة [[الإسلام]] أن يتفادوا شعار [[الديمقراطية]] لعدة أسباب: أولها أنه لفظ مستورد يستمد جذوره من النظم [[اليونان]]ية القديمة، وثانيها أنه يستغله دعاة النظم الرأسمالية من ناحية، ودعاة النظم الماركسية من ناحية أخرى، فكلا الطرفين يرفع شعار [[الديمقراطية]]. إن دعاة [[الإسلام]] لا يقبلون أن يكونوا ضمن هذا الفريق أو ذاك، لأن النظام [[الإسلام]]ي أصيل في مصدره متميز في مصطلحاته ومستقبل في مضمونه عن هذه النظريات والأيديولوجيات المستوردة من الغرب الاستعماري أو الشرق الشيوعي الأوروبي، لأن هذا الاستيراد يؤدي إلى التبعية لهذه الكتلة أو تلك.<br />
<br />
إن شعوبنا ترفض التبعية للقوى العالمية الكبرى في الغرب والشرق الأوروبي، وتؤمن بأنه لا بد لها من نظام أصيل شامل يحصن مجتمعنا من أخطار المطامع التوسعية لهاتين الكتلتين، ويحصنه أيضا من الصراع الطبقي، والفتن الطائفية وكل عوامل التجزئة والانقسام بين عناصر الأمة التي يروجها في بلادنا عملاء هذه القوى الأجنبية الطامعة. إن أمتنا قد وحدها [[الإسلام]] وزودها بمبادئ اجتماعية أخلاقية عقيدية مشتركة ومتميزة تحميها من الغزو الفكري المتمثل في المذاهب المستوردة – وشعوبنا تعلم أن النظام الوحيد الذي يضمن لها استقلالها الفكري وذاتيتها المتميزة، يجب أن يكون مستمدا من عقيدتها وشريعتها وشخصيتها التاريخية [[الإسلام]]ية الأصيلة.<br />
<br />
أما [[الديمقراطية]] السياسية الشكلية التي يرفع شعارها "المطالبون ب[[الديمقراطية]]". فإنها قد أصبحت شعارا أجوف تجاوزته الأوضاع الحاضرة في بلادنا حيث تحتاج شعوبنا إلى مبادئ اجتماعية واقتصادية وأخلاقية تملأ فراغ هذه [[الديمقراطية]] الشكلية وتتجاوزها إلى الأهداف الاجتماعية.<br />
<br />
'''المطالبة لا تكفي:'''<br />
<br />
'''ثانيا:''' إن المطالبة ب[[الديمقراطية]] أو حقوق الشعوب إنما تعني رغبة شعوبنا في الحصول على دساتير تعطي الحكم صورة من صور الحكم النيابي أو "[[الديمقراطية]]".<br />
<br />
لكننا في المرحلة الحاضرة من تطور أنظمتنا السياسية نريد أكثر من ذلك. فلم يعد يكفينا إعلان [[الدستور]]، بل لا بد لنا من قوة ذاتية تكفل لشعوبنا القدرة على مقاومة الأساليب التي ابتكرها أعداؤنا ومن يعملون لحسابهم والتي استطاعوا بها – في كثير من البلاد وفي كثير من الحالات – أن يسلبوا من شعوبنا مزايا الدساتير التي حصلت عليها شعوبنا – بل وتلجأ بعض النظم إلى إلغائها وتغييرها وتزييفها – فلا بد لنا من قوة شعبية أصيلة تمكن شعوبنا من مقاومة هذه الانقلابات. وهذه القوة الذاتية لا يمكن أن تستمد إلا من عقيدة [[الإسلام]] وشريعته.<br />
<br />
إن دعاة [[الإسلام]] إذن لا يكتفون بالمطالبة بالحقوق والحريات بل يؤمنون ب[[الجهاد]] والتضحية للدفاع عنها أولا ولإقامة النظام [[الإسلام]]ي الكامل من خلالها – وذلك بالدفاع عن محتواه العقيدي والأخلاقي والاجتماعي الذي يستمد من الشريعة والمثل العليا [[الإسلام]]ية التي توفر الضمانات لحريات الأفراد وحقوق الشعوب في نظام الحكم فضلا عن وحدة الأمة [[الإسلام]]ية – لأن إقامة هذا النظام [[الإسلام]]ي الكامل الشامل هو فرض ديني توجب العقيدة [[الإسلام]]ية [[الجهاد]] في سبيله ولو اقتضى ذلك [[الجهاد]] التضحية والاستشهاد.<br />
<br />
هناك فرق كبير بين المطالبة وبين العمل و[[الجهاد]] والتضحية، ومن المؤكد أن دعاة [[الإسلام]] الذين يقدمون حياتهم في سبيل عقيدة [[الإسلام]] وشريعته ويضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل ذلك لا يمكن أن نلومهم إذا ضاقوا ذرعا بمن يسلكون طريق المطالبة الكلامية والشعارات المستوردة التي تصرف الشعوب والأفراد عن طريق [[الجهاد]] والتضحية.<br />
<br />
إن من يرفعون شعارات [[الديمقراطية]] السياسية في كثير من الأحيان لا يستطيعون مقاومة مؤامرات القوى العالمية التي تستغل الانقلابات العسكرية للإطاحة بها في بلادنا – كما أن ديمقراطيتهم الشكلية أصبحت لا تغني عامة الشعوب عن مطالبها الاجتماعية التي يستغلها دعاة الأيديولوجيات الماركسية الذين يعملون لحساب بعض القوى الأجنبية العالمية والذين يدعون للديمقراطية "الشعبية" بحجة أنها تحتوي على مضمون اجتماعي مستمد من المذاهب والنظريات الماركسية الشيوعية والاشتراكية.<br />
<br />
'''الاختيار:'''<br />
<br />
لقد سعى جيلنا في سبيل الأهداف السياسية ك[[الديمقراطية]] والوطنية، لكن الجيل الجديد أمامه مرحلة أخرى للكفاح من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والوحدة الشاملة، وليس أمامه لتحقيق هذا الهدف إلا '''أن يختار بين طريقين:'''<br />
<br />
طريق الأصالة الذي يدعو للوحدة [[الإسلام]]ية والشريعة [[الإسلام]]ية حيث يقوم النظام النيابي في إطار نظام إسلامي اجتماعي واقتصادي وأخلاقي متكامل وتضامن شامل بين جميع الشعوب [[الإسلام]]ية التي وحدتها العقيدة.<br />
<br />
أو طريق التبعية الذي يفتح الباب لعملاء المذاهب المستوردة التي تدعو للتبعية للقوى الرأسمالية التي ترفع شعار "الليبرالية" كوسيلة لفرض سيطرتها – أو تدعو للديمقراطية الشعبية المبنية على المبادئ الماركسية أو الاشتراكية الثورية الإلحادية وما يشتق منها، والتي تدعو إلى التضامن مع الكتلة الاشتراكية .<br />
<br />
إن الأغلبية الساحقة في بلادنا قد اختارت طريق الأصالة ولن تحيد عنه، ونحن واثقون من أن ذلك هو اختيار الأحرار المكافحين في سبيل الأهداف السامية التي تطمح لها شعوبنا. ومن حقنا أن نطلب إليهم أن يؤكدوا هذا الاختيار ويسموه باسمه الصحيح بدلا من الأسماء المستوردة التي يستغلها أعداء شعوبنا وعملاؤهم.<br />
<br />
لهذا السبب نرى أن بعض دعاة النظام [[الإسلام]]ي الذين يضيقون ذرعا بمن يرددون شعارات [[الديمقراطية]] لا يقصدون معارضتها أو يعترضون طريقها، كل ما هناك أنهم يريدون أن نتجاوزها إلى هدف أكبر وأبعد.<br />
<br />
ثم إن فريقا ممن يطالبون ب[[الديمقراطية]] في هذه المرحلة الحاضرة إنما يقدمونها كبديل عن الأهداف [[الإسلام]]ية الأكثر شمولا والأبعد مدى، وقد يقصد بعضهم بالإصرار على هذه التسميات المستوردة أن يصرفوا شعوبنا وشبابنا عن طريق العمل [[الإسلام]]ي الذي أصبح الآن ضروريا لإعطاء الشعوب مصدرا للقوة الذاتية التي تحقق وحدتها وتغذي كفاحها وتزود أفرادها بروح التضحية والفداء المستمدة من عقيدة [[الإسلام]] وشريعته. إن صرف الشعوب عن منابع شخصيتها وعقيدتها والوقوف بها عند حد تكرار أهداف جزئية ك[[الديمقراطية]] السياسية قد يؤدي إلى أن ندور في حلقة مفرغة حول هذه الشعارات التي أفرغت من محتواها الاجتماعي فضلا عن أنها لا تقدم مضمونا عقائديا تتسلح به شعوبنا لمقاومة الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها القوى الخارجية وتسخرها لتحقيق خططها الهادفة إلى تمزيق وحدتنا وإبقاء أوضاع التجزئة والتمزق الذي نشاهده اليوم في العالمين العربي و[[الإسلام]]ي.<br />
<br />
إننا نريد أن يكون النظام [[الإسلام]]ي الكامل والوحدة [[الإسلام]]ية الشاملة هي الهدف الذي يجمع عليه جميع المكافحين في سبيل حقوق شعوبهم وحريات أفرادها ولا يجوز أن يقدم على هذه الأهداف العظيمة البعيدة أية شعارات أخرى جزئية أو مرحلية تعتمد على مصطلحات أجنبية مستوردة يمكن أن يستغلها أعداء شعوبنا ك[[الديمقراطية]] أو القومية.<br />
<br />
إن دعاة النظام [[الإسلام]]ي يعتبرون شعارات [[الديمقراطية]] السياسية قد استنفدت أغراضها وفات أوانها، وأصبح من حق شعوبنا أن تبدأ مرحلة جديدة تسعى فيها لأهداف أكبر وأعظم هي قيام النظام [[الإسلام]]ي بمحتواه الاجتماعي والثقافي الأصيل – هذه أهداف تلتزم شعوبنا وأفرادها أن يجاهدوا من أجلها ويضحوا في سبيلها بحكم عقيدتهم وواجبهم الديني.<br />
<br />
===[[الإسلام]] يغني عنها ولا تغني عنه===<br />
<br />
إن من يعملون من أجل حقوق الشعوب وحريات الأفراد يجب ألا يضيقوا بمن ارتفعت أصواتهم ب[[الدعوة]] للإسلام لأنه في نظرهم أعم وأشمل، ف[[الإسلام]] يغني عن [[الديمقراطية]] والقومية، في حين أن هذه الشعارات الجزئية لا تغني عنه ولا تصلح بديلا عنه. إن دعوتهم تعني ترفيع أهداف شعوبنا والسمو بها إلى أن تكون أهدافا أبعد وأعلى. وبها وحدها تستطيع شعوبنا أن تواصل نضالها وتقدم شهداء في سبيل هذه الأهداف السامية. إننا نرى أن أعداءنا قد كشفوا بوضوح عن خططهم الهادفة إلى تمزيق شعوبنا واستعبادها، ووجدوا لهم عملاء يستخدمون أساليب الطغيان والاستبداد لفرض سلطانهم وإسكات معارضيهم، ولا يمكن مقاومة هذه النظم الاستبدادية العميلة إلا بجيل جديد يتسلح بالإيمان والتضحية والفداء في سبيل الله وتكوين هذا الجيل المؤمن هو أول عمل يقوم به دعاة [[الإسلام]].<br />
<br />
==خاتمة==<br />
<br />
'''معركة السيادة الشرعية'''<br />
<br />
هناك ظاهرة بارزة في تاريخنا الحديث. هي أن شعوب العالمين العربي و[[الإسلام]]ي قاومت الغزو الاستعماري أطول مدة ممكنة، وكانت دائما رائدة لشعوب العالم الثالث في الكفاح من أجل التخلص من آثاره ورواسبه سواء في النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الفكرية.<br />
<br />
لقد سيطرت الدول الاستعمارية على أغلب أقاليم آسيا وأفريقيا مدة طويلة قبل أن تتمكن من السيطرة على أقطار المنطقة العربية و[[الإسلام]]ية – ولم يتم لها ذلك إلا بعد [[الحرب العالمية الأولى]] عقب هزيمة الدولة العثمانية مع حلفائها الألمان والنمساويين – واستغلت دول أوروبا الغربية هذه الهزيمة لفرض احتلالها وسيطرتها المباشرة أو غير المباشرة على أقطار العالمين العربي و[[الإسلام]]ي.<br />
<br />
وكما أن السيطرة الاستعمارية قد تمت على خطوات تدريجية، فإن التحرر منها والقضاء على آثارها لم يتم دفعة واحدة. فقد بدأت شعوبنا جهادها منذ فرضت عليها السيطرة الأجنبية وواصلت كفاحها إلى أن حققت أغلب أقطارنا استقلالا نسبيا في المجالين السياسي والدولي، وما زالت تعمل في سبيل استكمال سيادتها الإقليمية وشخصيتها الدولية – وتسعى لاسترداد مقومات شخصيتها المستقلة اقتصاديا ولغويا وثقافيا وتشريعيا – وهدفها هو التحرر من التبعية للقوى الأجنبية في جميع النواحي بما في ذلك النواحي الاقتصادية والثقافية والتشريعية.<br />
<br />
إن الاستعمار لم يكتف بالاعتداء على سيادتنا الإقليمية والسياسية باحتلال أقطارنا واحدا بعد الآخر – بل إنه رسم الخطة لتحطيم مقوماتنا الاقتصادية والثقافية والتشريعية، وللقضاء على شخصية أمتنا وذاتيتها ووحدتها التي كانت تزودها بقدرة فائقة على [[المقاومة]] والكفاح، ميزتها عن غيرها من شعوب العالم الثالث التي لم يحصل كثير منها على استقلاله السياسي إلا بعد أن فقد مقومات شخصيته الاقتصادية واللغوية والثقافية والتشريعية وأصبح تابعا للدولة الاستعمارية وعالة عليها في جميع هذه النواحي رغم استقلاله – كما حدث بالنسبة لدول "الكومنولث البريطاني" و "المجموعة الفرنسية".<br />
<br />
لقد كانت سيادتنا التشريعية هي سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية في بلادنا قبل الاحتلال الأجنبي – وكان القضاء على سيادتنا التشريعية يعني في نظر الاستعمار استبعاد الشريعة [[الإسلام]]ية من ميدان التنفيذ والتشريع، وكان ذلك من أهم أهداف الخطط الاستعمارية وما زال كذلك حتى اليوم – ففي الأقاليم التي احتلتها تلك الدول الأجنبية، كان أول عمل لسلطات الاحتلال هو إلغاء تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية والقضاء الشرعي، أما في الدولة العثمانية والأقطار التابعة لها التي لم يستطع الاستعمار احتلالها فقد فرضت عليها الامتيازات الأجنبية، وتوسعت الدول في تطبيقها حتى أصبحت سيادة القضاء الوطني والتشريع [[الإسلام]]ي مقيدة وناقصة وقاست بلادنا من ازدواج التشريع والقضاء – حتى اضطر حكامنا من أجل توحيد التشريع والقضاء إلى التخلي عن تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية واستوردوا قوانين وضعية أجنبية إرضاء لأصحاب الامتيازات حتى يقبلوا "التنازل" عن امتيازاتهم، وتتحقق وحدة التشريع والقضاء، ولكن ذلك كان في نظرهم إجراء مؤقتا حتى تسترد بلادنا سيادتها الدولية، وتستعيد استقلالها التشريعي والثقافي بعد ذلك.<br />
<br />
لذلك كان أول أهداف شعوبنا بعد حصولها على الاستقلال السياسي أن تكمله باسترداد سيادتها التشريعية التي تعني سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية في التشريع والقضاء.<br />
<br />
إن قضية تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في نظر شعوبنا، هي قضية التحرر من الاستعمار التشريعي ورواسبه المتمثلة في القوانين الوضعية المستوردة، التي حلت محل الشريعة [[الإسلام]]ية، إرضاء للقوى الأجنبية، وثمنا لتنازلها عن الامتيازات.<br />
<br />
إن الدول الاستعمارية كانت تصف احتلالها لبلادنا بأنه عمل تمديني، وأنها احتلت بلادنا لتخرجها من التخلف وتفرض عليها السير في طريق الحضارة. في حين أن هدفها كان تحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية – وكذلك وصفت الإجراءات التي فرضتها، وتدخلاتها الحالية لاستبعاد التشريع والقضاء [[الإسلام]]ي بأنه عمل تمديني، زاعمة أن قوانين الشريعة متخلفة وغير صالحة لهذا العصر – وكما وجدت القوى الاستعمارية لها أعوانا في الميدان السياسي يدعون أن سيطرتها وحكمها لبلادنا كان للدفاع عنا كما يقولون – كذلك وجدت أعوانا يرددون مزاعمها ضد الشريعة [[الإسلام]]ية والقضاء [[الإسلام]]ي – ولكن رجال [[القانون]] والقضاء وقادة حركة التحرر الفكري والثقافي قاوموا هذا التصوير المنحرف وأثبتوا تفوق الشريعة على القوانين المستوردة – ونمت حركة المطالبة بتطبيق الشريعة وسيادتها حتى أصبحت محل إجماع الهيئات الشعبية والرسمية والثقافية والعلمية في [[مصر]] وغيرها من أقطار العالمين العربي و[[الإسلام]]ي – كما يتضح ذلك في هذه المقالات.<br />
<br />
لكن هذا الإجماع في [[مصر]] على مبدأ تطبيق الشريعة وسيادتها لا يمنع من وجود أصوات شاذة ترتفع من حين إلى حين لترديد الادعاءات الاستعمارية الهادفة إلى تجريح الشريعة [[الإسلام]]ية والتشهير بالتيار الشعبي الإجماعي الذي يتمسك بسيادتها وتنفيذها، ووجود هذه الأصوات الشاذة إنما هو استثناء يؤكد القاعدة التي أشرنا إليها وهي الإجماع الشعبي والرسمي على مبدأ سيادة الشريعة وتطبيقها.<br />
<br />
ثم إن هذا الإجماع لا يمنع من وجود خلاف حول كيفية هذا التطبيق ووقته وشروطه – هذا الخلاف ظهرت آثاره في الحوار الذي دار في الصحافة ال[[مصر]]ية بين المطالبين بالتطبيق الفوري الشامل والمنادين بالتدرج والتأني في التطبيق – ولقد استطاعت بعض الأصوات الشاذة المهاجمة للشريعة أن تستغل هذا الخلاف وتصور المطالبين بالتطبيق الفوري بأنهم متطرفون تارة، أو أنهم رجعيون تارة أخرى – ولم يكتفوا بذلك بل تطاولت أقلام بعضهم على بعض أحكام الشريعة ومبادئها مرددة النغمة الاستعمارية البالية التي تسعى لتجريح [[الإسلام]] ومبادئه وأنظمته وشريعته بكل الوسائل. ومما يؤسف له أن هذه الأصوات الشاذة تحتمي بالضغوط الأجنبية التي تمارسها بعض القوى الخارجية التي ما زالت تتصرف كأنها تتمتع في بلادنا بامتيازات تعطي لها الحق في التدخل في شئوننا التشريعية والثقافية، وتصر على أن تمكن أعوانها من احتلال مواقع لا يستحقونها في مجال الصحافة والنشر.<br />
<br />
واعتمادا على هذه الحماية الأجنبية استغل هؤلاء المهاجمون للشريعة مراكزهم في أجهزة الإعلام فأساءوا إلى الشريعة وإلى الشعب إساءة بالغة، حتى اضطر شيخ [[الأزهر]] إلى التنديد بذلك وطالب بوقف هذه الحملات الشاذة.<br />
<br />
ومما يؤسف له أن الأوضاع الدولية والظروف الحالية لا تسمح للجهات الرسمية ولا الهيئات السياسية أن تكشف الأيدي الأجنبية التي توجه هذه الحملة ضد الشريعة [[الإسلام]]ية ودعاة تطبيقها – ولكنها مع ذلك معروفة بعد أن كشفت نفسها وأعلنت مرارا معارضتها لتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في [[إيران]] و[[السودان]] و[[باكستان]]، وإن كانت تقدم لذلك أعذارا زائفة مثل الادعاء بوجود نظم استبدادية أو شفقتها الزائفة على الأقليات غير الرسمية وتضامنها مع البهائية وغيرها من الفئات العميلة.<br />
<br />
إنه مما يؤسف له أن بعض الصحف وأجهزة الإعلام في [[مصر]] ما زالت تفسح صدرها لهؤلاء بحجة أنهم يوالون حملاتهم ضد من يسمونهم المتطرفين (لأنهم يطالبون بالتطبيق الفوري الكامل للشريعة [[الإسلام]]ية)، أو أنهم يروجون لأسلوب التدرج والاعتدال في تطبيق الشريعة. وهم في الواقع إنما يريدون أن يقدموا خدمة كبرى للقوى الاستعمارية التي تعتبر المسلمين جميعا متطرفين، لأن التطرف أمر نسبي، وهم ينسبون تهمة التطرف والرجعية لكل من يدعو للإسلام أو يدافع عن شريعته ونظمه ومبادئه ونهضته التي تهدد سيطرتهم الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط بل إن بعضهم يعتبر أن [[الإسلام]] ذاته تطرف لأنه يدعو للجهاد.<br />
<br />
والحقيقة أن التدرج وإن كان محمودا فإنه يكون في ميدان التنفيذ والتطبيق العملي، لا في ميدان [[الدعوة]] والفكر. إنه لا يحتاج إلى أن يكون شعارا فكريا يرفعه البعض. لأن المطالبة يجب أن تكون دائما بالأكمل والأمثل، والتطبيق الكامل والفوري هو الشعار الذي يجب أن يتبناه المفكرون والدعاة دائما. وما زلنا نذكر أننا كنا في شبابنا نهتف بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، وما زال هذا الهتاف شعار جميع أجيالنا [[المقاومة]] للاستعمار رغم أنه في العمل لم يمكن أن يتم ذلك عملا إلا بالتدرج الفعلي. ولم يطلب أحد من الشباب أن يهتفوا للتدرج في المطالبة بالاستقلال أو أن يقصروا مطالبتهم على الاستقلال الداخلي أو [[الإصلاح]] ات الجزئية، بل كانت هذه نغمة القوى الأجنبية وعملائها، وهذا هو الشأن اليوم بالنسبة للمطالبة باسترداد سيادة الشريعة [[الإسلام]]ية وتطبيقها.<br />
<br />
إذ من واجب كل مسلم – وخاصة الشباب منا – أن يهتف للتطبيق الفوري الشامل الكامل ويدعو له. أما من يريدون التدرج فعليهم أن يفعلوا ذلك إن كانوا صادقين في التنفيذ ولكن ليس من حقهم أن يفرضوا على الشباب أو المفكرين أو الدعاة أن يهتفوا بذلك أو يدعو له.<br />
<br />
والحقيقة أن الكلام عن التدرج في صحافتنا قد أصبح شعارا يرفعه بعض الذين يقاومون تطبيق الشريعة ويتهربون من تنفيذها. بدليل أنهم لم يفعلوا شيئا في سبيل هذا التدرج المزعوم، وقد مضت سنوات وأعوام ولم يقدموا خطة واحدة لهذا التدرج الذي يدعونه. <br />
<br />
ولم نر أي خطوة عملية في سبيل تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية من جانب المنافقين والمثبطين الذين يرفعون شعارات الاعتدال والتعقل والتدرج المزعوم رغم أنهم يستطيعون ذلك لو كانوا مخلصين أو صادقين أو بعيدين عن النفاق الذي يزين لهم الترويج لتهمة التطرف والتشدد وتوزيعها على كل من يدعو للإسلام أو إلى تطبيق شريعته وتنفيذ أحكامه. إن توزيع هذه الاتهامات إنما هو وسيلة يلجأ إليها طلاب المناصب والمنافع ليقنعوا سادتهم بأن وجودهم ضروري لمقاومة هذا الخطر المزعوم الذي يستخدمون منابر الإعلام للزعم بوجوده، وتضخيم آثاره ليكون النظام القائم محتاجا إلى سماسرة الاعتدال، وليكون لهؤلاء عمل يقومون به بحجة حماية سادة المجتمع وحكامه والمنتفعين من النظم القائمة التي يهددها دعاة التغيير و[[الإصلاح]] والتطبيق الكامل للشريعة وتنفيذ أحكامها. بهذه الوسيلة المصطنعة ينجح هؤلاء السماسرة في الاحتفاظ بمقاعدهم والمنافع التي يستفيدونها مقابل مقابل ما يدعونه من دفاعهم عن النظم القائمة التي لا يجوز تغييرها ولا تبديلها، مع أن سنة الكون هي أنه لا توجد أوضاع مؤبدة بل كل أوضاع العالم عرضة للتغيير والتبديل.<br />
<br />
إن هؤلاء المنافقين الذين يهاجمون الشريعة [[الإسلام]]ية ويتهمون دعاتها بالتطرف لا يفكرون إلا في مناصبهم ومنافعهم التي يغدقها عليهم المنتفعون بالنظم القائمة والمستفيدون من الأوضاع الحالية التي يشكو منها عامة الناس ويستغيثون مما يصيبهم من شططها وانحرافها. إنهم يعتقدون أن وجود التطرف والتشدد هو المبرر لوجود من يدعون الاعتدال ويتاجرون به ويستفيدون منه. لذلك نجدهم يصرون على ترويج تهم التطرف وينسبونها للمعارضين للنظم القائمة لكي يستمروا هم في التحدث باسمها والدفاع عن بقائها ... والاستفادة مما يمنحه ذلك لهم من مناصب ومنافع لا يستحقونها.<br />
<br />
ولكشف هذا النفاق الذي يتسترون به، قدمنا لهم نموذجا لآراء أستاذ [[القانون]] العصري المرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] في دفاعه عن مبادئ الشريعة فيما يتعلق بنظام الحكم، وفقه [[القانون]] العام، كما سجله في كتابه عن "الخلافة" الذي نشره عام [[1926]]، فرغم أنه كان في ميدان التنفيذ العملي من الذين اتبعوا أسلوب التدرج والاعتدال ومراعاة مقتضيات الظروف التي تحيط بالعالم [[الإسلام]]ي. فإنه عندما يكتب أو يؤلف كان يدافع عن سيادة مبادئ الشريعة ووجوب الالتزام بها التزاما كاملا شاملا في جميع بلاد المسلمين. وقد فعل ذلك في وقت كان الهجوم الاستعماري على الشريعة [[الإسلام]]ية والدولة [[الإسلام]]ية قد بلغ ذروته بإلغاء الخلافة، وتنكر [[تركيا]] وأعوانها للشريعة وتنفيذها وتطبيقها في نظام الحكم وفي جميع مسائل [[القانون]] العام والخاص. يمكن لمن يقرءون دفاع [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] عن وجوب الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية أن يتهموه بأنه متطرف ومتشدد، لأنه يؤكد أن هذا الالتزام مرتبط بالعقيدة والإيمان فلا يستطيع المؤمن أن يتنكر له أو يعترض عليه.<br />
<br />
وكل الذين يدعون لتطبيق الشريعة تطبيقا كاملا فوريا لا يقولون أكثر مما قاله [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] في مجال الفقه والدراسة. أما في مجال العمل والتنفيذ فإن [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] كان يعمل ما يستطيع عمله في الظروف القائمة، ولذلك اضطر إلى العمل التدريجي وسار في خطة الاعتدال، دون أن يتنكر لمبدأ وجوب الالتزام بالشريعة التزاما كاملا عندما يكون ممكنا، إنه كان يقر بوجود قوى خارجية تعترض على التطبيق الفوري الكامل للشريعة، ولم يكن ينكر ذلك أو يتستر عليه، كما يفعل أدعياء الاعتدال والتدرج في الوقت الحاضر، الذين يتصدون لإخفاء واقع التدخل الأجنبي وينكرون وجود ضغوط خارجية وينسبون لأنفسهم ما يدعيه الاستعمار من تجريح للشريعة ونقد لأحكامها لكي يهدئوا من غضبة الشعوب على التدخل الأجنبي، وهم بذلك إنما يتصدون لحماية ذلك التدخل بإخفائه عن أعين الشعوب.<br />
<br />
لقد توسعنا في استعراض دفاع [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] عن فقه نظام الحكم [[الإسلام]]ي ووجوب تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية في البلاد [[الإسلام]]ية جميعها، آملين أن يكون ذلك مفيدا لكل من يدعي [[الدعوة]] للتطور والتقدم ويتمسح بالقوانين العصرية. إذ لا ينكر أحد في جيلنا أن المرحوم الدكتور [[عبد الرزاق السنهوري]] كان رائدا للتقنيات العصرية وأستاذا للقانون الوضعي في ميادين الفقه والتشريع والتقنين، وما زالت آثاره باقية في مجموعات القوانين التي تولى بنفسه إعدادها ودافع عنها في [[مصر]] و[[العراق]] و[[سوريا]] و[[الكويت]] و[[ليبيا]]، ولكنه مع ذلك كان يعتبرها تشريعات مرحلية مؤقتة يجب تجاوزها إلى التطبيق الكامل للشريعة [[الإسلام]]ية كقانون موحد لجميع الشعوب العربية و[[الإسلام]]ية بمجرد أن تصل شعوبنا ودولنا الوطنية إلى مرحلة تؤهلها للاستقلال التشريعي والوحدة الثقافية. وكثير ممن يشتغلون ب[[القانون]] في الوقت الحاضر يرون أننا قد وصلنا إلى هذه المرحلة التي دعا إليها [[عبد الرزاق السنهوري|السنهورري]] وغيره سواء وصفوا بالاعتدال أو التطرف في الدفاع عن الشريعة [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
إننا نقدم هذه المقالات إلى كل من ينشد الفكر الهادئ الصادق ويفكر من أجل الوصول ببلادنا إلى مثلها الأعلى وهو السيادة التشريعية الكاملة للشريعة [[الإسلام]]ية التي تحقق لنا الوحدة الثقافية في جميع أقطار العالمين العربي و[[الإسلام]]ي، سواء في ميادين الفكر أو التشريع أو القضاء وتكون بلادنا بذلك جديرة بدورها الرائد في العالم الثالث من أجل تصفية آثار الاستعمار الثقافي والتشريعي، آملين أن يتجه الجميع إلى ميدان العمل الجدي ويترفعوا عن المهاترات التي يروجها الذين لا يعملون شيئا ولا يريدون أن يعمل الناس.<br />
<br />
'''والله ولي التوفيق.'''<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644611عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-03-05T23:48:56Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) <br />
<br />
وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
<br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة الشهيرة [[الإخوان|للإخوان]] ، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "<br />
<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى]] – [[عبد القادر حاتم]] – [[عبد المحسن أبو النور]] – [[محمد النبوي المهندس]] – [[أحمد توفيق البكري]] – [[عبد العزيز السيد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[أحمد فهيم]] – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو]] – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[محمد أبو نار]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[على السيد]] – [[محمد على بشير]] – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة]] - [[حسنى الحديدي]]. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود]] – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب]] – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد حجر]] – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على]] – [[محمد أحمد غانم]] – [[محمد أسعد راجح]] – [[محمد البدوي فؤاد]] – [[عبد الحليم منتصر]] – [[عبد الوهاب البرلسى]] – [[على سيد حمدي الحكيم]] – [[طلبة عبد العزيز مصطفى]] – [[محمد خلف الله أحمد]] – [[حسين خلاف]] – [[رفعت المحجوب]] – [[مصطفى كمال حلمي]] – [[عبد الجابر علام]] – [[محمود أبو عافية]] – [[حسن ناجى]] – [[أحمد محمد كامل صديق]] – [[محمد فؤاد حسن همام]] – [[فتحي فوده تادرس]] – [[صلاح زكى]] – [[عواطف الصحفي]] – [[عبد الحميد غازي]] – [[أحمد فؤاد محمود]] – [[حسين فهما]] – [[طلعت عزيز]] – [[فؤاد محي الدين]] – [[فردوس أحمد سعد]] – [[نعيم أبو طالب]] – [[كمال الشاذلي]] – [[سميرة الكيلانى]] – [[همت مصطفى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر]] – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر]] – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر]] – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر]] – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%89_%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=644610وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات2012-03-05T23:41:36Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات</font></font></center>'''<br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=4>عرض – نقد - دراسة</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم:رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى <br />
<br />
ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا . <br />
<br />
بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .<br />
<br />
وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .<br />
<br />
فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا . <br />
<br />
وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟ <br />
<br />
لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟ <br />
<br />
ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟ <br />
<br />
ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟ <br />
<br />
ولماذا ؟ <br />
<br />
لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟ <br />
<br />
هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة . <br />
<br />
بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ... <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه . <br />
<br />
-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى . <br />
<br />
*ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة . <br />
<br />
* '''هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :'''<br />
<br />
'''فأولا :''' <br />
<br />
يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة . <br />
<br />
'''ثانيا :''' <br />
<br />
يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .<br />
<br />
'''ثالثا :''' <br />
<br />
لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .<br />
<br />
** وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .<br />
<br />
'''الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )'''<br />
<br />
<br />
( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم ) <br />
<br />
'''الإمام آية الله الخمينى'''<br />
<br />
'''( من كتابه : الحكومة الإسلامية )'''<br />
<br />
==الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)==<br />
<br />
"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟ <br />
<br />
لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟ <br />
<br />
===المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)===<br />
<br />
====أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى ====<br />
<br />
تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " . <br />
<br />
وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة <br />
<br />
'''يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر : '''<br />
<br />
( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير . <br />
<br />
ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل ) <br />
<br />
ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) . <br />
<br />
وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) '''يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية : '''<br />
<br />
'''الأولى :''' الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع . <br />
<br />
'''والثانية :''' هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله . <br />
<br />
'''الثالثة :''' هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين . <br />
<br />
ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )<br />
<br />
وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى . <br />
<br />
====ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى==== <br />
<br />
فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية <br />
التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) '''وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى : '''<br />
<br />
( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت : '''<br />
<br />
( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :'''<br />
<br />
( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 ) <br />
<br />
وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) . <br />
<br />
وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .<br />
<br />
====ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى====<br />
<br />
ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد : <br />
<br />
( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .<br />
<br />
وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان . <br />
<br />
* ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977) <br />
<br />
وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم . <br />
<br />
ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ " <br />
<br />
ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم " <br />
<br />
مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟<br />
<br />
'''ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر : '''<br />
<br />
( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟ <br />
<br />
خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا ) <br />
<br />
وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " . <br />
<br />
وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان. <br />
<br />
هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة . <br />
<br />
ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس . <br />
<br />
يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) . <br />
<br />
'''ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا : '''<br />
<br />
( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج . <br />
<br />
وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . <br />
<br />
وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب <br />
<br />
* وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله . <br />
<br />
====رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات ====<br />
<br />
مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا . <br />
<br />
*من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – '''لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :'''<br />
<br />
'''البعث الإسلامى نقطة البدء :'''<br />
<br />
1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى . <br />
<br />
وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية . <br />
<br />
'''ويقول :''' ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما . <br />
<br />
وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه . <br />
<br />
2- '''ثم يقول فو موضع آخر :''' ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .<br />
<br />
إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .<br />
<br />
إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم . <br />
<br />
ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة. <br />
<br />
ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته . <br />
<br />
وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية . <br />
<br />
3-'''* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا :''' وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه . <br />
<br />
ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية : <br />
<br />
-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف . <br />
<br />
-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية . <br />
<br />
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات . <br />
<br />
فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا . <br />
<br />
-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية . <br />
<br />
4 – '''ثم يختم رؤيته قائلا :''' وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد . <br />
<br />
فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة . <br />
<br />
5- '''وعن التنظيمات يرى المؤلف :''' إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد . <br />
<br />
وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية . <br />
<br />
إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .<br />
<br />
6- '''وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف : '''<br />
<br />
ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) . <br />
<br />
7- '''وفي موضع آخر يقول المؤلف :''' وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى . <br />
<br />
وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة . <br />
<br />
وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى . <br />
<br />
وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق . <br />
<br />
واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال . <br />
<br />
كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية . <br />
<br />
8- '''وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف : '''<br />
<br />
وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين . <br />
<br />
ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر . <br />
<br />
وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى . <br />
<br />
وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر . <br />
<br />
وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر . <br />
<br />
واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج . <br />
<br />
9- '''وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى : '''<br />
<br />
( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى . <br />
<br />
وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى. <br />
<br />
وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات . <br />
<br />
كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك . <br />
<br />
وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة . <br />
<br />
إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه ) <br />
<br />
( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى ) <br />
<br />
====خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة====<br />
<br />
'''يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :'''<br />
<br />
1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا . <br />
<br />
* إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .<br />
<br />
'''الحركة الإسلامية المعاصرة :'''<br />
<br />
'''تيارات إسلامية سياسية : '''<br />
<br />
-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى . <br />
<br />
-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى . <br />
<br />
'''تيارات إسلامية غير سياسية :'''<br />
<br />
الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى ) <br />
<br />
ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل . <br />
<br />
وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) . <br />
<br />
فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟ <br />
<br />
2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 . <br />
<br />
* إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟ <br />
<br />
* إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق . <br />
<br />
3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .<br />
<br />
===المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب === <br />
<br />
لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . <br />
ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل ) <br />
<br />
وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا '''سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى : '''<br />
<br />
'''أولا :''' أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .<br />
<br />
'''ثالثا :''' البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير . <br />
<br />
'''رابعا :''' خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة ) <br />
<br />
'''خامسا :''' من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''سادسا:''' منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب . <br />
<br />
====أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا ==== <br />
<br />
حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى . <br />
<br />
فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟ <br />
<br />
'''أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين : '''<br />
<br />
نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟ <br />
<br />
'''فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد : '''<br />
<br />
ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟ <br />
<br />
نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم . <br />
<br />
والثانى : معرفة حكم الله فيهم . <br />
<br />
إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .<br />
<br />
'''ويقول ابن تيمية :'''<br />
<br />
وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة . <br />
<br />
وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . <br />
<br />
ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) . <br />
<br />
'''ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله : '''<br />
<br />
ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام . <br />
<br />
وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .<br />
<br />
قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية . <br />
<br />
'''ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها : '''<br />
<br />
أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه . <br />
<br />
ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين . <br />
<br />
ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم . <br />
<br />
====ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب ====<br />
<br />
كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''وهذه المستويات هى :'''<br />
<br />
1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر . <br />
<br />
2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر . <br />
<br />
3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر . <br />
<br />
4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى ) <br />
<br />
ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية . <br />
<br />
أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب . <br />
<br />
====ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى ====<br />
<br />
يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – '''ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :'''<br />
<br />
'''أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية : '''<br />
<br />
'''وهنا يرى الإمام الخومينى :'''<br />
<br />
" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " . <br />
<br />
2- '''المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى ) '''<br />
<br />
" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام . <br />
<br />
'''ويقول فى جزئية أخرى : '''<br />
<br />
إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر . <br />
<br />
3- '''تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :''' <br />
<br />
1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة . <br />
<br />
2- ترك التعاون معها . <br />
<br />
3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم . <br />
<br />
4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .<br />
<br />
'''ثم يستطرد الإمام قائلا :'''<br />
<br />
ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره " <br />
<br />
وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟ <br />
<br />
'''ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم : '''<br />
<br />
تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى . <br />
<br />
1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا . <br />
<br />
2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من : <br />
<br />
إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة . <br />
<br />
3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) . <br />
<br />
4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 . <br />
<br />
5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 . <br />
<br />
6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 . <br />
<br />
7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم . <br />
<br />
'''ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير : '''<br />
<br />
باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .<br />
<br />
وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات . <br />
<br />
وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) . <br />
<br />
وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة . <br />
<br />
وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة . <br />
<br />
وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها . <br />
<br />
والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) . <br />
<br />
والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى . <br />
<br />
أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية . <br />
<br />
ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , '''وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث : '''<br />
<br />
1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) . <br />
<br />
2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) . <br />
<br />
3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .<br />
<br />
4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .<br />
<br />
====رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )====<br />
<br />
إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟ <br />
<br />
إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين . <br />
<br />
ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها . <br />
<br />
ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات . <br />
<br />
فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .<br />
<br />
بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .<br />
<br />
استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة . <br />
<br />
وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه . <br />
<br />
هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين : <br />
<br />
'''الأول :''' ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ <br />
قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور : <br />
<br />
(1 )''' الدكتور . صالح سرية :''' قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال . <br />
<br />
(2)''' شكرى مصطفى :''' قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 . <br />
<br />
(3) '''محمد عبد السلام فرج :''' وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد . <br />
<br />
(4) '''عبود الزمر :''' القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية ) <br />
<br />
- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول . <br />
<br />
- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات . <br />
<br />
- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) . <br />
<br />
==== خامسا : منهج التعامل مع الوثائق ====<br />
<br />
مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .<br />
<br />
الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – '''من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة : '''<br />
<br />
'''المستوى الأول :''' ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق . <br />
<br />
'''المستوى الثانى :''' ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به . <br />
<br />
'''المستوى الثالث :''' نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى . <br />
<br />
'''المستوى الرابع :''' ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه . <br />
<br />
هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى : <br />
<br />
1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت . <br />
<br />
2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .<br />
<br />
3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج . <br />
<br />
* هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة . <br />
<br />
* '''ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب . <br />
<br />
** من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا <br />
<br />
'''ثانيا :''' مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا . <br />
<br />
'''ثالثا :''' تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل . <br />
<br />
ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟ <br />
<br />
==ملحق الفصل الأول ==<br />
<br />
( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب ) <br />
<br />
1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 . <br />
<br />
2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 . <br />
<br />
3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 . <br />
<br />
الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 . <br />
<br />
4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) . <br />
<br />
5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985 <br />
<br />
6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) . <br />
<br />
7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت . <br />
<br />
8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت<br />
<br />
9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) . <br />
<br />
10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 ) <br />
<br />
11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) . <br />
<br />
12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981<br />
<br />
13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) . <br />
<br />
14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977<br />
<br />
15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 ) <br />
<br />
16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت ) <br />
<br />
17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .<br />
<br />
18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 ) <br />
<br />
19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية ) <br />
<br />
20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى ) <br />
<br />
21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 ) <br />
<br />
22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 ) <br />
<br />
23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 ) <br />
<br />
24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 ) <br />
<br />
25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 ) <br />
<br />
26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) . <br />
<br />
27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 ) <br />
<br />
28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 . <br />
<br />
29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 . <br />
<br />
30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من : <br />
<br />
الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 . <br />
<br />
شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 ) <br />
<br />
تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981) <br />
<br />
32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 ) <br />
<br />
* والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .<br />
<br />
'''الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:'''<br />
<br />
حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53 <br />
<br />
==الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر ==<br />
<br />
* صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل . <br />
<br />
* فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى . <br />
<br />
* وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين . <br />
<br />
* والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين === <br />
<br />
تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : <br />
( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة <br />
<br />
وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " <br />
اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟ <br />
<br />
'''زمن التصريح فقط : '''<br />
<br />
'''تقول الوثائق مجيبة : '''<br />
<br />
( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... <br />
ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟ <br />
<br />
'''يجيب صالح سرية :'''<br />
<br />
( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .<br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس . <br />
<br />
والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " <br />
<br />
====العقيدة فقط = الكفر==== <br />
<br />
فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .<br />
<br />
ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة . <br />
<br />
====مجتمعات جاهلية====<br />
<br />
وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد <br />
( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا . <br />
<br />
إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص . <br />
<br />
====الأفراد غير الكفرة ====<br />
<br />
'''يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :'''<br />
<br />
1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية . <br />
<br />
2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية . <br />
<br />
3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين . <br />
<br />
====الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام ====<br />
<br />
'''وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة . <br />
<br />
ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه . <br />
<br />
===(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه===<br />
<br />
وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير . <br />
<br />
====الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية ==== <br />
<br />
يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .<br />
<br />
فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا . <br />
<br />
'''ويفسر سرية ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج . <br />
<br />
====موالاة الدولة للأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
*وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .<br />
<br />
====القوانين ==== <br />
<br />
'''يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :''' <br />
<br />
( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله " <br />
<br />
====المعارضون لأحكام الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى موضع آخر :'''<br />
<br />
( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث . <br />
<br />
ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان . <br />
<br />
وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا . <br />
<br />
====الإعتزاز بتراث الكفر ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :'''<br />
<br />
ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح . <br />
<br />
====حصر الدين بالعبادة ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ . <br />
<br />
ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك . <br />
<br />
وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر . <br />
<br />
====من ترك أركان الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع : '''<br />
<br />
( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .<br />
<br />
ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .<br />
<br />
نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر . <br />
<br />
====من أنكر إحدى العقائد ====<br />
<br />
'''وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية : '''<br />
<br />
( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح . <br />
<br />
====طقوس الشرك الجديدة ====<br />
<br />
ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس : <br />
<br />
أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية . <br />
<br />
ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا . <br />
<br />
ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) . <br />
<br />
وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .<br />
<br />
===(3) البديل الإسلامى ===<br />
<br />
* قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية ) <br />
<br />
ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟ <br />
<br />
====قواعد التكفير ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى : '''<br />
<br />
1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام . <br />
<br />
والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية . <br />
<br />
وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ '''أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين : '''<br />
<br />
'''فى السياسة :'''<br />
<br />
فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا . <br />
<br />
وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ <br />
<br />
كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة . <br />
<br />
المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق <br />
<br />
'''القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:''' <br />
<br />
(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة . <br />
<br />
'''القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :'''<br />
<br />
( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط . <br />
<br />
فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة . <br />
<br />
لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم . <br />
<br />
فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " '''فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين : '''<br />
<br />
'''الحالة الأولى :''' أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن <br />
<br />
'''الحالة الثانية :''' إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . <br />
<br />
لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة . <br />
<br />
قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها . <br />
<br />
وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية===<br />
<br />
وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر : <br />
<br />
'''يحددها الآتى : '''<br />
<br />
(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية . <br />
<br />
(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة . <br />
<br />
(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "<br />
<br />
'''ثم يقول سرية : '''<br />
<br />
وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر . <br />
<br />
====الإيمان بالله ==== <br />
<br />
فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : <br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى : '''<br />
<br />
(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر . <br />
<br />
(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله . <br />
<br />
إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .<br />
<br />
وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر . <br />
<br />
(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم . <br />
<br />
ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .<br />
<br />
ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟ <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
'''بيان صالح سرية عام 1974 '''<br />
<br />
" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير " <br />
<br />
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – '''لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية : '''<br />
<br />
1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض . <br />
<br />
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .<br />
<br />
3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة . <br />
<br />
4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات . <br />
<br />
5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم . <br />
<br />
6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان . <br />
<br />
7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .<br />
<br />
8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف . <br />
<br />
9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا . <br />
<br />
'''والله الموفق ''' <br />
<br />
'''رئيس الجمهورية ''' <br />
<br />
'''صالح عبد الله سرية'''<br />
<br />
'''الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة'''<br />
<br />
(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية ) <br />
<br />
'''شكرى أحمد مصطفى '''<br />
<br />
'''من وثيقة الخلافة '''<br />
<br />
'''الجزء الأول- 9'''<br />
<br />
==الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==<br />
<br />
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 . <br />
<br />
ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة . <br />
<br />
فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم والمجتمع ===<br />
<br />
( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . <br />
اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. '''نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .<br />
<br />
'''ثالثا:''' معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين . <br />
<br />
====أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية==== <br />
<br />
يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية <br />
<br />
وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد . <br />
<br />
بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .<br />
<br />
'''ثم يقول : '''<br />
<br />
إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا . <br />
<br />
أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران . <br />
<br />
" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 . <br />
<br />
إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر . <br />
<br />
وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... <br />
ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
<br />
وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر . <br />
<br />
'''الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا : '''<br />
<br />
( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى : <br />
<br />
'''" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "''' المائدة – 81 <br />
<br />
'''ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها : '''<br />
<br />
( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .<br />
<br />
وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين . <br />
<br />
'''إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى : '''<br />
<br />
ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها : <br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .<br />
<br />
أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك . <br />
<br />
ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك . <br />
<br />
'''الغبش فى التصور مستمر : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى أيضا : '''<br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " . <br />
<br />
'''الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :'''<br />
<br />
'''واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى : '''<br />
<br />
( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .<br />
<br />
'''ويقول شكرى :'''<br />
<br />
أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .<br />
<br />
... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55 <br />
<br />
أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 . <br />
<br />
'''ولكنى : '''<br />
<br />
أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 . <br />
<br />
أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .<br />
<br />
====ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى====<br />
<br />
'''وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله : '''<br />
<br />
( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 . <br />
<br />
كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله . <br />
<br />
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة . <br />
<br />
حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها . <br />
<br />
'''ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :'''<br />
<br />
( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. ) <br />
<br />
====ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم ====<br />
<br />
" من المسلم عندى " ؟ <br />
<br />
'''يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق : '''<br />
<br />
( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟ <br />
<br />
'''يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها : '''<br />
<br />
( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا . <br />
<br />
ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من : <br />
<br />
-أعلن كفره بالطاغوت . <br />
<br />
-وإيمانه بالله . <br />
<br />
-وتسليمه له وحده . <br />
<br />
وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 . <br />
<br />
-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام <br />
<br />
-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه . <br />
<br />
-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه <br />
<br />
'''وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول : '''<br />
<br />
( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) <br />
ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) <br />
والجواب .. لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ <br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى ) <br />
<br />
'''ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري : '''<br />
<br />
( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .<br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة ) <br />
<br />
'''أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :'''<br />
<br />
( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ . <br />
<br />
والجواب : لا يصح .. ولم يصح . <br />
<br />
فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط . <br />
<br />
1- شهادة لا إله إلا الله . <br />
<br />
2- شهادة أن محمد ا رسول الله . <br />
<br />
3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ ) <br />
<br />
4- اجتناب النواقض . <br />
<br />
ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 ) <br />
<br />
'''ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:'''<br />
<br />
1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع . <br />
<br />
2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها . <br />
<br />
3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 . <br />
<br />
الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟ <br />
<br />
===(2) البديل الاسلامى === <br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل ) '''<br />
<br />
البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .<br />
<br />
====التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة====<br />
<br />
'''يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :'''<br />
<br />
( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية . <br />
<br />
إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 . <br />
<br />
فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ . <br />
<br />
أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى ) <br />
<br />
'''ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا : '''<br />
<br />
( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) <br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة . <br />
<br />
'''فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد : '''<br />
<br />
-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة . <br />
<br />
-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها . <br />
<br />
-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك <br />
<br />
'''عقم للسرية : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى :''' فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ). <br />
<br />
وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى . <br />
<br />
'''حركات عرجاء : '''<br />
<br />
'''وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى : '''<br />
<br />
( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . <br />
لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به . <br />
<br />
وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله . <br />
<br />
وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا ) <br />
<br />
'''وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله : '''<br />
<br />
هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول . <br />
<br />
====التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :'''<br />
<br />
( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال . <br />
<br />
لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .<br />
<br />
وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا . <br />
<br />
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7 <br />
<br />
نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا . <br />
<br />
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .<br />
<br />
'''حراب مشرعة : '''<br />
<br />
'''ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :'''<br />
<br />
( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة . <br />
<br />
'''ثلاث سنوات من العزلة : '''<br />
<br />
'''ويدهش شكرى قائلا :'''<br />
<br />
( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. <br />
إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى . <br />
<br />
والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .<br />
<br />
'''ويعود متسائلا : '''<br />
<br />
( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس . <br />
<br />
إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 . <br />
<br />
ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 . <br />
<br />
'''وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى : '''<br />
<br />
'''( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك "''' الممتحنة – 5 . <br />
<br />
'''المبادرة بالاعتزال :'''<br />
<br />
'''وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . <br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر . <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .<br />
<br />
'''الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية : '''<br />
<br />
وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم . <br />
<br />
" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . <br />
بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 . <br />
<br />
وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . <br />
وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. " <br />
====التساؤل الثالث أين نهاجر ؟====<br />
<br />
وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟ <br />
<br />
لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) : <br />
<br />
'''يقول شكرى :'''<br />
<br />
( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت . <br />
<br />
قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . <br />
وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )<br />
<br />
'''خارج أرض الجاهلية :'''<br />
<br />
( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 <br />
وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم . <br />
<br />
فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر . <br />
<br />
'''شغف الجبال ومواقع القطر : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها . <br />
<br />
'''الوديان والبوادى والشعب : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .<br />
<br />
عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو ) <br />
<br />
'''الكهوف :'''<br />
<br />
'''ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية : '''<br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 . <br />
<br />
فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة . <br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 ) <br />
<br />
'''يؤكد شكرى دعواه بقوله :'''<br />
<br />
( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان . <br />
<br />
====التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة) ====<br />
<br />
'''يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة : '''<br />
<br />
( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .<br />
<br />
ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . <br />
ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين . <br />
<br />
وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .<br />
<br />
وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .<br />
<br />
فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة : '''<br />
<br />
صفقة يدك .. وثمرة فؤادك .. <br />
<br />
'''مهام أخرى للإمام : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام : '''<br />
<br />
وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه . <br />
<br />
إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا . <br />
<br />
وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم . <br />
<br />
وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم . <br />
<br />
'''إقامة الحدود ودور الإمام : '''<br />
<br />
ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . <br />
وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع . <br />
<br />
وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة . <br />
<br />
وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة . <br />
<br />
وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول : <br />
<br />
" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان " <br />
<br />
وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع . <br />
<br />
أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. <br />
وذلك لأنك وكما يقول شكرى : <br />
<br />
قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
'''المراجعة وحق النقد :'''<br />
<br />
'''بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :'''<br />
<br />
( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة . <br />
<br />
بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر . <br />
<br />
'''فضل الإمامة والبيعة : '''<br />
<br />
'''وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .<br />
<br />
وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " <br />
وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " <br />
وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " <br />
وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " <br />
<br />
'''الجماعة :'''<br />
<br />
'''ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول : '''<br />
<br />
( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .<br />
<br />
إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم . <br />
<br />
وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها . <br />
<br />
وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها . <br />
<br />
وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع . <br />
<br />
وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر . <br />
<br />
وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله . <br />
<br />
وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله . <br />
<br />
وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا . <br />
<br />
===(3) المستقبل ===<br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )'''<br />
<br />
رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ <br />
تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟ <br />
<br />
====ضمانات التجمع الإسلامى ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء : '''<br />
<br />
(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية . <br />
<br />
(2) إقامة الحدود ورد الحقوق <br />
<br />
(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها . <br />
<br />
(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .<br />
<br />
(5) فرض تعلم الدين وتعليمه . <br />
<br />
(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها . <br />
<br />
(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد . <br />
<br />
(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن . <br />
<br />
(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.<br />
<br />
(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا . <br />
<br />
'''والآن يقول شكرى :''' ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ <br />
بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟ <br />
<br />
====النجاة الفردية ====<br />
<br />
'''يجيب شكرى قائلا : '''<br />
<br />
( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ : <br />
<br />
'''ويقول فى موضع آخر من وثائقه : '''<br />
<br />
( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .<br />
<br />
====معالم الدولة القادمة==== <br />
<br />
'''ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه : '''<br />
<br />
( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) . <br />
<br />
'''ويقول أخيرا :''' (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف ) <br />
<br />
وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات : <br />
<br />
-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟ <br />
<br />
-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟ <br />
<br />
-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 . <br />
<br />
'''الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة'''<br />
<br />
" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 . <br />
<br />
==الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة==<br />
<br />
لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات .. <br />
<br />
'''وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى : '''<br />
<br />
-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ <br />
<br />
-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟ <br />
<br />
-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟ <br />
<br />
-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟ <br />
<br />
'''ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف : '''<br />
<br />
===(1) نظام الحكم === <br />
<br />
'''( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) '''<br />
<br />
تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. '''ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله : '''<br />
<br />
===الحاكم بغير ما أنزل الله=== <br />
<br />
( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " <br />
<br />
قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .<br />
<br />
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا " <br />
<br />
====حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام ====<br />
<br />
فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج ) <br />
<br />
( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟ <br />
<br />
'''يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 : '''<br />
<br />
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم====<br />
<br />
لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى : <br />
<br />
1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع . <br />
<br />
2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) . <br />
<br />
3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) . <br />
<br />
4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 . <br />
<br />
'''ملحوظة :''' من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه ) <br />
<br />
5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها . <br />
<br />
6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .<br />
<br />
(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث ) <br />
<br />
'''فتاوى ابن تيمية :'''<br />
<br />
ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا : <br />
<br />
ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟<br />
<br />
===(2) المجتمع=== <br />
<br />
'''" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "'''<br />
<br />
لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .<br />
<br />
'''" الدار التى نعيش فيها " : '''<br />
<br />
يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام '''وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة : '''<br />
<br />
1- أن تعلوها أحكام الكفر . <br />
<br />
2- ذهاب الأمان للمسلمين . <br />
<br />
3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن . <br />
<br />
وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون <br />
<br />
===(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة===<br />
<br />
'''( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )'''<br />
<br />
يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. '''وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى : '''<br />
<br />
'''الشق الأول :''' الغاية : بناء الدولة الإسلامية . <br />
<br />
'''الشق الثانى :''' الوسائل . <br />
<br />
'''أولا :''' نقد الوسائل المطروحة إسلاميا . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إعلاء وسيلة الجهاد الدموى . <br />
<br />
فماذا عن الشقين ؟ <br />
<br />
====الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية==== <br />
<br />
يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال . <br />
<br />
ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة . <br />
<br />
====الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة ====<br />
<br />
'''أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :'''<br />
<br />
قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب ) <br />
<br />
( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة ) <br />
<br />
'''الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة : '''<br />
<br />
ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " <br />
<br />
والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل " <br />
<br />
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا " <br />
<br />
ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل . <br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :'''<br />
<br />
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله . <br />
<br />
'''الهجرة :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , '''وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) : '''<br />
<br />
'''الأول :''' الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . <br />
<br />
'''الثانى :''' الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " <br />
<br />
'''الإنشغال بطلب العلم'''<br />
<br />
'''ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد : '''<br />
<br />
( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
'''ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :'''<br />
<br />
بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) . <br />
<br />
وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟ <br />
<br />
'''الخروج على الحاكم : '''<br />
<br />
'''يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : '''<br />
(جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا . <br />
<br />
أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير . <br />
<br />
يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) . <br />
<br />
'''العدو القريب والعدو البعيد : '''<br />
<br />
'''وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية '''وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :''' <br />
<br />
'''أولا :''' إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة. <br />
<br />
'''( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) : '''<br />
<br />
'''يقول فرج فى هذه الفرعية : '''<br />
<br />
( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " . <br />
<br />
ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) . <br />
<br />
وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام . <br />
<br />
'''ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :'''<br />
<br />
( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها . <br />
<br />
'''( آية السيف ) : '''<br />
<br />
'''وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة " <br />
<br />
ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال " <br />
<br />
وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد . <br />
<br />
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .<br />
<br />
ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . <br />
وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى : <br />
<br />
'''( القتال الآن فرض على كل مسلم ) : '''<br />
<br />
يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ '''يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :'''<br />
<br />
'''أولا :''' إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . <br />
<br />
'''ثالثا :''' إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى . <br />
<br />
وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم . <br />
<br />
واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم . <br />
<br />
====( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )====<br />
<br />
'''وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام : '''<br />
<br />
( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل '''على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :''' <br />
<br />
1- جهاد النفس . <br />
<br />
2- جهاد الشيطان . <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين . <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " . <br />
<br />
وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين . <br />
<br />
'''( خشية الفشل ) : '''<br />
<br />
'''ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :'''<br />
<br />
( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . <br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم <br />
<br />
'''(القيادة ) : '''<br />
<br />
وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته . <br />
<br />
فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز . <br />
<br />
'''ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة : '''<br />
<br />
وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى . <br />
<br />
'''( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)<br />
<br />
====عقوبة ترك الجهاد ====<br />
<br />
'''ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله : '''<br />
<br />
( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة . <br />
<br />
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة " <br />
<br />
ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج === <br />
<br />
وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. '''وعن هذا المعنى تقول الوثائق : '''<br />
<br />
====الإسلام مقبل ====<br />
<br />
'''يرى محمد عبد السلام فرج :'''<br />
<br />
( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه . <br />
<br />
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله . <br />
<br />
(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )<br />
<br />
(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم . <br />
<br />
وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين . <br />
<br />
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .<br />
<br />
والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية . <br />
<br />
'''الرد على اليائسين : '''<br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :'''<br />
<br />
( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا . <br />
<br />
'''ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا : '''<br />
<br />
( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم . <br />
<br />
وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟ <br />
<br />
'''الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان ) '''<br />
<br />
( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر . <br />
<br />
==الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان== <br />
<br />
عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية . <br />
<br />
ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟ <br />
<br />
===أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر === <br />
<br />
ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره : <br />
<br />
1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا . <br />
<br />
2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل . <br />
<br />
3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث . <br />
<br />
4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .<br />
<br />
وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .<br />
<br />
5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية . <br />
<br />
وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية . <br />
<br />
وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم . <br />
<br />
وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة . <br />
<br />
'''ملاحظة على أقوال عبود :'''<br />
<br />
الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ <br />
بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا . <br />
<br />
===ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان===<br />
<br />
بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .<br />
<br />
ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد .. <br />
<br />
فماذا يقول عبود فى الحوار ؟ <br />
<br />
'''كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :'''<br />
<br />
ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى . <br />
<br />
س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟ <br />
<br />
ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق . <br />
<br />
س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟ <br />
<br />
ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . <br />
س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟ <br />
<br />
ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم . <br />
<br />
أ'''ولا :''' أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم . <br />
<br />
'''رابعا :''' إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " <br />
<br />
'''خامسا :''' إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم . <br />
<br />
'''سادسا :''' أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .<br />
<br />
وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟ <br />
<br />
===ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر === <br />
<br />
وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها . <br />
<br />
'''فأولا :''' .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين . <br />
<br />
'''وثانيا :''' .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول . <br />
<br />
'''وثالثا :''' عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .<br />
<br />
'''رابعا:''' .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم . <br />
<br />
===رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر=== <br />
<br />
'''( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا ) '''<br />
<br />
1'''- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم''' <br />
<br />
2'''- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما '''. <br />
<br />
3'''- الباقى : 271 .''' <br />
<br />
[[ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg|700بك|center]] <br />
<br />
'''ملاحظات على التوزيع الجغرافى :'''<br />
<br />
أ- الجدول مرتب تنازليا .<br />
<br />
ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف . <br />
<br />
ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة . <br />
<br />
د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله . <br />
<br />
ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة . <br />
<br />
'''" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ) '''<br />
<br />
==الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله ==<br />
<br />
(''' قضايا ساخنة لم تحسم بعد )'''<br />
<br />
الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى : <br />
<br />
'''الفصل الأول :''' خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , '''وذلك من خلال مطلبين :''' <br />
<br />
'''الأول :''' وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات . <br />
<br />
وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع . <br />
<br />
وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟ <br />
<br />
===المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ===<br />
<br />
'''أولا :''' غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل . <br />
<br />
'''ثالثا :''' غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .<br />
<br />
'''رابعا :''' الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .<br />
<br />
'''خامسا :''' سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :<br />
<br />
'''الأول :''' يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟ <br />
<br />
'''الثانى :''' هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟ <br />
<br />
وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .<br />
<br />
وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى ) <br />
<br />
ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) . <br />
<br />
من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية . <br />
<br />
'''سادسا :''' على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .<br />
<br />
(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟ <br />
<br />
(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟ <br />
<br />
(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟ <br />
<br />
(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟ <br />
<br />
وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟ <br />
<br />
** هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية . <br />
<br />
===المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب ===<br />
<br />
كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف '''تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :''' <br />
<br />
====المتغير الأول : مصريا ==== <br />
<br />
ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) . <br />
<br />
وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .<br />
<br />
====المتغير الثانى : المتغير الإقليمى====<br />
<br />
والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) . <br />
<br />
ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) . <br />
<br />
معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار . <br />
<br />
====المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط ====<br />
<br />
لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا . <br />
<br />
ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد . <br />
<br />
هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . <br />
ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى . <br />
<br />
'''رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم . <br />
<br />
إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " . <br />
<br />
هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة . <br />
<br />
'''إنها :''' " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟ <br />
<br />
أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن : <br />
<br />
جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة : <br />
<br />
"''' يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " ''' الممتحنة 12 <br />
<br />
==وثائق الكتاب ==<br />
<br />
'''نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :'''<br />
<br />
-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية . <br />
<br />
-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .<br />
<br />
-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى. <br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثانى ===<br />
<br />
====أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )====<br />
<br />
نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة . <br />
<br />
====موالاة الدولة الأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية . <br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة و'''هذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :'''<br />
<br />
والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إ'''نما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : '''<br />
<br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :''' <br />
<br />
(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ". <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر . <br />
<br />
====بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية ====<br />
<br />
الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية . <br />
<br />
'''نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة : '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثالث ===<br />
<br />
'''أصول وثائق شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
'''نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده '''. <br />
<br />
====شغف الجبال ومواقع القطر ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) . <br />
<br />
====الوديان والبوادى والشعب ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ". <br />
<br />
====أماكن الهجرة كما يحددها شكرى ====<br />
<br />
إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف . <br />
<br />
ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . <br />
<br />
لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر . <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " . <br />
<br />
====نقد الحركات الإسلامية الأخرى ==== <br />
<br />
وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية . <br />
<br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد . <br />
<br />
الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية . <br />
<br />
نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .<br />
<br />
والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات , <br />
<br />
والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه , <br />
<br />
والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع , <br />
<br />
والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .<br />
<br />
وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . <br />
<br />
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل . <br />
<br />
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك " <br />
<br />
====فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له ====<br />
<br />
المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا . <br />
<br />
إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. '''ثم الإنطلاق بعد ذلك : '''<br />
<br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .. <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته .. <br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16 <br />
<br />
فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , '''ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة : '''<br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة : <br />
<br />
" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال . <br />
<br />
شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر " <br />
<br />
'''نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الرابع ===<br />
<br />
'''أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )'''<br />
<br />
نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم ====<br />
<br />
-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .<br />
<br />
-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم==== <br />
<br />
'''فريضة الجهاد :'''<br />
<br />
الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . '''الذى قسم الجراد إلى مراتب '''<br />
<br />
1- جهاد النفس <br />
<br />
2- جهاد الشيطان <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير ) <br />
<br />
وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )<br />
<br />
====مراتب فريضة الجهاد====<br />
<br />
'''( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )''' <br />
<br />
( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط) <br />
<br />
( خشية الفشل ) <br />
<br />
وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .<br />
<br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . <br />
<br />
خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى . <br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88&diff=644609مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو2012-03-05T23:41:16Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>مذكرات ووثائق سرية لثورة [[يوليو]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د.[[مصطفى عبد الغني]]'''<br />
<br />
<br />
'''الإهداء إلى الشعب العربي ذكرى لزمن عربي آت'''<br />
<br />
<br />
==بدلاً من المقدمة==<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
سؤال يطرح أسئلة أخرى ..<br />
<br />
وإجابة تستعيد إجابات كثيرة.<br />
<br />
لنسأل ونحاول الإجابة ..<br />
<br />
ـ لماذا [[عبد الناصر]] الآن؟<br />
<br />
ـ أو لماذا نتذكره الآن أكثر (وهل نسيناه؟)؟<br />
<br />
ـ ولماذا نستعيد الآن قضاياه ومشروعه الثوري (وهل غابت حقاً؟) ؟<br />
<br />
'''أو لنكن أكثر حيدة ونسأل من جديد:'''<br />
<br />
ـ هل نحاول إعادة تقييمه..؟ ولنسأل بحيدة أكثر:<br />
<br />
ـ ما هي حقيقة بحثنا عن رد الاعتبار ل[[عبد الناصر]] الآن بعد أن سهدت أجيال كثيرة تغييبه أو إغفاله؟<br />
وينفرط عقد الأسئلة ..<br />
<br />
ـ ما هو موقفه من رفاقه ومثقفيه؟<br />
<br />
ـ وهل كان ـ كما يردد عن جهل أو حقد ـ وراء عمليات (التعذيب) فى السجون مع مختلفيه؟<br />
<br />
ـ وما هى حقيقة [[الديموقراطية]] فى عصره؟<br />
<br />
ـ ثم ما هى طبيعة الخلاف بين [[الثورة]] و[[القانون]]؟<br />
<br />
ـ ولماذا اتجه إلى حركات التحرر العالمية ـ والعربية منها ـ سواء بالتأييد المطلق، أو التأييد العسكرى؟<br />
<br />
ـ ولماذا كان وراء تجسيد فكرة الوحدة العربية؟<br />
<br />
ثم يدفعنا الماضى إلى الحاضر من جديد، ونعود إلى طرح السؤال لماذا نتذكره ويدفعنا السؤال إلى إعادة طرح الأسئلة البدهية؟<br />
<br />
ـ لماذا يطرح فكره فى زمن الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى و (السور الواقى) بين المثقفين وترفع صوره عبر الشوارع العربية؟ وتردد شعاراته عبر البحث عن مواجهة القوة..؟<br />
<br />
ـ ثم ما هو موقفه من عديد من القضايا عبر (مشروعه) الذى رحنا منذ أكثر من ربع قرن ـ عقب رحيله ـ بعثرته أو بيعه مع ما بعنا وبعثرنا أو ضيعنا..؟<br />
<br />
أسئلة عديدة تطرح علينا الآن، ونحاول كما حاول غيرنا كثيراَ ـ محاولة الإجابة بعد نصف قرن من [[ثورة يوليو]].<br />
أو بشكل أدق: محاولة لرد اعتبار ل[[ثورة يوليو]] ..<br />
<br />
والأن الأسئلة كثيرة؛ تظل الإجابات كثيرة، فلنحاول الإجابة إذن عبر ملاحظة أو سبب واحد؛ سبب بدهى نعيشه جميعاَ الآن؛ ليس مضى نصف قرن على [[ثورة يوليو]] وحسب، وإنما [[الدعوة]] (للمقاومة) ضد صلف ومذابح ال[[إسرائيل]]يين الآن فى جنين وأخواتها ..<br />
<br />
إنه رد الفعل ([[المقاومة]]) ضد العنصرية [[الصهيونية]] ـ الأمريكية اليوم فى وقت مازالت الحكومات العربية غائبة .. فى الوقت الذى كانت القوات ال[[إسرائيل]]ية تعصف بكل شئ فى جنين ونابلس وطولكرم .. إلى آخر المدن العربية، لم تتحرك فى بلاد العرب إلا الشعوب خلال الشارع العربى ومظاهراته التى استعلت لفترة طويلة .. حين كانت طائرات الأباتشى تصب نيرانها على العزل من أعلى والبلدوزرات والدبابات زنة 80 طناَ تهرس العزل من أسفل وتحاصر كنيسة المهد ويطلق عليها النيران .. فى هذا الوقت رأيت مسيرة ضخمة تخرج فى [[ميدان التحرير]] فى [[القاهرة]] وأمام السفارة الأمريكية تحمل اللافتات ضد التتار الصهيونى وفى الوقت نفسه تعلو بين أيديها صورة [[عبد الناصر]]، فى حين أننى رأيت فى نهاية المسيرة فتاة عربية تحمل يافطة كتب عليها عبارة مؤسسية "هش.. سكون.. العرب نائمون" ..<br />
<br />
وقتها لم أسأل نفسى: لماذا صورة [[عبد الناصر]] فى هذا الوقت وفى هذه المسيرة؟<br />
<br />
لم أبحث عن إجابة، فقد كانت الإجابة تطوى فى القلوب، إنه ـ [[عبد الناصر]]، حتى ولو كانت الصورة تظل الرمز على [[المقاومة]] ..<br />
<br />
الرمز على المشروع الدى تبناه [[عبد الناصر]] ورحل شهيداَ من أجله.<br />
<br />
إنه الرمز الباقى فى هذه الفقرة العصيبة من تاريخنا ..<br />
<br />
إنه الرمز/الواقع الذى نتأمل فيه أكثر.<br />
<br />
إنه رد الأعتبار إذن الذى نسعى إليه الآن ..<br />
<br />
وبادئ ذو بدء؛ لابد أن نضع فى حسباننا وتصورنا ـ ونحن نكررها دائماَ، إننا نبحث عن إعادة اعتبار ل[[جمال عبد الناصر]] ..<br />
هذه هى الحقيقة الغائبة الحاضرة دائما.<br />
وهو ما نسعى إلى بعضه الآن.<br />
والعودة إلى السبب البدهى، فإن الأحداث الجارية، خاصة بعد الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى للأرض ال[[فلسطين]]ية 29 [[مارس]] الماضى وعملية غزو [[العراق]] التى كانت تنقل عبر الهواء مباشرة وتشاهد عبرها الأسلحة الأنجلو أمريكية تحصد أرواح [[العراق]]يين بين شامت وساكت وشاجب..!!، أثارت فينا، أو دفعت بالشارع العربى ـ دعك من المثقف ـ الأثر الكبير الذى تركه [[عبد الناصر]] أو الزمن السحيق (هل هو سحيق حقاَ..؟) والذى مازال يدفعا الآن ـ وكأننا بعد قرون من منتصف القرن الماضى ـ لاستدعاء [[عبد الناصر]]، ربما كانت الإجابة العفوية الصادقة، ألأنه صاحب شعار القوة، نقصد شعاره الذى بعث فينا جميعاَ نبض الحياة عشية [[1976]] أن:<br />
“ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.<br />
<br />
'''بيد أن هذا يدفعنا إلى سؤال أكثر مرارة:'''<br />
<br />
وهل كان الواقع حولنا وبنا يشى بغير ذلك؟<br />
<br />
هل كان ما تفعله [[إسرائيل]] فى الحرب العالمية الأولى ـ [[1984]] أو الثانية [[1956]] ـ أو الثالثة [[1976]] ـ ثم الرابعة والخامسة [[1973]] و [[1982]].. وما عرفناه عبر الممارسات الدموية ضد أطفال الانتفاضة الأولى أو الثانية.. غير كاف لئلا ننسى هذا الشعار؟<br />
<br />
لعله من الأوفق أن نقول أن الشعار ظل بيننا، لم يغب أبداَ، وإنما جعل الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى والعمليات الاستشهادية و[[المقاومة]] المجيدة فى جنين قد جعلتنا نراه اكثر.<br />
<br />
الواقع المر على الأرض هناك، وهنا، دفعنا لنرى أكثر.<br />
<br />
أو دفعنا لنرى أكثر وكأننا كنا نياماَ ..<br />
<br />
هل هى مصادفة أن تبدأ الأنتفاضة الثانية فى 28 [[سبتمبر]] منذ قرابة عامين (28 [[سبتمبر]] كانت تاريخ رحيل [[عبد الناصر]]) ؟<br />
<br />
هل مصادفة ألا يعقد أى مؤتمر عربى الآن منذ الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى 29 [[مارس]] دون أن يكون “الإلهام الحقيقى للزخم الذى حدث فى هذا المؤتمر ـ أو ذاك ـ تعبيراَ عما يحدث فى الشارع العربى هو [[ثورة يوليو]] وأفكارها ومبادئها وشعاراتها” بل (كما ردد البعض فى ندوة “رامتان” أخيراَ) زعيمها [[جمال عبد الناصر]]..؟<br />
<br />
فضلاَ عما أحدثته هذه [[الثورة]] داخل ال[[مصر]]يين من تجسيد الوعى القومى العربى وقد كان قيل ذلك وحتى توقيع [[بروتوكول اسكندرية 1944]] ل[[جامعة الدول العربية]].<br />
<br />
ولهذا، ولغيره، نقول: إنه سبب بدهى أن نتذكر [[عبد الناصر]] الذى غابت دولته وراء (هزيمة) [[1967]]، نقول دولته وبقى مشروعه الثورى الحضارى المقاوم الأول حتى الآن ..<br />
<br />
بيد أن مشروعه الفكرى المقاوم لابد أن يتحدد بشكل أكثر فى الحاضر.<br />
<br />
إننا حين نتذكر مشروع [[عبد الناصر]] الآن لابد أن نضعه فى سياقه. وبعيداَ عن الأسئلة التى يرفضها التاريخ والتى تبدأ دائماَ بعلامة التمنى: (لو) ..<br />
<br />
ـ لو كان [[عبد الناصر]] بيننا الآن فكيف كنا سنقاوم القوى العنصرية الغريبة فى [[إسرائيل]]؟<br />
<br />
ـ لوكان [[عبد الناصر]] بيننا فكيف كنا سنقاوم التحالف الأمريكى البريطانى لاغتصاب العرا ونهب ثرواته.<br />
<br />
ـ لو كان [[عبد الناصر]] بيننا كيف كان العم سام يستطيع الجلوس على عرش الشرق الأوسط فى الخليج وبلاد ما بين النهرين..!!<br />
<br />
الإجابة بالقوة طبعاَ، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. كما ردد كثيراَ.<br />
<br />
'''ونعيد طرح السؤال:'''<br />
<br />
ـ و[[عبد الناصر]] ليس بيننا الآن فكيف سنقاوم..؟<br />
<br />
الإجابة بالقطع نؤكد: بالقوة.<br />
<br />
ـ ولا يلبث الواقع أن يضيف ويلفت النظر بعنف:<br />
<br />
ولكن القوة تغيرت.<br />
<br />
إن القوة الآن تحددت أكثر فى السياسات التكنولوجية والفجوة الرقمية الهائلة التى أصبحت بيننا، ولم نصبح نحن بينها.<br />
<br />
أصبح العالم الغربى يتقدم عنا كثيراَ فى هذه القوة ليست القوة فى حد ذاتها، وإنما القوة بمجموعها حين يكتمل مشروع [[جمال عبد الناصر]] فنرى القوة ضرورة تلاشى الفجوة الرقمية القائمة بين الأقطار العربية، والبحث عن طريقة مثلى سريعة لامتلاك هذه القوة.<br />
<br />
لتضييق هذه الفجوة المهنية خلال فترة زمنية ضئيلة جداَ لحجم المخاطرة الضخمة التى تواجهنا.<br />
لا تواجهنا نحن فقط فى الأرض المحتلة.<br />
<br />
عبر أهلنا واطفالنا الذين يقتلون أو يسجنون يومياَ.<br />
<br />
وإنما، عبر أقطارنا العربية التى تواجه ـ أمام القوة فى القطاعات الغربية والعنصرية ـ تكنولوجيا رقمية متقدمة عنا كثيراَ..<br />
<br />
وبدهى أن القوة هنا تمضى على ثلاث مستويات.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية العربية عبر (استراتيجية) جديدة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، يكون علينا أن نعيد ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن غياب القوة الآن يعنى غياب مشروع [[عبد الناصر]].<br />
<br />
وغياب [[عبد الناصر]] يعنى غياب التنسيق الواجب بين الدول العربية فى الصناعة التكنولوجيا، ومن ثم التقصير فى التأهب السريع فى مجال تطور التقنية، خاصة أنها تؤثر الآن ليس فى مجال حياة المواطنين فحسب، أو فى مجال سيطرة العولمة الاقتصادية والثقافية، وإنما ـ فى هذا السياق ـ فى مجال (القوة) ـ بما فيها العسكرية ـ لمواجهة القوة المضادة.<br />
<br />
إن غياب [[عبد الناصر]]، يعنى، تماهى الشعوب العربية فى غياهب العولمة الأمريكية بعد (عسكرة العولمة) وتحولنا من مقاومين للأمركة إلى تابعين لبوش الثانى ..إن واضعى السياسات فى عالمنا العربى اليوم يجب أن ينتبهوا أولاَ إلى أن القوة هى السبيل الوحيد لاسترداد الحق.<br />
<br />
وأن القوة تغيرت نوعيتها بعد نصف قرن على [[ثورة يوليو]].<br />
<br />
وأن القوة يجب أن تمضى فى تفعيل الدور العربى وليعبر كل قطر فى الوسائل التجارية أو القياسات العالمية أو شركات الإنترنت .. إلى غير ذلك، وإنما بالإضافة إلى ذلك كله القوة التى تتمثل فى النهوض بقطاع التكنولوجيا الرقمية ليمكن مواجهة القوة الأخرى المضادة.<br />
<br />
وفى غيبة القوة لن نستطيع أن نسترد ما أخذ بالقوة.<br />
<br />
وبغير القوة لن نستطيع ان نتمثل الأية الكريمة '''{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و ..} ''' إلى آخر ما تحثنا الأديان السماوية.<br />
<br />
'''لكن يعود إلينا السؤال من جديد:'''<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
يعود السؤال وتطل علينا إجابة آحرى..<br />
<br />
إنها الشهادة الغائبة بعد [[ثورة يوليو]] بنصف قرن..<br />
<br />
وبعد رحيل [[عبد الناصر]] بأكثر من ثلث قرن.<br />
<br />
لماذا نتذكر هذا كله الآن..؟<br />
<br />
لنقترب من إجابة آخرى من جديد.<br />
<br />
"ـ.. كان كل ما كان يضايقنى .. أن القدر قد أتاح لأناس كثيرين أن تتكلم ووالدى لم يتح له الكلام .. و .. (و) .."<br />
<br />
كان هذا ما جاء على لسان [[هدى عبد الناصر]] بالحرف الواحد فى حوار معها على الشاشة الزرقاء قبل فتة ليت بالقريبة، ورددته بعض الصحف فى صيف [[2002]].<br />
<br />
وكان هذا أكثر ما كان يؤرقنى كتلميذ فى مدرسة التاريخ، رددته كثيراَ بين نفسى، وكتبته أكثر من مرة، وقلته فى أوقات كثيرة لعل آخرها الندوة التى أقيمت ب[[الأهرام]] منذ أكثر من عام حول (الوثائق) ونشرها "[[الأهرام]] الدولى".<br />
<br />
كان سؤال هذه الندوة ـ وكانت د. هدى بيننا ـ أين وثائق [[الثورة]]؟<br />
<br />
'''وعدت أردد بشكل أكثر دقة فى هذا المقام:'''<br />
<br />
ـ أين شهادة الرئيس [[عبد الناصر]]؟ أين شهادة أهم من عاصر [[ثورة يوليو]] ـ على الإطلاق..؟<br />
<br />
إن الجميع قالوا أفكارهم وشهاداتهم عن [[ثورة يوليو]] ـ الأعداء والأصدقاء ـ كتاب المذكرات وكتاب الذكريات ـ المؤرخون والهواة والمتربحين وحتى الفنانات ـ وغيرهم كثيرين.<br />
<br />
(أضفت بأسى) إلا واحداَ هو [[جمال عبد الناصر]] بنفسه.<br />
<br />
إن حياة [[عبد الناصر]] ـ التى هى أحداث [[مصر]]: واقعها ومصائرها طيلة الخمسينات والستينات غائبة إلى حد بعيد.<br />
<br />
ومشروع [[عبد الناصر]] الذى رحل من أجله غائب ويغيب يالتقادم.<br />
<br />
رغم الكثير مما قيل فيه وعنه ..<br />
<br />
حاضر إلى حد بعيد .. رغم القليل مما يقال فيه وعنه.<br />
<br />
وإذا كنا قد استمعنا إلى الكثيرين.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف البريطانى قد فتح أمامنا.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الأمريكى تعرفنا عليه.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الروسى أفرج عن الكثير (و[[بريما كوف]] ضمن بعضها الآن فى آخر كتاب له).<br />
<br />
وإذا كان القاضى والدانى تحدث كثيراَ عن الأحداث والمواقف والشخصيات.. إلى آخر ما يصنع حركة التاريخ ويحكم عليها .. إذن، أين هى شهادة [[جمال عبد الناصر]]..؟<br />
<br />
ثم كانت فرصة (حلقة نقاشية) أخيراَ أقامتها د. [[هدى عبد الناصر]] وحضرها عدد كبير من القوميين والناصريين والشهود من عصر [[عبد الناصر]] ـ فى أغلبهم ـ ووجدتنى، أنتظر الجميع حتى يدلون بشهاداتهم ثم أسأل السؤال الذى حيرنى طويلاَ بعد أن رحل [[عبد الناصر]] فجأة فى [[سبتمبر]] [[1970]]، سألت، وأنا أوجه السؤال إلى إبنة الزعيم:<br />
<br />
ـ سمعنا شهادات كثيرة جداَ، ولم نعرف شهادة أهم شخصية فى [[ثورة يوليو]]؛ [[جمال عبد الناصر]] .. <br />
<br />
لقد قرأت كثيراَ وعرفت ـ وكنت أحد شهود هذه الفترة ـ أن [[عبد الناصر]] كان صريحاَ إلى أبعد الحدود، وأنه كان ـ فى الوقت نفسه ـ واعياَ للمرحلة التى يعيشها إلى أبعد حدود، ومن هنا، فإنه ما كاد ينهى لقاءه مع شخصية سياسية كبيرة أو دبلوماسى كبير إلا وكان أول ما يفعله أن يمضى؛ يجلس مباشرة إلى مكتبه ويكتب ـ بعد اللقاء مباشرة ـ كل ما دار، بالحرف والنص. <br />
<br />
كان واعياَ للتاريخ. <br />
<br />
وواعياَ لدوره الحيوى فى التاريخ. <br />
<br />
فأين ـ عدت إلى سؤالى قبل أن أتحول إلى غيره ـ .. فأين هذه الشهادة؟<br />
<br />
شهادة [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
'''تحدثت ابنة [[عبد الناصر]] وبمرارة شديدة قالت بالحرف:'''<br />
<br />
"شهادة [[عبد الناصر]]، إنها فى محاضر الجلسات التى كان يحضرها فى مجلس الوزراء وفى [[الاتحاد الاشتراكى]] وفى المباحث .. إلخ".<br />
من هنا ـ أضافت ـ كان اهتمامى بنشر محاضر اللجنة المركزية [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]] العربى وقد حصلت عليها بالمصادفة. <br />
<br />
وسوف تنشر ناقصة جلستين بعد أن يأست من تعاون البعض معى (!!) <br />
<br />
أما عن محاضر الأمانة العامة [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]] التى نشرها البعض، والذى يقول فيها أنه أستطاع الحصول عليها حين أعطاها له فى يده أنور السادات وقال له أنشرها .. هنا؛ أنا لا أعرف؛ هل مانشر هو النصوص الحقيقية بغض النظر عن تعليقاته الخاصة؟ هل فى النصوص الحقيقية؟ هل حذف منها شئ ـ مثلاَ ـ الإجابة: لا أعرف؟ لماذا؟ سألت أجابت ـ لأننى ببساطة لا أستطيع الوصول إلى النسخة الأصلية لها بدار الوثائق ال[[مصر]]ية ولا بأى مكان آخر .<br />
<br />
أمر آخر يحيرنى كثيراَ .. أضافت فى حيرة شديدة ومع ذلك أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها [[جمال عبد الناصر]] وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنفيذية العليا؟ <br />
<br />
أين هذه الجلسات؟ إن هناك محاضر وجلسات عثرت عليها بالمصادفة .. وجدته عنده فى مكتبه ـ أى فى مكتب الرئيس ـ لكن يظل السؤال قائماَ، مادمنا لم نعثر إلا على بعض المحاضر ، ، أين باقى محاضر مجلس الوزراء التى كان يحضرها؟ فالمعروف أن [[عبد الناصر]] كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء خاصة فى فترات الأزمات ـ مثلاَ ـ باللجنة التنفيذية العليا .<br />
<br />
'''ومع ذلك، نعود لنسأل:'''<br />
<br />
ـ أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها [[جمال عبد الناصر]] وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنقيذية العليا؟<br />
<br />
كان [[جمال عبد الناصر]] يسجل جميع المباحثات، وكلها كانت محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] "عمره ماعمل مباحثات تحت الشجرة" كل شئ مسجل وموجود، وأنا أجزم بذلك. وقد عملت فى سكرتارية الرئيس للمعلومات الفترة من سنة [[1967]] إلى [[1970]] .. وبالتالى فأنا على دراية بما كان موجوداَ.<br />
<br />
إذن، كان [[جمال عبد الناصر]] موجوداَ فى كل الأجتماعات التى كان يحضرها على جميع مستويات الدولة. <br />
<br />
و[[جمال عبد الناصر]] يؤكد مشرعه ويسجله فى كل الاجتماعات التى يحضرها على جميع المستويات. <br />
<br />
لماذا؟ <br />
<br />
ـ لأن ياسته كانت واحدة فى العلن والسر، لم يكن هناك أى شئ مخفى أو شبه علنى، لا، كانت هناك فقط أشياء لا تعلن لدواعى الأمن، لكنها موجودة ومكتوبة ومدونة فى هذه المحاضر .. كل شئ كان موجوداَ وموثوقاَ ولهذا أريد أن أصل إلى هذه المحاضر بأية طريقة. <br />
<br />
تنتهى شجون ابنة [[عبد الناصر]] ولا ينتهى البحث عن شهادته. <br />
<br />
ولا تنتهى هذه المحاولة منا هنا، والآن، لمحاولة رد الاعتبار ل[[عبد الناصر]] بعد نصف قرن من يام [[ثورة يوليو]] وأكثر من ثلث قرن على رحيله. <br />
<br />
المحاولة رغم غياب الوثائق، وغياب الحافز الفردى فى وقت يتعرض فيه [[عبد الناصر]] أهم رموز [[ثورة يوليو]] لنزاع الخلط والخطأ والؤامرة أما الخلط، فهو لغياب المصادر والوثائق. <br />
<br />
والخطأ لغياب الحيدة والوعى. <br />
<br />
والؤامرة، لأن العنصرية الغريبة / ال[[إسرائيل]]ية تبذل كل جهد لغياب الوجه الوطنى العربى المقاوم ل[[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
وإنما ماذا نفعل ـ فى ضوء التاريخ ـ لنعرف ماذا سيحدث فى المستقبل؟ <br />
<br />
أصبح الماضى ـ فيما نرى ـ هو الدافع الكبير لتحريك الفكر (المضارع) وإدراك (الوعى) الحاضر من أجل امتلاك الإدارة (بالمستقبل). <br />
<br />
ولأن [[عبد الناصر]] جزء من خيوط الماضى؛ فإنه ـ فى ضوء المضارع ـ يظل نسيجاَ حياَ من مصادر الوعى بالحاضر، ومن ثم، الوعى (بمشروعه) هو الوعى باكتمال النيج فى امتداد المستقبل. <br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] مازال بيننا:'''<br />
<br />
ورغم أن هذه المحاولة ليست الأولى (أنظر إلى كتابنا: المثقفون و[[عبد الناصر]]، الطبعة الثانية، دار غريب [[2000]]) .. فإننا حاولنا هنا أن نستعيد الوعى ب[[عبد الناصر]] عبر عدد من القضايا الحية، وأذكر أن كل فصوله كانت ـ فى الأصل ـ أبحاثاَ ومجالاَ لمطارحات بين كاتب هذه السطور وبين عدد كبير من الجماهير العربية ـ ليس المثقفين فقط ـ فقط طرحت أغلب هذه الأبحاث بين باريس ومدريد، كما بعضها الآخر بين تونس والأردن و[[القاهرة]] .. إلخ.<br />
<br />
وفى جميع الحالات استفدت عن [[عبد الناصر]] العربى (ولي ال[[مصر]]ى فقط) .. وأقول العربى، لأن [[عبد الناصر]] كان واعياَ للعبد العربى وعياَ حاداَ رغم الهزائم التى شارك فيها العدو والصديق وأعترف أننى استفدت كثيراَ بهذه المطارحات والحوارات سواء مع (شهود) عصر [[عبد الناصر]] قبل ربع قرن، أو الجماهير العربية خارج [[مصر]] وداخلها. <br />
<br />
كما يجب أن أعترف أننى وإن اجتهدت طويلاَ للحصول على الوثيقة لتأكيد دور [[ثورة يوليو]]، فقط نجحت كثيراَ فى الحصول على كثير من الشهادات ـ المصادر الحية ـ ومن شتى التيارات، وهى شهادات ـ كما نرى ـ غاب بعضها، ومازال البعض الآن بيننا وقد أرجأنا بنشر الشهادات، على أهميتها، للجزء التالى .. استكمل فيه عملية رد الاعتبار فى ضوء الشهادات الحية.<br />
<br />
أما عن المنهج الذى اتفدت به ـ فضلاَ عن السطور السابقة ـ فقد كان المنهج التاريخى والموضوعى خاصة، والوثائقي بوجه أخص؛ ثم هذه المصادر الحية عبر (محاضر نقاش) موثقة ومسجلة.<br />
<br />
خاصة أننى أحاول أن أستعيد "مشروع" [[عبد الناصر]]/ [[ثورة يوليو]] فى عصر العولمة .. أى بعد نصف قرن من رحيله، ومن ثم، تحررت من حجاب المعاصرة وإن لم أستطيع أن أتخلص منه تماماَ.<br />
<br />
حاولت ذلك عبر عديد من القضايا المعلقة: أهل الثقة وأهل الخبرة؟؟ ، قضية [[الديمقراطية]]، والتعذيب، العلاقة بين [[القانون]] و[[الثورة]]، حقيقة تأميم [[قناة السويس|القناة]]؛ [[قناة السويس]] .. إلى غير هذا من أصداء غامضة رغم مضى نصف قرن على [[ثورة يوليو]]. <br />
<br />
وفى جميع الحالات فإننى أقول ـ كما قلت ـ منذ قرابة ربع قرن ـ أننى سعيت كثيراَ إلى الحيدة فى الكتابة عن [[ثورة يوليو]] خاصة وعن [[عبد الناصر]] على وجه أخص، غير أنه "مع يقينى أن الحيدة محض وهم فى العلوم الإنسانية، فإننى أزعم أننى جهدت أن أكون محايداَ بالدرجة الأولى" كما أقول دائماَ.<br />
<br />
ولكننى مازلت أسأل نفسى ـ كما فعلت من قبل ـ هل امتلكت ـ بالفعل ـ ادعاء بالحيدة المطلقة؟ أسأل ومازلت أجيب أننى أزعم أننى أحرص على الحيدة، ولكن، أية حيدة عصر الغرب الأمريكى الامبريالى الشرس الآن الذى يحاول أن يطوى دافعاَ تاريخياَ قوياَ بالقضاء على [[المقاومة]] العربية سواء فى نابلس أو [[البحرين]] أو [[القاهرة]] أو الدار البيضاء.<br />
<br />
الذى يريد الآن القضاء على مشروع ثورة [[1952]] ورمزها الحى فى ضمائرنا لا أريد أن أستطرد أكثر فى مؤامرة الغرب و "عسكرة العالم" عقب 11 [[سبتمبر]]، وإنما أرد أو سعيت لرد اعتبار [[عبد الناصر]] الذى وجدناه لدى أبنائنا فى الشوارع العربية، وفى بعض الفضائيات غير المدجنة .. وفى بعض وسائل الإعلام التى تركت (صورة) [[عبد الناصر]]، وربما ترديد (مشروعه) كتنفيس للجماهير العربية التى افتقدت فى عصر المهانة شعار رفع "الرأس" الذى دعا إليه [[عبد الناصر]] منذ نصف قرن أو ينيف.<br />
<br />
بقى أن نوجه الشكر الخالص إلى د. [[هدى عبد الناصر]]، التى أبدت الرغبات فى مراحعة النص، وأفادتنا ببعض الملاحظات المهمة وامدتنا ببعض الوثائق الغائبة فى هذا الصدد. <br />
<br />
وبعد، هذه المحاولة لإعادة اعتبار ل[[ثورة يوليو]] ومشروع "[[عبد الناصر]]" الذى مازال صالحاَ لاشتعادته عبر شروط الحاضر لتجسيد (الفعل) الذى يجب أن ينتقل بنا إلى المستقبل.. <br />
<br />
وآخر دعوانا أن الحمد لله،،<br />
<br />
'''[[مصطفى عبد الغنى]]'''<br />
<br />
'''[[القاهرة]] [[2004]]'''<br />
<br />
==القسم الأول: دراسة==<br />
<br />
===الفصل الأول: [[عبد الناصر]] وقضية الولاء===<br />
<br />
فى البدء كان الولاء.<br />
<br />
فى البدء كان التباين والخلاف بين [[عبد الناصر]] والمثقفين، أو بدا أنه التباين بين الطرفين، الأول بحكم ما يمتلكه من سلطة ثورية والآخر بما يعرفه من سلطة ثقافية، ومن هنا، ارتبطت العلاقة بين الطرفين بطلب الولاء.<br />
<br />
كانت واو العطف هنا فى علاقة [[الثورة]] (و) المثقف علاقة بدهية، المثقف هنا اسم معطوف على [[عبد الناصر]]، ومن ثم، فإن كايهما شئ واحد، فتصبح أطراف المعادلة متساوية.<br />
<br />
ف[[عبد الناصر]] كان رمزاَ (للسلطة [[الثورة]]) أى صاحب القوة، الذى يتعرض لمعارضة قوة كثيرة فى الداخل والخارج، ويسعى لمواجهتها بجبهة واحدة.<br />
<br />
والآخر ـ المثقف ـ كان رمزاَ ( لسلطة ثقافية) أى صاحب كلمة وإن تكن مجردة من أسباب القوة العملية فإنها تسعى لتأكيد سلطة الكلمة وأهميتها دون التنبه لخطورة الغرب ضدنا حينئذ.<br />
<br />
ولما كان صاحب القوة أكثر فعالية.<br />
<br />
ولما كان صاحب الثقافة أقل فعالية.<br />
<br />
فإن العلاقة بين متساويين لم تكن متساوية لم تكن لتشير إلى متعادلين، فقط، اللهم إلا فى الحجج التى يسوقها الاخر، وهى أيضاَ، تخضع كغيرها ـ لقانون القوة؛ ومن ثم نشأ الصراع.<br />
<br />
كان الصراع هو عنوان العلاقة بين سلتطين.<br />
<br />
وكان حسم هذا الصراع مرهوناَ بقناعات بكل طرف وآليات تطوره فى الواقع العربى فى النصف القرن الأخير من القرن العشرين، '''ومن هنا، فإن التعرف على طبيعة هذا الصراع تمر بنا عبر عدة مشاهد:'''<br />
<br />
فلنتمهل قبل كل شئ عند وعى [[عبد الناصر]] للمثقفين قبل أن نصل للعلاقة بينهما عبر هذه المشاه. <br />
<br />
====تمهيد : المثقف : المفهوم والدور====<br />
<br />
ترتبط صورة المثقف عند [[عبد الناصر]] بالنظام أو محدد من خلال منظوره العام.<br />
<br />
فما هو المثقف عند [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
من الملاحظ أن [[عبد الناصر]] منذ منتصف الخمسينات أو قبل ذلك بقليل، حين يد للجماهير حكومة [[الثورة]] ويربط بينها وبين الدولة. فيرى أنها تمثل رمزاَ عاماَ لكل الفئات والرموز العاملة فى ذلك الوقت المبكر فهى تسمى (حكومة المثقفين) والطلاب وأهل الرأى. إذ كانت "حلم هؤلاء المثقفين، كتبوا لها وخطبوا وهى مشغولة البال بأداة الحكم "وفى منتصف الستينات كان يرى أن (طليعة المثقفين) هم الذين يقودوا " العمل والإنتاج والكفاح" فى إطار الدولة القديمة.<br />
<br />
ومراجعة خطب الرئيس [[عبد الناصر]] وتصريحاته طيلة الخمسينات والستينات تؤكد أكثر على أن مفهومه بالنسبة إلى المثقفين لم يكن ليزيد على أهم فئة فاعية تضيف إلى قوة الدولة وقوداَ وتعمل خلالها وهو ما يفسر تعريفه للمثقف خاصة فى الفترة المبكرة من قيام ثورة [[1952]].<br />
<br />
وهنا تحدد مفهوم [[عبد الناصر]] للمثقفين.<br />
<br />
كان المثقف عنده هو من "من يكدح ذهنياَ ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، سواء كان مهندساَ فى الصحراء أو عالم الذرة أو عاملاَ نقابياَ أو كاتباَ أو طبيباَ أو باحثا أو فناناَ أو أستاذاَ أو طالباَ،إن هذه العناصر الكثيرة رغم الرابطة الوحيدة التى يمثلها وصف المثقفين لا تمثل مظلة واحدة لأن المثقفين ضمن تحالف قوة الشعب العاملة ليوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة".<br />
<br />
وفى هذا الإطار، الثقفون هم القوة التابعة، نستطيع أن نتمهل عند كثير من صفات المثقفين، فالمثقف عنده هو غير المتعلم وإنما هو أكثر وعياَ وفعالية بجانب الدولة وهو (المثقف الاجتماعى)، و (المثقف الثورى) و( المثقف الملتزم) و (المثق الطليعة) و(المثقف المحلل) ويتبلور المعنى أكثر مع الوقت فيضيف إلى الثنائية بين المثقف والمتعلم ثنائية السلفى والتغريبى وثنائية البيروقراطى والثورى، ثم تتسع الدائرة أكثر لديه حين يشير فى أكثر من موضوع إلى (المثقف الملتزم) فيضيف إلى المثقف الواع بقضايا المجتمع وعياَ آخر على المستوى القومي والدولي. <br />
<br />
ويتبلور المفهوم والدور أكثر فى الستينات.<br />
<br />
إنه ففى الستينات ـ وقد تحدد الدور أكثر ـ يراه قوة فى التحالف الشعبى وفى نفس الوقت قوة فى فهم أصول القيادة الوطنية وتحقيق الوحدة العربية. ومن هنا "فإن المثقف المتكامل عند [[عبد الناصر]] هو الذى يدرك حقائق الوحدة القومية والتطور الدولى بد إدراكه وفهمه لقضايا التنمية وإدارة المجتمع وطريقة مواجهة تناقضاته مرحلة التحول".<br />
<br />
كان يقول أن المثقفين يمكن أن يتفرقوا فى ماقف ذاتية وطبقية، لكنه يستدرك دائماَ فى أكثر من مناسبة ـ بأنه "يجمعهم دور طليعى" فعال.<br />
<br />
إنهم ليوا طبقة خارج المجتمع أو متميزة فيه، وإنما هم ضمن تحالف قوى الشعب العاملمة.<br />
إنهم "ليسوا طبقة وإنما هم على وحه الدقة قوة".<br />
<br />
ولنا أن نتوقف هنا طويلاَ، لنتأمل فى لفظه (ضمن) أى داخل تيار التغير الثورى وليس خارجاَ عنه بأيه حال.<br />
إن المثقف ـ بوضوح شديد ـ قوة (ضمن) قوى أخرى كبيرة يمثل حاصلها نموذج الدولة التى تحارب على جبهات شتى داخلية وخارجية.<br />
<br />
'''معنى هذا كله أن [[عبد الناصر]] انطلق فى موقف من المثقف من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ إن المثقفون يمثلون (قوة) ضمن التنظيم الشعبى (الوطنى) وليس خارجاَ عنه أو متخذاَ منه موقف المعارضة.<br />
<br />
ـ إن المثقف هو الذى يدرك الوعى الاجتماعى وليس عبر (تنظيم) اجتماعى معاد.<br />
<br />
ـ إن المثقفين هم أقرب إلى العربى منه إلى الوعى الشعبى الضيق.<br />
<br />
ـ إن المثقف لا ينتمى بالولاء لفترة وإنما خلال أطر الدولة وتنظيماتها.<br />
<br />
إن المثقف لا يقود الجماهير ضد القيادة وإنما هو (المثقف الثورى) أى الوسيط بين القيادة الحاكمة الجماهير الشعبية.<br />
<br />
إنه أقرب إلى (المثقف العضوى) ـ كما نعرفه عند [[جرامشى]] منه من المثقف (التقليدى) ويجب أن نشدد هنا على القول أن [[عبد الناصر]] كان يؤثر أن يكون المثقفون (من شتى ألوان الطيف) كادراَ واحداَ داخل منظومة الكفاح الداخلى والخارجى، ومن ثم، فإن الطابع العملى لديه كان يواجه ـ من الناحية الأخرى ـ شيئاَ من التوجه الماغير بحكم تكوين المثقف ووعيه فى هذه الفترة.<br />
<br />
كان المطلوب من المثقف فى هذه الفترة ( الولاء) حين كانت قيادة [[عبد الناصر]] تحشد جميع القوى ضد الأخطار الداخلية والخارجية.<br />
<br />
وكانت مواقف المثقفين الخارحين من الفترة الليبرالية تعدد بين عديد من المواقف والأنماط.<br />
<br />
فى أول قيام [[الثورة]] بدا أن (التأييد) المطلق للمثقفين هو السائد فى العلاقة بين [[الثورة]] والمثقف، لكن مع أزمة [[1954]] تعددت المواقف، فأضيف إلى المثقف المؤيد ـ الذى بدا العديد من رموزه تتراجع ـ المثقف المتمرد والمتردد والمثقف الصامت.<br />
<br />
ومع توالى الأحداث وقرب النخبة السياسية من النخبة العسكرية بدأت كثير من المواف تتراجع وتتحول إلى أنماط مغايرة فى وقت كان النظام يحرص ـ لتأمين نظامه ـ على قيمة الولاء فى المقام الأول.<br />
<br />
ولأن موقف [[الثورة]] تواقف مع البعض، فإنه تعارض مع البعض الآخر، ومن هنا، كان علينا أن نشهد فترات متباينة فى التاريخ فى علاقة [[عبد الناصر]] مع المثقفين.<br />
<br />
وهى فترات أخذت صور العلاقة بينهما شكل الصراع لضمان قيمة (الولاء) فى فترة توالى المخاطر على النظام ال[[مصر]]ى ومحاولة النيل منه. <br />
<br />
====المشهد الأول : قضية الولاء====<br />
<br />
بدهى أنه لايكمن أن نتحدث عن علاة [[عبد الناصر]] بالمثقفين دون أن نعثر ـ خاصة منذ باية الخمسينات ـ على نخبتين: العسكرية والثقافية.<br />
<br />
الأولى نخبة قيادية، والأخرى (تابعة) لها.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة التبعية بينهما تستمد قيمتها من عنصر (الولاء) و (الأمن) السياسى.<br />
<br />
ولأن [[الثورة]] كانت تريد نأمين نفسها فى السنوات الأولى، فقد كانت قضية (الولاء) ـ كما أسلفنا، هى أهم القضايا التى أنجبت قضايا أخرى، أهمها ما يسمى (بأهل الثقة وأهل الخبرة) وبدهر أن التفضيل لأهل الثقة يعنى التضحية بأهل الكفاءة.<br />
<br />
ومن البدهى هنا أن الولاء كانت تعنى مصطلحات كثيرة ترددت فى هذه الفترة من مثل (التعاون) أو (أهل الثقة) ، وهو ما نفهم معه أن النخبة من ذوى التوجه الفكرى مثل قسماَ تابعاَ تم تجنيده من بيروقراطية الدولة على أساس مهنى وتمثيلى وليس على أساس انتماء سياسى مستل (أى انتماء حزبى مستقل)، وعلاقته بالنخبة الياسية أو مؤهلاته الأولى كانت (الولاء).<br />
<br />
والذى يراجع هذه الفترة يلاحظ أنه فى حين بدا (التعاون) مرهوناَ ببدايات قيام [[الثورة]] لإبداء حسن النية بدا أكثر صعوبة بعد أزمة [[1954]] بوجه خاص ووصلت إلى قمتها مع [[حرب السويس]] [[1956]] '''وهى الفترة التى تمخضت عن سمتين هامتين:'''<br />
<br />
ـ نهاية الفترة الليبرالية.<br />
<br />
ـ تحول النظام إلى شرعية خاصة بعد انتهاء الحرب.<br />
<br />
ومع تشديد يد السلطة العسكرية على النظام بدا التشديد أكثر على قيمة (الولاء) وتفضيله، خاصة، أن [[عبد الناصر]] وجد نفسه ـ على الأقل عقب أزمة 54 ـ وسط معاد أو محافظة بالنسبة لخط العهد الجديد وهو مازاد الهوة بين العسكريين والمدنيين.<br />
<br />
بين [[عبد الناصر]] ـ الذى أصبح الآن رئيساَ متوجاَ بانتصاره فى [[حرب السويس]] ـ والمثقفين المعادين للثورة فى جملتهم خاصة أن الصراع أيديولوجياَ كان قد وصل إلى مناطق خطيرة مع عدد كبير من الليبراليين [[الإخوان]] واليسار الماركسى.<br />
<br />
وهو ما انعكس فى إثار العسكريين أكثر من المثقفين، وإثار فئة التكنوقراط والكوادر الفنية أكثر من ذوى الاتجاه الإنسانى والسياسى.<br />
<br />
وعبوراَفوق مظاهر كثيرة لقيمة (الولاء) وأثرها، سوف نتمهل عند بعض النماذج من المؤسسات لنرى إلى أين أتجه [[عبد الناصر]] فى تعامله مع المثقفين لحماية النظام.<br />
<br />
'''ويمكن تأكيد هذا العامل ( الولاء) عبر إجازه فى عدة نقاط دالة كالتالى:'''<br />
<br />
ـ كان الولاء ـ كما أشرنا ـ الباعث الرئيسى فى اختيار المثقفين خاصة فى تشكيل الوزارات، وهو ما تأكد منذ أول تشكيل وزارى للثورة إذ يلاحظ أنه فى وزارة 7 [[سبتمبر]] [[1952]] تم تشكيلها من عدد سبق انتماء بعضهم إلى [[الحزب الوطنى]] الجديد. وكان الباعث الرئيسى أن هذا الحزب لم يشارك فى أى تنظيم سياسى قبل [[الثورة]] كما لم يكن له أنصار تخيف.<br />
<br />
الحكام الجدد، وكان يرأسه [[فتحى رضوان]] المثقف الذى تربطه ب[[عبد الناصر]] علاقات وثيقة فضلاَ أنه شارك فيه.<br />
<br />
اثنان من [[الإخوان المسلمين]] ممن كانا قد رشحا من [[المرشد العام]] دون الرجوع على [[مكتب الإرشاد]].<br />
<br />
ـ مع اختفاء المثقفين الذى ارتبطوا بأحزاب شعبية أو أفكار يمكن أن تعادى النظام الجديد، يلاحظ أن معظم من تولوا الوزارة فى الخمسينات (كما نلاحظ من الجدول) كانوا من المتخصصين وليسوا من السياسيين بأية حال أو ممن لم يمارسوا العمل السياسى قبل [[الثورة]].<br />
<br />
ـ وهنا يمكن أن نلاحظ أثر الاطراد العكسى بين النقص المستمر فى التخصصات [[القانون]]ية والإسنانية من عام [[1952]] والاطراد المستمر فى التخصصات التكنولوجية والعلوم، ويلاحظ [[دو كجيمان]] هنا أن نسبة المثقفين من ذوى التخصصات الإنستنية انكمشت، فبد أن كانت 18,8% فى [[سبتمبر]]انخفصت إلى حد التلاشى تماماَ علم [[1964]].<br />
<br />
ـ كان هذا يعنى أن اختيار المثقفين فى المناصب الرسمية يخضع لتدقيق شديد: وعلى سبيل المثال نجد أنه من تولى وزارة الثقافة والإرشاد القومى اثنان من المثقفين: [[فتحى رضوان]] و[[حسنين هيكل]] كانوا ينتمون إلى النظام بصلة تعاطف بل وعلاقات وثيقة ب[[عبد الناصر]] نسفه. <br />
<br />
كان تأمين النظام أهم ما يهم [[عبد الناصر]] فى تلك المرحلة لمواجهة أية من المشاكل الخارجية والداخلية. <br />
<br />
فيقومون بدورهم كما هو تصور [[عبد الناصر]] داخل التنظيم الرسمى وليس ضده بأية حال.<br />
<br />
ـ هذا يفسر إذن ابتعاد [[عبد الناصر]] عن المثقفين ممن لهم خلفية سياسية أو يعملون فى المجال السياسى، ومن هنا، ظل الاعتماد على أولئك من أصحاب فكر المستقبل والنخبة المدنية ممن لا يشكلون قاعدة مستقلة عن السلطة المركزية.<br />
<br />
لقد بدا أن العلاقة بين [[عبد الناصر]] والتكنوقراط أكثر منها بين [[عبد الناصر]] والمثقفين الذين لا يرضون عن قيم الانتماء للنظام والعمل فى ركابه.<br />
<br />
ـ وعلى هذا النحو، بدا الاعتماد أكثر على العسكريين إلى جانب استبدال المثقفين التقليديين بنوع آخر من التكنوقراط ممن يضمن ولاءهم ـ على الأقل ـ بالتحييد أو عدم العمل بالسياسة التى تتعارض مع توجهات النظام مما بدا معه أن وجود المدنيين فى التشكيلات الوزارية الخاصة.<br />
<br />
وهذا يعنى ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن المعيار الوحيد ـ للوزراء ـ على سبيل المثال ـ كان خضع اقيمة (الولاء الساسيى)، ومن هنا ، كان من الطبيعى أن نلاحظ أن العدد الحقيقى للوزراء من المدنيين كان قليلاَ جداَ بل أقل من عددهم المثبت فى الجدول الخاص بالوزراء ومما جاء فى الإحصاءات الرسمية وهو ما وجدناه أيضاَ فى كثير من مؤسسات الدولة كالنظام والجهاز التشريعى والنشاطات الاقتصادية ومجلس الوزراء والوزراء بل وفى الصحافة أيضاَ. <br />
<br />
ومع أن هذه النسبة تراجعت قليلاَ بعد هزيمة [[1967]]، فإن النبة التابعة للنظام المدينة للولاء، التى لا تنتمى لأى تيار سياسى مستقل أو تتبع (تنظيماَ) سياسياَ مهما يكن تعاطفه مع النظام، وهو ما ستلقى به أكثر حين نترب من [[عبد الناصر]] الذى دعا المثقفين ـ بوضوح وصراحة شديدتين ـ أن يستعدوا عن أى تنظيم أو أى ولاء مغاير ليلعبوا دوراَ إيجابياَ.<br />
<br />
وفى التعامل مع المثقفين استخدم معهم أكثر من وسيلة: إما رفض أى تنظيم معارض وإما محاولة استقطابهم بشروط الولاء أو السيطرة على مؤسساته ومجالسه النيابة لحمايتها من المعارضينله وسوف نتوقف عند الجانب الأول: رفض أى تنظيم معارض وتطويعه.<br />
<br />
إنه دعاهم ـ فى الغالب ـ ليقوموا بدور تبشيرى لتأكيد أفكارهم، خاصة؛ التيار اليسارى.<br />
<br />
====المشهد الثانى : سان بيترز====<br />
<br />
كانت خشية [[عبد الناصر]] من أصحاب التنظيمات خارج الإطار الرسمى للدولة أكثر ما يجسد خوفه من العقائديين، وهو ما يظل يردده مرة بعد مرة.<br />
<br />
وكما كان يردده بالنسبة ل[[جماعة الإخوان]] والمنتمين لهم من ذوى التوجه الفكرى، كذلك ظل يردده بالنسبة للشيوعيين إما بزجهم إلى السجون أو إزاحتهم عن كافة المناصب اولئك الشيوعيين، ومن شهادة ل[[طاهر عبد الحكيم]] نقرأ أن [[عبد الناصر]] سعى إلى "إزاحة هؤلاء الشيوعيين من كافة التشكيلات والتنظيمات والمؤسسات ذات الطابع الجماهيرى، فمن فصل ما يرب إلى مائة من الصحفيين والشيوعيين والديموقراطين من [[جريدة الجمهورية]] والمجلات التى تصدر عنها، إلى فصل الطلبة الشيوعيين والديموقراطين من الجامعة إلى تحريم الوظائف العامة على الشيوعيين".<br />
<br />
كانت سياسة الولاء لا تفيد فى التعامل مع الماركسيين كنتظيم أو إطارات مؤسسية ـ على سبيل المثال ـ ومن ثم، فقد اتخدم معهم سياسة عنيفة لأنهم كانوا عقائدين يسعون ـ فى رأيه ـ إلى النظام وليس إلى تغيير بعض الأفكار أو العمل تحت إمرة (الحكومة ال[[مصر]]ية) فى هذا الوقت، وقد سجلت الفترة بين عانى [[1958]] ـ [[1964]] موقفاَ عنيفاَ من [[عبد الناصر]] ضد هذه الكوادر فى محاولة استمالتها إلى سياسة الولاء.<br />
<br />
كانت هذه هى الفترة التى التقى فيها [[أنور السادات]] ـ بناء على تعليمات [[جمال عبد الناصر]] ـ عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى ال[[مصر]]ى عام [[1958]] لإرغامه على حل [[الحزب الشيوعى]] ال[[مصر]]ى، فى هذا اللقاء بين مندوب [[عبد الناصر]] بمندوب الشيوعيين ال[[مصر]]يين '''قال [[أنور السادات]] ل[[محمود أمين العالم |محمود العالم]] بصراحة شديدة:'''<br />
<br />
ـ عاملين تنظيم ليه؟<br />
<br />
تنظيم يعنى سلطة، احنا عملنا [[تنظيم الضباط الأحرار]] وأخذنا السلطة، أنتم تصرون على أن تبقوا ب[[الحزب الشيوعى]] ليه وهو تنظيم، يعنى عايزين سلطة يا محمود.<br />
<br />
وحين أبدى الأستاذ [[محمود أمين العالم]] رغبة شديدة فى (التعاون) مع النظام "محتفظين بمنبرنا المستقل، رفض هذا النظام وتم القبض على جميع الكوادر السياسية الشيوعية و[[الإخوان]] الذى تمثل محاولة قريبة الشبه بتلك فى فترة مبكرة من إنشاء هيئة التحرير، وقد ظل النظام لسنوات بعدها ـ كما يقول [[طاهر عبد الحكيم]] ـ معادياَ لفكرة وجود تنظيم سياسى مستقل عنه، ومن هنا، كان الضغط المستمر والمتصاعد من أجل حل [[الحزب الشيوعى]] ال[[مصر]]ى.<br />
<br />
كان من الواضح أن [[عبد الناصر]] حريصاَ أشد الحرص على أن يكون المعارضين (تابعين) للتنظيم الرسمى، وأنه لا مجال هناك للصراع بين التنظيم الرسمى وأى تنظيم آخر ـ يسارى أو إسلامى ـ لقد اتخذ موقفاَ عنيفاَ من اليسار لأنه رفض حل الحزب والانضمام [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]].<br />
<br />
واتخذ موفاَ عنيفاَ من [[الإخوان]] لأنهم رفضوا ـ قبل ذلك ـ الانظمام إلى هيئة التحرير.<br />
<br />
لقد كان المثفون فرادى ـ مهما عارضوا ـ غير خطرين، أما حين يقوموا بدور مناقض من داخل تنطيمات معادية فهنا الخطر الذى يخشى منه [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كان يدعو إلى الولاء ليتعامل مع المثقفين.<br />
<br />
وهنا ثمة مفارقة تؤكد هذا، فكثير من المقبوض عليهم داخل السجون كانوا يعلنون (الولاء) ل[[عبد الناصر]]، لكنهم مع ذلك لم يفرج عنهم، أو ـ حتى ـ تحسن معاملتهم ـ '''يفسر هذا [[محمد سيد أحمد]] مندهشاَ:'''<br />
<br />
(ـ .. لأننا لم نكن ندين "بالولاء" لتنظيم [[عبد الناصر]] الرسمى أو لنظامه، لقد كان [[عبد الناصر]] يريد منا ـ بوضوح شديد ـ حل التنظيم، حل الخطر المنظم المخيف كما كان يراه .. ).<br />
<br />
والغريب أنه ـ حتى ـ بعد أن تم حل الحزب وخرجوا من السجن كانت الخشية منهم قائمة، كان [[عبد الناصر]] يؤثر أن يظلموا بعيداَ عن العمل السياسى بأية حال، وهو ما ترجمه موقفه منهم بعد خروجهم حين لم يعمل منهم الكثير، كما لم ينضم منهم للتنظيم الرسمى الكثير.<br />
<br />
كان الأمر لا يخلوا من تخوف لدى النظام القائم.<br />
<br />
وقد كان اللقاء الأخير الذى تم بين [[عبد الناصر]] والمثقفين فى عام [[1969]] دافعاَ لتبرير هذا الموقف وداعياَ إليه.<br />
<br />
لقد استبدل [[عبد الناصر]] بمفهوم الولاء مفهوماَ مرادفاَ له فى المعنى مؤكداَ له فى القيمة.<br />
<br />
ففى حين اشتكى فيه اليساريون بأنه يجرى تمييز عنيف ضدهم فى [[الاتحاد الاشتراكى]] ليسقطوهم حين طلب منهم أن يظلوا بعيداَ عن التأثير السياسى، ففى هذا اللقاء طلب [[عبد الناصر]] منهم الابتعاد عن العمل السياسى إلى التبشير بأفكارهم الاشتراكية وإن كانت على طريقة القديس [[سان بيترز]].<br />
<br />
والمعروف أن [[سان بيترز]] قضى الجزء الأخير من حياته مبشراَ بالمسيحية، مكتفياَ بالتبشير دون اللجوء إلى التنظيم العقيدى أو العنف بأية حال، وربما كان [[عبد الناصر]] ـ كما يذهب أحد الحاضرين أن دور [[سان بيترز]] اقتصر على الصلب، ولما كان هو مؤسس الكنيسة الكاثوليكية الذى صلب فى روما بالفعل، فيبدوا أن [[عبد الناصر]] ـ كما لاحظ [[لويس عوض]] طلب من الشيوعيين أن يلاقوا مصير هذا الديس الذى طلب منهم الصلب من أجل آلامهم.<br />
<br />
ويضيف أحد الحاضرين حينئذ عبارة [[عبد الناصر]] بشكل قريب من هذا، '''يقول أبو سيف يوسف إن [[عبد الناصر]] قال لهم:'''<br />
<br />
ـ يجب أن تكونوا مثل [[[[سانت بيتر]]ز]]، أى بشروا بالاشتراكية. أى ـ بمعنى أدق ـ ابعدوا عن السلطة.<br />
<br />
ويبدو أن [[عبد الناصر]] كان يريد تحقيق الاشتراكية بدء من أول الستينات ولكن لم يكن ليريد أن يشاركه معه اولئك الذين يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام، فحاول أن يحقق الاشتراكية (بدون اشتراكين)، اولئك الذين كانوا فى السجون إبان محاولات [[عبد الناصر]] الدؤوبة لتحيق العدل الاجتماعى وتأكيد قيمة المثقف ولكن داخل النظام لا خارجه.<br />
<br />
إنه الولاء الذى يطالب به ثانية من أجل التفرغ، لم يكن يريد للتناقضات الداخلية أن تستنفد جهوده للمعارك الخارجية بأية ثمن .. وهناك سؤال طرح فى هذا اللقاء يحمل معنى دالاَ، '''فقد كان أول ما سأل [[عبد الناصر]] عنه فى هذا اللقاء، هذا السؤال:'''<br />
<br />
ـ من تقدم للانتخابات النيابية هذه الفترة؟<br />
<br />
لستمع [[عبد الناصر]] قليلاَ لمن قال: نعم، غير ان [[أبو سيف يوسف]] قال وحده : لا، لم أتقدم للانتخابات.<br />
<br />
'''فقال [[عبد الناصر]] بما يجب تجيله لأهميته هنا:'''<br />
<br />
ـ اللى اتقدموا غلطانين وأبو يوسف صح..<br />
<br />
ـ من حقكم أن تبشروا بالاشتراكية مثل القديس بطرس، لكن غير مسموح لكم أن تتقدموا أو تستندوا للجماهير ضدى.<br />
<br />
ومهما يكن من درجة الاختلاف حول موقف [[عبد الناصر]]، فإن إيثاره لقيمة (الولاء) أو دعوته (للتبشير) هنا، إنما كان وراءها مفهوم آخر، لا يمكن فهمه إلا فى عصر [[جمال عبد الناصر]]، وهو أن المعارك التى دخلتها [[مصر]] بقيادة [[عبد الناصر]] فى الخمسينات والستينات كانت تحتاج إلى وحدة فى القصد، لم يكن هناك مكان ـ أى مكان ـ لإفرازات عقيدية أو أيديولوجية ـ ولم يكن هناك وسيلة للتحدث عن [[الديموقراطية]] فى وقت كان ينبغى توحيد الجهود لمعركة شاملة.<br />
<br />
التنوع أو الاختلاف هنا لن يفيد أمام عدو متحد لا يوزع الولاء فيه أكثر من مكان فى الجبهة الرئيسية.<br />
<br />
ويبدوا أن الاشتراكيين أنفسهم أدركوا هذا فى الفترة الأخيرة لوجود [[عبد الناصر]] بيننا.<br />
<br />
ويبقى أن نتنبه نحن ـ لآن ـ لهذا الدرس فى الصراع الدائر الذى يجب ألا يكون بيننا، ولكن بيننا وبين الغرب.<br />
<br />
'''وبعد، بقيت عدة إشارات لا بد من العودة إليها:'''<br />
<br />
ـ لم يكن [[عبد الناصر]] ليترك المثقفين المعادين له لتهديد النظام، وكما اتخذ مواقف عنيفة من بعض المثقفين الذين كانوا مستقلين، ولكن من ذوى الاتجاه السياسى المعارض (مثل [[إحسان عبد القدوس]])، فإن موقفه كان أشد قسوة من اولئك الذين انتموا إلى تنظيمات عقيدية أو اشتراكية وبوحه خاص من الماركسيين المنظمين.<br />
<br />
(وعرفنا من هؤلاء فى [[سوريا]] ـ فترة الوحدة ـ البعثيون، والقوميون الاجتماعيون.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] يرى أن النظام الجديد هو الذى يمثل (المثقف)، وعلى المثقف الواعى ـ وقد وضع تعريفات كثيرة له كما رأينا ـ هو الذى ينضم إلى الحكومة القائمة التى يمكن أن تسمى حكومة [[الثورة]] أو الحكومة المثقفة، وكثيراَ ماردد فى خطبة هذه العبارة الدالة "إن حكومة [[الثورة]] هى حكومة الأمة بطبقاتها جميعاَ".<br />
<br />
وهذا هو ماشكل (المرجعية) الفعلية ل[[عبد الناصر]] فى تعامله مع المثقفين.<br />
<br />
كان (الولاء) أهم ما يحرص عليه فى التعامل مع أولئك المثقفين.<br />
<br />
ـ إن استخدام الولاء فى السنوات الأولى كان ـ بوجه خاص ـ لحماية النظام، وإن تداخلت معه عوامل أخرى فيما بعد، غير أن الحرص على النظام كان المحل الأول لحمايته من أعداء كثيرين، كانوا ـ فى أغلبهم، ينتمون إلى قوة منظمة فى الداخل والخارج.<br />
<br />
كان يرى أن المعركة مع العملاء الداخلين أو الخارجين إنما يستلزم توحيد الجهود، وأياَ كانت المسميات من إفرازات أيديولوجية أو معارضة، فإن العدو المتربص بنا يستوجب منا الحيطة، فلا نتوزع هنا وهناك بمسميات أو تيارات مختلفة، وإنما يكون (الاستقطاب) لمواجه عدو شرس خطر أمامنا.<br />
<br />
ـ إن [[عبد الناصر]] لم يكن ليعادى أحداَ على المستوى الفردى، وإنما كان أى مثقف ينتمى إلى مؤسسة (كالجامعة) أو تنظيمات (كالتنظيمات الإخزانية أو الماركية) ممن يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام.<br />
<br />
ولدينا أمثلة كثيرة لمثقفين عبروا عن آرائهم ضد النظام لم يتخذ ضدهم [[عبد الناصر]] أى إجراء، وعلى سبيل المثال كان العقاد يهاجم [[عبد الناصر]] فى بيته وجلساته الخاصة، وكان الحكيم قد كتب أكثر من مسرحية تهاجم النظام وهو وهو ما فعله بشكل أكثر قسوة [[نجيب محفوظ]] .. إلخ.<br />
<br />
ـ يرتبط بهذا أن النظام كان حريصاَ ألا يستعين بمثقفين من ذوى الماضى السياسى المغاير أو السياسى المختلف لحماية النظام، والدليل على هذا أن التشكيلات الورازية لو تضم غير كفاءات إدارية وتنفيذية عالية، من المثقفين الذين لا يحملون أى ماضى سياسى أو فكرى مستقل، وعدا كل من [[حلمى مراد]] و[[عبد العزيز كامل]] نلتقى بأسماء مثل [[عزيزة صدقى]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازى]]، وحين أخرج [[حلمى مراد]] من الوزارة عين بدلاَ منه [[محمد حسنين هيكل]].<br />
<br />
وهو ما يبدو معه غلبة فئة التكنوقراط أكثر من المثقفين (المسيسين) أو من الشيوعيين أو أياَ من أعضاء التنظيمات السياسية المعادية سابقاَ رغم خروجهم من السجون.<br />
<br />
كان (الولاء) فى بداية الخمسينات هو أكثر ما حرص عليه [[عبد الناصر]] فى معركته فى الداخل والخارج، وهو ما يمكن أن نفسر به كثيراَ من معاركه مع المثقفين بشكل فردى أو جماعى، سواء أطلقنا كلمة (الولاء) أو (التعاون) أو (التبشير).<br />
<br />
كان هدف الرئيس مجابهة العدو بجبهة قوية متراصة.<br />
<br />
هو الدرس الذى لم يستفد منه المثقفون الآن، حيث تعدد، مواقف المثقفين بين أنماط شتى ومن مرجعيات شتى حيث تحول عصر العولمة إلى مصطلحات وتوجيهات شتى حيث نتعرف على مصطلحات جديدة مدمرة: كأن نتحدث عن مثقف السلام أو التطبيع أو ضروة التمويل أو البحث عن حقوق الأقليات .. إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأمانا الآن فى الوطن العربى، كما فى الغرب كله نماذج حادة شتى لهذا التصنيف؟؟ والغادر المخيف.<br />
<br />
===الفصل الثانى: [[عبد الناصر]] وقضية التعذيب===<br />
<br />
لا يمكن أن ننزع ظاهرة من سياقها..حدثت نفى فى هذا الشهر ونحن نسمع إثارة قضية حقوق الإنسان ـ ضمن قضايا كثيرة عن [[الثورة]] ـ .. أصوات غاضبة، مشهورة فى أغلبها مشحونة بالغضب، تتحدث عن إنجازات [[الثورة]]، وأصوات أخرى خافتة ممرورة تتحدث عن المصير الذى لاقاه المثقف وخاصة حين مورس ضده (التعذيب) وأصبح المثقفون فى سجون [[عبد الناصر]] يلاقون الإعانات لسنوات عرفوا فيها الكثير من صنوف التعذيب وأنواعه العديدة التى وجدناه فى أدبيات السجون فى هذه الفترة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو وجدنا أنفسنا فى زمن تفرق فيه الجميع بين صورتين مؤيد ل[[ثورة يوليو]]، ومعارض لها.<br />
مؤيد لإجراءات زعيم [[الثورة]].<br />
<br />
معارض له.<br />
<br />
محللين للظاهرة فى الإطار الأشمل للدولة الاستبدادية فى الشرق، وأشكال قمعها المتوارث بحيدة تجهد أن تكون علمية.<br />
<br />
وتصل درحة التأييد أو المعارضة ـ وما بينهما ـ إلى حالة تشبه (النوستالوجيا). نرى فيها ندابات ومغنيين ووجوه قديمة نعرفها ووجوه جديدة لا نعرفها مع تقدم السن وقلة المعرفة.<br />
<br />
وفى جميع الحالات نعيش كثيراَ من قضايا [[الثورة]] فى مناخ غريب، ولا أمس من أن تعتقد الندوات وتقام المؤتمرات، ويمضى الشهر الحزين مردداَ من ورائه أنه لا المعارضون ولا المؤيدون يعرفون حركة التاريخ جيدا، فقط حجاب المعاصرة هو الذى يسدل على التاريخ فيغيب أهم ما فيه ويزيد من كثافته تصفيق المتفرجيت واستياء المغرضين.<br />
<br />
وقبل أن نصل إلى إحدى الظواهر المثارة فى هذه الحقبة، ثمة ملاحظات أولية لابد من الإشارة إليها قبل كل شئ.<br />
<br />
'''ملاحظات أولية :'''<br />
<br />
لايمكن أن نتحدث عن انتهاك انتهاك لحقوق اإنسان فى الإطار الكبير له من حيث علاقة [[الثورة]] بخصومها دون أن نشير إلى ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
وبداية، فإن ظاهرة (التعذيب) أهم ظوافر حقوق الإنسان محرمة كل التحريم فى الوعى الإنسانى، وهى، على المستوى البشرى لا يمكن تبريرها تحت أى ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها فى سياقها يصبح خروجاَ على الحكم الخاطئ فى مباراة ارتضى جميع الأطراف فيها حكماَ من الخارج.<br />
<br />
ومن هنا، فإن القضية مرفوضة تحت أية دفوع فى محكمة التاريخ أو فى الواقع خارج التاريخ حيث نعيش جميعاَ المعاصرة، ونتعامل مع مفردات الحياة الراهنة، ومن هنا، يجب أن نذكر فى هذا السياق مكانة هذه الظاهرة فى [[القانون]] الدولى وبصفة خاصة فى الإعلام العالمى لحقوق الإنسان الذى ينص فى مادته الخامسة على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإطاحة بكرامته".<br />
<br />
ونستطيع فى هذا السياق أيضاَ ذكر عشرات من تقارير مجلس [[الأمم المتحدة]] للوصاية وعديداَ من القواعد النموذجية التى أقيمت تحت إشراف [[الأمم المتحدة]] لحماية المسجون السياسى وكثيراَ من المؤتمرات التى عقدت منذ عام [[1955]] حين أقيم أول مؤتمر للأمم المتحدة لحماية السجناء وحتى آخر مؤتمر عقد العام الماضى فقط تحت رعاية [[الأمم المتحدة]] أيضاَ تركيزاَ على ما حدث فى [[البوسنة]].<br />
<br />
وقبل كل هذا فإن الأديان كلها لا تبرر أى تعذيب، كما أنها ضد امتهان كرامة الإنسان وآدميته.<br />
وإن كان يخرج عن سياقنا الآن أنه مع أول مؤتمر حتى آخر مؤتمر لم يتغير شئ، غير أن مبادئ الإنسانية تظل هى القاسم المشترك التى لا بد من التنبه إليه والتمسك به بصفتنا بشراَ فى النهاية.<br />
<br />
إن حقيقة رفض التعذيب والبرهنة عليه فى رفض (آلياته) عبر المؤسسات الدولية والأديان السماوية، هى الملاحظة الأولى، فهى ما يلاحظ من أن هذه الحقيقة تصطدم لدى الإنسان بكثير من النوازع البشرية، فنحن لا نستطيع أن نمنع أنفسنا فى هذا السياق من مشاعر شتى، خاصة، ونحن ما زلنا نعيش بشكل ما فترة حكم [[عبد الناصر]] بالسلب أو الإجابية ـ كما أسلفنا ـ وهو ما يسلمنا، مع هذا، أو رغم هذا، إلى شئ من الحيرة عند الحكم على ظاهرة ما زلنا فى معظمها من شهودها بشكل ما.<br />
<br />
نقول هذا بشكل أكثر بساطة.<br />
<br />
إن ظاهرة (تعذيب) [[عبد الناصر]] لخصومه ما زالت أكثر الظواهر المحيرة.<br />
<br />
هذه الحيرة تنعكس فى ردود الفعل الحادة التى ما زلنا نصطدم بها.<br />
<br />
فالبعض ما زال يرفض أن يردد أن التعذيب يمثل السمة الرئيسية فى [[عبد الناصر]]، وأنه راح يضيع كل إنجازات [[الثورة]] التى ظلت سنوات طويلة تعمل وتحارب من أجلها وأن صاحب هذا الرأى يرى أن الدولة كانت مطالبة بالحفاظ على نظامها، وأن خصوم [[الثورة]] كانوا يستطيعون ـ لو تركوا طلقاء، بأسم الحرية ـ أن يهتبلوا الفرصة ليقضوا على [[الثورة]]، وهاجس الخوف من المثقفين وتنظيماتهم نجدها فى كثير من مواقف [[عبد الناصر]].<br />
<br />
وتصريحاته، يقول [[جمال عبد الناصر]] ـ على سبيل المثال ـ فى اجتماعات اللجنة التحضيرية المنعقدة عام [[1962]] مخاطباَ [[خالد محمد خالد]] وهو يطالبه ب[[الديموقراطية]] والحرية.<br />
<br />
"ـ يوجد شيوعيون طلقاء، وأنت تعرف ذلك، وأنا أعرف ذلك، وكل الناس يعرفون أنه يوجد ماركسيون خارج السجن .. ف[[الحزب الشيوعى المصرى]] يأخذ تعليمات من "صوفيا"، وقياداته موجودة فى صوفيا، ويأخذ تعليمات من [[بلغاريا]] ، كيف أقول عن هؤلاء الناس أنهم وطنيون، وآمن لهم أن يتصدوا قيادة هذا الشعب .. إلخ".<br />
وهو ما يقوله مرة أخرى.<br />
<br />
"ـ إن أى واحد يتلقى تعليمات من الخارج اعتبره غير أمين على بلده، وأنا متأكد بكل أسف أنهم يأخذون تعليمات من الخارج".<br />
<br />
وكانت هذه هى الفترة التى قال فيها [[إلهام سيف النصر]] فى معتقل أبو زعبل : " .. بعد إيقاف التعذيب مباشرة، حضرت لجان طبية للكشف على بعض المعتقلين، وكان السبب فى حضورها .. و .. والدور العظيم الذى لعبته الدول الاشتراكية فى المناداة بالإفراج عنا وإيقاف التعذيب".<br />
<br />
إنها الحيرة المزمنة فى قضية لها أطراف كثيرة.<br />
<br />
وهذه الحيرة لم تنجم عن نقض المادة أو ندرة الشهود، وربما لكثرة المادة وأصوات الشهود التى تحدث ضوضاء أكثر مما تحسم فى القضية، خاصة وأن كثيرين ممن هبطوا إلى سجون [[عبد الناصر]] أدلوا بدلوهم فى هذه القضية حسب مواقفهم وانتماءاتهم .<br />
<br />
وفى هذا يمكن أن نذكر بعد هذه الأسماء: [[عبد العظيم أنيس]]، [[لويس عوض]]، [[إسماعيل صبرى عبد الله]]، [[طاهر عبد الحكيم]]، [[محمود أمين العالم]]، [[فتحى عبد الفتاح]]، [[خليل قاسم]]، [[إلهام سيف النصر]]، [[صلاح حافظ]]، [[مصطفى طيبة]]، [[محمود السعدنى]]، [[محمد سيد أحمد]]، [[عبد الستار الطويلة]]، [[صنع الله إبراهيم]] وكثير من الشعراء [[فؤاد حداد]] و[[زكى مراد]] و[[كمال عمار]] .. وغيرهم.<br />
<br />
وهذه الحيرة، التى ندين فيها فى نهاية الأمر التعدى أياَ كانت مبرراته، تصيبنى، على المستوى الشخصى بحيرة مضاعفة.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى الملاحظة الثالثة.<br />
<br />
أعرف أننى ظللت لسنوات حائراَ، ما أكاد أصل إلى رأى وأستريح إليه حتى يفاجئنى آخر، فيزلزل كيانى، وأعاود من جديد رحلة البحث والشك، وما كاد يصلنى الشك إلى اليقين مرة أخرى حتى أعاود رحلة الشك من جديد.<br />
<br />
ويفسر هذه الحيرة التى وقعت أسيراَ لها لسنوات، أننى أنتمى إلى هذه الفترة بحكم تكوينى الفكرى، والفترة الزمنية التى عشتها صبياَ فى إنجازات [[الثورة]] وشاباَ أشهد انتصارات الخمسينات، طالباَ بمدارس [[عبد الناصر]] وجندياَ بالجيش ال[[مصر]]ى فى هزائم الستينات من هذا القرن. محبطاَ من انفصال 61 منتشياَ بإنجازات [[الثورة]] الاجتماعية ومنهزماَ فى هزيمة [[1967]] منطوياَ على نفسى عازفاَ عن أى مشاركة ـ حتى ـ بالقول قترة غير قصيرة فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وهو ما يفسر كيف حملت أوراقى طيلة السبعينات لأجلس أمام عدد كبير من المثقفين باحثاَ عن درجة علمية أو للوصول إلى حقيقة تاريخية، وقد كنت كل مرة أستخدم جهاز التسجيل أو أقرأ وثيقة فى سياق مغاير أجهد أن أتأمل وأن أكون محايداَ.<br />
<br />
التقيت بمن عرف سجون [[عبد الناصر]] أو لم يعرفها، لكننى التقيت أكثر بخصوم [[عبد الناصر]] من نزلاء سجون [[الثورة]]، علنى أتفهم الطرف الأخر، وأقترب من دفوعه فى قضية (التعذيب).<br />
<br />
وظللت لسنوات رحلة البحث عن الحقيقة.<br />
<br />
غير أن الحقيقة ظلت ـ بالنسبة إلى ـ باب ضخماَ مفتاحه السؤال ومن هنا ، كان على، وأنا أضع فى الاعتبار كل ما قيل عن الظروف الأمنية، وحماية الدولة من أعدائها، والبحث عن أمن لتحقيق الدولة لإنجازاتها .. إلخ ظل بجانب هذا كله سؤال أكثر تطوراَ يلح على، '''ولم يتوقف أبداَ:'''<br />
<br />
هل كان يعرف [[عبد الناصر]] بهذا التعذيب؟<br />
<br />
'''وهنا أصل إلى السؤال التالى:'''<br />
<br />
هل كان يعلم؟<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] يعلم؟<br />
<br />
هذا سؤال ..<br />
<br />
ثم وهل كان [[عبد الناصر]] يأمر بالتعذيب؟<br />
<br />
وهذا سؤال آخر..<br />
<br />
إن الكثيرين لم يخفوا أن [[عبد الناصر]] كان يعلم بالتعذيب، ولكن لي بالحجم الذى تم تصويره به، غير أن خصوم عب الناصر أكدوا أنه كان يأمر به فيتعمد يقصد منه الإساءه إلى [[عبد الناصر]] قبل أن يحاولوا وقوع التعذيب أو تفسيره فى سياق بناء الدولة منذ عصر [[محمد على]] حتى اليوم، وعلى سبيل المثال فإن أحد خصوم [[عبد الناصر]] أثناء الوحدة بين [[مصر]] و[[سوريا]] ـ وهو [[أكرم حورانى]] ـ راح يتذكر فى أحد الصحف العربية (فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله) أن [[عبد الناصر]] كان يأمر نائبه فى حكومة الوحدة ـ عبد الحكيم السراج ـ بسجن الشيوعيين وتعذيبهم .. (و) .. إنه بعد أن اطلع [[عبد الناصر]] على صور التعذيب فإنه [[عبد الناصر]] قد أظهر عدم اطلاعه على هذه الأمور".<br />
<br />
وكأننا ملزمون بتصديق أحد ألد أعداء [[عبد الناصر]] فى فترة الانفصال وما بعدها بعد رحيل [[عبد الناصر]].<br />
معنى هذا ـ لو صدقنا خصومه، وهم الآن كثيرون ـ أن [[عبد الناصر]] كان يعرف بالتعذيب، وكان يأمر به، غير أن التهمة ـ مثل أية تهمة كبيرة تصل إلى حد الجناية ـ تحتاج إلى دفوع أكثر لتأكيدها أو لنفيها. وما يتوفر لنا الآ أكثر دفوع خصوم [[عبد الناصر]]، خاصة الذين كانوا ضيوفاَ فى سجونه لسنوات.<br />
وهو ما نتمهل عنده أكثر.<br />
<br />
ترى، ماذا يقول خصوم [[عبد الناصر]] فى سجونه؟<br />
<br />
وماذا يقول [[عبد الناصر]] نفسه؟<br />
<br />
لنتوقف عند الطرف الأول.<br />
<br />
فحين واجهنا أمين هويدى حول التعذيب، وأشار واجماَ يسئل [[عبد الناصر]]، لم يلبث أن أضاف فيما يشبه النفى عن مسؤلية النظام الناصرى.<br />
<br />
"ـ إن أى إنسان من أبناء [[الثورة]] ضد التعذيب الجدى والمعنوى".<br />
<br />
وهو ما يشير إلى رفض التعذيب من هذا الجانب.<br />
<br />
ولكن ما هو موقف الخصوم؟<br />
<br />
منذ سنوات، كنت قد سألت أحد خصوم [[الثورة]] من [[الإخوان]] عن مألة التعذيب.<br />
<br />
ـ هل كان [[عبد الناصر]] يعلم..؟<br />
<br />
'''فأجاب بدون تردد:'''<br />
<br />
ـ قطعاَ .. لا يمكن إنكار ذلك.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملامسات كثيرة فنحن بين رأيين.<br />
<br />
أحدهما يؤكد أن النظام كان يعلم ويمارس التعذيب.<br />
<br />
ولآخر، كان ينفى، ف[[عبد الناصر]] لم يأمر به، ولم يكن ـ على الآقل ـ ليعلم حجم هذا النعذيب.<br />
لنستمع إلى الحيثيات قبل أن نصل إلى الحكم الآخير.<br />
<br />
ـ راح البعض يؤكد أن [[عبد الناصر]] كان يعرف التعذيب، بل كان ـ أى التعذيب ـ أحد أشكال الضغط علينا ، '''وأسأل [[محمود أمين العالم]]:'''<br />
<br />
ـ الضغط ، لأى شئ؟ ويجيب:<br />
<br />
ـ من أجل الحل.<br />
<br />
ـ والحل ـ حل [[الحزب الشيوعى]] ـ كانت له أساليب كثيرة يحددها المناضل الماركسى.<br />
<br />
ـ الحل بالتعذب.<br />
<br />
ـ الحل بالسجن.<br />
<br />
ـ الحل بالإغراءات.<br />
<br />
ـ ويرى [[محمد سيد أحمد]] الذى عرف تعذيب الشيوعيين فى سجن أبو زعبل، أن التعذيب كان من أجل الملاء، كان [[عبد الناصر]] يطلب الولاء قبل كل شئ، وكان هذا يتأثر بالمواقف بين [[القاهرة]] و[[أكرم حورانى]] أو [[القاهرة]] وموسكو،المهم هنا أن [[محمد سيد أحمد]] يرى أن النظام كان ي[[مارس]] التعذيب.<br />
<br />
ونترك اليسار لنتمهل عند اليمين.<br />
<br />
فى التيار [[الإسلام]]ى راح [[أحمد رائف]] يطرح السؤال فى الزنزانة رقم 210 (كتابه [[البوابة السوداء]]) :<br />
<br />
ـ "وهل كان [[عبد الناصر]] يعرف ما يدور فى أروقة السجون وظلام الزنازين؟" ويجيب بسرعة.<br />
<br />
ـ " .. نعم يعرف والأدلة على ذلك كثيرة والشواهد متعددة لا يستطيع تجاهلها".<br />
<br />
وما يقوله رائف يقوله أكثر [[الإخوان المسلمين]] مثل كتابات الشيخ [[محمد الغزالى]] ومذكرات [[زينب الغزالى]] .. إلخ.<br />
وتتأكد هذه المعرفة من أقرب الشهود للنظام، يقول الأستاذ هيكل (من كتاب [[حسنين كروم]]، [[عبد الناصر المفترى عليه]] ،) : "[[عبد الناصر]] يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب".<br />
<br />
وهنا نصل إلى إجابة السؤال الأول، نعم، [[عبد الناصر]] كان يعرف بالتعذيب، لكن يبقى السؤال الآخر، وهل كان (يأمر)بالتعذيب؟<br />
<br />
والفارق واضح بين أن يعرف [[عبد الناصر]] ويصمت، أو يتعمد، فيأمر؟<br />
<br />
وبغض النظر عن حجة البعض أنه كان يدافع عن نظامه، وتجربته الثورية، الت لو وضعت فى يد أحد خصومه لما فعل أقل ما فعل، بغض النظر عن هذا، سوف نحاول أن نجيب عن السؤال الآخر: <br />
<br />
هل كان يأمر، وكيف، ولماذا..؟<br />
<br />
وهنا ننطلق إلى نفس الهدف ولكن نغير الطريق.<br />
<br />
وكيلا نقع فى محظور الدفاع عن [[عبد الناصر]]، فإننا نكرر ثانية ـ ما سبق أن أشرنا إليه ـ من أن [[عبد الناصر]] كان يعرف ـ بشكل ما ـ أن هناك نوعاَ ما من العنف والتعذيب ضد معتقليه فى السجون، لكنه ـ بالطع ـ لم يكن ليعلم درجته.<br />
<br />
كما أنه لم يعرف عنه أنه أصدر أوامر محددة بإجراء التعذيب أو ممارسته بالشكل البشع الذى عرفناه به.<br />
<br />
كان يعرف أن هناك معاملة تصل إلى درجة التعذيب، لكنه لم يكن ليدرك القيض على المعارضين داخل السجون فى دولة شمولية، لم تعرف المؤسسات الديموقراطية كما يجب، ويمارس رئيسها الحكم بديكتاتورية .. إن هذا كله يمكن أن يؤدى إلى أنواع من التعذيب البشع الذى أودى مرة ب[[شهدى عطية]] (مريض القلب) ومرة أخرى بعديد من شهداء [[الإخوان]]، بل بولغ أحياناَ فى معاملة [[عبد الناصر]] لمعتقليه وسجنهم إلى درجة أن [[عبد المنعم الشرقاوى]] يزعم أنه علق من ساقيه، وأن عيوناَ أليكترونية كانت [[مصر]]عة بجدران السجون.<br />
<br />
وهنا يختلط الواقع بالخيال.<br />
<br />
وفى الوقت نفسه يفسر غلو البعض فى وصف تعذيب [[عبد الناصر]]، فى حين أن البعض الآخر ـ من مؤيديه ـ يرفضون هذا الرأى، ويذهبون إلى الرفض إلى درجة نفى التعذيب كلية.<br />
<br />
وهناك أكثر من حادثة نختار منها حادثة معينة تؤكد أن [[عبد الناصر]] لم يأمر بالتعذيب كما صوره البعض (قط)، فالمعروف أنه أثناء نظر قضية [[الحزب الشيوعى المصرى]] (وكان المتهم فيها كل من د. [[فؤاد مرسى]] ود. [[إسماعيل صبرى عبد الله]]).<br />
<br />
وأثناء تواجد المتهمين فى المحكمة فوجئ الجميع أن [[إسماعيل صبرى]] رفض الدفاع، وام هو بنفسه ليقدم دفاعاَ قانونياَ جديداَ أمام المحكمة، فى هذا (الدفاع السياسى) راح السجين يشير إلى الأسباب التى جعلت اليسار يدخل السجون، ةما هى أباب اختلافه مع [[عبد الناصر]]، وكيف أن اختلاف التوجهات ـ كما أشار ـ هى السبب فى الخلاف بين أعضاء [[الحزب الشيوعى]] وبين [[عبد الناصر]] رغم اتفاقهما فيما بعد فى التوجه إلى المجتمع واعتناق الاشتراكية وإن كانت ألوان الطيف تحدد لنا ألوان كثيرة من الاشتراكية فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وكان الدفاع المجيد الطويل الذى يدلل فيه صاحبه بما يقول بعشرات الأمثلة والمجتازءات والأحداث التى لا تتوفر إلا لباحث يقطع حياته فى مكتبه ليكتب مثل هذا الدفاع الضخم .. كان هذا دافاَ لرجال المخابرات لإرساله ل[[عبد الناصر]] بتقارير قدمت له، مشفوعة فى نهاية كل تقرير أن الشيوعيين (المساجين) قالوا كل شئ، وبتأن، وبدون تخوف أو تردد، فاندهش [[عبد الناصر]] لهذا، '''وقال بسرعة:'''<br />
<br />
"ـ النا دى نازلة فى لوكاندة".<br />
<br />
وهذه الحادثة التى ذكرها لى د. [[إسماعيل صبرى عبد الله]] ـ فى محضر نقاش ـ كان دافعاَ ليلقى [[جمال عبد الناصر]] كلمته التى فهم منها أنه لا بد من التعامل معهم بقسوة أكثر من ذلك، لأن هذه الحرية التى تمتعوا بها للتعبير عما يريدون خلال دفاع منظم لا تتفق مع حياة سجين سياسى، وأضاف د. إسماعيل أن درجة العزاب زادت بعد ذلك مع تشديد كبير على منع الأوراق والأقلام والاتصالات الداخلية أو الخارجية، وكان هذا محل دهشة الدكتور [[لويس عوض]] فى ذلك الوقت، ففى لقاء شخصى معه، أشار إلى أنه كان معتقلاَ فى معتقل الفيوم وكان الاعتقال كما يقول يتم (باحترامنا)، وهنا يضيف د. [[لويس عوض]].<br />
<br />
ـ أنه حينما انتقلنا من [[الفيوم]] إلى "أبى زعبل" تعذبنا عذاباَ شديداَ لا طاقة لبشر به.<br />
<br />
وكانت هذه الفترة هى التى شهدت دفاع المعتل السياسى [[إسماعيل صبرى]]، والتى علق فيها [[عبد الناصر]] عما تم فى المحكمة، وبناء على ذلك، تحولت المعاملة اليومية الطبيعية فى الجون إلى (تعذيب) شديد.<br />
<br />
ربما كان يعرف [[عبد الناصر]] بعض ألوان التعذيب فى سجونه، لكنه بالقطع لم يأمر به، ولم يحث عليه بالشكل الذى تم به بالفعل: لقد تحول المعتقل من عزل السجناء، وإعطائهم أرقام، وإساءة معاملتهم، إلى قطع الأحجار والضرب المبرح والتعذيب لدرجة الموت، وهو ما يعود إلى جهاز الدولة أكثر من أوامر [[عبد الناصر]]، ول[[أبو سيف يوسف]] تعليق مهم هنا عما حدث من تعذيب، يؤكد: "الدولة حين تقع تحت سلطة بيروقراطية .. وتبدو فى حالة جديدة من حالاتها .. تبدو كجهاز لا قلب له، كل ما تنزل الأوامر تزيد درجة".<br />
<br />
'''وأقاطع [[أبو سيف يوسف]]:'''<br />
<br />
ـ هل نفسر بهذا ملابسات قتل [[شهدى عطية]]؟<br />
<br />
'''يجيب السجين السياسى السابق:'''<br />
<br />
ـ لا ليس إلى هذه الدرجة .. لا تنسى أن [[شهدى عطية]] كان مريضاَ بالقلب وإن كان هذا لم يمنع من التعامل معه بقسوة، كغيره، كما أن [[عبد الناصر]] حين علم بموت [[شهدى عطية]] ـ وكان فى أحدى دول شرق أوروبا الشيوعية غضب بشدة، وأمر بوقف (كل) عمليات التعذيب السياسى.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملابسات وأحداث كثيرة، فنحن نعلم أن [[شهدى عطية الشافعى]] ـ وهو مثقف تقدمى كبير ـ توفى فى 15/6/[[1960]] فى ليمان أبو زعبل تحت وطأة التعذيب، وحين عرف [[عبد الناصر]] ـ وكان فى رحلة للكتلة الشرقية ـ غضب كثيراَ، وحين عاد إلى [[القاهرة]] "ثار كما لم يثر من قبل" كما يقول الأستاذ هيكل وقام على الفور بفصل مدير السجن من عمله وتم إتخاذ إجراءات محاكمة المسئول بأمر [[عبد الناصر]]<br />
<br />
ونعود إلى ما كنا فيه فنستعيد ما قاله [[أبو سيف يوسف]] ـ من محضر نقاش أجرى معه ـ ملخصاَ الأمر كله أن المسئول كان يبدى عبارة أو يلقى أمراَ بالتشديد على المسجون السياسى، لكن كانت هذه العبارة أو ذلك الأمر يتحول، كلما هبط كورس التنفيذ ـ إلى أمر صريح بالتعذيب.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] يعرف بالتعذيب، نعم، لكن ليس بالشكل البشع الدى يقال عنه، والذى ما زالت ترتفع الأصوات فى عديد من الصحف القومية أو المعارضة لإظهار [[عبد الناصر]] بصورة الحكم المتعطش للدماء العنيف إلى درجة الأمر بالتعذيب حتى الموت، كما أن جملة الأحداث الداخلية والعربية والخارجية تدعو إلى هذا الواقع وتدفع إليه.<br />
<br />
مكان التعذيب موجوداَ ومعروفاَ فى عصر [[عبد الناصر]]، يقول هيكل (ال[[حسنين كروم]] أن "[[عبد الناصر]] يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب واعتقالات آلاف الأشخاص فكتبت مامحاَ لذلك فى [[الأهرام]]، وكانت النتيجة أن غضب [[شمس بدران]] وقاطعنى".<br />
<br />
'''ويقول [[شمس بدران]]:'''<br />
<br />
"ـ أول للقضاء ال[[مصر]]ى والرأى العام. أننى أتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما وقع فيما يسمى بالتعذيب فى القضايا التى شرفت على التحقيق فيها، وكان الهدف مصلحة عليا".<br />
<br />
وما قاله هيكل و[[شمس بدران]] قاله [[صلاح نصر]] فى التحقيقات التى أجريت معه أو فى كتبه التى نشرها، مؤكداَ أن ما حدث كان للدفاع عن القضايا القومية وكان ضرورة للدفاع عن التجربة الوطنية فضلاَ عن أن هذا ألوب معروف فى كوادر المخابرات العالمية.<br />
<br />
وعود على بدء، أن يكون [[عبد الناصر]] قد علم بالتعذيب، الإجابة بنعم، لكن أن يكون قد أمر به أو حرض عليه، فإن هذا ـ بحيدة كاملة ـ لا يتفق مع روايات الشهود واء داخل سجون [[عبد الناصر]] أو خارجها وإلا فليفسر لنا البعض ثورة [[عبد الناصر]] العنيفة عقب قتل [[شهدى عطية]]، وكيف تعامل [[عبد الناصر]] بغضب عات مع المسئولين، وخاصة، مأمور السجن الذى عذب فيه وقتل [[شهدى عطية]].<br />
<br />
لقد آن الأوان لنظر إلى (تعذيب) [[عبد الناصر]] فى إطار بناء الدولة العصرية، وأيضاَ، فى إطار عيوب الدولة الاستبدادية وويلاتها.<br />
<br />
وكما كان يمكن أن نذهب إلى ما ذهب إليه خصوم [[عبد الناصر]] من موقف [[عبد الناصر]] من التعذيب، كذلك، يمكن التدليل على العكس، من خصومه أيضاَ.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى شهادة أهم هؤلاء الخصوم، خاصة، إذا كان هذا الخصم قد عاش مع ممارسات [[الثورة]] بشكل عبنى، بل ودخل تجربة السجن ـ كما سنرى .<br />
<br />
====الشهادة : الجامعة و[[الثورة]]====<br />
<br />
كان المحامى الشهير والذى رحل فى الفترة الماضية. أحد شهود الفترة الناصرية، وأحد أبناء الجامعة الذين دخلوا فى صدام مع رجال [[الثورة]]، ورغم أن [[عبد المنعم الشرقاوى]] ـ هو شقيق الأديب عبد الرحمن ـ كان قد اتهم النظام فى الستينات بسجنه وتعذيبه، فإن نيابة أمن الدولة العليا رفضت هذا الاتهام/ التعذيب ـ بعد تحقيق طويل استغرق الفترة بين 14 ـ 20 [[يوليو]] [[1966]].<br />
<br />
وما حدث فى منتصف الستينيات لم يكن لينفصل عما حدث فى بداية الخمسينات عقب قيام [[الثورة]]، ففى السنوات الأولى كان الصراع حاداَ بين فئات المثقفين ـ ومن بينها الجامعة ـ وبين مجلس قيادة [[الثورة]]، فى الوقت الذى كان فيه [[عبد المنعم الشرقاوى]] سكرتير عام هيئة التدريس بجامعة [[القاهرة]]، ومن ثم، انسحب موقفه من [[الثورة]]، وموقف [[الثورة]] من الجامعة منذ فترة مبكرة، على العلاقة بينهما فيما بعد.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن هذه الشهادة ـ التى نقرأها من العالم الآخر ـ أدلى بها صاحبها قبيل رحيله بفترة بسيطة (وهى مكتوبة ومسجلة) ، وهى تحاول أن تعيد تركيب صورة هذه العلاقة بين الجامعة و[[الثورة]].<br />
<br />
كنت قد حدثته عن موقف الجامعة إبان قيام [[ثورة يوليو]]، كيف كان.<br />
<br />
فأكد أنه، وقد كان سكرتير هيئة التدريس بجامعة [[القاهرة]]، كان أول ما فعله أن قام بدعوة عدد من أساتذة الجامعة إلى منزله (الدكاترة سعيد النجار، محمد حسن الجمل، توفيق الشاوى، أمين صندوق الجامعة .. إلخ) وكان هذا فى مساء 25 [[يوليو]]، وكتبنا هنا بياناَ نؤيد [[الثورة]] وطالبنا فيه بالحرية و[[الديموقراطية]]، وحين تم كتابة البيان، أوصلته بنفسى إلى باب الإذاعة، وقال لى الضابط المسئول هناك، أن هذا البيان هو ما كانت تنتظره [[الثورة]]. كان البيان مكتوباَ بأسم أساتذة جامعة [[القاهرة]]، ليس بيان تأييد فقط، وإنما بيان تأييد مشروط ويمكن العودة إلى هذا النص فى جريدتى ال[[مصر]]ى و[[الأهرام]] يوم 26 [[يوليو]].<br />
<br />
وهذا موقف يشهد للجامعة، خاصة، وأن الملك كان فى الاهرة.<br />
<br />
وقد استمرت علاقاتنا بالدولة فى ذلك الوقت على أحسن وجه، وكنا نجتمع بشكل مستمر مع [[كمال الدين حسين]]، وكان هو المختص فى ذلك الوقت بالاتصال بالجامعة، وأذكر أنه طلب منا تغيير اللائحة (بناء على رأينا) ، وبالفعل تم تغيير لائحة الجامعة، وكان فيها الدكاترة [[حلمى مراد]] و[[عبد العظيم أنيس]] و[[عبد الرحمن بدوى]] ولأدلل أكثر على علاقتنا الطيبة ب[[الثورة]]، أذكر أننى عينت فى عام [[1953]] عضواَ فى لجنة إصلاح التعليم الجامعى التى رأسها [[على ماهر]] فى ذلك الوقت، وكان من أعضائها ـ فيما أذكر ـ [[لطفى السيد]] والدكتور [[السنهورى]].<br />
وقد قدمت اللجنة تقريرها لإصلاح التعليم الجامعى.<br />
<br />
ولكنك متهم بأنك كنت فى لجنة التطهير التى شكلتها [[الثورة]]، وقات بأخراج العديد من أساتذة الجامعة، '''سألت، وأجاب:'''<br />
<br />
التطهير كان ظاهرة يمكن أن تجدها فى عديد م الهيئات فى هذا الوقت، ولم تكن قائمة من أجلى أنا، ففى نهاية [[1952]] أرادت [[الثورة]] القيام (بالتطهير) ـ وهذا لفظ فرض علينا ـ وكنت أنا فى اللجنة، لجنة تطهير الجامعة ـ كما كان يطلق عليها ـ وكان معى فى اللجنة جامعيون ممتازون مثل الدكتور [[عبد الله الكاتب]] والأستاذ [[همام محمد محمود]]، وكنت أنا ثالثهم، وكان رئيس اللجنة [[محمد حسنين]] رئيس النيابة، وصحيح أن اللجنة قامت بناء على طلب [[الثورة]]، لكن قيامها الفعلى كان بناء على انتخاب جرى بين الجامعيين من أساتذة طبيقاَ لقانون التطهير، وقد قمنا بالفعل بما طلب منا، وكانت ضمن طلباتنا انتخاب مدير الجامعة من بين أساتذة الجامعات.<br />
<br />
ولكن هذه اللجنة متهمة بالانحياز إلى [[الثورة]]، وبإجراء التطهير من بين الأساتذة.<br />
<br />
أستطيع أن اقول لك أننا لم نطبق قانون التطهير بإخراج الأساتذة من الجامعة إلا على أثنين فقط، وكانوا من جامعة [[القاهرة]] وبوجه خاص من كلية الآداب لأسباب لا أريد الخوض فيها.<br />
<br />
إذا كان الأمر كذلك، من العلاقة بين الجامعة و[[الثورة]] أول قيامها فكيف بدأ الخلاف؟<br />
<br />
.. بدأ الخلاف فى فبراير حين دعانا [[كمال الدين حسين]] للاجتماع فى [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالفعل، اجتمع معنا وطلب منا بياناَ لتأييد [[الثورة]]، كنا نجتمع مع [[كمال الدين حسين]] باستمرار، وفى كل مرة نعالج قضية من قضايا العلاقة بين [[الثورة]] والجامعة، كان الخلاف الأول بيننا وبين [[الثورة]] قد انتهى بالقبض على عدد ممن كانوا فى اجتماع بالجامعة وكان من بينهم [[توفيق الشاوى]] .. ثم فصل هؤلاء، وكان الواضح أن السبب فى فصلهم أنهم من [[الإخوان]] الذين قبض على عدد كبير منهم فى ذلك الوقت.<br />
<br />
القضية أننى أنا كنت صاحب فكرة هذا الاجتماع الذى قبض فيه على الأساتذة، ومن هنا كان غضبى كيف يذهب بعض الأساتذة إلى سجن الأجانب على أثر دعوتى للاجتماع، ذهبت إلى وزير المعارف وقد كان عباس عمار وقابلت [[فتحى رضوان]]، وأظهرت غضبى الشديد وانتهى الأمر بالإفراج عنهم.<br />
<br />
بيد أن الانشقاق الأكبر الذى حدث بين [[الثورة]] والجامعة كان تحديداَ فى أزمة [[مارس]] [[1954]]، فقد أصدرنا ضمن المثقفين الآخرين (الطلبة والمحامين .. إلخ) عدة بيانات تؤيد [[الديموقراطية]] وتطالب بالحريات، ولم نكن نعرف أن قرارت 25 [[مارس]] كانت مناورة، ومن هنا، أصدرنا بيانات أيدنا فيها هذه القرارات التى تعيد الجيش إلى الثكنات و .. إلى آخر هذه القرارات، وهنا، استنتج الضابط أننا ضدهم، وقد زاد الأمر سوءاَ أنه قد صدرت بعض القوانين للجامعة بموافقة د/ [[إسماعيل القبانى]]، فاعترضنا عليها، فألغيت، وهو ما زاد حجم الغضب ضدنا.<br />
<br />
لم يشهد [[مارس]] بداية الخلافات فقط، وإنما استمرت الأسباب أكثر فيما بعد أليس كذلك؟<br />
<br />
نعم ـ أضاف سكرتير نادى هئية التدريس ـ فى 5 إبريل تحديداَ جاءت رسالة من سكرتير عام الجامعة، قال فيها أن [[جمال عبد الناصر]] يريد الاجتماع بأعضاء مجلس الإدارة، اجتمعنا بالأساتذة قبل الاجتماع الذى حدد لنا الساعة الثانية عشر ظهراَ، كان هناك اعتراض عام من الذهاب لدى الأساتذة وتخوف من نيات [[الثورة]] تجاه الجامعة.<br />
<br />
لم أجد بداَ من الذهاب، دعيت الأساتذة (وكانوا قرابة ثلاثين أستاذاَ) إلى مجلس الجامعة، كان عن كل كلية 3 أساتذة و2 أستاذ مساعد و1 مدرس.<br />
<br />
كان هناك اتجاه اتجاه عام بألا نذهب إلى هذا ااجتماع، رفضت هذا الموقف وأصررت أن نذهب، ونقول ما نريد لا أن نرفض ولا يعرف أحد ما نريد، وفى حين وافق البعض على أن نذهب واشترط ألا يعلن عن هذا الاجتماع، وفى هذا الوقت، فوجئت بالدكتور حسام سكرتير الجامعة يهمس بأذنى [[عبد الناصر]] يأمر أن يكون الاجتماع فى منزله وليس بمجلس الوزراء كما كان قد قيل لنا من قبل، اعترض البعض، وحين جاء وقت أخذ الأصوات جاءت الأصوات 14 مع الرأى الذى يؤيد الذهاب فيه إلى بيت [[عبد الناصر]] ضد 13 رفضوا.<br />
<br />
كان المثقفون فى ذلك الوقت حرصين على كرامتهم ومواقفهم.<br />
<br />
المهم، ذهبنا إلى منزل [[عبد الناصر]]، وهناك جلسنا من الساعة الثانية عشر ظهراَ حتى الثالثة، جلس [[عبد الناصر]] فى مواجهتنا، '''وقال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
ـ "لقد قمنا ب[[الثورة]] قبل ميعادها، ولم يكن لنا أى برنامج، واعتمدنا على أن تقوم الجامعة بعمل برنامج لنا، ولكن يبدو أن الجامعة ضدنا، وبها أساتذة لديهم ميول كثيرة ضدنا .. مش كده ولا إيه يا شرقاوى".<br />
<br />
'''فوجئت بالسؤال :'''<br />
<br />
فأجبت : نحن لسنا ضد [[الثورة]]، ونحن أسهمنا فى [[الثورة]]، والجامعة كانت ضد فاروق، وحين جاء فاروق إلى الجامعة منذ سنتين فى عيد العلم لم يقابله أستاذ واحد ولم يجد أحداَ فى صالة الاجتماعات، بل قمنا بحرق صورة فاروق، والأكثر من هذا رفضنا إعطاء هدية لفاروق ـ كغيرنا ـ بمناسبة زواجه.<br />
<br />
على أية حال نحن لسنا مختلفين مع [[الثورة]]ربما كان الخلاف فى الوسيلة إنما الغاية واحدة.<br />
<br />
قال [[عبد الناصر]] بحيدة أكثر: الكلام ده كلام [[روز اليوسف]]، كلام [[إحسان عبد القدوس]] وأخوك عبد الرحمن، ويبدو أن [[عبد الناصر]] كان يريد الإيقاع بينى وبين الأساتذة، على أية حال، '''اعتدل وقال بلهجة عنيفة:'''<br />
<br />
"ـ شوف بقى، أنا يهمنى الجيش، وأنا هنا لا أعرف النوم من يومين، لماذا، لأنه حدث انقلابين فى يومين فقط، عايز ترجع لى يا شرقاوى العهد الماضى".<br />
<br />
ودارت الاتهامات فى هذا اللقاء بين العسكر والجامعة، العسكر يقولون أن الأساتذة يحرضون الطلبة، ويدفعون بهم إلى المظاهرات والهتافات، والأساتذة ينفون ، ويقولون ربما كانت وسيلتكم أفضل، المهم التجربة.<br />
<br />
لم يمض وقت طويل ـ عاد الشرقاوى ـ أنا وفوجئت بقرار الفصل، فصل حوالى خمسين أستاذاَ جامعياَ منهم [[لويس عوض]] و[[عبد العظيم أنيس]] و[[توفيق الشاوى]] و[[أمين بدر]] .. إلخ، فضلاَ عن نقل العديد من الأساتذة، وراحوا لإرضاء من بقى من الجامعين فأصدروا لائحة كنا قد طلبنا بها، وأضافوا ـ كإغرائات ـ استثناءات لبعض أساتذة الجامعة مثل [[كامل مرسى]] (ونحن نتذكر أن [[كامل مرسى]] كان أحد رجال صدقى عام [[1946]] وجئ به رغم خروجه على المعاش).<br />
<br />
وبدأت قضية أهل الثقة وأهل الخبرة.<br />
<br />
لكن قضية أهل الثقة ـ كانت لحماية [[الثورة]] قبل أن تكون ضد المثقفين، سألت وأجاب مثقف بدت شهادته منحازة ضد [[الثورة]] : بالعودة إلى السنوات الأولى لقيام [[الثورة]]، أثناء أزمة [[مارس]] تحديداَ، أذكر أنه حين سأل البعض [[جمال عبد الناصر]] لماذا توليتم السلطة بدل المدنيين ؟ '''أجاب [[عبد الناصر]]:'''<br />
<br />
"ـ كنا نضع ضابطاَ فى كل وزارة، ومع الوقت كنا نلاحظ أن الضابط هو الذى يحكم، لأن المدنيين لا يريدون أن يحكوا، وأن يتحملوا مسئولية، ففكرنا، بدلاَ من ترك المدنى لاتخاز قرار، ثم نقوم بإلغائه، فكرنا فى أن نحكم نحن، خاصة فى السنوات الأولى، فوضع عسكرى فى كل موقع، لم يكن فقط لتمثيل [[الثورة]]، وإنما ـ أيضاَ ـ لهد آخر، فقد لاحظنا أن العسكرى فقط هو الذى ينصاع للأوامر فيلبى ما يراد منه، ففى فترة كنا متأهبين لإقامة التنمية وخطط خمسية واتخاذ قرارات سياسية واجتماعية .. إلى آخر قرارات [[الثورة]] الاجتماعية والسياسية والإدارية الهامة، كنا نحتاج إلى الضبط والربط وليس إلى الأخذ والرد".<br />
<br />
ثم هل تعرف أننى سجنت وبرأت دون سبب واضح؟<br />
<br />
أجبته بنفس السرعة: "لا التحقيق أشار إلى علاقتك ب[[الإخوان]]" فعاد ليقول بسرعة "كل ما وجدوه من أدلة على هذا بعض أسماء [[الإخوان]] فى نوتة التليفون، كان [[توفيق الشاوى]] و[[عبد الحكيم عابدين]]، أحدهما عرفته فى [[مصر]] والآخر فى [[لبنان]]، وكل منهما كانت تربطه بى علاقات عادية فقط.".<br />
<br />
لكن هل تعرف أننى سجنت وعذبت؟ أجبته وأنا أقرأ حكم المحكمة العسكرية "المحكمة لم تقتنع بصحة ما قرره الدكتور الشرقاوى من وقوع تعذيب جسيم عليه أثناء استجوابه فى المخابرات العامة وقضت ببراءة المتهمين فى القضية".<br />
<br />
صمت الصوت، وعدت أحدث نفسى: ربما كانت قضية التعذيب غير صحيحة، خاصة، أن الحكم صدر إبان حكم [[عبد الناصر]]، كما أن الدكتور الشرقاوى لم يرفع قضية بعد رحيل [[عبد الناصر]] كما فعل آخرون.<br />
<br />
<br />
<br />
====(نموذج) عن [[يوسف صديق]]====<br />
<br />
كل مرة يذكر فيها أمامنا مفهوم حقوق الإنسان في معرض الحديث عن سلبيات [[ثورة يوليو]]، ويذكر معه ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
تعذيب المعارضين لها المختلفين معها.<br />
<br />
وهي ظاهرة من أكثر الظواهر التي يقف إليها أعداء [[ثورة يوليو]] مباشرة متهمين إياها بتعذيب الإنسان، وهو ما ساد بين المثقفين المنتمين بشكل خاص إلى تيارات أيديولوجية في الفترة الناصرية.<br />
<br />
وبادئ ذي بدء فلا بأس من أن نكرر ما قلناه سابقاً وأصيح بدهياً من أن ظاهرة (التعذيب) أهم ظواهر حقوق الإنسان ومحرمة كل التحريم في الوعي الإنساني، وهي على المستوى البشري لا يمكن تبريرها تحت أي ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها في سياقها يصبح خروجاً على الحكم الخاطئ.<br />
<br />
ومن هنا فالتعذيب تحت أية مسميات مرفوض مرفوض مرفوض.<br />
<br />
بيد أن العودة إلى السياق.<br />
<br />
والعودة إلى الملابسات ثم العودة إلى وثائق التاريخ وشهودها من الأحياء (المصادر الحية).<br />
<br />
.. هذا وغيره يمكن أن ينير لنا أكثر نهاية النفق.<br />
<br />
'''ونعود لنسأل بشكل مباشر:'''<br />
<br />
ـ هل تم تعذيب ([[يوسف صديق]]) كما رددت وكالات الأنباء الغربية؟<br />
<br />
وكان راديو صوفيا قد أشاع في بداية الستينات أنه يعيش وراء أسوار عالية وأنه يعذب ويجلد داخل السجن ويجلد ويصرخ ويستغيث وما من مغيث ويصيح وما من سامع.<br />
<br />
ويزيد من أهمية الظاهرة وخصوصيتها هنا أن [[يوسف صديق]] لم يكن أحد هؤلاء المثقفين ممن أضيروا وعذبوا من شتى الاتجاهات والأحزاب، فرغم انتمائه إلى الحزب الشيوعي ([[حدتو]]) منذ نهاية الأربعينات كان ولأنه للحس القومي والعربي أعلى من أي ولاء، فضلاً عن أنه كان من أول الضباط وأكبرهم رتبة (قائمقام) من الذين شاركوا في إنجاح [[الثورة]].<br />
<br />
أضف إلى هذا ـ وهو مرتبط بتكوينه ـ أنه كان إنساناً جريئاً، لا يتردد في قول ما يريده، ولا يتبدد يقينه في أمر إلا ويقوم على إنجازه مباشرة، ثابت في الحق، قوي في التعبير.<br />
<br />
ففي الوقت الذي كانت شخصية [[جمال عبد الناصر]] تميل إلى المناورة والعمل في هدوء كانت شخصية [[يوسف صديق]] تميل إلى العمل المباشر ومواجهة الخصم والتصرف بشكل تلقائي.<br />
<br />
وهو ما أسلمه، ولما يمض على قيام [[ثورة يوليو]] قرابة سنتين، إلى التصرف العنيف ضد أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] في مواقف كثيرة.<br />
<br />
وسوف نختار منها موقفين.<br />
<br />
وبعيداً عن الاستطراد الطويل، ففي أول خلاف بين [[مجلس قيادة الثورة]] وضباط المدفعية، وهو خلاف كان ضباط المدفعية يدعون فيه إلى أن يكون تمثيل الجيش في [[مجلس قيادة الثورة]] عن طريق الانتخاب .. لم يجد [[يوسف صديق]] أمامه إلا الانتفاض بعنف ليقدم استقالته.<br />
<br />
كان [[مجلس قيادة الثورة]] قد دخل في نفق الخلافات الحادة بين الضباط في شتى الأسلحة، ولما بدا أن ضباط المدفعية يتخذون موقفاً مغايراً استقر الرأي بين ضباط [[الثورة]] فيما بينهم على استخدام العنف.<br />
<br />
وبحركة مفاجئة تم اعتقال ضباط المدفعية من الثائرين وعددهم يصل إلى 35 ضابطاً في 15 [[يناير]] [[1953]]، وقد أودعوا سجن الأجانب برتبهم وملابسهم العسكرية، الأمر الذي لم يسبق له نظير في تاريخ العسكرية ال[[مصر]]ية تحت القيادة ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
وعبثاً حاول [[محمد نجيب]] وقد كان رئيساً للجمهورية في ذلك الوقت أن يستبدل بالسجن (ميس) الجيش رفض [[مجلس قيادة الثورة]]، وقرر اتخاذ موفاً عنيفاً كيلا يتحرك زملاؤهم، وكي يكونوا عبرة لغيرهم.<br />
<br />
وقد كان هذا التصرف كفيلاً بتفجير الغضب لدى عدد كبير من الضباط وفي عدد كبير من الأسلحة.<br />
<br />
ففي سلاح المشاة ـ على سبيل المثال ـ استقال القائمقام [[يوسف صديق]] ومن [[مجلس قيادة الثورة]] وأصر على استقالته رغم محاولات البعض إثنائه.<br />
<br />
رفض [[يوسف صديق]] أن يتعامل مع الضباط والجنود في سلاحه بعد [[الثورة]] بمنطق آخر.<br />
<br />
وكان صلباً حاداً في اتخاذ الموقف، فتذكر مصادر هذه الفترة صفات ديموقراطية أخرى اتسمت بها شخصية هذا الضابط، '''يقول [[محمد نجيب]]:'''<br />
<br />
(كان [[يوسف صديق]] شديد الوضوح في معارضته لقانون تنظيم [[الأحزاب]]، ولضرب [[الوفد]] على غير أساس ديموقراطي.<br />
<br />
وكان يدعو للتمسك ب[[الدستور]]. ودعوة البرلمان للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية. كما أنه كان شديد [[الثورة]] والرفض لاعتقال الزعماء السياسيين دون اتهام، وطالب كثيراً بإلغاء الرقابة على الصحف وتكوين اتحاد عام للعمال. وكان حديث يوسف إلى المجلس يستهويني لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة. ولم يكن مثل [[جمال سالم]] تتدفق ألفاظه قبل أفكاره. ولكن [[يوسف صديق]] كان يقف دائماً في الأقلية، لا يجد معه أصواتاً تشكل الأغلبيةً، وكثيراً ما اتفقت معه في الرأي، وكثيراً ما تغلب علينا الرأي المضاد). <br />
<br />
وكان موقفه واضحاً أشد الوضوح في قضية تمثيل الجيش في مجلس القيادة عن طريق الانتخابات كان [[يوسف صديق]] ـ كما لاحظ عبد العظيم رمضان في كتابه عن أزمة [[مارس]] ـ في هذا يبدو موقفه الديموقراطي، حين سأله أحد الأعضاء عما إذا كان يضمن لنفسه النجاح في الانتخابات، '''أجاب [[يوسف صديق]] قائلاً:'''<br />
<br />
ـ هذا لا يهم، إنما المهم هو الانتخاب ـ والمعروف أنه في أزمة إعدام خميس والبقري من عمال كفر الدوار كان [[يوسف صديق]] (إلى جانب [[جمال عبد الناصر]] و[[خالد محيي الدين]] ممن اعترضوا على هذا الإعدام.<br />
<br />
كان [[يوسف صديق]] من الذين إذا رأوا في شيء أنه صواب يتمسكون به تمسكاً تاماً إلى درجة أنه حين قرر أن يقدم اتقالته قدمها غير سامع لتوسلات [[محمد نجيب]] قائلاً:<br />
<br />
ــ أنا لا يمكن أن أرتبط مع مجموعة لا أوافق على سياستها.<br />
<br />
ــ وحين حاول [[عبد الناصر]] التعويض عن هذا وفي الوقت نفه إرضاءه بتعيينه سفيراً للهند رفض، وتردد بعض المصادر أنه واجه [[عبد الناصر]] مواجهة عنيفة في ذلك الوقت.<br />
<br />
وعلى هذا، فبعد أن قدم استقالته دخ في مسلسل استمر طويلاً من الاستبعاد فالنفي فتحديد الإقامة فالسجن دون أن تثنيه أية وسيلة عن القرار الذي كان يراه صالحاً.<br />
<br />
كان عنيفاً في الحق.<br />
<br />
غير مداور أو مناور. صريحاً أكثر ما تكون الصراحة.<br />
<br />
ولهذا كله، ولغيره، كـان لابد أن يكون في موقف مواجه للضباط الآخرين وهم يتحلقون ـ في أغلبهم ـ حول [[عبد الناصر]]، ويؤثر أن يقف ــ كما لاحظ [[محمد نجيب]] ــ في جانب الأقلية التي كان يرى أنها على حق.<br />
<br />
هذا هو الموقف الأول، أما الموقف الآخر، بعدذلك تحدد في خروجه إبان الصراع العنيف على السلطة بمطالب كتبها في شجاعة نادرة وقدمها ل[[محمد نجيب]] (وقد كان رئيساً للجمهورية) معدداً فيها فيها ما يجب أن يفعله الضباط الأحرار بعد نجاح [[الثورة]]، منتهياً إلى أحد حلين، أحدهما: دعوة البرلمان المنحل ليتولى حقوقه الشرعية، أما الآخر، فهو تأليف وزارة ائتلافية تمثل التيارات السياسية المختلفة القائمة فعلاً في البلاد .. إلى غير ذلك منتهياً بعبارات عنيفة.<br />
<br />
وقد نشرت هذه الرسالة حينئذ في [[جريدة المصري]] في 24 [[مارس]] [[1954]].<br />
<br />
ومن هنا، ظل [[يوسف صديق]] في طيلة حياته صلباً نبيلاً.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى ما شاع بشكل كبير في الكتلة الشرقية وخرج من وكالات الأنباء والإذاعات هناك.<br />
ذهب إلى أكثر من مسئول وانتهى الأمر به إلى [[محمد حسنين هيكل]] في ذلك الوقت، '''وما كاد يجلس إليه حتى قام شأنه دائماً حين يغضب وقال:'''<br />
<br />
ــ سوف أذهب الآن بنفسي إلى سفارة [[بلغاريا]] ، لأقول لهم صراحة أن هذا الكلام الذي تردده إذاعاتهم لا يضر بنا قدر ضرره بهم .<br />
<br />
وخرج غاضباً، فلم يكن ليعاني من العذاب وإنما من ابتعاده من القيادة أو المناصب أو المشاركة في الحم، وهي كلها مناطق حساسة آثر [[عبد الناصر]] أن يبعد عنها هذا الرجل الجريء.<br />
<br />
ذهب إلى سفارة [[بلغاريا]] ، دلف بسرعة سأل عن السفير، لم يجده، وجد سكرتير السفارة، صاح فيه أن كل ما يقال ليس له نصيب من الصحة، وأن حكاية (التعذيب) هذه غير صحيحة، '''أجاب سكرتير السفير:'''<br />
<br />
أنه لا يستطيع أن يتحمل مسئولية نقل كلام إليه شفوياً ـ إلى حكومته.<br />
<br />
أخذ [[يوسف صديق]] ورقة '''وجلس أمام المسئول البلغاري ليكتب فيها بالحرف الواحد هذه الرسالة:'''<br />
<br />
(السيد المحترم القائم بأعمال السفارة البلغارية ب[[القاهرة]]<br />
<br />
'''بعد الاحترام'''<br />
<br />
مقدمه القائمقام "ح" [[يوسف منصور صديق]]" عضو مجلس [[الثورة]] السابق، '''أعرض الآتي:'''<br />
<br />
دأبت إذاعة صوفيا في الأيام الأخيرة على ترددي اسمي في إذاعاتها في أخبار ليس لها ظل من الحقيقة.<br />
<br />
فهي تزعم أنني معتقل وأنني ألاقي التعذيب في المعتقل ــ وتردد ذلك في مناسبات متعددة الأمر الذي دعاين للحضور بنفسي إليكم لتأكيد عدم صحة هذه الأخبار.<br />
<br />
ولما كـان ترديد مثل هذه الإذاعات لا يفيد شعب [[بلغاريا]] ولا شعب الجمهورية العربة المتحدة فإنني قد أتيت لسيادتكم راجياً وضع حد لهذه الإذاعات البعيدة عن الحقيقة والتي من شأنها أن تعكر الجو بين شعبين صديقين يعملان معاً في معسكر السلام.<br />
<br />
وأنني أرجو أن تقبلو تحياتي وشكري.<br />
<br />
قائمقام أ.[[يوسف منصور صديق]] <br />
<br />
وتنتهي رسالة [[يوسف صديق]]، غاضباً من القوى الخارجية التي تريد الإيقاع بأبناء الوطن الواحد وغن حمل في الوقت نفسه غضباً آخر، هو نبل الفرسان ووعيهم.<br />
<br />
===الفصل الثالث:إشكالية [[الديمقراطية]] و[[ثورة يوليو]]===<br />
<br />
====أهمية البحث ====<br />
<br />
لا يمكن أن نتحدث عن "إشكالية [[الديمقراطية]] في الفترة الناصرية" دون أن نؤكد على أهميتها الآن، فرغم مضي أكثر من نصف قرن على تجربة [[عبد الناصر]]، وغياب (حلم [[الديمقراطية]] في الربع قرن الأخير .. فإن التوجه إلى [[الديموقراطية]] مهما تكن ممارساتها أو سلبياتها تسعى للخروج بنا من الماضي إلى وعي المضارع للوصول من ثم إلى أفق المستقبل .<br />
<br />
فالمعروف أننا ل يمكن أن نحوّل التجربة إلى وعي معاصر لنا دون البحث عن علامات يمكن أن تُعيننا على فهم طبيعة الحضور والغياب في السعي إلى حياة سياسية مثالية .<br />
<br />
بيد أننا قبل أن نصل إلى التجربة / الإشكالية هنا لابد لنا من أن نتمهل عند بعض الملاحظات التي تشير إلى المنهج الذي سعينا إليه هنا لفهم هذه التجربة وتجاوزها.<br />
<br />
====المنهج====<br />
<br />
'''المنهج الذي نمضي به يتكون من عدة مداخل تستمد مشروعيتها من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ أهمها ما جاء في شكل (محضر نقاش) أو شهادات قمت بتسجيلها وتحريرها في الفترة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبقيت في حوزتي ـ التسجيل والتحرير _ بعد أن رحل أغلب أصحابها.<br />
<br />
وقد تعاملت معها كنموذج Paradingm, Type لم مارسة [[الديمقراطية]] والتعامل معها بالسلب أو بالإيجاب .. وقد ركزت بشكل خاص على العلاقة بين المثقف والنظام لكن في إطار النموذج لا خارجه.<br />
<br />
- وبدهي أن طبيعة هذه العلاقة بين النظام ومثقفيه (الشهادات) الدالة على الإشكالية التي نحن بصددها هنا، وهي إشكالية خاصة، جاءت نتيجة لمد تاريخي بعينه، فالفترة التي أعقبت [[ثورة 1952]] تميت بالعلاقة بين المثقفين والنظام العسكري، تلك النظم التي دعمت نمطاً خاصاً بها اتجه في الغالب إلى الواحدية ـ لا التعددية ـ وتعامل مع الأحداث الواقعية ـ وليس المثال في الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم طرأت علاقة من نوع خاص تحدد الإشكالية التي نحن بصددها.<br />
<br />
كان الرصد، إذن، حول (العلاقة) لا المثال، جدلية هذه العلاقة في الواقع وليس فيما يجب أن يكون ..<br />
- تلمست عدة مداخل أخرى كالمدخل التاريخي Historical approach لدراسة الأحداث الماضية في إطار زمني عبر الشهادات التي بين أيدينا تبعاً للفترة الزمنية مجال البحث، ومنها أيضاً البعد الموضوعي في دراسة الظاهرة ما يوفر لي قدر كبير من الوعي بالظاهرة في إطار جهدت فيه أن أكون محايداً، ومنها كذلك، تحديد المفهوم Concept في الفترة الزمنية مجال البحث بشكل خاص قبل أن أجاوزها إلى غيرها.<br />
<br />
- لا يمكن أن نفصل (إشكالية [[الديموقراطية]]) هنا في الفترة الناصرية عن أسئلة الإشكالية في بدايات الألفية الثالثة، فتجربة الخمسينات والستينات يجب ألا تكون غائبة عن أسئلة اليوم، وعصر النظام الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة في القرن الماضي يختلف ـ وإن يكن في الظاهر ـ عن عصر العولمة الآن، فالواقع يحمل الكثير من المتغيرات، لكنه يحمل ـ بالقطع ـ الكثير من التشابه في عالمنا العربي حيث الأنظمة العسكرية مازالت توم بأدوارها في تأكيد طبيعة السلطة وآليات الحكم في البلاد العربية.<br />
<br />
- إن الجديد هذه المرة أن أسئلة [[الديموقراطية]] في الفترة الناصرية لم تعد لتطرح من زاوية المنظور السائد، وإنما أصبحت تطرح من محاولة الإجابة عن السؤال (كيف) إلى ما يجب أن ننتهي إليه (لماذا)، وهو ما نسعى إليه عبر المنهج العلمي.<br />
<br />
'''وإذا كانت الإشكالة معلقة منذ منتصف القرن، فإنها الآن أقرب إلى التحديد أكثر حين نضعها على النحو التالي:'''<br />
<br />
هل للديمقراطية مستقبل في البلاد العربية؟ وما هو مصير [[الديموقراطية]] التي نتعامل معها؟<br />
<br />
هل غابت [[الديموقراطية]] العربية المأمولة؟<br />
<br />
هل ليت حتفها أم لا تزال تنتظر إجابة واحدة لمسائلات متعددة؟<br />
<br />
'''فلنترك هذه الأسئلة الأخيرة لنتمهل ـ أكثر ـ عند السؤا الأول:'''<br />
<br />
كيف نرى (إشكالية [[الديموقراطية]]) في الفترة الناصرية؟ ..<br />
<br />
'''أولاً : عن [[الديموقراطية]] :'''<br />
<br />
[[الديموقراطية]] قيمة من بين أهم القيم التي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية في وقت واحد، وهي الوقت الذي تمثل فيه مفهوماً عالمياً ومن أقدم العصور، فإنها ـ تتحدد ـ بالنسبة لنا في العصر الحديث ـ بشكل أكثر تحديداً وضرورة، وفي ظل التباينات العديدة في المفاهيم التي تمنحها هذه القيمة، فإننا نستطيع تجاوز المعاني المتعلقة بالتباين الحضاري والديني إلى واقعنا العربي لئلا تغيب بعض الخطوط العامة للديموقراطية كما نريدها.<br />
<br />
وعبوراً فوق مفاهيم عديدة للديموقراطية، فإن التعبير عنها عندنا يتحدد في البنية السياسية ثم البنية الاجتماعية والثقافية .. ويستخدم للدلالة على نظم الحكم التي تتمتع بقدر ملحوظ من الشعبية خاصة في الشكل الجمهوري.<br />
<br />
ويتطور المفهوم الحديث أكثر خاصة في العالم الثالث حيث يرتبط بحق تقرير المصير بعد معارك الاستقلال، فبعد حصول الدول المستعمرة على استقلالها أعلنت نفسها نظماً ديموقراطية. وربطت ذلك بمضامين اجتماعية واقتصادية. ومعظم دول العالم الثالث "تعتبر أن هذه الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أبلغ دليل على تبنيها نظماً ديموقراطية رغم أنها لا تأخذ بالمضامين السياسية القائمة على التعدد الحزبي ولا بالبرلمان النيابي صاحب الدور الإيجابي ولا بالحريات السياسية .<br />
<br />
وتمنح [[الديموقراطية]] في العالم العربي خاصة مفاهيم أو عناصر ترتبط بالواقع الجغرافي أكثر يحددها د. [[برهان غليون]] على أنها تتعدد فيما يلي:<br />
<br />
- سيادة [[القانون]].<br />
<br />
- ظهور أطر ومؤسسات سياسية.<br />
<br />
- السيادة الشعبية.<br />
<br />
- الحرية الفردية.<br />
<br />
ف[[الديموقراطية]] بعكس ما هو شائع عنها تماماً لا تُعني بالحرية السياسية الشكلية بصورة جوهرية ولكنها تعني مشاركة في جميع القرارات العمومية، أي السياسة، التي لا تتم من دون الحرية الفردية. فهذه الحرية هي الشرط الضروري لوجودها وتشغيل جميع عناصرها الأخرى. فلا يمكن تحقيق مبادئ السيادة الشعبية ولا الدولة [[القانون]]ية ولا المؤسسة الموضوعية، وضمان اشتغالها جميعاً خارج جو الحرية الذي يتيح لجميع الأفراد م[[مارس]]ة المراقبة والمحاسبة على أصحاب المناصب السياسية في الوقت نفسه.<br />
<br />
وإذا كان للديموقراطية شروطاً معينة، فإنها لدينا في الأقطار العربية تتخذ منحاً خاصة، وفي النظم العسكرية العربية على وجه أخص؛ وهنا تتخذ [[الديموقراطية]] (إشكالية) خاصة بها عندنا .<br />
<br />
فالتجربة الناصرية كانت لها مع [[الديموقراطية]]، في ظروف الخمسينات والستينات في [[مصر]]، سمة خاصة، حيث التبست التجربة بعديد من الظروف المحيطة بها سواء في بطء حركة المجتمع في اللحاق بالعالم ومن ثم افتقاد شروط المجتمع المدني أو مواجهة الاستعمار الذي كان جاثماً ما يزال على صدر البلاد، واتخاذ سمة الحكم المركزي شكل خاص في ضوء شيوع أفكار جديدة نتيجة للحركة العسكرية التي قامت ومن ثم مجابهة هذا العالم الجديد بنظامه الليبرالي السابق على عام [[1952]] وانعدام التعاون بينهما بشكل هادئ.<br />
<br />
ويلاحظ ـ كما سنرى ـ أن التجربة [[الديموقراطية]] في ظل وجود المجتمع الجديد عانى من الناحية التنظيمية الطبيعية التي تحتمها الظروف الجديدة من محاولة الهيمنة على كل دولاب الحركة الإدارية والوظيفية والخشية من الحزبية أو النظام البرلماني السابق، ثم تأكيد هذه المركزية التي تتبلور عن "أوليجاركية" لا مناص أمامها من تفضيل سمات معينة عن غيرها في إدارة المجتمع، وما يرتبط بالفترة الناصرية أو النهج الناصري خاصة أنه ـ أي النظام الناصري ـ "بحكم دوره البارز في هذا المجال، إن ما تمتعت به [[ثورة يوليو]] [[1952]] من تأييد شعبي كاسح ـ ربما لم يتيسر لغيرها ـ لم تستطع قيادة [[الثورة]] أن تصبه في كيان سياسي منظم، ولعلها لم تشأ أو على الأل لم تهتم بذلك".<br />
<br />
ويرجح البعض أنا استغنت عن ذلك بما سيطرت عليه من مقدرات جهاز الدولة، إدارة وأمناً وإعلاماً، واستخدمت كل ذلك، مع التأييد الشعبي غير المنظم، فضلاً عن نقاط الضعف في الحياة الحزبية، وذلك في تصفية [[الأحزاب]]، ولعل هذا النجاح قد أكد لديها منطق الاستغناء عن التنظيم الشعبي، أو على الأقل عدم الاهتمام به كعنصر ضروري للبقاء.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن التجربة الناصرية في [[الديموقراطية]] التبست كثيراً في هذه الفترة خاصة أنها لم تكن قد تجسدت عبر ممارسات وصور سياسية ودستورية ثابتة، بل إن تطورها عبر سياسة التجربة أو الخطأ والصواب أثرت أكثر في تأكيد مركزية السلطة وارتباطها بالأطر المؤسسية الخاصة بها أكثر من (المثال) في التجربة [[الديموقراطية]]، وخاصة، في علاقاتها باثنين:<br />
<br />
- عبر القوى السياسية التي كانت سابقة عليها من أحزاب ومؤسسات وسياسيين.<br />
<br />
- عبر موقف القوى الثقافية أو المثقفين الذين يمثلوا إسهاماً واعياً (بالشهادة) هنا.<br />
<br />
وهو ما يقترب بنا أكثر من هذه الإشكالية في علاقة النظام الجديد بمثقفيه خاصة وهو ما نحاول رصده في هذه (الشهادات).<br />
<br />
'''ثانياً : قراءة "نقدية":'''<br />
<br />
إشكالية [[الديموقراطية]] تتحدد عبر عدد من الممارسات التي تمثل قيماً تعبر عن [[الديموقراطية]] المفقودة أو [[الديموقراطية]] المأمولة في آن معاً .<br />
<br />
'''وهي في الحالتين ترددت في عديد من شهادات المثقفين عبر مفردات كثيرة نختار منها الآتي:'''<br />
<br />
'''(1) أهل الثقة وأهل الخبرة:'''<br />
<br />
إن رصد العلاقة بين النظام ومثقفيه في الخمسينات والستينات يرينا أن النخبة الحاكمة في الفترة الناصرية كانت تحرص في ممارساتها السياسية على (أهل الثقة) أكثر من (أهل الخبرة)، على أن تكون طبيعة العلاقة بينهما هي علاقة الولاء و(الأمن السياسي) في المقام الأول.<br />
<br />
ولطبيعة الدور الذي كان يطلب من أهل الخبرة، فإن دورهم لم يتعد قط درجة (التعاون) مع النظام، وبرصد العلاقة بين الطرفين نستطيع أن نلحظ أن الهوة اتسعت بينهما بعد أزمة [[مارس]] [[1954]] بوجه خاص وتصل قمتها بعد [[حرب السويس]] عام [[1956]] (نهاية الفترة الليبرالية).<br />
<br />
إن د. [[إبراهيم بيومي مدكور]]. وقد كان من كبار السياسيين والمثقفين قبل [[ثورة يوليو]] وشارك في بعض لجانها عقب [[الثورة]] مباشرة أكد أن النظام السياسي للفترة الناصرية حاول الاستفادة من المدنيين من أصحاب الخبرة بإشراكهم معه، غير أن التعويل الأول كان لصاحب الثقة، '''قال من حوار طويل معه:'''<br />
<br />
(كان عدم الثقة بين [[الثورة]] وأهل الخبرة؛ بل إنني سمعت بأذني ([[جمال عبد الناصر]]) يقول إن الاقتصاديين يقولون كذا، وأنا أقول بالقطيعة واقعة لا محالة بين المدنيين والعسكريين، بين سياسيي قبل [[الثورة]] ومثقفيها والثوار من أبناء العهد الجديد وخبرائهم؛ من وقتها رفضت أن أشارك في السياسة، وانسحبت إلى المجمع اللغوي).<br />
<br />
كان من الواضح أن [[ثورة يوليو]] حاولت الإفادة من خبراء أو فنيين الفترة السابقة فور قيامها بطريقتها الخاصة، ومراجعة المذكرات المرفوعة في ذلك الوقت ترينا أن وزير المعارف ـ وكان [[إسماعيل القباني]] ـ يختار أسماء لجنة دراسة نظم التعليم الجامعي من بين أفرادها [[لطفي السيد]] و[[عبد الرازق السنهوري]] و[[إبراهيم مدكور]] و[[شفيق غربال]] و[[محمد عوض محمد]] و[[محمد خلف الله]] و[[عباس رضوان]] .. وغيرهم ممن حاولت [[الثورة]] الاستفادة منهم، لكنها ـ مع مضي الوقت ـ آثرت الاستفادة أكثر بأهل الثقة من حكومة [[الثورة]].<br />
<br />
وإذا كانت الفترة الناصرية في البدايات تجنبت أهل الخبرة ـ ولدى العلمانيين من الفترة الليبرالية السابقة ـ فإنها آثرت هذا، وأصرت عليه أكثر في السنوات التالية خاصة لدى رموز التيار اليساري، وربما كان الخلاف الرئيسي بين النظام والمثقفين في هذه الفترة يعود إلى المثقف الأيديولوجي كأهل اليسار حتى لو كانوا من أهل الخبرة عن النظام، حتى وإن كان [[عبد الناصر]] يميل بشكل شخصي إلى بعض أفكارهم، غير أن اللعبة السياسية كانت تحتم عليه أن يكون حريصاً ألا ينتموا إلى التنظيم الرسمي، فإذا انتموا بعد أن خرجوا من السجون، فكان بشكل فردي وبشروط محددة، أهمها أن يبتعدوا عن العمل (ككادر) ضد النظام القائم؛ إن [[أبو سيف يوسف]] في شهادته يؤكد هذا ويكرره لأكثر من مرة مع تغيير الألفاظ لا المعاني، '''إنه يقول على سبيل المثال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(كان [[عبد الناصر]] مستعداً لأن يتعاون مع الماركسيين في حدود أن يلتزموا بدور معين لا يتجاوزونه وهو أن يكونوا دعاةً ومبشرين بالاشتراكية).<br />
<br />
وعلى أن يبتعدوا عن لعبة التواجد في مؤسسات السلطة المختلفة وفي موضع آخر، إن [[عبد الناصر]] قال للاشتراكيين حين جاءوا إليه شاكين من أنه يجري تمييزاً عنيفاً ضدهم في [[الإتحاد الإشتراكي]] بعد أن أصبحوا أعضاءً في حزب [[الثورة]] فُرادى وكانوا قد خرجوا من السجون بعد حل الحزب الذين انتموا إليه، قال من حديث طويل:<br />
(يجب أن تكونوا ك[[سانت بيتر]]، أي بشروا بالاشتراكية، أي ابعدوا عن السعي إلى السلطة وبشروا بالاشتراكية).<br />
<br />
'''وفي شهادة د. [[إسماعيل صبري عبد الله]] كان يردد هذا طويلاً معي، ومما قال:'''<br />
<br />
([[عبد الناصر]] كان يتعامل معنا كماركسيين، وكان يودُّ أن يستوعب في الجهاز الطليعي كل رموزنا الفاعلة وإن يكن بشكل فردي .. و ... وأذكر أن [[عبد الناصر]] في حوار معنا قال: الناس التي تعمل بالسياسة خايفين منكم، بيقولوا لو أننا فتحنا الباب هاتكلوا التنظيم السياسي . وضحها بهذه الصراحة والوضوح، وقال أنتم صنعتم التبشير بالاشتراكية مثل القديس [[سانت بيتر]]).<br />
<br />
ويسهب حول إيثار [[عبد الناصر]] والمحيطين به (أهل الثقة) ممن لم يكن التيار اليساري ينتمي إليهم، '''وهو هنا يسجل هذا الحوار:'''<br />
<br />
'''(قال [[عبد الناصر]] ل[[أبو سيف يوسف]]) :'''<br />
<br />
- وأنت يا أبو سيف، اترشحت فين؟<br />
<br />
- لم أترشح.<br />
<br />
- والله جدع.<br />
<br />
وهو ما يعني أن [[عبد الناصر]] كان حريصاً على ألا يزج باليسار إلى (أهل الثقة) مهما تكن كفاءتهم حرصاً على النظام الذي ينتمي إليه، وهو ما يعني أن [[عبد الناصر]] كان مهتماً بأهل الثقة، لكنه في الوقت نفسه لم يكن ليترك لهم الحبل على الغارب، وإنما كان يتعامل معهم انطلاقاً من اللعبة السياسية أن يكون النظام حريصاً على رموزه الواعين لسياسته؛ الموقف الواضح من خلال الشهادات يشير إلى اتخاذ هذا الموقف الرافض لكل العناصر السياسية التي تنتمي للعنصر السابق من يسار وإخوان ووفديين ويساريين.. إلخ<br />
<br />
واياً كان اسم هذا الموقف الذي يتخذه النظام، فقد كان الهدف في النهاية يؤدي ـ كما يردد [[إسماعيل صبري عبد الله]]:<br />
<br />
(الموقف هو الحرص على آليات السلطة وافتقاد [[الديموقراطية]]..)<br />
<br />
بل إن [[محمد سيد أحمد]] يـؤكد أن [[عبد الناصر]] كان قد اقترب من الشيوعيين لسنوات لكن على مستوى الفكر (لا كادر قط)، ولا بأس أن يكون الشيوعيون هنا عنصر (إثراء وتصحيح) ـ على حد قوله ـ لكن ما كان يهمه قبل أي شيء كما يضيف [[محمد سيد أحمد]] هنا هو:<br />
<br />
(مسألة الولاء، قضية [[عبد الناصر]] كانت هي الانتماء السياسي، كان يعتقد أن انتمائنا إليه كان يثري النظام والتنظيم الرسمي، لكن أن ننضم فرادى بدون تنظيم، ولذلك حين دخلنا "التنظيم الطليعي" كنا قد حلننا التنظيم الشيوعي، وربما كان [[عبد الناصر]] هنا يشير إلى أن يكون للشيوعيين تنظيم سري، لكن أن ينتهي عند سامي شرف، أي ـ بشكل ادق ـ كان الولاء هو الذي يحدد السلوك السياسي له).<br />
<br />
(الأكثر من هذا أن فكرة "أهل الثقة وأهل الخبرة" كانت هي الضية المحورية في العلاقة بين النظام والمثقفين حينئذ).<br />
<br />
مُسهباً كثيراً حول هذا التوجه.<br />
<br />
وقد يكون [[لويس عوض]] أكثر من عبر عن هذا التوجه ل[[عبد الناصر]]، فبعد أن أشار لعديد من السلبيات التي تحسب ل[[عبد الناصر]] أضاف (اقتلعت [[الثورة]] الناصرية، بحل كافة التنظيمات السياسية، وتحريم كافة التجمعات المنظمة، وتجريم كافة التجمعات غير المنظمة، وإقامة حياتنا السياسية على مبدأ تحالف قوى الشعب العاملة داخل وعاء واحد تسيطر عليه الدولة هو [[هيئة التحرير]] ثم [[الإتحاد القومي]] ثم [[الإتحاد الإشتراكي]]، اقتلعت [[الثورة]] الناصرية حق الأفراد في التفكير السياسي وحريتهم في العمل السياسي، وبعد أن جردت [[الثورة]] ال[[مصر]]يين من حقوقهم السياسية وعزلت الشعب ال[[مصر]]ي برمته عزلاً سياسياً إلا من سار في مسيرتها بالولاء الشخصي و..) غير أن ذلك كله يمكن تفهمه حين نتفهم موقف النظم العسكرية في بلد ك[[مصر]] بنظام الحزب الواحد أو الهيئة الواحدة وراقبت أفرادها أو تحمست (لأهل الثقة) فيهم لكن لهدف أساسي حرصت عليه والأخطار تحيق بها، هذا الهدف يكون محاولة استكمال الهدف الثوري، هدف [[الإصلاح]] الثوري السريع الحاسم.<br />
<br />
كانت القضية هي (أهل الثقة وأهل الخبرة) لكن مضمونها الأكثر دقة كان يشير إلى الولاء أكثر منه إلى إيثار الخبرة هنا وهناك .. والتأني في [[الإصلاح]] السياسي لمواجهة القوى السياسية المعادية في الداخل ـ الليبراليين السابقين ـ أو في الخارج ـ [[الإنجليز]] ثم التحدي الصهيوني وراءه المساندة الرأسمالية الأمريكية .. بيد أن هذا يظل له ـ مع التقادم ـ ثمناً لابد من دفعه.<br />
<br />
'''(2) حرية التعبير :'''<br />
<br />
ترددت في شهادات المثقفين أيضاً قضية التعبير، وهي إن تكن قد ارتبطت بقضية الولاء بشكل ما، فإنها تحددت أكثر في منح قدر كبير من حرية التعبير في التجربة السياسية في الفترة الناصرية، ومن يرصد لكتابات هذه الفترة يلحظ إطلاق هذه الحرية في القضايا التي لا تطوي فكراً وأيديولوجيا مغايرة للنظام، أي المثقف الذي لا ينتمي بوضوح لأي انتماء سياسي مضاد للنظام القائم، كأن ينتمي للأجهزة التي تهاجم النظام بشكل مباشر، وفي صدد حديثه عن الحالات التي كان يحرص النظام فيها على المحافظة على السلطة؛ وقد كان أهم هذه السبل تجريد أعداء النظام أو (الشرعية الثورية) من أسلحة كثيرة لعل من أهمها عند [[عبد الناصر]] سلاح (الصحافة).<br />
<br />
رأينا كيف أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليطبق حرية الرأي التي تعتمد على أيديولوجية مناهضة له خارجة عن الولاء و(الأمن) السياي خاصة في تياراتها الليبرالية أو الدينية أو الشيوعية؛ وعبوراً فوق ملابسات بلغت درجة كبيرة انطلاقاً من رؤية النظام الناصري نفسه، وتحت مظلته. ومن هذا المنطلق بدت حرية التعبير السياسي تمضي في تيار (الولاء) ولا تنهض ضده .. وهنا توالت شهادات كثيرة.<br />
<br />
ونحن نعلم أن [[عبد الناصر]] رفض مصادرة كتاب ([[الديموقراطية]] أبداً) ل[[خالد محمد خالد]]، ورغم الخلاف الذي كان يبدو بين [[خالد محمد خالد]] والنظام، فإن هذا الأخير لم يتردد أن يذكر بالثناء هذه الدرجة من حرية التعبير التي جاءت إليه لأكثر من مرة ومن أعلى سلطة في النظام، '''إنه يدلي بهذا في شهادته منذ البداية عقب أحداث الفترة الأولى من مجيء [[الثورة]]، يقول:'''<br />
<br />
(كان أول ما فعلته، أن أغلقت غرفتي على نفسي بالمنزل، واستعنت بالله جاهداً كي أنجز في أقرب وقت كتاب "[[الديموقراطية]] أبداً".<br />
<br />
وبالفعل، أنجزت هذا الكتاب في عشرين يوماً فقط.<br />
<br />
كنت أرى بوضوح أنني في صراع مع [[الثورة]] التي بدأت عهدها المجيد ـ كما يطلع عليها ـ بالديكتاتورية؛ وقلت في هذا الكتاب ما أريده صراحة حول [[الديموقراطية]]:<br />
<br />
كيف غابت عن حياتنا؟<br />
<br />
ولماذا حدث ما حدث؟<br />
<br />
وانتظرت ما سيحدث، فإذا بي أمام نشر الكتاب، وعلمت ـ فيما بعد ـ أن بعض الضباط بادروا بالفعل بمصادرة الكتاب، غير أن [[عبد الناصر]] رفض المصادرة..)<br />
<br />
كان التعبير السياسي لا غبار عليه مادام لا ينطلق من كادر سياسي أو موقف أيديولوجي وما يقال عن تأكيد الحرية السياسية للتيار [[الإسلام]]ي، يقال كذلك لبقية التيارات.<br />
<br />
ففي شهادة ل[[إسماعيل صبري عبد الله]]، ذكر ولأكثر من مرة، أنه لم يكن ليعاني من الحرية في التعبير السياسي بأية حال: (حين خرجنا من السجن وبدأنا نكتب في مجلة "[[الطليعة]]" كانت هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى نقد Critique، وقد كنت أكتب في حرية مطلقة وأعبر عن نفسي بغير قيود، وقد لاحظنا أن الكثيرين يسألوننا لماذا يترككم النظام تكتبون بهذا الوضوح وتلك الحرية).<br />
<br />
ويفسر السجين اليساري (السابق) أنه بعد الخروج من السجن لم ننتم لتنظيم ضد النظام القائم كما أننا حرصنا من ناحيتنا بدقة ألا ندخل في صراع الشلل السياسية حول [[عبد الناصر]]).<br />
<br />
وهو ما يردده بشكل ما [[محمد سيد أحمد]] في شهادة أخرى، فحين وضعت أمامه السؤال: راح يجيب بوضوح:<br />
(هل توفرت حرية التعبير السياسي ـ بعد حل التنظيم ـ كماركسيين [[مصر]]يين؟<br />
<br />
- طيلة حياتي لم أشعر قط بالقيد وأنا أكتب في الصحف ــ ك[[الأهرام]] مثلا ــ كنت أمنح حرية الكتابة تماماً، الشيء الوحيد الذي عانيت فيه من الكتابة بوضوح كان قضية (الصراع العربي ال[[إسرائيل]]ي)؛ وكان السبب أن الحديث الصريح يترتب عليه التزام أو موقف و.. كتبت الكثير عن عيوب [[الديموقراطية]] وعيوب الاشتراكية وإن كانت الرسالة تتوجه للطليعة أو للمثقف الواعي لما أريد..).<br />
<br />
معنى هذا أن [[عبد الناصر]] لم يهتم بالمثقف على صعيد الكلام النظري العام، غير أنه راح يوجه بعنف شديد الذين انتموا إلى تنظيمات أو أحزاب انطلاقاً من توجههم الخطر.<br />
<br />
وحتى بعد أن خرج الشيوعيين من السجون كان [[عبد الناصر]] يترك لهم حرية التعبير لكن لا يترك لهم حرية العمل السياسي وإن يكن بشكل فردي او جماعي، والتعبير عن هذا بالكتابة في الصحف.<br />
<br />
غير أن المثقف من ذوي التيار العقيدي كان يرتبط باللعبة الدولية، ومن ثم، كان يضاف إلى محظور الانتماء لكادر سياسي داخلي الميل إلى لعبة السياسة الخارجية، ومن ثم، ينتفي إطار حرية التعبير السياسي، ويكتفي [[عبد الناصر]] بمرجعيته في العلاقة مع المثقفين في (الولاء) .<br />
<br />
بيد أننا نحن هنا نشير إلى أن حرية التعبير كانت لها حدود معينة؛ فمن الشائع لدى البعض أنه لم يعتقل صحفي او مثقف يعمل بالكتابة خلال حكم [[عبد الناصر]]، كما لم يضيق [[عبد الناصر]] الخناق على صاحب (رأي) مجرد، ومن اعتقل في الفترة الناصرية كان يعود في تفسيرة إلى نشاطات غير صحفية.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإننا يمكن القول أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليسمح لأحد قط، في جميع الحالات، أن يعبر بما يسيء إلى النظام من منطق خارجي (أعداء الأمة العربية) أو من الداخل (عبر كوادر وتنظيمات معادية)، وفي النهاية، كان حريصاً على أن تكون (جبهة النضال الداخلي) في صراعه مع الأعداء في الخارج أو الداخل .. جبهة متينة صلبة .<br />
<br />
فلم تكن المعركة لتسمح بالصراع في وجود صراع مصيري بين الأمة وأعدائها الكثيرين.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ [[الديموقراطية]] الاجتماعية.<br />
<br />
ولا نستطيع أن نتحدث هنا عن الشهادات التي تتحدث حول الحرية السياسية دون أن نتمهل أكثر عند الحرية الاجتماعية، فمراجعة شهادات العديد من معاصري هذه الحقبة من المثقفين أو السياسيين نرى أن [[الديموقراطية]] كانت هي الحرية السياسية أما الاشتراكية فكانت الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بينهما ولا يمكننا الحديث طويلاً عن الجانب الاجتماعي وكيفية تحقيقه لدى شعوبنا دون التنبُّـه إلى الخبرة السياسية في التعامل مع [[الديموقراطية]].<br />
<br />
'''ننقل هنا شهادة [[أمين هويدي]] التي تناثرت في أكثر من مقالة أو كتاب فيما بعد، يقول:'''<br />
<br />
(إن الحرية السياسية في [[الديموقراطية]] ليست نقلاً عن واجهات دستورية موضوعة كذلك فالحرية الاجتماعية أي الاشتراكية ليست تطبيقاً جامداً لنظريات وتجارب الآخرين ولا نزاع في أن النظام السياسي في الدولة هو انعكاس مباشر للشئون الاقتصادية السائدة فيها وتعبير حقيقي دقيق عن طبيعة المصالح التي تتحكم في اقتصادها فإذا كان الإقطاع هو القوة الاقتصادية التي تتحكم في دولةٍ ما فإنه لا شك في أن الحرية السياسية فيها سوف تقتصر على الإقطاعيين فما دام هؤلاء يتحكمون في المصالح الاقتصادية فإنهم سوف تكون لديهم القدرة على فرض الشكل السياسي للدولة).<br />
<br />
إن العلاقة بين السياسي والاقتصادي علاقة جدلية لا يمكن الفص بينها في القضية [[الديموقراطية]]، وهو ما ننبه إليه عدد كبير من مثقفينا من شتى التيارات، يقول [[إسماعيل صبري عبد الله]] عن فترة تطور [[الحزب الشيوعي المصري]] قبل ثورة [[1952]] وبعده، '''في شهادته:'''<br />
<br />
(كان عندنا في الأصل القضية الوطنية واستقلال [[مصر]] هي البداية والنهاية في الكفاح ضد المستعمر، أما البعد الاقتصادي الذي نما لدينا وتعمق فينا، هو البعد الجديد الذي تطور في ذلك الوقت ..<br />
<br />
'''إن هذا البعد الأخير للديموقراطية أعطى لنا بعدين:'''<br />
<br />
'''البعد الأول :''' أن الاستعمار ليس ظاهرة سياسية فقط، وإنما ـ أيضاً ـ ظاهرة اقتصادية في الأساس الأول ..كنا نقول وقتها أن الجلاء عن [[مصر]] لابد أن يكون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.<br />
<br />
كنا نقول هذا ولم نكن لنعرف ــ كما تؤطر فكرنا الآن ــ أن مفهوم (التنمية المستقلة) هو من أهم واجبات الوعي الديموقراطي، حتى بعد أن استقلت بلادنا.<br />
<br />
بيد أننا ابتداء من البعد الاقتصادي اكتشفنا أن تشابك المصالح بين الفئات "البرجوازية الكبيرة ال[[مصر]]ية والمحتلين" وقد كان القصر في ذلك الوقت البعيد يعرف منا كراهية شديدة لأنه يقوم في سياسته على الاستبداد السياسي، ولأنه معاد للوفد السياسي، ومع الاختلاف بين القصر و[[الأحزاب]] من آن لآخر، تعمق لدينا في هذا الوقت البعيد الجانب السياسي دون التنبه إلى القدر الكافي للجانب الاجتماعي.<br />
<br />
غير أننا حين عرفنا العلاقة الأكيدة في الوعي ب[[الديموقراطية]]، ونقصد بها الجانب الاقتصادي، أدركنا، إلى أي مدى يمكن أن يكون الاقتصادي والاجتماعي من ضرورات الوعي ب[[الديموقراطية]].<br />
<br />
إلا أننا، أدركنا تماماً ذلك ونحن نتحدث عن الطبقة البرجوازية الكبيرة التي كانت تتحالف مع الاستعمار ويعتمد عليها من آن لآخر، ويستدعيها.<br />
<br />
وابتداء من اليقين الذي تولانا، فقد عرفنا أن الاستعمار كان في الأساس بلاء اقتصادي، لقد بحثنا وتوصلنا جيداً عمن يستفيد من الاستعمار، وتعرفنا على العامل الاقتصادي.<br />
<br />
ومن هذا المنطلق كانت تحالفاتنا قبل [[الثورة]] نحن الماركسيين مع [[الوفد]] .. كان هناك الوعي الاجتماعي ينمو ويتطور داخلنا.<br />
<br />
وعبوراً فوق أحداث كثيرة في النضال الوطني في الأربعينات، كان لدينا الوعي إبّان المظاهرات أن نتجه إلى العمــال ــ لا إلى صر عابدين فقط ــ كـان الوعي الاجتماعي بدأ يتطور في أعماقنا .. ومن هنا، لاحظنا أن عناصر ماركسية نشطة كانت تتحرك بين العمال بوعي اجتماعي واقتصادي، ومن هنا، ظهرت الفكرة الجبهوية في [[مصر]] "جبهة [[مصر]]" وهي اللجنة الوطنية للطلبة والعمال الذي كـان لها سكتيرين عاملين: [[فؤاد محيي الدين]] و[[حسن كاظم]].<br />
<br />
كان الاتجاه نحو الجماهير والعمال لا الملك.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، توصل التنظيم الجبهوي إلى أهمية العامل الاجتماعي الاقتصادي، وهو ما تطور معنا أكثر في الخمسينات والستينات حين أدركنا أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في بناء [[الديموقراطية]]).<br />
<br />
بل إن شهادة إسلامي واع مثل [[خالد محمد خالد]] كانت تؤكد النضج الشديد في الربط بين السياسي والاجتماعي في البحث عن [[الديموقراطية]] .<br />
<br />
ورغم أن الجانب السياسي أكثر ما يلحظ في كتاباته، فإن الجانب الاقتصادي تسلل رويداً رويداً إلى هذه الكتابات، إنه يقول: أمّــا الرئيس [[عبد الناصر]] في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية عام [[1961]]، '''وهو ما أكــده لنا في شهادة خاصة:'''<br />
<br />
(..إن النظام السياسي والاقتصادي مرتبطان أجل إنهما مرتبطان. ونحن حين نقول النظام الاشتراكي. إنما نعلن ذلك لنقسم طريقنا تماماً كما نقول: حرية الكلمة، حرية التصرف، حرية الملكية، حرية التجارة .. كل ذلك مسميات لشيء واحد هو الحرية.<br />
<br />
إن الاشتراكية و[[الديموقراطية]] شيء واحد، لأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، بل يؤثر فيها ويحركها كما قال سيادة الرئيس، وهذا ما يدعوني إلى ان أحفز في نفسي الإيمان ب[[الديمقراطية]]..).<br />
<br />
وهو مــا كرره كثيراً عدد كبير من المثقفين حينئذ من شتى التيارات، وأكــده [[عبد الناصر]] كثيراً قبل هذا وبعده.<br />
<br />
'''ملاحظات أخيرة :'''<br />
<br />
وبعد، هذه أمثلة من الشهادات حاولنا خلالها الإجابة عن السؤال (كيف؟) حول واقع (إشكالية [[الديموقراطية]]) في هذه الحقبة في الخمسينات والستينات .<br />
<br />
والسؤال (كيف؟) يصل بنا لا محالة إلى (لماذا؟) وما يرتبط به من الوعي بالماضي وصولاً إلى فهم الحاضر للوصول، من ثم، إلى إرهاصات المستقبل والعمل له؛ فإذا كان الإدراك القيمي للديموقراطية يعني أن النظام الديموقراطي يجب أن يتحدد بتمثيل الأغلبية عبر مؤات ودساتير واستفتاء حر فضلاً عن ضرورة السماح بحرية التعبير السياسي وترشيد الواقع الاجتماعي .. وما إلى ذلك، فإن القضية تظل في حالة التمهل عند فهم الماضي (لماذا؟) التأمل عبر الوعي بالحاضر للوصول ــ كما أشرنا ــ إلى الإجابة عن تصور ديموقراطي مثالي للمستقبل.<br />
<br />
'''وعلى هذا النحو، لابد من العودة لهذه الإشكالية في الفترة الناصرية ونحن أمام هذا الواقع الذي ولد أزمات لابد من التمهل عندها أكثر:'''<br />
<br />
'''(1) أزمة الواقع :'''<br />
<br />
"فقد تحددت الفترة الناصرية بسمات معينة كان على رأسها الشخصية الكارزمية للزعيم، وتحولت [[الديموقراطية]] إلى (إشكالية) مع الأخطار الداخلية في مواجهة الاستعمار وتحدي [[الصهيونية]] فضلاً عن وراثة نظام سابق لم يجد النظام الجديد أمـامه سوى الاصطدام به كفساد [[الأحزاب]] وشتات من القوى المتصارعة إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأما هذه التحديات التي واجهت النظام في الخمسينات كان لابد أن تتماهى شخصية الحاكم مع الإرادة الشعبية خاصة في دولة مركزية ك[[مصر]]. تلعب فيها الظاهرة المركزية دوراً كبيراً ينسحب فيها السلطات التنفيذية ويفسرها المجتمع الأبوي وما ينجم عنه من السيطرة على رأس النظام، هذا وغيره يرينا أن شخص الحاكم متداخل في وعي جهاز السلطة وفي وعي الجماهير، مع شخصية الدولة، ولهذا فإن الولاء السياسي يظل في المقام الأول، ولاء لشخص الحاكم الأعلى، والخلاف مع شخص هذا الحاكم، الذي تطلق عليه كثير من الأنظمة القيادة السياسية تجهيلاً لحقيقته وتلاعباً بالمصطلحات والألفاظ في أمــر لا يحتمل التلاعب، هذا الخلاف يصنف على أنه خلافٌ مع الدولة ونقص في الولاء".<br />
<br />
ومهما يكن من تبريرنا لنظام [[يوليو]]، فمما لا شك فيه أنه حال دون قيام مؤسسات سياسية وأحزاب كان يمكن أن تلعب ــ مع التطور ــ دوراً ما في التخلق الديموقراطي.<br />
<br />
لم يكن دراسة الواقع يحمل لنا هذا فقط، وإنمـا أكـد شهادات هذه الفترة من المثقفين خاصة.<br />
<br />
'''(2) أزمة الحرية :'''<br />
<br />
وما يقال عن قضية الولاء يقال عن أزمة الحرية السياسية، فالتعبير السياسي أصبح ـ بالتبعية ـ تابعاً لنتائج الكارزمية والظروف المحيطة بالبلاد، فقد بدت قضية الحرية تابعة للمركزية.<br />
<br />
ولا نريد أن نُسهب هنا كثيراً، غير أنه من المؤكد الآن أن حرية التعبير السياسي لم تمض دائماً في الطريق الديموقراطي، فرغم أننا وجدنا صوراً كثيرة لجرع التعبير السياسي؛ كما شهدنا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في بداية الستينات عبر الكثير من المثقفين، ووجدنا كذلك في عديد من نشر الروايات والأعمال الأدبية التي تفتقد النظام وإن يكن تحت مظلة النظام، فإن رصد التجربة يرينا أن كثيراً من صور التقييد السياسي في هذا المجال نالت الكثيرين في الممارسة، وقد وصلت إلى درجة الحبس في حالة [[مصر]] بالنسبة للصحفيين ومضت إلى حالة الرقابة اللاحقة على المطبوعات، وهو ما وجدناه في حركة التنظيم السياي والنقابات المهنية والعمالية .<br />
<br />
الأكثر من هذا إن حرية التعبير ضاقت خاصة لدى المثقفينن الأيديولوجيين مع الوقت، فمع أننا نلاحظ في الحقبة الأخيرة أن ثمة حالات ت[[مارس]] وجودها من خلال [[الديموقراطية]] في بعض الأقطار العربية (كما نرى في بعض الأقطار المغارية) فإن المجال كان متسعاً أيضاً للحديث عن التضييق في حرية التعبير بل وممارسة التعذيب وعدم احترام القضاء أو تنفيذ أحكامه .. إلخ.<br />
<br />
إنها أزمة الحرية التي مثلت أحد وجوه الفترة الناصرية، والتي مازلنا نعاني منها حتى الآن .<br />
<br />
'''(3) أزمة المجتمع :'''<br />
<br />
وكما لم تمارس الحرية السياسية في أكثر من جانب بالقدر المفروض، كذلك استبدل أو عُمق فرضياتها بالقدر الكافي للديموقراطية الاجتماعية، فرُحنا نسمع عن مجتمع الكفاية والعدل، ورُحنا نلاحظ تركيزاً كبيراً ومستمراً في خطابات الرئيس [[عبد الناصر]] عن ضرورة اختيار طريق العدل الاجتماعي قبل أن نبحث عن الطريق السياسي في [[الديموقراطية]]، ورحنا نلاحظ التطور عبر المؤسسات الاقتصادية ([[الإصلاح]] الزراعي [[1952]] وتأميم [[قناة السويس]] [[1956]] والمشاريع الأنجلوفرنسية [[1957]] .. إلخ).<br />
<br />
إن ممارسات الدولة ـ مهما تكن المركزية ـ لم تكن لتسمح بنظام ليبرالي يعمق [[الديموقراطية]]، وخاصة وقد "أضافت المفاهيم والأساليب التي حكمت التطورات الاقتصادية والاجتماعية أوضاعاً مؤسسية جديدة تكاملت مع النسق السابق وصبت في رصيد سلطة الرئاسة".<br />
<br />
إن النظام تشكل في الخمسينات وفق اعتبارات المناخ القائم الذي كان يهدد الواقع العربي بالتحديات الخارجية والداخلية، وهو ما يفسر كيف اكتسبت ظروف الفترة الناصرية مشروعيتها السياسية، بل وتلاحم الأمة حولها.<br />
<br />
'''(4) أزمة المثقفيــن :'''<br />
<br />
لا يمكن أن نوجه النقد فقط للنظم السياسية، وإنما أيضاً للمثقفين، فشهادات المثقفين أنفسهم كانت تشير إلى أننا لا يمكن أن نعفي أغلبهم من حالة (انفصام) مع النظام، بل مع مواطنيهم.<br />
<br />
إننا في الفترة الناصرية لم نفقد هذا التقصير لدى المثقفين خاصة من معاناتهم من قضايا كالولاء أو التركيز على الأيديولوجية المحددة لهذا المثقف أو ذاك، خاصة، وأن المثقفين كانوا خارجين من الفترة السابقة ل[[ثورة يوليو]] ــ الفترة الليبرالية ــ ولم يحسموا مواقفهم بعد من التطورات التي قد تطرأ على المجتمع.<br />
<br />
لقد رأينا توزيع مثقفي اليسار بين الرفض والتأييد عقب قيام [[الثورة]]، وحينما احتدمت الأزمة بين [[محمد نجيب]] وبقية الضباط الأحرار كان اليسار على حد تعبير [[أبو سيف يوسف]] "متوزعا على منظمات عديدة .. (و) .. لم يكن لدى المثقفين "الديموقراطيين" على اختلاف تياراتهم مشروع يوحد (أو يرفع التناقض) بين قضية التغيير الاجتماعي و"الصيغة الليبرالية" التي تخدمها أو تصادر عليها".<br />
<br />
'''(5) أزمة العولمة :'''<br />
<br />
ويبدو أن (إشكالية [[الديموقراطية]]) مازالت تلقي بشباكها في عصر العولمة مع تغيير المناخ وزيادة وطأة الآليات الجديدة في عصر (عولمة العسكرة) خاصة في المجال الاقتصادي، فمن الملاحظ أننا بين عدد كبير من النخبة الثقافية بوجه خاص تتكامل مع آليات العولمة بازدواجية لابد من التنبه إليها حيث يندمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي الكلي ليؤدي دوراً مرسوماً ومحدداً له عبر هذه القلة من المثقفين التي "تعيش في وضع مالي متميز من كل النواحي وتقوم بتعليم أولادها في مدارس وجامعات أجنبية عادةً ـ أمريكية ـ هي التي تستفيد من مظاهر [[الديموقراطية]] السياسية، فإن الغالبية العظمى من الشعب وبسبب ضغط ظروف المعيشة لا يفكرون مطلقاً في مظاهر هذه الليبرالية السياسية خاصة أن الوعي بها متدن جداً.<br />
<br />
الأمر الذي يعني ــ كما يلاحظ أكثر من مثقف ـ أن ممارسة [[الديموقراطية]] هُنا ستكون مقصورة على النخبة وأولادهم.<br />
<br />
وهذا له مخاطر كبيرة، فإلى جانب العودة ـ مستقبلاً ـ إلى نظام سياسي تتحدد فيه القيم [[الديموقراطية]] الواعية في عصر العولمة للحفاظ على الدولة والوعي بمقدراتنا الاقتصادية خاصة، فإذا بنا نفقد ـ مع الدخول في منظومة ـ ومما يعيد بنا الفترة الناصرية مع تزايد (إشكالية [[الديموقراطية]]) التي تتخذ الآن أبعاداً أكثر سوءاً وأقل وعياً بالتطورات العالمية بعد عاصفة مانهاتن بوجه خاص.<br />
<br />
===الفصل الرابع: [[الثورة]] و[[القانون]] / [[عبد الناصر]] و[[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]===<br />
<br />
ما هي طبيعة العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]]؟<br />
<br />
'''في هذا الإطار نعيد طرح السؤال عبر أسئلة أخرى:'''<br />
<br />
كيف تجسدت العلاقة بين رموز [[الثورة]] وأهم رموز [[القانون]] حينئذ؟<br />
<br />
وهل حرضت [[الثورة]] على الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]؟<br />
<br />
وكيف يمكن الحكم على مواقف [[الثورة]] في هذه الفترة المضطربة في تاريخنا الطويل؟<br />
<br />
هذه الأسئلة الحائرة طرحت أكثر من مرة على مدى نصف قرن، ورغم تعدد طرحها، وتباين الإجابات حولها، فإننا لم نجد إجابة واحدة مانعة لها كما يقول المناطقة؟<br />
<br />
ورغم أننا، في السعي إلى إجابات كثيرة، مازلنا نفتقد الوثيقة أو نعاني من حجب المعاصرة في هذه الفترة، فإن نصف قرن بعد كافياً ليقدم لنا بعض ما يؤكد هذا الفرض أو ينفيه.<br />
<br />
وهو ما نحاول الإجابة عنه الآن.<br />
<br />
لقد كانت [[مصر]] تحيا الفترة السابقة على [[ثورة يوليو]] حالة من الغضب والفوران؛ ولم تكن مواقف [[الثورة]] وتداعياتها المتسارعة غير تعبير عن هذه الفترة.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]] ـ بالتبعة ـ غير جزء دال من هذه الفترة.<br />
<br />
وقد مرت العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]] فى الخمينات فى عدة دوائر تحددت معها العلاقة فى نهاية هذه الفترة من التعاون إلى الصدام إلى التخبط والاعتداء .<br />
<br />
وكان الاعتداء على [[السنهورى]] يعنى تداخل حركة الدوائر فى مركز واحد.<br />
<br />
====دائرة التعاون====<br />
<br />
ومن هنا، كان أول فعل للسنهورى ـ كغيره ـ فور قيام [[الثورة]] مسايرتها والتعاون معها، ولم يكن هذا الموقف مشيناَ، وإنما لجأ إليه الكثير من المثقفين والسياسيين الواعين بقصد التمهل لتفهم مواقف [[الثورة]] واتجاهاتها، فضلا عن أن قيام مسئول كبير مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بالتعاون مع [[الثورة]] كان بقصد أن يحتويها أو يردها إلى الطيق الصحيح إذا شطت، وهو عمل في حد ذاته ـ في وقته ـ يمكن النظر إليه بكثير من التقدير.<br />
<br />
لقد كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يعرف بحدته ورصانته طيلة الأربعينات خاصة، وهي الصفات التي عرف بها حين كان وزيراً مسئولاً في عدة وزارات (وزيراً للمعارف العمومية (وزارة [[النقراشي]] [[1945]] ـ [[1946]] / والثانية [[1946]] ـ [[1948]]) ثم وزيراً للأوقاف في [[وزارة إبراهيم عبد الهادي]] [[1948]] ــ 1949) ورئيساً لمجلس الدولة (من أوائل عام 1949)، أو بين زملائه وعارفيه، أو على صفحات الصحف برسومها القاسية وأعمدتها الجادة.<br />
<br />
من هنا، كان لقاؤه مع شباب [[الثورة]] والعمل معهم .. إماناً بهم أول الأمر، وترويضاً لجموحهم فيما بعد، ولم يكن خضوعاً لإرادتهم بأية حال، ومن يعرف شخصية [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] جيداً يؤيد هذا الرأي ولا يرجعه ـ كما يردد البعض ـ إلى انتصاره للحزب السعدي الذي كان منتمياً إليه ضد [[الوفد]].<br />
<br />
وحتى على فرض أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] لم يستطع أن يروض من جنوح هؤلاء هؤلاء الشباب وغلوائهم لصراعاتهم المتباينة، فإنه سعى بهذا الموقف إلى أن يعد مصالحة بين [[القانون]] و[[الثورة]].<br />
<br />
وإذا كان بعض المثقفين يتهمون [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] اليوم بأنه أيد [[الثورة]] تأييداً مطلقاً أو ذهب إليها ساعياً فإن دارس هذه الفترة يلاحظ أن [[الثورة]] فور قيامها سعت إليهم هرولة في أول الأمر، وقرارات هذه الفترة وإعلامها وقراراتها كانت عود إلى رأي المثقفين.<br />
<br />
إذن، فالتعاون مع [[الثورة]] أول عهدها لم يكن عيباً يمكن أن نشير إليه أو نلوم صاحبه عليه.<br />
<br />
نقول هذا لعديد من الكتاب والمؤرخين الذين راحلوا يلومون [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في أول قيام [[الثورة]] إلى (التعاون) معها أو مسايرتها في كثير من الأمور، فالتعاون لم يكن بالنسبة لمثقف مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ضرورة اقتضتها ظروف هذه الفترة وتغييراتها، ولم يكن ليستطيع رجل مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أن يكن غير ما كانه.<br />
<br />
كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى ـ عبر ما يمثله من [[القانون]] ـ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.<br />
<br />
وكانت [[الثورة]] ــ بصراعاتها وتكوين أصحابها ــ ماضية في طريق محفوف بالمخاطر والمصاعب. وكان لابد أن يعقب المسايرة التعاون فالتأييد المحسوب، والدخول في جدلية الحركة المستمرة في السنتين الأوليتين قبل أن تعصف بالمثقف رياح الصراعات التي هبت على [[الثورة]] بشكل عنيف.<br />
<br />
فلنتمهل أكثر عند بعض صور هذا الاتفاق قبل أن نصل إلى صور الافتراق.<br />
<br />
كان علي [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] رئيس أعلى هيئة استشارية أن يتهاون مع النظام الجديد في وقت كانت (الحركة المباركة) ــ كما أطلق عليها فور قيامها .. أن تحاول التهاون مع المثقفين أو الإفادة منهم.<br />
<br />
من أمثلة هذا التعاون أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان أول من اشترك في صياغة وثيقة تنازل الملك عن العرش يوم رحيل الملك عن البلاد، وما كاد الملك يرحل عن البلاد في 26 [[يوليو]] [[1952]] حتى راح يهم بشكل فاعل في تشكيل مجلس الوصاية على العرض.<br />
<br />
والحاصل أن حل مشكلة الوصاية على ملك صغير يقتضي أن يجتمع البرلمان بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان وفاة الملك؛ فإذا كان مجلس النواب منحلاً، وكان ميعاد انعقاد المجلس الجديد يجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل رغم مرسوم حله، وذلك حتى يؤدي الملك الجديد ـ إن كان يافعاً ـ سن الرشد، أو يؤدي أوصياء العرش إن كان قاصراً اليمين [[الدستور]]ية أمام البرلمان بمجلسيه.<br />
<br />
وهنا اختلفت وجهات النظر حول قضية الوصاية وعلى وجه التحديد حول وجوب دعوة البرلمان للانعقاد خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان التنازل عن العرش لاختيار الأوصياء على العرش وتمكينهم من أداء اليمين [[الدستور]]ية ليمارسوا صلاحيتهم.<br />
<br />
وبالتباين في الآراء: هل يستعجل دعوة البرلمان .. أم يتم الاستغناء عن ذلك؟<br />
<br />
المهم هنا أنه اتفت كلمة مجلس الوزراء وقادة حركة الجيش بزعامة [[محمد نجيب]] على عرض المشكلة [[الدستور]]ية على مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة لاستطلاع وجهة نظرهم والنزول عليها.<br />
<br />
واجتمع [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] مع أعضاء المجلس، ووافق الجميع ــ عدا د. [[وحيد رأفت]] ــ على عدم جواز دعوى مجلس النواب المنحل في حالة نزول الملك عن العرش، ويجب إجراء انتخابات جديدة.<br />
<br />
وبدلاً من هذا اقترح قسم الرأي بالمجلس أيضاً طالما أن الانتخابات ستأخذ وقتاً غير قصير، فالحل يمكن أن يكون في إيجاد نظام للوصاية المؤقتة، وهو ما يستدعي إضافة مادة إلى الأمر الملكي رقم 52 لسنة [[1932]] تنص على أنه في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى حـالة خاصة، يجوز لمجلس النواب إذا كـان مجل النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة للعرض من ثلاثة تتولى بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولى هي هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
تقول وثائق هذه الفترة أنه "اقترح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] نصاً جديداً يعالج خصيصاً هذه الحالـة .. حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى صفة خاصة، وفي وقت يكون فيه مجلس النواب منحلاً .. وتم بهذا استبعاد دعوة هذا البرلمان إلى الانعقاد كما كان يقتضيه [[الدستور]] القائم لو قيست حالة تنازل الملك عن العرش حـالة وفاته، إذن فإن جاء مجلس الوزراء إذا كـان مجلس النواب منحلاً أن يؤلف هيئة وصاية مؤتة للعرش يختارهم .. (و) .. تتولى هيئة الوصاية بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولااها هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
وإذن، ابتدع الوصاية المؤقتة بالوصاية الدائمة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، أمكن تجنب دعوة البرلمان [[الوفد]]ي للانعقاد.<br />
<br />
'''وهنا، يثار سؤال:'''<br />
<br />
لماذا آثر [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ـ عبر أكبر مؤسسة دستورية ــ هذا الموقف؟<br />
<br />
الإجابة ـ في رأيي ـ أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حاول أن يجني البلاء غلواء [[الثورة]]، وكان يميل أن يأتي إلى الشبان بنوع من [[الإصلاح]] الراديكالي بحيث يتواءم فيه مع غلواء العهد الجديد وليس بالضرورة الصدام معهم.<br />
<br />
كان [[القانون]] متمثلاً في [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى للتصالح مع [[الثورة]] وترويضها بدلاً من الصدام الذي يمكن أن يخرجه من الساحة فيترك الأمور على غاربها.<br />
<br />
ونحن هنا لا ندافع عن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أو ندفع عنه تهمة (عدائه للوفد) التي كانت برأي البعض وراء اتخاذ هذا الموقف، فلا يمكن أن يكون موقفه القديم من [[الوفد]] ، وهو موقف مخالف ـ هو وحده، وراء (التعاون) الذي أظهره في هذا الشأن، وإذا كان يقال ذلك على إطلاقه علي [[سليمان حافظ]]، الذي تؤكد المصادر التاريخية أنه "لم يكن يخفي كرهه ل[[مصطفى النحاس]] رئيس [[الوفد]] وبطانته"، فإننا لا نستطيع أن نول مثل ذلك على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فلم تكن واعي النكاية ب[[الوفد]] وحدها وراء هذا الأمر، كما لم يكن ليحمل ما يدفع به القضاء على الحياة الحزبية تماماً، بدليل أنه كان أول من دعاء للبقاء على [[الأحزاب]]، كما أن آخر مقالاته في الصحف كانت تدعو إلى عودة [[الأحزاب]]، ويؤكد هذا د. [[وحيد رأفت]] أنه كان أكثر من غيره لوماً للدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فرغم تصريحه أو اعترافه بعد ذلك بإلقاء اللوم على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فإنه نفى أن يكون موقفه من [[الوفد]] هو السبب الوحيد وراء جعل "حلف يمين الأوصياء المؤقتين أمام مجلس الوزراء بينما يؤدي الأوصياء الدائمون تلك اليمين [[الدستور]]ية أمام مجلس البرلمان مجتمعين حسب نص المادة 52 من [[دستور 1932]] "أو" وراء تجنيب دعوة البرلمان [[الوفد]]ي للانعقاد".<br />
<br />
وعلى هذا راح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى للتعاون ــ التأييد بالضرورة ـ مع الضباط، فبعد إعداد وثيقة التنازل والإفتاء بعدم دعوى البرلمان راح يوافق على قانون [[الإصلاح]] الزراعي ويشترك فيه، كما لم يتردد في ترشيح رئيس الوزراء من بين العسكريين مؤثراً على نفسه، بل ويشترك في إصدار تقرير اللجنة الخماسية لبحث نظم الحكم ثم يوحي بإعلان الجمهورية، بل لا يتردد في الاتصال ب[[الإخوان]] لإصلاح ذات البين مع ضباط [[الثورة]]، ومن وراء ظهر الضباط يوم 26 [[مارس]] [[1954]].<br />
<br />
ولأن طبيعة الأشياء أن يخلف الخلاف الاختلاف، فقد دخلت علاقة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بالضباط في دائرة أخرى، إنها دائرة محكمة كان يحتم فيها الصدام.<br />
<br />
====دائرة الصدام====<br />
<br />
رغم أن البقاء مع [[الثورة]] كان يمثل اتجاهاً يصل إلى أقصاه .. فإن طبيعة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] [[القانون]]ية كانت تحول بينه وبين أن يتحول إلى (أداة) في يد النظام الجديد.<br />
<br />
كان [[القانون]] بالنسبة إليه هو أقصى ما يطمح إليه ويتمسك به.<br />
<br />
ولم يكن التعاون مع النظام الجديد ليـحول بينه وبين تقديم تنازلات لقناعاته [[القانون]]ية، ومن ثم، كان لابد أن يحدث الخلاف في هذه الفترة المضطربة.<br />
<br />
وقبل أن نشير إلى درجة الخلاف لابد وأن نشير إلى أن هه الفترة بين عامي [[1952]] ــ [[1954]] ؛ كانت مرحلة تتصارع فيها أضداد كثيرة ومتباينة: [[الأحزاب]] القديمة وصلت إلى مفترق الطرق و[[الثورة]] وصلت إلى قبضة التغيير / القوى القديمة لا تملك السلطة والقوى الجديدة لا تفلتها / القوى البريطانية تجهد للبقاء والولايات المتحدة الأمريكية تسعى لمنطق الإزاحة / مفاهيم [[الديموقراطية]] تتناقص / قوى الصراع تتحول بين قديم وجديد .. وبالإجمال كانت هناك قوتان تتصارعان ..إرادتان متصادمتان.<br />
<br />
كان لابد أن تتصاعد حركة الدراما لأقصاها إلى نقطة الصدام.ولأن الاتفاق مع قوى ون أخرى في ذلك الوقت كان مستحيلاً، ولأن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] جهد أن يروض القوى الجديدة ويستعير من القوى القديمة أفكارها المثالية في الحرية و[[الديموقراطية]]، ولأنه حاول أن يتفادى الغلو والعنف إلى التغيير و[[الإصلاح]] ولأن قضية [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] الرئيسية أن يحول [[الثورة]] إلى [[القانون]]. أو كان حلمه أن يمضي مع [[الثورة]] الفتية التي تخول [[القانون]] بمنطق يخلو من الغلو والعنف.<br />
<br />
لهذا كان لابد أن يحدث الصدام.<br />
<br />
ورغم ما كان يبدو من نقاط اتفاق بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ورموز النظام الجديد، فقد بدا مؤكداً نقاط الافتراق..؛ وقد ظهرت دواعي الافتراق منذ فترة مبكرة بين الدكتور [[عبد الرازق السنهوري]] رئيس مجلس الدولة وبعض رموز النظام، وكيف أن الدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] سوف يتخلى عن منصبه.<br />
<br />
توالت الإشاعات إلى مواقف غامضة ــ وهي كثيرة ــ نظراً لطبيعة المرحلة وتشابكها ـ كأن يستقيل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ــ فجأة ــ من عضوية اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بعد انضمامه لها وتحمسه الشديد إليها أول الأمر.<br />
ومع ذلك، لا يقال شيء أو تفسير مقنع لهذا.<br />
<br />
وتتعدد الخلافات وتتحدد مع مضي الوقت، وتتصاعد درجات الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] .. وتتعدد مشاهد الصراع أكثر.<br />
<br />
ــ كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حريصاً أشد الحرص على أن يقنن كل ممارسات [[الثورة]] وإجراءاتها في إطــار (قانون) أو (قرار) كيلا تغيب المشروعية، وتستقم الأمور بعيداً عن الارتجالية والتخبط ويلحظ أن من كان يجرؤ أن يسلك مسلكاً غير معبد من رجال [[الثورة]]، لم يكن ليتردد إزاءه في اللوم، كان كثيراً ما يقول أن هذا خروجاً عن المبادئ الستة والتي كان يطيب له أن يسميها (عقد [[الثورة]]).<br />
<br />
كان يقول هذا للجميع دون أي تردد وكان يقال هذا باسم [[القانون]] دون تردد.<br />
<br />
- حرص [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] على [[الدعوة]] إلى إعادة [[الأحزاب]] القديمة على العكس مما هو شائع .. وخاصة، في الأيام الأولى من قيام [[الثورة]]، وحتى الأيام الأخيرة من شهر [[مارس]] عام [[1954]] .. فمن الثابت أنه راح يعارض مشروع قانون لتطهير [[الأحزاب]] السياسية تقدم به [[سليمان حافظ]] ـ وزير الداخلية في ذلك الوقت ـ بدعوى "أن العرف [[الدستور]]ي لتنظيم [[الأحزاب]] هو ترك الأمر لها".<br />
<br />
- غير أنه تحت إلحاح وزير الداخلية وإقناعه لضباط [[مجلس قيادة الثورة]]، وافق على مضض، وإن كان أضاف شرطاً يقول فيه "على ألا تتدخل الإدارة إلا عند الاقتضاء لتحقيق أغراض [[القانون]]، وإنما سيكون تدخلها تحت رقابة مباشرة من القضاء بمجلس الدولة".<br />
<br />
[[القانون]] مازال يغالب.<br />
<br />
ــ حين انتهت قرارات لجنة نظام الحكم والسلطة التنفيذية والتشريعية حينئذ بأن يكون تأليف البرلمان من مجلسين، وأن يترك تحديد عدد أعضاء كل من المجلسين إلى لجنة قانون الانتخاب .. '''راح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يدعو إلى ضرورة تأليف مجلس الشيوخ من ثلاث عناصر :'''<br />
<br />
أ- التعيين والكفايات.<br />
<br />
ب- الانتخابات للمصالح الاقتصادية.<br />
<br />
ج- الانتخاب لمجلس البلدية ومجالس المديريات.<br />
<br />
ومازال [[القانون]] يغالب.<br />
<br />
ــ في أزمة [[مارس]] [[1954]] بين نجيب و[[عبد الناصر]]، والذي راح يعود فيها إلى حياة ديموقراطية أو يتظاهر بهذا .. فإن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حـاول استعادة أحد أوجه الحياة [[الدستور]]ية على غير رغبة النظام.<br />
<br />
لقد اقترح ــ بصراحة شديدة ــ على الضباط إعادة دستور [[1923]] فوراً لأنه يشعر بالقلق؛ فإن هذا الحل مازال [[القانون]] يغالب.<br />
<br />
وتضاف إلى أسباب الخلاف أسباب أخرى خلّفتها أحداث الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بين يومي 26_29 [[مارس]] فلنشر إلى الاعتداء خطفاً قبل أن نرقب تغيير مشاهد الصراعبين [[القانون]] و[[الثورة]] .. بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] والنظام الجديد.<br />
<br />
نشرت أخبار اليوم صبيحة يوم الاعتداء خبراً كاذباً مؤداه أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] تولى رئاسة الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وأن الجمعية على وشك إصدار قرار ضد مجلس [[الثورة]] وضد الإجراءات التي اتخذها المجلس فيما يتعلق بالحريات.<br />
<br />
والرواية التي تشير إلى الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ـ كما جاءت في المراجع الموثوق بها ــ تبدأ من مظاهرة مديرة تقوم من مبنى [[هيئة التحرير]]، مكونة من عمال مديرية التحرير وضباط وجنود البوليس الحربي تحت قيادة [[حسين عرفة]] قائد المباحث العسكرية وعدد آخر من قادة البوليس الحربي مع قوات الحرس الوطني ومنظمات الشباب.<br />
<br />
'''ونفضل أن ننقل الأحداث بعيون د. [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] نفسه هنا:'''<br />
<br />
(ـ.. اتصل بي تليفونياً الدكتور [[حسن أكرم حوراني]] ــ وزير التجارة والصناعة ــ وسألني عما نشر في جريدة "الأخبار" فأظهرت له ارتياحي لهذا السؤال لأنه أتاح لي فرصة في توضيح الحقيقة للمسئولين، وأفضيت له بالغرض من الاجتماع على الوجه السابق ذكره، وأضفت أنني أستحسن أن يقوم هو بإبلاغ من يراه من المسئولين عن حقيقة الأمر، فأجاب أن البكباشي [[جمال عبد الناصر]] بجانبه وهو يتحدث بالتليفون فطلبت منه أن يحدثني البكباشي [[جمال عبد الناصر]]، وأعدت له ما ذكرته للدكتور ال[[أكرم حوراني]] ، وعلم على هذا الوجه بحقيقة اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وانتهى الحديث التليفوني وكان أهم مصدر علم منه بخبر المظاهرة ضابطاً عرفت فيما بعد أنه الصاغ [[حسين عرفة]] ــ وكيل البوليس الحربي ــ فقد دخل علي في غرفتي في الساعة الثانية عشرة والربع وقد ارتسمت على وجهه علامات غير طبيعية من الانزعاج.<br />
<br />
وقال أن هناك مظاهرة عدائية قادمة إلى مجلس الدولة وقد أتيت لأخطرك بها، ولو قال لي وقت ذاك أن المتظاهرين كانوا ينادون بعبارات علمت فيما بعد أنها "الموت للسنهوري ــ الموت للخائن ــ نريد رأس [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]"، ثم علمت أيضاً أن الهتافات كانت تقرن اسمي باسم [[علي ماهر]]، لو علمت بكل هذا، وكــان الضابط [[حسين عرفة]] يعرفه ــ لأيقنت تماماً أنني سوف لا أواجه مظاهرة من الشجاعة البقاء لمواجهتها، بل سأواجه عصابة من السفاكين، من التهور البقاء أعزل لملاقاتها، ولكني على وجه اليقين دبرت الأمر على وجه آخر وأخبرني الضابط [[حسين عرفة]] أن رأيه إزاء هذا أن أبقى في مكتبي حتى يقدم المتظاهرون، وعند ذلك أخرج إليهم وأتحدث بحقيقة الأمر فينصرفون .. ويضيف ([[حسين عرفة]]) أني علمت أن المتظاهرين إذا حضروا إلى المــركز ولم يجدوك فيه فسيتعقبونك في كل مكان حتى في المنزل فمن الأفضل البقاء في المكتب لملاقاتهم .. في نحو الساعة الواحدة بعد الظهر أدركت المظاهرة المجلس .. وعلمت أن الضابط [[حسين عرفة]] أمر بفتح الباب الخارجي للمجلس وكان مقفلاً ــ وقادني بيده إلى خارج الغرفة، وما كدت أخطو خطوة نحو السلم حتى شعرت بأن بعض المتظاهرين يجذبني من الخلف، وأن آخرين يدفعونني إلى الأمام، وذلك كله قبل أن أصل إلى المكان الذي كنت أقدر أن أخاطب فيه المتظاهرين، فهنا علمت أن الأمر ليس مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين بل أمر اعتداء مبيت، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعاً إلى الحديقة، وتوالى الاعتداء على رأسي وكنت أدفعه بيدي فجرحت الرأس واليدان، ورأيت أحد المتظاهرين ومعه حديدة طويلة يصوبها إلى عيني..، واستطعت بعد وقت غير قصير الاتصال بالبكباشي [[جمال عبد الناصر]]، وقلت له أن عندي المتظاهرون يريدون قتلي، فأجاب أن الأعصاب متوترة، وقلت له أن يحضر بنفسه، وكررت هذا الطلب فقال سأحضر، وأقفلت التليفون وبقيت مدة نصف ساعة حتى حضر الصاغ [[صلاح سالم]]..، وقد سمعت إشاعات كثيرة أن ممن اعتدى علي في المجلس صولات جيش مرتدين ملابس بلدية، ولعل الذي أخبرني بهذه الإشاعة الأستاذ [[محمود لطفي]] السكرتير العام للمجلس، ومما سمعته أيضاً من الإشاعات أن الصاغ [[صلاح سالم]] خرج إلى المتظاهرين ليقول لهم كيف تعتدون على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وهو ليس بخائن، قالوا له ولماذا إذن أسلمتموه لنا للاعتداء عليه..؟.<br />
<br />
ومما سبق يتضح أن المظاهرة كانت مدبرة من جهة ما، وأنها سارت في طريقها لا تنوي على شيء حتى وصلت إلى مجلس الدولة على أثر خبر ملفق، وأكد لي البعض أن هذا الخبر جاء من وزارة الداخلية، وأنه لم يكن ليستطيع أحد أن يرفض طلباً من الداخلية، فإن الداخلية في هذا الوقت كانت هي [[مجلس قيادة الثورة]] كما هو معروف .<br />
<br />
والواقع أن ما حدث كان تدبيراً، وهو تدبير قوي متعمد، لا خبطات عشوائية ــ فمقولة أن الجمعية العمومية كانت على وشك الانعقاد قولاً كاذباً، فإن دعوتها في هذا اليوم لم يكن لإصدار أي قرار وإنما كان بدعوى لترشيح مستشار لمحكمة القضاء الإداري بدلاً من آخر، كما أن الجمعية لم تكن قد انعقدت بعد، ولم يحن الموعد المقرر لانعقادها، وإنما كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في ذلك الوقت يرأس مداولة الدائرة الأولى لمحكمة القضاء الإداري.<br />
وهنا نصل إلى تماس الدوائر وتداخلها إلى مركز واحد، يعني مركز الاعتداء.<br />
<br />
اعتداء [[الثورة]] على [[القانون]] حيث سادت سمة الاضطراب ونحن نسأل عن أهم الرموز [[القانون]]ية حينئذ د. [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]:<br />
<br />
من اعتدى على رئيس مجلس الدولة في هذه الفترة؟<br />
<br />
وعبوراً فوق اجتهادات كثيرة، فأنا لا أريد طرح قضية الاعتداء على الدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بهدف الإجابة عن السؤال الظاهر:<br />
<br />
ــ أي فريق اعتدى عليه: [[هيئة التحرير]] أم الحرس الوطني أم منظمات الشباب؟<br />
<br />
وإنما أحاول أن أجيب ــ بل هذا ــ عن سؤال آخر هو:<br />
<br />
ــ هل كان وراء الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قصد مدبر بالفعل؟ وإذا كان كذلك، فهل كان [[عبد الناصر]] وراء ذلك، أو ـ على الأقل ــ يعلم ذلك؟<br />
<br />
ــ أم أن الاعتداء على [[القانون]] من رموز [[الثورة]] كان يصب في فعل الصف الثاني من الضباط الأحرار حيث كان يتصرف من تلقاء نفسه دون العودة إلى [[جمال عبد الناصر]]؟<br />
<br />
بشكل مباشر، وأكثر وضوحاً، فإنني أميل إلى الرأي الأخير.<br />
<br />
لقد انتىه الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] بغلبة [[الثورة]] وإن يكن تحت إلحاح الفترة وتأمين أصحاب الشرعية الجديدة في الشارع ال[[مصر]]ي.<br />
<br />
لقد انتهى الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] إلى غلبة النظام والاعتداء على أعلى سلطة دستورية في البلاد وهنا نقترب أكثر من تداخل الدوائر إلى نقطة المركز.<br />
<br />
==== دائرة الاعتداء ====<br />
<br />
الواضح من ملابسات الأحداث في ذلك الوقت أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] رئيس مجلس الدولة كان يتمتع بمكانة فريدة، دفعت بالكثيرين في أوقات كثيرة إلى أن يعرضوا عليه رئاسة الوزراء (على سبيل المثال: [[محمد نجيب]]، [[سليمان حافظ]]..)<br />
ورأى البعض أنه سعى منذ فترة مبكرة إلى أن يتخذ موقفاً محدداً لا مع [[محمد نجيب]] ولا مع [[جمال عبد الناصر]]، هذا هو الموقف المتحرر من أية ضغوط وإغراءات معاصرة.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإن مكانة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] المتميزة، فضلاً عما يتمتع به من استقلالية حددت حياد [[القانون]] إلى حد كبير مثلت عليه الخطر الكبير.<br />
<br />
بيد أن الخطر الحقيقي أنه خشي منه، لكل هذه الحالات أن تكون له أغراض في السلطة، أو أنه يمثل خطاً مــا في فترة الاضطراب بين من ينادون ب[[الديموقراطية]] مع [[محمد نجيب]] أو الداعين ــ في الوقت نفسه ــ إلى عودة الضباط إلى الثكنات.<br />
<br />
ومن ها، تتحدد أكثر مسئولية الصف الثاني من الضباط.<br />
<br />
ولا يخلو من معنى هنا أن المظاهرات التي بدأت في نهاية [[مارس]] تهتف ضد [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كانت تردد ما يفهم منه أنه جرؤ على مؤازرة [[محمد نجيب]] وتشجيعه على التعجيل بدعوة جمعية وطنية تأسيسية منتخبة لإقرار مشروع [[الدستور]] الذي أعدته لجنة الخمسين، وإنها الفترة الاستثنائية القائمة منذ فجر 23 [[يوليو]] [[1952]] .. وهو ما يدفعنا للإسهاب أكثر.<br />
<br />
والواضح من ملابسات الأحادث أن العلاقة بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وبقية الضباط ــ بما فيهم [[محمد نجيب]] ـ كانت في أول الأمر ودية، غير أنه مع مضي الوقت، وكشف الأحداث عن كثير من المخبوء من مطامع .. دفع ب[[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] إلى الانحياز إلى [[محمد نجيب]] الذي كان يدعو في صراعه مع الضباط إلى [[الديموقراطية]].<br />
<br />
لقد كان [[محمد نجيب]] ــ على الأقل في الظاهر ــ يدافع عن الجبهة [[الديموقراطية]]، بدليل دفاعه عن [[الأحزاب]] و[[الدعوة]] إلى إعادة [[دستور 1932]] في فترة من الفترات، كما أن كتابات [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ب[[الأهرام]] قبل الاعتداء مباشرة كانت تشير إلى [[الديموقراطية]] وعودة [[الأحزاب]] بأية شكل.<br />
<br />
وهذا الانحياز لم يمنع [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من أن يلوم نجيب في "المرحلة الأخيرة" على حد قول [[سليمان حافظ]]، ومع ذلك فإن وعي [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وحنكته [[القانون]]ية تنفي الموافقة على رأي [[سليمان حافظ]] بانحيازه إلى نجيب. ويزيد من ملابسات الموقف ان البعض كان يعتقد أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يستطيع بالتحالف مع أكثر من جهة من الانفراد بالحكم ومن السيطرة عليه، خاصة وأن [[محمد نجيب]] كان قد رشحه لرئاسة الوزارة المدنية، و[[محمد نجيب]] كان الخصم الوحيد حينئذ، كما كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] دائم الترشيح من جهات أخرى سياسية ومناوئة للنظام لمناصب أخرى، خاصة أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في ذلك الوقت كان قد بلغ من الشهرة حداً كبيراً لاسيما وأن استفتاء أجرى قبل [[الثورة]] مباشرة أجمعت فيه الآراء على أن الوزارة التي تحتاج إليها البلاد (النموذجية) إنما يمثل فيها [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] (وزير العدل).<br />
<br />
نصل من هذا كله إلى أن حادث الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] هو حادث مدبر: إن اضطرابات هذه الفترة إذن تحيلنا إلى عديد من الأطراف التي يمكن أن تكون وراء هذا الاعتداء: ربما كان أحد ضباط الصف الثاني من الضباط، أو ربما للتخبط العشوائي من الجهات الكثيرة التي كانت تعمل لأطراف كثيرة حينئذ. وفي هذا السياق، يشير خصوم [[عبد الناصر]] أنه كان وراء هذا الاعتداء.<br />
<br />
إن ثمة إشارات عامة تشير ــ ضمن ما تشير ــ إلى [[عبد الناصر]]، لكنها لا تمتلك الحجة والمنطق .<br />
<br />
إن أمامنا شهادات لكثير من شهود هذه الفترة سواء أكانوا بعيداً عن [[مجلس قيادة الثورة]] أو قريباً منه من زملاء [[عبد الناصر]]، وعلى سبيل المثال فإن [[عبد اللطيف الأكرم حوراني]] يشير إلى أن [[عبد الناصر]] اعترف بأنه هو الذي دبر أحداث انفجارات يوم 20 [[مارس]] قبل هذا بقليل لإشعار الناس بفقدان الأمن إذا عادت الحياة [[الديموقراطية]]، الأكثر من هذا أنه بسؤال [[خالد محيي الدين]] عن أحداث اضطرابات العمال المؤيدة للثورة في 26/29 [[مارس]] الفترة التي اعتدي فيها على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قال: <br />
<br />
ــ أخبرني [[عبد الناصر]] أنها تكلفت أربعة آلاف جنيه.<br />
<br />
ويشير سياق الأحداث كذلك أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان قد أجرى اتصالاً تليفونياً ب[[عبد الناصر]] حين علم أن جماعة معادية في طريقها إلى مجلس الدولة، وأخبر [[عبد الناصر]] تليفونياً قبل وصول هذه الجماعة طالباً منه ــ كوزير داخلية حينئذ ــ اتخاذ التدابير الكفيلة بوضح حد للاعتداء عليه.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الأصابع لا تشير ــ بوضوح ــ إلى أن [[عبد الناصر]] كان وراء الاعتداء.<br />
<br />
إن مراجعة الأحداث بحيدة كاملة ترينا أن [[عبد الناصر]] ما كان ليستطيع ــ في هذه الفترة المضطربة ــ الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، كما أنه لم يكن صاحب مصلحة مباشرة في هذا الاعتداء .<br />
<br />
ومع هذا، أو رغم هذا، إذا كان [[عبد الناصر]] بريئاً من هذا الاتهام، فهل كان ـ على الأقل ـ يعلم بتوقيت المؤامرة، ولم يكن ليتحرك لوقفها.<br />
<br />
وحتى إذا كان متهماً، فإننا لا يمكن أن نصدق أن أحداً من رجال الصف الثاني ـ وقد كان بالقطع وراء ما حدث ـ قادراً على إبلاغ [[عبد الناصر]] لما سيفعله مع غيره، وإنما خرجت جموعهم في اضطرابات عامة، لأهداف عامة أو خاصة، ليست من بينها ـ بالقطع ـ الاعتداء على رئيس مجلس الدولة. وبشكل أدق ليس من بينها قط الاعتداء على رئيس مجلس الدولة بإيعاز من [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ويمكن أن يقال هنا أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليعلم بهذا، ولو علم ما كان باستطاعته وسط كل هذه الفوضى وذلك الاضطراب أن يفعل شيئاً لمنعه أو وقفه .<br />
<br />
إن روايات هذه الفترة متضاربة إلى حد بعيد، ففي حين تشير الأحداث أنه "في 12 [[إبريل]] نوقش ـ في مجلس القيادة ـ إصدار قرار مجلس [[الثورة]] بحرمان كل شخص من تولي الوظائف .. وأن الغرض منه هو التخلص من [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من مجلس الدولة بطريق غير مباشر"، في حين أن [[عبد الناصر]] في أكثر من مرة بعد ذلك حين عرض [[القانون]] أمامه وذكر [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] على أنه سيطبق على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] امتعض [[عبد الناصر]] لم يعلق.<br />
<br />
ونصل من هذا كله إلى أنه أسفر عن هذا [[القانون]] ـ بالفعل ـ أن حرم [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من تولي الوظائف العامة أياً كانت الوظيفة، وانتهت العلاقة بين [[القانون]] و[[الثورة]] بانتصار الشرعية الثورية التي كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أول من نادى بها، فوقع تحت عجلاتها.<br />
<br />
'''ومهما يكن، يتبقى أن نوجز هذا كله بعدة ملاحظات:'''<br />
- إن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان ابن طبقته المتوسطة، وابن عصره، وفي حين كان ابن الطبقة المتوسطة يدافع عن العلمانية من دستور وحرية وديموقراطية، فإنه كان حريصاً على جانبها التشريعي، ومن ثم، كان لابد أن تختلط الشرعية [[الدستور]]ية بالشرعية الثورية التي روج لها .<br />
<br />
ومن ثم، انتهى التعاون إلى الصدام بين السلطتين.<br />
<br />
ولأن الفترة كانت فترة اضطراب، فقد سقطت السلطة الأولى أمام السلطة الثورية.<br />
<br />
كان الزمن يدخل بنا إلى الشمولية بعيداً عن الشرعية.<br />
<br />
وهي شمولية اقتضت التطورات في الخمسينات أن يعمل بها لتحسم كثيراً من القضايا المعلقة من الفترة السابقة.<br />
- يمضي في هذا الاتجاه أن اتجاه [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قبل [[الثورة]] كان اتجاها فكرياً أكثر منه حزبياً، ومن ثم، لم يستطع أن يظل (كادراً) في أي حزب، وإنما غلب انتماؤه [[القانون]]ي ـ فيما بعد ـ للفكر الليبرالي أكثر من الحزب والانتماء الشمولي.<br />
<br />
الاتجاه الليبرالي بق الاتجاه الحزبي.<br />
<br />
والاتجاه الليبرالي حاول اللحاق بالأفكار [[الديموقراطية]] والحزبية إلى النظام الجديد، غير أن طبيعة المرحلة لم تمكنه من تأكيد فكره السياسي، ومن ثم، خر صريعاً أمام ضباب الفترة وشموليتها.<br />
<br />
- يلاحظ أن [[القانون]] سعى للتعاون مع [[الثورة]] ومسايرتها.<br />
<br />
وكان الهدف ـ وإن بداً غريبا ـ فقد كان نبيلاً.<br />
<br />
أن ينجح في جر قاطرة [[الثورة]] إلى الفكر السياسي المعتدل.<br />
<br />
غير أن (أبو [[القانون]] المدني ال[[مصر]]ي) لم يستطع أن يلعب دوره الرائد في زمن كانت الحروب تدور باسم [[الديموقراطية]] والليبرالية وحب، كما أن عداءه زاد حنقهم حين أجرى استفتاء بإحدى المجلات ال[[مصر]]ية حول أقوى رجل في [[مصر]]، فجاء ترتيبه الثاني.<br />
<br />
ولم يكن هذا كله مطلوباً في هذه الفترة المبكرة من تاريخ [[الثورة]]: لا [[القانون]] الذي تناول [[الديموقراطية]]، ولا الرجل القوي في زمن كان الصراع يعلو فيه بين رجال أقوياء سعوا إلى السلطة.<br />
<br />
وقبل هذا كله في مناخ مضطرب لم يستطع [[القانون]] أن يثبت أقدامه فيه.<br />
<br />
- كان الصراع بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] والضباط الأحرار هو صراع بين [[القانون]] و[[الثورة]].<br />
<br />
- لقد جهد [[القانون]] ليحول [[الثورة]] إلى الحكم بوسائل، غير راديكالية، غير أنه في محاولته للتعاون مع [[الثورة]] طوراً ومسايرتها طوراً آخر وقع تحت عجلات هذه [[الثورة]].<br />
<br />
- لقد حاول أن يتواءم مع آليات النظام في حركته الثورية ليؤكد ذاته، في حين أن [[القانون]] ــ مهما التمس القيم [[الديموقراطية]] أو الفردية ــ يمكن أن يلعب دوراً معوقاً، ومن هنا كان عبث التعاون بين [[القانون]] و[[الثورة]] مؤكداً.<br />
<br />
باختصار، بدا أن الصراع بين [[القانون]] و[[الثورة]] في بداية الخمسينات هو صراع غير متكافئ. [[القانون]] بصرامته لم يكن ليجدي مع [[الثورة]] بشرعيتها الجديدة والمسايرة للقانون مع [[الثورة]] ــ وسط كل هذا الاضطراب ــ كان قميناً أن يسقط بصاحبه تحت العجلات، وإن لم يسع أحد إلى دفعه أو النيل منه .<br />
<br />
فقد استبدلت [[الثورة]] راديكالية المناخ السائد بالشرعية الثورية، ولم تكن في حاجة إلى شرعية أخرى تحول بين حركتها الفاعلة ــ بقوة ــ إلى التعبير، الجذري العنيف.<br />
<br />
وهو حال الثورات في أول قيامها، دائماً.<br />
<br />
===الفصل الخامس: [[عبد الناصر]] وتأميم [[قناة السويس|القناة]]===<br />
<br />
هل أخطأ [[عبد الناصر]] في تأميم [[قناة السويس]]؟<br />
<br />
هذا سؤال من أسئلة عديدة مازالت تطرح ـ بعنف ـ على العقل العربي رغم مضي كل هذه السنوات على تأميم [[قناة السويس|القناة]] وما أعقبها من العدوان الثلاثي الذي تعرضت له [[مصر]] بسبب ــ وهو السبب الأول الظاهر لتأميم [[قناة السويس|القناة]] ـ والسؤال الذي يطرح هذا بسوء نية أو حتى ـ بحسن نية ـ لعدم فهم الظواهر التاريخية يعود إلى اتهام [[عبد الناصر]] بأن مبادرته إلى تأميم [[قناة السويس|القناة]] إنما كان مبعثها سبب واهٍ، أو بتقدير يعوزه الوعي وهو ما يعود بنا إلى الأسئلة السقيمة المعادة أو المرتفعة فوق رؤوسنا كصخرة برومثيوس .<br />
<br />
هل حقاً تسرع [[عبد الناصر]]؟ يرددون .. أم هو ـ يرددون أكثر ـ بحثه عن (بروباجندا) تتيح له كاريزما أكبر؟!! ولم تكن هذه الأسئلة الرافضة لموقف [[عبد الناصر]] تطرح من أقلام عادية، وإنما كان وراءها أصوات يتمتع أصحابها بحيثية سياسية عالية، وأحياناً بحيثية أدبية وثقافية عالية أكثر.<br />
<br />
ـ ولماذا لم ينتظر [[عبد الناصر]] حتى ينتهي أجل الاتفاقية بين [[مصر]] وبريطانيا بعد ذلك لسنوات قليلة؟ ماذا لو..)..؟<br />
<br />
وهو ما نحاول هنا، بعد مضي نصف قرن على [[ثورة يوليو]] الإجابة عنه لنحاول ..<br />
<br />
إن مراجعة قصة حفر [[قناة السويس|القناة]] والتضحيات التي عاناها ال[[مصر]]يون في سبيلها ترينا أنها كانت في المقام الأول [[مصر]]ية بحكم الجهود البشرية التي بذلت فيها التضحيات التي دفعتها البلاد من أبنائها.<br />
<br />
بل إن التفكير في حفرها المرة الأولى لم تكن عن فكرة فرنسية أو غربية كما يردد؛ فالتاريخ يؤكد أنها حفرت مرات في عصر سيتي الأول 1310 ونخاو عـام 610 ق.م. ودارا الأول عـام 510 ق.م إلى غـير ذلك مما يشير إلى أن المرة التي تم فيها احتكار حفرها في العصر الحديث من [[ديلسبس]] (30 [[نوفمبر]] 1854) الذي كان يشق [[قناة السويس]] لم يكن الأول في دوره "لشق برزخ السويس واستخدام طريق صالح للملاحة الكبرى" إلى غير ذلك من مواد فــرمان الامتياز الأول قرب منتصف القرن التاسع عشر.<br />
<br />
وتوالت الفرمانات والاتفاقيات الدولية التالية ([[يناير]] [[1856]]، [[فبراير]] ء). وغيرها مما يشير إلى بدهيات أن [[قناة السويس|القناة]] وإن جاء بفرمانها الفرنسي [[ديلسبس]] وتوالت اتفاقات وضمانات الدول الكبرى وفي مقدمتها ([[بريطانيا]] العظمى) ـ كما هو واضح في [[اتفاقية 1888]] عقب الاحتلال [[الإنجليز]]ي ل[[مصر]]، فإنها كانت في الأساس الأول [[مصر]]ية واء في الفكرة أو التنفيذ رغم الأطماع الغربية التي كانت تقترن بها.<br />
وكان تأميم [[قناة السويس]] الذي أعلنه الرئيس [[عبد الناصر]] في 26 [[يوليو]] فاتحة الغضب الذي أعلنته الدول الغربة، خاصة [[إنجلترا]] ([[بريطانيا]] العظمى) وعرفنا استنكارات كثيرة في العواصم البريطانية لأن [[مصر]] أردات تأميم منشأة ملاحية خالصة في أرضها.<br />
<br />
ويذكر شهود عام [[1956]] في [[مصر]] أن عدداً كبيراً من الحكومات الغربية عمدت إلى ضغوط اقتصادية بتجميد أموال الشركة المنحلة بعد إعلان التأميم بل وتجميد الأرصدة الإسترلينية التي ل[[مصر]] على [[إنجلترا]]، كما وضعت تحت الرقابة جميع رؤوس الأموال ال[[مصر]]ية .<br />
<br />
الأكثر من هذا أنه بدأت كل من [[فرنسا]] و[[إنجلترا]] تلوح وتهدد باستخدام القوة لإرغام [[مصر]] على التراجع .. وما إلى ذلك مما انتهى إلى عدة مداولات وتهديدات ضد [[مصر]] أسفرت جميعها عن العدوان الثلاثي الذي صدمت إزاءه [[مصر]] وإن عانت الكثير من العدوان الحربي من دول غربية قوية وربيبتها [[إسرائيل]]، لكنها خرجت من هذا كله بالانتصار عقب إثبات [[مصر]] وجودها على الأرض أولاً ثم تدخل بعض الدول الكبرى ثانياً .<br />
<br />
على أن الأمر الذي انتهى مشرفاً ل[[مصر]]، بدأ يستغل، ليس في هذه الفترة فقط، بل ومنذ تأميم [[قناة السويس|القناة]] في 26 [[يوليو]] [[1956]] حتى اليوم.<br />
<br />
كان ما ردد أن الحكومة ال[[مصر]]ية خاصة، و[[جمال عبد الناصر]] بوجه أخص قد تسرع في تأميم [[قناة السويس|القناة]]، وأنه لو كانت تمهل في التأميم لكان الامتياز الذي حصل عليه الغرب بإدارة [[قناة السويس|القناة]] وتحمل مسئوليتها بموجب مرسوم الحفر حتى عام [[1968]]. قد انتهى وعادت [[قناة السويس|القناة]] إلى أصحابها بدون عدوان أو حروب (واعجب ما شئت).<br />
<br />
كان ما تسرع به أعداء [[الثورة]] ال[[مصر]]ية خاصة، أنه لو كان [[عبد الناصر]] انتظر قليلاً لكان امتياز [[قناة السويس|القناة]] قد انتهى في نهاية الستينيات وما كانت البلاد في حاجة لدمار أو عدوان كبدها الكثير من الخسائر.<br />
<br />
والواقع أن حقائق التاريخ ودروس النهب الاستعماري وإداراته الاستعمارية على الشرق يشير إلى العكس من ذلك تماماً.<br />
<br />
إن دراسة (الحالة) ـ بالنسبة ل[[قناة السويس]] ـ ودراسة الاستراتيجية الغربية في مواجهة الإرادات الوطنية ترينا أن [[الإنجليز]] ما كانوا يتركون [[قناة السويس]] بأية صورة سواء عام [[1968]] ــ بموجب مرسوم الحفر والإدارة ــ أو بعد ذلك.<br />
<br />
والغريب في الأمر أن من لام [[الثورة]] على اتخاذ قرار التأميم لم يكن غربياً فقط، وإنما العديد من ال[[مصر]]يين والعرب أيضاً.<br />
<br />
ودراسة التاريخ ترينا ـ خلال الوثائق ـ والمبادرات الاستعمارية ـ أن الغرب لم يكن ليترك [[قناة السويس]] بأية حال وتحت أي اتفاق.<br />
<br />
نكرر أن الغرب لم يكن ليترك [[قناة السويس]] قط، وانظروا إلى الاتفاقات التي مازالت جارية حتى الآن على جبل طارق بين [[الإنجليز]] و[[إسبانيا]].<br />
<br />
إن مصالح الغرب هي الشيء الوحيد الذي كانت تخصص له القرارات المهمة في الغرب. أو هي القرارات المستلهمة من المصالح الغربية التي نجد أحسن الأمثلة لها فيما يجري في العالم اليوم.<br />
<br />
وتأمل هذه الأقوال التي كانت ترى خطأ موقف [[عبد الناصر]] في التأميم إنما كانت تطوي كراهية خاصة للشعب ال[[مصر]]ي، بل إنها تزيد الآن ـ وتابعوا معي الحملات الضارية على [[عبد الناصر]]!!.. ـ كانت تطوي التحامل على [[عبد الناصر]] لأنه اتخذ مثل هذا القرار الوطني الشجاع بعد دراسة وتأن ووعي شديدين .. ولم نكن في حاجة لعديد من الخبراء والمثقفين المحايدين ليؤكدوا لنا بالحرف الواحد أن [[قناة السويس]] وقاعدة [[قناة السويس]] جزء من شيء مركب واحد والذي يدعي أن [[الإنجليز]] كان يمكن أن يتركوا القاعدة و[[قناة السويس|القناة]] بدون تأميم واهم كثيراً والواقع أن مراجعة قصة النهب الغربي لمقدرات الأمم يرينا أن هذا الحكم خاطئ تماماً، ونستطيع أن نشير إلى عدد كبير ممن برهنوا على ذلك ـ وفي مقدمتهم الأستاذ هيكل ــ بموقف [[إنجلترا]] من جبل طارق كقاعدة بحرية مثل [[قناة السويس]] كانت تصب في مصالح الإمبراطورية [[الإنجليز]]ية وتؤكد سيطرتها على إمبراطوريتها الاستعمارية .. يقول الأستاذ في بساطة حتى هذه اللحظة [[إنجلترا]] موجودة في جبل طارق لأن البحر المتوسط هو عقدة كل اتصالات الإمبراطورية، وليس مسموحاً باللعب فيه / وبعد تأميم [[قناة السويس]] نجد أن [[الإنجليز]] اضطروا إلى الانسحاب شرقاً بعد [[السويس]] .. هل نحن من السذاجة أن نرى أن القوى الاستعمارية يمكن أن تفرط ـ ببساطة، وتحت مسميات قانونية ــ في مثل مركز استراتيجي ك[[قناة السويس]] أو موقع استراتيجي كجبل طارق..؟<br />
<br />
هل هو الخطأ في الحساب أو ضغينة على زعيم [[الثورة]] [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
لنترك الأسئلة ولنذكر للقارئ الكريم ــ وليس لأعداء [[ثورة يوليو]] ــ أن من يعود إلى الوثائق البريطانية في هذه الفترة ـ وهي بين أيدينا ـ يستطيع أن يتأكد أن [[الإنجليز]] لم يكونوا مستعدين لترك قناة الويس بأية حال خاصة بعد انتهاء الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة ال[[مصر]]ية قرب نهاية الستينات إذ تكثر في هذه الوثائق التعبير عن ضرورة (التدويل) للقناة بعد الفترة المسموح بها سياسياً؛ كما كان يتردد الكثير من التصريحات السرية عبر المراسلات الخاصة بأنه يمكن فصل ([[قناة السويس]]) عن [[مصر]] نهائياً .<br />
<br />
إن الوثائق البريطانية التي بين أيدينا تؤكد أن [[إنجلترا]] لم تكن لتترك [[قناة السويس]] تحت أية ذريعة وتحت أي معاهدة تسمح بهذا، وهي الوثائق التي تقع في النصف الأول من عقد الخمسينات من القرن العشرين إن هذه الوثائق (وهي مرفقة هنا...) تشير لأكثر من مرة إلى ضرورة مواصلة سيطرة [[بريطانيا]] على [[قناة السويس|القناة]] بأية وسيلة بل وتشير الوثائق ـ لأول مرة ـ إلى التوجه [[الإنجليز]]ي لإشراك القوة الإمبريالية الصاعدة [[الولايات المتحدة الأمريكية]] في الحفاظ على منطقة [[قناة السويس]].<br />
<br />
ونتمهل عند وثيقة واحدة وتسمى (خطة برملي bramly ) ولأهميتها نكتفي هنا بوضعها بين يدي القرئ ليرى نيات الغرب الاستعماري في التأكيد على القبضة الحديدية التي يزمع وضع [[قناة السويس]] فيها '''وهذه هي الخطة:'''<br />
<br />
====[[خطة برملي]] لتدويل [[قناة السويس]] [[1951]] ـ [[1952]]====<br />
<br />
'''أولاً :''' خطاب مكتب الخارجية البريطانية في [[مصر]] إلى رئاسة الوزراء البريطانية المؤرخ في 9 [[نوفمبر]] [[1951]]<br />
<br />
'''السيد رئيس الوزراء:'''<br />
<br />
هذا تقريرنا الموجز بشأن الخطة المقدة من الكولونيل [[برملي]] المقترحة حول (ضرورة عزل [[سيناء]] كإقليم بريطاني وتحريك القادة البريطانية في [[مصر]] إلى منطقة [[سيناء]]).<br />
<br />
إننا نرى أن حكومة صاحب الجلالة ليس لها أي حق شرعي في إدّعاء أن [[سيناء]] بريطانية.<br />
<br />
وكذلك لا يمكن بأية حال تحريك القاعدة العسكرية البريطانية إلى شرق [[قناة السويس|القناة]] نظراً إلى التكلفة الباهظة لهذا الاقتراح ولذلك نوصي بالتفاوض مع الحكومة ال[[مصر]]ية بشأن عقد اتفاقية دفاع مشترك بعدها ربما تكون [[خطة برملي]] جديرة بالمتابعة.<br />
<br />
9/11/ [[1951]]<br />
<br />
'''ثانيــــاً :''' الخطاب الموجه من رئاسة الوزراء للرد على [[خطة برملي]] المؤرخ في 6 [[ديسمبر]] [[1951]]<br />
إنه في خطابكم الموجه إلينا في 9 [[نوفمبر]] بشأن خطة ([[برملي]]) المشيرة إلى اعتبار [[سيناء]] كإقليم بريطاني أو تدويلها فإننا بعد مشاورات وجدنا أن تلك السياسة غير عملية ولا نملك المبررات لادّعاء ملكية [[بريطانيا]] لشبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
ومن الحكمة الأخذ بتوصية مستشارن [[القانون]]ي في مكتب وزارة الخارجية والتي ترى (ضرورة وضع [[سيناء]] تحت السيطرة ال[[مصر]]ية) وهو الأفضل بلا شك.<br />
<br />
أما مسألة فصل [[سيناء]] واعتبارها إقليماً [[بريطانيا]] فعبر ثلاثين عاما وبالأحرى منذ الحكم العثماني فلم يحدث أن اقترحت أي حكومة بريطانية هذا المطلب.<br />
<br />
ومن وجهة نظرنا فإننا نرى أن [[خطة برملي]] تعود إلى رأيه الشخصي وتأكيد لهذا ما جاء في الرد على سؤال طرحه السيد ([[فتزاوي ماكلين]]) بمجلس العموم بجلسة 21 [[فبراير]] الماضي.<br />
<br />
'''ثالثاً :''' وفي الخطاب الموجه من مكتب الخارجية البريطانية في 3 [[دسيمبر]] [[1951]]<br />
<br />
'''عزيزي ([[كولفيل]])'''<br />
<br />
بق لكم مراسة السيد ([[إيفلين شوكبورج]]) في 19 [[نوفمبر]] الماضي مستفسراً عن خطة الكولونيل [[جينجز برملي]] بشأن [[سيناء]] وهذا تقرير واف عن الخطة قام بإعداده مكتب الخارجية البريطانية في [[مصر]].<br />
<br />
نود أن نشير بداية إلى أن الكولونيل [[برملي]] المدير السابق لإقليم [[سيناء]] من قبل الحكومة البريطانية قد عرض فكرة عزل [[سيناء]] عن [[مصر]] ومعاملتها كإقليم بريطاني وألحّ كثيراً على تنفيذ خطته وقد تراسل مع السفارة البريطانية ومكتب الخارجية مباشرة وكذلك كتب إلى جهات بريطانية سياسية عديدة في هذا الشأن وعلى رأسها أعضاء بارزين في مجلس العموم من ضمنهم ([[فتزاوي ماكلين]]) الذي طرح القضية في شك سؤال على المجلس بجلسة 21 [[فبراير]] [[1951]].<br />
<br />
.. وبما أن هذه القضية أصبحت موضع نقاش وبحث يموله مكتب الخارجية والخبراء [[القانون]]يين فقد توصلنا إلى نتائج هامة بهذا الشأن تتلخص في الآتي.<br />
<br />
(1) في [[اتفاقية 1841]] بشأن الحدود الأربعة لشبه جزيرة [[سيناء]] والمثبتة بالخرائط بهذا التوصيف ([[سيناء]] تقع جنوب وشرق خط رفح [[السويس]] وجنوب وغرب خط رفح العقبة) هذه الحدود لم تكن ضمن الأقاليم التي ورثها الخديوي.<br />
<br />
والحقيقة أنها وقعت تحت إدارته دون أن تخول له السلطة من (الباب العالي) بهذا الشأن.<br />
<br />
(2) في [[1892]] كفل الباب العالي للخديوي سلطة إدارة شبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
ولكن تلك السلطة لم تكن لورثة الخديوي ومن هنا يمكننا القول أن حق الخديوي الشرعي في إدارة [[سيناء]] يختلف كلياً عن حقه الشرعي في إدارة [[مصر]] كلياً.<br />
<br />
(3) إن [[تركيا]] فقدت حقها الشرعي في إرث أو إدارة شبه جزيرة [[سيناء]] طبقاً ل[[معاهدة لوزان]].<br />
<br />
(4) إن استمرار [[مصر]] في إدارة شبه جزيرة [[سيناء]] طبقاً للاتفاقية المبرمة من قبل ومحاولة انتزاع [[سيناء]] من سيطرتها بالقوة واعتبارها إقليماً [[بريطانيا]] فإنه طبقاً لرأي المستشار [[القانون]]ي البريطاني الذي أكد أنه إذا لم تكن [[سيناء]] [[مصر]]ية فسوف تكون منطقة معزولة.<br />
<br />
كما إن [[بريطانيا]] إذا حاولت ذلك ستلجأ [[مصر]] إلى المحكمة الدولية لتدافع عن الحق ال[[مصر]]ي ومن المحتمل أن يكون قرار المحكمة في صالحها.<br />
<br />
وللاطلاع على مزيد ممن التفاصيل فقد أرسلنا إلى قسم الأبحاث بحزب المحافظين مذكرة دبلوماسية توضح المكانة التاريخية ل[[سيناء]] والوضع [[القانون]]ي للإقليم.<br />
<br />
ولذلك نرى أن الحلّ الوحيد يتلخص في إقامة قواعد عسكرية بريطانية في منطقة [[قناة السويس]] فإن فشلنا في ذلك الأمر فعلينا أن ننتظر تحقق الاحتمال الآخر وهو بعيد المنال والذي يتلخص في إمكانية تنازل ال[[مصر]]يين عن شبه جزيرة [[سيناء]] ل[[نوري باشا]] رئيس وزراء [[العراق]] وإذا لم تكن هناك تسوية لهذه القضية فإنه من الصعوبة بمكان محاولة نقل القوات البريطانية وبناء قاعدة عسكرية على الضفة الشرفية للقناة لأن التكلفة ستكون بلا شك باهظة جداً.<br />
<br />
وملخص ذلك إنه ليس من الحكمة عزل [[سيناء]] وادعاء أنها إقليم بريطاني في الوقت الحاضر. <br />
والجدير بالاهتمام العمل على إمكانية بناء قاعدة عسكرية صغيرة شرق [[قناة السويس|القناة]] وتأسيس هيئة (بريطانية [[مصر]]ية) للسيطرة على [[سيناء]].<br />
<br />
لاحتمال أن تطلب الحكومة ال[[مصر]]ية مستقبلاً التفاوض مع [[بريطانيا]] من أجل عقد اتفاقية دفاع مشترك.<br />
<br />
'''رابعــــاً :'''وفي الخطاب الموجه إلى مكتب وزارة الخارجية في 19 [[نوفمبر]] [[1951]].<br />
<br />
'''السيد سكبرج:'''<br />
<br />
لقد لكم نسخة من (مذكرات [[سيناء]]) التي تتضمن خطة الكولونيل [[برملي]] والتي تقترح مدى إمكانية فصل وعزل منطقة [[السويس]] و[[سيناء]] عن [[مصر]] ووعهما تحت وصاية [[الأمم المتحدة]] والتي اطلع عليها رئيس الوزراء بمعرفة السيد ([[ليوإميري]]) وقد أثارت الخطة اهمامه وطالب بإعداد تقرير شامل عنها يقوم به مكتب الخارجية البريطاني ونأمل لا يزعج ذلك السيد [[إيدن]] ونطمح أن يرغب في قراءتها والاطلاع عليها.<br />
<br />
'''شيكبرج'''<br />
<br />
'''مكتب الخارجية 19 ـ [[نوفمبر]] [[1951]]'''<br />
<br />
'''خامـســـــاً :''' وفي الخطاب الموجه إلى ([[وينستون تشرشل]]) في 12 [[نوفمبر]] [[1951]] جاء الآتي:<br />
<br />
'''عزيزي [[وينستون تشرشل|وينستون]]:'''<br />
<br />
أذكر حضرتكم أنه قبل الانتخابات الأخيرة قد كتبت إليكم مذكرة دبلوماسية بشأن عزل منطقة [[السويس]] و[[سيناء]] عن [[مصر]] والتوصية بوضعها تحت وصاية [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وقد اطلعت ــ مصادفة ــ على خطة الكولونيل [[برملي]] المدير البريطاني السابق ل[[سيناء]] والتي أوضحت أن الجزء الأكبر من شبه جزيرة [[سيناء]] إضافة غلى عدة أميال من الضفة الشرقية من الضفة الشرقية للقناة لم يكن إقليماً [[مصر]]ياً بشكل مؤكد.<br />
<br />
والحقيقة المحتملة أن منطقة [[سيناء]] و[[قناة السويس|القناة]] ليست سوى جزء من إقليم كبير تنازل عند الحلفاء ل[[تركيا]] بعد الحرب العالمية الأولى وإذا كانت تدار من قبل الحكومة ال[[مصر]]ية ولذلك نرى أن [[القانون]] والمنطق يخولان وضعها تحت وصاية [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وأخيراً أوضح أنني اقتنعت كثيراً بما ورد في خطابك ليلة الجمعة الماضية وأتمنى لك حظاً سعيداً في مهمتك الصعبة الملقاة على عاتقكم ولا أريد إجابة.<br />
<br />
'''المخلص لك'''<br />
<br />
'''[[ليوإميري]]'''<br />
<br />
====مذكرات المدير السابق ل[[سيناء]] الكولونيل [[جينجز برملي]]====<br />
<br />
'''أغسطس [[1951]]'''<br />
<br />
في 1841 تم ترسيم الحدود بواسطة اتفاقية بين [[تركيا]] و[[مصر]] في عهد محمد علي والتي اعتبرت الحد الشرقي ل[[مصر]] هو الحد القديم الذي تم تخطيطه في عهد الدولة الرومانية العظمى طبقاً للخريطة القديمة التي أعيد طباعتها سنة [[1927]].<br />
<br />
وبعد أن تم تنصيب محمد علي والياً على [[مصر]] طلب تصريحا من [[تركيا]] يخول له إنشاء نقطة شرطة حدودية في (نــخل) وظلت هذه النقطة تشرف على أمن [[سيناء]] شمالاً وجنوباً والعمل على استتباب الأمن وحماية السائحين والزائرين وخاصة على طريق الحج بالنسبة لقاصدي مكة.<br />
<br />
وفي [[1892]] تولى [[عباس باشا]] ولاية [[مصر]] وفكر في إلغاء نقطة الشرطة الحدودية في (نخل) ولكن المندوب السامي ([[اللورد كرومر]]) أصرّ من جانبه على وجود قوات لحرس الحدود في (نخل).<br />
<br />
بل أصر على إعلان ولاية [[عباس باشا]] على [[مصر]] دون انتظار صدور فرمان تركي يخول له الولاية أو يشير إلى وجود قوات في نخل وبعد مباحثات مطولة خرج الفرمان التركي مماثلاً لذلك الفرمان الذي صدر بشأن ولاية ([[توفيق باشا]]) والد عباس.<br />
<br />
'''الورقة البيضاء ــ [[مصر]] [[1906]]'''<br />
<br />
وفي [[1906]] قررت [[تركيا]] أن تتولى الإشراف على مقاطعة جنوب [[سيناء]] ونشر قوات حدودية فيها رغم أن طريق الحج لم يعد مستخدما بكثرة ولم تعد القوافل الصحراوية تجوبه واستبدلت به البواخر القاصدة ميناء جدة ومع ذلك فقد أشـار [[اللورد كرومر]] إلى عباس بضرورة مطالبة [[تركيا]] بجنوب [[سيناء]] ولكن [[الخديوي عباس]] رفض نصيحة كرومر وأعلن أنها ليت ضمن الحدود ال[[مصر]]ية واحتج بأن هذه المقاطعة ــ جنوب [[سيناء]] ــ لم يتضمنها الفرمان التركي الذي كان مرفقاً بخريطة [[مصر]].<br />
<br />
ولكن [[اللورد كرومر]] أشار إلى أنه سوف تنشب الحرب أو ستكون إعلان حرب إذا تقدمت القوات التركية إلى [[سيناء]] وتولت أمر حمايتها وادّعت أن لها الحق والوجود في جنوب [[سيناء]] باعتبارها مقاطعة تركية.<br />
<br />
وبعد ذلك تعرضت [[تركيا]] إلى ضغوط سياسية كثيرة مما اضطرها إلى الموافقة على رسم خط الحدود من رفح إلى العقبة كحد إداري ل[[مصر]] ولكن احتفظت لنفسها بحق السيطرة على جنوب [[سيناء]].<br />
<br />
'''ملحوظـــة :'''<br />
<br />
إن تداعي الأحداث وارتفاع حدة التوتر بين [[مصر]] و[[تركيا]] بشأن الفرمان التركي الخاص بادعاء [[تركيا]] الحق في شبه جزيرة [[سيناء]] قد بدأت تهدأ بعد صدور الفرمان التركي والسماح برسم الحدود.<br />
<br />
ولكن [[اللورد كرومر]] قد أشار إلى أن الخريطة المرفقة بالفرمان قد فقدت وأن الخريطة الموجودة لدى ال[[مصر]]يين قد ضاعت.<br />
<br />
وعندما أعاد زيور باشا طبع الخريطة الملحقة بالاتفاقية ال[[مصر]]ية الإيطالية قال نادماً (يجب أن نندم على اليوم الذي سُمح فيه بذلك).<br />
<br />
وفي 1926 طلب اللورد ليود من [[بريطانيا]] اتفاقية [[1906]] ــ والتي ما زال ال[[مصر]]يون يتمسكون بها ــ رفض [[الإنجليز]] ذلك المطلب وأشـاروا إلى أنها أضحت غير سارية المفعول وفي [[1918]] خضعت كل المستعمرات التركية حتى الحدود الآسيوية ومن ضمنها جنوب [[سيناء]] إلى سلطة المندوب السامي.<br />
<br />
وفي [[1927]] وطبقاً لشروط [[معاهدة لوزان]] تخلّت [[تركيا]] عن كافة مستعمراتها وتم تسيمها ما عدا جنوب [[سيناء]] ولكن [[إنجلترا]] لم تطالب بجنوب [[سيناء]] على الرغم من أنها ورثت منها أحقية السيطرة طبقاً لشروط معاهدة [[1906]] وأصبحت [[سيناء]] اليوم طبقاً للشئون والأعراف الدولية (أرض لا صاحب لها) وأن [[مصر]] قد دُعيت لإدارتها ول[[بريطانيا]] الحق الآن في الادعاء بأن شيه جزيرة [[سيناء]] إقليم بريطاني.<br />
<br />
هذا هو الوضع القائم الآن ولا أفهم الأسباب التي تمنع مكتب الخارجية والسفارة البريطانية من المطالبة والادعاء بأحقية [[إنجلترا]] في شبه جزيرة [[سيناء]] وأنا أعتقد وبلا شك أن لنا ـ [[بريطانيا]] ـ حق المطالبــة بها والسيطرة عليها والآن الظروف مواتية لذلك ولو كانت [[مصر]] صاحبة حق في [[سيناء]] ما طلبت التصريح لها من [[تركيا]] بدخول جنوب يناء عندما كان جنوب [[سيناء]] تحت السيطرة التركية.<br />
<br />
ولو أن السفارة البريطانية ومكتب الخارجية في [[مصر]] لديه أسباب وجيهة تؤكد أحقية ال[[مصر]]يين بجنوب [[سيناء]] ما استطاع القائمون على الشئون الدولية إطلاق مصطلح (أرض لا صاحب لها) على شبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
وأنا قد أتفق مع وجهة نظر مكتب الخارجية في اعتبار [[سيناء]] [[مصر]]ية ولكن منطقة (جنوب [[سيناء]]) ذات وضع خاص وذات أهمية وقيمة استراتيجية ل[[بريطانيا]] و[[اليهود]] يشجعون ذلك لأنهم يعرفون أن [[مصر]] لي لها حق المطالبة بجنوب [[سيناء]] وليس لها الحق في فرض نفوذها على منطقة [[قناة السويس|القناة]] بدعوى حمايتها.<br />
<br />
ولذلك أقترح على حكومة [[بريطانيا]] حـلاً للوضع القائم أن تعرض على ال[[مصر]]يين التخلي عن جنوب يناء مقابل تعويضهم عن فترة إدارتها منذ [[1906]].<br />
<br />
هناك نقطة حيوية تجعل (جنوب [[سيناء]]) له فائدة استراتيجية ل[[بريطانيا]].<br />
<br />
وثمة أميال خمسة من [[قناة السويس]] لا تقع ضمن الحدود ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
ومن هنا سيكون موقف [[بريطانيا]] قوياً وخاصة عند محاولة نقل (مجلس إدارة [[قناة السويس]]) من [[السويس]] إلى بور توفيق وبناءً على ما تقدم نعتقد أن ([[بريطانيا]] إذا حركت قواتها العسكرية إلى بور توفيق للمشاركة في الدفاع عن [[قناة السويس|القناة]]) ستعتبر [[مصر]] أن القوات الأجنبية (البريطانية) لم يعد لها وجود في التراب الوطني ال[[مصر]]ي.<br />
<br />
ومن هنا سوف يمكن موقف [[بريطانيا]] قوياً وخاصة حول التساؤلات المتتالية عن مجموعة السفن التي تستخدم [[قناة السويس|القناة]].<br />
<br />
ومستقبلاً تتحول بور توفيق إلى مركز تجاري دولي بمساعدة حكومات التحالف التي ستقدم قروضاً ميسرة للشركات التجارية العاملة وهو ما لا تقدمه [[مصر]].<br />
<br />
وقد وردت إلينا معلومات استخباراتية أن [[مصر]] ستعزل بور توفيق وتقطع عنها المياه وتوقف دخول العمال إلى هناك.<br />
<br />
وبناء على ذلك نقترح إمكانية الاعتماد [[على الودان]] كمورّد للعمالة داخل بور توفيق .. أما عن المياه فيمكننا مدّ جنودنا بالمياه الجوفية من [[سيناء]].<br />
<br />
ويمكن استغلال الدعاية المضادة لإظهار [[مصر]] بالوحشية والترويج بمحاولاتها طع المياه عن شعبها وتحاول عزله.<br />
وخطة [[مصر]] في عزل بور توفيق لن تنجح لأن [[مصر]] تعتقد – بل وتعي – تماماً أنها تعتمد علينا كخطوط حماية من يعود [[إسرائيل]] ولأغراض أخرى.<br />
<br />
وأنا أعتقد أن الخطوة التي يجب أن تُتخذ الآن : هو الترويج إعلامياً وسياسياً لفكرة ( أن خط جنوب رفح هو الحد الفاصل لسيطرة [[مصر]] ) لأنه منذ بداية التاريخ وجنوب [[سيناء]] تعتبر عربيـّـة وعلينا أن نروج لخطتنا ونحاول طرحه ومناقشته دولياً وإعلامياً للضغط على [[مصر]] حتى تسعى للتوقيع على اتفاقية حدودية معنا.<br />
<br />
إن هدفنا الحقيقي هو احتلال جنوب [[سيناء]] لا مناشة عملية إعمارها.<br />
<br />
ولعل المناقشات الموسعة ستظر مشكلة جديدة حول ملكية خليج تيران والجزر الواقعة نطاقه ويُخشى أن تدفع [[مصر]] بقواتها العسكرية عاجلاً أو آجلاً إلى هذا الخليج مما يوقع السفن البريطانية في مرمى نيران المدفعية ال[[مصر]]ية المتجهة من وإلى العقبة.<br />
<br />
===الفصل السادس: [[عبد الناصر]] السياسي، المثقف===<br />
<br />
هل السياسي يجب أن يكون مثقفاً؟<br />
<br />
<br />
نعيد طرح السؤال، في هذا الشهر بشكل مباشر:'''<br />
<br />
- هل كان [[عبد الناصر]] مثقفاً؟<br />
<br />
وعبوراً فوق 482 موقعاً احتفالياً في هذه الأيام ــ بتعبير وزير الثقافة ــ تشهد [[مصر]] احتفاء واحتفالات بذكرى مرور 50 سنة على [[ثورة يوليو]] عام [[2002]].<br />
<br />
وعبوراً فوق عديد من الاحتفالات المشابهة في عديد من أقطار العالم العربي.<br />
<br />
ثم عبوراً فوق هذه الكتابات الغربية التي زادت هذا الشهر حتى وصفتها بعض المواقع الإليكترونية إنها نوعاُ من النوستالجيا (الحنين) الذي يبديه العديد من الكتاب الغربيين عن [[عبد الناصر]] (العروبي) في عصر [[الإسلام]] السياسي والاضطرابات الغامضة في العالم العربي.<br />
<br />
نقول عبوراً فوق كل هذا؛ فإن التوقف عند (وعي) [[عبد الناصر]] كسياسي يمتلك قدراً هائلاً من وعي المثقف يلفت النظر إزاء كل هذه الندوات والتحليلات والكتابات المكثفة والمراجعات المتباينة في ردود أفعالها ثم إزاء ما يمثله [[عبد الناصر]] ومشروعه الفكري من قيمة مازالت بيننا حتى اليوم.<br />
<br />
ومع ما يثيره الاحتفال بذكرى [[يوليو]] من قضايا إشكالية، قد نعود إليها مرة أخرى، فإن أكثر ما يلفت النظر في وعي زعيم مثل [[جمال عبد الناصر]] هو أنه لم يكن سياسياً وحسب، وإنما سياسي جمع إلى التكوين السياسي الوعي الثقافي، حتى إننا نتطيع أن نعيد طرح السؤال الذي نعرف إجابته جيداً الآن:<br />
<br />
هل كان مثقفاً حقاً؟ فنجد الإجابة أمامنا بغير جهد كبير.<br />
<br />
فلنحاول الإجابة معاً، ونفكر بصوت عال؛ هل....؟<br />
<br />
على المستوى الشخصي، فقد لمست هذا الوعي الثقافي، ليس بين أوراقي الدراسية وحسب، وإنما بين الجماهير العريضة في أنحاء العالم العربي، بل وبين الجماهير العربية والتي تعيش بشكل أو بآخر في الغرب؛ بل وفي السياسيين والمثقفين أنفسهم ممن شهدوا هذه الفترة وعرفوا [[عبد الناصر]] عن قرب .<br />
<br />
ولأضرب مثالاً واحداً، فأذكر أنني كنت في إحدى العواصم الغربية، وعقب إلقاء كلمتي عن [[عبد الناصر]] والتي أسهبت فيها عن الوعي الثقافي الفائق له، روعت أن عدداً كبيراً من الحاضرين ـ وأغلبهم من الشباب العربي المغتربين ـ راحوا يلفتون نظري إلى أن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً.<br />
<br />
ألم أقل هذا؟ حدثت نفسي، ومع ذلك يبدو أنني في حاجة ماسة لأعيد ما قلته، فأستبدل بالكلام الذي يلقيه المحاضرون بالورق الذي بين أيدي؛ لم تفتني الدلالة ورحت أدلل من جديد على وعي [[عبد الناصر]] الفائق بدور المثقف حتى أنه لا يكف عن إيراد وعي المثقفين في خطبه الكثيرة وقيمهم على أن يكون هذا الوعي وهذه القيمة تمارس (ضمن تحالف قوى الشعب العاملة .. لأن المثقفين ليسوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة).<br />
<br />
ورحت أسهب ـ أكثر ـ في ضرب الأمثلة من الخطب المتناثرة لعشرين عاماً ووثائق مركز الدراسات السياية والاستراتيجية ب[[الأهرام]] ([[يناير]] [[1967]] ـ [[ديسمبر]] [[1968]])؛ وأكثر ما لفت نظري كما أشرت، أنني رغم إشارتي إلى وعي [[عبد الناصر]] بالمثقفين ومصادر وعيه الشخصي (كمثقف)، فإن القاعة راحت تكرر، وكأنها لم تسمع منذ قليل، أن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً، وكأنها تريد التأكيد على هذه الحقيقة .<br />
<br />
بل رحت أورد لأدلل ـ في قضية لا تحتاج لدلالة أو برهان ـ من كتابات معاصريه أن أحد رفاقه [[خالد محيي الدين]] ـ على سبيل المثال ـ لم يكن ليمل من التأكيد في كتابه الأخير أن [[عبد الناصر]] كان:<br />
<br />
"قارئاً ممتازاً سواء قبل [[الثورة]] أو بعدها، وحتى بعد أن أصبح حاكماً متعدد المسئوليات كان يولي مسألة المعرفة اهتماماً خاصاً. وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف".<br />
<br />
وإبان استعداده للسفر إلى أوروبا، في كل مرة، '''يجد رغبة [[عبد الناصر]] الوحيدة في المعرفة فيضيف:'''<br />
<br />
" ــ و.. طلب مني أن أرسل له كل ما أعتقد أنه مفيد من كتب ومجلات ولعل شغفه بالقراءة هو الذي جعله يهتم بمسألة المعلومات، وكان [[عبد الناصر]] لا يتخذ أي قرار إلا بناء على معلومات وكان يهتم دوماً بالمعلومات ليس فقط من أجل تحقيق إمكانية اتخذ قرار صحيح، وإنما من أجل التعرف على من يتعامل معهم تعاملاً وثيقاً ودقيقاً".<br />
<br />
والمعروف أن هيئة الاستعلامات كانت أهم هذه الأجهزة التي تحددت مهمتها الأولى في إطلاع [[عبد الناصر]] على أحدث ما يصدر في العالم، فكانت ترصد ما ينشر وتحصره بل وتترجم له ما تترجم وتلخص ما يجب تلخيصه.<br />
<br />
وفي مكتبة دار الوثائق حتى اليوم أعداد كبيرة من الكتب المهمة المترجمة ل[[عبد الناصر]] خصيصاً.<br />
<br />
ولعل معاصري [[عبد الناصر]] كانوا أكثر ما لاحظوا النهم الشديد عند [[عبد الناصر]] للمعرفة والقراءة المتواصلة وتدوين ملاحظاته في أوراق عامة أو خاصة، وكتاب [[جورج فوشيه]] المعروف ([[عبد الناصر وجيله]]) يرينا أن الكاتب حين ذهب إلى الكلية الحربية ليراجع قائمة ما قرأ [[عبد الناصر]] وجد أن دائرته امتدت إلى آفاق بعيدة خاصة حين راجع كشوف الاستعارة في السنوات الدراسية.<br />
<br />
والأكثر من هذا لفتاً للنظر أوراقه الخاصة وأحلامه التي حرص على تدوين أغلبها ونشر بعضها ب[[الأهرام]] ترينا حرصه الشديد على تدوين العديد من خطبه، والتعبير عن أفكاره الخاصة بيده في الخمسينيات والستينيات .. وقد كان اهتمامه قد جاوز الواقع إلى الأحلام البعيدة التي كان يختلط فيها الوعي الجاد ومحاولة الإفادة من المشروعات المعاصرة له خاصة تجربتي الهند وباكستان، فهو يتحدث عن ولعه بإنشاء العديد من المشروعات الثقافية ب[[القاهرة]] و[[الإسكندرية]]، ويصل إلى الأحياء الشعبية ليدون عنها أفكاراً حميمة ثم يصل من الأحياء الشعبية إلى عواصم المديريات وعواصم المراكز، بل يخصص صفحات كاملة لإعادة إعمار القرى وإدخال الكهرباء وإنشاء السينما التي يمكن أن تتحول إلى مسرح في الوقت المناسب، بل يولي عناية خـاصة ب[[الأزهر]]، ويمكن أن نلاحظ اهتمام [[عبد الناصر]] منذ فترة مبكرة ب[[الأزهر]] كصرح ديني عملاق في [[مصر]] يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في التثقيف والتنوير و[[الإصلاح]] ليس في [[مصر]] وحسب بل وفي عديد من المناطق [[الإسلام]]ية البعيدة عنا وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصة عن وعي [[عبد الناصر]] عبر الكتابة المدونة، ففيها الكثير من وعيه السياسي / الثقافي الذي لا يمكن إنكاره، والذي يحتاج إلى عناية خاصة لأهميته.<br />
<br />
وهذا الوعي المثقف لدى الزعيم، يشهد به أنصاره أو أعداءه على السواء .<br />
<br />
لقد ظللت قرابة خمس سنوات أستمع وأسجل وأكتب (كل) ما سمعته من (شهود) [[عبد الناصر]] ـ أثناء كتابة أطروحة عن [[يوليو]] ـ وفي كل مرة كنت ألاحظ أن المثقفين / الشهود من شتى المواقع ـ لا يترددون في أن يؤكدوا على أن [[عبد الناصر]] كان يمتلك وعياً فائقاً يجاوز به رؤية السياسي وفعله مجراد رؤية المثقف وذكاء المفكر.<br />
<br />
من ذلك، كان الحوار الطويل مع أحد أهم رموز اليسار في الفترة الناصرية في حوار حول [[عبد الناصر]] الذي عانى منه اليسار كما عانى هو أيضاً من اليسار، '''ووجدتني أسأل المثقف اليساري فجأة:'''<br />
<br />
- وهل كان [[عبد الناصر]] فيما ترى مثقفاً؟<br />
<br />
وقبض [[أبو سيف يوسف]] ـ المناضل اليساري المعروف ـ '''قلمه وراح يكتب بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(ــ كان [[عبد الناصر]] قارئاً جيداً، حين تجلس معه تحس أنه ليس مجرد قارئ عادي وإنما قارئ متمرس، يعرف جيداً الاشتراكية، اقرأ ـ مثلا ـ محاضرة في اللجنة الوحدوية تكتشف على الفور أن لديه دراية عالية عن الاشتراكية.<br />
<br />
كان أول ما يقرأه صباحاً مجلة ([[الطليعة]]) .. وعلى فكرة. لم يكن [[عبد الناصر]] يقرأ ([[الطليعة]]) ليعرف منها اليسار، كان [[عبد الناصر]] يعرف اليسار جيداً).<br />
<br />
- وسألت المثقف اليسار السؤال نفسه، فراح يقول لي [[خالد محمد خالد]] ــ رحمه الله ــ أي [[عبد الناصر]] ــ كان يشتري، قبل [[الثورة]]، نسخاً كثيرة له من جيبه الخاص من كتاب (مواطنون لا رعايا) ويقوم بتوزيعه بنفسه على زملاءه، وقد كــان يفعل ذلك مع كتب أخرى لكتاب آخرين.<br />
<br />
بل إن [[خالد محمد خالد]] أسهب أكثر في أن [[عبد الناصر]] بعد [[الثورة]] ظل مستمراً في قراءة الكتب، ومستمراً في مناقشة أصحابها، بل إنه ــ وهذا مسجل في إدارة الرقابة ــ أن [[عبد الناصر]] أفرج شخصياً عن كتب [[خالد محمد خالد]] كانت في طريقها إلى المصادرة أو صودرت بالفعل، وهو ما أكده [[عبد الناصر]] نفسه لصاحب هذه الكتب في اجتماع على الهواء في اللجنة المركزية في بداية الستينيات (ونعتذر عن إيراد النص لطوله).<br />
<br />
- أيضاً راح المثقف الليبرالي يؤكد على هذا، فقد أسهب [[إحسان عبد القدوس]] لأكثر من مرة على وعيه السياسي والذي "يكن احتراماً بالغاً للمثقفين" والذي ـ يشير إلى صورة [[عبد الناصر]] بعد أن رحل ـ:<br />
<br />
".. كان يقرأ كثيراً، ويرغب دائماً في الحصول على كتب، ويطلب مني عناوين محددة، وكان يأخذ مني الكثير، وفي كل مرة يجد معي كتاباً ويجدني أقرأ كان يسألني على الفور: ماذا أقرأ، وفي حالات كثيرة أثناء الحديث الفطري معه كان يسأل بعمق أو يغيب عنا بعمق، وهو ما يبرر حين يحس بهذا فيعتذر مردداً من أنه كان يفكر فيما يقرأ".<br />
<br />
نحن لا نريد أن ندلل ـ بعد هذا كله على أن [[عبد الناصر]] كان سياسياً مثقفاً، أو سياسياً واعياً ـ أكثر من كثير من السياسيين ـ بما يحدث حوله، ومراجعة مواقفه وخطبه يرينا أنه يريد أن يقدم حكومة [[الثورة]] فيربط بينها وبين الدولة فهي (حكومة المثقفين) ــ هكذا ــ ، ومراجعة خطبه في الخمسينيات والستينيات تؤكد أكثر على مفهومه بالنسبة للمثقفين.<br />
<br />
ولدينا عشرات المراجع التي تؤكد على الوعي السياسي / المثقف بشكل يلفت النظر كثيراً.<br />
<br />
إن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً كبيراً بقدر ما كان سياسياً كبيراً.<br />
<br />
هل يحتاج هذا لسؤال...؟<br />
<br />
===الفصل السابع: الوعي الخائن والمثقف===<br />
<br />
يحار المرء أين يضع صاحب هذه الحلقات التي تنشر في إحدى الصحف العربية التي تصدر من لندن .<br />
<br />
'''نحن أمام تفسيرين لهجومه الأرعن على [[مصر]] وال[[مصر]]يين الذين فتحوا له صدورهم من 15 عاماً:'''<br />
<br />
هل نضع "بعد الاستغراق في القراءة" في حالة غياب الوعي بحكم الن، أو ما يسمى في خبرة التحليل النفي بغواية العقل أو تغييبه أو غيابه mindedness absent وهو ما يفسر إذا أحسنا النية بعدم الانتباه لجوانب الموف الذي يعتبره الآخرون ذا الأهمية الكبرى، وهي غفلة يكون صاحباً مجبولاً عليها. أم نضعه "وهذه هي الحالة الأخرى" في خانة حضور الوعي بحكم التعمد، أو ما يسمى في خبرة التحليل السياسي أيضاً "بحكم الانتهازية التي يظل أهم وجوهها هنا العمالة، وهو ما يفسر "إذا دققنا النظر فيما ينشر حتى الآن بخداع الآخرين في [[مصر]]" سياسيين ومثقفين "لقرابة خمسة عشر عاماً قضاها في [[مصر]]، وفي هذه الحالة الأخيرة فنحن الآن أما سمات سلبية هي "بخلاف اللف والدوران" تكون بوضوح شديد العمالة.<br />
<br />
ونحب أن نلفت النظر هنا إلى أن هاتين الحالتين لا تتنافران فيمكن أن يكون الإنسان "في فترة زمنية متقدمة" قد ناله الوهن العقلي، وفي نفس الوقت يكون قد جاء من معسكر العمالة الصريحة، مما يشير بعد مراجعة ما ينشره إلى أنه صحفي نال منه الصدق وفي الوقت نفسه نال هو من الموقف العربي ..'''وعلى هذا النحو، فنحن أمام حالتين :'''<br />
<br />
"غياب الوعي المتعمد"<br />
<br />
"حضور الوعي الخائن"<br />
<br />
لنتوقف عند غياب الوعي قبل أن نصل إلى نقيضه ..وهما سمتان "كما أشرنا" يتوافران في [[ناصر الدين النشاشيبي]] فيما ينشره بعنوان (سنوات [[مصر]]).<br />
<br />
وقبل أن نستطرد أكثر يمكن أن نكرر أن غياب الوعي هنا يكون متعمداً، ولا يكون بالضرورة (حالة) سيكولوجية .. ومن ثم فإن غياب الوعي يكون داعياً إلى النيل من كثيرين ممن عرفتهم [[مصر]] في بداية القرن العشرين حتى نهايته.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر اتهام أو قل عبر موقف واحد من مواقف الصحفي الذي آوته [[مصر]] وأعطته أكثر مما أعطى في بلد آخر بعد مجيئه من [[القدس]] ماراً بعدد من الدول الأخرى.<br />
<br />
وليكن الموقف هنا إغفال [[الصهاينة]] بالعمد أو التأكيد.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر شهادات النشاشيبي التي تكفي وحدها للبرهنة على غياب الوعي الذي هو غياب الإنصاف والتحليل الصحيح للأمور. أو غياب الوعي، الذي هو نقيض العداء والادعاء معاً.<br />
<br />
فمن الغريب أن نسمع من الحلقة الأولى من النشاشيبي أن قضية [[فلسطين]] ليست معروفة لدى تسعين في المائة من شعب [[مصر]].<br />
<br />
فهل كان ما يحدث في [[فلسطين]] غائباً عن الوعي في [[مصر]] في هذا الوقت. الإجابة بالنفي بالطبع.<br />
<br />
فقد كانت الكثير من الأحداث تشير إلى ما كان يفعله [[الصهاينة]] في [[فلسطين]] في الأرض المحتلة كان معروفاً وكان يردد في الصحف بشكل مكرر، وجاءت نكبة [[1948]] لتؤكد هذا الوعي الذي تجسد أكثر في كل أنحاء [[مصر]]، فلم يكن ليخلو بين في هذا الوقت دون ان يكون فيه محارب أو شهيد أو موتور بشكل ما مما يحدث في [[فلسطين]] .. رغم أن ما كان يدبر لليهود في بداية الأمر بقي طي الكتمان.<br />
<br />
إن الواقع في [[مصر]] وفي العالم كله لم يكن ليوحي بأن [[اليهود]] "الذين يعيشون في الأقطار العربية على الأقل" يمكن أن يكونوا مثل هؤلاء [[الصهاينة]] الذين يتكاثرون في [[فلسطين]]، كانوا يفعلون هذا بمساعدة إنجليزية.<br />
<br />
لم يكن يدرك المواطنون العرب في أنحاء العالم العربي أن الآلة التي تحرك وجود [[الصهاينة]] في [[فلسطين]] كان وراءها تقف العقول [[اليهود]]ية هناك كان [[هربرت صموئيل]] المندوب السامي الأول، و[[الأدون نمورمان بنويش]] النائب والمستشار القضائي للمندوب، ومن ورائهما (الوكالة [[اليهود]]ية) التي ورد ذكرها في هذا الوقت في صك الانتداب.<br />
<br />
بل إن التاريخ يذكر وعد بلفور نفسه على لسان اللورد [[ارثي بلفور]] وزير الخارجية [[الإنجليز]]ي إلى [[روتشيلد]] [[اليهود]]ي في 2 [[نوفمبر]] [[1917]] بقي طي الكتمان لفترة من الزمان .<br />
<br />
ومراجعة تاريخ هذه الفترة ترينا أن الأحداث في [[فلسطين]] كانت تجري بمساعدة [[الإنجليز]]، ويزيد [[اليهود]] "على سبيل المثال" في سنوات قليلة من 35000 إلى 103000 وتضاعفت مساحة الأرض التي بيعت إلى [[اليهود]] بشكل يلفت النظر .. غير أن هذا كله كان خارج الوطن.<br />
<br />
كانت تمضي المؤتمرات ال[[فلسطين]]ية، وتدور المعارك ضد [[اليهود]]، وتدخل القضية إلى [[الأمم المتحدة]] وتخرج منها.<br />
كان الجميع يعرف ما يحدث خارج كل قطر، لكن داخل كل قطر عربي، كـان [[اليهود]] يعيشون مع أبناء أوطانهم، يتمتعون بحق (المواطنة) يصبح كل منهم مسئولون كبار "حتى أصبح منهم وزير" ويمتلكون اقتصاديات كثيرة هنا وهناك، وتنتشر صحفهم وإعلامهم، لكن كل هذا كان يجري في إطار الوطن، فالأديان الثلاثة في [[مصر]] "على سبيل المثال" كان أصحابها يتمتعون بقدر كبير من التواؤم والاحترام.<br />
<br />
كل هذا كان يحدث حتى حرب [[1948]] والعرب من شعب [[مصر]] يعرفونه جيداً، لكنهم يفرقون كثيراً بين ما يحدث خارج الوطن حين كان يغضب ال[[فلسطين]]يون من قرار التقسيم فتدمر المباني والمخافر وتفجر الأنابيب وتنسف الجسور حتى تقوم الحرب .. وبين أبنا وطنهم من [[اليهود]] الذين لم يبدوا "على الأقل في النصف الأول من القرن العشرين" أي تأييد لليهود في [[فلسطين]] التي تحتل، ويعلن استقلال (احتلال) عصابات من [[الصهاينة]] فيها.<br />
<br />
كان ثمة يقين لدى أبناء الشعب أن [[اليهود]] ال[[مصر]]يين هم مواطنون (بحق المواطنة) من الدرجة الأولى كما المسيحي والمسلم، ولم تكن العقيدة لتحول بين الانتماء ل[[مصر]] في المقام الأول (وإن ظهر بعد ذلك عديداً من العناصر والتنظيمات السياسية الشيوعية وغير الشيوعية كانت تعمل لصالح [[إسرائيل]]).<br />
<br />
وهو ما يفسر أن المثقفين ال[[مصر]]يين أنفسهم لم يكونوا ليتخذوا مواقف عدائية من [[اليهود]].<br />
<br />
لم تكن درجة العداء ضد [[اليهود]] "كأصحاب رسالة سماوية" قد وجدت من يغذيها حين بدأت أطماع [[الصهيونية]] تكشف عن نفسها وهو ما يفسر به (ويبرر) أيضاً موقف العديد من زعماء [[مصر]] أو المثقفين الذين اتهمهم بالتجاوب مع [[الصهاينة]].<br />
<br />
إنه مرة أخرى غياب الوعي الذي بدا متعمداً من النشاشيبي في اتهامه للمثقفين ال[[مصر]]يين خاصة.<br />
<br />
وهو اتهام كرره أكثر من مرة بشكل يوحي بأنه متعمد، وليس عن عدم تبين للحقيقة أو الواقع أو الأحداث، ونضطر هنا إلى اثبات ادعاء الصحفي الذي تعمد أن يفقد وعيه، يقول عن المثقفين والسياسيين ال[[مصر]]يين أنهم كانوا غير إيجابيين إزاء ما يحدث في [[فلسطين]]، وإنهم كانوا أكثر إلى الخيانة منه إلى حسن الظن أو فهماً واضحاً لطبيعة العصر وأنهم .. إلخ.<br />
<br />
إنهم يتهم لطفي اليد بأنه كان يذهب لكي يحضر الاحتفال بوضع حجر الأا لمبنى الجامعة العربية على جبل سكوبس في [[القدس]] عام [[1923]] !! وكان [[لطفي السيد]] يتعمد أن يفعل ذلك في وقت "كما أشرنا" لم يكن ليخطر على بال أحد أن ما يحدث كان بوازع من [[الصهاينة]]، فضلاً عن أن دوره هنا اتسم بالرحابة التي كانت توليها المواطنة في [[مصر]] في بدايات [[القرن العشرين]]، الأكثر من ذلك، وهو ما لم يعلمه النشاشيبي أنه كان يذهب بشكل رسمي لتأكيد الدور ال[[مصر]]ي الوطني الخلاق وهو دور يحسب ل[[مصر]] التي لم تعرف العنصرية التي يتحدثون عنها الآن في دير بان.<br />
الأكثر من هذا أنه راح يطعن في وطنية زعماء وطنيين كبار مثل [[إسماعيل صدقي]] وعلي الشمسي بل و[[سعد زغلول]] و[[مصطفى النحاس]]، ويطعن في تاريخهم الوطني بشوفونيه (شامية) أو مقدسية أو نرجسية لا نعرف مبرراً لها اليوم غير غياب هذا الوعي الذي يتعمده صاحبه.<br />
<br />
الأكثر من ذلك، أنه يقفز إلى الاتهامات الصريحة ضد عدد من المثقفين ال[[مصر]]يين وفي مقدمتهم مثقف [[مصر]]ي واع مثل طه حسين فيظل يغمز عنه ويهاجمه في أكثر من حلقة، فعميد الأدب العربي لا يجد منبراً ليتحدث في عن : آثار [[اليهود]] في الأندلس سوى النادي [[اليهود]]ي في [[الإسكندرية]] .. ويغلو في تطرفه واتهامه (ويكاد المريب أن يقول خذوني كما نرى..) إلى أنه يشير بالريبة إلى أن طه حسين بعد أن ألقى محاضرته، فإنه ترك نشر النص إلى جريدة الشمس .. لسان حال الطائفة [[اليهود]]ية. ثم أن طه حين أشير إليه بإساءة بالغة مرات كثيرة طيلة نشر هذه الحقات خاصة حين كان عميد الأدب العربي مسئولاً عن جريدة (الجمهورية) في الخمسينات.<br />
<br />
ولا نكون في حاجة هنا لنذكر المواقف العديدة الوطني لمثقف واع كطه حسين الذي أصبح مسئولاً عن مجلة (الكاتب) التي يمولها الأخوة هراري، دون أن تظهر في أي منها، داخل المجلة أو خارجها ما يشير إلى أنه تخلى عن وعيه الوطني.<br />
<br />
فلم يكن الوعي الوطني يشير إلى ضرورة التعاون مع [[اليهود]]، وإنما كان يعني "بوضوح يفتقده الكثيرون الآن بحن نية أو بسوء نية" أن المثقف يتعامل مع [[اليهود]] الوطنيين وليس مع [[الصهاينة]] الذين يستخدمون العقيدة في السياسة، والذين أصبحوا يمتلكون قبضة أمريكا ليحاربوا بها معاركهم في الوطن العربي .<br />
<br />
ولا نكاد ننهي هذه السطور دون أن نعود إلى نصيحة [[أنطون الجميل]] رئيس تحرير [[الأهرام]] للنشاشيبي ففي كل مرة كان هذا الأخير يظهر الكثير من (الوقاحة) "وهي صفة أطلقها على نفسه" كان يستدعيه وينهره، ويذكر أنه يتدعيه إلى مكتبه ليلقي عليه درساً طويلاً في التزام الحياد (والتمسك بفضيلة الترفع عن الذم والشتيمة) ومن ذلك، أنه خاطبه طويلاً في مكتبه في إحدى المرات ليقول في نهاية كلامه الكثير هذه العبارة: (قد يصفق لك البعض إن أنت ألحقت الأذى بالبعض، ولكن الأذى الذي تلحقه بنفك يفوق كل أذى).<br />
<br />
لقد رحل [[أنطون الجميل]] ولم ينتفع بنصيحته النشاشيبي. رحل [[أنطون الجميل]]، وبقي غياب وعي النشاشيبي، أو تغييبه.<br />
<br />
====[[ثورة يوليو]] .. الوعي الخائن ====<br />
<br />
وإذا كنا تعرّفنا في المرة الماضية إلى غياب الوعي أو تغييبه (على طريقة الحكيم رحمه الله..) قد بقي أن نرى الوجه الآخر؛ المريب .. لتفسير ما يكتبه النشاشيبي في الصحيفة العربية التي تنشر حلقاته .. فإذا كان الوجه الأول هو وجه الكشف عن غياب الوعي المتعمد (المتعمد) للإساءة للدور ال[[مصر]]ي والنيل منه (وهي سمة أصبحت لدى الكثير من إخواننا العرب الآن خارج [[مصر]])، فإن الوجه الآخر الآن، هو الوجه الأكثر وعياً، وهو لفرط وعيه أو لنقل (وقاحته) وهي صفة يستخدمها صاحبها منذ الحلقة الأولى ليس غير تفسير واحد هو الريب فيما يقول.<br />
<br />
الريب الذي يصل إلى درجة الجزم بهذا الدور المريب حقيقة لا مجازاً .. سواء في تغيير أسلوب الهجوم على [[مصر]] و[[عبد الناصر]] أو في كشف نفسه بشكل مباشر في هذه العلاقة المريبة بينه وبين الجهة المضادة التي بعمل لها.<br />
هكذا، بغير زيادة أو نقصان.<br />
<br />
إن غياب الوعي هناك يساوي حضور الوعي بما يفعل هنا.<br />
<br />
وكي لا نتهم بالإفراط أو الإسراف، لنتمهل عند بعض ما يكتبه النشاشيبي عن (سنوات في [[مصر]]) .<br />
<br />
'''ورغم أن سنواته التي قضاها في [[مصر]] وتزخر بضروب الهجوم عليها:'''<br />
<br />
المسئولين والمثقفين.<br />
<br />
ورغم أن أقل ما يقال عنه في هذا الصدد هو غياب الوفاء، فإننا نستطيع أن نترجم هذا كله إلى موجة عاتية من موجات الانحياز للعدو الذي كان يحاول النيل من [[مصر]]: مكانتها وتأثيرها .. ومن [[عبد الناصر]]: وعيه ودوره.<br />
<br />
وهو دور يلعبه كيفما يبدو صاحبه حتى الآن.<br />
<br />
ورغم أن الهجوم على [[عبد الناصر]] الآن أصبح النغمة السائدة لدى الكثيرين، فإنها تعكس هنا طبيعة (الدور) الذي اكتشفناه فيه بعد أن لعب هذا الدور جيداً هنا ثم فارقنا إلى حيث يكمل دوره جيداً خارج [[مصر]] .. ولنرى صورة من صور مواقفه من [[عبد الناصر]] قبل أن نصل إلى علاقته المريبة (بل الأكيدة) بال[[إسرائيل]]يين والأمريكيين.<br />
<br />
إن اتهاماته ل[[عبد الناصر]] وهي في أغلبها الاتهامات التي كانت توجه إليه من أعدائه إنه في الحلقة الأولى وبعد انتهاء حصار الفالوجا على [[عبد الناصر]] وزملائه، يقول بالحرف .. (انتهت مأساة أو جريمة حرب [[فلسطين]]. ورأى الناس في [[القاهرة]] الاستقبال النكتة الذي أعده فاروق لأبطال الفالوجا وأبطال [[غزة]] وأبطال أسدود وعلى رأسهم الضبع الأسود والضيع الأبيض والضبع الذي بلا لون! ورأيت أنواعا من المهازل اليومية..) هذه تلاحظ دلالة هذه اللهجة ونحن نثبت هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها سواء قبل [[ثورة يوليو]] أو بعد أن جاء [[عبد الناصر]] أو بعد أن ذهب [[عبد الناصر]] إنه يتهم [[عبد الناصر]] وبعد ذلك بأنه لم يهتم بغير زعامته، فالمسئول الأول في دنيا [[القاهرة]] التفت إلى تركيز زعامته في العالم الخارجي، إلى جانب [[نهرو]] و[[تيتو]] و[[نكروما]] و[[كيندي]]، وأقطاب العالم، وترك الجبهة الداخلية..(!!) وعلامات التعجب من عندنا.<br />
<br />
وردد في مرة أخرى بأنه لم يهتم بغير تحقيق العدالة الاجتماعية أو في شعار العدالة الاجتماعية والقيام بدور استبدادي لتثبيت زعامته، يقول متسائلاً .. (وهل كان ضرورياً الإصرار على إلغاء كل حزب سياسي من أحزاب [[مصر]] و[[سوريا]] إكراماً للثورة أو مشتقاتها وهل كان ضرورياً أن تداس [[الديموقراطية]] بالأقدام وتترك الساحات أمام الأجهزة الأمنية وحدها كي تحكم وتعتقل وتسجن وتشرد دون أي رقابة من الشعب، وهل كان من الضروري أن يقبل [[جمال عبد الناصر]] بمبادرة روجرز في عام [[1970]]).<br />
<br />
ويسهب أكثر في أحكام غير دقيقة بالواقع التاريخي، أو عبر الوثيقة، أو تحديداً خلال الرأي المنصف لما كان يحدث خاصة أنه كان شاهداً على ما كان يحدث، بل شاهد أكثر حساسية من غيره فقد جاء من [[القدس]] وعاش في أكثر من قطر عربي حتى استقر بفضل [[عبد الناصر]] وحمايته في [[القاهرة]] لسنوات طويلة، ثم ها هو يقول الآن أشياء مثل التي كانت تقولها دوماً أجهزة مخابراتية ضد [[عبد الناصر]] وفترة حكمه!!<br />
<br />
إن قبول [[عبد الناصر]] تحديداً لمبادرة [[روجرز]] لها في التاريخ ما يبررها، فقد كان من اللازم أن يقبلها [[عبد الناصر]] الذي كان في مهمة في الاتحاد السوفيتي حينئذ لإنقاذ [[مصر]] من ويلات التدفق بكل أنواع الأسلحة الأمريكية إلى [[إسرائيل]]، ومحاولة إنقاذ الداخل الذي كانت تتسلل إليه [[إسرائيل]] في أبو زعبل وبحر البقر .. إلى غير ذلك مما يعرفه المؤرخ جيداً، الذي ليس مكانه الإسهاب هنا .<br />
<br />
وليس لوم النشاشيبي أو عجبه الآن إلا حلقة من حلقات الكراهية التي تسببت في هزيمة النظام الناصري نفسه في الستينيات؛ فقد كان أعداء [[عبد الناصر]] في الداخل أخطر وأبقى رغم أنهم في الخارج كانوا يتحينون الفرص للإيقاع به منذ بدايات الستينيات (منذ حرب [[اليمن]]..).<br />
<br />
بل إن زعامة [[عبد الناصر]] (العربية موقف الشعب العربي في [[مصر]]) أيضاً كان موضع شك من الرجل الذي كان يعيش بيننا؛ إنه حين يصف موجة العروبة التي زحفت إلى [[مصر]] في عهد [[عبد الناصر]] يقول .. '''ونؤثر أن ننقل هنا كلماته:'''<br />
<br />
(كان [[عبد الناصر]] يدفع للعرب ثمن زعامته عليهم، وثم تأييدهم له. وثمن ولائهم ل[[مصر]]).!<br />
<br />
وبعد أن يشير إلى هذه الموجة في عهد الملك فاروق قبل ذلك الذي كان يسعى للخلافة يهبط بهجومه المريب على الجماهير وعلى المثقفين سواء بسواء، وهو في هجومه، وإن بدا ناقصاً للوعي أو او متشبعها بالجهل لهذه المرحلة، فإنه (وهذا أقرب إلى التفسير) كان هو الدور الذي رسم له والذي راح يعبر عنه، وظل يعبر عنه بعد أن خرج من [[مصر]] منذ ثلث قرن حتى الآن.<br />
<br />
انظر إليه، يعود ليربط ربطاً عشوائياً مريباً بين الفهم المقصود للجماهير أو المثقفين حينئذ حيث يضيف:<br />
(لم تكن تلك الموجات في رأي العروبة، متجاوية مع كل ما كان يتمناه الشارع ال[[مصر]]ي .. بأغلبيته، ولم يكن [[طه حسين]]، وحده، يحمل تلك الآراء المعروفة عن مستقبل الثقافة في [[مصر]] ولا [[إسماعيل صديق]] باشا .. إياه .. ولا الدكتور عزمي ولا..).<br />
<br />
ويعدد أماء كثيرة ليؤكد حقيقة مغرضة يريد أن ينفذ إليها ومنها ليؤكد عبث عروبة [[مصر]] واتجاهها في ذلك الوقت .<br />
<br />
ومع ذلك، أو رغم ذلك فقد نجد النشاشيبي أن يخدع [[عبد الناصر]] نفسه وكما سنرى الذي قال عنه في الحلقة التاسعة تحديداً إنه (لولا رضى الله ورحمته، وقلب [[عبد الناصر]] ومحبته، لما عدمت محرراً أو كاتباً أو موظفاً أو زميلاً يفرغ رصاص مسده في صدري..).<br />
<br />
لقد لعب الدور جيداً، واستطاع أن يكسب كل القلوب حوله لتحقيق الهدف الذي جاء إليه ومن أجله في [[مصر]] وهو ما يتبدى أكثر في علاقاته الوثيقة والحميمة (والموظفة) جيداً مع [[الصهاينة]] والأمريكان في ذلك الوقت.<br />
<br />
إنه ي[[مارس]] هذا الدور بأكثر من طريقة: إما أنه يستخدم أسلوب النقل عن الآخرين، وإما ينقل لنا ما يريده بشكل مباشر من المصادر المعادية لأمتنا العربية أو إنه كثيراً ما يردد أحداثاً خطيرة (تصب بالطبع في التيار المضاد للأمة العربية) خلال السما ع والنقل عن الآخرين، فكثيراً ما يقول (سمعت عن..) أو قال لي صديقي إنه (سماع عن المبعوث الأمريكي [[روبرت أندرسون]]..) وعرفت أن [[ابن جوريون]] يصرح بأن .. (و) قيل لي في واشنطن بلسان رجال الخارجية الأمريكية ورجال البيت الأبيض بأن .. بل لا يتردد في أن يقول لنا بضمير المتكلم (التقيت مع السفير ال[[إسرائيل]]ي [[موشيه ساسون]] ثاني سفير ل[[إسرائيل]] في [[مصر]]..) ويطيل في حلقات كاملة وينقل عنه ما يريد نقله.<br />
<br />
وما يقوله عن ساسون (صديقه!!) يقوله عن [[موشي ديان]] الذي التقى به أيضاً.<br />
<br />
ويعجب المرء ويتساءل مع البعض هنا سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل [[موشي ديان]] في مكتبه بتل أبيب في الحادية عشرة مساء، وأن يتشاور معه في عدة قضايا حساسة لا يمكن إثارتها مع شخص لا تربطه صلة سابقة مع ال[[إسرائيل]]يين ولا يعرف [[موشي ديان]] معرفة شخصية!! بل ويسمح له وحده بالدخول إلى مكتب [[ليفي أشكول]] برئاسة الوزارة ال[[إسرائيل]]ية (وكان رئيساً للوزراء حينئذ) ليتحدث معه في قضايا سياسية على جانب كبير من الخطورة، ورغم تحذيره من أن رئيس الوزراء مريض بالقلب فإن لقاءه به طال لأكثر من ساعة .. وطال قضايا في غاية الخطورة.<br />
<br />
الأكثر من هذا أننا نفهم قرب نهاية الحلقات أنه كان يكتب (مذكراته) عما كان يحدث في [[مصر]]، فهل كانت مذكرات حقا .<br />
<br />
يسأل المرء وهو يتابع رواياته التي يفترض معها أن قارئه يغفل التاريخ ويغفل دلالة الأحداث أو الشخصيات التي كانت تتحالف من أجل هزيمة الجبهة العربية، إنه يتحدث عن هذه (المذكرات) حين يقول في براءة مقيتة أو يسأل بشكل يبدو فيه حائراً أو متحيراً: (ولا أدري كيف وصلت تلك المذكرات إلى الخارج، حتى أن البروفيسور [[برنارد لويس]]، أستاذ الدراسات [[الإسلام]]ية في جامعة برنستون الأمريكية..) وهو يفترض في هذا أننا لا نعرف أن [[برنارد لويس]] أشهر مستشرق يهودي يلعب أدواراً كثيرة ضدنا، وأنه رأى برنارد مازال يلعب أدواره [[الصهيونية]] بالاتفاق مع الدولة [[الصهيونية]] في خطورة لا تمر هكذا على القارئ اللبيب فضلاً عن المتابع للأحداث من المثقفين والباحثين.<br />
<br />
لقد كـان محل ثقة [[موشي ديان]] إلى حد بعيد، وكانت علاقاتـه بأشكول وساسون وغيرهم من ال[[إسرائيل]]يين تستعصي على الفهم، لكننا الآن خلال اعترافاته بنفسه ندرك أن لها دلالات كثيرة تؤكد أنه لعب دوراً مريباً في هذا الوقت إلى درجة أن البعض مازال يسأل عن سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل وزير الدفاع ال[[إسرائيل]]ي بمكتبه بتل أبيب ([[أحمد حمروش]]) ودفعت بآخر بأن يسأل سؤالاً له إجابة أيضاً: هل كان النشاشيبي جاسوساً على [[عبد الناصر]] وعلى المجتمع ال[[مصر]]ي طيلة السنوات التي قضاها في [[القاهرة]]. وعندما انتهى من مهمته سافر إلى [[القدس]] والتقى مع رؤسائه ديان وأشكول ([[وائل الإبراشي]]) ويقول قريباً من هذا [[وائل قنديل]] .. وغيرهم كثيرون ممن وعوا أن حضور الوعي كان من الوضوح بحيث يعبر عن نفسه بهذا الدور الذي لعبه ضد الأمة العربية ومع أعدائها .. إن حضور الوعي الطاغي هنا ليس له غير تفسير واحد نعرفه جميعاً ..<br />
<br />
'''يقول الكاتب في الجزء 24'''<br />
<br />
فهل يجوز يا معلمي الكبير أن يترك تحديد العلاقة بين أكبر دولة عربية "[[مصر]]" وأكبر دولة في العالم "أمريكا" إلى حفنة من الجواسيس الهواة من أمثال [[مايلز كوبلاند]]، و[[إيفلاند]]، و[[كيم روزفلت]]، و[[إيجلبرجر]] ..<br />
<br />
===الفصل الثامن: أصداء غائبة===<br />
<br />
[[عبد الناصر]] .. رومانسي أم ثائر ؟!<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] رومانسياً؟<br />
<br />
هذا ؤال يلح على المدقق في حياة [[عبد الناصر]] الأولى ـ بل [[الثورة]] وبعدها.<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] ثورياً؟<br />
<br />
سؤال آخر يحاول أن يفرض نفسه حين تمضي السنوات ب[[عبد الناصر]] إلى حقبة بعيدة من [[ثورة يوليو]].<br />
<br />
'''وهو ما يضعنا في دائرة الحيرة؛ أو في دائرة السؤال الذي نجده في العنوان:'''<br />
<br />
[[عبد الناصر]] رومانسي أم ثائر؟<br />
<br />
ويظل السؤال معلقاً، ليس مع مراجعة مواقف [[عبد الناصر]] وخطبه فقط، وإنما ـ أيضاً ـ مع ملاحظة بعض كتابات معاصريه من المثقفين، حين كانوا ينظرون إليه من بعيد ويرددون الكثير عن هذه الرومانسية أو يتهمونه، وكانوا جميعاً يعودون إلى موافه الكثيرة أو كتاباته المتناثرة هنا وهناك.<br />
<br />
غير أن الوثيقة التي يمكن الاقتراب بها من حافة السؤال كانت دائما كتابه (فلسفة [[الثورة]]) الذي نشر قرب منتصف الخمسينيات من هذا القرن.<br />
<br />
ورغم أننا نستطيع أن نضيف إلى (فلسفة [[الثورة]]) كثيراً من الوثائق الأخرى مثل (الميثاق) أو (بيان 30 [[مارس]]) وخطب [[عبد الناصر]] وتحولاته وممارساته في هذا الاتجاه، فإن التوقف عند (فلسفة [[الثورة]]) له أهمية تفوق غيرها، فهي تحمل الملامح الأولى المكتوبة للفكر الرومانسي والذي لن يلبث أن يتحول من الحلم إلى الواقع عبر الممارسات التجريبية في السنوات التالية حتى نهاية الستينات.<br />
<br />
فضلاً عن أن التمهل عند (فلسفة [[الثورة]]) كان يعني ـ منذ البداية ـ أن الفكرة العربية تعني تصعيد إنجازاتها من [[مصر]] منذ البداية، فعلى الرغم من أن أفكار القومية العربية وتنظيراتها الأولى كانت تعرف في المشرق خاصة مع ظهور [[حزب البعث]]، فإن (فلسفة [[الثورة]]) كانت تعني تحول هذه الفكرة وتجسيدها في الوطن / الإقليم ([[مصر]]).<br />
<br />
ف[[عبد الناصر]] فيما يبدو في الفترة الأولى من الخمسينيات كان يجد أن الدور ال[[مصر]]ي هو الدور الأول في إنجاز عملية الوحدة، وهذا قدرها ومصيرها.<br />
<br />
كماهو قدر البطل صاحب الدور ومصيره.<br />
<br />
وفي هذا نستطيع أن نشير ـ عرضاً ـ إلى العديد من كتابات [[خالد محمد خالد]] وفتحي غانم و[[لويس عوض]] .. وغيرهم، غير أن أهم الكتابات التي تلقي بأضواء ساطعة على المرحلة الأساسية في حياته، والتي نستطيع أن نتعرف فيها أكثر أو نقترب من هذا السؤال يظل هذا الكتيب صغير الحجم كبير القيمة (فلسفة [[الثورة]]) ل[[جمال عبد الناصر]]. وربما كان لوي عوض أقرب هؤلاء إلى التحليل لشخصية [[جمال عبد الناصر]] في ذلك الوقت، او إلى (الدور) الذي اقتنع [[عبد الناصر]] نفسه أن الدور الذي يجب أن يضطلع به.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] في الفترات الأولى التي نضج فيها وعيه وتهيأ ليلعب دوره في الحياة العامة إنه كثير الشرود، كثير التفكير في الواقع حوله، وفي فلسفة [[الثورة]] التي كتبت في مرحلة قريبة من قيام [[الثورة]] يلاحظ أنه لم تفارقه هذه السمة "الشرود المستمر"، وهو يذكر هذا بوضوح شديد حين يذكر أنه وهو جالس شارداً في إحدى المرات مع أفكاره ألحت عليه قصة مشهورة للشاعر الإيطالي [[بيرانديللو]]، وأطلق عليها هذا الاسم (ست شخصيات تبحث عن ممثلين).<br />
<br />
وهنا نلاحظ دلالة تغيير اسم المسرحية وعنوانها الأصلي (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) ويلتقط [[لويس عوض]] هذا الخطأ غير المقصود، موجهاً تفسيره إلى ما أسماه (الخطأ والنسيان الفرويدي) لم تحمله هذه العبارة من معنى أن [[عبد الناصر]] كان يسعى إلى دور البطولة ولي المؤلف.<br />
<br />
أو بدور البطولة التي تقوم بصنع الأحداث، أو إعادة صياغتها كما تحددها صياغة أفكاره الآتية من هذا الشرود (الفرويدي) الذي يحمل معان لم يكن ليقصد الكاتب الاعتراف بها، بينما تجيء على اللان على شكل إسقاط غير مقصود.<br />
<br />
إن العبارة الخاطئة تحمل دلالة صحيحة في معناها الخفي.<br />
<br />
وسوف نذكر عبارة [[عبد الناصر]] قبل أن نعود إلى وضعها في سياقها العام، يقول [[عبد الناصر]] في كتابه (فلسفة [[الثورة]]. ص ص 69، 70) بعد أن يتحدث عن الدوائر الفاعلة في المنطقة العربية:<br />
<br />
"إن ظروف التاريخ مليئة بالأبطال الذين صنعوا لأنفسهم أدواراً بطولية مجيدة قاموا بها في ظروف حاسمة على مسرحه.<br />
<br />
وأن ظروف التاريخ أيضاً مليئة بأدوار البطولة المجيدة التي نجد بعض الأبطال الذين يقومون بها على مسرحه، ولست أدري لماذا يخيل إلي دائماً أن في هذه المنطقة التي نعيش فيها دوراً هائماً على وجهه يبحث عن البطل الذي يقوم به، ثم لست أدري لماذا يحيل إليّ أن هذا الدور الذ أرهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا قد استقر به المطاف متعباً منهك القوى على حدود بلادنا يشير إلينا أن نتحرك، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به.<br />
<br />
وأبادر هنا فأقول أن الدور ليس دور زعامة، إنما هو دور تفاعل وتجاوب مع كل هذه العوامل، يكون من شأنه تفجير الطاقة الهائلة الكامنة في كل اتجاه من الاتجاهات المحيطة بها. ويكون من شأنه تجربة لخلق قوة كبيرة في هذه المنطقة ترفع من شأن نفسها وتقوم بدور إيجابي في بناء مستقبل البشر".<br />
<br />
ويعود بعدها [[عبد الناصر]] ليستطرد حول دوائره والدور الذي يتحدث عنه أو يبحث عنه في اللاشعور.<br />
<br />
====الخروج من الميثولوجيا====<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نرى كيف تخرج الرومانسية مع مرور الأحداث وتراميها وتحديها لكثير من العوائق التي تأتي من الشمال .. من الحلم المكبوت في اللاوعي إلى الواقع، تخرج من الذات إلى المجتمع.<br />
<br />
كانت هذه الرومانسية تقترب من المجتمع العربي بقدر ما تبتعد عن الفرد لدى [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ورغم أن شخصيته منذ فترة مبكرة غلب عليها ح غامض بالحزن والحيرة فضلاً عن الغضب مع تطور الأحداث كما رأينا في حرب 48 وبعدها (هناك رصد واف لفكرة القومية العربية في هذا الإطار لدى ([[مادلين نصر]]) في كتابها عن [[عبد الناصر]] .. فإن هذه الشخصية لم تستطع أن تظل في إطار الفردية المطلقة، إذ سرعان ما تنحو إلى الفعل في فترة محددة، يكون التقاطع فيها بين العام والخاص دافعاً لمغادرة الذات إلى المجتمع كما رأينا بالفعل (نستطيع رصد هذا الخروج في الأدب خاصة سواء في الغرب في القرن الثامن عشر أو في [[مصر]] مع عشرينات هذا القرن..).<br />
<br />
وهنا، يكون القائد قد خرج من إطار الميثولوجيا الفكرية إلى التطور العملي، وبدت الفكرة الرومانسية في حالة تجسيد مع الفكر العملي، وبدأ السياسي يتماهى مع الاجتماعي.<br />
<br />
إن فترة التحول من الفكر الرومانسي إلى الفكر الثوري نجده لديه منذ فترة مبكرة في كثير من المواضع في هذه (الفلسفة..)، إن أحد أفراد القوة المحاربة التي كانت تمثل معه قوى ([[مجلس قيادة الثورة]] فيما بعد) اقترب من [[عبد الناصر]] أثناء الحصار للفالوجة، '''وقال له في نبرة عميقة وفي عينيه نظرة أعمق:'''<br />
<br />
(لقد قال لي: اسمع..، إن ميدان الجهاد الأكبر هو [[مصر]]).<br />
<br />
وهنا يستطرد [[عبد الناصر]] أكثر أنه لم يجد في [[فلسطين]] الأفـراد الذين يمكن أن يشاركوه في الكفاح والتصدي للقوى ال[[إسرائيل]]ية وإنما أيضاً التقى "بالأفكار التي أنارت أمامه السبيل".<br />
<br />
وهو يعني أن هذه الفترة كانت الرومانسية مازالت تسيطر على فكره، وإن كانت تعمل ـ جنباً إلى جنب ـ على تحويل هذا الحلم إلى واقع، أو كان يسير الحلم جنباً إلى جنب بجانب الواقع، فما كان يحدث في [[فلسطين]] نبه القائد إلى أنه "ما كان يحدث في [[مصر]]، والمهم، كيف يمكن تحويل الحلم ـ قبل أن يتخثر ـ إلى واقع، ولكن هنا، في الدولة الإقليم [[مصر]]، حيث يمكن ـ بعد القضاء على الأعداء الداخلين ـ إلى رأس حربة ضد القوى المعادية ليمكن تحقيق الوعد العربي بالوحدة.<br />
<br />
على أن مراجعة التطور الذي كان يحدث في دخيلة [[عبد الناصر]] كان يشير أن الأمر لم يستمر طويلاً في الحديث عن الواقع وحسب، وإنما كان لابد من الخروج عن السؤال القوي الطاغي على كل ما عداه لقسوته (كيف)، كيف يحدث كل ما حولنا، إلى سؤال آخر، هو (لماذا) .<br />
<br />
لماذا يحدث هذا كله دون أن نتحرك.<br />
<br />
الحركة كانت هي الدافع الجديد وراء كل ما حدث طيلة الخمسينات.<br />
<br />
إن (فلسفة [[الثورة]]) تزخر بالغضب والسخط، ولكنها ـ أيضاً ـ تنذر بكيفية الخروج من هذا كله. <br />
<br />
الوسيلة للخروج كانت هي الشاغل في المرحلة التالية أو نتيجة لها.<br />
<br />
والجغرافيا هنا كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوسيلة.<br />
<br />
تظل الوسيلة هي الشغل الشاغل ل[[عبد الناصر]] في إطار هذا الواقع لكي يتم الانفلات منه.<br />
<br />
كانت الوسيلة هي كيفية الخروج من معنى (الانقلاب) ــ بعد 23 [[يوليو]] إلى الوعي (ب[[الثورة]]).<br />
<br />
وكانت الوسيلة هي كيفية الخروج من الحلم الذي عاش فيه طويلاً إلى تجسيده في أحد ـ وأهم ـ دوائر التغيير التي شغلته في (فلسفة [[الثورة]]) وهي الدائرة العربية.<br />
<br />
بل كانت الوسيلة من الجموح، بحيث أنها أرادت أن يحدث التغيير بسرعة بعد تحويل الحلم إلى واقع بقيام [[ثورة يوليو]]، وربما كان هو الباعث الرئيسي لسخط [[عبد الناصر]] على الجماهير في هذه الفترة.<br />
<br />
فبمجرد أن قامت [[ثورة يوليو]] كانت ينتظر [[عبد الناصر]] الجماهير لتجسيد الوسيلة، وسيلة التغيير، لكنه، لم يجد ـ كما تحدث ـ '''هذه الجماهير تحوطه لتحول الحلم إلى واقع آخر فاجأه، يقول:'''<br />
<br />
"ــ فاجأني الواقع بعد [[يوليو]] 23 [[يوليو]].<br />
<br />
قامت [[الطليعة]] بمهمتها واقتحمت سور الطغيان، وخلعت الطاغية ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة الهدف الكبير.<br />
<br />
وطال انتظارها.. (و) .. ولكن ما بُـعد الحقيقة عن الخيال.<br />
<br />
لم يتنبه القائد أن الجماهير كانت في حاجة للتنظيم وإلى منح الفرصة للظهور وكان الخيال عند [[عبد الناصر]] غير هذا الواقع، فالجماهير العربية في [[مصر]] ـ مثل أي جماهير عربية في الأقطار الأخرى ـ يحول بينها وبين التعبير مئات الأشياء، ثم أنها تحتاج لمن ينبهها أكثر إلى وسيلة التغيير، ولمن يشحذ إرادتها أكثر، ويجلي بصيرتها أكثر، فقد كانت سنوات الطغيان والاستعمار طويلة بما يكفي لإحداث الصدمة النفسية لدى الجماهير.<br />
<br />
كان الحلم الرومانسي أقوى من الواقع وأبعد عنه إلى حد ما.<br />
<br />
====المعركة الحقيقيـة====<br />
<br />
بيد أن [[عبد الناصر]] سرعان ما عاد إلى الحقيقة، ليكتشف ذلك. لقد اكتشف أن معركته ليست أن يبحث عن الجماهير، فهي سوف تتحرك معه أبى أم رفض، وإنما تظل المعركة ضد هذه القوى الداخلية الطاغية، التي تحول بينه وبين نمو أحلامنا بعيداً عن أن تتحول ـ بفعل الطغيان ـ إلى كابوس مدمر.<br />
<br />
اكتشف هذا أكثر، حيث لاحظ أن هذه القوى المعادية للثورة في الداخل أو الخارج كانت تسعى للقضاء على حلم القائد / الجماهير.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، اكتشف [[عبد الناصر]] أن الوسيلة هي الطريق إلى ما يريد، إنه يستهل الجزء الثاني من (فلسفة [[الثورة]]) '''بهذين السؤالين:'''<br />
<br />
ولكن ما الذي نريد أن نصنعه..؟<br />
<br />
وما هو الطريق إليه..؟<br />
<br />
ويؤكد أن كان يعرف الإجابة عن السؤال الأول أما الإجابة عن السؤال الثاني "طريقنا الذي نريد" فأنا أعترف أنها تغيرت في خيالي كما لم يتغير شيء آخر.<br />
<br />
لقد اكتشف [[عبد الناصر]] أن العمل الإيجابي للخروج من أسر الحلم هو الطريق الوحيد للوصول إلى غايته.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نكتشف أن أكثر الطرق وعياً كان قد توصل غليها في الخمسينيات، أو أن الطريق إلى الرومانسية قد تخلله أو سار معه طريق العمل المنظم للجماهير ـ ومع ـ الجماهير العربية.<br />
<br />
لقد كان امتزاج الرومانسية بالوسيلة هو الطريق الذي مهد لتجسيد القومية العربية في الخمسينات.<br />
<br />
إن [[عبد الناصر]] بعد أن يتحدث عن هذا الدور الذي يبحث عن بطل، يستعيد في القسم الثالث ـ وهو دائم استعادة الحلم ـ كيف تبلور فكره منذ كان طالباً في الكلية الحربية لدروس التاريخ التي كانت تؤكد الوعي العربي إزاء الحملات الصليبية (الغربية) المضادة، ثم بدأ الفهم يتضح أكثر وهو طالب في كلية أركان الحرب في [[فلسطين]]، ثم بدأت الفكرة تصل إلى أقصاها حين توصل إبان الحرب في [[فلسطين]] إلى أن القوة، والقوة العربية وحدها هي التي تستطيع أن تكون اللغة ـ الوحيدة في هذا العالم ـ التي يفهمها العدو وتأكد هذا من مدفعية [[أحمد عبد العزيز]] ونضال [[فوزي القاوقجي]]، كما يذكر تجربة كان لها الأثر الكبير في تأكيد الوعي القومي وتحويل الأسطورة إلى واقع، فهو حين يذكر سراً من أسرار [[فلسطين]] (يذكر في قرب منتصف الخمسينيات، لاحظ الموقع الجغرافي)، '''ويسرده على هذا النحو :'''<br />
<br />
"كان البعض وضع خطة جريئة للقيام بعمل حاسم "وعربي" ضد القوات ال[[إسرائيل]]ية".<br />
<br />
(كانت الخطوط البارزة في تلك الخطة هي أن قوات التحرير العربية لا تملك طيراناً يساعدها في المعركة ويرجح النصر إلى كفتها، ولو أنها حصلت على معونة من الجو بضرب مراكز فوق ميدان العملية، لكان ذلك عاملاً فاصلاً، ولكن من أين لقوات التحرير العربية بالطيران لتحقيق هذا الحلم).<br />
<br />
====البطل الملحمي====<br />
<br />
بقية الخطة أن يقوم سلاح الطيران ال[[مصر]]ي بمهمته لو كان بمساعدة المطارات السورية، كان لابد أن يشارك العرب في خطة واحدة.<br />
<br />
ورغم أنه لم يقيض لهذه الخطة أن تتم، فإنها تشير إلى هذا الوعي المتطور لدى البطل العربي في [[مصر]]ب، وعثوره على الوسلية التي سيطورها أكثر فيما بعد في الخمسينات لتحويل الرومانسية إلى واقع حين أصبح خاصة بعد [[مارس]] [[1954]] ــ هو القائد / البطل الملحمي المنتظر.<br />
<br />
ثمة إشارات كثيرة كانت تؤكد نمو الوعي العربي عبر (الوسيلة) الفعالة، كان يتأثر لما يحدث لل[[فلسطين]]يين اللاجئين الممزقين عبر الخيام، أو يكاد يبكي ويسهر للصباح لمرأى طفل تحت براثن الحصار فتخرج إلى الخطر أمام سياط الجوع تبحث عن لقمة عيش .. إلخ.<br />
<br />
غير أن المهم، أن [[عبد الناصر]] في الخمسينات كان قد حول (الحلم) الرومانسي إلى (وسيلة) فعاجل لتحقيق الوحدة العربية.<br />
<br />
لقد تحول [[عبد الناصر]] من بطل درامي "إلى بطل ملحمي، أو إذا جاز لنا استخدام مجازه، غدا الشارع الذي يروي سيرة [[مصر]] على ربابته، بدلاً من أن يحركه كالدمية على مسرحه" على حد تعبير [[لويس عوض]].<br />
<br />
كان على البطل الملحمي الآن أن يقوم بدوره بعد أن توصل إلى (الوسيلة) لذلك فقد بدأ بالفعل يوالي تحقيق انتصاراته على المستوى العربي، ويصعد الثورات العربية ضد المحتل الأوروبي، بيد أنه عبر ذلك النضال المستمر لتعبئة الشارع العربي وتحرير الأوطان العربية لم يتنبه أنه دخل في منطقة الخطر، منطقة المصالح الأمريكية.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، بدأت سلسلة من المعارك من أجل القومية العربية مع العدو الأمريكي ثمن [[عبد الناصر]] ثمنها كثيراً.<br />
<br />
====ثمن [[الثورة]] العربية====<br />
<br />
كان على [[جمال عبد الناصر]] أن يحول حلمه إلى حقيقة، فبدأ الصراع الكبير مع الغرب يأخذ أبعاده المعروفة بتأميم [[قناة السويس|القناة]] ومبادئ 61/62 وتأميم القطاع الأجنبي والإقطاعي الداخلي وحاول أن يحول مبادئه الستة التي أعلنها صبيحة قيام [[الثورة]]، وتحويلها لتأكيد الوجود الوطني ال[[مصر]]ي، ومن ثم العربي، ثم بدأت متاعبه الحقيقية لا مع الغرب الأوروبي ولكن مع الغرب الأمريكي.<br />
<br />
وقد حدث هذا عقب عدوان [[1856]] مباشرة (بانفصال [[سوريا]]) وبدأ دوره الإيجابي في (الحرب الأهلية ال[[لبنان]]ية) وحرب [[اليمن]]، ثم كانت هزيمة [[1967]] وأعقب ذلك [[حرب الاستنزاف]] التي شارك فيها عدد كبير من الأقطار العربة التي تأثرت بجهود [[عبد الناصر]] العربية.<br />
<br />
على أنه بمجيء الهزيمة ([[1967]]) حتى كان [[عبد الناصر]] قد أدرك أن وسيلته الفعالة لتحدي الغرب ــ والأمريكي خاصة ــ توشك أن تأخذ شكلاً جديداً، ومن ثم، فإنه راح يغير استراتيجية المواجهة بعد حدوث العديد من الأحداث التي اعترضت مركبته العربية في المحيط الكبير.<br />
<br />
نقول تغيير استراتيجية المواجهة؛ لا تغييبها.<br />
<br />
لقد انتهى الآن عصر الرومانسية وبدأ عصر الواقع الحقيقي.<br />
<br />
لقد خرج [[عبد الناصر]] (بوسيلته الفعالة) الواعية عبر المركب العربي إلى التحديات التي أودت به إلى الهزيمة.<br />
<br />
وهو ما يقال معه، أن الحلم الذي تحول إلى حقيقة لم يستطع أن يكتمل إلى نهايته كان [[عبد الناصر]] قد عبر من زمن بعيد عصر الرومانسية الثورية إلى الثورية العربية الفعالة.<br />
<br />
وكان [[عبد الناصر]] قد اجتهد طويلاً لتظل الراية العربية مرتفعة قدر ما يستطيع، ودفع الكثير من أجل هذا، من أموال [[مصر]] وأبنائها، ثم من سنوات عمره التي أراقها وأنفاسه القليلة؛ انطلاقاً من حقيقة مؤداها "أن العمق الاستراتيجي العربي ل[[مصر]] يحميها في مواجهة [[الصهيونية]] التوسعية.."، ومن ثمَّ، فإن حصاد السعي إلى الوحدة مع [[سوريا]] ــ على سبيل المثال ـ أو مرارة الانفصال؛ لم يرتد به إلى موقف مغاير رغم صدمة هزيمة [[1967]] وإحباطها .. وهو ما يطرح ـ بالتبعية ـ أسئلة بدهية.<br />
<br />
هل انتهى الثائر مع هزيمة [[1967]]؟<br />
<br />
هل غاب البطل في الظلال وما لبث أن سقط على خشبة المسرح؟؟.<br />
<br />
المسرح العربي الكبير المليء بالجثث العربية الأخرى.<br />
<br />
وهل أسدل الستار على نهاية الثائر؟.<br />
<br />
ثم هل راح الجمهور العربي يؤكد (بصورة الكورس) أن البطل الملحمي سقط لكي يبعث من جديد، كما ايزوري في الأسطورة العربية القديمة؟<br />
<br />
باختصار لم نعد في حاجة لنسأل : هل كان [[عبد الناصر]] رومانسياً أو ثورياً؟<br />
<br />
إنما الإجابة التي أحكمها التاريخ أنه بدا بطلاً ملحمياً ننتظره جميعاً.<br />
<br />
لم يرحل أو رحل وسيعود ثانية، فالواقع العربي اليوم ينتظر [[عبد الناصر]] الثوري، الذي يستطيع أن يقف في وجه محاولات الغرب الأمريكي الوقح والمتفجر كراهية لنا، وفي حاجة لمن يقف في وجه الرأسمالية البشعة المتوحشة التي تعى إلى فرض إرادتها على الواقع العربي عبر الأسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات.<br />
<br />
والإعلام المجتمعي الآتي إلينا من الغرب في عصر العولمة (الأمريكي) البغيض، وانتهى ثورياً عربياً واعياً.<br />
رحل الثائر لكننا مازلنا ننتظره ليقوم بالدور الذي حدثنا عنه في أحلامه / أحلامنا الأولى، وغضبه / غضبنا الذي كان.<br />
<br />
بعيداً عن الثرثرة .. قريباً من [[الثورة]] !<br />
<br />
وبعيداً عن ثرثرة الورق التي تنهض في آن لآخر لتقييم [[عبد الناصر]] و[[ثورة يوليو]] .. هذه محاولة لإعادة النظر في الناصرية وهي ـ أي الناصرية ـ في الأصل تعبير عن اتجاه سياسي عملي تجريبي أكثر منها تعبيراً عن (دوجما) بعينها.<br />
<br />
الكتاب لا يسعى مثل كثير من كتابات هذه الأيام إلى تصفية حسابات أو اتجاه يعمق رأي بعينه وإنما يتنبه وهو يتحدث عن (الناصرية والسلام) ـ تحرير [[عبد الحليم قنديل]] ومشاركة عدد كبير من مثقفينا ـ إلى أن العنوان فرضه وصول الرأسمالية الشرية إلى ذروتها في نهاية [[القرن العشرين]] .<br />
<br />
وبهذا المعنى، فإن الناصرية التي يعاد النظر فيها الآن بمنطق نهاية [[القرن العشرين]]، تسعى إلى التنبه لما أصبحنا فيه وقد سقطت الكتلة الشرقية وتهاوى سور برلين وزاد الحديث عن (العولمة..) وآليات النظام العالمي الجديد خاصة فيما يعقب هذا من عسكرة العولمة إبان 11 [[سبتمبر]] وبعدها.<br />
<br />
إن الناصرية في الخمسينات والستينات تحدت الغرب الذي كان يريد السيطرة على مقدراتنا واتجهت نحو التنمية والتأميم والتحول الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي كما ساعدت قوى التحرر العربي ودخلت في حروب داخلية وخارجية كثيرة لئلا يترك الغرب يجوس بين ديارنا.<br />
<br />
والناصرية كتجربة متطورة يمكن أن تسعى الآن إلى هذا الهدف لو أحسنا قراءتها في ضوء نهاية هذا القرن.<br />
<br />
وبمراقبة سياسة أهل العولمة الآن وأدبياتها نعثر على يقين يتلخص في تأكيد سيادة العالم الغرب على أهل الجنوب في كتاب "[[هنتنجتون]]" الأخير عن ([[صراع الحضارات]]) نراه يرصد لأطروحة "[[فوكوياما]]" مؤيداً ما فيها من انتهاء الحرب الباردة وانتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم جديد هو عالم (الأمركــة) في حين يرى "[[فوكوياما]]" أن "نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية [[الديموقراطية]] العربية على مستوى العالم كشكل نهائي".<br />
<br />
إن "[[هنتنجتون]]" يؤكد في أكثر من موضع على انتهاء حرب الأفكار "ف[[الديموقراطية]] الليبرالية الشاملة قد انتصرت" وحين يصل إلى عبارة "[[فوكوياما]]" أن صراع الأفكار انتهى وبدأ صراع آخر اقتصادي وفني نراه يعلق على "[[فوكوياما]]" بأنه ينهي كلامه بأسف قائلاً أن "ذلك سيكون مضجراً".<br />
<br />
وكان "[[فوكوياما]]" ـ وراء "[[هنتنجتون]]" ـ يريد أن يقنعنا أن حرب الأفكار كانت خيراً من الهيمنة التي تتخذ أبعاداً سياسية واقتصادية ومعرفية الآن لتحويل العالم إلى (سوق) للغرب الأمريكي.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الناصرية الآن ـ إذا أحسن قراءتها ـ يمكن أن تكون فاعلة في زمن يتم تدويل الرأسمالية فيه بالشركات الاقتصادية متعددة الجنسيات. وتدويل الثقافة والحضارة والرؤية الغربية عبر شركات إعلامية عابرة للقارات، وهناك عدد صغير من هذه الشركات (خمس عشرة شركة) تتحكم في كافة المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية والإعلانية في العالم. بل إن أربع وكالات أنباء رأسمالية وهي ([[رويتر]] – [[اسوشيتد برس]] – [[يونايتد برس]] – [[فرانس برس]]) تحتكر فيما بينها 80% من إجمالي تدفق المعلومات الدولية، وتكرس هذه الوكالات من أنبائها لدول الشمال. <br />
<br />
وتتصدر وكالات ومؤسسات الأنباء التابعة للولايات المتحدة مجمل وسائل الهيمنة الثقافية والإعلامية في العالم، وتسيطر على 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التليفزيونية، و90% من إجمالي الأخبار المصورة و82% من إنتاج المعدات الإعلامية والإليكترونية و90% من المعلومات المخزنة ـ المعطيات ـ في الحاسوبات الأليكترونية .. وغير بعيد هنا حين أعلن ـ في بعض الصحف الغربية ـ أن جميع أجهزة الكومبيوتر الأمريكية فيها أجهزة حساسة في غاية الضآلة تابعة للمخابرات الغربية، تتحكم في أكثر آليات العولمة شراسة. <br />
<br />
وهو ما يشير في النهاية إلى أن السياسة الأمريكية ـ بوجه خاص ـ أصبحت الآن تسعى (باقتصاد السوق) للسيطرة على مقدراتنا العريبة و(باقتصاد المعرفة) على مقدراتنا العلمية والإليكترونية .. إلى آخر هذه المنظومة الغربية التي تريد القضاء على شعوب الجنوب ليمكنها السيطرة على عالم تحرك فيه الدمى كما تشاء دون عنف أو مواجهة رجل من نوع [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ومن يراجع سياسات الشمال وأدبياته في السبعينات ـ بعد رحيل الزعيم ـ يعرف أن الناصرية إذا أحسنا قراءتها يمكن أن تكون فاعلة ويعرف أن السياسات الأمريكية المخابراتية ـ كما أوكد في وقتها ـ لن تسمح بعودة [[عبد الناصر]] مرة أخرى والقضاء لا يكون الآن على الرمز وحده وإنما يتسلل إلى الواقع نفسه.<br />
<br />
وهو يعزز هذه الاجتهادات التي بين أيدينا لنشير ـ فيما يشبه التأكيد ـ على أن السياسة العملية ل[[عبد الناصر]] في مواجهتها للعالم حوله لم تكن لتتعارض مع أية عقيدة ومن هنا، نجد كتابنا يعود بنا إلى قضايا هامة في الإشارة لتجربة [[عبد الناصر]] وفكره.<br />
<br />
من هذا هل الناصرية تتعارض مع [[الإسلام]]؟<br />
<br />
وهي قضايا نضطر للعودة إليها لبداهتها في هذه الأيام التي مازالت الناصرية تهاجم من بين أهلها.<br />
<br />
والنظر إلى بعض ثوابت الناصرية يمكن أن نعثر فيها على بعض الملاحظات البدهية أيضاً كما يوردها [[عبد الحليم قنديل]]، وسوف نشير إلى بعضها بشكل ريع: فالأيديولوجية الناصرية هي أيديولوجية مساواتية، تؤمن مع الكفاية الإنتاجية بعدالة التوزيع وتكافؤ الفرص، وتؤمن بقيمة العمل كحق وواجب، ومصدر للسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية. فالمساواة في [[الإسلام]] حرة وقيمة مقدسة، والمساواة لا تعني "المثلية" بل تعني أن تتساوى الفرص كأساس مقبل للثواب أو العقاب في الدنيا والآخرة، كما كان [[عبد الناصر]] دائماً يقول دائماً و[[الإسلام]] لا يعترف بأي ثروة أو جاه لا يكون مصدره العمل أو الميراث ويحرم الاستغلال والربا تحريماً قاطعاً .. والمساواة قيمة لعبت أبلغ الأدوار في التاريخ [[الإسلام]]ي ويذهب في هذا "[[ليونارد بايندر]]" إلى أن مبدأ المساواة [[الإسلام]]ي تجسد في رغبة [[عبد الناصر]] بإنشاء مجتمع سياسي موحد، واستعاضته عن نظرية الحسم الدموي لصراع الطبقات في الماركسية بمبدأ المساواة، وهو ما يفيد في دعم وحدة الشعب ضد الإمبريالية ويوجد الطبقات الحضرية والريفية وصغار الملاك.<br />
<br />
ثم إن الناصرية أيديولوجية شعبية، ليست أيديولوجية فئة أو طبقة بذاتها (قرأنا أول أمس من يتهم الناصرية بأنها طبقية)، إنها أيديولوجية أغلبية الشعب الحالمة بالمساواة والوحدة، أيديولوجيا الشعب المهاجر إلى المثال منشود، ناصرية تنحاز للكثرة الكادحة ضد القلة المسيطرة و..إلخ.<br />
<br />
بيد أن أهم القضايا هنا تتحدد في علاقة [[عبد الناصر]] بالوحدة العربية.<br />
<br />
وهي قضية تزداد أهميتها الآن في عصر الكتب الضخمة القومية أو غير القومية التي تحاول أن تؤثِّر بالإيجاب ـ لصالحها ـ (في الاقتصاد العالمي والأدوات المعرفية الصاعدة) فما موقف الناصرية من هذه القضية.<br />
<br />
إن الأيديولوجية الناصرية توحيدية، والتوحيد القومي ـ يتفق في هذا كل من [[عبد الحليم قنديل]] و[[محمد عمارة]] وعدد كبير من أصحاب الإسهام في هذا الكتاب ـ هي الوجه الآخر للتوحيد الديني.<br />
<br />
إن هذا الرأي يتفق فيه عدد كبير من المشاركين في هذا الكتاب نذكر منهم [[عبد الحليم قنديل]] و[[محمد عمارة]]، كما يمكن أن نضيف إليهم مع تعدد الزوايا [[أحمد صدقي الدجاني]] و[[طارق البشري]] و[[مجدي رياض]] و[[علي مبروك]] و[[أحمد بن بله]] و[[قاسم عبده قاسم]] .. وغيرهم.<br />
<br />
لقد كانت وثنية الجاهلية تجد رموزها في تعدد آلهة القبائل، وجاء التوحيد الديني ليوحد هوية القبائل والشعوب المستعربة ويدمجها في أمة ودولة، ومن هنا كانت "العروة الوثقى" بين التوحيد الديني والتوحيد القومي، وبلغ من ارتباط التوحيد القومي بالديني حداً اعتبرت معه وحدة الدولة حقاً تقتضيه فريضة الزكاة الدينية، ومن ثم كان قتال خلافة أبي بكر لمن ارتدوا عن وحدة الدولة القومية رغم إيمانهم بأصول الدين.<br />
<br />
فضلاً عن أن للناصرية عدد من الأقلية [[الإسلام]]ية ـ كما يحددها عابد الجابري ـ هي الله والإنسان والطبيعة ونظرة ونظرة الناصرية إلى الله هي النظرة المستقرة إسلامياً ذات الطابع التوحيدي بلا شبهة، الناصرية تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسالاته، أما الطبيعة فإنها محكومة بسنن تتبدل، والمجتمع بتطور قوانينه وصراعاته "التي لا يمكن إنكارها" وكل شيء يبدأ بالإنسان قائد التطور التاريخي والاجتماعي والعمل الإنساني هو المناخ الوحيد للتقدم، وكل ما يعيق إرادة الإنسان، ويحد من فاعلية دوره، مواقف غير إنسانية وغير أخلاقية وجب على الإنسان التصدي لها كما يقول [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
وإذا كـان [[عبد الناصر]] تنبه كثيراً في كتابه المبكر (فلسفة [[الثورة]]) إلى الدائرة العربية، فإنه لم يغفل معها الدائرة [[الإسلام]]ية، على اعتبار أن الدوائر الثلاثة ـ الثالثة الأفريقية ـ يمكن أن تمثل (بيان) [[الثورة]] في سنواتها الأولى.<br />
<br />
ومن هنا، فإن الدائرة [[الإسلام]]ية كانت تحت لديه مكانة ملحوظة.<br />
<br />
فمن الملفت للنظر أن الحضارة [[الإسلام]]ية الآن في عصر العولمة أكثر ما تستحوذ على فكر أصحاب العولمة.<br />
<br />
ويلاحظ [[هنتنجتون]] ـ منذ البداية ـ أن الصراع القادم بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى (وفي مقدمتها [[الإسلام]]) لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً، بل سيكون ثقافياً، يفصل فكرته أكثر حين يقول أنه بعد الحرب الباردة سوف يتم الصراع بين حضارات تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة، وسوف يكون هذا الصراع عند خط جديد "هو الآن الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب [[الإسلام]]ية والأرثوذكسية من ناحية أخرى. العلاقات الاجتماعية والعادات والنظرات الشاملة للحياة تختلف تماماً.. " إلى آخر تأكيده لهذه الخلافات العميقة التي ستكون ـ في المستقبل ـ وها نحن في مستقبل الغرب أو نهاية التاريخ كما يرى ـ في الحد الفاصل بين هذه الحضارة العربية ونظيرتها [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
لا نريد أن نلخص كتاب [[هنتنجتون]] عن صراع حضارة الغرب التي هي الآن الحضارة الأمريكية في الشمال و(إعادة صنع النظام العالمي) ــ وهو العنوان الثاني في كتابه، ولكي أصل إلى ما نريده تأكيده هو أن العولمة الآن تفرض رسم خريطة يستخدم فيها كل التاريخ وكل الجغرافيا لانتصار حضارة الغرب على غيرها وذلك في غيبة الدولة الوطنية التي عرفناها مع [[عبد الناصر]] والحكومة القوية التي تستطيع مجابهة الشركات متعددة الجنسيات وآليات العولمة..إلخ.<br />
<br />
والعودة إلى الناصرية، سوف تذكرنا باهتمام [[عبد الناصر]] الكبير بالعقيدة ـ كأحد وأهم أدوات الصراع ضد الغرب ـ منذ فترة مبكرة، وبهذا، فإن المطلوب هنا لا يكون باختلاق الصراع كما يحاولون هم ذلك، ولكن أن يصل الوعي إلى أقصاه حين ننتبه إلى أن خريطة إدارة الأزمات التي يضعها الغرب إنما يريد خلالها القضاء على حضارتنا باستخدام الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وهو ما نلاحظ التنبه إليه في فلسفة [[الثورة]] منذ فترة مبكرة عند [[عبد الناصر]] والذي اختزل كل المحاولات ؟؟؟ سواء في دعوة [[حسن البنا]] (عصبة إسلامية) أو [[مالك بن نبي]] في (الكومنولث [[الإسلام]]ي) أو ما كان قد دعا إليه [[عبد الرحمن الكواكبي]] في بداية القرن.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى تفسير عديد من المعارك التي خاضها [[عبد الناصر]] مع بعض الحكام الرجعيين سواء من العرب أو [[الإسلام]]يين أو هذه العشائر والقبائل التي من الداخل أو القوى الشرسة في الغرب ضد العولمة قبل أن تظهر العولمة.<br />
<br />
وقبل أن نعرف ثرثرة الورق في نهاية القرن.<br />
<br />
====بين الماضي والمضــارع====<br />
<br />
أيضاً كان السيناريو الذي سينتهي إليه ما حدث في [[اليمن]] الآن : الوحدة، الانفصال، الاستنزاف (الأرجح هو الأخير) .. فمن المؤكد أنه سيخلف في الوجدان العربي دوياً عميقاً.<br />
<br />
وهي آثار حاول [[جمال عبد الناصر]] منذ نيف وثلاثين عاماً أن يتحاشاها حين أعلنت الحركة الانفصالية في [[سوريا]] (28 [[سبتمبر]] [[1961]])، ففي هذه التجربة الدامية حاول [[عبد الناصر]] أن يخفف من آثار ما حدث بألا يقع في خطأ مثل الذي ارتكبه من دعا إلى الانفصال وحاول تنفيذه بقوة السلاح .<br />
<br />
نفس الحدث أو قريب منه حدث في عالمنا العربي لأكثر من مرة، ومع ذلك، لم نستفد به مرة واحدة، وكان التاريخ حسب المقولة الخاطئة يكرر نفسه، في كل مرة، بنفس الأسباب ونفس النتائج ..إنه الحدث بين الماضي القائم "والمضارع المستمر" ..<br />
<br />
لقد أعلنت الوحدة بين [[اليمن]]ين ـ الشمالي والجنوبي ـ بنفس الشكل الذي أعلنت فيه الوحدة بين القطرين ـ الشمالي والجنوبي، [[مصر]] و[[سوريا]] ـ، وفي الحالتين انتهت كما بدأت، غير أن النهاية رسمت في كل تجربة خطأ مغايراً لغيره، من حيث تطور الأحداث وتفاقمها، وبعيداً عن خلفيات الوحدة [[اليمن]]ية والملابسات التي أجهضتها في النهاية، وكلنا نعرفها الآن، فإن الوحدة ال[[مصر]]ية ـ السورية، وطريقة إجهاضها تحتاج أكثر للتذكر، ليتأكد لنا أن الوحدة لا تتم بمعزل من الشعوب ولا تفصم بمعزل عن الشعوب (مـا هو الفارق بين [[علي صالح]]، و[[حيدر الكزيري]]؟) وإنما لابد وأن تتم بوعي الشعوب الذي لابد وأن يسبقه التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور [[الدستور]]ي ..<br />
وهذه بدهية تحمل لنا مشهدين اثنين: الأول في وحدة اليوم، والآخر في وحدة الأمس؛ الأول تمثل في رفض أن تكون [[سوريا]] الأمس هي (يمن اليوم)، والآخر تمثل في رفض الزعيم العربي اليوم ألا تكون [[سوريا]] الأمس هي يمن اليوم، إن [[اليمن]] الجنوبي الآن نراها: مستشفيات تكتظ بالجرحى، وتحتاج إلى أطباء، وأدوية، وبيوت تحترق ومدارس ومباني تهدم، ومياه تنقطع، وأوبئة تنتشر، والقصف حتى في المستشفيات والمطارات لا ينقطع، الصواريخ تحط يومياً على أحياء ك[[المنصورة]] و[[القاهرة]] و[[الشيخ عثمان]]، ويمتد المشهد ليحمل يومياً الدمار لمحطات توليد الكهرباء وحرائق وانفجارات وقتلى وجرحى ودمــار، ويظهر في الصورة [[علي صالح]] ليختفي ويحل محله بسرعة متشددين عسكريين يساندهم تجمع من النواب يرفض وقف إطلاق النار أو وساطة عربية أو غربية، وتستمر المذبحة في عدن وحضرموت والمطار الرئيسي والمكلا..إلخ.<br />
<br />
ونبتعد قليلاً عن المشهد المعاصر، لنعود إلى مشهد الأمس يعلن في [[سوريا]] الانفصال، فيغضب [[عبد الناصر]] ويرفض ويصيح في إذاعة [[القاهرة]] (.. واجب أن نمنع هذه الجريمة)، وعلى الفور تصدر أوامر [[عبد الناصر]] لإرسال قوات إلى [[سوريا]] للقضاء على الحركة الانفصالية، ولكن يدرك فجأة أن ما يمكن أن يحدث يمكن أن يكون ضد الوحدة نفسها، ولنترك ل[[عبد الناصر]] يقول في اليوم التالي للانفصال (29 [[سبتمبر]]) '''بحكمة وحنكة شديدتين:'''<br />
<br />
(أصدرت الأوامر بنقل لوائين من المظلات إلى اللاذقية .. أُصدرت الأوامر إلى القوات البحرية لتتحرك .. وأصدرت الأوامر بمصادرة كل سفننا واستخدامها في نقل القوات / وكان الموقف يستدعي التفكير .. هل يُسفك دم العربي بالعربي؟ فأصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بأن تعود جميع الطائرات التي كانت متجهة إلى اللاذقية .. أما الآخرين أدّيْنا لهم أمر بالرجوع .. وأصدرت الأوامر للقوات التي نزلت اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة وبأن تقدم نفسها وتسلم نفسها..)<br />
<br />
قال [[عبد الناصر]] بعد ذلك بقليل أن الوحدة يجب أن تكون اقتصادية أولاً، وثقافية، أولاً، قبل أن تكون عسكرية أو (دستورية .. وأدرك أن التعامل مع الانفصال بالعنف يمكن أن يكون ضد فكرة القومية العربية في ذاتها.<br />
<br />
ونعود إلى المشهد المعاصر لنكتشف أنه مقطوع الصلة بمشهد الأمس، ونكتشف أن العالم تغير، ولكننا لم نتغير قط، تفكك [[الاتحاد السوفيتي]] بفعل الحرص على الوحدة (بالعنف)، وتوحدت القارة الأوروبية بفعل الحرص على الوحدة (بالفكر)، الأو استخدم السلاح والآخر (الاقتصاد)، الأو جنى سوء فهمه للواقع، والآخر سيجني ثمار فطنته في الواقع .<br />
<br />
أعلم أن العالم تغير حولنا، لكن أعلم أيضاً أننا لم نتغير بعد بدليل أننا نعرف، ونعيش، مازلنا في "المضارع المستمر".<br />
<br />
إذا ذهبت لزيارة السد العالي، وتوقفت أمام تمثال ضخم لزهرة اللوتس، ونظرت إلى الجزء الأعلى فيه ستجد شيئاً مروعاً، ثمة حفر أسود لصورة [[جمال عبد الناصر]] باللون الأسود وقد أعيد الحفر عليها بلون أسود قان صورة الرئيس السادات تسأل ولا تعرف، وإذا عرفت لا تفهم .. وإذا فهمت فلابد لك من أن تكون قد عدت إلى الشمال قليلاً، لمدينة طيبة ([[الأقصر]]) وتتجول بين جدرانها ومعابدها ومقابرها البحرية لابد لك من أن تتوقف عند طريق الكباش بمعبد الكرنك، وتعرف ـ والعهدة على الحفر والخراب ـ أن رمسيس الثاني قد اغتصب الكباش من ملك قبله يرجح أنه حور محب الذي شيد البيلون الثاني الذي ينتهي به طريق الكباش الأصلي.<br />
<br />
فيما بعد، نعرف أيضاً، أن كاهناً جاء ومحـا بدوره ـ طمعاً في السلطة المجد ـ اسم رمسيس الثاني من على الكباش ونقش اسمه بدلاً منه ولا تكون في حاجة شديدة لتدرك أن رؤوس الكباش القائمة أعلى رقبة الحيوان انتزعت من مكانها رأس آخر لملك آخر يحمل سمات أخرى تنتقل في كثير من المعابد أو بين القصور القديمة، لتدرك، أن حتشبسون أممت ما قبلها من الآثار، ومحت الكثير من أسمائها، واستبدلت به اسمها وأمجادها تعود إلى معبد [[الأقصر]]، تمر فيه، فتجد على اليمين هيكلاً شيدته حتشبسوت وأمامه صف من الأعمدة الرشيقة من الجرانيت الوردي يمثل كل عمود منها حزمة من سيقان البردي تمضي قليلاً لتكتشف ـ أيضاً ـ أن تحتمس الثالث قد محى اسم حتشبسوت من على الأعمدة وسجل اسمه بدلاً منها تحدق أكثر، فتكتشف أن رمسيس الثاني، نفسه، بقوته وجبروته، لم يتردد في محو اسم حتشبسوت ليضع اسمه هو مكانها فإذا مضيت إلى الجدار الشرقي قليلاً، ستجد خرطوشة منقوشة باسم حور محب الذي اغتصب البهو باسمه، فقد كان نفس البهو هو الذي يقدم فيه الملك رمسيس الثاني البخور والقرابين المقدسة.<br />
<br />
ثم جاء أمنحتب الثالث ليسطو ويدمر ويمحو آثار الجميع.<br />
<br />
هدم هيكل أبيه!!.<br />
<br />
ثم هدم هيكل تحتمس الثاني!!.<br />
<br />
كما هدم معبد حتشبسوت!!.<br />
<br />
واستخدم آثار كل هؤلاء لبناء معابده وقصوره .. إلخ.<br />
<br />
ثم يجيء الابن إخناتون، ليدمر الكثير، ويمحو الكثير، ونستطيع أن نميز ببساطة في معبد الكرنك كيف أحدث إخناتون ـ او رجاله ـ كشطاً لعديد من أسماء آمون من داخل الخراطيش الملكية .. ثم يجيء كهنة آمون ـ فيما بعد ـ ليقوموا تحت إمرة زوج ابنته بمحو الكثير من آثار الشاب الذي يدعو لإله جديد وتقاليد جديدة ..<br />
وتتوالى سور المحو أو الحفر أو التخريب في كل العصور الفرعونية حتى يجيء أبسماتيك الثاني في نهايات العصر الفرعوني ليمحو الكثير من آثار الملوك السابقين، ويسجل اسمه هو، وتتوالى موجات الغزاة والملوك حتى ليعجب المرء أن يجد في معبد واحد (هو معبد [[الأقصر]]) آثار تخريب أو استبدال لكثير من الملوك بدءاً من ملوك الأسر الأولى إلى حرائق الفرس، وتماثيل الإسكندر الأكبر المحفورة، وأشكال بطليموس الرابع المفروضة، وتتوالى آثار من كنيسة وجامع و.. إلخ.<br />
<br />
وتعود إلى الرمز الزهري المنصوب أمامك لتجد الحفر على زهرة اللوتس أمامك يتكرر، وكأنه يريد أن يمحو عصر [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ونعود غلى سؤال يلح عليك: ماذا تبقى من [[جمال عبد الناصر]] ؟<br />
<br />
ليس الشاهد بالقطع؛ وإنما "المشروع" .. المشروع الوطني.<br />
<br />
====حين يتحول المهادن إلى بطل====<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير!! .<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير لموقف [[فتحي غانم]] الغاضب من [[ثورة يوليو]] حتى نرى في كتابه الذي صدر نقداً موضوعياً ل[[ثورة يوليو]] ولزعيمها الراحل في مثل هذه الأيام من ربع قرن، وإنما هي طبيعة المثقف ال[[مصر]]ي، الذي يتحول فيه إلى (نمط) معين من أنماط المثقفين، وهو نمط يتغير دوماً ـ لدى الأغلبية ـ من عصر لعصر، وفي كل مرة يحاول المثقف القفز من عقدة الذنب إلى تبريرها، وفي ؟؟ هذا التبرير كثيراً ما يغير الأحداث ويبدل الزوارق، ويتحول المثقف المهادن إلى (بطل) في زمن آخر.<br />
<br />
وليس هذا وقفاً على كاتب كبير مثل [[فتحي غانم]] في كتابه (معركة بين الدولة والمثقفين)، وإنما ـ أيضاً ـ على عدد كبير من المثقفين الذين كانوا نجوماً في عصر [[عبد الناصر]]، حتى إذا ما انقضت السنوات بعد رحيله، وخفت نجم الزعيم وقوته ودولته حتى عادوا ليملئوا عن بطولاتهم ومصادرهم ومواقفهم الشجاعة.<br />
<br />
إنهم يحاربون طواحين الماضي بسيف "[[دون كيشوتي]]"، في غيبة رموز هذا الماضي ومصادر قوته.<br />
<br />
ومما يؤكد على هذا في حالتنا أن [[فتحي غانم]] هو يحاول إعادة تركيب الأحداث (كما يريد) لا يجد وثائق أو مواقف محددة يستطيع التدليل بها، فيقع في محظور الخلط، وتصبح حالة إنتاج الذاكرة تزييفاً لوقائع في غيبة أصحابها أو شاهدي العيان عليها والأخطر من هذا كله، أنها تكتب لأجيال جديدة لم تعرف هذا العصر، ولم تختبر فيه طبيعة النمط أو ذاك من أنماط مثقفينا التي تغيرت وتبدلت كثيراً.<br />
<br />
إن الكاتب لا يتوقف عن سرد أحداث ـ كأنه عاشها وحده ـ مبرراً كثيراً من المواقف ـ نشرت لأول مرة في جريدة أسبوعية لقارئ محدد ومتعجل ـ، مستغرقاً في الحكي عن حالات التعذيب المريعة، بالتعميم، ودون مسئولية لإحداثها قط، كما يزعم أن له دور بطولي اقتضاه أن يحكي عنه الآن، كذلك يزعم أن الأمن كان أقوى من الثقافة والمثقفين، وهو زعم، لا ننكره ـ ولكنه يجيء هنا في معرض تبرير مواقف المثقفين وحسب.<br />
<br />
وهو بعد ذلك كله، يزعم أنه شهد عدداً من الأحداث كان بريئاً منها، وفي أحسن الحالات لم يأخذ غير دور المتفرج فقط، وعلى سبيل المثال، فإن المثال الأخير يتوقف بنا حينما قرر [[عبد الناصر]] تأميم الصحافة أو السيطرة الكاملة على الصحافة).<br />
<br />
ويزعم [[فتحي غانم]] هنا أن هذا القرار ـ قرار تأميم وتنظيم الصحافة ـ كان مفاجأة بالنسبة له، متجاهلاً وإنه كان أحد رجالات العصر، عرف كثيراً من الأحداث أو الرارات قبل وقوعها، ببساطة ـ ليقوم بدور الممهد والمبرر لكثير منها، وفي حالة تأميم الصحافة، فقد ذكر أنه عرف موجات التأميم الكبرى من [[علي صبري]]، وفي الوقت نفسه يزعم ـ لا نعلم كيف ؟ ـ أنه لم يكن لديه أي تصور لما حدث من تأميم الصحافة في 24 مايو [[1960]] حين قرر [[عبد الناصر]] تأميم الصحافة.<br />
<br />
إن صاحب (الرجل الذي فقد ظله) يرسم لنا صورة كيف استدعاه مساعد سامي شرف صباح هذا الحادث وذلك أثناء تناوله لفطوره (الليدو) بنادي الجزيرة (!!) ويبلغه، بشكل درامي، أراد أن يضيف إليه مشاهد من الإرهاب ـ كيف تقرر حضوره لاجتماع قرره [[عبد الناصر]]، مع بقية الصحفيين.<br />
<br />
ويزعم هنا الكاتب الكبير أنه أسرع إلى الاجتماع المفاجئ، وكأنه أراد أن يقول لنا أنه لم يكن ليعلم بالسبب الذي استدعي من اجله، وكأنه أراد أن ينسينا أنه كان أحد الأدوات التي استعان به النظام ممهداً لقرار التأميم.<br />
<br />
والواقع أن [[فتحي غانم]] كان قد عرف اتجاه الريح مبكراً من [[علي صبري]] ـ أو من غيره ـ. بل كان عليماً بالمقالات التي يكتبها [[علي صبري]] في ذلك الوقت بإيحاء من السلطة العليا لتغيير كثير من المواقف والأحداث، ولا نغالي إذا قلنا أن [[فتحي غانم]] كان مهيئاً مع غيره من السادة المسئولين الكبار ليلعب دوره المنتظر منه ليمهد لقرار [[عبد الناصر]] لتأميم الصحافة.<br />
<br />
ويبدو أن عدداً ليس بالقليل من رؤساء التحرير في ذلك الوقت كانوا قد عقدوا صفقة خفية بينهم وبين النظام خاصة، ليلعبوا دوراً في التمهيد لهذا القرار. بدليل أن رؤساء التحرير بعد تنظيم الصحافة الذي أجري في المرة الأولى أثناء وجود [[الإتحاد القومي]] ظلت أسماؤهم في مقدمة الأسماء التي حصلت على أكبر قدر من النفوذ في صحفهم، ولم ينتقص من نفوذها السابق شيئاً، ومن هؤلاء ظل [[إحسان عبد القدوس]] في [[روز اليوسف]] مضافاً إليه [[فتحي غانم]] كما هو.<br />
<br />
ولا يعني هذا أن كل المثقفين شاركوا مبكراً في التمهيد لهذا القرار، وإنما كان السبب لدى البعض ـ ك[[إحسان عبد القدوس]] ـ ظروف مادية اضطر إليها فطفق يدعو إلى التأميم، لكن ذلك لم يكن بمعزل عن التنبه إلى اتجاه الريح، غير أن هذا التنبه لما تريده السلطة دفع بالبعض أن يدعو إلى تأميم السلطة فيكون ملكياً أكثر من الملكيين، حتى أن [[عبد الناصر]] ـ كما أكد لي [[إحسان عبد القدوس]] ـ أخذ مقالة لإحسان ووقع عليها أمر بالتأميم بما يدل للعلاقة بين المثقف والسلطة وطبيعتها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ويتسق مع هذا الكثير من مواقف المثقفين الآخرين وفي مقدمتهم [[فتحي غانم]] نفسه.<br />
<br />
لا يعني هذا أننا ندافع عن قبضة الأمن في الفترة الناصرية، ولكننا لا ندافع عن تخاذل كثير من المثقفين الذين أصبحوا في موقف المهادنين والمؤيدين بدون تردد، متنقلين بين المكاتب الفاخرة والمناصب العالية، والنوادي التي كانت ماتزال مفتوحة لأولاد الباشوات والطبقة السوبر الجديدة.. إلخ.<br />
<br />
ومن أجل هذا ارتاح عديد من المثقفين إلى توجهات النظام وتأييده بشكل مسرف، تحول إلى شكل آخر ـ في نظام آخر ـ إذ أصبحنا الآن أمام من يزعم أن هناك معركة كانت تدار بين الدولة والمثقفين (لاحظ الإجمال في التحدث عن المثقفين)، وأن هؤلاء المثقفين، خاصة من كان منهم في مناصب رفيعة، واضطروا تحت الضغط الديكتاتوري إلى اتخذ مواقف لم يرضوا عنها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ينتهي كتاب [[فتحي غانم]] ولا نخلص من سؤال: هل كانت المعركة حقاً بين المثقفين (على إطلاقهم) والدولة؟<br />
أم كانت بين عدد من المثقفين حرصوا على مكاسبهم فهادنوا وعرفوا الصمت الجميل حتى إذا ما جاء زمن آخر نزعوا أقنعة التأييد إلى أقنعة البطولة، ورجعوا إلى حيث يريد المثقف أن يكون دائماً؟ ..<br />
<br />
أسئلة لا تحتاج للإجابة عنها ..كما لا تحتاج إلى الواقع ليتحول هذا المثقف من المهادن؟ بعد الفترة الناصرية إلى أبطال..؟ أليس كذلك؟<br />
<br />
الولاء .. نموذج أخطاء كثيرة نقرأها كل يوم، ونعرفها وهي تمضي فوقنا، كالسحاب، دون أن نأبه غن كان هذا السحاب قد يمطر، أم أنه من قبيل السراب الذي يتشوف إليه الساري في الصحراء.<br />
<br />
من هذه الأخطاء ما زعمه لنا أحد الزملاء (غير المحترمين) في كتاب صدر أخيراً عن دار ب[[القدس]] المحتلة، وهاجم فيه أغلب الصحفيين ال[[مصر]]يين، ولم ينس، في صحيفة الدفاع عن الحقيقة، أن ينال من صديقه الوحيد الذي دافع عنه أثناء ذهابه إلى [[القدس]] في نهاية الستينيات، لقد قال عن [[أحمد بهاء الدين]] بالحرف الواحد أنه (هاجم الناصرية لحساب [[السادات]] بعد موت [[عبد الناصر]]) جاء هذا في معرض نقد كل المثفين ال[[مصر]]يين.<br />
<br />
فهل فعل المثقف هذا؟ ، وهل هاجم [[أحمد بهاء الدين]] [[عبد الناصر]] بعد رحيله؟<br />
<br />
وكيلا تكون إجابتنا من قبيل الدفاع وحسب، فإننا نشدد هنا على أمرين اثنين، أحدهما، أن عددا كبيراً من الصحفيين ال[[مصر]]يين الذين عاشوا في عهد [[عبد الناصر]] و(أكلوا خبزه) ارتدوا بالفعل بعد رحيله منهم [[توفيق الحكيم]] و[[يوسف إدريس]] و[[صالح جودت]] و[[فكري أباظة]] و[[إبراهيم الورداني]] و[[ممدوح رضا]] و[[فتحي غانم]] .. إلخ غير أن الواقع اختلف بالنسبة إلى [[أحمد بهاء الدين]] ـ وهنا يبدأ الأمر الآخر ـ أن بهاء لم يكن هو المثقف الذي يؤيد ثم يرتد، بل نستطيع القول بأن بهاء ظل، وحتى مرضه الأخير ـ شفاه الله ـ يدافع عن [[عبد الناصر]]، ولم يعرف عنه هجوماً على الزعيم رغم ما كلفه هذا كثيراً، حين كان الهجوم شجاعة وتصفية حسابات إبان حكم [[السادات]].<br />
<br />
وأقصى ما نستطيع قوله أن بهاء كان مسايراً لنظام [[عبد الناصر]] دون خوف وإنما عن اقتناع تام مؤداه أن ثورة الزعيم شهدت ـ منذ سنواتها الأولى ـ إنجازات ثورية (لنذكر: إلغاء الألقاب، التحول إلى الجمهورية، محرابة الفساد والسعي للتطهير، تمليك الفلاحين للأرض باسم [[الإصلاح]] الزراعي، مؤتمر باندونج، الموقف الوطني إزاء الغرب، صفقة السلاح، رفع راية الكرامة القومية، صمود [[1956]]، اتحاد [[مصر]] و[[سوريا]]، ازدهار القومية العربية، تأميم [[قناة السويس]]، بدء مشروعات التصنيع..إلخ) والمعروف أن بهاء شارك ـ بالفعل ـ في النظام فسافر في اللجنة ال[[مصر]]ية للتضامن الآسيوي – الأفريقي لتساهم [[مصر]] في حركة التحرر الوطني في قارتي أفريقيا وآسيا عام [[1957]] ليمثل [[مصر]] في تهنئة [[نكروما]] بانتصارات أفريقيا، بل كان من أول الصحفيين الذين سافروا إلى [[سوريا]] إبان الوحدة، وأكثرهم نشاطاً مطوفاً في [[سوريا]] من حمص إلى حماه إلى حلب إلى جبل العرب (الدروز) إلى الحسكة. إلى غير ذلك من الجهود التي ام بها ـ عن طيب خاطر وناعة ـ وسافر إلى أكرا بعد سنتين، ليمثل النظام. بل كان أكثر الكُتَّاب دفاعاً عن [[عبد الناصر]] بعد هزيمة [[1967]] وتأكيداً للمعركة إبان مظاهرات الطلبة واستنكار الأحكام الهزيلة على المسئولين وغياب [[الديموقراطية]] .. نستطيع أن نقول أن ذلك كان من قبيل الدفاع عن عبد الانصر، رغم أن هذا البيان في هذا الوقت أغضب [[عبد الناصر]] نفسه، فقد كان الزعيم يتخوف من أي مظاهرات أو لجاجات؟؟ نقابية في وقت كان يتأهب فيه لإعادة النظام لمواجهة [[إسرائيل]] من جديد.<br />
<br />
والواقع أن ذلك كله لا يكفي للدفاع عن بهاء (يهمنا الدفاع عن الحقيقة أولاً) وربما كان مسئولاً عنه لدى البعض أن بهاء ذهب في تأييد النظام إلى درجة أنه رأى النظام لم يقبض على صاحب رأي، وأن من قبض عليهم كانوا (كوادر) تنظيمية أو حزبية.<br />
<br />
كان [[بهاء الدين]] يرى أن الذين يقبض عليهم في عصر [[عبد الناصر]] كانوا من ذوي الانتماء التنظيمي وكان الانتماء الصحفي غير الانتماء التنظيمي.<br />
<br />
بيد أن هذا القول مردود عليه أن النظام في أكثر من مرة دفع ببعض أصحاب الرأي في السجون دون أن يكونوا من ذوي الانتماء السياسي، إذ كان (الولاء) أكثرما يحرص عليه من أصحاب الثقة، وهي أخطاء يمكن أن تذوب في إنجازات [[الثورة]] الوطنية التي ارتكبت من الأخطاء في مرحلة (التجربة) مما لا يمكن أن يحول كل إنجازاتها إلى سلبيات.<br />
<br />
كان بهاء مسايراً للنظام، نعم، ولكن ليس عن مهادنة، وإنما عن اقتناع ولم يكن من أصحاب (مسك العصا من النص) قط، ففي معرض التفسير النفسي لبهاء يمكن القول أنه كان ذا طبيعة هادئة تقترب من الانطواء، وتقتنع بما تراه صواباً، وهو ما حدث من تأييده للثورة في سنوات الانتصارات، أما حين أصبحت الهزيمة واقعاً عقب هزيمة [[1967]]، فإن الطبيعة الهادئة يمكن أن تتحول إلى تمرد، قام به [[بهاء الدين]] من داخل (نقابة الصحفيين) وكان مستعداً لتقبل نتائجه كاملاً.<br />
<br />
إذن، فإن [[بهاء الدين]] حين أيد [[عبد الناصر]] عام [[1967]] كان صادقاً مع نفسه، وحين هاجمه عام [[1968]] كان صادقاً مع نفسه أيضاً، فتكوين بهاء هو المسئول عن المواقف التي اتخذها، مما ينفي عنه تهمة الهجوم على [[عبد الناصر]] بعد رحيله كما يزعم أحد الزملاء المحترمين.<br />
<br />
==القسم الثاني: وثائق==<br />
<br />
===قاعة اجتماعات===<br />
<br />
مسرح في [[القاهرة]]<br />
<br />
'''دور سينما في [[القاهرة]]:'''<br />
<br />
- استديو [[مصر]] يبني دار سينما في [[القاهرة]] ـ أو أكثر.<br />
<br />
- استديو [[مصر]] يقوم بالإنتاج والتوزيع في [[مصر]] وجميع أنحاء العالم.<br />
<br />
- بحث حالة استوديو [[مصر]] كلها ـ خطة استوديو [[مصر]] لخمس نوات.<br />
<br />
'''- خطة لكل شركة في المؤسسة الاقتصادية:'''<br />
<br />
بنك [[مصر]].<br />
<br />
الخمس سنوات.<br />
<br />
المصناع الحربية.<br />
<br />
بالإضافة إلى خطة لكل منها: للمؤسة ـ لبنك [[مصر]] ـ للخمس سنوات ـ للمصانع الحربية بالنسبة للمشروعات الجديدة.<br />
<br />
'''مشروع الخمس سنوات :'''<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الصناعي.<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الزراعي.<br />
<br />
- الزيادة في الرقعة الزراعية.<br />
<br />
- الزيادة في الدخل القومي.<br />
<br />
- الزيادة في السكان.<br />
<br />
- الزيادة في التصدير.<br />
<br />
وزارة الشئون البلدية والقروية :<br />
<br />
1- الإسكان وبرامجه – في المدن.<br />
<br />
2- الإسكان وبرامجه – في الريف.<br />
<br />
3- الاهتمام ب[[القاهرة]] حتى القناطر الخيرية، وحتى حلوان من ناحية نظافة الأحياء الفقيرة.<br />
<br />
ولو دعي الأمر إلى زيادة عمال النظافة وتقسيمها إلى أقسام أو مناطق ومتابعة المسئوليات.<br />
<br />
- الاهتمام بحلوان وإنعاس حقيقة الحياة فيها ـ إنعاش الجزء القريب من النيل <br />
<br />
ـ عمل كورنيش ومساكن – المياه المعدنية استخدامها على طريقة سوتش في [[روسيا]] <br />
<br />
– بحث حالة المنطقة من [[القاهرة]] إلى حلوان ـ المعصرة ـ طرة .. إلخ ـ نقل السجن والاستفادة من المنطقة بحي المعادي أو عمل مؤسسة جديدة لمنطقة ـ طره ـ لتخطيطها ... إلخ. ومن المنطقة من طره إلى [[حلوان]] .. من النيل إلى الجبل.<br />
<br />
- بحث حالة المنطقة من شبرا إلى القناطر على النيل ـ كوبري شبرا، سوق القناطر سينقل ويصلح الطريق إلى القناطر.<br />
<br />
- حالة العزب من القبة إلى كوبري شبرا:<br />
<br />
نادي – استاد رياضي.<br />
<br />
مبنى [[الإتحاد القومي]] ـ الاهتمام بنظافة عواصم المراكز ـ لا مانع من زيادة عمال النظافة ـ هذا يزيد عدد العمال ـ أدكو مثلا في منتهى القذارة – رشيد – أبو قير – قليوب ... إلخ.<br />
<br />
- دراسة مشروع Community Center ب[[الهند]].<br />
<br />
بحث فكرة فصل الشئون البلدية عن الشئون القروية.<br />
<br />
الشئون البلدية للمدن فقط.<br />
<br />
الشئون القروية تشمل كل ما يتعلق بالقروية.<br />
<br />
- Community Center.<br />
<br />
- الوحدات المجمعة.<br />
<br />
- كل ما يختص بالقرية في وزارة الشئون الاجتماعية والشئون القروية.<br />
<br />
دار للسينما لتكون مسرح.<br />
<br />
===القرى ===<br />
<br />
- مشروع لإعادة بناء القرى في عشرين عاماً.<br />
<br />
- البدء بالقرى المحيطة ب[[القاهرة]] ـ والمحيطة ب[[الإسكندرية]] ـ وأسوان ـ [[الأقصر]]. يمكن إعطاء القرى إعانة لذلك من الحكومة.<br />
<br />
- مسكن القرية ـ كيف يتكون على أن يكون أرخص ما يمكن.<br />
<br />
- مشروع لتوصيل الكهرباء إلى القرى كل قرية قريبة من مصدر كهرباء تصلها الكهرباء.<br />
<br />
- نظافة القرية.<br />
<br />
- ساحة شعبية بالقرية.<br />
<br />
- مبنى للاتحاد القومي.<br />
<br />
- ناد للقرية.<br />
<br />
- سينما للقرية في القرى الكبيرة.<br />
<br />
- الاعتماد على المدارس في القرية لتكون نواة للنشاط الثقافي ودار للكتب وجامعة شعبية ومتحف.<br />
وكذلك الاعتماد على الوحدات المجمعة.<br />
<br />
===التأمين الصحي وبحثه ودراسته ===<br />
<br />
عام: بحث علاقة وزارة الشئون البلدية أو المجال البلدية بالمستشفيات العامة.<br />
<br />
===آسيا وأفريقيا ===<br />
<br />
- يجب الاهتمام بآسيا وأفريقيا من ناحيتين:<br />
<br />
أ- التضامن الآسيوي الأفريقي.<br />
<br />
ب- الاستفادة من العناصر [[الإسلام]]ية في بلاد آسيا وأفريقيا بطريقة غير مثيرة للأديان الأخرى.<br />
<br />
- مكتب لآسيا وأفريقيا في رئاسة الجمهورية يبحث كيفية توثيق العلاقات مع الحكومات والشعوب ـ القوة العفوية؛ أي التأييد الشعبي لنا، ويبحث التبادل التجاري والثقافي مع دول آيا وأفريقيا - ويفتح سياستنا بالنسبة للإذاعة ويتصل اتصالات شخصية.<br />
<br />
===أما الناحية [[الإسلام]]ية===<br />
<br />
- الاتصال بجمعية العلماء ب[[الهند]].<br />
<br />
- الاتصال بالجمعيات [[الإسلام]]ية الأخرى، والشخصيات [[الإسلام]]ية ودعوتها لزيارة الجمهورية العربية.<br />
<br />
- واستمرار إرسال مناوبين من طرفنا لزيارة هذه البلاد من الفكر [[الإسلام]]ي أو [[الأزهر]] أو الشبان المسلمين.<br />
<br />
===[[الأزهر]] ===<br />
<br />
- يجب إعادة النظر في برامج [[الأزهر]] بسرعة. وقد لمست في جامعة .... كيف تحولت إلى جامعة بها كليات مختلفة لدراسة الهندسة وعلم النفس، ويمكن أن تنشأ في [[الأزهر]] كليات جديدة للهندسة والعلوم والتجارة والحقوق ـ يقتضي الدخول فيها على من درس في [[الأزهر]] ـ والمسلمين من جميع أنحاء العالم على أن يكون بها أيضاً كليات للشريعة [[الإسلام]]ية والفقه واللغة العربية واللغات الشرقية.<br />
<br />
حيث أن [[الأزهر]] فقد قيمته كلية في العالم إذ أن أي شخص سيتعلم في [[الأزهر]] لا يعمل إلا مقرئاً ولا يجد أي عمل آخر.<br />
<br />
- يمكن أن تشمل الدراسة في الهندسة الديانة [[الإسلام]]ية بجانب الهندسة .<br />
<br />
والديانة [[الإسلام]]ية بجانب العلوم ـ وهذا يستدعي أن تتشعب البرامج في الدراسة الابتدائية والثانوية ب[[الأزهر]] لتكون مشابهة للدراسة في المدراس الابتدائية والثانوية العادية مع دراسة الدين [[الإسلام]]ي بالتفصيل واعتباره علماً أساسياً.<br />
<br />
- كذلك بالنبة للملابس ـ هناك نقطة هامة وهي أن لبس المشايخ يدعو في آسيا للخرية وقال سفيرنا في إندونيسيا أن هذا اللبس يدعو غلى شل كل فكره؛ لأن الأطفال يسيرون خلف الشيخ على أنه مخة ـ فيجب بحث فكرة لبس جديد. بدله وعليها تكون مثلا ..........<br />
<br />
'''- ويجب أن يتم علاج [[الأزهر]] في أسرع وقت:'''<br />
<br />
شيخ الجامع [[الأزهر]].<br />
<br />
مدير الجامعة [[الأزهر]]ية.<br />
<br />
على أن يبدأ تطبيق البرامج الجديدة من أول العام القادم.<br />
<br />
ويجب أن نلاحظ أن مدرسة البابا لا تقتصر على تدريس الدين فقط، بل تحاول بكل وسيلة جذب الناس.<br />
<br />
- زراعة أكبر مساحة من الحدائق والأشجار.<br />
<br />
- زراعة منطقة الدراسة وجبل المقطم وباب الوزير.<br />
<br />
===[[الإسكندرية]]===<br />
<br />
الأحياء الشعبية – الأنفوشي – رأس التين – غيط العنب – كرموز - ... إلخ – الإسكان ـ متحف فرعوني كبير للتحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المديريات ===<br />
<br />
- الاهتمام بتجميلها ـ حدائق ـ كورنيش النيل ـ إسكان ـ حديقة الحيوانات تبدأ في حديقة كبيرة.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
- سينما درجة أولى تصلح مسرح.<br />
<br />
- الاهتمام بتخطيط المدينة.<br />
<br />
- متحف توضع فيه التحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المراكز ===<br />
<br />
- يجب أن تدخلها الكهرباء جمعاً، يجب أن تخطط المدينة.<br />
<br />
- الاهتمام بالحدائق – كورنيش إذا كانت على النيل.<br />
<br />
- الإسكان.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
===جمعيات الصداقة===<br />
<br />
لاحظت في [[الهند]] أثر جمعيات الصداقة في توثيق العلاقات، وفي نفس الوقت في التنظيم الداخلي إذ أن هذه الجمعيات سواء كانت للصداقة أو لأغرض أخرى فإنها تخدم السياسة الخارجية للهند:<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الهند]]ية.<br />
<br />
- جمعية التضامن [[الهند]]ية الإفريقية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الأسيوية الأفريقية ... إلخ.<br />
<br />
ويجب أن نعتمد على الكتب من اتصالاتنا على جمعيات الصداقة سواء في بلدنا أو في البلاد الأخرى ـ حيث أن حرية العمل تكون مفتوحة أمامها ـ على أن تكون لهذه الجمعيات شخصية ـ وتضم عدداً من الأعضاء ـ على أن يكون للرئيس شخصية تمكنه من العمل. أما الوزراء فليس عندهم الوقت الكافي لذلك.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الهند]]ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية ال[[باكتسان]] ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الإندونيسية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية يلان.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الملايو.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الصين]] .<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية بورما.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[كمبوديا]] .<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[اليابان]] ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الفلبين]] .<br />
<br />
وتقوم جمعيات الصداقة بالعمل بالاتفاق مع سفراؤنا في هذه البلاد على تكوين جمعيات صداقات عربية فيها، ولا مانع من أن تكون الجمعية العربية تجمع كل البلاد العربية.<br />
<br />
وتقوم أيضاً بدعوة الشخصيات المختلفة والصحفيين من هذه البلاد. واستضافتها ثم تقوم بتبادل الزيارات مع جمعيات الصداقة الأخرى.<br />
<br />
وتقوم عن طريق اتصالاتها بتعريف البلد بسياستنا ونشاطنا والعمل على تطوير بلدنا.<br />
<br />
ويمكن لكل هذ الجمعيات أن تنسق العمل بينها .<br />
<br />
وكذلك بالنسبة لإفريقيا .. جمعية الصداقة العربية [[غانا]] ، [[غينيا]] ، [[ليبيريا]] ، [[الحبشة]] ، [[الصومال]] ، [[الكاميرون]] .<br />
ولا مانع من جمعيات مع الدول الأخرى التي تكافح في سبيل استقلالها.<br />
<br />
كذلك يبحث إنشاء جمعيات صداقة مع بعض الدول الأوروبية على أن تنشأ جمعيات صداقة في البلاد الأوروبية:<br />
<br />
جمعية ألمانية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية صداقة عربية في بون مثلا.<br />
<br />
جمعية عربية يونانية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية يونانية عربية في أثينا.<br />
<br />
جمعية عربية إيطالية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية إيطالية عربية في روما.<br />
<br />
كذلك بالنسبة لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.<br />
<br />
===الصناعة===<br />
<br />
كان أهم شيء لمسته أثناء زيارتي للهند هذا العام هو الاهتمام بالصناعات الصغيرة وتشجيعها، ولو كانت ذات رأس مال خاص، وذلك بتكوين مراكز صناعيةINDUSTRY ESTATE على أن تساعد الدولة أصحاب الصناعات الصغيرة إلى أبعد مدى ـ بناء العنابر اللازمة لكل صناعة بطريقة تجمع الصناعات الصغيرة ـ وإعطاء الأرض والبناء بتسهيلات ثم توفير الكهرباء والنقل والخدمات وفي المركز القري من دلهي وجدت صناعة الراديو في عنبر صغير، وكذلك صناعة التروس، والغسالات، والعجلات (البسكليت). وصناعات أخرى كثيرة ـ لعب الأطفال. <br />
<br />
كل صناعة في عنبر صغير – صناعة الموتورات – صناعة المحولات العوازل ... إلخ.<br />
<br />
وقد رأيت في أحد المراكز – في دلهي – أكثر من عشرين صناعة في هذا المركز، كل صناعة تعتمد على مبنى صغير.<br />
<br />
والشيء الآخر الذي لمسته هو الصناعات الريفية ـ والصناعات اليدوية، والاهتمام بها، ففي زيارتي لإحدى القرى لمست تنظيم الصناعات الريفية النسيج اليدوي - الحصر الناعمة – تفصيل الملابس ... إلخ.<br />
<br />
وفي زيارة للمدن فقد لمست أن في كل مدينة محل كبير في أهم مكان بها لبيع الصناعات اليدوية – شغل الفضة – شغل النحاس – شغل الخشب – شغل الإبرة – الملاب والمفارش – شغل الزجاج – لعب الأطفال ... إلخ.<br />
<br />
أما الناحية الأخرى فتمشل الصناعات المتوسطة والصناعات الثقيلة.<br />
<br />
وعند استعراض الصناعة في [[مصر]] و[[سوريا]] أجد أن الوضع مشوش. فنظراً للمبالغة في الدعاية والإعلان فإن أي مشروع يعتبر مشروعاً كبيراً، ومن الضرورى أن نقسم صناعاتنا إلى:<br />
<br />
صناعة ريفية، صناعة يدوية، صناعة صغيرة، صناعة متوسطة، صناعة ثقيلة كما أن تطبيق طريقة INDUSTRY ESTATE لها فائدة كبرى – إذ أن جمع الصناعات الصغيرة في مراكز مع إعطائها التسهيلات سيفيد الصناعة إذ أن الصناعة الصغيرة تحتاج إلى رأس مال صغير ويمكن لإنتاجها أن يكفي الاستهلاك المحلي والتصدير، وقد رأيت في مصنع البسكليت الصغير كيف أنهم يصدرون ل[[مصر]] ـ كما رأيت مصنع لآلات الورش صغير ولكن إنتاجه جيد، ونحن نتكلم عن مصنع البسكليت منذ خمس سنوات بدون نتيجة.<br />
<br />
ما هي الصناعات الصغيرة اللازمة.<br />
<br />
يجب عمل خطة لإنشائها.<br />
<br />
يجب عمل عدة مراكز للصناعة الصغيرة، واحد في الاهرة، واحد في الإسماعيلية، وأي مكان مناسب آخر.<br />
<br />
لقد رأيت صناعة المسامير في غزنه صغيرة ـ وهذا مشروع سنتكلم عنه على إثر صناعة جديدة، وكذلك أدوات المائدة.... إلخ.<br />
<br />
وقد تكلمنا كثيراً بطريقة يضخم المشروع ـ رأيت أيضاً صناعة عربات السكة الحديد البضاعة والركوب.<br />
<br />
في [[الهند]] وال[[باكستان]] ـ في ال[[باكستان]] المصنع تابع للسكة الحديد.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] كيف أن مصنع عربات السكة الحديد يشمل أفران لصهر الحديد الخردة واستخدامه، والحديد الزهر.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] الترسانة، وكيف أنها تنتج بجانب السفن بوابات القناطر وبعض قطع الكراكات، ويمكن لترانة [[بورسعيد]] أن تنتج بوابات القناطر... إلخ.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] مصنع في لاهور ينتج آلات الورش ـ وماكينات الديزل للري والكهرباء ـ والخزن الحديدية – وماكينات الخياطة – ويصدر إلى الخارج بما في ذلك [[سوريا]]، وبحيث أن هذا المصنع به أيضاً أفران لصهر الحديد والخردة ومسابك.... إلخ.<br />
<br />
بالنسبة لصناعتنا يجب ألا نكون لأنفسنا صورة واحدة عن ما حققناه بدون مبالغة ثم نقرر بعد ذلك ما يمكن عمله.<br />
<br />
وأرى أن تقتصر وزارة الصناعة على التخطيط ومتابعة التنفيذ ولا تندمج في العمليات التنفيذية فهذا ما يدعو الآن إلى أن تكون الصورة مشوشة حيث أن وزارة الصناعة أصبحت طرفاً في منازعات ـ وواجب وزارة الصناعة أن تكون لها الولاية على الخاص والعام ـ ويجب أن تتساوى المؤسسات جميعاً أمام وزارة الصناعة، بمعنى أن مؤسسة بنك [[مصر]] تتساوى مع المؤسسة الاقتصادة ومع مؤسسات عبود ومؤسسة الخمس سنوات والمصانع الحربية.<br />
<br />
أما عن وجود وزارة الصناعة في تنفيذ مشروع الخمس سنوات فإن أثره واضح في المنازعات والمزايدات.<br />
<br />
'''المطلوب :'''<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي نفذت؟<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي أعلن عنها ولم تنفذ ـ [[بورسعيد]] .<br />
<br />
- الإقلال من التهويل والدعاية.<br />
<br />
- تقسيم الصناعات إلى ثقيلة ومتوسطة وصغيرة ـ وتجميع الصغيرة في INDUSTRY ESTATE. سواء تابعة للمؤسسة أو لبنك [[مصر]]، وذلك لإنتاج أكبر عدد من المنتجات برؤوس أموال صغيرة ـ ثم توزيع الصناعات المتوسطة والثقيلة على المؤسسات الحكومية أو الخاصة ـ على أن يكون لكل مؤسسة حكومية أو خاصة برنامج لخمس سنوات.<br />
<br />
أولاً: برنامج ينبى على أساسه مشروع الخمس سنوات، ثم برنامج نهائي لتنفيذ مشروع السنوات الخمس بعد إقراره ـ ويجب أن يشمل ذلك التجارة أو توزيع المنتجات وفتح أسواق جديدة ـ ويجب أن تصدر كل صناعة 10% من إنتاجها ولو دعي الأمر إلى إعطاء إعانة لها – فمثلا في ال[[باكستان]] يستوردون كل عام حوالي 400 ألف طن PIC IRON ويمكن أن نفتح سوق هناك.<br />
<br />
كما يجب حصر الصناعات في بلدنا حصراً حقيقياً – على أساس الصناعة وعلى المحافظة – ويجب إعطاء أولوية لعمليات التوسع في الصناعات القائمة بدلا من تكوين شركات جديدة ذات رأس مال جديد.<br />
<br />
===مذكرة: " نظام الوصاية "===<br />
<br />
'''مجلس الدولة '''<br />
<br />
'''قسم الرأي مجتمعاً'''<br />
<br />
'''حضرة وكيل مجلس الدولة لقسمي الرأي والتشريع ومستشار الرأي لرياسة مجلس الوزراء وديواني المحاسبة والموظفين'''<br />
<br />
إيماءً إلى الكتاب الوارد إليكم من حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 30 من [[يوليو]] سنة [[1952]] يبلغكم أنه على أثر نزول الملك السابق عن العرش وتركه مظروفاً مختوماً بأسماء الأوصياء أصبح من المتعين حتى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم [[الدستور]]ية أن يوافق البرلمان على تعيينهم وأن يؤدوا اليمين أمامـه في حين أن مجلس النواب منحل ويطلب منكم الرأي فيما إذا كان [[الدستور]] قد واجه هذه الحالة مثلما واجه حالة وفاة الملك في المادة 52 وإن كان لم يواجهها بحيث يتعين إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب فهل يمكن ـ تفسيراً للمادة التي ي[[مارس]] فيها مجلس الوزراء سلطات الملك ـ التفكير في نظام لوصاية وقتية على العرش تنتقل إليها هذه السلطات.<br />
<br />
ولما رأيتم من عرض الأمر على قسم الرأي مجتمعاً ودعوتي لحضور اجتماعه بالنظر إلى أهمية المسائل المطلوب الرأي فيها قد عرضت طلب الرأي الوارد إليكم على القسم لنظره في جلسة خاصة مستعجلة عقدت يوم 31 من [[يوليو]] سنة [[1952]] وفيها انتهى القسم بإجماع تسعة أصوات ضد صوت واحد إلى ما يأتي:'''<br />
<br />
إذا تقصينا الأسباب التي تزول بها ولاية الملك، '''وجدناها تنحصر في أسباب ثلاثة:'''<br />
<br />
وفاة الملك، وإصابته بمرض عقلي، ونزوله على العرش أو تنحيته عنه.<br />
<br />
وقد عرض [[الدستور]] للسبب الأول، وهو وفاة الملك، في نص المادة 52 أنه "إثر وفاة الملك يجتمع المجلسان بحكم [[القانون]] في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفـاة. فإذا كان مجلس النواب منحلاً وكان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه". <br />
<br />
وعرض الأمر الملكي لصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] للسبب الثاني، وهو إصابة الملك بمرض عقلي. فتنص المادة 12 على أنه إذا تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي، فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يدعو البرلمان في الحال إلى الاجتماع. فإذا ثبت قيام ذلك المرض بطريقة قاطعة. قرر البرلمان انتهاء ولاية ملكه فتنتقل إلى صاحب الحق فيها من بعد بحسب أحكام أمرنا هذا. ولم يرد أي نص لا في [[الدستور]] ولا في الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] عن السبب الثالث وهو نزول الملك عن العرش.<br />
<br />
ولا يمكن القول بأن السكوت عن هذا السبب الأخير إنما هو سكوت من النادر اكتفاء بذكر الغالب فإن [[الدستور]] لم يسكن عن حالة خلو العرش بل نص عليها في المادتين 53 و 54 وفي حالة أكثر ندرة من حالة النزول عن العرش. ولا يمكن القول كذلك بأن هذا السكوت كان عن كياسة ولباقة. فالسكوت عن حالة النزول عن العرش لم يكن إذن مراعاة لأحد الاعتبارين السالفي الذكر. بل يرجع السكوت فيما يظهر إلى أن [[الدستور]] لم ير أن يعرض لنزول الملك عن العرش لأن هذا النزول يقع عادة أثر ثورة او انقلاب وليس من الحكمة تنظيم [[الثورة]] أو الانقلاب فلكل منهما ملابسات خاصة هي التي تسيطر عليه وتنظمه.<br />
<br />
فإذا ما تقرر أن حالة النزول عن العرش مسكوت عنها ولم يواجهها [[الدستور]] كما واجه حالة الوفاة. بقي البحث عنها ولم يواجهها [[الدستور]] كما واجه حالة الوفاة. بالرغم من أن لكل حالة من هاتين الحالتين ملابساتها ــ إذ النزول عن العرش أمر استثنائي يخرج عن الأوضاع المألوفة أما وفاة الملك فأمر طبيعي مألوف.<br />
<br />
إن الأحكام التي أوردها [[الدستور]] في حالة وفاة الملك فيما يتعلق بانعقاد البرلمان قسمان قسم يتفق مع أصول [[الدستور]] وقسم يعتبر استثناء من هذه الأصول.<br />
<br />
فقد أوجبت المادة 52 من [[الدستور]] أن يجتمع المجلسان بحكم [[القانون]] على أثر وفاة الملك في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفاة. وهذا الحكم يتفق مع أصل من أصول [[الدستور]] هو وجوب اجتماع البرلمان متى كان موجوداً عند وقوع حدث خطير. ومن ثم فلا مانع من قياس حالة النزول عن العرش على حالة الوفاة فيما هو أصل من أصول [[الدستور]] والقول بأن البرلمان متى كان موجوداُ بمجلسيه جب أن يجتمع في مدة عشرة أيام من تاريخ إعلان النزول عن العرش.<br />
<br />
ولكن المادة 52 لم تقتصر على هذا الحكم بل تضمنت حكماً آخر لا شك في أنه حكم استثنائي محض إذ أوجبت اجتماع البرلمان في نفس الميعاد لو كان مجلس النواب منحلاً متى كان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر. فيعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه. وعودة مجلس منحل إلى الوجود بتعارض مع طبائع الأشياء. ويخل بقاعدة عامة معروفة هي القاعدة التي تقضي بأن الساقط لا يعود. هذا إلى أن أصول [[الدستور]] ال[[مصر]]ي صريحة أن مجلس النواب لا يعود إلى العمل إذا انحل وإذا عاد فإن عودته إنما تكون في حالات استثنائية محضة ويكفي للتثبت من ذلك مقارنة المادة 114 من [[الدستور]] بالمادة 89. إذ تنص المادة 114 على أن "تجرى الانتخابات العامة لتجديد مجلس النواب في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة نيابته وفي حالة عدم إمكان إجراء الانتخابات في الميعاد المذكور فإن مدة نيابة المجلس القديم تمتد إلى حين الانتخابات المذكرة". وتنص المادة 89 على أن "الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين وعلى تحديد ميعاد لاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب". <br />
<br />
ويتضح من المقارنة بين هذين النصين أن حالة تجديد مجلس النواب تختلف عن حالة حله فيما إذا لم يمكن إجراء الانتخابات الجديدة في الميعاد الذي نص عليه [[الدستور]]. ففي حالة التجديد تمتد نيابة المجلس القدي إلى حين الميعاد الذي نص عليه [[الدستور]] الجديد. أما في حالة الحل فلم ينص [[الدستور]] على أن المجلس المنحل يعود إلى العمل. ومن ثم وجب القول بأن الأصل في [[الدستور]] ال[[مصر]]ي أن مجلس النواب إذا انحل فلا يجوز ان يبعث من جديد.<br />
<br />
ما لم يوجد نص خاص يقضي بعودته إلى العمل في حالة بذاتها فعند ذلك يعود المجلس المنحل في هذه الحالة المنصوص عليها بالذات دون غيرها من الحالات. وقد نص [[الدستور]] فعلا في حالتين اثنتين على أن مجلس النواب المنحل يعود إلى العمل هما حالة وفاة الملك في المادة 52 وحالة خلو العرش في المادة 54. فيجب قصر هذا الحكم الاستثنائي المحض على هاتين الحالتين. ولا يجوز إذن في حالة تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي أن يدعي مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع لأن المادة 12 من الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] لم تورد نصاً يقضي بعودة المجلس المنحل إلى العمل. ويترتب على ذلك أيضاً في حالة نزول الملك عن العرش أنه ما دام [[الدستور]] لم ينص على عودة المجلس المنحل إلى العمل بل ما دام لم يتعرض لهذه الحالة أصلا فلا يجوز أن يعود مجلس النواب إذا كان منحلاً إلى العمل، والقول بغير ذلك وبجواز عودة المجلس المنحل إلى العمل في حالة النزول عن العرش قياساً على حالتي الوفاة وخلو العرش قول غير جائز إذ القياس لا يكون على حكم استثنائي محض كما تقدم القول فالاستثناء لا يقاس عليه. بل أن القياس على الاستثناء هنا إنما هو إضافة لاستثناء آخر والإضافة على [[الدستور]] تنقيح فيه ولا يجوز تنقيح [[الدستور]] إلا بالطريق الذي نص عليه [[الدستور]].<br />
<br />
أما تعيين الهيئة التي تمارس سلطات الملك [[الدستور]]ية عقب نزول الملك عن العرش فلم يرد فيه نص دستوري إذ أن المادة 55 من [[الدستور]] التي تولى مجلس الوزراء هذه السلطات إلى أن يتولاها الخلف أو أوصياء العرش مقصورة على حالة الوفاة. ولكن هذا النص ليس إلا تطبيقاً لنظرية الضرورة. فالضرورة تحتم عقب وفاة الملك أن توجد هيئة تمارس سلطات الملك [[الدستور]]ية إلى أن يتمكن من انتقلت إليه ولاية الملك أو أوصياؤه إذا كان قاصراً من استيفاء الشروط [[الدستور]]ية الواجبة لممارسة هذه السلطات. وليس يوجد أصلح من مجلس الوزراء، الذي يتولى الملك سلطته. بواسطته كما تقضي المادة 48 من [[الدستور]]، تعيين هيئة تمارس هذه السلطات، ومن ثم نصت المادة 55 من [[الدستور]] على هذا الحكم كتطبيق لنظرية الضرورة كما تقدم القول. <br />
<br />
فإذا عرضت صورة أخرى من صور الضرورة، هي صورة نزول الملك عن العرش، أمكن تطبيق النظرية على النحو الذي طبقت به في الصورة الأولى. ومن ثم تكون ممارسة مجلس الوزراء لسلطات الملك [[الدستور]]ية عقب نزول الملك عن العرش إنما هو تطبيق مباشر لنظرية الضرورة على النحو الذي طبقت به في المادة 55 من [[الدستور]].<br />
<br />
لم يبق إذن ـ بعد أن تبين أنه لا تجوز دعوة مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع في حالة النزول عن العرش ـ إلا المبادرة إلى إجراء الانتخابات العامة بمجرد التمكن من إجراء هذه الانتخابات وأرادت أن تتخفف من السلطات الاستثنائية التي تمارسها في الوقت الحاضر فلا يبقى مجلس الوزراء ي[[مارس]] سلطات الملك الدتورية إلا أقصر وقت ممكن، حصراً للضرورة في أضيق حدودها. فإنه لا يوجد مانع قانوني من إيجاد نظام لوصاية مؤقتة تنتقل إليها من مجلس الوزراء ممارسة سلطات الملك [[الدستور]]ية إلى أن تتولى هيئة الوصاية الدائمة هذه السلطات.<br />
<br />
والسبيل إلى ذلك هو سن هذا النظام المؤقت عن طريق التشريع بمقتضى المادة 41 من الدستور وإلحاق هذا النظام بنظام الوصاية الدائمة الوارد في الأمر الملكي الصادر في 13 من[[إبريل]] سنة [[1922]] . ولا يعتبر هذ التشريع تعديلاً في الدتور لأنه غنما يستكمل أحكام الوصاية الدائمة. و[[الدستور]] بمقتضى المادة 32 لم يلحق بنصوصه من أحكام الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] نة [[1922]] إلا الأحكام الخاصة بوراثة العرش أي انتقال ولاية الملك من سلف إلى خلف ولا يمكن اعتبار أحكام الوصاية الدائمة ولا أحكام الوصايا المؤقتة داخلة في هذا النطاق. فهي إذن أحكام قابلة للاستكمال والإضافة عن طريق التشريع العادي.<br />
<br />
ويمكن أن يتقرر نظام الوصاية المؤتة باستصدار تشريع يضيف إلى نصوص الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] نصاً جديداً يكون هو المادة 11 مكرراً '''ويجري على الوجه الآتي:'''<br />
<br />
"في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال ولاية الملك إلى خلف قاصر، يجوز لمجلس الوزراء، إذا كان مجلس النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة وصاية مؤقتة للعرش من ثلاثة يختارهم من بين الطبقات المنصوص عليها في المادة 10 تتوافر فيهم الشروط المبينة فيها".<br />
<br />
"وتتولى هيئة الوصاية المؤقتة، بعد أن حلف اليمين أمام مجلس الوزراء، سلطة الملك إلى أن تتولاها هيئة الوصاية الدائمة وفقاً لأحكام المواد الثلاث السابقة ولأحكام المادة 51 من [[الدستور]]".<br />
<br />
'''وتفضلوا بقبول وافر التحية'''<br />
<br />
'''أول [[أغسطس]] سنة [[1952]]'''<br />
<br />
'''رئيس مجلس الدولة'''<br />
<br />
'''([[عبد الرازق السنهوري|عبد الرازق أحمد السنهوري]])'''<br />
<br />
<br />
===خطاب وقرار التأميم===<br />
<br />
'''أممنا [[قناة السويس]] من أجل كرامتنا'''<br />
<br />
'''ألقي ب[[الإسكندرية]] في 26 [[يوليو]] سنة [[1956]]'''<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونقاتل للتخلص من آثار الماضي البغيض وآثار الاستعمار الذي استبد بنا قروناً طويلة .. وآثار الاستغلال الأجنبي والداخلي. ونحن نستقبل العيد الخامس أمضى قوة وأشد إيماناً، لقد اتحدنا وسرنا وكافحنا وقاتلنا وانتصرنا واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل. اليوم أيها المواطنون بعد سنوات أربع من [[الثورة]] نعتمد على الله وعلى عزيمتنا وعلى قوتنا من أجل تحديد الأهداف التي جاهد من أجلها الآباء. نتجه إلى المستقبل ونحن نشعر أننا سننتصر بعون انتصارات متتابعة، انتصارات متوالية، من أجل تثبيت العزة، ومن أجل إقامة دولة مستقلة استقلالاً حقيقياً لا استقلالاً زائفاً. استقلالاً سياسياً واستقلالاً اقتصادياً.<br />
<br />
حين نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته فليس من السهل أبداً أن نبني أنفسنا في وسط الأطماع الدولية والاستغلال الدولي والمؤامرات الدولية.<br />
<br />
أمامنا معارك طويلة لنعيش أحراراً كرماء أعزاء. واليوم وجدنا الفرصة ووضعنا أساس العزة والحرية والكرامة. من أجل حرية الإنسان ومن أجل رفاهية الإنسان ولابد أن نجد الفرصة لنشر هذه المبادئ. نقاوم الاستعمار، وأعوان الاستعمار أمامنا أيام طويلة مستمر من أجل كرامة هذا الوطن هذه المعارك لم تنته ولن تنتهي. ويجب أن نكون على حذر وحيطة من ألاعيب المستعمرين وأعوان المستعمرين.<br />
<br />
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا وأن يضعف عروبتنا وأن يفرق بيننا فخلق صنيعة الاستعمار. ففي اليومين الماضيين استشهد اثنان من أحلص أبناء [[مصر]] انكرا ذاتيهما وكانا يكافحان في سبيل تحقيق غرض كبير.<br />
<br />
في سبيل تحقيق المبادئ والمثل العليا من أجلكم ومن أجل العربي. كان كل واحد منها يؤمن ب[[مصر]]يته وعروبته فكان يقدم روحه فداء لهذه المبادئ.<br />
<br />
استشهد اثنان من أعز أبناء الوطن استشهد [[مصطفى حافظ]] الذي آل على نفسه إنشاء جيش [[فلسطين]] فهل تاه عنه الاستعمار وهل سكتت عنه [[إسرائيل]] لقد اغتيل مصطفى بأخس أنواع الغدر والخداع.<br />
<br />
إن جميع ال[[مصر]]يين كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ أمام [[صلاح مصطفى]] أخوكم .. أخي الذي قام معي في 23 [[يوليو]] قام يجاهد من أجل [[مصر]] ووهب روحه ودمه في سبيل [[مصر]] وفي سبيل مبادئكم ومثلكم كان يؤمن أنه وهب روحه ونفسه ودمه في سبيل الوطن العربي فإن كانوا اغتالوا [[صلاح مصطفى]] وقتلوا [[صلاح مصطفى]] بأبشع أساليب الغدر والخيانة التي كانوا يتبعونها قبل سنة [[1948]] فإن العصابات التي تحولت إلى دولة تتحول اليوم ثانية إلى عصابات وهذا يبشر بالخير إذ عادت إلى ما قبل 48. إن يوم النصر لقريب وإذا كانوا يعتقدون أنهم لن يجدوا في [[مصر]] أمثال هذا الفرد فهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبثوا الرعب في نفوس الأمة العربية فإنهم واهمون فكلنا نعمل من أجل المبادئ العليا كلنا نعمل من أجل قوميتنا كلنا نعمل من أجل عروبتنا كلنا سنجاهد كلنا سنكافح.<br />
<br />
هذه أيها المواطنون هي المعركة التي نخوضها الآن معركة ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وأساليب الاستعمار ضد [[إسرائيل]] صنيعة الاستعمار ليقضي على قوميتنا كما قضى على [[فلسطين]]. كلنا سندافع عن حريتنا وعروبتنا حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
إن القومية العربية تتقدم، ستنتصر، إنها تسير إلى الأمام وهي تعرف طريقها وتعرف سبيلها. إنها تعرف من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها وأن قوتها في قوميتها وأنا اليوم اتجه إلى إخوان لنا. في [[سوريا]] .. [[سوريا]] العزيزة .. [[سوريا]] الشقيقة .. لقد قرروا أن يتحدوا معكم اتحاداً سليماً عزيزاً كريماً لندعم سوياً مبادئ الكرامة ولنرسي سوياً القومية العربية والوحدة العربية. نرحب بكم أيها الأخوة متحدين بلداً واحداً، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً، لنرسي مبادئ الكرامة الحقيقية استقلالاً سياسياً حقيقياً. واستقلالا اقتصادياً حقيقياً.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
منذ أعلنت [[مصر]] سياستها الحرة المستقلة وبدأ العالم ينظر إلى [[مصر]] ويعمل لها حساباً، فإن الذين كانوا لا يعتدون بنا في الماضي أصبحوا اليوم يعملون لنا حساباً بدأوا يعملون لنا للعرب والقومية ألف حساب .. كنا في الماضي نتطلع على مكاتبهم، مكاتب المندوب السامي .. وبعد إعلان مبادئنا وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية، متحدة من أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار والطغيان والتحكم والسيطرة والاستغلال أصبحوا يعملون لنا حساباً ويعرفون أننا دولة لها قيمتها.<br />
<br />
ونمت [[مصر]] في المجال الدولي، وكبرت قيمة الأمة العربية في المجال الدولي، وعظمت. وعلى هذا الأساس كان مؤتمر بريوني وسافرت لأجتمع بالرئيس [[تيتو]] رئيس جمهورية يوغسلافياوالرئيس [[نهرو]] رئيس وزراء [[الهند]]. الاثنين اللذين أعلنا سياسة عدم الانحياز السياسة الحرة المستقلة. وأنا ذاهب إلى [[بريوني]] ب[[يوغوسلافيا]] لمست صداقة الشعب اليوغسلافي للشعب ال[[مصر]]ي، وسافرت إلى [[بريوني]] وبدأنا نبحث ونتبادل الرأي في المشاكل العالمية وانتهى المؤتمر، انتصار كبير للسياسة التي تتبعها [[مصر]] وهي سياسة عدم الانحياز.<br />
<br />
وأعلنت في المجالات الدولية أن مؤتمر [[بريوني]] قرر أن يتبع مبادئ باندونج العشرة وقال في القرار الذي صدر أن رؤساء الحكومات الثلاثة ـ [[يوغوسلافيا]] و[[الهند]] و[[مصر]] ـ استعرضوا التطورات الدولية ولاحظوا باغتباط أن سياسة بلادهم قد ساهمت في تخفيف حدة التوتر الدولي.<br />
<br />
وناقش المؤتمر وسائل إنماء العلاقات بين الأمم على أسس المساواة، كما جاء في قرارات باندونج الذي عقد في العام الماضي فقد أصدر قرارات واتخذ مبادئ: المساواة، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، واحترام سيادة الأمم، وسلامة أراضيها، والاعتراف بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، كبيرها وصغيرها، والامتناع عن أي تدخل في الشئون الداخلية لأية دولة، والامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى بحجة الدفاع لكي تخدم مصالحها.<br />
<br />
هذه هي المبادئ التي أقرها مؤتمر باندونج والتي أعلن [[مؤتمر بريوني]] تمسكه بها وأعلن أن هذه المبادئ يجب أن تكون أساس العلاقة بين الدول.<br />
<br />
ثم تكلم [[مؤتمر بريوني]] عن الشرق الأوسط ووافق على وجهة النظر العربية زعيماً [[الهند]] و[[يوغسلافيا]] وقررا أنه يجب البحث في المشاكل العربية على أساس حرية الشعوب التي يعنيها الأمر.<br />
<br />
وأعلن [[مؤتمر بريوني]] أن الموقف في [[فلسطين]] على وجه الخصوص يعد خطراً على السلام، ويؤيد أعضاء المؤتمر قرار [[مؤتمر باندونج]] الخاص بتأييد حقوق الشعب العربي في [[فلسطين]] وتطبيق قرارات [[الأمم المتحدة]] بشأن [[فلسطين]].<br />
وتكلم [[مؤتمر بريوني]] عن مشكلة [[الجزائر]] التي تعد مشكلة عربية والتي تتطلب اهتماماً عاجلاً بمطالب [[الجزائر]] لدعم السلام في الهذه المنطقة من العالم.<br />
<br />
ونظراً لإيمان الرؤساء الثلاثة بأن السيطرة والاستعمار يتسببان في الإضرار بالحاكمين معاً، فإنهم يعبرون عن إيمانهم برغبة الشعب [[الجزائر]]ي في نيل استقلاله. وأيد المؤتمر المفاوضات التي تهدف إلى حل سلمي لمشكلة [[الجزائر]] على أنه يجب ألا يقف هذا في طريق الاعتراف بتحقيق حرية [[الجزائر]] وإيجاد حل عادل وسلمي وبخاصة وقف أعمال العنف. وبهذا خرجنا من المؤتمر بتأييد لوجهة النظر العربية وتكلم المؤتمر في مشكلة ألمانيا في أوروبا ومشكلة [[الصين]] في آسيا ومشكلة [[فلسطين]] و[[الجزائر]] وهي التي تهمنا كأمة عربية.<br />
<br />
وكانت وجهة نظر الرئيسين [[تيتو]] و[[نهرو]] تتمشى مع وجهة النظر العربية التي استطاعت أن تأخذ لها حصناً آخر وتفاوض وجودها.<br />
<br />
هذا ما حدث في [[مؤتمر بريوني]] .<br />
<br />
و[[مصر]] منذ قامت [[الثورة]] كانت تجاهد لنقل قضاياها وقضايا العروبة إلى طريق غير طريق الاستجداء غير طريق الاستعمار لقد كنا ندرك منذ عام [[1952]] وقبلها أن الاستقلال الاقتصادي السليم يقف ضد مؤامرات المستعمرين والمستغلين الطامعين، كنا نعمل من أجل إجلاء [[الإنجليز]] المحتلين بوسائل مختلفة. بالقوة واللين والعنف والمفاوضات. وكان عزمنا على أن نحقق ل[[مصر]] الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي. وألا يرفرف على أرض [[مصر]] إلا علم [[مصر]]، كنا نسعى إلى ذلك منذ اليوم الأول الذي قامت فيه [[الثورة]]. وانتهى الاستعمار ولم يستطع الاحتلال أن يبقى في [[مصر]] بين المواطنين فلم يجد من يتعاون معه أو يسنده.<br />
<br />
فسلم الاستعمار وجلت عن [[مصر]] آخر قوة من قوات الاحتلال التي دخلت بلادنا عام [[1882]] وكانوا قبل ذلك قد انهزموا وضربوا في كفر الدوار، ولم يستطيعوا إكمال غزوهم وحملاتهم، عندما خرج لهم [[أحمد عرابي]]، فانسحبوا والتجئوا إلى الخيانة، واستطاعوا الدخول، بواسطة أعوانهم، عن طريق قتال [[السويس]] بواسطة الخونة، هزمناهم عـام [[1882]] وفي [[1807]] عند حملة [[فريزر]]، هزمها أهل رشيد المدنيون .. هزمنا [[بريطانيا]] مرتين. ولكن [[الإنجليز]] اتبعوا معنا أساليب الغدر والخديعة واستطاعوا احتلالنا بذلك، ووقفت [[الثورة]] إلى أن ترفع في سماء [[مصر]] علم [[مصر]] وحدها، وأن يبقى بين ربوع قيادة [[مصر]]ية واحدة، وتحقق هدفاً كبيراً من أهداف [[مصر]]، ولكننا لم نهمل أبداً العمل من أجل الاستقلال الاقتصادي، لأننا نؤمن أن الاستقلال اقتصادي مكمل للاستقلال السياسي، وإن التحكم الاقتصادي يستخدم في الضغط والتوجيه، وعملنا على زيادة الإنتاج ونجحنا في هذا الاتجاه، لأننا نعتمد على أنفسنا وعزمنا وقوتنا. استطعنا زيادة الدخل القومي من سنة 52 غلى 54 إلى ما يقرب من 16 % ومن [[1954]] حتى [[1956]] زاد زيادة أخرى. لأننا كنا نعمل في نفس الوقت من أجل الاستقلال الاقتصادي.<br />
<br />
وفي أيام الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسي، اتجهنا إلى العالم وقلنا إن [[مصر]] ستسالم من يسالمها وتمد يدها للجميع، أن سياسة [[مصر]] تنبع من [[مصر]]، لا من لندن ولا من واشنطن ولا من موسكو، وقلنا أننا مستعدون للتعاون مع الجميع ولكن ليس على حساب كرامتنا أو استقلالنا.<br />
<br />
هذا الذي قلته يوم 29 يونيه الماضي وقلته منذ قامت [[الثورة]] وسأقول لكم كل شيء لتكونوا على بينة.<br />
منذ قيام [[الثورة]] بدأت [[بريطانيا]] وأمريكا تتصلان بنا، من أجل محالفات واتفاقات ولكننا قلنا إننا لا نستطيع التحايف، إلا في حلف واحد، وهو حلف الدول العربية وقلت لهم كل هذا، هل سيكون ل[[مصر]] رأي على [[بريطانيا]]؟ .. هل يحقق التحالف بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة إلا التبعية .. لا نقبل أبداً أن نكون أذيالاً، أو تابعين .. كان جنرال روبرتسون موجوداً وطلب منا عقد محالفة مدتها خمس وعشرون سنة، ولكننا رفضنا؛ وما قلناه سنة 52 في جميع محاضر المحادثات هو ما نقوله اليوم.<br />
<br />
بدأنا نتكلم عن تمويل الجيش ال[[مصر]]ي بالسلاح، مع استعدادنا لدفع ثمن السلاح فرفضوا إلا إذا وقعنا ميثاق الأمن المتبادل ومعناه أن تأتي أمريكية لا يكون ل[[عبد الحكيم عامر]] فيها رأي. قلنا إن لنا تجارب كبيرة بهذا الخصوص، وكان للبعثة العسكرية البريطانية هدم معنويات الجيش ال[[مصر]]ي، لذلك كان لدينا مركب نقص من ناحية البعثات العسكرية، كان غرضنا أن يكون للجيش ال[[مصر]]ي شخصيته المستقلة ولذلك قالوا لي في سنة [[1952]] أنهم مستعدون لتزويدنا بالسلاح، ولكن عادت بعثتنا خالية الوفاض.<br />
<br />
أن ما نقوله اليوم ليس بجديد، قلناه في أول يوم من أيام [[الثورة]] وبدأ بعدهذا كفاحنا في القتال كفاح وهب فيه الفدائيون أرواحهم وقاتلوا وكافحوا واستطاعوا أن يجعلوا القوة البريطانية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وعن القنال، إن الجنود المجهولين الذين خرجوا من بينكم وبذلوا أرواحهم أعجزوا الثمانين ألف بريطاني عن الدفاع عن أنفسهم، وهذا هو السبب الحقيقي في جلائهم، خرجت [[بريطانيا]] من [[مصر]] لأنها أدركت أن شعب [[مصر]] أبى أن تكون لغيره قيادة في [[مصر]]، هذا هو السبب الحقيقي وليست المفاوضات أو المحادثات.<br />
<br />
كانت معركة مريرة طويلة ولكنها لم تنته فالاستعمار له أشكال مختلفة والاستعمار اليوم يتمثل في أعوان الاستعمار الخونة، الاستعمار يتلوَّن، وعلينا مقاومته بجميع أنواعه المقنعة تحت تكتل الأعوان والتحالفات والاتفاقات.<br />
<br />
وبدأ الاستعمار يعمل ليضع يده على الدول العربية دولة دولة فقاومنا، وكان الوعي العربي والقومية العربية قد اشتعلت وتيقظت فلم يستطع الاستعمار تحقيق أغراضه فانتصرت القومية العربية وهزم الاستعمار شر هزيمة ـ هزم في الأدن حينما أراد [[تمبلر]] أن يجبر [[الأردن]] المكون من مليون ونصف على الخضوع ولكن الجنرال [[تمبلر]] هرب من [[الأردن]] . فقد آمنت القومية العربية بحقها في الحياة فانتصرت ولم يستطع الاستعمار تحقيق أي غرض من أغراضه ولم يستطع حلف [[أكرم حورانى]] أن يصنع شيئاً بل وقف وتجمد بفضل الرأي العام العربي والقومية العربية.<br />
<br />
دخلنا في معارك في الداخل والخارج عاون الاستعمار [[فرنسا]] في [[تونس]] ومراكش و[[الجزائر]] وانتقلت قوات حلف الأطلنطي لتقاتل في [[الجزائر]] .. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد كذلك الدول التي عملت ميثاق [[الأمم المتحدة]] وتقرير المصير كل هذا نسوه أو تناسوه وبدأوا يقاومون القومية العربية في [[الجزائر]]، كل هذه القوى تقاتل عشرة ملايين جزائري ولكن القومية العربية في [[الجزائر]] بأسلحتهم البسيطة المحدودة مقاومة القوات المدججة بالدبابات وكافة الأسلحة. الأسلحة المعدة ل[[روسيا]] لم تستطع الوقوف في وجه [[الجزائر]].<br />
<br />
وهذ معناه اشتعال القومية العربية وشعورها بكيانها وحقها في الحياة، هذه المعارك التي نخوضها ـ معركة [[الأردن]] و[[الجزائر]] ومقاومة الأحلاف كلها ـ معاركنا! بمصائرنا جميعاً مرتبطة في [[الأردن]] و[[السودان]]، مصير كل واحد .. [[مصر]] الجميع .. يريد الاستعمار أن نكون تابعين وحين يأمر نلبي الأمر. <br />
<br />
هناك دول كثيرة لا داعي لذكرها حتى لا نعمل أزمات دبلوماسية. الدول التي تتلقى الأوامر وتنفذ الأوامر لا تؤمن بوطنها وإنما بالسفراء والمندوبين الساميين. يريدوننا أن نكون مثلهم ولكن هذا لن يكون، فلم تقم [[الثورة]] وثورة سنة [[1919]] وما بعدها لكي نتلقى أوامر الاستعمار. يريدوننا أن نسمع أوامرهم بخصوص [[إسرائيل]] التي يقولون إنها موجودة بحكم الواقع .. ويقولون إن عرب [[فلسطين]] ندفع لهم شيئاً من المال ولكننا نعتز بعروبتنا وأرضنا. وهي لا تقدر بمال. يريدوننا أن نسلم ل[[إسرائيل]] بكل شيء ونهمل [[فلسطين]] وننكر لها ولأخواتنا في شمال أفريقيا، وأن نوافق كما وافق مجلس الأمن على المذابح؛ يريدون منا أن ننفذ السياسة التي تملى.<br />
<br />
ولكن [[مصر]] أبت وأرادت إلا أن تكون لها شخصيتها المستقلة فمنع عنا السلاح وسلحت [[إسرائيل]] وأصبحت خطراً يهدد .. وقالت [[بريطانيا]] نحن مستعدون لتسليحكم ولكن على شرط أن يسكت [[عبد الناصر]] في باندونج. ودعونا ننفذ خطتنا في الأحلاف. أصبح التسليح إذن أداة لتقييدنا وتقييد حريتنا. ولكننا لسنا على استعداد لدفع الثمن، شخصيتنا ومبادئنا. وبهذا لم نستطع الحصول على أي شيء من السلاح. لا بالثمن ولا بالمجان.<br />
<br />
استطعنا بعد ذلك أن نحصل على السلاح من [[روسيا]] لا من تشيكوسلوفاكيا. ووافقت [[روسيا]] على إمدادنا بالأسلحة. وتمت صفقة الأسلحة فحصلت ضجة، وقالوا إنه سلاح شيوعي ولكنني أعرف أن السلاح هنا سلاح [[مصر]] وبدأت صحافتهم تقيم ضجة .. ما سببها؟ "قالوا إن لديهم خطة. وهي حفظ التوازن بين الدول العربية و[[إسرائيل]]". طيارة للدول العربية كلها وأخرى ل[[إسرائيل]] لحفظ التوازن! من ذا الذي أقامكم أوصياء علينا لحفظ التوازن؟ نحن لا نقبل وصاية أحد. ولكنه الاحتكار للسلاح الذي كانوا يتحكمون به فينا.<br />
<br />
فلما استطعنا تحطيم هذا الاحتكار انهارت كل خططهم، لم يستطع الاستعمار التحكم عن طريق منع الأسلحة، من ذا الذي أوجد [[إسرائيل]] في هذه المنطقة؟ من كان مسئولاً عن الانتداب على [[فلسطين]]؟ [[بريطانيا]]!<br />
<br />
وعد بلفور ... [[بريطانيا]] مسئولة عنه ... كانت [[بريطانيا]] تعلم أن داخل [[فلسطين]] جيش مسلح يستعد للاستيلاء على [[فلسطين]] .. ومع ذلك وهي تعلم هذا تركت [[فلسطين]] .. ماذا كانت تهدف إليه [[بريطانيا]] وأمريكا؟ كانتا تهدفان إلى شيء واحد، وهو القضاء على قوميتنا.<br />
<br />
إنهم يعرفون أنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي .. هذه القوة يجب أن يعمل لها حساب لأول مرة في التاريخ. إذن يقضون على [[فلسطين]] قضاء كاملاً.<br />
<br />
ويحل [[اليهود]] محل أهلها. إبادة قومية للجنس. عملية إبادة كان الغرض منها إبادة القومية العربية كلها! وكان الصهيونيون يعلنون أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات! يقولون في برلمانهم عن حرب مقدسة فالعملية إبادة العرب وقضاء على الجنس.<br />
<br />
وكان لابد من السلاح للدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون لاجئين، فحصلنا على السلاح وتعاقدنا عليه. وأحب أن أقول إن الحصول عليه كان دون أي قيد ولا شرط، مجرد دفع الثمن وأصبحت الأسلحة ملكاً لنا.<br />
<br />
وأرسلت [[أمريكا]] مستر [[آلان]] مندوباً لها يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية. وكان المفروض أن يقابلني، وقالت [[آلان]]باء إنه يحمل تهديداً ل[[مصر]]!<br />
<br />
واتصل بي أحد الرسميين الأمريكيين لمقابلتي وقال إنه متأسف للحالة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين. ونصحني بأن أقبل الرسالة بأعصاب هادئة. فقلت كيف أقبلها وفيها جرح للعزة ال[[مصر]]ية؟ فقال لن يترتب عليها أي أثر عملي فهي مجرد رسالة.<br />
<br />
فقلت إني لست رئيس وزارة محترف ولكني رئيس وزارة عن طريق ثورة ولن أتردد إذا حضر مندوبكم وتكلم كلمة .. سأطرده! هذا كلام رسمي وسأعلن للشعب أنكم أردتم إهانة عزته وكرامته .. وسنقاتل جميعاً لآخر قطرة من دمي. فهددوا بقطع المعونة. فقلت سأعلن قطعها. ونحن لم نتلق دروساً في السياسة.<br />
<br />
فقد قمنا بثورة وسنحافظ عليها. كان ذك في أكتوبر ثم عاد وقابلني وقال إنه أبلغ مستر [[آلان]] هذا الكلام .. وهو في حيرة لأنه لو حضر سيطرد وإذا أبلغ ذلك لدالاس؟ فسوف يطرده. فما هو الموقف، فقلت له إني لا أعرف إلا أنه إذا حضرإلي فسأطرده. جاء لنا مستر [[آلان]] ولم يفتح فمه بكلمة .. واستمع إلى وجهة النظر ال[[مصر]]ية وأسرد لكم وجهة نظر [[أمريكا]] بإيجاز. إنهم يعتقدون أننا سياسيون محترفون ولكن [[مصر]] استطاعت أن تحافظ على كرامتها وعزتها.<br />
<br />
قامت الضجة في كل مكان بشأن الأسلحة فكنت أرى العجب والشتائم في الجرائد [[الإنجليز]]ية والأمريكية .. كانوا يشتموننا لأننا تخلصنا من السلاسل واستطعنا أن نحرر بلدنا وندعم قوتنا ونقرر سياسة مستقلة.<br />
<br />
هذه هي ضجة الأسلحة وصفقة الأسلحة.<br />
<br />
كنت أتكلم وأنا مطمئن أشعر بالقوة .. لماذا؟ لأني أشعر أنني الشعب جميعه 23 مليوناً كلهم سيكافحون في سبيل الاستقلال لآخر قطرة من دمائهم، لم أكن أتكلم بقوة [[جمال عبد الناصر]] ولكن كنت متأكداً أن كل أبناء [[مصر]] سيكافحون لآخر قطرة من دمائهم .. لا حزبية ولا خلافات .. إننا نحن جميعاً كتلة وطنية وراء أهداف [[الثورة]].<br />
<br />
كنت أتكلم بشجاعة وكنت أشعر أن الشعب كافح وناضل على مر الأيام ومستعد لأن يكافح. شعب متحد وشعب قوي.<br />
<br />
شعب رأى لأول مرة علم بلده يرتفع وهو مستعد لأن يضحي كما ضحى [[صلاح مصطفى]] و[[مصطفى حافظ]] .<br />
<br />
كنت آخر كلمة قالها [[صلاح مصطفى]] (الحمد لله بلغوهم في [[مصر]] يخلو بالهم) لقد أشعر أن 22 مليون صلاح مصطفي يقفون ورائي. هذا الدفع الذي كان يعطيني القوة وهذا هو ما جعلني أقول لمندوب [[أمريكا]] أنني سأطرده لأن الشعب يريد ذلك. وهو مستعد أن يكافح لآخر قطرة من دمه في سبيل حريته. انتهت قصة المفاوضات والأحلاف.<br />
<br />
ثم انتهت قصة السلاح وبدأت قصة السد العالي.<br />
<br />
في سنة 53 قمنا بعمل خطة للتنمية الإنتاجية لزيادة الدخل القومي بسرعة مضاعفة لأننا نزيد كل عام نصف مليون ومستوى المعيشة عندنا يعتبر متوسطاً وأمامنا عمليتان: أن نرفع مستوى المعيشة. وأن نحافظ على الدخل.<br />
<br />
فزيادة مستوى المعيشة يحتاج إلى زيادة الدخل لذلك اتجهنا إلى مياه النيل لنستفيد منها.<br />
<br />
وكان قد قدم لنا مشروع السد العالي في [[1952]]. وكان قد قدم لنا منذ عام [[1942]] ووضعناه موضع الدراسة وقابلتنا عقبة التمويل. وتبين أن المشروع صالح وينتهي بعد 10 سنوات. وبدأنا نقابل عقبة التمويل فليس لدينا المال الكافي لدفع نفقات المشروع التي تبلغ من 800 إلى ألف مليون دولاء تدفع على عشر سنوات، في سنة [[1953]] اتصلنا بالبنك الدولي وطلبنا منه ونحن من المشتركين فيها المساهمة في التمويل.<br />
<br />
وقال إن فيه عقبات فهناك [[الآنجليز]] و[[إسرائيل]] فعندما تنهون خلافكم معهما نستطيع تمويل المشروع، وليش عندم نظام برلماني فنطلب منكم عمل استفتاء على هذا المشروع.<br />
<br />
وفهمنا من هذا الكلام أننا لن ننال مساعدة البنك فقررنا الاعتماد على أنفسنا وعلى شركات الصناعة.<br />
واتصلنا بالشركات الألمانية فقالوا أنهم على استعداد لإعطائنا 5 ملايين جنيه. ثم اتفقت مع الشركات الألمانية والفرنسية و[[الآنجليز]]ية فقالوا إن كل شركة مستعدة لإعطائنا 5 ملايين جنيه على أساس قرض متوسط الأجل.<br />
<br />
وسافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير مالية [[إنجلترا]].<br />
<br />
وقالوا له إنهم مستعدون ـ أي الشركات الثلاثة ـ لرفع القرض إلى 45 مليون جنيه ونكمله نحن من العملة ال[[مصر]]ية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس فقال الأمريكيون إنهم قرروا ل[[مصر]] 40 مليون دولار معونة .. وكان كلاماً على ورق.<br />
<br />
وقالوا نستطيع تمويل هذه المعونة إلى السد العالي، ورجع [[الآنجليز]] في كلامهم وقالوا خذوا القرض من البنك الدولي ونحن نعطيكم مليون جنيه وال[[أمريكا]]ن يعطون حوالي 20 مليون جنيه. والبنك الدولي قال إنه مستعد أن يعطينا 200 مليون دولار بعد 5 سنوات ونحن نصرف خلالها 300 مليون دولار.<br />
<br />
وبدأوا على هذا الأساس يشترطون الشروط فقامت المحادثات في [[سبتمبر]] على مليون دولار بعد خمس سنوات على أقساط ثم وضع في خطابه شروطاً يجب أن تتبعها [[مصر]] لكي تنال هذا القرض وشروط القرض نتفاوض عليها من وقت لآخر .. '''ثم قال البنك إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية:'''<br />
<br />
1- يطمئن البنك إلى أن العملات الأجنبية المطلوبة التي سننالها من المنح [[الآنجليز]]ية والأمريكية لا تنقطع.<br />
<br />
2- يجب أن يتفاهم البنك مع الحكومة ال[[مصر]]ية ويتفق معها من وقت لآخر حول برنامج الاستثمار أي وصاية من البنك الدولي على الحكومة ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
3- حول الحاجة إلى ضبط ال[[مصر]]وفات العامة للدولة.<br />
<br />
وبعد ذلك لا تتحمل الحكومة ال[[مصر]]ية أي دين خارجي وكذا لا نوقع اتفاقات دفع كإنفاق الأسلحة مع [[روسيا]] وتتفاهم [[مصر]] مع البنك أولاً قبل الاتفاق على أي مشروع.<br />
<br />
ثم طلب البنك أن إدارة المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة ال[[مصر]]ية والبنك.<br />
<br />
وقال البنك إن اتفاقات البنك خاضعة لإعادة النظر فيها إذا حدث ما يستدعي ذلك وأرسلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية مذكرتين والبنك أرسل الخطاب لكل واحد فيها يحمل معنى المذكرة الأخرى، وأصبحت العملية مفهومة وظهر أن هناك فخاً منصوباً للسيطرة على استقلالنا الاقتصادي.<br />
<br />
هذا الكلام رفض رفضاً باتاً، وقلت أننا لا يمكن أن نبيع أنفسنا بـ 70 مليون دولار معونة، وتكلمنا مع ال[[أمريكا]]ن وسألناهم هل مثل هذه الشروط تعمل مع الإعانات التي تعطى ل[[إسرائيل]]؟<br />
<br />
وقلنا إن هذا الكلام يتنافى مع استقلالنا. وقارنّا بين موقف العرب وموقف [[إسرائيل]] والمساعدات التي تمنحها [[أمريكا]] للطرفين فالهبة السنوية التي تعطيها [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] من 30 إلى 50 مليون دولاء، والمساعدة الفنية تبلغ سنوياً من 6 إلى 14 مليون دولاء. وفائض المواد الغذائية التي تهديها [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] قيمتها 7 ملايين دولار، ورؤوس الأموال الأمريكية التي تعمل في [[إسرائيل]] 214 مليون دولار.<br />
<br />
في 12 – 7 – 55 أعطى بنك [[أمريكا]] قرضاً ل[[إسرائيل]] قدره 30 مليون دولار، كما جمع [[اليهود]] في [[أمريكا]] 3 آلاف مليون دولار، وتبرعات 164 مليون دولاء ومجموع التعويضات الألمانية 3500 مليون دولار، تدفع كل سنة منها جزءاً بضائع وسفناً ومصانع.<br />
<br />
تبرعات يهود [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 65 مليون دور ونحن نعرف أن [[إسرائيل]] ربيبة [[أمريكا]] ولا تستطيع أن تعيش من غير المعونة.<br />
<br />
وتكلمنا مع ممثلي [[أمريكا]]، وقلنا لهم إنه في فترة خمس سنوات سيصرف على السد العالي 370 مليون دولار تدفع [[مصر]] 300 مليون وتدفع [[أمريكا]] 70، والمشروع الذي سيتكلف بلون دولاء سندفع منه 730 مليون أولاً. وكيف يمكن لي أن أنفذ الشروط التي أملاها على البنك الدولي؟ وقلنا لهم إن لنا تجربة في ذلك، وسبق أن وقعنا في هذا الاستغلال، وحضر "كرومر" وبقى في [[مصر]].<br />
<br />
وفي هذه الأيام حضر السفير الروسي، وقال إن [[روسيا]] مستعدة للاشتراك في تمويل السد العالي. وكان ذلك بعد شهر [[ديسمبر]]، فقلت له إننا نتكلم مع البنك الدولي، وتأجل الكلام في التفاصيل.<br />
<br />
وعرف ال[[أمريكا]]ن أن هناك عرضاً [[روسيا]]، فوصل إلى [[مصر]] في [[فبراير]] الماضي، مدير البنك الدولي، وأرسل خطاباً يطلب فيه دعوته إلى الحضور إلى [[مصر]].<br />
<br />
وبدأت المفاوضات معه في شهر [[فبراير]] وحينما قابلته، قلت له بصراحة، إن عندنا عقدة من ناحية القروض والفوائد، ولا يمكن فصلها عن السياسة، لأننا رحنا شحصية الاحتلال بسبب القروض. فلن نقبل أي مال يمس سيادتنا، وقلت له إن إشرافكم على ميزانيتنا لن يصلحها، وأمامنا دولة في شمالنا أقوى مل، فأنتم تشرفون على اقتصادياتها ومع ذلك فاقتصادها منهار. وتقرير البنك يسلم بسلامة الاقتصاد ال[[مصر]]ي. وكان مفروضاً أن نبدأ في [[يونيو]] الماضي المشروع، وعلى ذلك أبلغت مدير البنك أننا لن نبدأ في المشروع إنه يجب علينا أن نحل مشكلة الماء بين [[مصر]] و[[السوادن]]، ثم يوقع البنك معنا الاتفاق، ولكنه لم يضمن أن تدفع [[أمريكا]] و[[إنجلترا]] لنا أكثر من مبلغ الـ 70 مليون دولار التي وعدنا بها.<br />
<br />
وظهر الفخ .. أي نأخذ السبعين مليون دولار، ونبدأ في المشروع، ونصرف المال ثم نعود فنطلب من البنك مبلغ الـ 200 مليون دولار، فيعرض البنك شروطاً، ويبقى علينا أن نقبل شروط البنك، أو يتوقف المشروع ونكون أضعنا 300 مليون دولار هباء!<br />
<br />
ومعنى ذلك أن يرسل لنا البنك من يجلس مكان وزير المالية .. وآخر يجلس مكان وزير التجارة .. وآخر يجلس مكاني أنا.<br />
<br />
هذا هو الفخ الذي ظهر. فقررنا ألا نبدأ في السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع [[السودان]] الشقيق، ورفض قبول شروط البنك الدولي، وأصدرنا الأمر بإيقاف العمل، حتى لا ندخل في مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويسيطر علينا اقتصادياً، بعد فشله سياسياً وأبلغنا ذلك لمدير البنك الدولي، فقال إنه مستعد لتعديل الشروط فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائي مماثلاً للكتاب الذي يبعثه إلينا، فرفض توقيع الاتفاق.<br />
<br />
كانت هناك خدعة لنقع في براثنهم .. يتحكمون فينا عندما تستنزف أموالنا، دون أن نأخذ أي نتيجة، فقررن ألا نبدأ في السد إلا بعد أن نعلم كيف يمول السد ونعرف كيف ينتهي ولذلك أوقفنا كل العمل في [[فبراير]]، وأرسل إلينا مدير البنك خطاباً لا قيمة له، قال إنه يدفع 200 مليون دولار بعد حل مشكلة الماء.<br />
<br />
ولم يكن في الخطاب ما يمس سيادتنا فقبلناه، ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة الأمريكية والبريطانية. وفيها ما يمس سيادتنا. ففي [[فبراير]] أبلغ السفيران الأمريكي والبريطاني عدم موافقتنا على هذه المذكرات وراحت المذكرتان للحكومتين الأمريكية والبريطانية، وطبعاً لم يجيء أي رد. في 29 [[فبراير]] كان الكلام أن [[بريطانيا]] تريد التوسط بيننا وبين [[السودان]]. فجاء سلوين لويد وقابلني في منزلي. وعرض معاونته لحل مشاكل المياه بيننا وبين [[السودان]]، فقلت له أن تصرفاتكم تدل على أنكم تعقدون المسائل بجرائدكم وإذاعتكم تثير [[السودان]] ضد السد العالي فمحطة الإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدني والصحف تذيع تعليقات للوقيعة بيننا وبين [[السودان]] وسفارتكم في الخرطوم تجمع كل ذلك وتطبعه في كتاب وتوزعه على [[السودان]]يين. <br />
<br />
ومعنى هذا خلق عداء بين [[مصر]] و[[السودان]]، فكيف يستقيم هذا مع عرضك لأن تكون وسيطاً بين [[مصر]] و[[السودان]]؟<br />
<br />
كان الواضح أن [[الآنجليز]] يحاولون بث روح الكراهية في إخواننا [[السودان]]يين ويهمه أن ينفذوا لإثارة أحدنا ضد الآخر. وفي نفس الوقت وقف اللورد [[كيلرن]]، وأخذ يسب [[مصر]] .. كيف نعاونها ونساعدها وهي تنادي بالتحرير، فلا يجب منحها 5 مليون جنيه، وكلام آخر في منتهى البذاءة من اللورد [[كيلرن]]، وهو معروف.<br />
<br />
وفي يوم 14 [[مارس]] قابلت السفير البريطاني في المنزل، وقلت له إننا شعب عاطفي، فالكلمة الحلوة أفضل من مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بــ 15 مليون دولار، ولا نقبل كلام [[كيلرن]]، ولم نرد المعونة حتى لا يكون ردنا يعتبر إهانة، ونحن لسنا دولة غنية جداً، ولكننا نستطيع توفير 5 مليون جنيه ولو "دقينا زلط أو كسرنا طوب" فنحن قبلنا المعونة منعاً من أن يقال أن [[مصر]] ترفض علاة حسنة معكم، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فسنرفض المعونة.<br />
<br />
وسار الحل على هذا، ثم لم ترد الحكومتان الأمريكية والبريطانية على المذكرتين.<br />
<br />
ثم طرد جلوب من [[الأردن]]، وضُرب سويد لوي بالطوب في [[البحرين]]، وقيل إن هذا نتيجة [[مصر]]، وبدأت حملة شنيعة من أول [[مارس]] ضد [[مصر]] في الصحف البريطانية، لدرجة أن رجلاً اسمه [[فريزر]]، قال لابد من بناء سد في [[كينيا]] يمنع الماء عن [[مصر]]، وهذا يدل على جنون هؤلاء الناس، وقالوا إننا نهددهم في البترول ولكني قلت إنه ليس لنا أي دخل في المصالح المشروعة ولكننا نقاوم ما يسمونه بالنفوذ، لا يمكن أن نكون منطقة نفوذ لأحد، مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا اعتراض عليها.<br />
<br />
زيارة وزير خارجية [[روسيا]] مسيو [[شبيلوف]] إلى [[مصر]]، وفي نفس الوقت بعث مدير البنك أنه يريد المجيء فقلت له تفضل.<br />
<br />
وحدثت محادثت بيننا وبين [[شبيلوف]] الذي عرض مساعدة [[روسيا]] ل[[مصر]] في جميع الميادين، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل، وقال إن ذلك سيكون دون قيد ولا شرط، وعلينا أن نطلب منهم، وقال إنهم لا يريدون مواداً خاماً، وقال أيضاً إنهم يريدون أن يوفقوا بيننا وبين الدولة الغربية. وأن [[روسيا]] يهمها أن يسود السلام بيننا وبين الدول الغربية.<br />
<br />
فالروس يعملون الآن على كسر حدة التوتر في العالم، ويهمهم أن تكون السياسة بين [[مصر]] والغرب طيبة، فشكرته وأجلت الكلام في التفاصيل لحين زيارتي في شهر [[أغسطس]] .<br />
<br />
وفي ثاني يوم وصل مدير البنك الدولي وقابلني في البيت في الساعة العاشرة وأكد أن البنك عند وعده الذي قاله لي في شهر [[فبراير]]، وأنه مصمم على تمويل المشروع، وأن الحكومتين البريطانية والأمريكية عند هذا الوعد، وقلت إننا أيضاً عند كلتنا.<br />
<br />
هذا ما حدث حتى حوال 20 [[يونيو]] الماضي وقال سفيرنا في [[أمريكا]] أن [[دالاس]] قال له إن ال[[أمريكا]]ن يعتقدون أننا لا نريد أن يمولوا المشروع، فقلت له إننا نريد أن نتكلم ونتفاوض لتمويل المشروع [[عاد أحمد حسين]] إلى واشنطون على أن يقابل [[دالاس]]، ويطلب إرسال الرد على المذكرات التي بعثناها، وبعد يومين أعلنت الحكومة بيانها، وقد قلت رأيي فيه أول أمس.<br />
<br />
وفي بيان [[أمريكا]] حاولوا إثارة [[أثيوبيا]] و[[أوغندا]]، لأنه يهمهم أن تختلف الدول في هذه المنطة فنلجأ إلى مساعدة [[أمريكا]]، فيحصل التحكم في هذه المنطقة. ولقد أبلغتهم اننا لا نريد وساطتهم مع [[السودان]] لتفاهمنا مع إخواننا [[السودان]]يين فإسماعيل [[الأزهر]]ي كان على استعداد للتفاهم معنا، وكذلك [[ميرغني حمزة]] تكلم معي، ولم يكن هناك شد وجذب، ولم يكن هناك خلاف. ولما جاء عباد خليل رئيس الوزارة [[السودان]]ية الحالي، كانت روحه طيبة جداً، فلا داعي إذن لتدخل وتوسط ال[[أمريكا]]ن و[[الآنجليز]].<br />
<br />
ولكن وزارة الخارجية الأمريكية تقرر مصالح [[السودان]] و[[مصر]] .. ولا أدري كيف أن [[أمريكا]] تتدخل في صالح البلدين، ف[[مصر]] و[[السودان]] مرتبطان ببعضهما البعض البعض منذ بدء الخليقة، ولا يمكن أن تصير دولة منهما إلى [[أمريكا]] الشمالية أو الجنوبية. ولكن حب الوصاية والتحكم والسيطرة وخلق المنازعات هي التي فرضت عليهم ذلك.<br />
<br />
وقال البيان أن التطورات التي شهدتها الشهور السبعة غير ملائمة لتنفيذ المشروع. فما هذه التطورات؟ هل هي اقتصادية أو سياسية؟<br />
<br />
وفي البيان الأمريكي أيضاً شيء غريب فوزير الخارجية الأمريكي يخاطب الشعب ال[[مصر]]ي، أي أن هذا ضد [[جمال عبد الناصر]] فقط؟<br />
<br />
ما هي التطورات؟ إنهم يشككون في الاقتصاد ال[[مصر]]ي مع أن الآنتاج ال[[مصر]]ي دُعـِّـم وزاد.<br />
<br />
ويقول كتاب الإحصاء الإحصاء السنوي للأمم المتحدة أن مجموع الدخل القومي ال[[مصر]]ي قد زاد من 748 مليون جنيه عام [[1952]] إلى 780 مليون جنيه عام [[1953]] ثم إلى 868 مليوناً عام [[1954]]، أي أننا نعمل وننتج، وثروتنا تزيد ووضعنا الاقتصادي في تحسن مستمر فدخلنا القومي بلغ 748 مليون جنيه عام [[1952]]، وفي عام [[1954]] أصبح 868 مليونا. أي أن الدخل زاد 120 مليون جنيه في سنتين.<br />
<br />
وزاد مجموع الدخل الزراعي في عام [[1954]] – [[1955]] بمقدار 38 مليون جنيه، بنسبة 15% فقد بلغ 420 مليون جنيه بعد أن كان 382 مليون جنيه.<br />
<br />
وزاد الآنتاج الوزراعي من 123% عام [[1952]] إلى 131% عام [[1954]] وهذه الأرقام من نفس الكتاب الإحصائي الذي أصدرته [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وفي عام [[1955]] سجل الآنتاج الصناعي تقدماً كبيراً إذ تراوحت نسبة الزيادة في فروعه المختلفة بين 15% و 25% وقد تكلمت عن هذا في الكلمة التي ألقيتها في أول [[يونيو]] في مؤتمر التعاونين.<br />
<br />
وقد بلغت الزيادة أقصاها في إنتاج الحديد والزهر فبلغت الصادرات ال[[مصر]]ية في المدة من أول [[يناير]] إلى آخر يونيه عام [[1956]] ـ 91 مليون جنيه أي بزيادة قدرها 21 مليون جنيه. إلى آخر البيانات الاقتصادية المعروفة والتي نشرت في الميزانية.<br />
<br />
ما هي التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية؟ إنهم يحاولون أن يبينوا أنها اقتصادية .. التطورات هي تطورات استقلالية .. تطورات حرية .. تطورات عزة وكرامة .. التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية أننا بنينا سداً من العزة والكرامة، سداً للحرية والاستقلال ضد الأطماع .. التطورات التي حدثت وأننا قد صممنا أن نقوي جيشنا ونسلحه .. صممنا أن تكون لن شخصية مستقلة .. صممنا أن تكون لنا حرية مستقلة.<br />
<br />
والغرض ـ بالطبع ـ من هذا الإجراء الذي أعلن يوم 20 [[يوليو]] ـ وأنني سأتكلم عن الحكومة الأمريكية لا عن الحكومة البريطانية، لأن الحكومة البريطانية أعلنت في اليوم التالي لإعلان الحكومة الأمريكية بعدأن وصلها الخطاب الأمريكي، والبنك الدولي أعلن بالطبع بعد [[بريطانيا]] بعد أن وصلته تعليمات من [[أمريكا]] ..<br />
[[مصر]] ولهذا فسأتكلم عن [[أمريكا]] في هذا الموضوع .. ما الغرض من هذا؟ .. إنهم يعاقبون [[مصر]] لأنها رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية .. [[مصر]] نادت بالسلام وتحقيق حقوق الآنسان.<br />
<br />
[[مصر]] نادت بالمبادئ والتي كتبوها في ميثاق [[الأمم المتحدة]] بعد الحرب العالمية الثانية ونسوها .. هذه هي المبادئ التي ننادي بها اليوم .. الحرية وحق تقرير المصير والقضاء على الاستعمار وعدم الآنحياز والتعايش السلمي والحياد الإيجابي والتعاون مع جميع الدول، نعادي من يعادينا، ونسالم من يسالمنا .. هذه هي المبادئ التي تنادي بها [[مصر]].<br />
فكيف نقول هذا ولا نسمع كلام الكونجرس الأمريكي ولا نأخذ الأوامر من هناك؟<br />
<br />
ومنذ شهر ونصف شهر وقف أحد أعضاء الكونجرس وقال كيف تتبع [[مصر]] هذه المبادئ ولا تقعطوا عنها المعونة التي تؤخذ منا؟. وهذا معناه غرور وتحكم في الشعوب.<br />
<br />
ونحن قد رفضنا قبول هذا التحكم وهذه السيطرة. إنهم يعاقبوننا على هذا بالسبعين مليون دولار التي كانوا سيعطونها لنا على خمس سنوات!<br />
<br />
إننا نعمل مشروع تنمية ونريد أن ننمي الآنتاج ونرفع مستواه وهم يقولون في جرائدهم إننا نفعل هذا ليعرف الشعب ال[[مصر]]ي أن ناصر ضده، فيضغط عليه الشعب ال[[مصر]]ي لكي يسمع كلام [[أمريكا]].<br />
<br />
هذا ما يقولونه في جرائدهم، ولا يعرفون أن الشعب ال[[مصر]]ي غير موافق على هذا الكلام الذي تذكرونه.<br />
وحينما وصل بلاك وهو مدير البنك الدولي .. وبدأ يتكلم معي في تمويل السد العالي، قال إننا بنك دولي ولسنا بنكاً سياسياً، وليس لي شأن ب[[أمريكا]] مطلقاً، فأنا مستقل أقول الرأي الذي أؤمن به.<br />
<br />
وقلت له كيف يكون مجلس الإدارة ممثلاً لدول ولا يكون بنكاً سياسياً .. بالطع تعتبر بنكاً سياسياً فمجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية السائرة في فلك [[أمريكا]].<br />
<br />
وابتدأت أنظر إلى مستر بلاك وهو جالس على الكرسي وكنت أتخيل أنني أجلس أمام [[فرديناند دليسبس]].<br />
عاد بي تفكيري إلى الكلام الذي كنا نقراه ففي عام [[1854]] وصل إلى [[مصر]] [[فرديناند دليسبس]] وذهب إلى [[محمد سعيد باشا]] ـ الخديوي ـ وجلس بجانبه وقال له نريد أن نحفر [[قناة السويس]] وهذا المشروع سيفيدك فائدة لا حد لها .. فهو مشروع ضخم وسيعود على [[مصر]] بالكثير.<br />
<br />
وعندما كان بلاك يسترسل في كلامه معي، كنت أحس بالعقد الموجودة في الكلام الذي يقوله ويعود بي التفكير إلى [[فرديناند دليسبس]].<br />
<br />
ثم قلت له نحن عندنا عقدة من هذه الموضوعات ونحن لا نريد أن نرى كرومة في [[مصر]] مرة ثانية ليحكمنا.<br />
عمل في الماضي قرضاً وفوائد على القروض وكانت النتيجة أن احتلت بلدنا فأرجوك أن تضع هذا الاعتبار في نفسك وفي كلامك معي، فنحن عندنا عقدة من [[فرديناند دليسبس|دليسبس]]. ومن كرومر عندنا عقدة من الاحتلال السياسي عن طريق الاقتصادي هذه هي الصورة التي صورت لي .. صورة [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] حينما وصل إلى [[مصر]] .. وصل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] إلى [[مصر]] في 7 [[ديسمبر]] عام [[1954]]، وصل إلى [[الإسكندرية]] وبدأ يعمل في حذر وخديعة .. وفي 30 [[نوفمبر]] عام [[1954]] وبعد أن اتصل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] بالخديوي محمد سعيد، حصل على امتياز النال، '''وفي صدر هذا الامتياز الذي منحه سعيد ل[[فرديناند دليسبس|دليسبس]] قال الآتي:'''<br />
<br />
حيث أن صديقنا مسيو [[فرديناند دليسبس]] قد لفت نظرنا إل الفوائد التي قد تعود على [[مصر]] من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر ، بواسطة طريق ملاحي للبواخر، أخبرنا بالفوائد التي تعود على [[مصر]] وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال فقد قبلت الفكرة التي عرضها علينا وأعطيناه بموجب هذا تفويضاً خاصاً بإنشاء وإدارة شركة لحفر [[قناة السويس]] واستغلال [[قناة السويس|القناة]] بين [[البحرين]].<br />
<br />
وكان هذا الكلام عام [[1854]]، وفي عام [[1856]] أي منذ مائة عام صدر فرمان بتكوين الشركة وأخذت [[مصر]] من الشركة 44% من الأسهم والتزمت بالتزامات ل[[فرديناند دليسبس|دليسبس]] .. شركة [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] شركة خاصة ليس لها علاقة بحكومات ولا احتلال ولا استعمار!! [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] قال للخديوي أنا صديقك وقد جئت لأفيدك وأعمل قناة بين [[البحرين]] تستفيد منها.<br />
<br />
تكونت شركة [[قناة السويس]] واشتركت [[مصر]] بـ 44% من الأسهم ـ وتعهدت [[مصر]] بأن تورد العمال الذين سيحفرون [[قناة السويس|القناة]] بأرواحهم وجماجمهم ودمائهم . دفعنا 8 مليون جنيه .. وبعد ذلك ولأجل أن يتنازل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] عن بعض الامتيازات كنا ندفع له أيضاً.<br />
<br />
وكان المفروض أن نأخذ أيضاً 15% من أرباح الشركة زيادة على أرباح أسمهنا وتنازلنا عن 15% من الأرباح .. وبعد أن كانت القنال محفورة ل[[مصر]] كما قال [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] للخديوي أصبحت [[مصر]] ملكية للقناة.<br />
وفي الاتفاق الذي عقد في 22 [[فبراير]] [[1966]]، جاء في المادة 16 أنه بما أن الشركة العالمية ل[[قناة السويس]] البحرية شركة [[مصر]]ية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها، وإلى الآن لم تخضع الشركة لقوانين البلاد ولا لعرفها لأنها تعتبر نفسها دولة داخل الدولة.<br />
<br />
والمنازعات التي تنشأ في [[مصر]] بين الشركة وبين الأفراد من أية جنسية تختص المحاكم ال[[مصر]]ية بالفصل فيها تبعاً للأوضاع التي تقررها قوانين البلاد وعاداتها. وتختص المحاكم ال[[مصر]]ية في المنازعا التي قد تنشأ بين الحكومة ال[[مصر]]ية والشركة ويقضى فيها طبقاً للقوانين ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
ونتيجة الكلام الذي قاله [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] للخديوي عام [[1856]]، ونتيجة الصداقة والديون .. تمَّ احتلال [[مصر]] عام [[1882]].<br />
<br />
واستدانت [[مصر]] بسبب هذا الموضوع .. فماذا فعلت؟ اضطرت [[مصر]] في عهد إسماعيل إلى بيع نصيبها من الأسهم وقدره 44% من أسهم الشركة .. وفوراً أرسلت [[إنجلترا]] تشتري نصيب [[مصر]] من الأسهم في الشركة .. اشترتها بأربعة ملايين جنيه. وبعد ذلك تنازل إسماعيل عن الأرباح التي كان يأخذها للشركة وقدرها 5% نظير تنازلها عن بعض الامتيازات التي أعطيت لها فاضطر بعد أن اشترت [[إنجلترا]] الـ 44% من الأسهم بأربعة ملايين جنيه .. أن يدفع ل[[إنجلترا]] سنويا 5% نظير الأرباح التي كان قد تنازل عنها، فدفع لها أربعة ملايين جنيه أي أن [[بريطانيا]] أخذت نصيب [[مصر]] من الأسهم وقدره 44% بدون مقابل.<br />
<br />
هذا هو ما حدث في القرن الماضي. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة ثانية ويعود إلى الخداع والتضليل؟ وهل يكون التحكم الاقتصادي سبباً في القضاء على حريتنا السياسية؟ .. كلا .. لا يمكن أن يعود التاريخ مرة أخرى ونحن اليوم نقضي على آثار الماضي البغيض التي تسبب فيها المستعمرون بالخداع والتضليل.<br />
<br />
واليوم فإن [[قناة السويس]] التي مات من أبنائها في حفرها 120 ألفاً .. حفروها بالسخرة ودفعنا في تأسيسها 8 مليون جنيه .. [[قناة السويس]] التي أصبحت دولة داخل الدولة .. والتي أذلت الوزراء والوزارات .. هذه [[قناة السويس|القناة]] قناة [[مصر]]، شركة مساهمة [[مصر]]ية اغتصبت [[بريطانيا]] منا حقنا فيها وهو الـ 44 في المائة من أسهم الشركة .. وما زالت [[بريطانيا]] من وقت افتتاح القنال حتى الآن تأخذ فوائد مقابل هذه الأسهم والدول كلها تأخذ فوائد والمساهمون فيها يأخذون فوائد .. ودولة داخل الدولة وشركة مساهمة [[مصر]]ية!<br />
<br />
وبلغ دخل شركة [[قناة السويس]] في عام [[1955]] ـ 35 مليون جنيه أي مائة مليون دولار ونأخذ نحن الذين مات من أبنائنا 120 ألفاً أثناء حفرها مليون جنيه فقط أي 3 مليون دولار!.<br />
<br />
شركة [[قناة السويس]] التي قامت كما قال فرمان من أجل مصلحة [[مصر]] ومن أجل منفعة [[مصر]]!.<br />
<br />
هل تعلمون مقدار المساعدة التي ستعطيها لنا [[أمريكا]] و[[إنجلترا]] في خمة سنوات؟<br />
<br />
70 مليون دولار .. وهل تعلمون من الذي يأخذ المائة مليون دولار وهي دخل الشركة السنوي؟ هم الذين يأخذونها بالطبع.<br />
<br />
وليس عيباً أن أكون فقيراً وأقترض لكي أبني بلدي، أو أحاول أن أجد ماعدة لجل بلدي .. ولكن العيب هو أن أمتص دماء الشعوب .. وأمتص حقوق الشعوب.<br />
<br />
إننا لن نكرر الماضي بل سنقضي على الماضي .. سنقضي على الماضي بأن نستعيد حقوقنا في [[قناة السويس]] .. هذه الأموال أموالنا .. وهذه [[قناة السويس|القناة]] ملك ل[[مصر]] لأنها شركة مساهمة [[مصر]]ية.<br />
<br />
حفرت [[قناة السويس]]ة بواسطة أبناء [[مصر]]، ومات 120 ألف [[مصر]]ي في حفرها .. شركة [[قناة السويس]] الموجودة الآن في باريس شركة مغتصبة .. اغتصبت امتيازاتنا. وعندما جاء [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] إلى [[مصر]] كان مجيئه يشبه مجيء بلاك إلى [[مصر]] للتحدث معي.<br />
<br />
والتاريخ لن يعيد نفسه، بل على العكس سنبني السد العالي وسنحصل على حقوقنا المغتصبة .. سنبني السد العالي كما نريد .. وسنصمم على هذا 35 مليون جنيه كل سنة تأخذها شركة [[قناة السويس|القناة]] .. فلتأخذها [[مصر]] .. مائة مليون دولار كل سنة تحصلها شركة [[قناة السويس|القناة]] لمصلحة [[مصر]] .. فلنحق هذا الكلام وتحصل [[مصر]] على المائة مليون دولار لمنفعة [[مصر]] أيضاً.<br />
<br />
ولهذا فإننا اليوم أيها المواطنون حينما نبني السد العالي، فإنما نبني أيضاً سد العزة والحرية والكرامة ونقضي على سدود الذل والهوان.<br />
<br />
وتعلن ـ [[مصر]] كلها ـ جبهة واحدة أنها كتلة وطنية متكاتفة متحدة .. [[مصر]] كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها .. كل واحد من أبنائها سيكون مثل [[صلاح مصطفى]] ومثل [[مصطفى حافظ]] .. كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا في سبيل بنا بلدنا، وفي سبيل بناء [[مصر]] .. لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر، وسنعتمد على سواعدنا وعلى دمائنا ونحن أغنياء، لقد كنا متهاونين في حقوقنا ونحن نستردها ـ معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة فخطوة .... سنبني [[مصر]] لتكون قوية .. وسنبني [[مصر]] لتكون عزيزة.<br />
<br />
'''ولهذا وقعت اليوم،، ووافقت الحكومة على [[القانون]] الآتي:'''<br />
<br />
'''قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية ل[[قناة السويس]]'''<br />
<br />
'''باسم الأمة :'''<br />
<br />
'''رئيس الجمهورية :'''<br />
<br />
مادة 1- تؤمم الشركة العالمية ل[[قناة السويس]] ـ شركة مساهمة [[مصر]]ية ـ وينتقل إى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل جميع الهيئات القائمة حالياً على إدارتها.<br />
<br />
ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها مقدره بحسب الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا [[القانون]] في بورصة الأوراق المالية بباريس ويتم دفع هذا التعويض بعد استلام الدولة لجميع أملاك وممتلكات الشركة المؤممة.<br />
<br />
مادة 2- تتولى إدارة مرفق المرور في قناة الويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتلحق بوزارة التجارة ـ يصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.<br />
<br />
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامي، ويكون للهيئة ميزانية مستقلة يتبع في وضعها القواعد المعمول بها حالياً في المشروعات التجارية. وتبدأ السنة المالية في آخر [[يونيو]] من كل عام. وتعتمد الميزانية والحساب الختامي في كام بقرار من رئيس الجمهورية.<br />
<br />
تبدأ النة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وتنتهي في آخر [[يونيو]] عام [[1957]]. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قرارتها أو للقيام بما تعهد به إليه من أعمال. كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية للاستعانة بها في البحوث والدراسات.<br />
<br />
يمثل الهيئة رئيسها أمام الجهات القضائية والحكومية وغيرها وينوب عنها في معاملته مع الغير.<br />
<br />
مادة 3- تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها في [[مصر]] وفي الخارج ويحظر على البنوك والهيئات والأفرا التصرف في تلك الأموال بأي وجه من الوجوه .. أو صرف أي مبالغ أو تأدية أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 4- تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار في أداء أعمالهم ولا يجوز لأي منهم ترك عمله أو التخلي عنه بأي وجه من الوجوه أو لأي سبب من الأسباب إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 5- كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازي ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة، وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن فضلاً عن حرمانه من أي حق في المكافأة أو المعاش أو التعويض.<br />
<br />
مادة 6- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويكون له قوة [[القانون]] ويعمل به من تاريخ نشره ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.<br />
<br />
'''أيها المواطنون:'''<br />
إننا لن نمكن منا المستعمرين أو المستبدين .. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى .. إننا قد اتجهنا قدما إلى الأمام لنبني [[مصر]] بناء قوياً متيناً .. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسي واستقلال اقتصادي .. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومي .. من أجل مجموع هذا الشعب .. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكننا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت لنهدم آثار الماضي .. آثار الاستبداد .. آثار الاستعباد والاستغلال والسيطرة .. إنما نتجه إلى الماضي لنقضي على جميع آثاره.<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون، وقد عادت الحقوق إلى أصحابها .. حقوقنا في [[قناة السويس]] .. عادت إلينا بعد مائة سنة .. اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقي من صروح السيادة ـ ونحقق البناء الحقيقي من أبنية العزة والكرامة. وقد كانت [[قناة السويس]] دولة في داخل الدولة شركة مساهمة [[مصر]]ية. ولكنها تعتمد على المؤامرات الأجنبية وتعتمد على الاستعمار وأعوانه.<br />
<br />
بنيت [[قناة السويس]] من أجل [[مصر]] ومن أجل منفعة [[مصر]] ولكن كانت [[قناة السويس]] منبعاً لاستغلال واستنزاف المال وكما قلت لكم منذ قليل .. ليس عيباً في أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدي، ولكن العيب هو امتصاص الدماء .. لقد كانوا يمتصون الدماء .. يمتصون حقوقنا ويأخذونها.<br />
<br />
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق أقول باسم شعب [[مصر]] إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ .. سنحافظ على هذه الحقوق. <br />
<br />
ودونها أرواحنا ودماؤنا .. إننا سنحافظ على هذه الحقوق، لننا نعوض ما فات .. إننا حينما نبني اليوم صرح العزة والكرامة نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يكتمل إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة .. وقد كانت [[قناة السويس]] صرحاً من صروح الاستبداد وصرحاً من صروح الاغتصاب .. وصرحاً من صروح الذل.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون أممت [[قناة السويس]] ونشر هذا القرار في الجريدة الرسمية فعلاً وأصبح هذا القرار أمراً واقعاً.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون نقول هذه أموالنا ردت إلينا .. هذه حقوقنا التي كنا نسكت عليها، عادت إلينا.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون ودخل [[قناة السويس]] 35 مليون جنيه، أي مائة مليون دولار في السنة، أي خمسمائة مليون دولار في خمس نوات .. فلم ننظر إلى الـ 79 مليون دولار، قيمة المعونة الأمريكية؟<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون بعرقنا ودموعنا وأرواح شهدائنا وجماجم الذين ماتوا عام [[1856]]، منذ مائة عام أثناء السخرة. نستطيع أن ننمي هذا البلد وسنعمل وننتج ونزيد في الآنتاج برغم كل هذه المؤامرات كل هذا الكلام. إنني كلما صدر من واشنطن كلام سأقول: موتوا بغيظكم.<br />
<br />
سنبني الصناعة في [[مصر]] وسننافسهم فهم لا يريدون أن نكون دولة صناعية حتى تروج منتجاتهم وتجد لها سوقاً عندنا.<br />
<br />
إنني لم أرَ أبداً معونة أمريكية متجهة إلى التصنيع لأن اتجاهها إلى التصنيع سيترتب عليها منافستنا لهم .. ولكن المعونة الأمريكية تتجه دوماً إلى الاستغلال.<br />
<br />
ونحن في الأربع سنوات الماضية ونحن نستقبل العام الخامس للثورة، كما قلت في أول كلامي نشعر بأننا أصلب عوداً وأشد عزماً وأشد قوة وإيماناً .. واليوم ونحن نستقبل العام الخامس للثورة وكما طرد فاروق في 26 [[يوليو]] عام [[1952]] تخرج اليوم [[قناة السويس]]، في نفس اليوم نشعر أننا حققنا عزة حقيقية، فلن تكون سيادة في [[مصر]] إلا لأبناء [[مصر]] ولشعب [[مصر]].<br />
<br />
وسنتجه قدماً إلى الأمام .. متحدين متكاتفين .. شعب واحد يؤمن بنفه ويؤمن بوطنه ويؤمن بقوته .. شعب واحد .. كتلة واحدة متراصة نحو البناء ونحو التصنيع ونحو الآنشاء وضد أعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار، نف ضد الغدر والعدوان .. ونقف ضد الاستعمار الذي آل على نفسه أن يعمل ويزحف زحفاً حثيثاً.<br />
<br />
إننا بهذا أيها المواطنون سنستطيع أن نحقق الكثير وسنشعر بالعزة والكرامة. وسنشعر بأننا نبني وطننا بناء حقيقياً كما نريد .. نبني ما نريد ونعمل ما نريد .. ليس لنا شريك.<br />
<br />
وإننا اليوم حينما نسترد الحقوق المغتصبة والحقوق المسلوبة إنما نتجه إلى القوة وكل عام سنزداد قوة على قوة وبعون الله نكون أقوياء في العام القادم وقد ازداد إنتاجنا وعملنا ومصانعنا.<br />
<br />
الآن وأنا أتكلم أليكم يقوم أخوة لكم من أبناء [[مصر]]، ليديروا شركة [[قناة السويس|القناة]] ويقومون بعمل شركة [[قناة السويس|القناة]] .. الآن في هذا الوقت يتسلمون شركة [[قناة السويس|القناة]] .. شركة القنال ال[[مصر]]ية لا شركة القنال الأجنبية .. قاموا ليتسلموا شركة القنال ومرافقها ويديروا الملاحة في [[قناة السويس|القناة]] .. [[قناة السويس|القناة]] التي تقع في أرض [[مصر]]، والتي تخترق أرض [[مصر]] والتي هي جزء من [[مصر]] وملك ل[[مصر]]، نقوم الآن بهذا العمل لنعوض ما فات ولنعوض عن الماضي ولنبني صروحاً جديدة للعزة والكرامة.<br />
<br />
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644109عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-26T10:44:30Z<p>Helmy: /* التنظيم الطليعي السري */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة الشهيرة [[الإخوان|للإخوان]] ، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "<br />
<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى]] – [[عبد القادر حاتم]] – [[عبد المحسن أبو النور]] – [[محمد النبوي المهندس]] – [[أحمد توفيق البكري]] – [[عبد العزيز السيد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[أحمد فهيم]] – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو]] – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[محمد أبو نار]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[على السيد]] – [[محمد على بشير]] – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة]] - [[حسنى الحديدي]]. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود]] – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب]] – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد حجر]] – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على]] – [[محمد أحمد غانم]] – [[محمد أسعد راجح]] – [[محمد البدوي فؤاد]] – [[عبد الحليم منتصر]] – [[عبد الوهاب البرلسى]] – [[على سيد حمدي الحكيم]] – [[طلبة عبد العزيز مصطفى]] – [[محمد خلف الله أحمد]] – [[حسين خلاف]] – [[رفعت المحجوب]] – [[مصطفى كمال حلمي]] – [[عبد الجابر علام]] – [[محمود أبو عافية]] – [[حسن ناجى]] – [[أحمد محمد كامل صديق]] – [[محمد فؤاد حسن همام]] – [[فتحي فوده تادرس]] – [[صلاح زكى]] – [[عواطف الصحفي]] – [[عبد الحميد غازي]] – [[أحمد فؤاد محمود]] – [[حسين فهما]] – [[طلعت عزيز]] – [[فؤاد محي الدين]] – [[فردوس أحمد سعد]] – [[نعيم أبو طالب]] – [[كمال الشاذلي]] – [[سميرة الكيلانى]] – [[همت مصطفى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر]] – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر]] – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر]] – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر]] – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644108عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-26T10:36:48Z<p>Helmy: /* التنظيم الطليعي السري */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة الشهيرة [[الإخوان|للإخوان]] ، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "<br />
<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى]] – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور]] – [[محمد النبوي المهندس]] – [[أحمد توفيق البكري]] – [[عبد العزيز السيد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – أ[[حمد بهاء الدين]] – أحمد فهيم]] – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو]] – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد]] – [[محمد على بشير]] – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة]] - [[حسنى الحديدي]]. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب]] – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد حجر]] – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على]] – [[محمد أحمد غانم]] – [[محمد أسعد راجح]] – [[محمد البدوي فؤاد]] – [[عبد الحليم منتصر]] – [[عبد الوهاب البرلسى]] – [[على سيد حمدي الحكيم]] – [[طلبة عبد العزيز مصطفى]] – [[محمد خلف الله أحمد]] – [[حسين خلاف]] – [[رفعت المحجوب]] – [[مصطفى كمال حلمي]] – [[عبد الجابر علام]] – [[محمود أبو عافية]] – [[حسن ناجى]] – [[أحمد محمد كامل صديق]] – [[محمد فؤاد حسن همام]] – [[فتحي فوده تادرس]] – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي]] – [[عبد الحميد غازي]] – [[أحمد فؤاد محمود]] – [[حسين فهما]] – [[طلعت عزيز]] – [[فؤاد محي الدين]] – [[فردوس أحمد سعد]] – [[نعيم أبو طالب]] – [[كمال الشاذلي]] – [[سميرة الكيلانى]] – [[همت مصطفى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر]] – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر]] – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر]] – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644107عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-26T10:30:26Z<p>Helmy: /* تقديم */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة الشهيرة [[الإخوان|للإخوان]] ، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "<br />
<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور – [[محمد النبوي المهندس – [[أحمد توفيق البكري – [[عبد العزيز السيد – [[إبراهيم الشربينى – أ[[حمد بهاء الدين – أحمد فهيم – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد – [[محمد على بشير – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة - [[حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد]] حجر – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على – [[محمد أحمد غانم – [[محمد أسعد راجح – [[محمد البدوي فؤاد – [[عبد الحليم منتصر – [[عبد الوهاب البرلسى – [[على سيد حمدي الحكيم – [[طلبة عبد العزيز مصطفى – [[محمد خلف الله أحمد – [[حسين خلاف – [[رفعت المحجوب – [[مصطفى كمال حلمي – [[عبد الجابر علام – [[محمود أبو عافية – [[حسن ناجى – [[أحمد محمد كامل صديق – [[محمد فؤاد حسن همام – [[فتحي فوده]] تادرس – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي – [[عبد الحميد غازي – [[أحمد فؤاد]] محمود – [[حسين فهما – [[طلعت عزيز – [[فؤاد محي الدين – [[فردوس أحمد سعد – [[نعيم أبو طالب – [[كمال الشاذلي – [[سميرة الكيلانى – [[همت مصطفى – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644106عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-26T10:22:41Z<p>Helmy: حمى "عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة لشهيرة [[الإخوان|[[الإخوان|للإخوان]] المسلمين]]، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "0<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو ي[[مارس]] [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور – [[محمد النبوي المهندس – [[أحمد توفيق البكري – [[عبد العزيز السيد – [[إبراهيم الشربينى – أ[[حمد بهاء الدين – أحمد فهيم – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد – [[محمد على بشير – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة - [[حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد]] حجر – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على – [[محمد أحمد غانم – [[محمد أسعد راجح – [[محمد البدوي فؤاد – [[عبد الحليم منتصر – [[عبد الوهاب البرلسى – [[على سيد حمدي الحكيم – [[طلبة عبد العزيز مصطفى – [[محمد خلف الله أحمد – [[حسين خلاف – [[رفعت المحجوب – [[مصطفى كمال حلمي – [[عبد الجابر علام – [[محمود أبو عافية – [[حسن ناجى – [[أحمد محمد كامل صديق – [[محمد فؤاد حسن همام – [[فتحي فوده]] تادرس – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي – [[عبد الحميد غازي – [[أحمد فؤاد]] محمود – [[حسين فهما – [[طلعت عزيز – [[فؤاد محي الدين – [[فردوس أحمد سعد – [[نعيم أبو طالب – [[كمال الشاذلي – [[سميرة الكيلانى – [[همت مصطفى – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=644105عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-26T10:18:02Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>[[عبد الناصر]] و[[التنظيم الطليعي السري]] [[1963]]-[[1971]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. [[حمادة حسنى]]'''<br />
<br />
'''تقديم : د. [[هشام السلامونى]]'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في [[القرن العشرين]] – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور [[حمادة حسنى]] – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة [[قناة السويس]]، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام [[ثورة يوليو 1952]]، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،ب[[دستور 1956]]، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو [[1956]] ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على [[الدستور]] الثوري ) كانت [[الثورة]] قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات [[الثورة]] السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( [[هيئة التحرير]])، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة [[الثورة]]، ومن ثم مع رئيس [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس [[مجلس قيادة الثورة]] ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل [[مجلس قيادة الثورة]] بالفعل)، وقد جاء [[دستور 1956]] ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم [[الثورة]] ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل [[الثورة]] نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل [[الثورة]] – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام [[الأحزاب]] المصرية بدءا من العام [[1907]] والجمعية التشريعية في العام [[1914]]، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في [[ثورة 1919]] وما بعدها ، تحت قيادة [[حزب الوفد]] ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ [[1924]] إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل [[الثورة]] في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من [[ثورة يوليو]]- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات [[عبد الناصر]]، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا [[الديمقراطية]] ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي [[الديمقراطية]] ( حق الناس في إدارة شئونهم / [[الشورى]] / [[مصر]] لل[[مصر]]يين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( [[مصر]] لل[[مصر]]يين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة [[الإسلام]]ية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن [[عبد الناصر]] لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات [[الثورة]] ( غير المعارضة لشهيرة [[الإخوان|[[الإخوان|للإخوان]] المسلمين]]، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية [[الثورة]] من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة [[1967]] ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 [[مارس]] بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة [[عبد الناصر]]، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني و[[الثورة]]، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات [[الثورة]] السياسية، منذ أولها [[هيئة التحرير]] إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك [[جمال عبد الناصر]] أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ [[السادات]] في التنظيم الطليعي- المدافع عن [[الثورة]] ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في [[مايو]] [[1971]]، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية [[السادات]]ية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في [[2008]] والمناضلون ال[[مصر]]يون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من [[1952]] إلى [[1955]] ، وتمت شرعنته في [[دستور 1956]] ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه ب[[الدستور]] المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون ال[[مصر]]يون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة ال[[مصر]]ية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون [[جمال عبد الناصر]] تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها [[جمال عبد الناصر]] قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن [[جمال عبد الناصر]] قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع [[عبد الناصر]] في سيارته، وانتقد بشدة أداء [[هيئة التحرير]]، باكورة تنظيمات [[الثورة]]، وأن [[عبد الناصر]] قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن [[هيئة التحرير]] نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن [[عبد الناصر]] لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على [[الثورة]] ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات [[عبد الناصر]] في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد [[أحمد فؤاد]] ل[[عبد الناصر]] ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] ، والسيد [[على صبري]]، وسكرتير [[عبد الناصر]] الشخصي السيد [[سامي شرف]]، و[[أحمد فؤاد]] ( الماركسي ) نفسه، فكان رد [[جمال عبد الناصر]]، أن [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[على صبري]] من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد [[أحمد فؤاد]] أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم [[سيد قطب]] في اعترافاته ، من أن السيد [[زكريا محيى الدين]] قد عرض على أفراد من "[[الإخوان المسلمين]]" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و [[الإخوان المسلمين]] ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) [[عبد الناصر]]، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره [[عبد الله إمام]] عن حوار تم بينه وبين السيد [[سامي شرف]] ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور [[رشوان فهمي]] ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد [[سامي شرف]] يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام [[1959]] ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد [[سامي شرف]] للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم [[عبد الناصر]] الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير [[جمال عبد الناصر]] وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات [[عبد الناصر]] السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة [[جمال عبد الناصر]] ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن [[عبد الناصر]] لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات [[عبد الناصر]] لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات [[عبد الناصر]]، والذي ورد ذكره مع [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له و[[عبد الناصر]] يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن [[سوريا]] ، وخلاف [[عبد الناصر]] المهدد لسلطته مع المشير [[عبد الحكيم عامر]]، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، و[[عبد الناصر]]الذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد [[عبد الناصر]] – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في [[الاتحاد الاشتراكي]]، وفى [[التنظيم الطليعي]] ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها [[عبد الناصر]] في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم [[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة [[1967]] ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون [[التنظيم الطليعي]] ، عمد نظام [[عبد الناصر]] إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في [[فبراير]] [[1968]] ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، و[[الديمقراطية]] ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر [[عبد الناصر]] خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] التي قامت في [[يوليو]] [[1952]] "0<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه [[عبد الناصر]] و[[السادات]] " دار قباء، [[القاهرة]] [[1999]] ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا ب[[ثورة 23 يوليو]] وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازي]] و[[سامي شرف]] مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو [[الدعوة]] والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال [[جمال عبد الناصر]]، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول [[جمال عبد الناصر]] في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو ي[[مارس]] [[الدعوة]] والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن [[ثورة يوليو 1952]]، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات [[جمال عبد الناصر]] محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات [[عبد الناصر]] عن تنظيمه الجديد فلقد كن [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ي[[مارس]] الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان [[عبد الناصر]] بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات [[الثورة]] المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في [[الاتحاد الاشتراكي]] بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد [[على صبري]] ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات [[جمال عبد الناصر]] لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد [[السادات]] ( كثير من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيدوا [[أنور السادات]] في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 [[مايو]] الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا [[جمال عبد الناصر]] في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء [[التنظيم الطليعي]] ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن [[شعراوي جمعة]] قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد [[على صبري]] أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات [[عبد الناصر]] غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة [[القاهرة]] [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين [[القاهرة]] الذي قابلته كان السيد [[عبد المجيد فريد]] ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد [[شعرواى جمعة]] بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي و[[التنظيم الطليعي]] ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات [[الثورة]] ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات [[الثورة]] أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون [[جمال عبد الناصر]] لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس [[السادات]] الذي انتقد [[التنظيم الطليعي]] ، لغياب [[الديمقراطية]] فيه ، وبعد ذلك غيب هو [[الديمقراطية]] في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من [[حزب مصر]] المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وخلط ميزانيته – ك[[جمال عبد الناصر]] – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة ال[[مصر]]ية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين [[الحزب الوطني]] فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد [[جمال عبد الناصر]] أن يقود [[الثورة]] بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد [[السادات]] أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى [[الديمقراطية]] بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل ال[[مصر]]يون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته ب[[دستور 1956]] ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية [[السادات]]. <br />
<br />
'''د. [[هشام السلامونى]] '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر [[التنظيم الطليعي]] أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن [[الاتحاد الاشتراكي]] حاول [[عبد الناصر]] فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين [[الاتحاد الاشتراكي]] وإنما قام على أكتاف من اختارهم [[عبد الناصر]] من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب [[محمد حسنين هيكل]] و[[على صبري]] وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم [[عبد الناصر]] في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] فعينه رئيسا للوزارة في [[1962]] ثم أمينا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] [[أكتوبر]] [[1965]] و[[سامي شرف]] الذي جعله [[عبد الناصر]] بعد قيام [[الثورة]] بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من [[الإخوان المسلمين]] و[[شعراوي جمعة]] الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في [[التنظيم الطليعي]] للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الإتحاد الإشتاركي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم [[1962]] ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء [[التنظيم الطليعي]] فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن ال[[مصر]]يين خارج [[مصر]] مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة [[1967]] حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد [[عبد الناصر]] وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل [[التنظيم الطليعي]] هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام [[1964]] وعلى رأسهم [[محمود أمين العالم]] ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم [[سمير حمزة]] ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام [[1965]] وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي و[[ألمانيا]] الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات [[التنظيم الطليعي]] يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول [[أحمد حمروش]] أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة [[مصر]]ية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في [[مصر]] القديمة وإلا لما خلد ال[[مصر]]يون الكاتب ال[[مصر]]ي . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب ل[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه [[الأحزاب]] تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا [[التنظيم الطليعي]] كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين و[[عبد الغفار شكر]] ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها [[مصر]] الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في [[مصر]] وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف ال[[مصر]]يون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " ف[[التنظيم الطليعي]] كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين [[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى [[جمال عبد الناصر]] مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من [[عبد الناصر]] كل من [[سامي شرف]] و[[شعراوي جمعة]] خاصة بعد هزيمة [[1967]] وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع ل[[سامي شرف]] كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال [[حسين الشافعي]] و[[سيد مرعى]] و[[على صبري]] و[[عزيز صدقي]] و[[لبيب شقير]] و[[ضياء داود]] و[[أمين هويدى]] بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس [[السادات]] – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في [[الجيزة]] من وضع أجهزة التصنت به ، وكان [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف و[[الدستور]] و[[القانون]] وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس [[السادات]] سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب ال[[مصر]]ي ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه [[السادات]] لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر [[سامي شرف]] وهكذا وجد أعضاء [[الجماعة]] – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس [[السادات]] على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام [[مجلس الشعب]] في 20 [[مايو]] 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام [[عبد الناصر]] لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان [[عبد الناصر]] يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن ال[[مصر]]ي ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين ل[[مصر]] والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة [[1967]] فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة [[1967]] أما [[إسرائيل]] زلزالا هائلا هز [[مصر]] والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة [[1967]] كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام [[عبد الناصر]] وكان [[عبد الناصر]] يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن [[عبد الناصر]] قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في [[حرب يونيه 1967]] بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث [[مصر]]ع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب [[عبد الناصر]] يوم 9 [[يونيه]] المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار [[عبد الناصر]] في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير [[حرب أكتوبر]] و[[حرب يونيه 1968]] بنسبة انتصارات [[أكتوبر]] إلى [[عبد الناصر]] وأن الخطة التي انتصر بها جيش [[أكتوبر]] وضعت في عهد [[عبد الناصر]] وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة [[السادات]] في [[حرب أكتوبر]] مع تبرير سياسة [[عبد الناصر]] في حرب [[يونيه]] مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر [[أكتوبر]] [[1973]] خائنا وقائد هزيمة [[يونيه]] [[1967]] بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص [[عبد الناصر]] الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في [[مصر]] لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور [[التنظيم الطليعي]] في أحداث [[مايو]] 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار [[يحيى الرفاعى]] على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق ب[[التنظيم الطليعي]] بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور [[هشام السلامونى]] على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات [[الثورة]] السياسية ===<br />
<br />
'''[[هيئة التحرير]]- [[الاتحاد القومي]] - [[الاتحاد الاشتراكي]] :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 [[يوليو]] [[1952]] لتنتقل بها [[مصر]] ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة ب[[مصر]] '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها [[الوفد]] ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت [[الثورة]] دستور [[1923]] الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت [[الثورة]] سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت [[ثورة 23 يوليو]] خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز [[الثورة]] ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في [[مجلس قيادة الثورة]] حتى صدر [[دستور 1956]] ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن [[مصر]] في [[أكتوبر]] [[1954]] ثم تحقق الجلاء فعلا في [[يونيه]] من سنة [[1956]]، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت [[الأحزاب]] ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام [[الثورة]] ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام [[الثورة]] ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد [[الأحزاب]] دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( [[هيئة التحرير]] [[1953]]- [[1961]]م) و( [[الاتحاد القومي]] 1957- [[1962]]م) ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( منذ [[1962]]-[[1976]]م) فلم تكن [[هيئة التحرير]] سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما [[الاتحاد القومي]] فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من [[الاتحاد القومي]] أو [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة [[الاتحاد القومي]] مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى [[الاتحاد القومي]] باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن [[الاتحاد الاشتراكي]] بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم [[الاتحاد الاشتراكي]] في عام [[1962]] م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى [[ديسمبر]] [[1962]]م – عند الإعداد لقيام [[الاتحاد الاشتراكي]] – أعلن [[حسين الشافعي]] نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن [[عبد الناصر]] فتح باب الاشتراك في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ابتداء من أول [[يناير]] [[1963]] م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 [[يناير]] ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة [[الاتحاد الاشتراكي]] " من القمة إلى القاعدة في [[1968]]م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان [[الاتحاد الاشتراكي]] ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في [[القاهرة]] والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( [[القانون]] 158 لسنة [[1963]] م معدل ب[[القانون]] رقم 47 لسنة [[1964]]م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة [[1961]] م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر [[القانون]] 87 لسنة [[1964]]م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة [[1960]]م والمعدل رقم 151 لسنة [[1961]] م وبرقم 54 لسنة [[1963]]م كان يشترط عضوية [[الاتحاد القومي]] فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[القانون]] 65 لسنة [[1964]]م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل ب[[القانون]] 59 لسنة [[1964]]م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن [[القانون]] شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا ب[[الاتحاد الاشتراكي]] مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد أصدر وزير العمل – [[أنور سلامة]] – القرار رقم 35 لسنة [[1964]] م يستلزم عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية [[الاتحاد الاشتراكي]] من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب [[الاتحاد الاشتراكي]] قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في [[الاتحاد الاشتراكي]] مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين [[الاتحاد الاشتراكي]] وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " [[ديكمجيان]] " عن 131 وزيرا [[مصر]]يا شكلوا ( نخبة القوة ) بين [[1952]] و [[1968]]م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل ب[[الاتحاد الاشتراكي]] نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف [[الاتحاد الاشتراكي]] قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو [[الاتحاد الاشتراكي]] يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الم[[مارس]]ة الأولى لعمل [[الاتحاد الاشتراكي]] .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل [[الاتحاد الاشتراكي]] دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب [[ثورة يوليو]] والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى [[الاتحاد الاشتراكي]] وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور [[عبد الناصر]] أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في [[يوليه]] [[1962]]م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في [[الاتحاد الاشتراكي]] " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية و[[الاتحاد الاشتراكي]] والشعب .. طيب عايزنى أسلم [[الاتحاد الاشتراكي]] لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم [[الاتحاد الاشتراكي]] ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي [[الثورة]] اللي قامت يوم 23 [[يوليو]] [[1952]] " <br />
<br />
لقد نظر [[عبد الناصر]] ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق [[الإصلاح]]ات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة لل[[مصر]]يين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة [[الثورة]] بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " [[هيئة التحرير]] " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " [[الاتحاد القومي]] " ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها [[عبد الناصر]] .. " أن علينا أن نعيد بناء [[الاتحاد الاشتراكي]]". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا [[الاتحاد الاشتراكي]] عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل م[[مارس]]اتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن م[[مارس]]تهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب [[عبد الناصر]] على خصمه [[عبد الحكيم عامر]] شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة م[[مارس]]ة العمل السياسي في إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية [[الديمقراطية]] – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن [[القانون]] أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] في الفترة [[1962]]-[[1964]] لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 [[نوفمبر]] [[1966]] خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تضم في [[ديسمبر]] [[1964]] ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 [[مايو]] [[1971]]. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات [[ديكمجيان]] كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير [[عبد الحكيم عامر]] في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( [[التنظيم الطليعي]] ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب [[1967]]م وعلى رأس المؤسسة العسكرية [[عبد الحكيم عامر]] وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة [[يوليو]] هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على [[حزب الوفد]] الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة [[يوليو]] أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري [[مصر]] واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت [[مصر]] من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل [[الثورة]] أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية [[عبد الناصر]] جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط [[الديمقراطية]] التي سادت [[مصر]] قبل [[1952]] ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها [[مصر]] بعد [[ثورة 1919]] فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف [[عبد الناصر]] من كافة القضايا الكبرى في حكم [[مصر]]، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون [[عبد الناصر]] ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] في [[سبتمبر]] [[1974]] ، ونشر في [[1975]] رفض [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] وصف [[عبد الناصر]] بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما [[جمال عبد الناصر]] " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن [[عبد الناصر]] لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " [[عبد الناصر]]، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك [[هتلر]] و[[موسولينى]] و[[فرانكو]] وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، و[[الديمقراطية]] شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن [[الديمقراطية]] مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم [[عبد الناصر]] بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة [[عبد الناصر]] ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" [[الديمقراطية]] " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم [[الديمقراطية]].<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة ل[[عبد الناصر]] الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء [[القانون]]يين و[[الدستور]]يين – [[السنهوري]] ، [[فتحي رضوان]] ، [[سليمان حافظ]] – الذين أحاطوا بثوار [[يوليو]] بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على [[الديمقراطية]] بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
=== [[التنظيم الطليعي السري]] ===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن [[الإتحاد الإشتاركي]] ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – [[الاتحاد الاشتراكي]] – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول [[جمال عبد الناصر]] الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم [[الاتحاد الاشتراكي]] من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس [[السادات]] أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على [[الاتحاد الاشتراكي]] ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن [[الديمقراطية]] السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع [[سوريا]] و[[العراق]] عام [[1963]] م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود [[الأحزاب]] والتعدد الحزبي ذكر [[عبد الناصر]] في جلسة 19 [[مارس]] [[1963]]م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين [[التنظيم الطليعي]] طبقا لما أورده كل من [[أحمد حمروش]] و[[سامي شرف]] في [[يونيو]] [[1963]]م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل]] و[[أحمد فؤاد]] و[[سامي شرف]]. <br />
<br />
وكان من الطبيعي و[[جمال عبد الناصر]] بصدد إنشاء الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] وباعتباره كان رئيسا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] أن يدعو [[حسين الشافعي]] أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] قديم. <br />
<br />
ويذكر [[أحمد فؤاد]] رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف [[1963]] " استدعاني [[عبد الناصر]] وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان [[عبد الناصر]] إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان [[أحمد فؤاد]] هو الشخص المناسب ولكي يضمن [[عبد الناصر]] أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- [[جمال عبد الناصر]] رئيس الدولة ورئيس [[الاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
2- [[محمد حسنين هيكل]] مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( [[الاتحاد الاشتراكي]] )<br />
<br />
3- [[على صبري]] رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- [[أحمد فؤاد]] الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار ال[[مصر]]ي. <br />
<br />
5- [[سامي شرف]] رجل المخابرات وعين [[عبد الناصر]]. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها [[عبد الناصر]] كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر [[أحمد فؤاد]] من [[جمال عبد الناصر]] عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال [[عبد الناصر]] إن [[على صبري]] و[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وعرض [[عبد الناصر]] فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو ب[[الاتحاد الاشتراكي]] كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] في يوغسلافيا ، كما أرسل [[صلاح الدسوقي]] ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ [[القاهرة]] فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط [[عبد الناصر]] في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 [[يوليو]] وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل [[عبد الناصر]] إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد [[عبد الناصر]] بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل ل[[سامي شرف]] قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب [[سامي شرف]] ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد ال[[مصر]]ي ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس [[عبد الناصر]] وأرسل باليد للأعضاء بواسطة [[محمد المصري]] ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث [[عبد الناصر]] عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي [[على صبري]] و[[عباس رضوان]] بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور – [[محمد النبوي المهندس – [[أحمد توفيق البكري – [[عبد العزيز السيد – [[إبراهيم الشربينى – أ[[حمد بهاء الدين – أحمد فهيم – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد – [[محمد على بشير – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة - [[حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]]. <br />
<br />
وكانت خلية [[أحمد فؤاد]] تضم [[أحمد حمروش]] – [[أحمد رفاعي]] – [[زكى مراد]] – [[فؤاد حبشي]] وفيما بعد [[فؤاد مرسى]] – [[عبد المعبود الجبلي]] – [[أحمد الرفاعى]] – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم [[حدتو]] و[[الحزب الشيوعي المصري]] وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل [[الحزب الشيوعي المصري]] وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل [[محمود أمين العالم]]. <br />
<br />
وقام [[سامي شرف]] بتشكيل مجموعة كانت تضم ( [[محمد المصري]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد شهيب]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[أحمد إبراهيم]] ( أمين [[الاتحاد الاشتراكي]] ب[[مصر]] الجديدة – [[عبد العاطى نافع]] ( أمين المطرية ) [[مصطفى المستكاوى]] (أمين الزيتون ) [[أحمد كمال الحديد]] ( أمين الوايلى ) [[جمال هديت]] ( مدير نادي الشمس ) [[درويش محمد درويش]] – [[نبيل نجد]] – [[أحمد حمادة]] وقد شكل [[خالد محيى الدين]] خليته في [[جريدة الأخبار]] من [[رفعت السعيد]] – [[جمال بدوى]] – [[أمير العطار]] – [[السيد الجبرتي]] – [[مصطفى طيبه]] – [[أحمد طه]]. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء [[جمال بدوى]] ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا [[أحمد طه]] عن وجود تحركات إخوانية ويكتب [[جمال بدوى]] إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كامل]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمد عروق]] – [[يوسف عوض غزولى]] ويعاونهم كل من [[أسعد خليل]] و[[عادل الأشواح]] '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
[[شعراوي جمعة]] – [[سامي شرف]] – [[عبد المجيد شديد]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[أمين عز الدين]] – [[محمد فائق]] – [[محمد المصري]] – [[أحمد كامل]] [[أحمد شهيب]] – [[عبد المعبود الجبيلى]] – [[محمد عروق]] – [[أمين هويدى]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[أحمد حمروش]] – [[محمود أمين العالم]] – [[حلمي السعيد]] – [[يوسف عوض غزولى]] – [[على السيد على]] – ويعاون في أعمال الأمانة [[أسعد خليل]] و[[عادل الشواح]] . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة [[القاهرة]] تضم [[على صبري]] – [[أحمد فؤاد]] – [[شعراوي جمعة]] – [[عزت سلامة]] – [[لبيب شقير]] – [[محمد فائق]] – [[سامي شرف]] – [[سعد زايد]] – [[حلمي السعيد]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – [[أحمد شهيب]] – [[أحمد فهيم]] – [[فتحي فوده]] – [[أمين عز الدين]] – [[أحمد بهاء الدين]] – [[محمد النبوي المهندس]]. <br />
<br />
وكانت لجنة [[التنظيم الطليعي]] في وزارة الخارجية مشكلة من [[حسين بلبل]] – [[سميح أنوار]] – [[يحيى عبد القادر]] – [[مراد غلب]] – [[عبد المنعم النجار]] – [[أحمد عصمت عبد المجيد]] – [[حمدي أبو زيد]] – [[مصطفى مختار]] – [[أحمد لطفي متولي]] – [[محمد فتحي الريب]] – [[أمين حامد هويدى]] – [[جمال شعير]] – [[أسامة الباز]] – [[عمرو موسى]] – [[محمد وفاء حجازي]] – [[أنور السكرير]] – [[محمد عز الدين شرف]] – [[أحمد صدقي]] – [[أحمد بهي الدين]] – [[إبراهيم يسرى عبد الرحمن]] – [[فخري أحمد عثمان]] – [[أحمد مختار الجمال]] – [[بهجت إبراهيم الدسوقي]] – [[مصطفى الفقى]] – [[أمين يسرى]] – [[أحمد يسرى]] – [[مختار الحمزاوى]] – [[محب السمرة]] – [[مصطفى كامل مرتجى]] – [[محمد التابعي]] – [[إبراهيم ساما جاد على خشبة]] – [[محمود فوزي كامل]] – [[فتح الله الضلعي]] – [[حسن عبد الحق جاد الحق]] – [[محمد أو الغيط]] – [[فوزي محبوب]] – [[عادل مأمون]] – [[شرف الدين]] – [[محسن أمين خليفة]] – [[محمد عوض القوني]] – [[حسين كامل بهاء الدين]] – [[عبد المنعم عبد العزيز سعودي]] – [[خالد محمد الكومى]] – [[محمد زين العابدين الغبارى]] – [[عبد الله محمود عبد الله]] – [[مخلص قطب عيسى]] . <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات ال[[مصر]]ية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى [[سامي شرف]] قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى [[مصر]] فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – [[عبد المنعم النجار]] و[[أسامة الباز]] و[[حسام عيسى]] – و[[على السمان]] – و[[جمال شعير]] – و[[مصطفى الفقى]] – و[[مراد غالب]] – و[[أسامة الخولى]] و[[وفاء حجازي]] وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء [[التنظيم الطليعي]] في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( [[حسن طلعت]] - [[ممدوح سالم]] – [[زكى علاج]] – [[أنور الأعصر]] – [[عبد الوهاب نوفل]] – [[عز الدين عثمان]] – [[فاروق عبد الوهاب]] – [[أحمد سليم]] – [[محمد عبد الجود]] – [[محمد حسنين مدي]] – [[محمد محمود عبد الكريم]] – [[أحمد صالح داود]] – [[محمد نبوي إسماعيل]] – [[محمد مهدي البندري]] – [[حسين عوف]] – محمد [[سيف الدين خليفة]] – [[أحمد رشدي]] – [[سعد الشربينى]] – [[فؤاد علام]] – [[حسن أبو باشا]] – [[فاروق الحسنى]] – [[أمير واصف]] – [[مصطفى صادق]] – [[ألبير تادرس]] – [[حسن كامل]] ( محافظ البحر الأحمر ) – [[محمد رشاد حسن]]. <br />
<br />
ولجنة [[التنظيم الطليعي]] في مجلس الأمة شكلت من [[سيد مرعى]] – [[خالد محيى الدين]] – [[حمدي عبيد]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[أحمد فهيم]] – [[أحمد شهيب]] – [[إبراهيم شكري]] – [[نزيه أحمد أمين]] – [[أحمد فؤاد]] – [[ضياء الدين داود]] – [[لبيب شقير]] ( [[شعراوي جمعة]] ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام [[1965]] مجموعة خاصة جدا وبتكليف من [[عبد الناصر]] شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع ل[[عبد الناصر]] شخصيا ويخطر [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( [[سامي شرف]] – [[شوقي عبد الناصر]] – [[منير حافظ]] – [[أحمد كامل]] – [[مصطفى المستكاوى]] – [[سنية الخولى]] – [[نوال عامر]] – [[عايدة حمدي]] - [[فوقية حين محمود]] – [[عزيز أحمد خطاب]] – [[أحمد حمادة]] – [[نبيل نجم]] – [[أحمد إبراهيم]] – [[درويش محمد درويش]] – [[جمال هديت]] – [[على زين العابدين صالح]] – [[حسين حسن على]] - [[حاتم صادق]] – [[محمد شهيب]] ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من [[توفيق عبد العزيز أحمد]] و[[عبد الحميد عوني]]. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد]] حجر – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على – [[محمد أحمد غانم – [[محمد أسعد راجح – [[محمد البدوي فؤاد – [[عبد الحليم منتصر – [[عبد الوهاب البرلسى – [[على سيد حمدي الحكيم – [[طلبة عبد العزيز مصطفى – [[محمد خلف الله أحمد – [[حسين خلاف – [[رفعت المحجوب – [[مصطفى كمال حلمي – [[عبد الجابر علام – [[محمود أبو عافية – [[حسن ناجى – [[أحمد محمد كامل صديق – [[محمد فؤاد حسن همام – [[فتحي فوده]] تادرس – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي – [[عبد الحميد غازي – [[أحمد فؤاد]] محمود – [[حسين فهما – [[طلعت عزيز – [[فؤاد محي الدين – [[فردوس أحمد سعد – [[نعيم أبو طالب – [[كمال الشاذلي – [[سميرة الكيلانى – [[همت مصطفى – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] – [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]]. <br />
<br />
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] - [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]]. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد [[على الدين هلال]] وما كتبه عبد النبو ضد [[حسين كامل بهاء الدين]] وما كتبه [[عبد الغفار شكر]] ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم [[عبد الغفار شكر]] اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل [[التنظيم الطليعي]] ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة [[سمير حمزة]] وكل من [[أحمد توفيق]] – [[صالح السمرة]] – [[عثمان عزام]] .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء [[التنظيم الطليعي]] نجد أن هناك مجموعات داخل [[التنظيم الطليعي]] كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر [[1964]] ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك [[محمد فائق]] في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل [[عبد الناصر]] وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم [[القاهرة]] إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- [[سعد زايد]] و[[على صبري]] مسئولان عن منطقة شمال [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[سامي شرف]] مسئول عن منطقة شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن منطقة جنوب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن منطقة غرب [[القاهرة]]. <br />
<br />
- [[النبوي إسماعيل]] ومن بعده [[كمال الحناوى]] – مسئول عن منطقة وسط [[القاهرة]] ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- [[محمد أحمد البلتاجي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الجيزة]]. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحيرة]]. <br />
<br />
- [[عبد الحميد خيرت]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سوهاج]]. <br />
<br />
- [[فؤاد محيى الدين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[القليوبية]]. <br />
<br />
- [[محمد المصري]] مسئول طليعة الاشتراكي في [[الدقهلية]]. <br />
<br />
- [[حمدي عاشور]] ثم [[ضياء داود]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[دمياط]] . <br />
<br />
- [[محمد حسنى رشدي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[بورسعيد]]. <br />
<br />
- [[مشهور أحمد مشهور]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الإسماعيلية]]. <br />
<br />
- [[مصطفى الجندي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الغربية]]. <br />
<br />
- [[كمال الشاذلي]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنوفية]]. <br />
<br />
- [[محمد رشدي دكرورى]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[المنيا]]. <br />
<br />
- [[محمد زكى علام]] مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- [[محمد إسماعيل معاذ]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[الوادي الجديد]]. <br />
<br />
- [[عواد خليل حسنين]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[سيناء]]. <br />
<br />
- [[شعبان محمد العتال]] مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- [[حسن ضياء سليمان]] مسئول طليعة الاشتراكيين في [[البحر الأحمر]]. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين [[الإتحاد الإشتاركي]] وكان لأمناء [[التنظيم الطليعي]] في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- [[حسين كامل بهاء الدين]] مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- [[محمد فائق]] مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- [[أحمد الخواجة]] مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. [[حمدي السيد]] مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- [[حلمي السعيد]] مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير [[عبد الحكيم عامر]] بخطوات [[التنظيم الطليعي]] من [[عبد الناصر]] ، فأمر [[شمس بدران]] بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين [[جمال عبد الناصر]] و[[عبد الحكيم عامر]] عن طريق [[شمس بدران]] . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة ال[[مصر]]ية تحت مفهوم أمن [[الثورة]] داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء [[شمس بدران]] و[[عبد الحكيم عامر]] في هزيمة [[1967]]م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون [[الاتحاد الاشتراكي]] لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ [[شمس بدران|شمس الدين بدران]] الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من [[جمال عبد الناصر]] وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق [[محمد فوزي]] القائد العام للقوت المسلحة بعد [[يونيو]] [[1967]]م ثم وزير الحربية بعد [[أمين هويدى]] ، والفريق [[محمود أحمد صادق]] رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد [[مايو]] [[1971]] م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها [[حامد محمود]] للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من [[جمال عبد الناصر]] في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة [[جمال عبد الناصر]] مباشرة " ،لكن [[سامي شرف]] يعلم بشكل واضح أن المشير [[عبد الحكيم عامر]] كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان ل[[شمس بدران]] تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال ل[[شمس بدران]]، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة ل[[شعراوي جمعة]] عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل ل[[شمس بدران]] مسئولية قيادة [[التنظيم الطليعي]] داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر [[أكتوبر]] [[1964]]م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى [[شمس بدران]] ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة [[الإخوان المسلمين]] بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة [[الجماعة]] مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث [[1954]]م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع [[الإخوان المسلمين]] الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر [[سيد قطب]] في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن [[زكريا محيى الدين]] تكلم مع بعض [[الإخوان]] في دخول [[الاتحاد الاشتراكي]] وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن [[زكريا محيى الدين]] أيضا زار [[المرشد العام]] [[حسن الهضيبى]] ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى ل[[عبد الناصر]] ب[[عبد العزيز كامل]] من السجن ، وقد كان عضوا ب[[مكتب الإرشاد]]، وقد تخلى عن [[الجماعة]] ، وتم تعيينه فى قسم [[الدعوة]] والفكر ب[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ، وقد أصبح [[عبد العزيز كامل]] فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع [[زينب الغزالي]] داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت [[الثورة]] على الإفادة من ممثلي [[الإسلام]] السياسي من خارج [[الجماعة]] ف[[خالد محمد خالد]] يذكر " جاء [[مجدي حسنين]] يفاتحني في أمر ، إن [[جمال عبد الناصر]] طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم [[عبد الناصر]] بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة [[خرشوف]] ل[[مصر]] في [[مايو]] [[1964]] ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد [[عبد الناصر]] عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم ل[[طفي الخولى]] رئيس تحير [[الطليعة]] ، و[[أمين عز الدين]] المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور [[إبراهيم سعد الدين]] عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم ب[[التنظيم الطليعي]] [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين ال[[مصر]]يين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان [[سامي شرف]] يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين و[[الطليعة]] العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج [[مصر]] من خلال أمانة الشئون العربية ب[[الاتحاد الاشتراكي]]. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في [[القاهرة]]. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس [[عبد الناصر]] هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد [[الطليعة]] العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة [[الطليعة]] العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان [[فتحي الديب]] مسئول [[الطليعة]] العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في [[الطليعة]] العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح [[عبد الناصر]] في مؤتمر المبعوثين الذي عقد ب[[الإسكندرية]] في [[أغسطس]] 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور [[التنظيم الطليعي]] يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن [[الثورة]] فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة [[عبد الناصر]] إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن [[عبد الناصر]] ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى [[عبد الناصر]] عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك [[الاتحاد الاشتراكي]] وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم [[الطليعة]] فضلا عن التقارير التي تقدم ل[[عبد الناصر]] بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد [[أحمد حمروش]] كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من [[الإتحاد الإشتاركي]] وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء [[التنظيم الطليعي]] يرفعون تقاريرهم إلى [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين [[التنظيم الطليعي]] و[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد [[التنظيم الطليعي]] في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام [[عبد الناصر]] دون أن ي[[مارس]] أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية [[عبد الناصر]] التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] وأمينا لأمانة [[التنظيم الطليعي]] ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء [[الاتحاد الاشتراكي]] أو [[التنظيم الطليعي]] ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم [[إسماعيل صدقي]]. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى [[عبد الناصر]] أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل [[الاتحاد الاشتراكي]] وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان [[شعراوي جمعة]] هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان [[شعراوي جمعة]] بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو [[محمد عروق]] واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان [[محمد عروق]] قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب [[شعرواى جمعة]] عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان ب[[عبد الهادي ناصف]] و[[فاروق متولي]]. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين [[التنظيم الطليعي]] حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى [[على صبري]] أمانة [[الإتحاد الإشتاركي]] بعد [[حسين الشافعي]] ، وأصبح [[زكريا محيى الدين]] رئيسا ووزيرا للداخلية ن و[[شعراوي جمعة]] وزير دولة (1/10/[[1965]]م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد [[زكريا محيى الدين]] وخلفه [[صدقي سليمان]] كرئيس للوزارة ، وأصبح [[شعراوي جمعة]] وزيرا للداخلية و[[محمد فائق]] للإعلام و[[أمين هويدى]] وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح [[التنظيم الطليعي]] جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل [[شعراوي جمعة]] ، إذا يمكن أن نعتبر عام [[1965]] م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل [[أحمد حمروش]] ، [[أمين عز الدين]] ، [[عبد المعبود الجبيلى]] ، [[محمود أمين العالم]] ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس [[جمال عبد الناصر]] من أمثال [[عبد المجيد فريد]] ، [[شعراوي جمعة]] ، [[أمين هويدى]] ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ([[سام شرف]] ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات [[الثورة]]. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى [[التنظيم الطليعي]] ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير [[سعيد طوسون]] بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : [[أنور أبو المجد]] ( ضابط شرطة متقاعد ) و[[صلاح عبد المعطى]] ، و[[شوقي عبد الناصر]] ( مدرس ب[[الإسكندرية]] ) و[[حسنى أمين]]، و[[سلامة عثمان]] من المخابرات العامة ، و[[محمود عبد الرحيم]] و[[عادل عبد الفتاح]] ، و[[محمد الدجوى]] . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى [[شعراوي جمعة]] للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من [[سامي شرف]] – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف [[يوسف عوض غزولى]] بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه [[أنور أبو المجد]] و[[حسنى أمين]] ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : [[حامد شاكر حجاب]] و[[سالم حليمة]] من جهاز التنظيم والإدارة ، و[[عبد المنعم حمادة]] و[[محمد رشوان]] و[[فاروق أبو زهرة]] و[[محمد عبد الغنى]] و[[عادل الأشوح]]. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب [[شوقي عبد الناصر]] ، وانضم إليه فيما بعد [[سلامة عثمان]] _( ضابط مخابرات سابق ) و[[محمود عبد المجيد]] ( من هيئة استعلامات ) و[[عادل حسين]] .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة [[الاتحاد الاشتراكي]] والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] عندما أبلغت عن تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، وكان يشرف على هذا المكتب [[أحمد كامل]] و[[محمد المصري]]. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب [[محمد عروق]] ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام [[1966]] م كلف [[محمود أمين عالم]] بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة [[القاهرة]] الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة [[على صبري]] وعضوية الضباط السابقين: [[أحمد كامل]] ، و[[حلمي السعيد]] ، و[[شعراوي جمعة]] ، و[[سعد زايد]] ، و[[محمد فائق]] ، و[[سامي شرف]] ، والدكتور [[عزت سلامة]] ، والدكتور [[لبيب شقير]] ، والدكتور [[إبراهيم الشربينى]] ، ثم [[أحمد بهاء الدين]] ، وممثلي العمال : [[أحمد فهيم]] و[[فتحي فودة]]. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]]، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في [[الاتحاد الاشتراكي]] وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان [[الإتحاد الإشتاركي]] في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور [[الطليعة]] لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين [[القاهرة]] ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر ال[[محمد حسنين هيكل|هيكل]] التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] التي كان معظم أعضائها أعضاء ب[[التنظيم الطليعي]] . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق [[عبد الناصر]] وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة [[أحمد كامل]] أحد المسئولين ورفعها إلى [[سامي شرف]] "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة [[التنظيم الطليعي]] على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها [[التنظيم الطليعي]] هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م ، فقد ذكر الرئيس [[عبد الناصر]] أمام مؤتمر المبعوثين في [[أغسطس]] [[1966]]م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة [[الإخوان المسلمين]] كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة [[الدقهلية]] .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث [[الإخوان]]ى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى [[الإخوان|للإخوان]] بزعامة [[سيد قطب]] ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج [[سيد قطب]] من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى [[الإخوان]] الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد [[الإخوان]] إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات [[سيد قطب]] مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من [[الإخوان]] خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات [[الإخوان]] المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة [[الجماعة]] التي سبق حلها عام [[1954]]م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين [[الإخوان|للإخوان]] والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في [[الدقهلية]] و[[القاهرة]] ، وخلال الفترة من 12/10/[[1964]]م إلى 28/10/[[1965]]م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء [[التنظيم الطليعي]] المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة [[الإخوان|للإخوان]] كأفراد وجماعة في منتصف عام [[1965]]م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود [[الاتحاد الاشتراكي]] وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول [[حسنى أمين]] في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم [[الإخوان المسلمين]] في أواخر عام [[1965]]م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة [[الدقهلية]] ، وكان أمينها [[محمد المصري]] ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء [[الطليعة]] وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من [[أمين عز الدين]] ، [[محمد عروق]] ، عبد المعبود الجبلي ، [[حسنى أمين]] ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م ، والأخير بتاريخ 16 [[أبريل]] [[1971]]م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 [[أكتوبر]] [[1963]]م يدور حول " العدوان [[المغرب]]ي على [[الجزائر]] وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث [[العراق]]ي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/[[1963]]م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من [[ثورة يوليو]] ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 [[ديسمبر]] [[1963]]م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد [[الجمهورية العربية المتحدة]] " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر [[الجمهورية العربية المتحدة]] في حرب [[اليمن]] ومساندة ثوار [[الجزائر]] ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة [[اليمن]] وانتصار [[الجزائر]] في موقفها مع [[المغرب]] بمعاونة [[الجمهورية العربية المتحدة]] ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في [[العراق]] وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/[[1964]]م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] في افتتاح مجلس الأمة 26 [[مارس]] [[1964]] م . وكذلك خطاب [[على صبري]] رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 [[أبريل]] [[1964]] م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء [[الطليعة]] ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 [[يناير]] [[1965]]م، ثم توقف الصدور حتى 2 [[أبريل]] ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في [[أبريل]] [[1965]]م، ثم العدد (31) في 2 [[مايو]] ، ثم العدد (32) في 9 [[مايو]] . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من [[الولايات المتحدة الأمريكية]] ومعونتها " قال الرئيس [[عبد الناصر]] في خطابه في ع[[بد الناصر]] : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله [[البحر الأحمر]] يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على [[عبد الناصر]] أن يذكر أن كل رغيف يأكله [[مصر]]ي نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل [[مصر]]ي يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع [[الولايات المتحدة الأمريكية]] إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من [[الطليعة]] الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب [[الاتحاد الاشتراكي]] دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في [[الاتحاد الاشتراكي]] . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله [[الطليعة]] الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير [[الاتحاد الاشتراكي]] تحركا واعيا .. [[الاتحاد الاشتراكي]] تنقصه [[الطليعة]] السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 [[أبريل]] [[1965]]م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه [[عبد الناصر]] إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز [[الديمقراطية]] ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول [[مايو]] " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول [[مايو]] .. وكيف أصبح أول [[مايو]] عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول [[مايو]] تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول [[مايو]] بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 [[مايو]] لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في [[مصر]] حققت ثورة 23 [[يوليو]] مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة [[الثورة]] الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن [[مصر]] سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في م[[مارس]]ة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم [[الديمقراطية]] الليبرالية لفظته [[الثورة]] واستبدلت به [[الديمقراطية]] الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد [[المنعم الشرقاوي]] – شقيق الكاتب المعروف [[عبد الرحمن الشرقاوي]] – قد تم القبض عليه في 14 [[يوليو]] [[1966]] مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة [[الإخوان المسلمين]] الهاربين خارج البلاد وفى 22 [[سبتمبر]] [[1967]] مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من [[صلاح نصر]]. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 [[مارس]] نشرة خاصة بتاريخ 31/3/[[1968]]م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 [[مارس]] " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر [[الثورة]] المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 [[مارس]] هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة ب[[الإخوان المسلمين]] ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان [[التنظيم الطليعي]] – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات [[الاتحاد الاشتراكي]] والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة [[1967]]م تفرغ [[عبد الناصر]] تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة [[على صبري]] ، وكانت تضمن [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[محمد فائق]] و[[ضياء الدين داود]] و[[لبيب شقير]] و[[عبد المجيد فريد]]. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في [[فبراير]] [[1968]]م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب [[عبد الناصر]] لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 [[مارس]] [[1968]]م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات [[الثورة]] ويسارها الخاص المتمثل في [[التنظيم الطليعي]] ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – [[التنظيم الطليعي]] – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء [[الاتحاد الاشتراكي]].<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] وأحداث [[مايو]] [[1971]]===<br />
<br />
وبعد وفاة [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا ل[[أنور السادات]] نعم على طريق [[عبد الناصر]] . وكانت المجموعة التي تحيط ب[[عبد الناصر]] في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح [[أنور السادات]] وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح [[أنور السادات]]. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن [[على صبري]] هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى [[أنور السادات]] رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق [[عبد الناصر]] ، وكانت تلك رغبة [[على صبري]] ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة [[عبد الناصر]] كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار [[الثورة]] وسرعة اختيار خليفة ل[[عبد الناصر]] ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح [[أنور السادات]] للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة [[يوليو]] [[1952]]م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم [[جمال عبد الناصر]] واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على [[السادات]] . ونظر [[السادات]] أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد [[السادات]]. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن [[السادات]] صاحب خبرة من قبل [[الثورة]] كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة ال[[مصر]]ية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب [[السادات]] الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى [[السادات]] حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث [[مايو]] ، والتي وصلت ذروتها بإقالة [[على صبري]] في 2 [[مايو]] ، فبدأت قيادات [[التنظيم الطليعي]] – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب [[السادات]] – تتحرك للعمل ضد [[السادات]] من خلال [[التنظيم الطليعي]] ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 [[مايو]] [[1971]]م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12[[مايو]] ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب [[شعراوي جمعة]] في مقر الحكومة المركزية في [[مصر]] الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة [[عبد الناصر]] سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة [[السادات]] ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 [[مايو]] ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ووزير الداخلية ، و[[سامي شرف]] عضو الأمانة ومسئول جنوب [[القاهرة]] عن [[التنظيم الطليعي]] ، و[[سعد زايد]] مسئول شمال [[القاهرة]] و[[محمد فائق]] غرب [[القاهرة]] ، و[[حلمي السعيد]] عضو الأمانة ومسئول شرق [[القاهرة]] ، و[[أحمد كامل]] رئيس المخابرات ، و[[محمود أمين العالم]] عضو الأمانة ، و[[يوسف غازولى]] عضو الأمانة ، و[[محمد عروق]] مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، و[[أحمد شهيب]] نائب رئيس شرق [[القاهرة]]. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين [[أنور السادات]] في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث [[على صبري]] كما كان يرجو [[السادات]] ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة [[على صبري]] قبل حضور [[روجرز]] ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد [[السادات]] له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة [[السادات]] في حل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا ل[[على صبري]] ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن [[السادات]] سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح [[شعراوي جمعة]] أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل [[الاتحاد الاشتراكي]] وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة [[التنظيم الطليعي]] على ما دار ن حوار بين [[السادات]] وسيسكو اتفق الجميع على أن [[السادات]] لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل [[سعد زايد]] عن موقف الجيش ، فأجاب [[أحمد كامل]] بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن [[سامي شرف]] تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله [[السادات]] ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط [[السادات]] ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط [[الاتحاد الاشتراكي]] وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب [[محمود أمين العالم]] بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط [[أنور السادات]] الجديد. <br />
<br />
وقرر [[شعراوي جمعة]] تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من [[محمود أمين العالم]] ، [[محمد عروق]] ، [[يوسف غازولى]] ، [[عبد الهادي ناصف]] ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب [[السادات]] أمام الهيئة البرلمانية و[[خطاب محمود رياض]] عن نتائج زيارة [[روجرز]] ل[[مصر]] . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب [[شعراوي جمعة]] ، مثل [[سامي شرف]] و[[محمد فائق]].<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم [[السادات]] – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا [[شعراوي جمعة]] لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 [[مايو]] ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب [[شعراوي جمعة]] . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في [[القاهرة]] وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن [[القاهرة]] ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور [[حسن خليفة]]. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى [[أنور السادات]] اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 [[مايو]] أقال [[السادات]] [[شعراوي جمعة]] ، وحل محله [[ممدوح سالم]] محافظ [[الإسكندرية]] حينئذ ومسئول [[التنظيم الطليعي]] بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم [[التنظيم الطليعي]] سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب [[السادات]] كانت غالبيتها من عناصر [[التنظيم الطليعي]] فقد كان [[عزيز صدقي]] و[[سيد مرعى]] وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في [[التنظيم الطليعي]] ، وكان في الطليعي أيضا [[محمد عبد السلام الزيات]] الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 [[مايو]] بدلا من [[محمد فائق]] عضوا ب[[التنظيم الطليعي]]. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة [[الدستور]]ية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل [[عبد الناصر]] في 28 [[سبتمبر]] [[1970]]م وترشيح [[السادات]] لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في [[مصر]] أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين و[[الاتحاد الاشتراكي]] العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر [[السادات]] وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من [[عبد الناصر]] وخطه وتحالفهم في الخارج – أن [[السادات]] هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة [[عبد الناصر]] الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 [[مايو]] ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل [[السادات]] في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد ال[[مصر]]ي السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب [[الديمقراطية]] وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح [[السادات]] البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز [[سيد مرعى]] لصالح [[السادات]] ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] أنه يفضل أن يكون مع [[السادات]] حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة [[مايو]] حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما [[السادات]] هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة [[مايو]] يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام [[السادات]] ، وهذا ما جعل [[السادات]] يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام [[السادات]] كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن [[السادات]] ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة [[الديمقراطية]] ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية [[الديمقراطية]] في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح [[السادات]] في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل [[الإخوان المسلمين]] ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب [[مايو]] والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وتخلص الرئيس [[السادات]] من كل رجال [[عبد الناصر]] تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال [[عبد الناصر]] بعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس [[أنور السادات]] ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال [[عبد الناصر]] وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها [[السادات]] كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم ب[[التنظيم الطليعي السري]] ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز ب[[التنظيم الطليعي]] ( والمتهم رقم 49) للرئيس [[أنور السادات]] وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/[[1971]]م وجاء فيه سيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/[[1971]]م. <br />
<br />
وذكر [[أحمد شهيب]] تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية ب[[مصر]] الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/[[1971]]م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت [[شعراوي جمعة]] و[[سامي شرف]] و[[سعد زايد]] [[محمد فائق]] و[[حلمي السعيد]] و[[أحمد كامل]] – [[محمود أمين العالم]] – ويوسف غزولى و[[محمد عروق]] – و[[أحمد شهيب]] وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء ل[[مصر]] ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – [[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان [[سامي شرف]] في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل [[سامي شرف]] أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/[[1971]]م أمام الأستاذ [[محمود حلمي راغب]] رئيس النيابة بمبنى [[مجلس قيادة الثورة]] بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 [[سبتمبر]] [[1970]] بوفاة المرحوم الزعيم الخالد [[جمال عبد الناصر]] وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس [[محمد أنور السادات]] من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس [[محمد أنور السادات]] لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس [[محمد أنور السادات]] خلفا للرئيس [[جمال عبد الناصر]] عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس [[أنور السادات]] وبتوجيه من الرئيس [[جمال عبد الناصر]] خلال الفترة من [[سبتمبر]] سنة [[1969]] حتى [[سبتمبر]] [[1970]] وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] وفى يوم وفاة الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس [[أنور السادات]] إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس [[أنور السادات]] تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس [[أنور السادات]] يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي [[شعراوي جمعة]] و[[أمين هويدى]] في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء ال[[مصر]]يين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد [[زكريا محيى الدين]] لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس [[أنور السادات]] حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس [[أنور السادات]] بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] هو الذي اختار بنفسه الرئيس [[أنور السادات]] امتداد طبيعي ومنطقي لخط [[جمال عبد الناصر]] ... '''واستطرد [[سامي شرف]] في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر [[يناير]] سنة [[1971]] وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح [[قناة السويس]] واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس [[أنور السادات]] والسيد [[على صبري]] وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد [[على صبري]] علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد [[على صبري]] وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس [[على صبري]] بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد [[على صبري]] في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل [[سامي شرف]] حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين [[شعراوي جمعة]] لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل [[جمال عبد الناصر]] لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة ب[[شعراوي جمعة]] لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ [[محمد أحمد]] بالإفراج عنه بالاتفاق مه [[شمس بدران]] في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد [[محمد أحمد]] ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد [[شعراوي جمعة]] فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر [[جمال عبد الناصر]] و[[السادات]] . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة [[1970]] المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] أعطى أمر ل[[شعراوي جمعة]] ول[[أمين هويدى]] ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق [[محمد أحمد]] صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس [[جمال عبد الناصر]] واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس [[عبد الناصر]] وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة [[هدى عبد الناصر]] وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس [[أنور السادات]] وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس [[جمال عبد الناصر]] شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال [[سامي شرف]]. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ [[أنور السادات]] أن السيد [[على صبري]] بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون [[فريد عبد الكريم]] مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس [[جمال عبد الناصر]] للسيد [[شعراوي جمعة]] باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع [[فريد عبد الكريم]] لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في [[فريد عبد الكريم]] وهذا الرأي الخاص يطابق تماما [[شعراوي جمعة]] ورأيي شخصيا في [[فريد عبد الكريم]] وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا [[فريد عبد الكريم]] وفى إطار تنفيذ أمر السيد [[جمال عبد الناصر]] في متابعة [[فريد عبد الكريم]] دفع السيد [[شعراوي جمعة]] ب[[محمود السعدنى]] ليستدرجه ويكون مصدر معلومات ل[[شعراوي جمعة]] عن [[فريد عبد الكريم]] واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس [[أنور السادات]] كان له نفس الرأي في [[فريد عبد الكريم]] .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب [[سامي شرف]] : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون [[فريد عبد الكريم]] فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن [[فريد عبد الكريم]] وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس [[أنور السادات]] في منزله يوم 13/5/[[1971]] وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة ب[[فريد عبد الكريم]] وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: [[فريد عبد الكريم]] ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع [[شعراوي جمعة]] المستميت عن اللواء [[حسن طلعت]] مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب ل[[حسن طلعت]] من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر [[شعراوي جمعة]] أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق [[زكريا محيى الدين]] وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز [[شعراوي جمعة]] فرصة حضور اللواء [[حسن طلعت]] أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى ل[[حسن طلعت]]:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى [[شعراوي جمعة]] وزارة الداخلية في أواخر سنة [[1966]] وعددهم عندما أقيل في 13 [[مايو]] سنة [[1971]]؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة ل[[حسن طلعت]].<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة [[مايو]] [[1971]]م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس [[السادات]] في [[يوليو]] في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] العربي في 22 [[يوليو]] [[1971]]م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة [[أغسطس]] [[1974]]م التي طرحها الرئيس [[السادات]] لتطوير [[الاتحاد الاشتراكي]] وصفت [[التنظيم الطليعي]] " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] ، وانعدمت [[الديمقراطية]] تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون [[الاتحاد الاشتراكي]] قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال [[الطليعة]] داخل [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية [[الإتحاد الإشتاركي]] العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات و[[الأحزاب]] التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي ل[[حزب التجمع]] منظمة الشباب و[[التنظيم الطليعي]] – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى [[عبد العزيز حجازي]] عضو [[التنظيم الطليعي]] ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي [[مارس]]ته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين [[مارس]]وا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر [[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف [[على صبري]] في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا [[التنظيم الطليعي]] ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة [[التنظيم الطليعي]] في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو [[التنظيم الطليعي]] بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ [[الديمقراطية]] داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير ب[[الثورة]] ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في [[البحيرة]] ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم [[الإخوان المسلمين]] عام [[1965]]م وهو في لمهد ، وبعد عام [[1967]]م لعب [[التنظيم الطليعي]] أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع [[عبد الناصر]] ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد [[الثورة]] هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين ب[[الثورة]] ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===[[التنظيم الطليعي]] والقضاء===<br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام [[الثورة]] سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت [[الثورة]] تقريبا على ذات درجة الاستقلالية [[القانون]]ية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام [[القانون]]ية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام [[الثورة]] قد زادت من الضمانات [[القانون]]ية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي [[1954]]، [[1955]] وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت [[الثورة]] بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات [[الوفد]] السابقة و[[الأحزاب]] الأخرى ، أو جماعات مثل [[جماعة الإخوان المسلمين]] وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة [[الثورة]] ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن. <br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 [[يوليو]] إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم ي[[مارس]]ون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم [[القانون]]ية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 [[فبراير]] سنة [[1948]]م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق [[السنهوري]] على رأس المجلس عندما قامت [[الثورة]] ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة [[الثورة]] وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي [[1954]]،[[1955]]، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب [[السنهوري]] في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في [[1955]] صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية [[القانون]]ية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج [[السنهوري]]. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء [[القانون]]ي لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات [[القرن العشرين]]، و[[محمد لبيب عطية]] باشا و[[عبد الرحمن الطويل]] باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم [[القرن التاسع عشر]] نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في [[1951]] فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت [[الثورة]] انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.<br />
<br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة [[1967]]، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة [[1967]] أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة [[1967]] كسرت المشروع السياسي الذي كانت [[ثورة يوليو]] اعتمدته و[[مارس]]ت تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في [[فبراير]] [[1968]]بما لم يكن مثله مسبوقا منذ [[1954]] واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها [[الثورة]] من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك [[ثورة 23 يوليو]] مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ [[الدستور]]ية و[[القانون]]ية التي بقى [[القانون]]يون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه [[القانون]]ي والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات [[الإصلاح]] القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– [[الدعوة]] إلى إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها [[الثورة]]. وقيل وقتها إن انضمام القضاة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال [[القانون]] ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها [[الثورة]] والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير [[القانون]]ية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في [[الاتحاد الاشتراكي]] ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء ال[[مصر]]ي من قبل 23 [[يوليه]] من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر [[القانون]]ي وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان [[التنظيم الطليعي السري]] في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان [[التنظيم الطليعي]] منذ أواخر عام [[1966]]م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي [[عبد الحميد الجندي]] الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/[[1965]]م في مجموعة شرق [[القاهرة]] برئاسة [[سامي شرف]] و[[أحمد شهيب]]. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] من قبل [[على صبري]] و[[شعراوي جمعة]] للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن [[محمد أبو نصير]] كان هو عين النظام على [[السنهوري]] في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام [[1955]]م) . <br />
<br />
وقد بدأ [[محمد أبو نصير]] بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز و[[عادل يونس]] رئيس محكمة النقض والمستشار [[محمد الصادق مهدي]] ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال [[القانون]] ، ليكون شعبة تابعة [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتاركى]] ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار [[محمد الصادق مهدي]]. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار [[ممتاز نصار]] و[[عادل يونس]] ووزير العدل [[عصام حسونة]] الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من [[محمد أبو نصير]] ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس [[عبد الناصر]] في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن [[شعراوي جمعة]] قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين ب[[الثورة]] ، وكذلك فعل [[شمس بدران]] في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير [[عصام حسونة]] حتى تم استبعاده في 20 [[مارس]] [[1968]]م ، وعين بدلا منه [[محمد أبو نصير]] الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت [[محمد أبو نصير]] مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار [[محمد الصادق مهدي]] والمستشار [[على شنب]] والمستشار [[عمر الشريف]] ورئيس المحكمة [[عبد الحميد الجندي]] ، ومن النيابة [[على نور الدين]] ، ومن قضايا الحكومة [[إبراهيم هويدى]] و[[عبد الحميد يونس]] ، وقد انضم بعد فترة المستشار [[على كامل]] مستشار [[الاتحاد الاشتراكي]] وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم ب[[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر [[محمد عروق]] بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة ب[[التنظيم الطليعي]] وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم ب[[سامي شرف]] فيما يرى عرضه على [[جمال عبد الناصر]] وقد سميت هذه المجموعة ب[[الجماعة]] القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه [[الجماعة]] على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير [[محمد أبو نصير]] باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من [[عبد الناصر]] باعتبار [[على نور الدين]] مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها ل[[شعراوي جمعة]] أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب [[جمال عبد الناصر]] وكان هذا [[التنظيم الطليعي]] يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي [[عبد الحميد الجندي]] ، ثم لحق به [[عبد الحميد يونس]] ، و[[عبد الحميد الجندي]] كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به [[محمد أبو نصير]] وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم [[الاتحاد الاشتراكي]] العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام ب[[الاتحاد الاشتراكي]] إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء [[الاتحاد الاشتراكي]] وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام [[محمد أبو نصير]] بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس [[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار [[محمد إبراهيم أبو لعم]] قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب [[مصر]] وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد [[عبد الناصر]] وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة ل[[عبد الناصر]] سنة .[[1968]]م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب [[على صبري]] الأمين العام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 [[مارس]] [[1967]]م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في [[الاتحاد الاشتراكي]] أمر له دلالته – أوضح [[على صبري]] أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/[[1967]] انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق [[القانون]] والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل و[[القانون]] في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/[[1967]] يعيب على [[القانون]] ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/[[1967]] قال أن [[القانون]] يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/[[1967]] قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/[[1967]] قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/[[1967]] ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/[[1967]] دعا إلى تفاعل رجال القضاء و[[القانون]] مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/[[1967]] أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/[[1967]] قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة و[[القانون]] وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام [[1967]] أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات [[مصر]] والتي استغلت [[ثورة 23 يوليو]] لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " [[سعد زايد]] " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت [[القانون]] أجازة " <br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في [[مصر]] أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق و[[القانون]] . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة [[القانون]]ية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط [[مجدي حسنين]] – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور [[أحمد السمنى]] كضحية فقال [[جمال عبد الناصر]] " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار [[رياض لوقا]] وعضوية [[عبد الخالق فريد]] – أبن الزعيم [[محمد فريد]] – والمستشار [[جمال المرصفاوى]] ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر [[عبد الناصر]] خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير [[أمين سوكة]] الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في [[مارس]] [[1969]] أمام دائرة يرأسها المستشار [[سعيد كامل]] وقضية المستشار [[محمود عبد اللطيف]] – وهو الذي كان مشرفا على تربية [[عبد الناصر]] في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار [[حلمي قنديل]] والمستشار [[فؤاد الرشيدي]] ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها [[عبد الناصر]] بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة [[أمين سوكة]] (بره) <br />
<br />
2- قضاة [[محمود عبد اللطيف]] (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن [[عبد الناصر]] استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار [[محمود عبد اللطيف]] ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] وطلب المحامون ومنهم [[عبد العزيز الشوربجى]] تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح [[عبد العزيز الشوربجى]] نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك ل[[مصر]] وقضاة [[مصر]] وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار [[عبد العزيز أبو خطوة]] رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط [[عبد الناصر]] غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى [[محمود عبد اللطيف]] في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل [[عبد الناصر]] موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار [[محمود عبد اللطيف]] بالسجن حتى موت [[عبد الناصر]] في 28/9/[[1970]] – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان [[محمود عبد اللطيف]] صاحب فضل كبير على [[عبد الناصر]] في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر [[عبد الناصر]] بأصحاب الفضل عليه أما السفير [[أمين سوكة]] فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب [[على صبري]] إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من [[التنظيم الطليعي]] في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر [[السادات]] هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى [[الثورة]] المضادة وفلول الرجعية والإقطاع و[[الأحزاب]] السابقة و[[الإخوان]] ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة [[القانون]] ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة [[القانون]] باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21[[مارس]] [[1969]]م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل [[محمد أبو نصير]] قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء [[التنظيم الطليعي]] ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة [[ممتاز نصار]] ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة [[ممتاز نصار]] بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون [[ممتاز نصار]] و[[شبل عبد المقصود]] و[[عبد الوهاب أبو سريع]] و[[عبد العليم الدهشان]] و[[مفتاح السعدي]] – رؤساء المحاكم والقضاة [[يحيى الرفاعى]] و[[جمال خفاجي]] و[[حسن غلاب]] و[[سليم عبد الله]] و[[محمود بهي الدين عبد الله]] – أعضاء النيابة [[مقبل شاكر]] و[[كمال زعزوع و[[أحمد فؤاد عامر]] و[[مصطفى قرطام]] و[[حسن عابد]].<br />
<br />
وبدأ تحريك [[التنظيم الطليعي]] في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 [[مارس]] [[1969]] م إلى 9 [[يوليو]] [[1969]] م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته [[الجماعة]] القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من [[التنظيم الطليعي]] لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس [[عبد الناصر]]، وكان يشرف عليها [[أنور السادات]] وبرئاسة [[على نور الدين]] النائب العام ، وعضوية كل من المستشار [[عمر الشريف]] و[[على كامل]] وكانت تجتمع بمكتب [[سامي شرف]] يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر [[سيد مرعى]] أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ول[[جمال عبد الناصر]] شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب [[عبد الناصر]] من [[محمد أبو نصير]] وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد [[عبد الناصر]] وضد القوانين الاشتراكية . وعقب [[عبد الناصر]] بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول [[سيد مرعى]] إنه كان واضحا أن [[عبد الناصر]] يصدق تماما بيانات أبو نصير و[[شعراوي جمعة]] . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن [[جمال عبد الناصر]] كلف [[محمد حسنين هيكل]] بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر [[سيد مرعى]] عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر [[محمد أبو نصير]] أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه [[محمد أبو نصير]] أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ [[محمد حسنين هيكل|هيكل]] [[جمال عبد الناصر]] وجهة نظر [[سيد مرعى]] كاملة ولكن [[عبد الناصر]] أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 [[أغسطس]] [[1969]]م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة [[1969]]م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 [[مارس]] [[1969]]م.<br />
<br />
بتاريخ 31 [[أغسطس]] [[1969]] أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " [[الإصلاح]] القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار [[القانون]] رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات [[القانون]]ية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية [[الثورة]] ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار [[القانون]] رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار [[القانون]] 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل [[الإصلاح]] القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق [[القانون]] وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق و[[الدستور]]".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار [[القانون]] رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 [[مارس]] [[1969]] وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة [[1967]]م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة [[1969]] بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة [[1969]] بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/[[1969]] أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة [[1969]] قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة [[1969]] وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/[[1969]] وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم [[القانون]]". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] يبين أنه صدر بناء على [[القانون]] رقم 15 لسنة [[1967]] الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة [[القانون]] خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة [[يونيو]] سنة [[1967]] وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور [[1964]] الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم [[القانون]] قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة [[القانون]] ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من [[الدستور]] المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير [[القانون]] " وفى المادة 156 على أن يبين [[القانون]] شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من [[القانون]] 0 فإن القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم [[القانون]] يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار [[يحيى الرفاعى]] على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة [[أحمد الخواجة]] عضو [[التنظيم الطليعي]] في [[الجيزة]] عقد أربعة اجتماعات في شهر [[سبتمبر]] [[1969]] أيام 12،13،18،29 [[سبتمبر]] [[1969]]م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 [[أغسطس]] سنة [[1969]] وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة [[1969]] والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد [[مصطفى كامل إسماعيل]] الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في [[1969]] ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في [[1955]] لم يذكر كثيرون ما حدث في [[1955]] عندما يتكلمون عن حدث [[1969]]، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء ال[[مصر]]ي بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 [[يوليو]] فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث [[1969]] فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 [[يوليو]] ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار [[يحيى الرفاعى]] ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من [[السادات]] تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار [[على محسن مصطفى]] رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن [[شعراوي جمعة]] رفض ذلك مرتين – مرة [[السادات]] نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 [[مايو]] ، وأخبر [[السادات]] بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار [[يحيى الرفاعى]] في غضب ( في حديث له مع النائب العام [[على نور الدين]] في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل [[كمال عبد العزيز]] في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من [[أحمد الحضري]] المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى [[ألبير جريش]] الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام [[عبد الناصر]] كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها [[مصر]]يا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد [[السادات]] للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال [[كمال عبد العزيز]] وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في [[مصر]] والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها [[عبد الناصر]] إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح [[ممتاز نصار]] بعد ذلك عضوا لامعا في [[مجلس الشعب]] وزعيما للمعارضة [[الوفد]]ية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في [[مجلس الشعب]] ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما [[يحيى الرفاعى]] فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية و[[الديمقراطية]] واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل [[عبد القادر حلمي]] و[[بكر شافع]] و[[محمد مأمون الهضيبى|مأمون الهضيبى]] و[[كمال عبد العزيز]] ، و[[عادل عيد]] و[[على عبد الرحيم]] و[[سليم عبد الله]] و[[جميل الزينى]] و[[حلمي قنديل]] و[[ممتاز نصار]] وغيرهم من خيرة رجال القضاء في [[مصر]] علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال [[مصر]]ا على دخول القضاة [[الإتحاد الإشتاركي]] . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/[[1970]] تحدث المستشار [[محمد السيد الرفاعى]] عضو [[التنظيم الطليعي]] وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس [[عبد الناصر]]:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو [[القانون]] الجديد اتعمل في وقت [[عصام حسونة]] آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة [[1952]] حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة [[1967]] بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام [[صبري أبو علم]] .. ,أنا ما بقولوش [[الاتحاد الاشتراكي]] حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام [[الأحزاب]] السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم [[الاتحاد الاشتراكي]] وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في [[الاتحاد الاشتراكي]] لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل [[الثورة]] ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب [[عبد الناصر]] :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة [[1968]]م لغاية منتصف [[1969]]م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام [[الثورة]] وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة [[1952]]م، وكان موضوع جدل وقلق من [[مجلس قيادة الثورة]] بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى [[الاتحاد القومي]] منذ الخمسينات ثم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] في مطلع الستينات من كان عضوا ب[[التنظيم الطليعي]] ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/[[1969]]م هو رفض القضاة الانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] كما يبدو من ظاهر أقوال [[عبد الناصر]] أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا [[الاتحاد الاشتراكي]] حزبا أو كما قال [[عبد الناصر]] أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى [[الاتحاد الاشتراكي]] ومن قبله [[الاتحاد القومي]] بل إلى [[التنظيم الطليعي السري]] ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف [[عبد الناصر]] [[الاتحاد الاشتراكي]] في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام [[الإتحاد الإشتراكي|للاتحاد الاشتراكي]] هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول [[الاتحاد الاشتراكي]] ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل [[التنظيم الطليعي]] تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار [[على نور الدين]] النائب العام حتى [[أبريل]] [[1970]]م.<br />
<br />
وبعد أحداث [[مايو]] [[1971]]م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء [[التنظيم الطليعي]] إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين [[شعراوي جمعة]] وزير الداخلية وأمين التنظيم في [[الإتحاد الإشتاركي]] والوزير [[سامي شرف]] مدير مكتب الرئيس [[جمال عبد الناصر]] بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار [[عبد الحميد الجندي]] ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى [[سامي شرف]] ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار [[على نور الدين]] والمستشار [[على كامل]] والمستشار [[عمر الشريف]] وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- [[أنور السادات]] – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة [[1971]] وبعد ذلك قدم المستشار [[عبد الحميد الجندي]] للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة [[1971]] '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/[[1965]] حتى 32/5/[[1971]] '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية ب[[سامي شرف]] سكرتير الرئيس [[جمال عبد الناصر]] وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة [[1971]] أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام [[1958]] وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/[[1965]] فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة [[الطليعة]] الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم [[مارس]] نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى [[سامي شرف]] وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام ل[[عبد الناصر]] بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] حكم مجلس التأديب بعزل المستشار [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها [[الدستور]] و[[القانون]] لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله [[الدستور]] ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 [[يناير]] 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة [[1971]] المقامة على المستشارين [[محمد الصادق مهدي]] رئيس محكمة استئناف [[بني سويف]] و[[محمد أحمد لطفي]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] و[[زهير أحمد دمرداش]] المستشار بمحكمة استئناف [[بني سويف]] بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/[[1971]]م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 [[أكتوبر]] سنة [[1971]]م صدر قرار رئيس الجمهورية ب[[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق [[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]] المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد [[السادات]] تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/[[1971]] يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي [[يحيى الرفاعى]]( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار [[حافظ هريدى]] ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار ب[[القانون]] رقم 83 لسنة [[1969]]م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة [[1969]]م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة [[1969]]م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي [[يحيى الرفاعى]] إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو [[محمد سلامة]] بناء على طلب [[السادات]] بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلأى المستشار [[جمال المرصفاوى]] رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة [[القاهرة]] الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم [[السادات]] وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار [[يحيى الرفاعى]] إلى [[جريدة الأخبار]] وطلب من [[موسى صبري]] أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس [[السادات]] وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار [[يحيى الرفاعى]] المستشار [[فتحي نجيب]] إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار [[يحيى الرفاعى]] عمله واضطر [[السادات]] إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر [[القانون]] رقم 43 لسنة [[1973]] قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة [[1969]]م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام [[القانون]] رقم 85 لسنة [[1971]]م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في [[1969]] زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان ال[[مصر]]يون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا [[مصر]] بعد الرئيس [[جمال عبد الناصر]] منذ [[1970]]م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير ال[[مصر]]ية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس [[أنور السادات]] في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل [[1970]] وبعدها، نلحظ أن الرئيس [[عبد الناصر]] كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل [[1970]] تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الم[[مارس]] ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد [[1970]] التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل [[الجماعة]] أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 [[يوليه]] والنظام الذى تلاه بعد [[1970]]م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام [[جمال عبد الناصر]] لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ [[الأحزاب]] الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد [[عبد الناصر]] يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة [[الدستور]]ية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب [[الإخوان]] [[جمال حشمت]] في أحد دوائر [[البحيرة]]. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%89_%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=644104وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات2012-02-26T09:09:34Z<p>Helmy: حمى "وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات</font></font></center>'''<br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=4>عرض – نقد - دراسة</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم:رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى <br />
<br />
ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا . <br />
<br />
بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .<br />
<br />
وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .<br />
<br />
فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا . <br />
<br />
وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟ <br />
<br />
لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟ <br />
<br />
ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟ <br />
<br />
ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟ <br />
<br />
ولماذا ؟ <br />
<br />
لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟ <br />
<br />
هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة . <br />
<br />
بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ... <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه . <br />
<br />
-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى . <br />
<br />
*ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة . <br />
<br />
* '''هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :'''<br />
<br />
'''فأولا :''' يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة . <br />
<br />
'''ثانيا :''' يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .<br />
<br />
'''ثالثا :''' لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .<br />
<br />
** وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .<br />
<br />
'''الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )'''<br />
<br />
<br />
( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم ) <br />
<br />
'''الإمام آية الله الخمينى'''<br />
<br />
'''( من كتابه : الحكومة الإسلامية )'''<br />
<br />
==الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)==<br />
<br />
"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟ <br />
<br />
لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟ <br />
<br />
===المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)===<br />
<br />
====أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى ====<br />
<br />
تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " . <br />
<br />
وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة <br />
<br />
'''يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر : '''<br />
<br />
( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير . <br />
<br />
ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل ) <br />
<br />
ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) . <br />
<br />
وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) '''يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية : '''<br />
<br />
'''الأولى :''' الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع . <br />
<br />
'''والثانية :''' هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله . <br />
<br />
'''الثالثة :''' هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين . <br />
<br />
ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )<br />
<br />
وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى . <br />
<br />
====ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى==== <br />
<br />
فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية <br />
التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) '''وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى : '''<br />
<br />
( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت : '''<br />
<br />
( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :'''<br />
<br />
( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 ) <br />
<br />
وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) . <br />
<br />
وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .<br />
<br />
====ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى====<br />
<br />
ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد : <br />
<br />
( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .<br />
<br />
وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان . <br />
<br />
* ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977) <br />
<br />
وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم . <br />
<br />
ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ " <br />
<br />
ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم " <br />
<br />
مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟<br />
<br />
'''ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر : '''<br />
<br />
( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟ <br />
<br />
خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا ) <br />
<br />
وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " . <br />
<br />
وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان. <br />
<br />
هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة . <br />
<br />
ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس . <br />
<br />
يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) . <br />
<br />
'''ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا : '''<br />
<br />
( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج . <br />
<br />
وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . <br />
<br />
وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب <br />
<br />
* وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله . <br />
<br />
====رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات ====<br />
<br />
مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا . <br />
<br />
*من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – '''لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :'''<br />
<br />
'''البعث الإسلامى نقطة البدء :'''<br />
<br />
1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى . <br />
<br />
وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية . <br />
<br />
'''ويقول :''' ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما . <br />
<br />
وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه . <br />
<br />
2- '''ثم يقول فو موضع آخر :''' ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .<br />
<br />
إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .<br />
<br />
إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم . <br />
<br />
ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة. <br />
<br />
ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته . <br />
<br />
وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية . <br />
<br />
3-'''* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا :''' وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه . <br />
<br />
ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية : <br />
<br />
-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف . <br />
<br />
-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية . <br />
<br />
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات . <br />
<br />
فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا . <br />
<br />
-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية . <br />
<br />
4 – '''ثم يختم رؤيته قائلا :''' وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد . <br />
<br />
فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة . <br />
<br />
5- '''وعن التنظيمات يرى المؤلف :''' إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد . <br />
<br />
وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية . <br />
<br />
إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .<br />
<br />
6- '''وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف : '''<br />
<br />
ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) . <br />
<br />
7- '''وفي موضع آخر يقول المؤلف :''' وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى . <br />
<br />
وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة . <br />
<br />
وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى . <br />
<br />
وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق . <br />
<br />
واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال . <br />
<br />
كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية . <br />
<br />
8- '''وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف : '''<br />
<br />
وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين . <br />
<br />
ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر . <br />
<br />
وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى . <br />
<br />
وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر . <br />
<br />
وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر . <br />
<br />
واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج . <br />
<br />
9- '''وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى : '''<br />
<br />
( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى . <br />
<br />
وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى. <br />
<br />
وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات . <br />
<br />
كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك . <br />
<br />
وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة . <br />
<br />
إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه ) <br />
<br />
( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى ) <br />
<br />
====خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة====<br />
<br />
'''يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :'''<br />
<br />
1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا . <br />
<br />
* إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .<br />
<br />
'''الحركة الإسلامية المعاصرة :'''<br />
<br />
'''تيارات إسلامية سياسية : '''<br />
<br />
-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى . <br />
<br />
-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى . <br />
<br />
'''تيارات إسلامية غير سياسية :'''<br />
<br />
الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى ) <br />
<br />
ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل . <br />
<br />
وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) . <br />
<br />
فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟ <br />
<br />
2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 . <br />
<br />
* إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟ <br />
<br />
* إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق . <br />
<br />
3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .<br />
<br />
===المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب === <br />
<br />
لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . <br />
ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل ) <br />
<br />
وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا '''سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى : '''<br />
<br />
'''أولا :''' أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .<br />
<br />
'''ثالثا :''' البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير . <br />
<br />
'''رابعا :''' خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة ) <br />
<br />
'''خامسا :''' من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''سادسا:''' منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب . <br />
<br />
====أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا ==== <br />
<br />
حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى . <br />
<br />
فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟ <br />
<br />
'''أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين : '''<br />
<br />
نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟ <br />
<br />
'''فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد : '''<br />
<br />
ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟ <br />
<br />
نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم . <br />
<br />
والثانى : معرفة حكم الله فيهم . <br />
<br />
إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .<br />
<br />
'''ويقول ابن تيمية :'''<br />
<br />
وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة . <br />
<br />
وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . <br />
<br />
ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) . <br />
<br />
'''ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله : '''<br />
<br />
ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام . <br />
<br />
وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .<br />
<br />
قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية . <br />
<br />
'''ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها : '''<br />
<br />
أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه . <br />
<br />
ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين . <br />
<br />
ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم . <br />
<br />
====ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب ====<br />
<br />
كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''وهذه المستويات هى :'''<br />
<br />
1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر . <br />
<br />
2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر . <br />
<br />
3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر . <br />
<br />
4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى ) <br />
<br />
ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية . <br />
<br />
أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب . <br />
<br />
====ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى ====<br />
<br />
يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – '''ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :'''<br />
<br />
'''أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية : '''<br />
<br />
'''وهنا يرى الإمام الخومينى :'''<br />
<br />
" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " . <br />
<br />
2- '''المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى ) '''<br />
<br />
" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام . <br />
<br />
'''ويقول فى جزئية أخرى : '''<br />
<br />
إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر . <br />
<br />
3- '''تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :''' <br />
<br />
1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة . <br />
<br />
2- ترك التعاون معها . <br />
<br />
3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم . <br />
<br />
4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .<br />
<br />
'''ثم يستطرد الإمام قائلا :'''<br />
<br />
ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره " <br />
<br />
وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟ <br />
<br />
'''ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم : '''<br />
<br />
تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى . <br />
<br />
1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا . <br />
<br />
2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من : <br />
<br />
إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة . <br />
<br />
3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) . <br />
<br />
4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 . <br />
<br />
5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 . <br />
<br />
6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 . <br />
<br />
7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم . <br />
<br />
'''ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير : '''<br />
<br />
باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .<br />
<br />
وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات . <br />
<br />
وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) . <br />
<br />
وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة . <br />
<br />
وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة . <br />
<br />
وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها . <br />
<br />
والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) . <br />
<br />
والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى . <br />
<br />
أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية . <br />
<br />
ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , '''وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث : '''<br />
<br />
1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) . <br />
<br />
2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) . <br />
<br />
3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .<br />
<br />
4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .<br />
<br />
====رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )====<br />
<br />
إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟ <br />
<br />
إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين . <br />
<br />
ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها . <br />
<br />
ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات . <br />
<br />
فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .<br />
<br />
بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .<br />
<br />
استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة . <br />
<br />
وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه . <br />
<br />
هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين : <br />
<br />
'''الأول :''' ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ <br />
قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور : <br />
<br />
(1 )''' الدكتور . صالح سرية :''' قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال . <br />
<br />
(2)''' شكرى مصطفى :''' قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 . <br />
<br />
(3) '''محمد عبد السلام فرج :''' وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد . <br />
<br />
(4) '''عبود الزمر :''' القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية ) <br />
<br />
- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول . <br />
<br />
- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات . <br />
<br />
- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) . <br />
<br />
==== خامسا : منهج التعامل مع الوثائق ====<br />
<br />
مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .<br />
<br />
الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – '''من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة : '''<br />
<br />
'''المستوى الأول :''' ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق . <br />
<br />
'''المستوى الثانى :''' ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به . <br />
<br />
'''المستوى الثالث :''' نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى . <br />
<br />
'''المستوى الرابع :''' ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه . <br />
<br />
هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى : <br />
<br />
1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت . <br />
<br />
2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .<br />
<br />
3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج . <br />
<br />
* هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة . <br />
<br />
* '''ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب . <br />
<br />
** من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا <br />
<br />
'''ثانيا :''' مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا . <br />
<br />
'''ثالثا :''' تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل . <br />
<br />
ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟ <br />
<br />
==ملحق الفصل الأول ==<br />
<br />
( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب ) <br />
<br />
1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 . <br />
<br />
2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 . <br />
<br />
3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 . <br />
<br />
الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 . <br />
<br />
4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) . <br />
<br />
5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985 <br />
<br />
6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) . <br />
<br />
7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت . <br />
<br />
8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت<br />
<br />
9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) . <br />
<br />
10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 ) <br />
<br />
11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) . <br />
<br />
12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981<br />
<br />
13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) . <br />
<br />
14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977<br />
<br />
15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 ) <br />
<br />
16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت ) <br />
<br />
17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .<br />
<br />
18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 ) <br />
<br />
19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية ) <br />
<br />
20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى ) <br />
<br />
21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 ) <br />
<br />
22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 ) <br />
<br />
23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 ) <br />
<br />
24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 ) <br />
<br />
25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 ) <br />
<br />
26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) . <br />
<br />
27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 ) <br />
<br />
28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 . <br />
<br />
29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 . <br />
<br />
30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من : <br />
<br />
الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 . <br />
<br />
شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 ) <br />
<br />
تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981) <br />
<br />
32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 ) <br />
<br />
* والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .<br />
<br />
'''الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:'''<br />
<br />
حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53 <br />
<br />
==الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر ==<br />
<br />
* صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل . <br />
<br />
* فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى . <br />
<br />
* وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين . <br />
<br />
* والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين === <br />
<br />
تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : <br />
( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة <br />
<br />
وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " <br />
اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟ <br />
<br />
'''زمن التصريح فقط : '''<br />
<br />
'''تقول الوثائق مجيبة : '''<br />
<br />
( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... <br />
ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟ <br />
<br />
'''يجيب صالح سرية :'''<br />
<br />
( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .<br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس . <br />
<br />
والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " <br />
<br />
====العقيدة فقط = الكفر==== <br />
<br />
فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .<br />
<br />
ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة . <br />
<br />
====مجتمعات جاهلية====<br />
<br />
وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد <br />
( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا . <br />
<br />
إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص . <br />
<br />
====الأفراد غير الكفرة ====<br />
<br />
'''يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :'''<br />
<br />
1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية . <br />
<br />
2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية . <br />
<br />
3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين . <br />
<br />
====الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام ====<br />
<br />
'''وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة . <br />
<br />
ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه . <br />
<br />
===(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه===<br />
<br />
وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير . <br />
<br />
====الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية ==== <br />
<br />
يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .<br />
<br />
فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا . <br />
<br />
'''ويفسر سرية ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج . <br />
<br />
====موالاة الدولة للأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
*وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .<br />
<br />
====القوانين ==== <br />
<br />
'''يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :''' <br />
<br />
( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله " <br />
<br />
====المعارضون لأحكام الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى موضع آخر :'''<br />
<br />
( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث . <br />
<br />
ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان . <br />
<br />
وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا . <br />
<br />
====الإعتزاز بتراث الكفر ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :'''<br />
<br />
ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح . <br />
<br />
====حصر الدين بالعبادة ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ . <br />
<br />
ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك . <br />
<br />
وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر . <br />
<br />
====من ترك أركان الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع : '''<br />
<br />
( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .<br />
<br />
ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .<br />
<br />
نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر . <br />
<br />
====من أنكر إحدى العقائد ====<br />
<br />
'''وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية : '''<br />
<br />
( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح . <br />
<br />
====طقوس الشرك الجديدة ====<br />
<br />
ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس : <br />
<br />
أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية . <br />
<br />
ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا . <br />
<br />
ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) . <br />
<br />
وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .<br />
<br />
===(3) البديل الإسلامى ===<br />
<br />
* قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية ) <br />
<br />
ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟ <br />
<br />
====قواعد التكفير ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى : '''<br />
<br />
1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام . <br />
<br />
والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية . <br />
<br />
وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ '''أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين : '''<br />
<br />
'''فى السياسة :'''<br />
<br />
فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا . <br />
<br />
وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ <br />
<br />
كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة . <br />
<br />
المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق <br />
<br />
'''القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:''' <br />
<br />
(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة . <br />
<br />
'''القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :'''<br />
<br />
( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط . <br />
<br />
فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة . <br />
<br />
لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم . <br />
<br />
فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " '''فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين : '''<br />
<br />
'''الحالة الأولى :''' أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن <br />
<br />
'''الحالة الثانية :''' إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . <br />
<br />
لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة . <br />
<br />
قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها . <br />
<br />
وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية===<br />
<br />
وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر : <br />
<br />
'''يحددها الآتى : '''<br />
<br />
(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية . <br />
<br />
(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة . <br />
<br />
(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "<br />
<br />
'''ثم يقول سرية : '''<br />
<br />
وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر . <br />
<br />
====الإيمان بالله ==== <br />
<br />
فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : <br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى : '''<br />
<br />
(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر . <br />
<br />
(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله . <br />
<br />
إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .<br />
<br />
وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر . <br />
<br />
(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم . <br />
<br />
ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .<br />
<br />
ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟ <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
'''بيان صالح سرية عام 1974 '''<br />
<br />
" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير " <br />
<br />
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – '''لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية : '''<br />
<br />
1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض . <br />
<br />
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .<br />
<br />
3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة . <br />
<br />
4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات . <br />
<br />
5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم . <br />
<br />
6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان . <br />
<br />
7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .<br />
<br />
8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف . <br />
<br />
9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا . <br />
<br />
'''والله الموفق ''' <br />
<br />
'''رئيس الجمهورية ''' <br />
<br />
'''صالح عبد الله سرية'''<br />
<br />
'''الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة'''<br />
<br />
(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية ) <br />
<br />
'''شكرى أحمد مصطفى '''<br />
<br />
'''من وثيقة الخلافة '''<br />
<br />
'''الجزء الأول- 9'''<br />
<br />
==الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==<br />
<br />
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 . <br />
<br />
ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة . <br />
<br />
فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم والمجتمع ===<br />
<br />
( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . <br />
اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. '''نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .<br />
<br />
'''ثالثا:''' معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين . <br />
<br />
====أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية==== <br />
<br />
يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية <br />
<br />
وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد . <br />
<br />
بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .<br />
<br />
'''ثم يقول : '''<br />
<br />
إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا . <br />
<br />
أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران . <br />
<br />
" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 . <br />
<br />
إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر . <br />
<br />
وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... <br />
ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
<br />
وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر . <br />
<br />
'''الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا : '''<br />
<br />
( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى : <br />
<br />
'''" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "''' المائدة – 81 <br />
<br />
'''ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها : '''<br />
<br />
( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .<br />
<br />
وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين . <br />
<br />
'''إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى : '''<br />
<br />
ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها : <br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .<br />
<br />
أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك . <br />
<br />
ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك . <br />
<br />
'''الغبش فى التصور مستمر : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى أيضا : '''<br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " . <br />
<br />
'''الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :'''<br />
<br />
'''واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى : '''<br />
<br />
( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .<br />
<br />
'''ويقول شكرى :'''<br />
<br />
أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .<br />
<br />
... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55 <br />
<br />
أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 . <br />
<br />
'''ولكنى : '''<br />
<br />
أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 . <br />
<br />
أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .<br />
<br />
====ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى====<br />
<br />
'''وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله : '''<br />
<br />
( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 . <br />
<br />
كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله . <br />
<br />
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة . <br />
<br />
حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها . <br />
<br />
'''ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :'''<br />
<br />
( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. ) <br />
<br />
====ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم ====<br />
<br />
" من المسلم عندى " ؟ <br />
<br />
'''يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق : '''<br />
<br />
( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟ <br />
<br />
'''يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها : '''<br />
<br />
( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا . <br />
<br />
ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من : <br />
<br />
-أعلن كفره بالطاغوت . <br />
<br />
-وإيمانه بالله . <br />
<br />
-وتسليمه له وحده . <br />
<br />
وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 . <br />
<br />
-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام <br />
<br />
-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه . <br />
<br />
-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه <br />
<br />
'''وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول : '''<br />
<br />
( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) <br />
ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) <br />
والجواب .. لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ <br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى ) <br />
<br />
'''ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري : '''<br />
<br />
( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .<br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة ) <br />
<br />
'''أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :'''<br />
<br />
( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ . <br />
<br />
والجواب : لا يصح .. ولم يصح . <br />
<br />
فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط . <br />
<br />
1- شهادة لا إله إلا الله . <br />
<br />
2- شهادة أن محمد ا رسول الله . <br />
<br />
3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ ) <br />
<br />
4- اجتناب النواقض . <br />
<br />
ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 ) <br />
<br />
'''ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:'''<br />
<br />
1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع . <br />
<br />
2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها . <br />
<br />
3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 . <br />
<br />
الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟ <br />
<br />
===(2) البديل الاسلامى === <br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل ) '''<br />
<br />
البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .<br />
<br />
====التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة====<br />
<br />
'''يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :'''<br />
<br />
( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية . <br />
<br />
إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 . <br />
<br />
فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ . <br />
<br />
أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى ) <br />
<br />
'''ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا : '''<br />
<br />
( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) <br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة . <br />
<br />
'''فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد : '''<br />
<br />
-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة . <br />
<br />
-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها . <br />
<br />
-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك <br />
<br />
'''عقم للسرية : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى :''' فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ). <br />
<br />
وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى . <br />
<br />
'''حركات عرجاء : '''<br />
<br />
'''وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى : '''<br />
<br />
( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . <br />
لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به . <br />
<br />
وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله . <br />
<br />
وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا ) <br />
<br />
'''وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله : '''<br />
<br />
هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول . <br />
<br />
====التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :'''<br />
<br />
( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال . <br />
<br />
لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .<br />
<br />
وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا . <br />
<br />
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7 <br />
<br />
نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا . <br />
<br />
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .<br />
<br />
'''حراب مشرعة : '''<br />
<br />
'''ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :'''<br />
<br />
( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة . <br />
<br />
'''ثلاث سنوات من العزلة : '''<br />
<br />
'''ويدهش شكرى قائلا :'''<br />
<br />
( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. <br />
إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى . <br />
<br />
والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .<br />
<br />
'''ويعود متسائلا : '''<br />
<br />
( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس . <br />
<br />
إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 . <br />
<br />
ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 . <br />
<br />
'''وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى : '''<br />
<br />
'''( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك "''' الممتحنة – 5 . <br />
<br />
'''المبادرة بالاعتزال :'''<br />
<br />
'''وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . <br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر . <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .<br />
<br />
'''الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية : '''<br />
<br />
وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم . <br />
<br />
" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . <br />
بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 . <br />
<br />
وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . <br />
وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. " <br />
====التساؤل الثالث أين نهاجر ؟====<br />
<br />
وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟ <br />
<br />
لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) : <br />
<br />
'''يقول شكرى :'''<br />
<br />
( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت . <br />
<br />
قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . <br />
وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )<br />
<br />
'''خارج أرض الجاهلية :'''<br />
<br />
( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 <br />
وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم . <br />
<br />
فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر . <br />
<br />
'''شغف الجبال ومواقع القطر : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها . <br />
<br />
'''الوديان والبوادى والشعب : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .<br />
<br />
عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو ) <br />
<br />
'''الكهوف :'''<br />
<br />
'''ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية : '''<br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 . <br />
<br />
فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة . <br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 ) <br />
<br />
'''يؤكد شكرى دعواه بقوله :'''<br />
<br />
( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان . <br />
<br />
====التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة) ====<br />
<br />
'''يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة : '''<br />
<br />
( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .<br />
<br />
ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . <br />
ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين . <br />
<br />
وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .<br />
<br />
وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .<br />
<br />
فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة : '''<br />
<br />
صفقة يدك .. وثمرة فؤادك .. <br />
<br />
'''مهام أخرى للإمام : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام : '''<br />
<br />
وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه . <br />
<br />
إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا . <br />
<br />
وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم . <br />
<br />
وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم . <br />
<br />
'''إقامة الحدود ودور الإمام : '''<br />
<br />
ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . <br />
وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع . <br />
<br />
وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة . <br />
<br />
وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة . <br />
<br />
وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول : <br />
<br />
" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان " <br />
<br />
وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع . <br />
<br />
أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. <br />
وذلك لأنك وكما يقول شكرى : <br />
<br />
قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
'''المراجعة وحق النقد :'''<br />
<br />
'''بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :'''<br />
<br />
( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة . <br />
<br />
بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر . <br />
<br />
'''فضل الإمامة والبيعة : '''<br />
<br />
'''وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .<br />
<br />
وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " <br />
وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " <br />
وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " <br />
وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " <br />
<br />
'''الجماعة :'''<br />
<br />
'''ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول : '''<br />
<br />
( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .<br />
<br />
إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم . <br />
<br />
وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها . <br />
<br />
وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها . <br />
<br />
وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع . <br />
<br />
وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر . <br />
<br />
وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله . <br />
<br />
وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله . <br />
<br />
وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا . <br />
<br />
===(3) المستقبل ===<br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )'''<br />
<br />
رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ <br />
تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟ <br />
<br />
====ضمانات التجمع الإسلامى ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء : '''<br />
<br />
(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية . <br />
<br />
(2) إقامة الحدود ورد الحقوق <br />
<br />
(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها . <br />
<br />
(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .<br />
<br />
(5) فرض تعلم الدين وتعليمه . <br />
<br />
(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها . <br />
<br />
(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد . <br />
<br />
(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن . <br />
<br />
(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.<br />
<br />
(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا . <br />
<br />
'''والآن يقول شكرى :''' ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ <br />
بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟ <br />
<br />
====النجاة الفردية ====<br />
<br />
'''يجيب شكرى قائلا : '''<br />
<br />
( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ : <br />
<br />
'''ويقول فى موضع آخر من وثائقه : '''<br />
<br />
( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .<br />
<br />
====معالم الدولة القادمة==== <br />
<br />
'''ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه : '''<br />
<br />
( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) . <br />
<br />
'''ويقول أخيرا :''' (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف ) <br />
<br />
وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات : <br />
<br />
-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟ <br />
<br />
-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟ <br />
<br />
-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 . <br />
<br />
'''الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة'''<br />
<br />
" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 . <br />
<br />
==الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة==<br />
<br />
لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات .. <br />
<br />
'''وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى : '''<br />
<br />
-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ <br />
<br />
-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟ <br />
<br />
-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟ <br />
<br />
-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟ <br />
<br />
'''ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف : '''<br />
<br />
===(1) نظام الحكم === <br />
<br />
'''( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) '''<br />
<br />
تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. '''ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله : '''<br />
<br />
===الحاكم بغير ما أنزل الله=== <br />
<br />
( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " <br />
<br />
قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .<br />
<br />
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا " <br />
<br />
====حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام ====<br />
<br />
فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج ) <br />
<br />
( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟ <br />
<br />
'''يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 : '''<br />
<br />
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم====<br />
<br />
لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى : <br />
<br />
1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع . <br />
<br />
2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) . <br />
<br />
3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) . <br />
<br />
4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 . <br />
<br />
'''ملحوظة :''' من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه ) <br />
<br />
5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها . <br />
<br />
6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .<br />
<br />
(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث ) <br />
<br />
'''فتاوى ابن تيمية :'''<br />
<br />
ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا : <br />
<br />
ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟<br />
<br />
===(2) المجتمع=== <br />
<br />
'''" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "'''<br />
<br />
لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .<br />
<br />
'''" الدار التى نعيش فيها " : '''<br />
<br />
يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام '''وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة : '''<br />
<br />
1- أن تعلوها أحكام الكفر . <br />
<br />
2- ذهاب الأمان للمسلمين . <br />
<br />
3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن . <br />
<br />
وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون <br />
<br />
===(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة===<br />
<br />
'''( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )'''<br />
<br />
يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. '''وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى : '''<br />
<br />
'''الشق الأول :''' الغاية : بناء الدولة الإسلامية . <br />
<br />
'''الشق الثانى :''' الوسائل . <br />
<br />
'''أولا :''' نقد الوسائل المطروحة إسلاميا . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إعلاء وسيلة الجهاد الدموى . <br />
<br />
فماذا عن الشقين ؟ <br />
<br />
====الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية==== <br />
<br />
يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال . <br />
<br />
ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة . <br />
<br />
====الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة ====<br />
<br />
'''أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :'''<br />
<br />
قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب ) <br />
<br />
( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة ) <br />
<br />
'''الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة : '''<br />
<br />
ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " <br />
<br />
والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل " <br />
<br />
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا " <br />
<br />
ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل . <br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :'''<br />
<br />
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله . <br />
<br />
'''الهجرة :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , '''وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) : '''<br />
<br />
'''الأول :''' الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . <br />
<br />
'''الثانى :''' الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " <br />
<br />
'''الإنشغال بطلب العلم'''<br />
<br />
'''ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد : '''<br />
<br />
( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
'''ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :'''<br />
<br />
بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) . <br />
<br />
وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟ <br />
<br />
'''الخروج على الحاكم : '''<br />
<br />
'''يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : '''<br />
(جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا . <br />
<br />
أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير . <br />
<br />
يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) . <br />
<br />
'''العدو القريب والعدو البعيد : '''<br />
<br />
'''وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية '''وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :''' <br />
<br />
'''أولا :''' إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة. <br />
<br />
'''( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) : '''<br />
<br />
'''يقول فرج فى هذه الفرعية : '''<br />
<br />
( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " . <br />
<br />
ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) . <br />
<br />
وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام . <br />
<br />
'''ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :'''<br />
<br />
( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها . <br />
<br />
'''( آية السيف ) : '''<br />
<br />
'''وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة " <br />
<br />
ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال " <br />
<br />
وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد . <br />
<br />
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .<br />
<br />
ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . <br />
وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى : <br />
<br />
'''( القتال الآن فرض على كل مسلم ) : '''<br />
<br />
يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ '''يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :'''<br />
<br />
'''أولا :''' إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . <br />
<br />
'''ثالثا :''' إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى . <br />
<br />
وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم . <br />
<br />
واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم . <br />
<br />
====( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )====<br />
<br />
'''وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام : '''<br />
<br />
( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل '''على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :''' <br />
<br />
1- جهاد النفس . <br />
<br />
2- جهاد الشيطان . <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين . <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " . <br />
<br />
وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين . <br />
<br />
'''( خشية الفشل ) : '''<br />
<br />
'''ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :'''<br />
<br />
( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . <br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم <br />
<br />
'''(القيادة ) : '''<br />
<br />
وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته . <br />
<br />
فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز . <br />
<br />
'''ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة : '''<br />
<br />
وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى . <br />
<br />
'''( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)<br />
<br />
====عقوبة ترك الجهاد ====<br />
<br />
'''ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله : '''<br />
<br />
( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة . <br />
<br />
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة " <br />
<br />
ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج === <br />
<br />
وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. '''وعن هذا المعنى تقول الوثائق : '''<br />
<br />
====الإسلام مقبل ====<br />
<br />
'''يرى محمد عبد السلام فرج :'''<br />
<br />
( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه . <br />
<br />
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله . <br />
<br />
(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )<br />
<br />
(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم . <br />
<br />
وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين . <br />
<br />
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .<br />
<br />
والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية . <br />
<br />
'''الرد على اليائسين : '''<br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :'''<br />
<br />
( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا . <br />
<br />
'''ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا : '''<br />
<br />
( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم . <br />
<br />
وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟ <br />
<br />
'''الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان ) '''<br />
<br />
( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر . <br />
<br />
==الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان== <br />
<br />
عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية . <br />
<br />
ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟ <br />
<br />
===أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر === <br />
<br />
ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره : <br />
<br />
1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا . <br />
<br />
2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل . <br />
<br />
3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث . <br />
<br />
4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .<br />
<br />
وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .<br />
<br />
5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية . <br />
<br />
وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية . <br />
<br />
وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم . <br />
<br />
وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة . <br />
<br />
'''ملاحظة على أقوال عبود :'''<br />
<br />
الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ <br />
بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا . <br />
<br />
===ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان===<br />
<br />
بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .<br />
<br />
ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد .. <br />
<br />
فماذا يقول عبود فى الحوار ؟ <br />
<br />
'''كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :'''<br />
<br />
ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى . <br />
<br />
س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟ <br />
<br />
ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق . <br />
<br />
س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟ <br />
<br />
ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . <br />
س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟ <br />
<br />
ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم . <br />
<br />
أ'''ولا :''' أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم . <br />
<br />
'''رابعا :''' إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " <br />
<br />
'''خامسا :''' إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم . <br />
<br />
'''سادسا :''' أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .<br />
<br />
وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟ <br />
<br />
===ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر === <br />
<br />
وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها . <br />
<br />
'''فأولا :''' .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين . <br />
<br />
'''وثانيا :''' .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول . <br />
<br />
'''وثالثا :''' عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .<br />
<br />
'''رابعا:''' .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم . <br />
<br />
===رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر=== <br />
<br />
'''( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا ) '''<br />
<br />
1'''- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم''' <br />
<br />
2'''- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما '''. <br />
<br />
3'''- الباقى : 271 .''' <br />
<br />
[[ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg|700بك|center]] <br />
<br />
'''ملاحظات على التوزيع الجغرافى :'''<br />
<br />
أ- الجدول مرتب تنازليا .<br />
<br />
ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف . <br />
<br />
ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة . <br />
<br />
د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله . <br />
<br />
ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة . <br />
<br />
'''" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ) '''<br />
<br />
==الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله ==<br />
<br />
(''' قضايا ساخنة لم تحسم بعد )'''<br />
<br />
الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى : <br />
<br />
'''الفصل الأول :''' خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , '''وذلك من خلال مطلبين :''' <br />
<br />
'''الأول :''' وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات . <br />
<br />
وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع . <br />
<br />
وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟ <br />
<br />
===المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ===<br />
<br />
'''أولا :''' غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل . <br />
<br />
'''ثالثا :''' غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .<br />
<br />
'''رابعا :''' الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .<br />
<br />
'''خامسا :''' سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :<br />
<br />
'''الأول :''' يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟ <br />
<br />
'''الثانى :''' هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟ <br />
<br />
وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .<br />
<br />
وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى ) <br />
<br />
ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) . <br />
<br />
من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية . <br />
<br />
'''سادسا :''' على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .<br />
<br />
(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟ <br />
<br />
(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟ <br />
<br />
(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟ <br />
<br />
(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟ <br />
<br />
وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟ <br />
<br />
** هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية . <br />
<br />
===المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب ===<br />
<br />
كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف '''تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :''' <br />
<br />
====المتغير الأول : مصريا ==== <br />
<br />
ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) . <br />
<br />
وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .<br />
<br />
====المتغير الثانى : المتغير الإقليمى====<br />
<br />
والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) . <br />
<br />
ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) . <br />
<br />
معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار . <br />
<br />
====المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط ====<br />
<br />
لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا . <br />
<br />
ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد . <br />
<br />
هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . <br />
ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى . <br />
<br />
'''رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم . <br />
<br />
إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " . <br />
<br />
هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة . <br />
<br />
'''إنها :''' " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟ <br />
<br />
أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن : <br />
<br />
جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة : <br />
<br />
"''' يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " ''' الممتحنة 12 <br />
<br />
==وثائق الكتاب ==<br />
<br />
'''نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :'''<br />
<br />
-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية . <br />
<br />
-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .<br />
<br />
-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى. <br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثانى ===<br />
<br />
====أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )====<br />
<br />
نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة . <br />
<br />
====موالاة الدولة الأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية . <br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة و'''هذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :'''<br />
<br />
والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إ'''نما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : '''<br />
<br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :''' <br />
<br />
(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ". <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر . <br />
<br />
====بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية ====<br />
<br />
الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية . <br />
<br />
'''نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة : '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثالث ===<br />
<br />
'''أصول وثائق شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
'''نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده '''. <br />
<br />
====شغف الجبال ومواقع القطر ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) . <br />
<br />
====الوديان والبوادى والشعب ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ". <br />
<br />
====أماكن الهجرة كما يحددها شكرى ====<br />
<br />
إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف . <br />
<br />
ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . <br />
<br />
لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر . <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " . <br />
<br />
====نقد الحركات الإسلامية الأخرى ==== <br />
<br />
وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية . <br />
<br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد . <br />
<br />
الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية . <br />
<br />
نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .<br />
<br />
والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات , <br />
<br />
والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه , <br />
<br />
والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع , <br />
<br />
والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .<br />
<br />
وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . <br />
<br />
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل . <br />
<br />
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك " <br />
<br />
====فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له ====<br />
<br />
المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا . <br />
<br />
إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. '''ثم الإنطلاق بعد ذلك : '''<br />
<br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .. <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته .. <br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16 <br />
<br />
فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , '''ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة : '''<br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة : <br />
<br />
" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال . <br />
<br />
شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر " <br />
<br />
'''نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الرابع ===<br />
<br />
'''أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )'''<br />
<br />
نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم ====<br />
<br />
-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .<br />
<br />
-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم==== <br />
<br />
'''فريضة الجهاد :'''<br />
<br />
الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . '''الذى قسم الجراد إلى مراتب '''<br />
<br />
1- جهاد النفس <br />
<br />
2- جهاد الشيطان <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير ) <br />
<br />
وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )<br />
<br />
====مراتب فريضة الجهاد====<br />
<br />
'''( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )''' <br />
<br />
( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط) <br />
<br />
( خشية الفشل ) <br />
<br />
وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .<br />
<br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . <br />
<br />
خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى . <br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%89_%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=644103وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات2012-02-26T09:03:52Z<p>Helmy: /* =الحاكم بغير ما أنزل الله */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات</font></font></center>'''<br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=4>عرض – نقد - دراسة</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم:رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى <br />
<br />
ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا . <br />
<br />
بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .<br />
<br />
وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .<br />
<br />
فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا . <br />
<br />
وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟ <br />
<br />
لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟ <br />
<br />
ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟ <br />
<br />
ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟ <br />
<br />
ولماذا ؟ <br />
<br />
لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟ <br />
<br />
هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة . <br />
<br />
بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ... <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه . <br />
<br />
-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى . <br />
<br />
*ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة . <br />
<br />
* '''هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :'''<br />
<br />
'''فأولا :''' يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة . <br />
<br />
'''ثانيا :''' يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .<br />
<br />
'''ثالثا :''' لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .<br />
<br />
** وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .<br />
<br />
'''الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )'''<br />
<br />
<br />
( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم ) <br />
<br />
'''الإمام آية الله الخمينى'''<br />
<br />
'''( من كتابه : الحكومة الإسلامية )'''<br />
<br />
==الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)==<br />
<br />
"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟ <br />
<br />
لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟ <br />
<br />
===المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)===<br />
<br />
====أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى ====<br />
<br />
تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " . <br />
<br />
وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة <br />
<br />
'''يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر : '''<br />
<br />
( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير . <br />
<br />
ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل ) <br />
<br />
ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) . <br />
<br />
وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) '''يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية : '''<br />
<br />
'''الأولى :''' الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع . <br />
<br />
'''والثانية :''' هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله . <br />
<br />
'''الثالثة :''' هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين . <br />
<br />
ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )<br />
<br />
وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى . <br />
<br />
====ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى==== <br />
<br />
فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية <br />
التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) '''وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى : '''<br />
<br />
( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت : '''<br />
<br />
( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :'''<br />
<br />
( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 ) <br />
<br />
وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) . <br />
<br />
وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .<br />
<br />
====ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى====<br />
<br />
ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد : <br />
<br />
( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .<br />
<br />
وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان . <br />
<br />
* ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977) <br />
<br />
وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم . <br />
<br />
ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ " <br />
<br />
ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم " <br />
<br />
مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟<br />
<br />
'''ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر : '''<br />
<br />
( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟ <br />
<br />
خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا ) <br />
<br />
وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " . <br />
<br />
وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان. <br />
<br />
هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة . <br />
<br />
ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس . <br />
<br />
يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) . <br />
<br />
'''ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا : '''<br />
<br />
( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج . <br />
<br />
وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . <br />
<br />
وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب <br />
<br />
* وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله . <br />
<br />
====رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات ====<br />
<br />
مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا . <br />
<br />
*من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – '''لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :'''<br />
<br />
'''البعث الإسلامى نقطة البدء :'''<br />
<br />
1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى . <br />
<br />
وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية . <br />
<br />
'''ويقول :''' ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما . <br />
<br />
وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه . <br />
<br />
2- '''ثم يقول فو موضع آخر :''' ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .<br />
<br />
إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .<br />
<br />
إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم . <br />
<br />
ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة. <br />
<br />
ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته . <br />
<br />
وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية . <br />
<br />
3-'''* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا :''' وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه . <br />
<br />
ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية : <br />
<br />
-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف . <br />
<br />
-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية . <br />
<br />
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات . <br />
<br />
فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا . <br />
<br />
-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية . <br />
<br />
4 – '''ثم يختم رؤيته قائلا :''' وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد . <br />
<br />
فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة . <br />
<br />
5- '''وعن التنظيمات يرى المؤلف :''' إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد . <br />
<br />
وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية . <br />
<br />
إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .<br />
<br />
6- '''وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف : '''<br />
<br />
ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) . <br />
<br />
7- '''وفي موضع آخر يقول المؤلف :''' وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى . <br />
<br />
وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة . <br />
<br />
وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى . <br />
<br />
وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق . <br />
<br />
واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال . <br />
<br />
كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية . <br />
<br />
8- '''وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف : '''<br />
<br />
وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين . <br />
<br />
ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر . <br />
<br />
وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى . <br />
<br />
وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر . <br />
<br />
وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر . <br />
<br />
واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج . <br />
<br />
9- '''وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى : '''<br />
<br />
( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى . <br />
<br />
وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى. <br />
<br />
وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات . <br />
<br />
كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك . <br />
<br />
وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة . <br />
<br />
إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه ) <br />
<br />
( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى ) <br />
<br />
====خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة====<br />
<br />
'''يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :'''<br />
<br />
1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا . <br />
<br />
* إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .<br />
<br />
'''الحركة الإسلامية المعاصرة :'''<br />
<br />
'''تيارات إسلامية سياسية : '''<br />
<br />
-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى . <br />
<br />
-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى . <br />
<br />
'''تيارات إسلامية غير سياسية :'''<br />
<br />
الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى ) <br />
<br />
ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل . <br />
<br />
وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) . <br />
<br />
فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟ <br />
<br />
2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 . <br />
<br />
* إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟ <br />
<br />
* إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق . <br />
<br />
3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .<br />
<br />
===المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب === <br />
<br />
لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . <br />
ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل ) <br />
<br />
وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا '''سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى : '''<br />
<br />
'''أولا :''' أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .<br />
<br />
'''ثالثا :''' البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير . <br />
<br />
'''رابعا :''' خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة ) <br />
<br />
'''خامسا :''' من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''سادسا:''' منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب . <br />
<br />
====أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا ==== <br />
<br />
حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى . <br />
<br />
فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟ <br />
<br />
'''أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين : '''<br />
<br />
نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟ <br />
<br />
'''فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد : '''<br />
<br />
ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟ <br />
<br />
نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم . <br />
<br />
والثانى : معرفة حكم الله فيهم . <br />
<br />
إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .<br />
<br />
'''ويقول ابن تيمية :'''<br />
<br />
وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة . <br />
<br />
وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . <br />
<br />
ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) . <br />
<br />
'''ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله : '''<br />
<br />
ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام . <br />
<br />
وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .<br />
<br />
قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية . <br />
<br />
'''ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها : '''<br />
<br />
أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه . <br />
<br />
ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين . <br />
<br />
ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم . <br />
<br />
====ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب ====<br />
<br />
كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''وهذه المستويات هى :'''<br />
<br />
1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر . <br />
<br />
2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر . <br />
<br />
3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر . <br />
<br />
4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى ) <br />
<br />
ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية . <br />
<br />
أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب . <br />
<br />
====ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى ====<br />
<br />
يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – '''ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :'''<br />
<br />
'''أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية : '''<br />
<br />
'''وهنا يرى الإمام الخومينى :'''<br />
<br />
" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " . <br />
<br />
2- '''المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى ) '''<br />
<br />
" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام . <br />
<br />
'''ويقول فى جزئية أخرى : '''<br />
<br />
إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر . <br />
<br />
3- '''تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :''' <br />
<br />
1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة . <br />
<br />
2- ترك التعاون معها . <br />
<br />
3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم . <br />
<br />
4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .<br />
<br />
'''ثم يستطرد الإمام قائلا :'''<br />
<br />
ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره " <br />
<br />
وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟ <br />
<br />
'''ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم : '''<br />
<br />
تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى . <br />
<br />
1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا . <br />
<br />
2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من : <br />
<br />
إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة . <br />
<br />
3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) . <br />
<br />
4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 . <br />
<br />
5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 . <br />
<br />
6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 . <br />
<br />
7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم . <br />
<br />
'''ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير : '''<br />
<br />
باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .<br />
<br />
وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات . <br />
<br />
وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) . <br />
<br />
وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة . <br />
<br />
وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة . <br />
<br />
وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها . <br />
<br />
والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) . <br />
<br />
والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى . <br />
<br />
أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية . <br />
<br />
ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , '''وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث : '''<br />
<br />
1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) . <br />
<br />
2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) . <br />
<br />
3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .<br />
<br />
4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .<br />
<br />
====رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )====<br />
<br />
إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟ <br />
<br />
إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين . <br />
<br />
ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها . <br />
<br />
ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات . <br />
<br />
فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .<br />
<br />
بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .<br />
<br />
استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة . <br />
<br />
وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه . <br />
<br />
هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين : <br />
<br />
'''الأول :''' ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ <br />
قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور : <br />
<br />
(1 )''' الدكتور . صالح سرية :''' قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال . <br />
<br />
(2)''' شكرى مصطفى :''' قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 . <br />
<br />
(3) '''محمد عبد السلام فرج :''' وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد . <br />
<br />
(4) '''عبود الزمر :''' القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية ) <br />
<br />
- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول . <br />
<br />
- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات . <br />
<br />
- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) . <br />
<br />
==== خامسا : منهج التعامل مع الوثائق ====<br />
<br />
مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .<br />
<br />
الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – '''من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة : '''<br />
<br />
'''المستوى الأول :''' ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق . <br />
<br />
'''المستوى الثانى :''' ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به . <br />
<br />
'''المستوى الثالث :''' نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى . <br />
<br />
'''المستوى الرابع :''' ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه . <br />
<br />
هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى : <br />
<br />
1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت . <br />
<br />
2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .<br />
<br />
3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج . <br />
<br />
* هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة . <br />
<br />
* '''ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب . <br />
<br />
** من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا <br />
<br />
'''ثانيا :''' مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا . <br />
<br />
'''ثالثا :''' تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل . <br />
<br />
ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟ <br />
<br />
==ملحق الفصل الأول ==<br />
<br />
( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب ) <br />
<br />
1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 . <br />
<br />
2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 . <br />
<br />
3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 . <br />
<br />
الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 . <br />
<br />
4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) . <br />
<br />
5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985 <br />
<br />
6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) . <br />
<br />
7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت . <br />
<br />
8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت<br />
<br />
9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) . <br />
<br />
10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 ) <br />
<br />
11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) . <br />
<br />
12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981<br />
<br />
13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) . <br />
<br />
14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977<br />
<br />
15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 ) <br />
<br />
16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت ) <br />
<br />
17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .<br />
<br />
18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 ) <br />
<br />
19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية ) <br />
<br />
20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى ) <br />
<br />
21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 ) <br />
<br />
22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 ) <br />
<br />
23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 ) <br />
<br />
24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 ) <br />
<br />
25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 ) <br />
<br />
26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) . <br />
<br />
27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 ) <br />
<br />
28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 . <br />
<br />
29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 . <br />
<br />
30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من : <br />
<br />
الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 . <br />
<br />
شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 ) <br />
<br />
تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981) <br />
<br />
32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 ) <br />
<br />
* والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .<br />
<br />
'''الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:'''<br />
<br />
حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53 <br />
<br />
==الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر ==<br />
<br />
* صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل . <br />
<br />
* فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى . <br />
<br />
* وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين . <br />
<br />
* والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين === <br />
<br />
تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : <br />
( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة <br />
<br />
وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " <br />
اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟ <br />
<br />
'''زمن التصريح فقط : '''<br />
<br />
'''تقول الوثائق مجيبة : '''<br />
<br />
( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... <br />
ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟ <br />
<br />
'''يجيب صالح سرية :'''<br />
<br />
( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .<br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس . <br />
<br />
والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " <br />
<br />
====العقيدة فقط = الكفر==== <br />
<br />
فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .<br />
<br />
ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة . <br />
<br />
====مجتمعات جاهلية====<br />
<br />
وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد <br />
( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا . <br />
<br />
إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص . <br />
<br />
====الأفراد غير الكفرة ====<br />
<br />
'''يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :'''<br />
<br />
1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية . <br />
<br />
2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية . <br />
<br />
3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين . <br />
<br />
====الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام ====<br />
<br />
'''وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة . <br />
<br />
ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه . <br />
<br />
===(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه===<br />
<br />
وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير . <br />
<br />
====الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية ==== <br />
<br />
يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .<br />
<br />
فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا . <br />
<br />
'''ويفسر سرية ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج . <br />
<br />
====موالاة الدولة للأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
*وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .<br />
<br />
====القوانين ==== <br />
<br />
'''يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :''' <br />
<br />
( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله " <br />
<br />
====المعارضون لأحكام الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى موضع آخر :'''<br />
<br />
( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث . <br />
<br />
ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان . <br />
<br />
وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا . <br />
<br />
====الإعتزاز بتراث الكفر ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :'''<br />
<br />
ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح . <br />
<br />
====حصر الدين بالعبادة ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ . <br />
<br />
ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك . <br />
<br />
وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر . <br />
<br />
====من ترك أركان الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع : '''<br />
<br />
( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .<br />
<br />
ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .<br />
<br />
نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر . <br />
<br />
====من أنكر إحدى العقائد ====<br />
<br />
'''وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية : '''<br />
<br />
( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح . <br />
<br />
====طقوس الشرك الجديدة ====<br />
<br />
ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس : <br />
<br />
أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية . <br />
<br />
ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا . <br />
<br />
ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) . <br />
<br />
وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .<br />
<br />
===(3) البديل الإسلامى ===<br />
<br />
* قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية ) <br />
<br />
ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟ <br />
<br />
====قواعد التكفير ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى : '''<br />
<br />
1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام . <br />
<br />
والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية . <br />
<br />
وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ '''أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين : '''<br />
<br />
'''فى السياسة :'''<br />
<br />
فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا . <br />
<br />
وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ <br />
<br />
كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة . <br />
<br />
المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق <br />
<br />
'''القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:''' <br />
<br />
(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة . <br />
<br />
'''القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :'''<br />
<br />
( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط . <br />
<br />
فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة . <br />
<br />
لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم . <br />
<br />
فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " '''فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين : '''<br />
<br />
'''الحالة الأولى :''' أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن <br />
<br />
'''الحالة الثانية :''' إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . <br />
<br />
لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة . <br />
<br />
قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها . <br />
<br />
وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية===<br />
<br />
وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر : <br />
<br />
'''يحددها الآتى : '''<br />
<br />
(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية . <br />
<br />
(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة . <br />
<br />
(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "<br />
<br />
'''ثم يقول سرية : '''<br />
<br />
وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر . <br />
<br />
====الإيمان بالله ==== <br />
<br />
فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : <br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى : '''<br />
<br />
(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر . <br />
<br />
(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله . <br />
<br />
إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .<br />
<br />
وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر . <br />
<br />
(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم . <br />
<br />
ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .<br />
<br />
ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟ <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
'''بيان صالح سرية عام 1974 '''<br />
<br />
" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير " <br />
<br />
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – '''لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية : '''<br />
<br />
1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض . <br />
<br />
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .<br />
<br />
3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة . <br />
<br />
4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات . <br />
<br />
5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم . <br />
<br />
6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان . <br />
<br />
7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .<br />
<br />
8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف . <br />
<br />
9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا . <br />
<br />
'''والله الموفق ''' <br />
<br />
'''رئيس الجمهورية ''' <br />
<br />
'''صالح عبد الله سرية'''<br />
<br />
'''الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة'''<br />
<br />
(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية ) <br />
<br />
'''شكرى أحمد مصطفى '''<br />
<br />
'''من وثيقة الخلافة '''<br />
<br />
'''الجزء الأول- 9'''<br />
<br />
==الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==<br />
<br />
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 . <br />
<br />
ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة . <br />
<br />
فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم والمجتمع ===<br />
<br />
( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . <br />
اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. '''نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .<br />
<br />
'''ثالثا:''' معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين . <br />
<br />
====أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية==== <br />
<br />
يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية <br />
<br />
وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد . <br />
<br />
بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .<br />
<br />
'''ثم يقول : '''<br />
<br />
إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا . <br />
<br />
أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران . <br />
<br />
" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 . <br />
<br />
إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر . <br />
<br />
وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... <br />
ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
<br />
وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر . <br />
<br />
'''الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا : '''<br />
<br />
( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى : <br />
<br />
'''" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "''' المائدة – 81 <br />
<br />
'''ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها : '''<br />
<br />
( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .<br />
<br />
وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين . <br />
<br />
'''إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى : '''<br />
<br />
ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها : <br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .<br />
<br />
أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك . <br />
<br />
ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك . <br />
<br />
'''الغبش فى التصور مستمر : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى أيضا : '''<br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " . <br />
<br />
'''الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :'''<br />
<br />
'''واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى : '''<br />
<br />
( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .<br />
<br />
'''ويقول شكرى :'''<br />
<br />
أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .<br />
<br />
... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55 <br />
<br />
أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 . <br />
<br />
'''ولكنى : '''<br />
<br />
أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 . <br />
<br />
أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .<br />
<br />
====ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى====<br />
<br />
'''وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله : '''<br />
<br />
( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 . <br />
<br />
كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله . <br />
<br />
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة . <br />
<br />
حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها . <br />
<br />
'''ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :'''<br />
<br />
( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. ) <br />
<br />
====ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم ====<br />
<br />
" من المسلم عندى " ؟ <br />
<br />
'''يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق : '''<br />
<br />
( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟ <br />
<br />
'''يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها : '''<br />
<br />
( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا . <br />
<br />
ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من : <br />
<br />
-أعلن كفره بالطاغوت . <br />
<br />
-وإيمانه بالله . <br />
<br />
-وتسليمه له وحده . <br />
<br />
وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 . <br />
<br />
-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام <br />
<br />
-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه . <br />
<br />
-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه <br />
<br />
'''وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول : '''<br />
<br />
( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) <br />
ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) <br />
والجواب .. لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ <br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى ) <br />
<br />
'''ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري : '''<br />
<br />
( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .<br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة ) <br />
<br />
'''أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :'''<br />
<br />
( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ . <br />
<br />
والجواب : لا يصح .. ولم يصح . <br />
<br />
فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط . <br />
<br />
1- شهادة لا إله إلا الله . <br />
<br />
2- شهادة أن محمد ا رسول الله . <br />
<br />
3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ ) <br />
<br />
4- اجتناب النواقض . <br />
<br />
ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 ) <br />
<br />
'''ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:'''<br />
<br />
1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع . <br />
<br />
2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها . <br />
<br />
3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 . <br />
<br />
الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟ <br />
<br />
===(2) البديل الاسلامى === <br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل ) '''<br />
<br />
البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .<br />
<br />
====التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة====<br />
<br />
'''يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :'''<br />
<br />
( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية . <br />
<br />
إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 . <br />
<br />
فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ . <br />
<br />
أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى ) <br />
<br />
'''ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا : '''<br />
<br />
( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) <br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة . <br />
<br />
'''فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد : '''<br />
<br />
-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة . <br />
<br />
-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها . <br />
<br />
-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك <br />
<br />
'''عقم للسرية : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى :''' فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ). <br />
<br />
وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى . <br />
<br />
'''حركات عرجاء : '''<br />
<br />
'''وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى : '''<br />
<br />
( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . <br />
لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به . <br />
<br />
وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله . <br />
<br />
وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا ) <br />
<br />
'''وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله : '''<br />
<br />
هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول . <br />
<br />
====التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :'''<br />
<br />
( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال . <br />
<br />
لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .<br />
<br />
وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا . <br />
<br />
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7 <br />
<br />
نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا . <br />
<br />
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .<br />
<br />
'''حراب مشرعة : '''<br />
<br />
'''ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :'''<br />
<br />
( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة . <br />
<br />
'''ثلاث سنوات من العزلة : '''<br />
<br />
'''ويدهش شكرى قائلا :'''<br />
<br />
( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. <br />
إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى . <br />
<br />
والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .<br />
<br />
'''ويعود متسائلا : '''<br />
<br />
( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس . <br />
<br />
إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 . <br />
<br />
ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 . <br />
<br />
'''وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى : '''<br />
<br />
'''( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك "''' الممتحنة – 5 . <br />
<br />
'''المبادرة بالاعتزال :'''<br />
<br />
'''وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . <br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر . <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .<br />
<br />
'''الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية : '''<br />
<br />
وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم . <br />
<br />
" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . <br />
بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 . <br />
<br />
وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . <br />
وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. " <br />
====التساؤل الثالث أين نهاجر ؟====<br />
<br />
وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟ <br />
<br />
لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) : <br />
<br />
'''يقول شكرى :'''<br />
<br />
( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت . <br />
<br />
قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . <br />
وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )<br />
<br />
'''خارج أرض الجاهلية :'''<br />
<br />
( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 <br />
وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم . <br />
<br />
فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر . <br />
<br />
'''شغف الجبال ومواقع القطر : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها . <br />
<br />
'''الوديان والبوادى والشعب : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .<br />
<br />
عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو ) <br />
<br />
'''الكهوف :'''<br />
<br />
'''ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية : '''<br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 . <br />
<br />
فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة . <br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 ) <br />
<br />
'''يؤكد شكرى دعواه بقوله :'''<br />
<br />
( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان . <br />
<br />
====التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة) ====<br />
<br />
'''يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة : '''<br />
<br />
( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .<br />
<br />
ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . <br />
ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين . <br />
<br />
وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .<br />
<br />
وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .<br />
<br />
فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة : '''<br />
<br />
صفقة يدك .. وثمرة فؤادك .. <br />
<br />
'''مهام أخرى للإمام : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام : '''<br />
<br />
وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه . <br />
<br />
إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا . <br />
<br />
وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم . <br />
<br />
وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم . <br />
<br />
'''إقامة الحدود ودور الإمام : '''<br />
<br />
ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . <br />
وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع . <br />
<br />
وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة . <br />
<br />
وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة . <br />
<br />
وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول : <br />
<br />
" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان " <br />
<br />
وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع . <br />
<br />
أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. <br />
وذلك لأنك وكما يقول شكرى : <br />
<br />
قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
'''المراجعة وحق النقد :'''<br />
<br />
'''بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :'''<br />
<br />
( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة . <br />
<br />
بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر . <br />
<br />
'''فضل الإمامة والبيعة : '''<br />
<br />
'''وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .<br />
<br />
وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " <br />
وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " <br />
وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " <br />
وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " <br />
<br />
'''الجماعة :'''<br />
<br />
'''ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول : '''<br />
<br />
( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .<br />
<br />
إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم . <br />
<br />
وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها . <br />
<br />
وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها . <br />
<br />
وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع . <br />
<br />
وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر . <br />
<br />
وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله . <br />
<br />
وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله . <br />
<br />
وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا . <br />
<br />
===(3) المستقبل ===<br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )'''<br />
<br />
رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ <br />
تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟ <br />
<br />
====ضمانات التجمع الإسلامى ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء : '''<br />
<br />
(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية . <br />
<br />
(2) إقامة الحدود ورد الحقوق <br />
<br />
(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها . <br />
<br />
(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .<br />
<br />
(5) فرض تعلم الدين وتعليمه . <br />
<br />
(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها . <br />
<br />
(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد . <br />
<br />
(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن . <br />
<br />
(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.<br />
<br />
(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا . <br />
<br />
'''والآن يقول شكرى :''' ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ <br />
بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟ <br />
<br />
====النجاة الفردية ====<br />
<br />
'''يجيب شكرى قائلا : '''<br />
<br />
( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ : <br />
<br />
'''ويقول فى موضع آخر من وثائقه : '''<br />
<br />
( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .<br />
<br />
====معالم الدولة القادمة==== <br />
<br />
'''ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه : '''<br />
<br />
( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) . <br />
<br />
'''ويقول أخيرا :''' (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف ) <br />
<br />
وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات : <br />
<br />
-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟ <br />
<br />
-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟ <br />
<br />
-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 . <br />
<br />
'''الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة'''<br />
<br />
" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 . <br />
<br />
==الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة==<br />
<br />
لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات .. <br />
<br />
'''وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى : '''<br />
<br />
-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ <br />
<br />
-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟ <br />
<br />
-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟ <br />
<br />
-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟ <br />
<br />
'''ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف : '''<br />
<br />
===(1) نظام الحكم === <br />
<br />
'''( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) '''<br />
<br />
تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. '''ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله : '''<br />
<br />
===الحاكم بغير ما أنزل الله=== <br />
<br />
( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " <br />
<br />
قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .<br />
<br />
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا " <br />
<br />
====حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام ====<br />
<br />
فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج ) <br />
<br />
( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟ <br />
<br />
'''يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 : '''<br />
<br />
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم====<br />
<br />
لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى : <br />
<br />
1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع . <br />
<br />
2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) . <br />
<br />
3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) . <br />
<br />
4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 . <br />
<br />
'''ملحوظة :''' من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه ) <br />
<br />
5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها . <br />
<br />
6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .<br />
<br />
(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث ) <br />
<br />
'''فتاوى ابن تيمية :'''<br />
<br />
ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا : <br />
<br />
ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟<br />
<br />
===(2) المجتمع=== <br />
<br />
'''" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "'''<br />
<br />
لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .<br />
<br />
'''" الدار التى نعيش فيها " : '''<br />
<br />
يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام '''وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة : '''<br />
<br />
1- أن تعلوها أحكام الكفر . <br />
<br />
2- ذهاب الأمان للمسلمين . <br />
<br />
3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن . <br />
<br />
وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون <br />
<br />
===(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة===<br />
<br />
'''( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )'''<br />
<br />
يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. '''وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى : '''<br />
<br />
'''الشق الأول :''' الغاية : بناء الدولة الإسلامية . <br />
<br />
'''الشق الثانى :''' الوسائل . <br />
<br />
'''أولا :''' نقد الوسائل المطروحة إسلاميا . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إعلاء وسيلة الجهاد الدموى . <br />
<br />
فماذا عن الشقين ؟ <br />
<br />
====الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية==== <br />
<br />
يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال . <br />
<br />
ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة . <br />
<br />
====الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة ====<br />
<br />
'''أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :'''<br />
<br />
قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب ) <br />
<br />
( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة ) <br />
<br />
'''الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة : '''<br />
<br />
ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " <br />
<br />
والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل " <br />
<br />
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا " <br />
<br />
ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل . <br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :'''<br />
<br />
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله . <br />
<br />
'''الهجرة :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , '''وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) : '''<br />
<br />
'''الأول :''' الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . <br />
<br />
'''الثانى :''' الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " <br />
<br />
'''الإنشغال بطلب العلم'''<br />
<br />
'''ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد : '''<br />
<br />
( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
'''ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :'''<br />
<br />
بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) . <br />
<br />
وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟ <br />
<br />
'''الخروج على الحاكم : '''<br />
<br />
'''يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : '''<br />
(جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا . <br />
<br />
أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير . <br />
<br />
يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) . <br />
<br />
'''العدو القريب والعدو البعيد : '''<br />
<br />
'''وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية '''وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :''' <br />
<br />
'''أولا :''' إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة. <br />
<br />
'''( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) : '''<br />
<br />
'''يقول فرج فى هذه الفرعية : '''<br />
<br />
( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " . <br />
<br />
ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) . <br />
<br />
وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام . <br />
<br />
'''ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :'''<br />
<br />
( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها . <br />
<br />
'''( آية السيف ) : '''<br />
<br />
'''وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة " <br />
<br />
ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال " <br />
<br />
وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد . <br />
<br />
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .<br />
<br />
ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . <br />
وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى : <br />
<br />
'''( القتال الآن فرض على كل مسلم ) : '''<br />
<br />
يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ '''يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :'''<br />
<br />
'''أولا :''' إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . <br />
<br />
'''ثالثا :''' إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى . <br />
<br />
وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم . <br />
<br />
واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم . <br />
<br />
====( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )====<br />
<br />
'''وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام : '''<br />
<br />
( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل '''على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :''' <br />
<br />
1- جهاد النفس . <br />
<br />
2- جهاد الشيطان . <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين . <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " . <br />
<br />
وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين . <br />
<br />
'''( خشية الفشل ) : '''<br />
<br />
'''ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :'''<br />
<br />
( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . <br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم <br />
<br />
'''(القيادة ) : '''<br />
<br />
وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته . <br />
<br />
فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز . <br />
<br />
'''ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة : '''<br />
<br />
وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى . <br />
<br />
'''( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)<br />
<br />
====عقوبة ترك الجهاد ====<br />
<br />
'''ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله : '''<br />
<br />
( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة . <br />
<br />
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة " <br />
<br />
ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج === <br />
<br />
وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. '''وعن هذا المعنى تقول الوثائق : '''<br />
<br />
====الإسلام مقبل ====<br />
<br />
'''يرى محمد عبد السلام فرج :'''<br />
<br />
( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه . <br />
<br />
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله . <br />
<br />
(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )<br />
<br />
(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم . <br />
<br />
وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين . <br />
<br />
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .<br />
<br />
والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية . <br />
<br />
'''الرد على اليائسين : '''<br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :'''<br />
<br />
( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا . <br />
<br />
'''ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا : '''<br />
<br />
( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم . <br />
<br />
وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟ <br />
<br />
'''الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان ) '''<br />
<br />
( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر . <br />
<br />
==الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان== <br />
<br />
عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية . <br />
<br />
ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟ <br />
<br />
===أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر === <br />
<br />
ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره : <br />
<br />
1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا . <br />
<br />
2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل . <br />
<br />
3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث . <br />
<br />
4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .<br />
<br />
وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .<br />
<br />
5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية . <br />
<br />
وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية . <br />
<br />
وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم . <br />
<br />
وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة . <br />
<br />
'''ملاحظة على أقوال عبود :'''<br />
<br />
الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ <br />
بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا . <br />
<br />
===ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان===<br />
<br />
بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .<br />
<br />
ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد .. <br />
<br />
فماذا يقول عبود فى الحوار ؟ <br />
<br />
'''كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :'''<br />
<br />
ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى . <br />
<br />
س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟ <br />
<br />
ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق . <br />
<br />
س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟ <br />
<br />
ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . <br />
س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟ <br />
<br />
ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم . <br />
<br />
أ'''ولا :''' أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم . <br />
<br />
'''رابعا :''' إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " <br />
<br />
'''خامسا :''' إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم . <br />
<br />
'''سادسا :''' أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .<br />
<br />
وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟ <br />
<br />
===ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر === <br />
<br />
وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها . <br />
<br />
'''فأولا :''' .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين . <br />
<br />
'''وثانيا :''' .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول . <br />
<br />
'''وثالثا :''' عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .<br />
<br />
'''رابعا:''' .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم . <br />
<br />
===رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر=== <br />
<br />
'''( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا ) '''<br />
<br />
1'''- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم''' <br />
<br />
2'''- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما '''. <br />
<br />
3'''- الباقى : 271 .''' <br />
<br />
[[ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg|700بك|center]] <br />
<br />
'''ملاحظات على التوزيع الجغرافى :'''<br />
<br />
أ- الجدول مرتب تنازليا .<br />
<br />
ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف . <br />
<br />
ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة . <br />
<br />
د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله . <br />
<br />
ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة . <br />
<br />
'''" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ) '''<br />
<br />
==الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله ==<br />
<br />
(''' قضايا ساخنة لم تحسم بعد )'''<br />
<br />
الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى : <br />
<br />
'''الفصل الأول :''' خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , '''وذلك من خلال مطلبين :''' <br />
<br />
'''الأول :''' وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات . <br />
<br />
وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع . <br />
<br />
وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟ <br />
<br />
===المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ===<br />
<br />
'''أولا :''' غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل . <br />
<br />
'''ثالثا :''' غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .<br />
<br />
'''رابعا :''' الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .<br />
<br />
'''خامسا :''' سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :<br />
<br />
'''الأول :''' يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟ <br />
<br />
'''الثانى :''' هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟ <br />
<br />
وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .<br />
<br />
وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى ) <br />
<br />
ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) . <br />
<br />
من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية . <br />
<br />
'''سادسا :''' على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .<br />
<br />
(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟ <br />
<br />
(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟ <br />
<br />
(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟ <br />
<br />
(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟ <br />
<br />
وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟ <br />
<br />
** هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية . <br />
<br />
===المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب ===<br />
<br />
كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف '''تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :''' <br />
<br />
====المتغير الأول : مصريا ==== <br />
<br />
ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) . <br />
<br />
وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .<br />
<br />
====المتغير الثانى : المتغير الإقليمى====<br />
<br />
والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) . <br />
<br />
ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) . <br />
<br />
معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار . <br />
<br />
====المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط ====<br />
<br />
لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا . <br />
<br />
ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد . <br />
<br />
هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . <br />
ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى . <br />
<br />
'''رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم . <br />
<br />
إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " . <br />
<br />
هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة . <br />
<br />
'''إنها :''' " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟ <br />
<br />
أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن : <br />
<br />
جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة : <br />
<br />
"''' يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " ''' الممتحنة 12 <br />
<br />
==وثائق الكتاب ==<br />
<br />
'''نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :'''<br />
<br />
-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية . <br />
<br />
-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .<br />
<br />
-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى. <br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثانى ===<br />
<br />
====أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )====<br />
<br />
نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة . <br />
<br />
====موالاة الدولة الأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية . <br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة و'''هذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :'''<br />
<br />
والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إ'''نما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : '''<br />
<br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :''' <br />
<br />
(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ". <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر . <br />
<br />
====بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية ====<br />
<br />
الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية . <br />
<br />
'''نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة : '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثالث ===<br />
<br />
'''أصول وثائق شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
'''نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده '''. <br />
<br />
====شغف الجبال ومواقع القطر ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) . <br />
<br />
====الوديان والبوادى والشعب ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ". <br />
<br />
====أماكن الهجرة كما يحددها شكرى ====<br />
<br />
إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف . <br />
<br />
ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . <br />
<br />
لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر . <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " . <br />
<br />
====نقد الحركات الإسلامية الأخرى ==== <br />
<br />
وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية . <br />
<br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد . <br />
<br />
الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية . <br />
<br />
نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .<br />
<br />
والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات , <br />
<br />
والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه , <br />
<br />
والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع , <br />
<br />
والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .<br />
<br />
وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . <br />
<br />
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل . <br />
<br />
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك " <br />
<br />
====فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له ====<br />
<br />
المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا . <br />
<br />
إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. '''ثم الإنطلاق بعد ذلك : '''<br />
<br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .. <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته .. <br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16 <br />
<br />
فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , '''ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة : '''<br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة : <br />
<br />
" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال . <br />
<br />
شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر " <br />
<br />
'''نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الرابع ===<br />
<br />
'''أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )'''<br />
<br />
نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم ====<br />
<br />
-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .<br />
<br />
-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم==== <br />
<br />
'''فريضة الجهاد :'''<br />
<br />
الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . '''الذى قسم الجراد إلى مراتب '''<br />
<br />
1- جهاد النفس <br />
<br />
2- جهاد الشيطان <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير ) <br />
<br />
وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )<br />
<br />
====مراتب فريضة الجهاد====<br />
<br />
'''( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )''' <br />
<br />
( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط) <br />
<br />
( خشية الفشل ) <br />
<br />
وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .<br />
<br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . <br />
<br />
خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى . <br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%89_%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=644102وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات2012-02-26T09:03:27Z<p>Helmy: /* الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة = */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات</font></font></center>'''<br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=4>عرض – نقد - دراسة</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم:رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى <br />
<br />
ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا . <br />
<br />
بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .<br />
<br />
وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .<br />
<br />
فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا . <br />
<br />
وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟ <br />
<br />
لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟ <br />
<br />
ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟ <br />
<br />
ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟ <br />
<br />
ولماذا ؟ <br />
<br />
لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟ <br />
<br />
هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة . <br />
<br />
بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ... <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه . <br />
<br />
-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى . <br />
<br />
*ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة . <br />
<br />
* '''هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :'''<br />
<br />
'''فأولا :''' يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة . <br />
<br />
'''ثانيا :''' يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .<br />
<br />
'''ثالثا :''' لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .<br />
<br />
** وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .<br />
<br />
'''الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )'''<br />
<br />
<br />
( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم ) <br />
<br />
'''الإمام آية الله الخمينى'''<br />
<br />
'''( من كتابه : الحكومة الإسلامية )'''<br />
<br />
==الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)==<br />
<br />
"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟ <br />
<br />
لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟ <br />
<br />
===المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)===<br />
<br />
====أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى ====<br />
<br />
تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " . <br />
<br />
وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة <br />
<br />
'''يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر : '''<br />
<br />
( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير . <br />
<br />
ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل ) <br />
<br />
ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) . <br />
<br />
وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) '''يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية : '''<br />
<br />
'''الأولى :''' الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع . <br />
<br />
'''والثانية :''' هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله . <br />
<br />
'''الثالثة :''' هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين . <br />
<br />
ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )<br />
<br />
وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى . <br />
<br />
====ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى==== <br />
<br />
فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية <br />
التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) '''وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى : '''<br />
<br />
( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت : '''<br />
<br />
( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :'''<br />
<br />
( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 ) <br />
<br />
وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) . <br />
<br />
وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .<br />
<br />
====ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى====<br />
<br />
ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد : <br />
<br />
( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .<br />
<br />
وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان . <br />
<br />
* ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977) <br />
<br />
وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم . <br />
<br />
ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ " <br />
<br />
ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم " <br />
<br />
مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟<br />
<br />
'''ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر : '''<br />
<br />
( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟ <br />
<br />
خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا ) <br />
<br />
وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " . <br />
<br />
وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان. <br />
<br />
هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة . <br />
<br />
ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس . <br />
<br />
يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) . <br />
<br />
'''ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا : '''<br />
<br />
( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج . <br />
<br />
وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . <br />
<br />
وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب <br />
<br />
* وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله . <br />
<br />
====رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات ====<br />
<br />
مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا . <br />
<br />
*من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – '''لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :'''<br />
<br />
'''البعث الإسلامى نقطة البدء :'''<br />
<br />
1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى . <br />
<br />
وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية . <br />
<br />
'''ويقول :''' ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما . <br />
<br />
وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه . <br />
<br />
2- '''ثم يقول فو موضع آخر :''' ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .<br />
<br />
إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .<br />
<br />
إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم . <br />
<br />
ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة. <br />
<br />
ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته . <br />
<br />
وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية . <br />
<br />
3-'''* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا :''' وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه . <br />
<br />
ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية : <br />
<br />
-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف . <br />
<br />
-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية . <br />
<br />
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات . <br />
<br />
فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا . <br />
<br />
-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية . <br />
<br />
4 – '''ثم يختم رؤيته قائلا :''' وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد . <br />
<br />
فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة . <br />
<br />
5- '''وعن التنظيمات يرى المؤلف :''' إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد . <br />
<br />
وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية . <br />
<br />
إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .<br />
<br />
6- '''وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف : '''<br />
<br />
ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) . <br />
<br />
7- '''وفي موضع آخر يقول المؤلف :''' وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى . <br />
<br />
وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة . <br />
<br />
وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى . <br />
<br />
وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق . <br />
<br />
واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال . <br />
<br />
كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية . <br />
<br />
8- '''وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف : '''<br />
<br />
وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين . <br />
<br />
ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر . <br />
<br />
وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى . <br />
<br />
وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر . <br />
<br />
وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر . <br />
<br />
واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج . <br />
<br />
9- '''وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى : '''<br />
<br />
( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى . <br />
<br />
وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى. <br />
<br />
وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات . <br />
<br />
كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك . <br />
<br />
وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة . <br />
<br />
إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه ) <br />
<br />
( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى ) <br />
<br />
====خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة====<br />
<br />
'''يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :'''<br />
<br />
1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا . <br />
<br />
* إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .<br />
<br />
'''الحركة الإسلامية المعاصرة :'''<br />
<br />
'''تيارات إسلامية سياسية : '''<br />
<br />
-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى . <br />
<br />
-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى . <br />
<br />
'''تيارات إسلامية غير سياسية :'''<br />
<br />
الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى ) <br />
<br />
ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل . <br />
<br />
وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) . <br />
<br />
فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟ <br />
<br />
2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 . <br />
<br />
* إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟ <br />
<br />
* إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق . <br />
<br />
3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .<br />
<br />
===المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب === <br />
<br />
لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . <br />
ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل ) <br />
<br />
وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا '''سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى : '''<br />
<br />
'''أولا :''' أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .<br />
<br />
'''ثالثا :''' البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير . <br />
<br />
'''رابعا :''' خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة ) <br />
<br />
'''خامسا :''' من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''سادسا:''' منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب . <br />
<br />
====أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا ==== <br />
<br />
حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى . <br />
<br />
فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟ <br />
<br />
'''أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين : '''<br />
<br />
نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟ <br />
<br />
'''فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد : '''<br />
<br />
ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟ <br />
<br />
نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم . <br />
<br />
والثانى : معرفة حكم الله فيهم . <br />
<br />
إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .<br />
<br />
'''ويقول ابن تيمية :'''<br />
<br />
وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة . <br />
<br />
وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . <br />
<br />
ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) . <br />
<br />
'''ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله : '''<br />
<br />
ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام . <br />
<br />
وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .<br />
<br />
قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية . <br />
<br />
'''ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها : '''<br />
<br />
أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه . <br />
<br />
ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين . <br />
<br />
ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم . <br />
<br />
====ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب ====<br />
<br />
كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''وهذه المستويات هى :'''<br />
<br />
1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر . <br />
<br />
2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر . <br />
<br />
3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر . <br />
<br />
4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى ) <br />
<br />
ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية . <br />
<br />
أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب . <br />
<br />
====ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى ====<br />
<br />
يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – '''ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :'''<br />
<br />
'''أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية : '''<br />
<br />
'''وهنا يرى الإمام الخومينى :'''<br />
<br />
" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " . <br />
<br />
2- '''المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى ) '''<br />
<br />
" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام . <br />
<br />
'''ويقول فى جزئية أخرى : '''<br />
<br />
إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر . <br />
<br />
3- '''تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :''' <br />
<br />
1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة . <br />
<br />
2- ترك التعاون معها . <br />
<br />
3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم . <br />
<br />
4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .<br />
<br />
'''ثم يستطرد الإمام قائلا :'''<br />
<br />
ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره " <br />
<br />
وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟ <br />
<br />
'''ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم : '''<br />
<br />
تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى . <br />
<br />
1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا . <br />
<br />
2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من : <br />
<br />
إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة . <br />
<br />
3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) . <br />
<br />
4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 . <br />
<br />
5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 . <br />
<br />
6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 . <br />
<br />
7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم . <br />
<br />
'''ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير : '''<br />
<br />
باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .<br />
<br />
وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات . <br />
<br />
وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) . <br />
<br />
وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة . <br />
<br />
وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة . <br />
<br />
وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها . <br />
<br />
والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) . <br />
<br />
والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى . <br />
<br />
أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية . <br />
<br />
ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , '''وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث : '''<br />
<br />
1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) . <br />
<br />
2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) . <br />
<br />
3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .<br />
<br />
4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .<br />
<br />
====رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )====<br />
<br />
إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟ <br />
<br />
إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين . <br />
<br />
ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها . <br />
<br />
ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات . <br />
<br />
فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .<br />
<br />
بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .<br />
<br />
استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة . <br />
<br />
وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه . <br />
<br />
هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين : <br />
<br />
'''الأول :''' ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ <br />
قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور : <br />
<br />
(1 )''' الدكتور . صالح سرية :''' قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال . <br />
<br />
(2)''' شكرى مصطفى :''' قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 . <br />
<br />
(3) '''محمد عبد السلام فرج :''' وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد . <br />
<br />
(4) '''عبود الزمر :''' القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية ) <br />
<br />
- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول . <br />
<br />
- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات . <br />
<br />
- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) . <br />
<br />
==== خامسا : منهج التعامل مع الوثائق ====<br />
<br />
مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .<br />
<br />
الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – '''من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة : '''<br />
<br />
'''المستوى الأول :''' ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق . <br />
<br />
'''المستوى الثانى :''' ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به . <br />
<br />
'''المستوى الثالث :''' نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى . <br />
<br />
'''المستوى الرابع :''' ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه . <br />
<br />
هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى : <br />
<br />
1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت . <br />
<br />
2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .<br />
<br />
3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج . <br />
<br />
* هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة . <br />
<br />
* '''ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب . <br />
<br />
** من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا <br />
<br />
'''ثانيا :''' مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا . <br />
<br />
'''ثالثا :''' تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل . <br />
<br />
ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟ <br />
<br />
==ملحق الفصل الأول ==<br />
<br />
( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب ) <br />
<br />
1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 . <br />
<br />
2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 . <br />
<br />
3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 . <br />
<br />
الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 . <br />
<br />
4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) . <br />
<br />
5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985 <br />
<br />
6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) . <br />
<br />
7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت . <br />
<br />
8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت<br />
<br />
9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) . <br />
<br />
10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 ) <br />
<br />
11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) . <br />
<br />
12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981<br />
<br />
13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) . <br />
<br />
14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977<br />
<br />
15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 ) <br />
<br />
16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت ) <br />
<br />
17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .<br />
<br />
18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 ) <br />
<br />
19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية ) <br />
<br />
20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى ) <br />
<br />
21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 ) <br />
<br />
22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 ) <br />
<br />
23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 ) <br />
<br />
24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 ) <br />
<br />
25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 ) <br />
<br />
26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) . <br />
<br />
27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 ) <br />
<br />
28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 . <br />
<br />
29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 . <br />
<br />
30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من : <br />
<br />
الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 . <br />
<br />
شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 ) <br />
<br />
تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981) <br />
<br />
32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 ) <br />
<br />
* والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .<br />
<br />
'''الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:'''<br />
<br />
حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53 <br />
<br />
==الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر ==<br />
<br />
* صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل . <br />
<br />
* فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى . <br />
<br />
* وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين . <br />
<br />
* والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين === <br />
<br />
تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : <br />
( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة <br />
<br />
وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " <br />
اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟ <br />
<br />
'''زمن التصريح فقط : '''<br />
<br />
'''تقول الوثائق مجيبة : '''<br />
<br />
( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... <br />
ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟ <br />
<br />
'''يجيب صالح سرية :'''<br />
<br />
( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .<br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس . <br />
<br />
والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " <br />
<br />
====العقيدة فقط = الكفر==== <br />
<br />
فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .<br />
<br />
ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة . <br />
<br />
====مجتمعات جاهلية====<br />
<br />
وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد <br />
( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا . <br />
<br />
إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص . <br />
<br />
====الأفراد غير الكفرة ====<br />
<br />
'''يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :'''<br />
<br />
1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية . <br />
<br />
2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية . <br />
<br />
3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين . <br />
<br />
====الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام ====<br />
<br />
'''وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة . <br />
<br />
ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه . <br />
<br />
===(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه===<br />
<br />
وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير . <br />
<br />
====الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية ==== <br />
<br />
يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .<br />
<br />
فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا . <br />
<br />
'''ويفسر سرية ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج . <br />
<br />
====موالاة الدولة للأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
*وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .<br />
<br />
====القوانين ==== <br />
<br />
'''يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :''' <br />
<br />
( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله " <br />
<br />
====المعارضون لأحكام الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى موضع آخر :'''<br />
<br />
( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث . <br />
<br />
ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان . <br />
<br />
وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا . <br />
<br />
====الإعتزاز بتراث الكفر ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :'''<br />
<br />
ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح . <br />
<br />
====حصر الدين بالعبادة ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ . <br />
<br />
ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك . <br />
<br />
وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر . <br />
<br />
====من ترك أركان الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع : '''<br />
<br />
( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .<br />
<br />
ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .<br />
<br />
نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر . <br />
<br />
====من أنكر إحدى العقائد ====<br />
<br />
'''وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية : '''<br />
<br />
( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح . <br />
<br />
====طقوس الشرك الجديدة ====<br />
<br />
ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس : <br />
<br />
أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية . <br />
<br />
ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا . <br />
<br />
ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) . <br />
<br />
وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .<br />
<br />
===(3) البديل الإسلامى ===<br />
<br />
* قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية ) <br />
<br />
ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟ <br />
<br />
====قواعد التكفير ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى : '''<br />
<br />
1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام . <br />
<br />
والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية . <br />
<br />
وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ '''أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين : '''<br />
<br />
'''فى السياسة :'''<br />
<br />
فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا . <br />
<br />
وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ <br />
<br />
كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة . <br />
<br />
المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق <br />
<br />
'''القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:''' <br />
<br />
(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة . <br />
<br />
'''القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :'''<br />
<br />
( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط . <br />
<br />
فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة . <br />
<br />
لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم . <br />
<br />
فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " '''فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين : '''<br />
<br />
'''الحالة الأولى :''' أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن <br />
<br />
'''الحالة الثانية :''' إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . <br />
<br />
لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة . <br />
<br />
قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها . <br />
<br />
وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية===<br />
<br />
وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر : <br />
<br />
'''يحددها الآتى : '''<br />
<br />
(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية . <br />
<br />
(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة . <br />
<br />
(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "<br />
<br />
'''ثم يقول سرية : '''<br />
<br />
وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر . <br />
<br />
====الإيمان بالله ==== <br />
<br />
فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : <br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى : '''<br />
<br />
(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر . <br />
<br />
(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله . <br />
<br />
إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .<br />
<br />
وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر . <br />
<br />
(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم . <br />
<br />
ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .<br />
<br />
ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟ <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
'''بيان صالح سرية عام 1974 '''<br />
<br />
" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير " <br />
<br />
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – '''لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية : '''<br />
<br />
1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض . <br />
<br />
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .<br />
<br />
3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة . <br />
<br />
4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات . <br />
<br />
5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم . <br />
<br />
6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان . <br />
<br />
7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .<br />
<br />
8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف . <br />
<br />
9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا . <br />
<br />
'''والله الموفق ''' <br />
<br />
'''رئيس الجمهورية ''' <br />
<br />
'''صالح عبد الله سرية'''<br />
<br />
'''الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة'''<br />
<br />
(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية ) <br />
<br />
'''شكرى أحمد مصطفى '''<br />
<br />
'''من وثيقة الخلافة '''<br />
<br />
'''الجزء الأول- 9'''<br />
<br />
==الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==<br />
<br />
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 . <br />
<br />
ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة . <br />
<br />
فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم والمجتمع ===<br />
<br />
( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . <br />
اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. '''نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .<br />
<br />
'''ثالثا:''' معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين . <br />
<br />
====أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية==== <br />
<br />
يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية <br />
<br />
وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد . <br />
<br />
بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .<br />
<br />
'''ثم يقول : '''<br />
<br />
إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا . <br />
<br />
أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران . <br />
<br />
" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 . <br />
<br />
إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر . <br />
<br />
وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... <br />
ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
<br />
وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر . <br />
<br />
'''الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا : '''<br />
<br />
( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى : <br />
<br />
'''" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "''' المائدة – 81 <br />
<br />
'''ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها : '''<br />
<br />
( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .<br />
<br />
وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين . <br />
<br />
'''إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى : '''<br />
<br />
ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها : <br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .<br />
<br />
أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك . <br />
<br />
ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك . <br />
<br />
'''الغبش فى التصور مستمر : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى أيضا : '''<br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " . <br />
<br />
'''الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :'''<br />
<br />
'''واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى : '''<br />
<br />
( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .<br />
<br />
'''ويقول شكرى :'''<br />
<br />
أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .<br />
<br />
... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55 <br />
<br />
أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 . <br />
<br />
'''ولكنى : '''<br />
<br />
أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 . <br />
<br />
أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .<br />
<br />
====ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى====<br />
<br />
'''وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله : '''<br />
<br />
( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 . <br />
<br />
كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله . <br />
<br />
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة . <br />
<br />
حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها . <br />
<br />
'''ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :'''<br />
<br />
( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. ) <br />
<br />
====ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم ====<br />
<br />
" من المسلم عندى " ؟ <br />
<br />
'''يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق : '''<br />
<br />
( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟ <br />
<br />
'''يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها : '''<br />
<br />
( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا . <br />
<br />
ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من : <br />
<br />
-أعلن كفره بالطاغوت . <br />
<br />
-وإيمانه بالله . <br />
<br />
-وتسليمه له وحده . <br />
<br />
وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 . <br />
<br />
-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام <br />
<br />
-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه . <br />
<br />
-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه <br />
<br />
'''وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول : '''<br />
<br />
( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) <br />
ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) <br />
والجواب .. لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ <br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى ) <br />
<br />
'''ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري : '''<br />
<br />
( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .<br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة ) <br />
<br />
'''أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :'''<br />
<br />
( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ . <br />
<br />
والجواب : لا يصح .. ولم يصح . <br />
<br />
فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط . <br />
<br />
1- شهادة لا إله إلا الله . <br />
<br />
2- شهادة أن محمد ا رسول الله . <br />
<br />
3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ ) <br />
<br />
4- اجتناب النواقض . <br />
<br />
ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 ) <br />
<br />
'''ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:'''<br />
<br />
1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع . <br />
<br />
2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها . <br />
<br />
3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 . <br />
<br />
الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟ <br />
<br />
===(2) البديل الاسلامى === <br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل ) '''<br />
<br />
البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .<br />
<br />
====التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة====<br />
<br />
'''يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :'''<br />
<br />
( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية . <br />
<br />
إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 . <br />
<br />
فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ . <br />
<br />
أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى ) <br />
<br />
'''ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا : '''<br />
<br />
( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) <br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة . <br />
<br />
'''فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد : '''<br />
<br />
-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة . <br />
<br />
-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها . <br />
<br />
-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك <br />
<br />
'''عقم للسرية : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى :''' فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ). <br />
<br />
وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى . <br />
<br />
'''حركات عرجاء : '''<br />
<br />
'''وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى : '''<br />
<br />
( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . <br />
لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به . <br />
<br />
وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله . <br />
<br />
وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا ) <br />
<br />
'''وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله : '''<br />
<br />
هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول . <br />
<br />
====التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :'''<br />
<br />
( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال . <br />
<br />
لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .<br />
<br />
وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا . <br />
<br />
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7 <br />
<br />
نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا . <br />
<br />
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .<br />
<br />
'''حراب مشرعة : '''<br />
<br />
'''ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :'''<br />
<br />
( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة . <br />
<br />
'''ثلاث سنوات من العزلة : '''<br />
<br />
'''ويدهش شكرى قائلا :'''<br />
<br />
( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. <br />
إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى . <br />
<br />
والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .<br />
<br />
'''ويعود متسائلا : '''<br />
<br />
( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس . <br />
<br />
إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 . <br />
<br />
ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 . <br />
<br />
'''وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى : '''<br />
<br />
'''( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك "''' الممتحنة – 5 . <br />
<br />
'''المبادرة بالاعتزال :'''<br />
<br />
'''وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . <br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر . <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .<br />
<br />
'''الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية : '''<br />
<br />
وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم . <br />
<br />
" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . <br />
بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 . <br />
<br />
وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . <br />
وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. " <br />
====التساؤل الثالث أين نهاجر ؟====<br />
<br />
وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟ <br />
<br />
لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) : <br />
<br />
'''يقول شكرى :'''<br />
<br />
( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت . <br />
<br />
قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . <br />
وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )<br />
<br />
'''خارج أرض الجاهلية :'''<br />
<br />
( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 <br />
وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم . <br />
<br />
فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر . <br />
<br />
'''شغف الجبال ومواقع القطر : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها . <br />
<br />
'''الوديان والبوادى والشعب : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .<br />
<br />
عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو ) <br />
<br />
'''الكهوف :'''<br />
<br />
'''ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية : '''<br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 . <br />
<br />
فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة . <br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 ) <br />
<br />
'''يؤكد شكرى دعواه بقوله :'''<br />
<br />
( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان . <br />
<br />
====التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة) ====<br />
<br />
'''يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة : '''<br />
<br />
( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .<br />
<br />
ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . <br />
ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين . <br />
<br />
وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .<br />
<br />
وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .<br />
<br />
فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة : '''<br />
<br />
صفقة يدك .. وثمرة فؤادك .. <br />
<br />
'''مهام أخرى للإمام : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام : '''<br />
<br />
وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه . <br />
<br />
إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا . <br />
<br />
وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم . <br />
<br />
وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم . <br />
<br />
'''إقامة الحدود ودور الإمام : '''<br />
<br />
ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . <br />
وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع . <br />
<br />
وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة . <br />
<br />
وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة . <br />
<br />
وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول : <br />
<br />
" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان " <br />
<br />
وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع . <br />
<br />
أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. <br />
وذلك لأنك وكما يقول شكرى : <br />
<br />
قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
'''المراجعة وحق النقد :'''<br />
<br />
'''بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :'''<br />
<br />
( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة . <br />
<br />
بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر . <br />
<br />
'''فضل الإمامة والبيعة : '''<br />
<br />
'''وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .<br />
<br />
وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " <br />
وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " <br />
وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " <br />
وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " <br />
<br />
'''الجماعة :'''<br />
<br />
'''ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول : '''<br />
<br />
( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .<br />
<br />
إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم . <br />
<br />
وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها . <br />
<br />
وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها . <br />
<br />
وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع . <br />
<br />
وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر . <br />
<br />
وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله . <br />
<br />
وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله . <br />
<br />
وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا . <br />
<br />
===(3) المستقبل ===<br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )'''<br />
<br />
رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ <br />
تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟ <br />
<br />
====ضمانات التجمع الإسلامى ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء : '''<br />
<br />
(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية . <br />
<br />
(2) إقامة الحدود ورد الحقوق <br />
<br />
(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها . <br />
<br />
(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .<br />
<br />
(5) فرض تعلم الدين وتعليمه . <br />
<br />
(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها . <br />
<br />
(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد . <br />
<br />
(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن . <br />
<br />
(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.<br />
<br />
(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا . <br />
<br />
'''والآن يقول شكرى :''' ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ <br />
بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟ <br />
<br />
====النجاة الفردية ====<br />
<br />
'''يجيب شكرى قائلا : '''<br />
<br />
( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ : <br />
<br />
'''ويقول فى موضع آخر من وثائقه : '''<br />
<br />
( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .<br />
<br />
====معالم الدولة القادمة==== <br />
<br />
'''ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه : '''<br />
<br />
( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) . <br />
<br />
'''ويقول أخيرا :''' (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف ) <br />
<br />
وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات : <br />
<br />
-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟ <br />
<br />
-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟ <br />
<br />
-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 . <br />
<br />
'''الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة'''<br />
<br />
" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 . <br />
<br />
==الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة==<br />
<br />
لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات .. <br />
<br />
'''وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى : '''<br />
<br />
-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ <br />
<br />
-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟ <br />
<br />
-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟ <br />
<br />
-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟ <br />
<br />
'''ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف : '''<br />
<br />
===(1) نظام الحكم === <br />
<br />
'''( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) '''<br />
<br />
تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. '''ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله : '''<br />
<br />
====الحاكم بغير ما أنزل الله=== <br />
<br />
( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " <br />
<br />
قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .<br />
<br />
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا " <br />
<br />
====حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام ====<br />
<br />
فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج ) <br />
<br />
( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟ <br />
<br />
'''يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 : '''<br />
<br />
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم====<br />
<br />
لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى : <br />
<br />
1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع . <br />
<br />
2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) . <br />
<br />
3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) . <br />
<br />
4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 . <br />
<br />
'''ملحوظة :''' من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه ) <br />
<br />
5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها . <br />
<br />
6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .<br />
<br />
(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث ) <br />
<br />
'''فتاوى ابن تيمية :'''<br />
<br />
ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا : <br />
<br />
ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟ <br />
<br />
===(2) المجتمع=== <br />
<br />
'''" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "'''<br />
<br />
لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .<br />
<br />
'''" الدار التى نعيش فيها " : '''<br />
<br />
يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام '''وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة : '''<br />
<br />
1- أن تعلوها أحكام الكفر . <br />
<br />
2- ذهاب الأمان للمسلمين . <br />
<br />
3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن . <br />
<br />
وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون <br />
<br />
===(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة===<br />
<br />
'''( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )'''<br />
<br />
يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. '''وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى : '''<br />
<br />
'''الشق الأول :''' الغاية : بناء الدولة الإسلامية . <br />
<br />
'''الشق الثانى :''' الوسائل . <br />
<br />
'''أولا :''' نقد الوسائل المطروحة إسلاميا . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إعلاء وسيلة الجهاد الدموى . <br />
<br />
فماذا عن الشقين ؟ <br />
<br />
====الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية==== <br />
<br />
يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال . <br />
<br />
ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة . <br />
<br />
====الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة ====<br />
<br />
'''أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :'''<br />
<br />
قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب ) <br />
<br />
( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة ) <br />
<br />
'''الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة : '''<br />
<br />
ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " <br />
<br />
والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل " <br />
<br />
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا " <br />
<br />
ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل . <br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :'''<br />
<br />
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله . <br />
<br />
'''الهجرة :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , '''وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) : '''<br />
<br />
'''الأول :''' الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . <br />
<br />
'''الثانى :''' الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " <br />
<br />
'''الإنشغال بطلب العلم'''<br />
<br />
'''ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد : '''<br />
<br />
( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
'''ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :'''<br />
<br />
بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) . <br />
<br />
وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟ <br />
<br />
'''الخروج على الحاكم : '''<br />
<br />
'''يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : '''<br />
(جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا . <br />
<br />
أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير . <br />
<br />
يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) . <br />
<br />
'''العدو القريب والعدو البعيد : '''<br />
<br />
'''وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية '''وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :''' <br />
<br />
'''أولا :''' إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة. <br />
<br />
'''( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) : '''<br />
<br />
'''يقول فرج فى هذه الفرعية : '''<br />
<br />
( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " . <br />
<br />
ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) . <br />
<br />
وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام . <br />
<br />
'''ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :'''<br />
<br />
( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها . <br />
<br />
'''( آية السيف ) : '''<br />
<br />
'''وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة " <br />
<br />
ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال " <br />
<br />
وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد . <br />
<br />
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .<br />
<br />
ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . <br />
وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى : <br />
<br />
'''( القتال الآن فرض على كل مسلم ) : '''<br />
<br />
يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ '''يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :'''<br />
<br />
'''أولا :''' إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . <br />
<br />
'''ثالثا :''' إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى . <br />
<br />
وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم . <br />
<br />
واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم . <br />
<br />
====( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )====<br />
<br />
'''وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام : '''<br />
<br />
( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل '''على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :''' <br />
<br />
1- جهاد النفس . <br />
<br />
2- جهاد الشيطان . <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين . <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " . <br />
<br />
وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين . <br />
<br />
'''( خشية الفشل ) : '''<br />
<br />
'''ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :'''<br />
<br />
( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . <br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم <br />
<br />
'''(القيادة ) : '''<br />
<br />
وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته . <br />
<br />
فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز . <br />
<br />
'''ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة : '''<br />
<br />
وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى . <br />
<br />
'''( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)<br />
<br />
====عقوبة ترك الجهاد ====<br />
<br />
'''ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله : '''<br />
<br />
( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة . <br />
<br />
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة " <br />
<br />
ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج === <br />
<br />
وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. '''وعن هذا المعنى تقول الوثائق : '''<br />
<br />
====الإسلام مقبل ====<br />
<br />
'''يرى محمد عبد السلام فرج :'''<br />
<br />
( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه . <br />
<br />
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله . <br />
<br />
(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )<br />
<br />
(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم . <br />
<br />
وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين . <br />
<br />
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .<br />
<br />
والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية . <br />
<br />
'''الرد على اليائسين : '''<br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :'''<br />
<br />
( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا . <br />
<br />
'''ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا : '''<br />
<br />
( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم . <br />
<br />
وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟ <br />
<br />
'''الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان ) '''<br />
<br />
( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر . <br />
<br />
==الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان== <br />
<br />
عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية . <br />
<br />
ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟ <br />
<br />
===أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر === <br />
<br />
ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره : <br />
<br />
1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا . <br />
<br />
2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل . <br />
<br />
3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث . <br />
<br />
4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .<br />
<br />
وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .<br />
<br />
5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية . <br />
<br />
وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية . <br />
<br />
وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم . <br />
<br />
وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة . <br />
<br />
'''ملاحظة على أقوال عبود :'''<br />
<br />
الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ <br />
بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا . <br />
<br />
===ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان===<br />
<br />
بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .<br />
<br />
ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد .. <br />
<br />
فماذا يقول عبود فى الحوار ؟ <br />
<br />
'''كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :'''<br />
<br />
ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى . <br />
<br />
س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟ <br />
<br />
ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق . <br />
<br />
س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟ <br />
<br />
ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . <br />
س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟ <br />
<br />
ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم . <br />
<br />
أ'''ولا :''' أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم . <br />
<br />
'''رابعا :''' إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " <br />
<br />
'''خامسا :''' إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم . <br />
<br />
'''سادسا :''' أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .<br />
<br />
وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟ <br />
<br />
===ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر === <br />
<br />
وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها . <br />
<br />
'''فأولا :''' .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين . <br />
<br />
'''وثانيا :''' .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول . <br />
<br />
'''وثالثا :''' عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .<br />
<br />
'''رابعا:''' .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم . <br />
<br />
===رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر=== <br />
<br />
'''( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا ) '''<br />
<br />
1'''- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم''' <br />
<br />
2'''- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما '''. <br />
<br />
3'''- الباقى : 271 .''' <br />
<br />
[[ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg|700بك|center]] <br />
<br />
'''ملاحظات على التوزيع الجغرافى :'''<br />
<br />
أ- الجدول مرتب تنازليا .<br />
<br />
ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف . <br />
<br />
ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة . <br />
<br />
د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله . <br />
<br />
ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة . <br />
<br />
'''" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ) '''<br />
<br />
==الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله ==<br />
<br />
(''' قضايا ساخنة لم تحسم بعد )'''<br />
<br />
الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى : <br />
<br />
'''الفصل الأول :''' خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , '''وذلك من خلال مطلبين :''' <br />
<br />
'''الأول :''' وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات . <br />
<br />
وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع . <br />
<br />
وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟ <br />
<br />
===المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ===<br />
<br />
'''أولا :''' غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل . <br />
<br />
'''ثالثا :''' غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .<br />
<br />
'''رابعا :''' الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .<br />
<br />
'''خامسا :''' سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :<br />
<br />
'''الأول :''' يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟ <br />
<br />
'''الثانى :''' هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟ <br />
<br />
وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .<br />
<br />
وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى ) <br />
<br />
ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) . <br />
<br />
من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية . <br />
<br />
'''سادسا :''' على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .<br />
<br />
(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟ <br />
<br />
(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟ <br />
<br />
(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟ <br />
<br />
(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟ <br />
<br />
وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟ <br />
<br />
** هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية . <br />
<br />
===المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب ===<br />
<br />
كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف '''تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :''' <br />
<br />
====المتغير الأول : مصريا ==== <br />
<br />
ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) . <br />
<br />
وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .<br />
<br />
====المتغير الثانى : المتغير الإقليمى====<br />
<br />
والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) . <br />
<br />
ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) . <br />
<br />
معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار . <br />
<br />
====المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط ====<br />
<br />
لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا . <br />
<br />
ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد . <br />
<br />
هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . <br />
ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى . <br />
<br />
'''رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم . <br />
<br />
إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " . <br />
<br />
هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة . <br />
<br />
'''إنها :''' " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟ <br />
<br />
أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن : <br />
<br />
جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة : <br />
<br />
"''' يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " ''' الممتحنة 12 <br />
<br />
==وثائق الكتاب ==<br />
<br />
'''نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :'''<br />
<br />
-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية . <br />
<br />
-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .<br />
<br />
-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى. <br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثانى ===<br />
<br />
====أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )====<br />
<br />
نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة . <br />
<br />
====موالاة الدولة الأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية . <br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة و'''هذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :'''<br />
<br />
والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إ'''نما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : '''<br />
<br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :''' <br />
<br />
(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ". <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر . <br />
<br />
====بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية ====<br />
<br />
الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية . <br />
<br />
'''نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة : '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثالث ===<br />
<br />
'''أصول وثائق شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
'''نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده '''. <br />
<br />
====شغف الجبال ومواقع القطر ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) . <br />
<br />
====الوديان والبوادى والشعب ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ". <br />
<br />
====أماكن الهجرة كما يحددها شكرى ====<br />
<br />
إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف . <br />
<br />
ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . <br />
<br />
لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر . <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " . <br />
<br />
====نقد الحركات الإسلامية الأخرى ==== <br />
<br />
وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية . <br />
<br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد . <br />
<br />
الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية . <br />
<br />
نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .<br />
<br />
والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات , <br />
<br />
والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه , <br />
<br />
والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع , <br />
<br />
والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .<br />
<br />
وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . <br />
<br />
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل . <br />
<br />
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك " <br />
<br />
====فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له ====<br />
<br />
المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا . <br />
<br />
إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. '''ثم الإنطلاق بعد ذلك : '''<br />
<br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .. <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته .. <br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16 <br />
<br />
فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , '''ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة : '''<br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة : <br />
<br />
" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال . <br />
<br />
شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر " <br />
<br />
'''نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الرابع ===<br />
<br />
'''أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )'''<br />
<br />
نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم ====<br />
<br />
-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .<br />
<br />
-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم==== <br />
<br />
'''فريضة الجهاد :'''<br />
<br />
الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . '''الذى قسم الجراد إلى مراتب '''<br />
<br />
1- جهاد النفس <br />
<br />
2- جهاد الشيطان <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير ) <br />
<br />
وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )<br />
<br />
====مراتب فريضة الجهاد====<br />
<br />
'''( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )''' <br />
<br />
( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط) <br />
<br />
( خشية الفشل ) <br />
<br />
وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .<br />
<br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . <br />
<br />
خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى . <br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%89_%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=644101وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات2012-02-26T09:02:38Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات</font></font></center>'''<br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=4>عرض – نقد - دراسة</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم:رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى <br />
<br />
ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا . <br />
<br />
بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .<br />
<br />
وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .<br />
<br />
فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا . <br />
<br />
وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟ <br />
<br />
لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟ <br />
<br />
ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟ <br />
<br />
ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟ <br />
<br />
ولماذا ؟ <br />
<br />
لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟ <br />
<br />
هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة . <br />
<br />
بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ... <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين . <br />
<br />
-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه . <br />
<br />
-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى . <br />
<br />
*ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة . <br />
<br />
* '''هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :'''<br />
<br />
'''فأولا :''' يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة . <br />
<br />
'''ثانيا :''' يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .<br />
<br />
'''ثالثا :''' لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .<br />
<br />
** وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .<br />
<br />
'''الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )'''<br />
<br />
<br />
( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم ) <br />
<br />
'''الإمام آية الله الخمينى'''<br />
<br />
'''( من كتابه : الحكومة الإسلامية )'''<br />
<br />
==الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)==<br />
<br />
"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟ <br />
<br />
لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟ <br />
<br />
===المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)===<br />
<br />
====أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى ====<br />
<br />
تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " . <br />
<br />
وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة <br />
<br />
'''يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر : '''<br />
<br />
( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير . <br />
<br />
ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل ) <br />
<br />
ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) . <br />
<br />
وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) '''يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية : '''<br />
<br />
'''الأولى :''' الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع . <br />
<br />
'''والثانية :''' هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله . <br />
<br />
'''الثالثة :''' هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين . <br />
<br />
ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )<br />
<br />
وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى . <br />
<br />
====ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى==== <br />
<br />
فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية <br />
التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) '''وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى : '''<br />
<br />
( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت : '''<br />
<br />
( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) . <br />
<br />
'''وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :'''<br />
<br />
( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 ) <br />
<br />
وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) . <br />
<br />
وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .<br />
<br />
====ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى====<br />
<br />
ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد : <br />
<br />
( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .<br />
<br />
وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان . <br />
<br />
* ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977) <br />
<br />
وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم . <br />
<br />
ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ " <br />
<br />
ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم " <br />
<br />
مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟<br />
<br />
'''ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر : '''<br />
<br />
( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟ <br />
<br />
خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا ) <br />
<br />
وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " . <br />
<br />
وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان. <br />
<br />
هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة . <br />
<br />
ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس . <br />
<br />
يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) . <br />
<br />
'''ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا : '''<br />
<br />
( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج . <br />
<br />
وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة . <br />
<br />
وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب <br />
<br />
* وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله . <br />
<br />
====رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات ====<br />
<br />
مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا . <br />
<br />
*من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – '''لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :'''<br />
<br />
'''البعث الإسلامى نقطة البدء :'''<br />
<br />
1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى . <br />
<br />
وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية . <br />
<br />
'''ويقول :''' ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما . <br />
<br />
وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه . <br />
<br />
2- '''ثم يقول فو موضع آخر :''' ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .<br />
<br />
إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .<br />
<br />
إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم . <br />
<br />
ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة. <br />
<br />
ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته . <br />
<br />
وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية . <br />
<br />
3-'''* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا :''' وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه . <br />
<br />
ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية : <br />
<br />
-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف . <br />
<br />
-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية . <br />
<br />
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات . <br />
<br />
فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا . <br />
<br />
-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية . <br />
<br />
4 – '''ثم يختم رؤيته قائلا :''' وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد . <br />
<br />
فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة . <br />
<br />
5- '''وعن التنظيمات يرى المؤلف :''' إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد . <br />
<br />
وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية . <br />
<br />
إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .<br />
<br />
6- '''وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف : '''<br />
<br />
ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) . <br />
<br />
7- '''وفي موضع آخر يقول المؤلف :''' وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى . <br />
<br />
وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة . <br />
<br />
وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى . <br />
<br />
وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق . <br />
<br />
واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال . <br />
<br />
كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية . <br />
<br />
8- '''وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف : '''<br />
<br />
وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين . <br />
<br />
ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر . <br />
<br />
وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى . <br />
<br />
وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر . <br />
<br />
وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر . <br />
<br />
واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج . <br />
<br />
9- '''وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى : '''<br />
<br />
( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى . <br />
<br />
وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى. <br />
<br />
وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات . <br />
<br />
كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك . <br />
<br />
وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة . <br />
<br />
إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه ) <br />
<br />
( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى ) <br />
<br />
====خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة====<br />
<br />
'''يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :'''<br />
<br />
1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا . <br />
<br />
* إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .<br />
<br />
'''الحركة الإسلامية المعاصرة :'''<br />
<br />
'''تيارات إسلامية سياسية : '''<br />
<br />
-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى . <br />
<br />
-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى . <br />
<br />
'''تيارات إسلامية غير سياسية :'''<br />
<br />
الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى ) <br />
<br />
ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل . <br />
<br />
وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) . <br />
<br />
فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟ <br />
<br />
2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 . <br />
<br />
* إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟ <br />
<br />
* إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق . <br />
<br />
3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .<br />
<br />
===المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب === <br />
<br />
لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . <br />
ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل ) <br />
<br />
وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا '''سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى : '''<br />
<br />
'''أولا :''' أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .<br />
<br />
'''ثالثا :''' البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير . <br />
<br />
'''رابعا :''' خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة ) <br />
<br />
'''خامسا :''' من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''سادسا:''' منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب . <br />
<br />
====أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا ==== <br />
<br />
حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى . <br />
<br />
فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟ <br />
<br />
'''أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين : '''<br />
<br />
نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟ <br />
<br />
'''فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد : '''<br />
<br />
ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟ <br />
<br />
نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم . <br />
<br />
والثانى : معرفة حكم الله فيهم . <br />
<br />
إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .<br />
<br />
'''ويقول ابن تيمية :'''<br />
<br />
وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة . <br />
<br />
وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . <br />
<br />
ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) . <br />
<br />
'''ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله : '''<br />
<br />
ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام . <br />
<br />
وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .<br />
<br />
قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية . <br />
<br />
'''ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها : '''<br />
<br />
أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه . <br />
<br />
ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين . <br />
<br />
ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم . <br />
<br />
====ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب ====<br />
<br />
كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات . <br />
<br />
'''وهذه المستويات هى :'''<br />
<br />
1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر . <br />
<br />
2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر . <br />
<br />
3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر . <br />
<br />
4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى ) <br />
<br />
ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية . <br />
<br />
أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب . <br />
<br />
====ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى ====<br />
<br />
يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – '''ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :'''<br />
<br />
'''أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية : '''<br />
<br />
'''وهنا يرى الإمام الخومينى :'''<br />
<br />
" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " . <br />
<br />
2- '''المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى ) '''<br />
<br />
" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام . <br />
<br />
'''ويقول فى جزئية أخرى : '''<br />
<br />
إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر . <br />
<br />
3- '''تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :''' <br />
<br />
1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة . <br />
<br />
2- ترك التعاون معها . <br />
<br />
3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم . <br />
<br />
4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .<br />
<br />
'''ثم يستطرد الإمام قائلا :'''<br />
<br />
ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره " <br />
<br />
وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟ <br />
<br />
'''ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم : '''<br />
<br />
تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى . <br />
<br />
1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا . <br />
<br />
2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من : <br />
<br />
إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة . <br />
<br />
3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) . <br />
<br />
4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 . <br />
<br />
5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 . <br />
<br />
6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 . <br />
<br />
7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم . <br />
<br />
'''ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير : '''<br />
<br />
باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .<br />
<br />
وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات . <br />
<br />
وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) . <br />
<br />
وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة . <br />
<br />
وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة . <br />
<br />
وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها . <br />
<br />
والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) . <br />
<br />
والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى . <br />
<br />
أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية . <br />
<br />
ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , '''وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث : '''<br />
<br />
1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) . <br />
<br />
2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) . <br />
<br />
3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .<br />
<br />
4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) . <br />
<br />
6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .<br />
<br />
====رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )====<br />
<br />
إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟ <br />
<br />
إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين . <br />
<br />
ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها . <br />
<br />
ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات . <br />
<br />
فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .<br />
<br />
بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .<br />
<br />
استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة . <br />
<br />
وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه . <br />
<br />
هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين : <br />
<br />
'''الأول :''' ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ <br />
قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور : <br />
<br />
(1 )''' الدكتور . صالح سرية :''' قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال . <br />
<br />
(2)''' شكرى مصطفى :''' قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 . <br />
<br />
(3) '''محمد عبد السلام فرج :''' وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد . <br />
<br />
(4) '''عبود الزمر :''' القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية ) <br />
<br />
- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول . <br />
<br />
- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات . <br />
<br />
- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) . <br />
<br />
==== خامسا : منهج التعامل مع الوثائق ====<br />
<br />
مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .<br />
<br />
الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – '''من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة : '''<br />
<br />
'''المستوى الأول :''' ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق . <br />
<br />
'''المستوى الثانى :''' ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به . <br />
<br />
'''المستوى الثالث :''' نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى . <br />
<br />
'''المستوى الرابع :''' ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه . <br />
<br />
هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى : <br />
<br />
1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت . <br />
<br />
2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .<br />
<br />
3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج . <br />
<br />
* هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة . <br />
<br />
* '''ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب . <br />
<br />
** من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا <br />
<br />
'''ثانيا :''' مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا . <br />
<br />
'''ثالثا :''' تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل . <br />
<br />
ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟ <br />
<br />
==ملحق الفصل الأول ==<br />
<br />
( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب ) <br />
<br />
1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 . <br />
<br />
2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 . <br />
<br />
3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 . <br />
<br />
الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 . <br />
<br />
4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) . <br />
<br />
5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985 <br />
<br />
6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) . <br />
<br />
7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت . <br />
<br />
8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت<br />
<br />
9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) . <br />
<br />
10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 ) <br />
<br />
11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) . <br />
<br />
12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981<br />
<br />
13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) . <br />
<br />
14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977<br />
<br />
15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 ) <br />
<br />
16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت ) <br />
<br />
17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .<br />
<br />
18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 ) <br />
<br />
19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية ) <br />
<br />
20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى ) <br />
<br />
21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 ) <br />
<br />
22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 ) <br />
<br />
23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 ) <br />
<br />
24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 ) <br />
<br />
25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 ) <br />
<br />
26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) . <br />
<br />
27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 ) <br />
<br />
28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 . <br />
<br />
29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 . <br />
<br />
30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من : <br />
<br />
الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 . <br />
<br />
شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 ) <br />
<br />
تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981) <br />
<br />
32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 ) <br />
<br />
* والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .<br />
<br />
'''الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:'''<br />
<br />
حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53 <br />
<br />
==الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر ==<br />
<br />
* صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل . <br />
<br />
* فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى . <br />
<br />
* وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين . <br />
<br />
* والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين === <br />
<br />
تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : <br />
( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة <br />
<br />
وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " <br />
اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟ <br />
<br />
'''زمن التصريح فقط : '''<br />
<br />
'''تقول الوثائق مجيبة : '''<br />
<br />
( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... <br />
ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟ <br />
<br />
'''يجيب صالح سرية :'''<br />
<br />
( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .<br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس . <br />
<br />
والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " <br />
<br />
====العقيدة فقط = الكفر==== <br />
<br />
فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .<br />
<br />
ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة . <br />
<br />
====مجتمعات جاهلية====<br />
<br />
وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد <br />
( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا . <br />
<br />
إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص . <br />
<br />
====الأفراد غير الكفرة ====<br />
<br />
'''يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :'''<br />
<br />
1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية . <br />
<br />
2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية . <br />
<br />
3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين . <br />
<br />
====الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام ====<br />
<br />
'''وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة . <br />
<br />
ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه . <br />
<br />
===(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه===<br />
<br />
وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير . <br />
<br />
====الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية ==== <br />
<br />
يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .<br />
<br />
فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا . <br />
<br />
'''ويفسر سرية ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج . <br />
<br />
====موالاة الدولة للأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
*وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .<br />
<br />
====القوانين ==== <br />
<br />
'''يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :''' <br />
<br />
( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله " <br />
<br />
====المعارضون لأحكام الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى موضع آخر :'''<br />
<br />
( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث . <br />
<br />
ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان . <br />
<br />
وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا . <br />
<br />
====الإعتزاز بتراث الكفر ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :'''<br />
<br />
ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح . <br />
<br />
====حصر الدين بالعبادة ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية :'''<br />
<br />
( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ . <br />
<br />
ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك . <br />
<br />
وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر . <br />
<br />
====من ترك أركان الإسلام ====<br />
<br />
'''يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع : '''<br />
<br />
( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .<br />
<br />
ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .<br />
<br />
نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر . <br />
<br />
====من أنكر إحدى العقائد ====<br />
<br />
'''وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية : '''<br />
<br />
( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح . <br />
<br />
====طقوس الشرك الجديدة ====<br />
<br />
ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس : <br />
<br />
أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية . <br />
<br />
ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا . <br />
<br />
ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) . <br />
<br />
وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .<br />
<br />
===(3) البديل الإسلامى ===<br />
<br />
* قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية ) <br />
<br />
ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟ <br />
<br />
====قواعد التكفير ====<br />
<br />
'''يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى : '''<br />
<br />
1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام . <br />
<br />
والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية . <br />
<br />
وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ '''أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين : '''<br />
<br />
'''فى السياسة :'''<br />
<br />
فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا . <br />
<br />
وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ <br />
<br />
كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة . <br />
<br />
المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق <br />
<br />
'''القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:''' <br />
<br />
(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة . <br />
<br />
'''القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :'''<br />
<br />
( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط . <br />
<br />
فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة . <br />
<br />
لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم . <br />
<br />
فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " '''فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين : '''<br />
<br />
'''الحالة الأولى :''' أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن <br />
<br />
'''الحالة الثانية :''' إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . <br />
<br />
لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة . <br />
<br />
قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها . <br />
<br />
وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية===<br />
<br />
وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر : <br />
<br />
'''يحددها الآتى : '''<br />
<br />
(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية . <br />
<br />
(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة . <br />
<br />
(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "<br />
<br />
'''ثم يقول سرية : '''<br />
<br />
وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر . <br />
<br />
====الإيمان بالله ==== <br />
<br />
فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : <br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى : '''<br />
<br />
(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر . <br />
<br />
(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله . <br />
<br />
إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .<br />
<br />
وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر . <br />
<br />
(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم . <br />
<br />
ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .<br />
<br />
ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟ <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
'''بيان صالح سرية عام 1974 '''<br />
<br />
" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير " <br />
<br />
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – '''لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية : '''<br />
<br />
1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض . <br />
<br />
2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .<br />
<br />
3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة . <br />
<br />
4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات . <br />
<br />
5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم . <br />
<br />
6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان . <br />
<br />
7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .<br />
<br />
8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف . <br />
<br />
9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا . <br />
<br />
'''والله الموفق ''' <br />
<br />
'''رئيس الجمهورية ''' <br />
<br />
'''صالح عبد الله سرية'''<br />
<br />
'''الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة'''<br />
<br />
(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية ) <br />
<br />
'''شكرى أحمد مصطفى '''<br />
<br />
'''من وثيقة الخلافة '''<br />
<br />
'''الجزء الأول- 9'''<br />
<br />
=الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==<br />
<br />
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 . <br />
<br />
ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة . <br />
<br />
فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟ <br />
<br />
===(1) نظام الحكم والمجتمع ===<br />
<br />
( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . <br />
اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. '''نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .<br />
<br />
'''ثالثا:''' معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين . <br />
<br />
====أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية==== <br />
<br />
يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية <br />
<br />
وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد . <br />
<br />
بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .<br />
<br />
'''ثم يقول : '''<br />
<br />
إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا . <br />
<br />
أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران . <br />
<br />
" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 . <br />
<br />
إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر . <br />
<br />
وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... <br />
ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
<br />
وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر . <br />
<br />
'''الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا : '''<br />
<br />
( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى : <br />
<br />
'''" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "''' المائدة – 81 <br />
<br />
'''ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها : '''<br />
<br />
( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .<br />
<br />
وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين . <br />
<br />
'''إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى : '''<br />
<br />
ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها : <br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .<br />
<br />
أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك . <br />
<br />
ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك . <br />
<br />
'''الغبش فى التصور مستمر : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى أيضا : '''<br />
<br />
( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " . <br />
<br />
'''الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :'''<br />
<br />
'''واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى : '''<br />
<br />
( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .<br />
<br />
'''ويقول شكرى :'''<br />
<br />
أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .<br />
<br />
... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55 <br />
<br />
أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 . <br />
<br />
'''ولكنى : '''<br />
<br />
أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 . <br />
<br />
أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .<br />
<br />
====ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى====<br />
<br />
'''وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله : '''<br />
<br />
( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 . <br />
<br />
كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله . <br />
<br />
" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة . <br />
<br />
حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها . <br />
<br />
'''ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :'''<br />
<br />
( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. ) <br />
<br />
====ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم ====<br />
<br />
" من المسلم عندى " ؟ <br />
<br />
'''يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق : '''<br />
<br />
( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟ <br />
<br />
'''يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها : '''<br />
<br />
( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا . <br />
<br />
ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من : <br />
<br />
-أعلن كفره بالطاغوت . <br />
<br />
-وإيمانه بالله . <br />
<br />
-وتسليمه له وحده . <br />
<br />
وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 . <br />
<br />
-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام <br />
<br />
-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه . <br />
<br />
-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه <br />
<br />
'''وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول : '''<br />
<br />
( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) <br />
ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) <br />
والجواب .. لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ <br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى ) <br />
<br />
'''ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري : '''<br />
<br />
( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .<br />
<br />
والجواب لم يصح .. ولا يصح . <br />
<br />
فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة ) <br />
<br />
'''أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :'''<br />
<br />
( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ . <br />
<br />
والجواب : لا يصح .. ولم يصح . <br />
<br />
فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط . <br />
<br />
1- شهادة لا إله إلا الله . <br />
<br />
2- شهادة أن محمد ا رسول الله . <br />
<br />
3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ ) <br />
<br />
4- اجتناب النواقض . <br />
<br />
ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 ) <br />
<br />
'''ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:'''<br />
<br />
1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع . <br />
<br />
2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها . <br />
<br />
3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 . <br />
<br />
الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟ <br />
<br />
===(2) البديل الاسلامى === <br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل ) '''<br />
<br />
البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .<br />
<br />
====التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة====<br />
<br />
'''يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :'''<br />
<br />
( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية . <br />
<br />
إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 . <br />
<br />
فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ . <br />
<br />
أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى ) <br />
<br />
'''ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا : '''<br />
<br />
( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) <br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة . <br />
<br />
'''فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد : '''<br />
<br />
-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة . <br />
<br />
-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع . <br />
<br />
-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها . <br />
<br />
-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك <br />
<br />
'''عقم للسرية : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى :''' فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ). <br />
<br />
وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى . <br />
<br />
'''حركات عرجاء : '''<br />
<br />
'''وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى : '''<br />
<br />
( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . <br />
لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به . <br />
<br />
وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله . <br />
<br />
وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا ) <br />
<br />
'''وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله : '''<br />
<br />
هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول . <br />
<br />
====التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :'''<br />
<br />
( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال . <br />
<br />
لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .<br />
<br />
وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا . <br />
<br />
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7 <br />
<br />
نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا . <br />
<br />
" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .<br />
<br />
'''حراب مشرعة : '''<br />
<br />
'''ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :'''<br />
<br />
( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة . <br />
<br />
'''ثلاث سنوات من العزلة : '''<br />
<br />
'''ويدهش شكرى قائلا :'''<br />
<br />
( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. <br />
إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى . <br />
<br />
والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .<br />
<br />
'''ويعود متسائلا : '''<br />
<br />
( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس . <br />
<br />
إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 . <br />
<br />
ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 . <br />
<br />
'''وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى : '''<br />
<br />
'''( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك "''' الممتحنة – 5 . <br />
<br />
'''المبادرة بالاعتزال :'''<br />
<br />
'''وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . <br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر . <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .<br />
<br />
'''الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية : '''<br />
<br />
وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم . <br />
<br />
" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . <br />
بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 . <br />
<br />
وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . <br />
وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. " <br />
====التساؤل الثالث أين نهاجر ؟====<br />
<br />
وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟ <br />
<br />
لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) : <br />
<br />
'''يقول شكرى :'''<br />
<br />
( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت . <br />
<br />
قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . <br />
وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )<br />
<br />
'''خارج أرض الجاهلية :'''<br />
<br />
( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 <br />
وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم . <br />
<br />
فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر . <br />
<br />
'''شغف الجبال ومواقع القطر : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها . <br />
<br />
'''الوديان والبوادى والشعب : '''<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .<br />
<br />
عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو ) <br />
<br />
'''الكهوف :'''<br />
<br />
'''ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية : '''<br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 . <br />
<br />
فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة . <br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 ) <br />
<br />
'''يؤكد شكرى دعواه بقوله :'''<br />
<br />
( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان . <br />
<br />
====التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة) ====<br />
<br />
'''يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة : '''<br />
<br />
( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .<br />
<br />
ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . <br />
ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين . <br />
<br />
وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .<br />
<br />
وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .<br />
<br />
فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة : '''<br />
<br />
صفقة يدك .. وثمرة فؤادك .. <br />
<br />
'''مهام أخرى للإمام : '''<br />
<br />
'''ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام : '''<br />
<br />
وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه . <br />
<br />
إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا . <br />
<br />
وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم . <br />
<br />
وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم . <br />
<br />
'''إقامة الحدود ودور الإمام : '''<br />
<br />
ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . <br />
وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع . <br />
<br />
وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة . <br />
<br />
وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة . <br />
<br />
وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول : <br />
<br />
" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان " <br />
<br />
وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع . <br />
<br />
أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. <br />
وذلك لأنك وكما يقول شكرى : <br />
<br />
قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .<br />
<br />
'''المراجعة وحق النقد :'''<br />
<br />
'''بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :'''<br />
<br />
( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة . <br />
<br />
بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر . <br />
<br />
'''فضل الإمامة والبيعة : '''<br />
<br />
'''وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله : '''<br />
<br />
( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .<br />
<br />
وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " <br />
وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " <br />
وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " <br />
وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " <br />
<br />
'''الجماعة :'''<br />
<br />
'''ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول : '''<br />
<br />
( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .<br />
<br />
إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم . <br />
<br />
وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها . <br />
<br />
وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها . <br />
<br />
وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع . <br />
<br />
وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر . <br />
<br />
وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله . <br />
<br />
وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله . <br />
<br />
وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا . <br />
<br />
===(3) المستقبل ===<br />
<br />
'''( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )'''<br />
<br />
رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ <br />
تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟ <br />
<br />
====ضمانات التجمع الإسلامى ====<br />
<br />
'''يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء : '''<br />
<br />
(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية . <br />
<br />
(2) إقامة الحدود ورد الحقوق <br />
<br />
(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها . <br />
<br />
(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .<br />
<br />
(5) فرض تعلم الدين وتعليمه . <br />
<br />
(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها . <br />
<br />
(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد . <br />
<br />
(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن . <br />
<br />
(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.<br />
<br />
(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا . <br />
<br />
'''والآن يقول شكرى :''' ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ <br />
بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟ <br />
<br />
====النجاة الفردية ====<br />
<br />
'''يجيب شكرى قائلا : '''<br />
<br />
( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ : <br />
<br />
'''ويقول فى موضع آخر من وثائقه : '''<br />
<br />
( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .<br />
<br />
====معالم الدولة القادمة==== <br />
<br />
'''ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه : '''<br />
<br />
( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) . <br />
<br />
'''ويقول أخيرا :''' (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف ) <br />
<br />
وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات : <br />
<br />
-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟ <br />
<br />
-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟ <br />
<br />
-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 . <br />
<br />
'''الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة'''<br />
<br />
" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 . <br />
<br />
==الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة==<br />
<br />
لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات .. <br />
<br />
'''وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى : '''<br />
<br />
-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟ <br />
<br />
-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟ <br />
<br />
-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟ <br />
<br />
-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟ <br />
<br />
'''ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف : '''<br />
<br />
===(1) نظام الحكم === <br />
<br />
'''( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) '''<br />
<br />
تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. '''ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله : '''<br />
<br />
====الحاكم بغير ما أنزل الله=== <br />
<br />
( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " <br />
<br />
قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .<br />
<br />
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا " <br />
<br />
====حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام ====<br />
<br />
فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج ) <br />
<br />
( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟ <br />
<br />
'''يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 : '''<br />
<br />
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم====<br />
<br />
لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى : <br />
<br />
1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع . <br />
<br />
2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) . <br />
<br />
3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) . <br />
<br />
4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 . <br />
<br />
'''ملحوظة :''' من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه ) <br />
<br />
5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها . <br />
<br />
6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .<br />
<br />
(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث ) <br />
<br />
'''فتاوى ابن تيمية :'''<br />
<br />
ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا : <br />
<br />
ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟ <br />
<br />
===(2) المجتمع=== <br />
<br />
'''" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "'''<br />
<br />
لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .<br />
<br />
'''" الدار التى نعيش فيها " : '''<br />
<br />
يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام '''وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة : '''<br />
<br />
1- أن تعلوها أحكام الكفر . <br />
<br />
2- ذهاب الأمان للمسلمين . <br />
<br />
3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن . <br />
<br />
وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون <br />
<br />
===(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة===<br />
<br />
'''( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )'''<br />
<br />
يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. '''وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى : '''<br />
<br />
'''الشق الأول :''' الغاية : بناء الدولة الإسلامية . <br />
<br />
'''الشق الثانى :''' الوسائل . <br />
<br />
'''أولا :''' نقد الوسائل المطروحة إسلاميا . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إعلاء وسيلة الجهاد الدموى . <br />
<br />
فماذا عن الشقين ؟ <br />
<br />
====الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية==== <br />
<br />
يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال . <br />
<br />
ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة . <br />
<br />
====الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة ====<br />
<br />
'''أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :'''<br />
<br />
قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب ) <br />
<br />
( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة ) <br />
<br />
'''الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة : '''<br />
<br />
ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " <br />
<br />
والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل " <br />
<br />
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا " <br />
<br />
ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل . <br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :'''<br />
<br />
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله . <br />
<br />
'''الهجرة :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , '''وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) : '''<br />
<br />
'''الأول :''' الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة . <br />
<br />
'''الثانى :''' الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " <br />
<br />
'''الإنشغال بطلب العلم'''<br />
<br />
'''ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد : '''<br />
<br />
( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم . <br />
<br />
'''ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :'''<br />
<br />
بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) . <br />
<br />
وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟ <br />
<br />
'''الخروج على الحاكم : '''<br />
<br />
'''يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : '''<br />
(جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا . <br />
<br />
أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير . <br />
<br />
يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) . <br />
<br />
'''العدو القريب والعدو البعيد : '''<br />
<br />
'''وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية '''وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :''' <br />
<br />
'''أولا :''' إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة. <br />
<br />
'''( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) : '''<br />
<br />
'''يقول فرج فى هذه الفرعية : '''<br />
<br />
( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " . <br />
<br />
ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) . <br />
<br />
وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام . <br />
<br />
'''ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :'''<br />
<br />
( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها . <br />
<br />
'''( آية السيف ) : '''<br />
<br />
'''وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج : '''<br />
<br />
( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة " <br />
<br />
ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال " <br />
<br />
وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد . <br />
<br />
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .<br />
<br />
ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . <br />
وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى : <br />
<br />
'''( القتال الآن فرض على كل مسلم ) : '''<br />
<br />
يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ '''يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :'''<br />
<br />
'''أولا :''' إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . <br />
<br />
'''ثالثا :''' إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى . <br />
<br />
وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم . <br />
<br />
واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم . <br />
<br />
====( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )====<br />
<br />
'''وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام : '''<br />
<br />
( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل '''على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :''' <br />
<br />
1- جهاد النفس . <br />
<br />
2- جهاد الشيطان . <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين . <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " . <br />
<br />
وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين . <br />
<br />
'''( خشية الفشل ) : '''<br />
<br />
'''ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :'''<br />
<br />
( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . <br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم <br />
<br />
'''(القيادة ) : '''<br />
<br />
وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته . <br />
<br />
فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز . <br />
<br />
'''ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة : '''<br />
<br />
وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى . <br />
<br />
'''( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :'''<br />
<br />
وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)<br />
<br />
====عقوبة ترك الجهاد ====<br />
<br />
'''ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله : '''<br />
<br />
( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة . <br />
<br />
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه . <br />
<br />
ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة " <br />
<br />
ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟ <br />
<br />
===(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج === <br />
<br />
وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. '''وعن هذا المعنى تقول الوثائق : '''<br />
<br />
====الإسلام مقبل ====<br />
<br />
'''يرى محمد عبد السلام فرج :'''<br />
<br />
( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه . <br />
<br />
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله . <br />
<br />
(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )<br />
<br />
(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم . <br />
<br />
وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين . <br />
<br />
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .<br />
<br />
والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية . <br />
<br />
'''الرد على اليائسين : '''<br />
<br />
'''ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :'''<br />
<br />
( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا . <br />
<br />
'''ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا : '''<br />
<br />
( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم . <br />
<br />
وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟ <br />
<br />
'''الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان ) '''<br />
<br />
( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر . <br />
<br />
==الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان== <br />
<br />
عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية . <br />
<br />
ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟ <br />
<br />
===أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر === <br />
<br />
ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره : <br />
<br />
1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا . <br />
<br />
2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل . <br />
<br />
3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث . <br />
<br />
4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .<br />
<br />
وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .<br />
<br />
5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية . <br />
<br />
وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية . <br />
<br />
وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم . <br />
<br />
وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة . <br />
<br />
'''ملاحظة على أقوال عبود :'''<br />
<br />
الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ <br />
بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا . <br />
<br />
===ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان===<br />
<br />
بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .<br />
<br />
ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد .. <br />
<br />
فماذا يقول عبود فى الحوار ؟ <br />
<br />
'''كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :'''<br />
<br />
ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى . <br />
<br />
س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟ <br />
<br />
ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق . <br />
<br />
س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟ <br />
<br />
ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . <br />
س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟ <br />
<br />
ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم . <br />
<br />
أ'''ولا :''' أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه . <br />
<br />
'''ثانيا :''' إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم . <br />
<br />
'''رابعا :''' إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " <br />
<br />
'''خامسا :''' إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم . <br />
<br />
'''سادسا :''' أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .<br />
<br />
وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟ <br />
<br />
===ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر === <br />
<br />
وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها . <br />
<br />
'''فأولا :''' .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين . <br />
<br />
'''وثانيا :''' .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول . <br />
<br />
'''وثالثا :''' عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .<br />
<br />
'''رابعا:''' .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم . <br />
<br />
===رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر=== <br />
<br />
'''( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا ) '''<br />
<br />
1'''- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم''' <br />
<br />
2'''- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما '''. <br />
<br />
3'''- الباقى : 271 .''' <br />
<br />
[[ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg|700بك|center]] <br />
<br />
'''ملاحظات على التوزيع الجغرافى :'''<br />
<br />
أ- الجدول مرتب تنازليا .<br />
<br />
ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف . <br />
<br />
ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة . <br />
<br />
د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله . <br />
<br />
ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة . <br />
<br />
'''" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ) '''<br />
<br />
==الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله ==<br />
<br />
(''' قضايا ساخنة لم تحسم بعد )'''<br />
<br />
الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى : <br />
<br />
'''الفصل الأول :''' خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , '''وذلك من خلال مطلبين :''' <br />
<br />
'''الأول :''' وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .<br />
<br />
'''أما الثانى :''' فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات . <br />
<br />
وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع . <br />
<br />
وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟ <br />
<br />
===المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد ===<br />
<br />
'''أولا :''' غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية . <br />
<br />
'''ثانيا :''' تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل . <br />
<br />
'''ثالثا :''' غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .<br />
<br />
'''رابعا :''' الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .<br />
<br />
'''خامسا :''' سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :<br />
<br />
'''الأول :''' يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟ <br />
<br />
'''الثانى :''' هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟ <br />
<br />
وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .<br />
<br />
وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى ) <br />
<br />
ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) . <br />
<br />
من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية . <br />
<br />
'''سادسا :''' على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .<br />
<br />
(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟ <br />
<br />
(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟ <br />
<br />
(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟ <br />
<br />
(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟ <br />
<br />
وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟ <br />
<br />
** هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية . <br />
<br />
===المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب ===<br />
<br />
كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف '''تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :''' <br />
<br />
====المتغير الأول : مصريا ==== <br />
<br />
ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) . <br />
<br />
وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .<br />
<br />
====المتغير الثانى : المتغير الإقليمى====<br />
<br />
والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) . <br />
<br />
ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) . <br />
<br />
معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار . <br />
<br />
====المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط ====<br />
<br />
لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا . <br />
<br />
ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد . <br />
<br />
هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . <br />
ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى . <br />
<br />
'''رفعت سيد أحمد'''<br />
<br />
ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم . <br />
<br />
إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " . <br />
<br />
هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة . <br />
<br />
'''إنها :''' " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟ <br />
<br />
أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن : <br />
<br />
جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة : <br />
<br />
"''' يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " ''' الممتحنة 12 <br />
<br />
==وثائق الكتاب ==<br />
<br />
'''نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :'''<br />
<br />
-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية . <br />
<br />
-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .<br />
<br />
-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى. <br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثانى ===<br />
<br />
====أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )====<br />
<br />
نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة . <br />
<br />
====موالاة الدولة الأحزاب الكافرة ====<br />
<br />
( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية . <br />
<br />
وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة و'''هذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :'''<br />
<br />
والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إ'''نما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : '''<br />
<br />
1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن . <br />
<br />
2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم '''وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :''' <br />
<br />
(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ". <br />
<br />
ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر . <br />
<br />
====بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية ====<br />
<br />
الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية . <br />
<br />
'''نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة : '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الثالث ===<br />
<br />
'''أصول وثائق شكرى مصطفى : '''<br />
<br />
'''نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده '''. <br />
<br />
====شغف الجبال ومواقع القطر ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) . <br />
<br />
====الوديان والبوادى والشعب ====<br />
<br />
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ". <br />
<br />
====أماكن الهجرة كما يحددها شكرى ====<br />
<br />
إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف . <br />
<br />
ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . <br />
<br />
لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر . <br />
<br />
وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " . <br />
<br />
====نقد الحركات الإسلامية الأخرى ==== <br />
<br />
وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية . <br />
<br />
والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد . <br />
<br />
الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية . <br />
<br />
نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .<br />
<br />
والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات , <br />
<br />
والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه , <br />
<br />
والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع , <br />
<br />
والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .<br />
<br />
وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . <br />
<br />
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل . <br />
<br />
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك " <br />
<br />
====فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له ====<br />
<br />
المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا . <br />
<br />
إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض . <br />
<br />
ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. '''ثم الإنطلاق بعد ذلك : '''<br />
<br />
وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟ <br />
<br />
إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .. <br />
<br />
إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته .. <br />
<br />
" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16 <br />
<br />
فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر . <br />
<br />
أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , '''ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة : '''<br />
<br />
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة : <br />
<br />
" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال . <br />
<br />
شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . <br />
وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر " <br />
<br />
'''نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم '''<br />
<br />
===ملحق وثائق الفصل الرابع ===<br />
<br />
'''أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )'''<br />
<br />
نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم ====<br />
<br />
-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .<br />
<br />
-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم . <br />
<br />
====المقارنة بين التتار وحكام اليوم==== <br />
<br />
'''فريضة الجهاد :'''<br />
<br />
الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . '''الذى قسم الجراد إلى مراتب '''<br />
<br />
1- جهاد النفس <br />
<br />
2- جهاد الشيطان <br />
<br />
3- جهاد الكفار والمنافقين <br />
<br />
وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير ) <br />
<br />
وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )<br />
<br />
====مراتب فريضة الجهاد====<br />
<br />
'''( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )''' <br />
<br />
( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط) <br />
<br />
( خشية الفشل ) <br />
<br />
وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .<br />
<br />
والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . <br />
<br />
خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى . <br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5.jpg&diff=644100ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg2012-02-26T09:02:33Z<p>Helmy: حمى "ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div></div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5.jpg&diff=644099ملف:جدول-الجهاد-في-مص.jpg2012-02-26T08:32:51Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div></div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9_%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9&diff=643993ساحة حلمي الجديدة2012-02-25T09:31:05Z<p>Helmy: /* كتب جديدة 2012 */</p>
<hr />
<div>== كتب شهر 12 ==<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون باقة الإسلام وعطر الإيمان]]<br />
<br />
[[الشيخ محرم عارفي الداعية المجاهد]]<br />
<br />
[[صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك]]<br />
<br />
[[الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات]]<br />
<br />
[[اغتيال عبد الحكيم عامر]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون رؤية اشتراكية]]<br />
<br />
[[عبد الناصر الملف السري]]<br />
<br />
[[الحركة الإسلامية في السودان تاريخها وخطابها السياسي]]<br />
<br />
[[العلاقات المصرية البريطانية]]<br />
<br />
[[التيارات السياسية في مصر]]...................(كتاب مدشن من قبل ويحتاج لمراجعة ولينكات)<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
==كتب جديدة 2012==<br />
<br />
<br />
[[سيادة الشريعة الإسلامية في مصر]]<br />
<br />
[[عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971]]<br />
<br />
[[مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو]]<br />
<br />
[[وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات]]<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88&diff=643990مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو2012-02-25T09:19:33Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>مذكرات ووثائق سرية لثورة [[يوليو]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د.[[مصطفى عبد الغني]]'''<br />
<br />
'''الإهداء إلى الشعب العربي ذكرى لزمن عربي آت'''<br />
<br />
==بدلاً من المقدمة==<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
سؤال يطرح أسئلة أخرى ..<br />
<br />
وإجابة تستعيد إجابات كثيرة.<br />
<br />
لنسأل ونحاول الإجابة ..<br />
<br />
ـ لماذا [[عبد الناصر]] الآن؟<br />
<br />
ـ أو لماذا نتذكره الآن أكثر (وهل نسيناه؟)؟<br />
<br />
ـ ولماذا نستعيد الآن قضاياه ومشروعه الثوري (وهل غابت حقاً؟) ؟<br />
<br />
'''أو لنكن أكثر حيدة ونسأل من جديد:'''<br />
<br />
ـ هل نحاول إعادة تقييمه..؟ ولنسأل بحيدة أكثر:<br />
<br />
ـ ما هي حقيقة بحثنا عن رد الاعتبار ل[[عبد الناصر]] الآن بعد أن سهدت أجيال كثيرة تغييبه أو إغفاله؟<br />
وينفرط عقد الأسئلة ..<br />
<br />
ـ ما هو موقفه من رفاقه ومثقفيه؟<br />
<br />
ـ وهل كان ـ كما يردد عن جهل أو حقد ـ وراء عمليات (التعذيب) فى السجون مع مختلفيه؟<br />
<br />
ـ وما هى حقيقة [[الديموقراطية]] فى عصره؟<br />
<br />
ـ ثم ما هى طبيعة الخلاف بين [[الثورة]] و[[القانون]]؟<br />
<br />
ـ ولماذا اتجه إلى حركات التحرر العالمية ـ والعربية منها ـ سواء بالتأييد المطلق، أو التأييد العسكرى؟<br />
<br />
ـ ولماذا كان وراء تجسيد فكرة الوحدة العربية؟<br />
<br />
ثم يدفعنا الماضى إلى الحاضر من جديد، ونعود إلى طرح السؤال لماذا نتذكره ويدفعنا السؤال إلى إعادة طرح الأسئلة البدهية؟<br />
<br />
ـ لماذا يطرح فكره فى زمن الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى و (السور الواقى) بين المثقفين وترفع صوره عبر الشوارع العربية؟ وتردد شعاراته عبر البحث عن مواجهة القوة..؟<br />
<br />
ـ ثم ما هو موقفه من عديد من القضايا عبر (مشروعه) الذى رحنا منذ أكثر من ربع قرن ـ عقب رحيله ـ بعثرته أو بيعه مع ما بعنا وبعثرنا أو ضيعنا..؟<br />
<br />
أسئلة عديدة تطرح علينا الآن، ونحاول كما حاول غيرنا كثيراَ ـ محاولة الإجابة بعد نصف قرن من [[ثورة يوليو]].<br />
أو بشكل أدق: محاولة لرد اعتبار ل[[ثورة يوليو]] ..<br />
<br />
والأن الأسئلة كثيرة؛ تظل الإجابات كثيرة، فلنحاول الإجابة إذن عبر ملاحظة أو سبب واحد؛ سبب بدهى نعيشه جميعاَ الآن؛ ليس مضى نصف قرن على [[ثورة يوليو]] وحسب، وإنما [[الدعوة]] (للمقاومة) ضد صلف ومذابح ال[[إسرائيل]]يين الآن فى جنين وأخواتها ..<br />
<br />
إنه رد الفعل ([[المقاومة]]) ضد العنصرية [[الصهيونية]] ـ الأمريكية اليوم فى وقت مازالت الحكومات العربية غائبة .. فى الوقت الذى كانت القوات ال[[إسرائيل]]ية تعصف بكل شئ فى جنين ونابلس وطولكرم .. إلى آخر المدن العربية، لم تتحرك فى بلاد العرب إلا الشعوب خلال الشارع العربى ومظاهراته التى استعلت لفترة طويلة .. حين كانت طائرات الأباتشى تصب نيرانها على العزل من أعلى والبلدوزرات والدبابات زنة 80 طناَ تهرس العزل من أسفل وتحاصر كنيسة المهد ويطلق عليها النيران .. فى هذا الوقت رأيت مسيرة ضخمة تخرج فى [[ميدان التحرير]] فى [[القاهرة]] وأمام السفارة الأمريكية تحمل اللافتات ضد التتار الصهيونى وفى الوقت نفسه تعلو بين أيديها صورة [[عبد الناصر]]، فى حين أننى رأيت فى نهاية المسيرة فتاة عربية تحمل يافطة كتب عليها عبارة مؤسسية "هش.. سكون.. العرب نائمون" ..<br />
<br />
وقتها لم أسأل نفسى: لماذا صورة [[عبد الناصر]] فى هذا الوقت وفى هذه المسيرة؟<br />
<br />
لم أبحث عن إجابة، فقد كانت الإجابة تطوى فى القلوب، إنه ـ [[عبد الناصر]]، حتى ولو كانت الصورة تظل الرمز على [[المقاومة]] ..<br />
<br />
الرمز على المشروع الدى تبناه [[عبد الناصر]] ورحل شهيداَ من أجله.<br />
<br />
إنه الرمز الباقى فى هذه الفقرة العصيبة من تاريخنا ..<br />
<br />
إنه الرمز/الواقع الذى نتأمل فيه أكثر.<br />
<br />
إنه رد الأعتبار إذن الذى نسعى إليه الآن ..<br />
<br />
وبادئ ذو بدء؛ لابد أن نضع فى حسباننا وتصورنا ـ ونحن نكررها دائماَ، إننا نبحث عن إعادة اعتبار ل[[جمال عبد الناصر]] ..<br />
هذه هى الحقيقة الغائبة الحاضرة دائما.<br />
وهو ما نسعى إلى بعضه الآن.<br />
والعودة إلى السبب البدهى، فإن الأحداث الجارية، خاصة بعد الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى للأرض ال[[فلسطين]]ية 29 [[مارس]] الماضى وعملية غزو [[العراق]] التى كانت تنقل عبر الهواء مباشرة وتشاهد عبرها الأسلحة الأنجلو أمريكية تحصد أرواح [[العراق]]يين بين شامت وساكت وشاجب..!!، أثارت فينا، أو دفعت بالشارع العربى ـ دعك من المثقف ـ الأثر الكبير الذى تركه [[عبد الناصر]] أو الزمن السحيق (هل هو سحيق حقاَ..؟) والذى مازال يدفعا الآن ـ وكأننا بعد قرون من منتصف القرن الماضى ـ لاستدعاء [[عبد الناصر]]، ربما كانت الإجابة العفوية الصادقة، ألأنه صاحب شعار القوة، نقصد شعاره الذى بعث فينا جميعاَ نبض الحياة عشية [[1976]] أن:<br />
“ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.<br />
<br />
'''بيد أن هذا يدفعنا إلى سؤال أكثر مرارة:'''<br />
<br />
وهل كان الواقع حولنا وبنا يشى بغير ذلك؟<br />
<br />
هل كان ما تفعله [[إسرائيل]] فى الحرب العالمية الأولى ـ [[1984]] أو الثانية [[1956]] ـ أو الثالثة [[1976]] ـ ثم الرابعة والخامسة [[1973]] و [[1982]].. وما عرفناه عبر الممارسات الدموية ضد أطفال الانتفاضة الأولى أو الثانية.. غير كاف لئلا ننسى هذا الشعار؟<br />
<br />
لعله من الأوفق أن نقول أن الشعار ظل بيننا، لم يغب أبداَ، وإنما جعل الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى والعمليات الاستشهادية و[[المقاومة]] المجيدة فى جنين قد جعلتنا نراه اكثر.<br />
<br />
الواقع المر على الأرض هناك، وهنا، دفعنا لنرى أكثر.<br />
<br />
أو دفعنا لنرى أكثر وكأننا كنا نياماَ ..<br />
<br />
هل هى مصادفة أن تبدأ الأنتفاضة الثانية فى 28 [[سبتمبر]] منذ قرابة عامين (28 [[سبتمبر]] كانت تاريخ رحيل [[عبد الناصر]]) ؟<br />
<br />
هل مصادفة ألا يعقد أى مؤتمر عربى الآن منذ الاجتياح ال[[إسرائيل]]ى 29 [[مارس]] دون أن يكون “الإلهام الحقيقى للزخم الذى حدث فى هذا المؤتمر ـ أو ذاك ـ تعبيراَ عما يحدث فى الشارع العربى هو [[ثورة يوليو]] وأفكارها ومبادئها وشعاراتها” بل (كما ردد البعض فى ندوة “رامتان” أخيراَ) زعيمها [[جمال عبد الناصر]]..؟<br />
<br />
فضلاَ عما أحدثته هذه [[الثورة]] داخل ال[[مصر]]يين من تجسيد الوعى القومى العربى وقد كان قيل ذلك وحتى توقيع [[بروتوكول اسكندرية 1944]] ل[[جامعة الدول العربية]].<br />
<br />
ولهذا، ولغيره، نقول: إنه سبب بدهى أن نتذكر [[عبد الناصر]] الذى غابت دولته وراء (هزيمة) [[1967]]، نقول دولته وبقى مشروعه الثورى الحضارى المقاوم الأول حتى الآن ..<br />
<br />
بيد أن مشروعه الفكرى المقاوم لابد أن يتحدد بشكل أكثر فى الحاضر.<br />
<br />
إننا حين نتذكر مشروع [[عبد الناصر]] الآن لابد أن نضعه فى سياقه. وبعيداَ عن الأسئلة التى يرفضها التاريخ والتى تبدأ دائماَ بعلامة التمنى: (لو) ..<br />
<br />
ـ لو كان [[عبد الناصر]] بيننا الآن فكيف كنا سنقاوم القوى العنصرية الغريبة فى [[إسرائيل]]؟<br />
<br />
ـ لوكان [[عبد الناصر]] بيننا فكيف كنا سنقاوم التحالف الأمريكى البريطانى لاغتصاب العرا ونهب ثرواته.<br />
<br />
ـ لو كان [[عبد الناصر]] بيننا كيف كان العم سام يستطيع الجلوس على عرش الشرق الأوسط فى الخليج وبلاد ما بين النهرين..!!<br />
<br />
الإجابة بالقوة طبعاَ، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. كما ردد كثيراَ.<br />
<br />
'''ونعيد طرح السؤال:'''<br />
<br />
ـ و[[عبد الناصر]] ليس بيننا الآن فكيف سنقاوم..؟<br />
<br />
الإجابة بالقطع نؤكد: بالقوة.<br />
<br />
ـ ولا يلبث الواقع أن يضيف ويلفت النظر بعنف:<br />
<br />
ولكن القوة تغيرت.<br />
<br />
إن القوة الآن تحددت أكثر فى السياسات التكنولوجية والفجوة الرقمية الهائلة التى أصبحت بيننا، ولم نصبح نحن بينها.<br />
<br />
أصبح العالم الغربى يتقدم عنا كثيراَ فى هذه القوة ليست القوة فى حد ذاتها، وإنما القوة بمجموعها حين يكتمل مشروع [[جمال عبد الناصر]] فنرى القوة ضرورة تلاشى الفجوة الرقمية القائمة بين الأقطار العربية، والبحث عن طريقة مثلى سريعة لامتلاك هذه القوة.<br />
<br />
لتضييق هذه الفجوة المهنية خلال فترة زمنية ضئيلة جداَ لحجم المخاطرة الضخمة التى تواجهنا.<br />
لا تواجهنا نحن فقط فى الأرض المحتلة.<br />
<br />
عبر أهلنا واطفالنا الذين يقتلون أو يسجنون يومياَ.<br />
<br />
وإنما، عبر أقطارنا العربية التى تواجه ـ أمام القوة فى القطاعات الغربية والعنصرية ـ تكنولوجيا رقمية متقدمة عنا كثيراَ..<br />
<br />
وبدهى أن القوة هنا تمضى على ثلاث مستويات.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية العربية عبر (استراتيجية) جديدة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، يكون علينا أن نعيد ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن غياب القوة الآن يعنى غياب مشروع [[عبد الناصر]].<br />
<br />
وغياب [[عبد الناصر]] يعنى غياب التنسيق الواجب بين الدول العربية فى الصناعة التكنولوجيا، ومن ثم التقصير فى التأهب السريع فى مجال تطور التقنية، خاصة أنها تؤثر الآن ليس فى مجال حياة المواطنين فحسب، أو فى مجال سيطرة العولمة الاقتصادية والثقافية، وإنما ـ فى هذا السياق ـ فى مجال (القوة) ـ بما فيها العسكرية ـ لمواجهة القوة المضادة.<br />
<br />
إن غياب [[عبد الناصر]]، يعنى، تماهى الشعوب العربية فى غياهب العولمة الأمريكية بعد (عسكرة العولمة) وتحولنا من مقاومين للأمركة إلى تابعين لبوش الثانى ..إن واضعى السياسات فى عالمنا العربى اليوم يجب أن ينتبهوا أولاَ إلى أن القوة هى السبيل الوحيد لاسترداد الحق.<br />
<br />
وأن القوة تغيرت نوعيتها بعد نصف قرن على [[ثورة يوليو]].<br />
<br />
وأن القوة يجب أن تمضى فى تفعيل الدور العربى وليعبر كل قطر فى الوسائل التجارية أو القياسات العالمية أو شركات الإنترنت .. إلى غير ذلك، وإنما بالإضافة إلى ذلك كله القوة التى تتمثل فى النهوض بقطاع التكنولوجيا الرقمية ليمكن مواجهة القوة الأخرى المضادة.<br />
<br />
وفى غيبة القوة لن نستطيع أن نسترد ما أخذ بالقوة.<br />
<br />
وبغير القوة لن نستطيع ان نتمثل الأية الكريمة '''{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و ..} ''' إلى آخر ما تحثنا الأديان السماوية.<br />
<br />
'''لكن يعود إلينا السؤال من جديد:'''<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
يعود السؤال وتطل علينا إجابة آحرى..<br />
<br />
إنها الشهادة الغائبة بعد [[ثورة يوليو]] بنصف قرن..<br />
<br />
وبعد رحيل [[عبد الناصر]] بأكثر من ثلث قرن.<br />
<br />
لماذا نتذكر هذا كله الآن..؟<br />
<br />
لنقترب من إجابة آخرى من جديد.<br />
<br />
"ـ.. كان كل ما كان يضايقنى .. أن القدر قد أتاح لأناس كثيرين أن تتكلم ووالدى لم يتح له الكلام .. و .. (و) .."<br />
<br />
كان هذا ما جاء على لسان [[هدى عبد الناصر]] بالحرف الواحد فى حوار معها على الشاشة الزرقاء قبل فتة ليت بالقريبة، ورددته بعض الصحف فى صيف [[2002]].<br />
<br />
وكان هذا أكثر ما كان يؤرقنى كتلميذ فى مدرسة التاريخ، رددته كثيراَ بين نفسى، وكتبته أكثر من مرة، وقلته فى أوقات كثيرة لعل آخرها الندوة التى أقيمت ب[[الأهرام]] منذ أكثر من عام حول (الوثائق) ونشرها "[[الأهرام]] الدولى".<br />
<br />
كان سؤال هذه الندوة ـ وكانت د. هدى بيننا ـ أين وثائق [[الثورة]]؟<br />
<br />
'''وعدت أردد بشكل أكثر دقة فى هذا المقام:'''<br />
<br />
ـ أين شهادة الرئيس [[عبد الناصر]]؟ أين شهادة أهم من عاصر [[ثورة يوليو]] ـ على الإطلاق..؟<br />
<br />
إن الجميع قالوا أفكارهم وشهاداتهم عن [[ثورة يوليو]] ـ الأعداء والأصدقاء ـ كتاب المذكرات وكتاب الذكريات ـ المؤرخون والهواة والمتربحين وحتى الفنانات ـ وغيرهم كثيرين.<br />
<br />
(أضفت بأسى) إلا واحداَ هو [[جمال عبد الناصر]] بنفسه.<br />
<br />
إن حياة [[عبد الناصر]] ـ التى هى أحداث [[مصر]]: واقعها ومصائرها طيلة الخمسينات والستينات غائبة إلى حد بعيد.<br />
<br />
ومشروع [[عبد الناصر]] الذى رحل من أجله غائب ويغيب يالتقادم.<br />
<br />
رغم الكثير مما قيل فيه وعنه ..<br />
<br />
حاضر إلى حد بعيد .. رغم القليل مما يقال فيه وعنه.<br />
<br />
وإذا كنا قد استمعنا إلى الكثيرين.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف البريطانى قد فتح أمامنا.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الأمريكى تعرفنا عليه.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الروسى أفرج عن الكثير (و[[بريما كوف]] ضمن بعضها الآن فى آخر كتاب له).<br />
<br />
وإذا كان القاضى والدانى تحدث كثيراَ عن الأحداث والمواقف والشخصيات.. إلى آخر ما يصنع حركة التاريخ ويحكم عليها .. إذن، أين هى شهادة [[جمال عبد الناصر]]..؟<br />
<br />
ثم كانت فرصة (حلقة نقاشية) أخيراَ أقامتها د. [[هدى عبد الناصر]] وحضرها عدد كبير من القوميين والناصريين والشهود من عصر [[عبد الناصر]] ـ فى أغلبهم ـ ووجدتنى، أنتظر الجميع حتى يدلون بشهاداتهم ثم أسأل السؤال الذى حيرنى طويلاَ بعد أن رحل [[عبد الناصر]] فجأة فى [[سبتمبر]] [[1970]]، سألت، وأنا أوجه السؤال إلى إبنة الزعيم:<br />
<br />
ـ سمعنا شهادات كثيرة جداَ، ولم نعرف شهادة أهم شخصية فى [[ثورة يوليو]]؛ [[جمال عبد الناصر]] .. <br />
<br />
لقد قرأت كثيراَ وعرفت ـ وكنت أحد شهود هذه الفترة ـ أن [[عبد الناصر]] كان صريحاَ إلى أبعد الحدود، وأنه كان ـ فى الوقت نفسه ـ واعياَ للمرحلة التى يعيشها إلى أبعد حدود، ومن هنا، فإنه ما كاد ينهى لقاءه مع شخصية سياسية كبيرة أو دبلوماسى كبير إلا وكان أول ما يفعله أن يمضى؛ يجلس مباشرة إلى مكتبه ويكتب ـ بعد اللقاء مباشرة ـ كل ما دار، بالحرف والنص. <br />
<br />
كان واعياَ للتاريخ. <br />
<br />
وواعياَ لدوره الحيوى فى التاريخ. <br />
<br />
فأين ـ عدت إلى سؤالى قبل أن أتحول إلى غيره ـ .. فأين هذه الشهادة؟<br />
<br />
شهادة [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
'''تحدثت ابنة [[عبد الناصر]] وبمرارة شديدة قالت بالحرف:'''<br />
<br />
"شهادة [[عبد الناصر]]، إنها فى محاضر الجلسات التى كان يحضرها فى مجلس الوزراء وفى [[الاتحاد الاشتراكى]] وفى المباحث .. إلخ".<br />
من هنا ـ أضافت ـ كان اهتمامى بنشر محاضر اللجنة المركزية [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]] العربى وقد حصلت عليها بالمصادفة. <br />
<br />
وسوف تنشر ناقصة جلستين بعد أن يأست من تعاون البعض معى (!!) <br />
<br />
أما عن محاضر الأمانة العامة [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]] التى نشرها البعض، والذى يقول فيها أنه أستطاع الحصول عليها حين أعطاها له فى يده أنور السادات وقال له أنشرها .. هنا؛ أنا لا أعرف؛ هل مانشر هو النصوص الحقيقية بغض النظر عن تعليقاته الخاصة؟ هل فى النصوص الحقيقية؟ هل حذف منها شئ ـ مثلاَ ـ الإجابة: لا أعرف؟ لماذا؟ سألت أجابت ـ لأننى ببساطة لا أستطيع الوصول إلى النسخة الأصلية لها بدار الوثائق ال[[مصر]]ية ولا بأى مكان آخر .<br />
<br />
أمر آخر يحيرنى كثيراَ .. أضافت فى حيرة شديدة ومع ذلك أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها [[جمال عبد الناصر]] وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنفيذية العليا؟ <br />
<br />
أين هذه الجلسات؟ إن هناك محاضر وجلسات عثرت عليها بالمصادفة .. وجدته عنده فى مكتبه ـ أى فى مكتب الرئيس ـ لكن يظل السؤال قائماَ، مادمنا لم نعثر إلا على بعض المحاضر ، ، أين باقى محاضر مجلس الوزراء التى كان يحضرها؟ فالمعروف أن [[عبد الناصر]] كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء خاصة فى فترات الأزمات ـ مثلاَ ـ باللجنة التنفيذية العليا .<br />
<br />
'''ومع ذلك، نعود لنسأل:'''<br />
<br />
ـ أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها [[جمال عبد الناصر]] وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنقيذية العليا؟<br />
<br />
كان [[جمال عبد الناصر]] يسجل جميع المباحثات، وكلها كانت محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات .<br />
<br />
[[عبد الناصر]] "عمره ماعمل مباحثات تحت الشجرة" كل شئ مسجل وموجود، وأنا أجزم بذلك. وقد عملت فى سكرتارية الرئيس للمعلومات الفترة من سنة [[1967]] إلى [[1970]] .. وبالتالى فأنا على دراية بما كان موجوداَ.<br />
<br />
إذن، كان [[جمال عبد الناصر]] موجوداَ فى كل الأجتماعات التى كان يحضرها على جميع مستويات الدولة. <br />
<br />
و[[جمال عبد الناصر]] يؤكد مشرعه ويسجله فى كل الاجتماعات التى يحضرها على جميع المستويات. <br />
<br />
لماذا؟ <br />
<br />
ـ لأن ياسته كانت واحدة فى العلن والسر، لم يكن هناك أى شئ مخفى أو شبه علنى، لا، كانت هناك فقط أشياء لا تعلن لدواعى الأمن، لكنها موجودة ومكتوبة ومدونة فى هذه المحاضر .. كل شئ كان موجوداَ وموثوقاَ ولهذا أريد أن أصل إلى هذه المحاضر بأية طريقة. <br />
<br />
تنتهى شجون ابنة [[عبد الناصر]] ولا ينتهى البحث عن شهادته. <br />
<br />
ولا تنتهى هذه المحاولة منا هنا، والآن، لمحاولة رد الاعتبار ل[[عبد الناصر]] بعد نصف قرن من يام [[ثورة يوليو]] وأكثر من ثلث قرن على رحيله. <br />
<br />
المحاولة رغم غياب الوثائق، وغياب الحافز الفردى فى وقت يتعرض فيه [[عبد الناصر]] أهم رموز [[ثورة يوليو]] لنزاع الخلط والخطأ والؤامرة أما الخلط، فهو لغياب المصادر والوثائق. <br />
<br />
والخطأ لغياب الحيدة والوعى. <br />
<br />
والؤامرة، لأن العنصرية الغريبة / ال[[إسرائيل]]ية تبذل كل جهد لغياب الوجه الوطنى العربى المقاوم ل[[جمال عبد الناصر]]. <br />
<br />
وإنما ماذا نفعل ـ فى ضوء التاريخ ـ لنعرف ماذا سيحدث فى المستقبل؟ <br />
<br />
أصبح الماضى ـ فيما نرى ـ هو الدافع الكبير لتحريك الفكر (المضارع) وإدراك (الوعى) الحاضر من أجل امتلاك الإدارة (بالمستقبل). <br />
<br />
ولأن [[عبد الناصر]] جزء من خيوط الماضى؛ فإنه ـ فى ضوء المضارع ـ يظل نسيجاَ حياَ من مصادر الوعى بالحاضر، ومن ثم، الوعى (بمشروعه) هو الوعى باكتمال النيج فى امتداد المستقبل. <br />
<br />
'''[[عبد الناصر]] مازال بيننا:'''<br />
<br />
ورغم أن هذه المحاولة ليست الأولى (أنظر إلى كتابنا: المثقفون و[[عبد الناصر]]، الطبعة الثانية، دار غريب [[2000]]) .. فإننا حاولنا هنا أن نستعيد الوعى ب[[عبد الناصر]] عبر عدد من القضايا الحية، وأذكر أن كل فصوله كانت ـ فى الأصل ـ أبحاثاَ ومجالاَ لمطارحات بين كاتب هذه السطور وبين عدد كبير من الجماهير العربية ـ ليس المثقفين فقط ـ فقط طرحت أغلب هذه الأبحاث بين باريس ومدريد، كما بعضها الآخر بين تونس والأردن و[[القاهرة]] .. إلخ.<br />
<br />
وفى جميع الحالات استفدت عن [[عبد الناصر]] العربى (ولي ال[[مصر]]ى فقط) .. وأقول العربى، لأن [[عبد الناصر]] كان واعياَ للعبد العربى وعياَ حاداَ رغم الهزائم التى شارك فيها العدو والصديق وأعترف أننى استفدت كثيراَ بهذه المطارحات والحوارات سواء مع (شهود) عصر [[عبد الناصر]] قبل ربع قرن، أو الجماهير العربية خارج [[مصر]] وداخلها. <br />
<br />
كما يجب أن أعترف أننى وإن اجتهدت طويلاَ للحصول على الوثيقة لتأكيد دور [[ثورة يوليو]]، فقط نجحت كثيراَ فى الحصول على كثير من الشهادات ـ المصادر الحية ـ ومن شتى التيارات، وهى شهادات ـ كما نرى ـ غاب بعضها، ومازال البعض الآن بيننا وقد أرجأنا بنشر الشهادات، على أهميتها، للجزء التالى .. استكمل فيه عملية رد الاعتبار فى ضوء الشهادات الحية.<br />
<br />
أما عن المنهج الذى اتفدت به ـ فضلاَ عن السطور السابقة ـ فقد كان المنهج التاريخى والموضوعى خاصة، والوثائقي بوجه أخص؛ ثم هذه المصادر الحية عبر (محاضر نقاش) موثقة ومسجلة.<br />
<br />
خاصة أننى أحاول أن أستعيد "مشروع" [[عبد الناصر]]/ [[ثورة يوليو]] فى عصر العولمة .. أى بعد نصف قرن من رحيله، ومن ثم، تحررت من حجاب المعاصرة وإن لم أستطيع أن أتخلص منه تماماَ.<br />
<br />
حاولت ذلك عبر عديد من القضايا المعلقة: أهل الثقة وأهل الخبرة؟؟ ، قضية [[الديمقراطية]]، والتعذيب، العلاقة بين [[القانون]] و[[الثورة]]، حقيقة تأميم [[قناة السويس|القناة]]؛ [[قناة السويس]] .. إلى غير هذا من أصداء غامضة رغم مضى نصف قرن على [[ثورة يوليو]]. <br />
<br />
وفى جميع الحالات فإننى أقول ـ كما قلت ـ منذ قرابة ربع قرن ـ أننى سعيت كثيراَ إلى الحيدة فى الكتابة عن [[ثورة يوليو]] خاصة وعن [[عبد الناصر]] على وجه أخص، غير أنه "مع يقينى أن الحيدة محض وهم فى العلوم الإنسانية، فإننى أزعم أننى جهدت أن أكون محايداَ بالدرجة الأولى" كما أقول دائماَ.<br />
<br />
ولكننى مازلت أسأل نفسى ـ كما فعلت من قبل ـ هل امتلكت ـ بالفعل ـ ادعاء بالحيدة المطلقة؟ أسأل ومازلت أجيب أننى أزعم أننى أحرص على الحيدة، ولكن، أية حيدة عصر الغرب الأمريكى الامبريالى الشرس الآن الذى يحاول أن يطوى دافعاَ تاريخياَ قوياَ بالقضاء على [[المقاومة]] العربية سواء فى نابلس أو [[البحرين]] أو [[القاهرة]] أو الدار البيضاء.<br />
<br />
الذى يريد الآن القضاء على مشروع ثورة [[1952]] ورمزها الحى فى ضمائرنا لا أريد أن أستطرد أكثر فى مؤامرة الغرب و "عسكرة العالم" عقب 11 [[سبتمبر]]، وإنما أرد أو سعيت لرد اعتبار [[عبد الناصر]] الذى وجدناه لدى أبنائنا فى الشوارع العربية، وفى بعض الفضائيات غير المدجنة .. وفى بعض وسائل الإعلام التى تركت (صورة) [[عبد الناصر]]، وربما ترديد (مشروعه) كتنفيس للجماهير العربية التى افتقدت فى عصر المهانة شعار رفع "الرأس" الذى دعا إليه [[عبد الناصر]] منذ نصف قرن أو ينيف.<br />
<br />
بقى أن نوجه الشكر الخالص إلى د. [[هدى عبد الناصر]]، التى أبدت الرغبات فى مراحعة النص، وأفادتنا ببعض الملاحظات المهمة وامدتنا ببعض الوثائق الغائبة فى هذا الصدد. <br />
<br />
وبعد، هذه المحاولة لإعادة اعتبار ل[[ثورة يوليو]] ومشروع "[[عبد الناصر]]" الذى مازال صالحاَ لاشتعادته عبر شروط الحاضر لتجسيد (الفعل) الذى يجب أن ينتقل بنا إلى المستقبل.. <br />
<br />
وآخر دعوانا أن الحمد لله،،<br />
<br />
'''[[مصطفى عبد الغنى]]'''<br />
<br />
'''[[القاهرة]] [[2004]]'''<br />
<br />
==القسم الأول: دراسة==<br />
<br />
===الفصل الأول: [[عبد الناصر]] وقضية الولاء===<br />
<br />
فى البدء كان الولاء.<br />
<br />
فى البدء كان التباين والخلاف بين [[عبد الناصر]] والمثقفين، أو بدا أنه التباين بين الطرفين، الأول بحكم ما يمتلكه من سلطة ثورية والآخر بما يعرفه من سلطة ثقافية، ومن هنا، ارتبطت العلاقة بين الطرفين بطلب الولاء.<br />
<br />
كانت واو العطف هنا فى علاقة [[الثورة]] (و) المثقف علاقة بدهية، المثقف هنا اسم معطوف على [[عبد الناصر]]، ومن ثم، فإن كايهما شئ واحد، فتصبح أطراف المعادلة متساوية.<br />
<br />
ف[[عبد الناصر]] كان رمزاَ (للسلطة [[الثورة]]) أى صاحب القوة، الذى يتعرض لمعارضة قوة كثيرة فى الداخل والخارج، ويسعى لمواجهتها بجبهة واحدة.<br />
<br />
والآخر ـ المثقف ـ كان رمزاَ ( لسلطة ثقافية) أى صاحب كلمة وإن تكن مجردة من أسباب القوة العملية فإنها تسعى لتأكيد سلطة الكلمة وأهميتها دون التنبه لخطورة الغرب ضدنا حينئذ.<br />
<br />
ولما كان صاحب القوة أكثر فعالية.<br />
<br />
ولما كان صاحب الثقافة أقل فعالية.<br />
<br />
فإن العلاقة بين متساويين لم تكن متساوية لم تكن لتشير إلى متعادلين، فقط، اللهم إلا فى الحجج التى يسوقها الاخر، وهى أيضاَ، تخضع كغيرها ـ لقانون القوة؛ ومن ثم نشأ الصراع.<br />
<br />
كان الصراع هو عنوان العلاقة بين سلتطين.<br />
<br />
وكان حسم هذا الصراع مرهوناَ بقناعات بكل طرف وآليات تطوره فى الواقع العربى فى النصف القرن الأخير من القرن العشرين، '''ومن هنا، فإن التعرف على طبيعة هذا الصراع تمر بنا عبر عدة مشاهد:'''<br />
<br />
فلنتمهل قبل كل شئ عند وعى [[عبد الناصر]] للمثقفين قبل أن نصل للعلاقة بينهما عبر هذه المشاه. <br />
<br />
====تمهيد : المثقف : المفهوم والدور====<br />
<br />
ترتبط صورة المثقف عند [[عبد الناصر]] بالنظام أو محدد من خلال منظوره العام.<br />
<br />
فما هو المثقف عند [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
من الملاحظ أن [[عبد الناصر]] منذ منتصف الخمسينات أو قبل ذلك بقليل، حين يد للجماهير حكومة [[الثورة]] ويربط بينها وبين الدولة. فيرى أنها تمثل رمزاَ عاماَ لكل الفئات والرموز العاملة فى ذلك الوقت المبكر فهى تسمى (حكومة المثقفين) والطلاب وأهل الرأى. إذ كانت "حلم هؤلاء المثقفين، كتبوا لها وخطبوا وهى مشغولة البال بأداة الحكم "وفى منتصف الستينات كان يرى أن (طليعة المثقفين) هم الذين يقودوا " العمل والإنتاج والكفاح" فى إطار الدولة القديمة.<br />
<br />
ومراجعة خطب الرئيس [[عبد الناصر]] وتصريحاته طيلة الخمسينات والستينات تؤكد أكثر على أن مفهومه بالنسبة إلى المثقفين لم يكن ليزيد على أهم فئة فاعية تضيف إلى قوة الدولة وقوداَ وتعمل خلالها وهو ما يفسر تعريفه للمثقف خاصة فى الفترة المبكرة من قيام ثورة [[1952]].<br />
<br />
وهنا تحدد مفهوم [[عبد الناصر]] للمثقفين.<br />
<br />
كان المثقف عنده هو من "من يكدح ذهنياَ ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، سواء كان مهندساَ فى الصحراء أو عالم الذرة أو عاملاَ نقابياَ أو كاتباَ أو طبيباَ أو باحثا أو فناناَ أو أستاذاَ أو طالباَ،إن هذه العناصر الكثيرة رغم الرابطة الوحيدة التى يمثلها وصف المثقفين لا تمثل مظلة واحدة لأن المثقفين ضمن تحالف قوة الشعب العاملة ليوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة".<br />
<br />
وفى هذا الإطار، الثقفون هم القوة التابعة، نستطيع أن نتمهل عند كثير من صفات المثقفين، فالمثقف عنده هو غير المتعلم وإنما هو أكثر وعياَ وفعالية بجانب الدولة وهو (المثقف الاجتماعى)، و (المثقف الثورى) و( المثقف الملتزم) و (المثق الطليعة) و(المثقف المحلل) ويتبلور المعنى أكثر مع الوقت فيضيف إلى الثنائية بين المثقف والمتعلم ثنائية السلفى والتغريبى وثنائية البيروقراطى والثورى، ثم تتسع الدائرة أكثر لديه حين يشير فى أكثر من موضوع إلى (المثقف الملتزم) فيضيف إلى المثقف الواع بقضايا المجتمع وعياَ آخر على المستوى القومي والدولي. <br />
<br />
ويتبلور المفهوم والدور أكثر فى الستينات.<br />
<br />
إنه ففى الستينات ـ وقد تحدد الدور أكثر ـ يراه قوة فى التحالف الشعبى وفى نفس الوقت قوة فى فهم أصول القيادة الوطنية وتحقيق الوحدة العربية. ومن هنا "فإن المثقف المتكامل عند [[عبد الناصر]] هو الذى يدرك حقائق الوحدة القومية والتطور الدولى بد إدراكه وفهمه لقضايا التنمية وإدارة المجتمع وطريقة مواجهة تناقضاته مرحلة التحول".<br />
<br />
كان يقول أن المثقفين يمكن أن يتفرقوا فى ماقف ذاتية وطبقية، لكنه يستدرك دائماَ فى أكثر من مناسبة ـ بأنه "يجمعهم دور طليعى" فعال.<br />
<br />
إنهم ليوا طبقة خارج المجتمع أو متميزة فيه، وإنما هم ضمن تحالف قوى الشعب العاملمة.<br />
إنهم "ليسوا طبقة وإنما هم على وحه الدقة قوة".<br />
<br />
ولنا أن نتوقف هنا طويلاَ، لنتأمل فى لفظه (ضمن) أى داخل تيار التغير الثورى وليس خارجاَ عنه بأيه حال.<br />
إن المثقف ـ بوضوح شديد ـ قوة (ضمن) قوى أخرى كبيرة يمثل حاصلها نموذج الدولة التى تحارب على جبهات شتى داخلية وخارجية.<br />
<br />
'''معنى هذا كله أن [[عبد الناصر]] انطلق فى موقف من المثقف من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ إن المثقفون يمثلون (قوة) ضمن التنظيم الشعبى (الوطنى) وليس خارجاَ عنه أو متخذاَ منه موقف المعارضة.<br />
<br />
ـ إن المثقف هو الذى يدرك الوعى الاجتماعى وليس عبر (تنظيم) اجتماعى معاد.<br />
<br />
ـ إن المثقفين هم أقرب إلى العربى منه إلى الوعى الشعبى الضيق.<br />
<br />
ـ إن المثقف لا ينتمى بالولاء لفترة وإنما خلال أطر الدولة وتنظيماتها.<br />
<br />
إن المثقف لا يقود الجماهير ضد القيادة وإنما هو (المثقف الثورى) أى الوسيط بين القيادة الحاكمة الجماهير الشعبية.<br />
<br />
إنه أقرب إلى (المثقف العضوى) ـ كما نعرفه عند [[جرامشى]] منه من المثقف (التقليدى) ويجب أن نشدد هنا على القول أن [[عبد الناصر]] كان يؤثر أن يكون المثقفون (من شتى ألوان الطيف) كادراَ واحداَ داخل منظومة الكفاح الداخلى والخارجى، ومن ثم، فإن الطابع العملى لديه كان يواجه ـ من الناحية الأخرى ـ شيئاَ من التوجه الماغير بحكم تكوين المثقف ووعيه فى هذه الفترة.<br />
<br />
كان المطلوب من المثقف فى هذه الفترة ( الولاء) حين كانت قيادة [[عبد الناصر]] تحشد جميع القوى ضد الأخطار الداخلية والخارجية.<br />
<br />
وكانت مواقف المثقفين الخارحين من الفترة الليبرالية تعدد بين عديد من المواقف والأنماط.<br />
<br />
فى أول قيام [[الثورة]] بدا أن (التأييد) المطلق للمثقفين هو السائد فى العلاقة بين [[الثورة]] والمثقف، لكن مع أزمة [[1954]] تعددت المواقف، فأضيف إلى المثقف المؤيد ـ الذى بدا العديد من رموزه تتراجع ـ المثقف المتمرد والمتردد والمثقف الصامت.<br />
<br />
ومع توالى الأحداث وقرب النخبة السياسية من النخبة العسكرية بدأت كثير من المواف تتراجع وتتحول إلى أنماط مغايرة فى وقت كان النظام يحرص ـ لتأمين نظامه ـ على قيمة الولاء فى المقام الأول.<br />
<br />
ولأن موقف [[الثورة]] تواقف مع البعض، فإنه تعارض مع البعض الآخر، ومن هنا، كان علينا أن نشهد فترات متباينة فى التاريخ فى علاقة [[عبد الناصر]] مع المثقفين.<br />
<br />
وهى فترات أخذت صور العلاقة بينهما شكل الصراع لضمان قيمة (الولاء) فى فترة توالى المخاطر على النظام ال[[مصر]]ى ومحاولة النيل منه. <br />
<br />
====المشهد الأول : قضية الولاء====<br />
<br />
بدهى أنه لايكمن أن نتحدث عن علاة [[عبد الناصر]] بالمثقفين دون أن نعثر ـ خاصة منذ باية الخمسينات ـ على نخبتين: العسكرية والثقافية.<br />
<br />
الأولى نخبة قيادية، والأخرى (تابعة) لها.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة التبعية بينهما تستمد قيمتها من عنصر (الولاء) و (الأمن) السياسى.<br />
<br />
ولأن [[الثورة]] كانت تريد نأمين نفسها فى السنوات الأولى، فقد كانت قضية (الولاء) ـ كما أسلفنا، هى أهم القضايا التى أنجبت قضايا أخرى، أهمها ما يسمى (بأهل الثقة وأهل الخبرة) وبدهر أن التفضيل لأهل الثقة يعنى التضحية بأهل الكفاءة.<br />
<br />
ومن البدهى هنا أن الولاء كانت تعنى مصطلحات كثيرة ترددت فى هذه الفترة من مثل (التعاون) أو (أهل الثقة) ، وهو ما نفهم معه أن النخبة من ذوى التوجه الفكرى مثل قسماَ تابعاَ تم تجنيده من بيروقراطية الدولة على أساس مهنى وتمثيلى وليس على أساس انتماء سياسى مستل (أى انتماء حزبى مستقل)، وعلاقته بالنخبة الياسية أو مؤهلاته الأولى كانت (الولاء).<br />
<br />
والذى يراجع هذه الفترة يلاحظ أنه فى حين بدا (التعاون) مرهوناَ ببدايات قيام [[الثورة]] لإبداء حسن النية بدا أكثر صعوبة بعد أزمة [[1954]] بوجه خاص ووصلت إلى قمتها مع [[حرب السويس]] [[1956]] '''وهى الفترة التى تمخضت عن سمتين هامتين:'''<br />
<br />
ـ نهاية الفترة الليبرالية.<br />
<br />
ـ تحول النظام إلى شرعية خاصة بعد انتهاء الحرب.<br />
<br />
ومع تشديد يد السلطة العسكرية على النظام بدا التشديد أكثر على قيمة (الولاء) وتفضيله، خاصة، أن [[عبد الناصر]] وجد نفسه ـ على الأقل عقب أزمة 54 ـ وسط معاد أو محافظة بالنسبة لخط العهد الجديد وهو مازاد الهوة بين العسكريين والمدنيين.<br />
<br />
بين [[عبد الناصر]] ـ الذى أصبح الآن رئيساَ متوجاَ بانتصاره فى [[حرب السويس]] ـ والمثقفين المعادين للثورة فى جملتهم خاصة أن الصراع أيديولوجياَ كان قد وصل إلى مناطق خطيرة مع عدد كبير من الليبراليين [[الإخوان]] واليسار الماركسى.<br />
<br />
وهو ما انعكس فى إثار العسكريين أكثر من المثقفين، وإثار فئة التكنوقراط والكوادر الفنية أكثر من ذوى الاتجاه الإنسانى والسياسى.<br />
<br />
وعبوراَفوق مظاهر كثيرة لقيمة (الولاء) وأثرها، سوف نتمهل عند بعض النماذج من المؤسسات لنرى إلى أين أتجه [[عبد الناصر]] فى تعامله مع المثقفين لحماية النظام.<br />
<br />
'''ويمكن تأكيد هذا العامل ( الولاء) عبر إجازه فى عدة نقاط دالة كالتالى:'''<br />
<br />
ـ كان الولاء ـ كما أشرنا ـ الباعث الرئيسى فى اختيار المثقفين خاصة فى تشكيل الوزارات، وهو ما تأكد منذ أول تشكيل وزارى للثورة إذ يلاحظ أنه فى وزارة 7 [[سبتمبر]] [[1952]] تم تشكيلها من عدد سبق انتماء بعضهم إلى [[الحزب الوطنى]] الجديد. وكان الباعث الرئيسى أن هذا الحزب لم يشارك فى أى تنظيم سياسى قبل [[الثورة]] كما لم يكن له أنصار تخيف.<br />
<br />
الحكام الجدد، وكان يرأسه [[فتحى رضوان]] المثقف الذى تربطه ب[[عبد الناصر]] علاقات وثيقة فضلاَ أنه شارك فيه.<br />
<br />
اثنان من [[الإخوان المسلمين]] ممن كانا قد رشحا من [[المرشد العام]] دون الرجوع على [[مكتب الإرشاد]].<br />
<br />
ـ مع اختفاء المثقفين الذى ارتبطوا بأحزاب شعبية أو أفكار يمكن أن تعادى النظام الجديد، يلاحظ أن معظم من تولوا الوزارة فى الخمسينات (كما نلاحظ من الجدول) كانوا من المتخصصين وليسوا من السياسيين بأية حال أو ممن لم يمارسوا العمل السياسى قبل [[الثورة]].<br />
<br />
ـ وهنا يمكن أن نلاحظ أثر الاطراد العكسى بين النقص المستمر فى التخصصات [[القانون]]ية والإسنانية من عام [[1952]] والاطراد المستمر فى التخصصات التكنولوجية والعلوم، ويلاحظ [[دو كجيمان]] هنا أن نسبة المثقفين من ذوى التخصصات الإنستنية انكمشت، فبد أن كانت 18,8% فى [[سبتمبر]]انخفصت إلى حد التلاشى تماماَ علم [[1964]].<br />
<br />
ـ كان هذا يعنى أن اختيار المثقفين فى المناصب الرسمية يخضع لتدقيق شديد: وعلى سبيل المثال نجد أنه من تولى وزارة الثقافة والإرشاد القومى اثنان من المثقفين: [[فتحى رضوان]] و[[حسنين هيكل]] كانوا ينتمون إلى النظام بصلة تعاطف بل وعلاقات وثيقة ب[[عبد الناصر]] نسفه. <br />
<br />
كان تأمين النظام أهم ما يهم [[عبد الناصر]] فى تلك المرحلة لمواجهة أية من المشاكل الخارجية والداخلية. <br />
<br />
فيقومون بدورهم كما هو تصور [[عبد الناصر]] داخل التنظيم الرسمى وليس ضده بأية حال.<br />
<br />
ـ هذا يفسر إذن ابتعاد [[عبد الناصر]] عن المثقفين ممن لهم خلفية سياسية أو يعملون فى المجال السياسى، ومن هنا، ظل الاعتماد على أولئك من أصحاب فكر المستقبل والنخبة المدنية ممن لا يشكلون قاعدة مستقلة عن السلطة المركزية.<br />
<br />
لقد بدا أن العلاقة بين [[عبد الناصر]] والتكنوقراط أكثر منها بين [[عبد الناصر]] والمثقفين الذين لا يرضون عن قيم الانتماء للنظام والعمل فى ركابه.<br />
<br />
ـ وعلى هذا النحو، بدا الاعتماد أكثر على العسكريين إلى جانب استبدال المثقفين التقليديين بنوع آخر من التكنوقراط ممن يضمن ولاءهم ـ على الأقل ـ بالتحييد أو عدم العمل بالسياسة التى تتعارض مع توجهات النظام مما بدا معه أن وجود المدنيين فى التشكيلات الوزارية الخاصة.<br />
<br />
وهذا يعنى ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن المعيار الوحيد ـ للوزراء ـ على سبيل المثال ـ كان خضع اقيمة (الولاء الساسيى)، ومن هنا ، كان من الطبيعى أن نلاحظ أن العدد الحقيقى للوزراء من المدنيين كان قليلاَ جداَ بل أقل من عددهم المثبت فى الجدول الخاص بالوزراء ومما جاء فى الإحصاءات الرسمية وهو ما وجدناه أيضاَ فى كثير من مؤسسات الدولة كالنظام والجهاز التشريعى والنشاطات الاقتصادية ومجلس الوزراء والوزراء بل وفى الصحافة أيضاَ. <br />
<br />
ومع أن هذه النسبة تراجعت قليلاَ بعد هزيمة [[1967]]، فإن النبة التابعة للنظام المدينة للولاء، التى لا تنتمى لأى تيار سياسى مستقل أو تتبع (تنظيماَ) سياسياَ مهما يكن تعاطفه مع النظام، وهو ما ستلقى به أكثر حين نترب من [[عبد الناصر]] الذى دعا المثقفين ـ بوضوح وصراحة شديدتين ـ أن يستعدوا عن أى تنظيم أو أى ولاء مغاير ليلعبوا دوراَ إيجابياَ.<br />
<br />
وفى التعامل مع المثقفين استخدم معهم أكثر من وسيلة: إما رفض أى تنظيم معارض وإما محاولة استقطابهم بشروط الولاء أو السيطرة على مؤسساته ومجالسه النيابة لحمايتها من المعارضينله وسوف نتوقف عند الجانب الأول: رفض أى تنظيم معارض وتطويعه.<br />
<br />
إنه دعاهم ـ فى الغالب ـ ليقوموا بدور تبشيرى لتأكيد أفكارهم، خاصة؛ التيار اليسارى.<br />
<br />
====المشهد الثانى : سان بيترز====<br />
<br />
كانت خشية [[عبد الناصر]] من أصحاب التنظيمات خارج الإطار الرسمى للدولة أكثر ما يجسد خوفه من العقائديين، وهو ما يظل يردده مرة بعد مرة.<br />
<br />
وكما كان يردده بالنسبة ل[[جماعة الإخوان]] والمنتمين لهم من ذوى التوجه الفكرى، كذلك ظل يردده بالنسبة للشيوعيين إما بزجهم إلى السجون أو إزاحتهم عن كافة المناصب اولئك الشيوعيين، ومن شهادة ل[[طاهر عبد الحكيم]] نقرأ أن [[عبد الناصر]] سعى إلى "إزاحة هؤلاء الشيوعيين من كافة التشكيلات والتنظيمات والمؤسسات ذات الطابع الجماهيرى، فمن فصل ما يرب إلى مائة من الصحفيين والشيوعيين والديموقراطين من [[جريدة الجمهورية]] والمجلات التى تصدر عنها، إلى فصل الطلبة الشيوعيين والديموقراطين من الجامعة إلى تحريم الوظائف العامة على الشيوعيين".<br />
<br />
كانت سياسة الولاء لا تفيد فى التعامل مع الماركسيين كنتظيم أو إطارات مؤسسية ـ على سبيل المثال ـ ومن ثم، فقد اتخدم معهم سياسة عنيفة لأنهم كانوا عقائدين يسعون ـ فى رأيه ـ إلى النظام وليس إلى تغيير بعض الأفكار أو العمل تحت إمرة (الحكومة ال[[مصر]]ية) فى هذا الوقت، وقد سجلت الفترة بين عانى [[1958]] ـ [[1964]] موقفاَ عنيفاَ من [[عبد الناصر]] ضد هذه الكوادر فى محاولة استمالتها إلى سياسة الولاء.<br />
<br />
كانت هذه هى الفترة التى التقى فيها [[أنور السادات]] ـ بناء على تعليمات [[جمال عبد الناصر]] ـ عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى ال[[مصر]]ى عام [[1958]] لإرغامه على حل [[الحزب الشيوعى]] ال[[مصر]]ى، فى هذا اللقاء بين مندوب [[عبد الناصر]] بمندوب الشيوعيين ال[[مصر]]يين '''قال [[أنور السادات]] ل[[محمود أمين العالم |محمود العالم]] بصراحة شديدة:'''<br />
<br />
ـ عاملين تنظيم ليه؟<br />
<br />
تنظيم يعنى سلطة، احنا عملنا [[تنظيم الضباط الأحرار]] وأخذنا السلطة، أنتم تصرون على أن تبقوا ب[[الحزب الشيوعى]] ليه وهو تنظيم، يعنى عايزين سلطة يا محمود.<br />
<br />
وحين أبدى الأستاذ [[محمود أمين العالم]] رغبة شديدة فى (التعاون) مع النظام "محتفظين بمنبرنا المستقل، رفض هذا النظام وتم القبض على جميع الكوادر السياسية الشيوعية و[[الإخوان]] الذى تمثل محاولة قريبة الشبه بتلك فى فترة مبكرة من إنشاء هيئة التحرير، وقد ظل النظام لسنوات بعدها ـ كما يقول [[طاهر عبد الحكيم]] ـ معادياَ لفكرة وجود تنظيم سياسى مستقل عنه، ومن هنا، كان الضغط المستمر والمتصاعد من أجل حل [[الحزب الشيوعى]] ال[[مصر]]ى.<br />
<br />
كان من الواضح أن [[عبد الناصر]] حريصاَ أشد الحرص على أن يكون المعارضين (تابعين) للتنظيم الرسمى، وأنه لا مجال هناك للصراع بين التنظيم الرسمى وأى تنظيم آخر ـ يسارى أو إسلامى ـ لقد اتخذ موقفاَ عنيفاَ من اليسار لأنه رفض حل الحزب والانضمام [[الاتحاد الاشتراكى|للاتحاد الاشتراكى]].<br />
<br />
واتخذ موفاَ عنيفاَ من [[الإخوان]] لأنهم رفضوا ـ قبل ذلك ـ الانظمام إلى هيئة التحرير.<br />
<br />
لقد كان المثفون فرادى ـ مهما عارضوا ـ غير خطرين، أما حين يقوموا بدور مناقض من داخل تنطيمات معادية فهنا الخطر الذى يخشى منه [[عبد الناصر]].<br />
<br />
كان يدعو إلى الولاء ليتعامل مع المثقفين.<br />
<br />
وهنا ثمة مفارقة تؤكد هذا، فكثير من المقبوض عليهم داخل السجون كانوا يعلنون (الولاء) ل[[عبد الناصر]]، لكنهم مع ذلك لم يفرج عنهم، أو ـ حتى ـ تحسن معاملتهم ـ '''يفسر هذا [[محمد سيد أحمد]] مندهشاَ:'''<br />
<br />
(ـ .. لأننا لم نكن ندين "بالولاء" لتنظيم [[عبد الناصر]] الرسمى أو لنظامه، لقد كان [[عبد الناصر]] يريد منا ـ بوضوح شديد ـ حل التنظيم، حل الخطر المنظم المخيف كما كان يراه .. ).<br />
<br />
والغريب أنه ـ حتى ـ بعد أن تم حل الحزب وخرجوا من السجن كانت الخشية منهم قائمة، كان [[عبد الناصر]] يؤثر أن يظلموا بعيداَ عن العمل السياسى بأية حال، وهو ما ترجمه موقفه منهم بعد خروجهم حين لم يعمل منهم الكثير، كما لم ينضم منهم للتنظيم الرسمى الكثير.<br />
<br />
كان الأمر لا يخلوا من تخوف لدى النظام القائم.<br />
<br />
وقد كان اللقاء الأخير الذى تم بين [[عبد الناصر]] والمثقفين فى عام [[1969]] دافعاَ لتبرير هذا الموقف وداعياَ إليه.<br />
<br />
لقد استبدل [[عبد الناصر]] بمفهوم الولاء مفهوماَ مرادفاَ له فى المعنى مؤكداَ له فى القيمة.<br />
<br />
ففى حين اشتكى فيه اليساريون بأنه يجرى تمييز عنيف ضدهم فى [[الاتحاد الاشتراكى]] ليسقطوهم حين طلب منهم أن يظلوا بعيداَ عن التأثير السياسى، ففى هذا اللقاء طلب [[عبد الناصر]] منهم الابتعاد عن العمل السياسى إلى التبشير بأفكارهم الاشتراكية وإن كانت على طريقة القديس [[سان بيترز]].<br />
<br />
والمعروف أن [[سان بيترز]] قضى الجزء الأخير من حياته مبشراَ بالمسيحية، مكتفياَ بالتبشير دون اللجوء إلى التنظيم العقيدى أو العنف بأية حال، وربما كان [[عبد الناصر]] ـ كما يذهب أحد الحاضرين أن دور [[سان بيترز]] اقتصر على الصلب، ولما كان هو مؤسس الكنيسة الكاثوليكية الذى صلب فى روما بالفعل، فيبدوا أن [[عبد الناصر]] ـ كما لاحظ [[لويس عوض]] طلب من الشيوعيين أن يلاقوا مصير هذا الديس الذى طلب منهم الصلب من أجل آلامهم.<br />
<br />
ويضيف أحد الحاضرين حينئذ عبارة [[عبد الناصر]] بشكل قريب من هذا، '''يقول أبو سيف يوسف إن [[عبد الناصر]] قال لهم:'''<br />
<br />
ـ يجب أن تكونوا مثل [[[[سانت بيتر]]ز]]، أى بشروا بالاشتراكية. أى ـ بمعنى أدق ـ ابعدوا عن السلطة.<br />
<br />
ويبدو أن [[عبد الناصر]] كان يريد تحقيق الاشتراكية بدء من أول الستينات ولكن لم يكن ليريد أن يشاركه معه اولئك الذين يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام، فحاول أن يحقق الاشتراكية (بدون اشتراكين)، اولئك الذين كانوا فى السجون إبان محاولات [[عبد الناصر]] الدؤوبة لتحيق العدل الاجتماعى وتأكيد قيمة المثقف ولكن داخل النظام لا خارجه.<br />
<br />
إنه الولاء الذى يطالب به ثانية من أجل التفرغ، لم يكن يريد للتناقضات الداخلية أن تستنفد جهوده للمعارك الخارجية بأية ثمن .. وهناك سؤال طرح فى هذا اللقاء يحمل معنى دالاَ، '''فقد كان أول ما سأل [[عبد الناصر]] عنه فى هذا اللقاء، هذا السؤال:'''<br />
<br />
ـ من تقدم للانتخابات النيابية هذه الفترة؟<br />
<br />
لستمع [[عبد الناصر]] قليلاَ لمن قال: نعم، غير ان [[أبو سيف يوسف]] قال وحده : لا، لم أتقدم للانتخابات.<br />
<br />
'''فقال [[عبد الناصر]] بما يجب تجيله لأهميته هنا:'''<br />
<br />
ـ اللى اتقدموا غلطانين وأبو يوسف صح..<br />
<br />
ـ من حقكم أن تبشروا بالاشتراكية مثل القديس بطرس، لكن غير مسموح لكم أن تتقدموا أو تستندوا للجماهير ضدى.<br />
<br />
ومهما يكن من درجة الاختلاف حول موقف [[عبد الناصر]]، فإن إيثاره لقيمة (الولاء) أو دعوته (للتبشير) هنا، إنما كان وراءها مفهوم آخر، لا يمكن فهمه إلا فى عصر [[جمال عبد الناصر]]، وهو أن المعارك التى دخلتها [[مصر]] بقيادة [[عبد الناصر]] فى الخمسينات والستينات كانت تحتاج إلى وحدة فى القصد، لم يكن هناك مكان ـ أى مكان ـ لإفرازات عقيدية أو أيديولوجية ـ ولم يكن هناك وسيلة للتحدث عن [[الديموقراطية]] فى وقت كان ينبغى توحيد الجهود لمعركة شاملة.<br />
<br />
التنوع أو الاختلاف هنا لن يفيد أمام عدو متحد لا يوزع الولاء فيه أكثر من مكان فى الجبهة الرئيسية.<br />
<br />
ويبدوا أن الاشتراكيين أنفسهم أدركوا هذا فى الفترة الأخيرة لوجود [[عبد الناصر]] بيننا.<br />
<br />
ويبقى أن نتنبه نحن ـ لآن ـ لهذا الدرس فى الصراع الدائر الذى يجب ألا يكون بيننا، ولكن بيننا وبين الغرب.<br />
<br />
'''وبعد، بقيت عدة إشارات لا بد من العودة إليها:'''<br />
<br />
ـ لم يكن [[عبد الناصر]] ليترك المثقفين المعادين له لتهديد النظام، وكما اتخذ مواقف عنيفة من بعض المثقفين الذين كانوا مستقلين، ولكن من ذوى الاتجاه السياسى المعارض (مثل [[إحسان عبد القدوس]])، فإن موقفه كان أشد قسوة من اولئك الذين انتموا إلى تنظيمات عقيدية أو اشتراكية وبوحه خاص من الماركسيين المنظمين.<br />
<br />
(وعرفنا من هؤلاء فى [[سوريا]] ـ فترة الوحدة ـ البعثيون، والقوميون الاجتماعيون.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] يرى أن النظام الجديد هو الذى يمثل (المثقف)، وعلى المثقف الواعى ـ وقد وضع تعريفات كثيرة له كما رأينا ـ هو الذى ينضم إلى الحكومة القائمة التى يمكن أن تسمى حكومة [[الثورة]] أو الحكومة المثقفة، وكثيراَ ماردد فى خطبة هذه العبارة الدالة "إن حكومة [[الثورة]] هى حكومة الأمة بطبقاتها جميعاَ".<br />
<br />
وهذا هو ماشكل (المرجعية) الفعلية ل[[عبد الناصر]] فى تعامله مع المثقفين.<br />
<br />
كان (الولاء) أهم ما يحرص عليه فى التعامل مع أولئك المثقفين.<br />
<br />
ـ إن استخدام الولاء فى السنوات الأولى كان ـ بوجه خاص ـ لحماية النظام، وإن تداخلت معه عوامل أخرى فيما بعد، غير أن الحرص على النظام كان المحل الأول لحمايته من أعداء كثيرين، كانوا ـ فى أغلبهم، ينتمون إلى قوة منظمة فى الداخل والخارج.<br />
<br />
كان يرى أن المعركة مع العملاء الداخلين أو الخارجين إنما يستلزم توحيد الجهود، وأياَ كانت المسميات من إفرازات أيديولوجية أو معارضة، فإن العدو المتربص بنا يستوجب منا الحيطة، فلا نتوزع هنا وهناك بمسميات أو تيارات مختلفة، وإنما يكون (الاستقطاب) لمواجه عدو شرس خطر أمامنا.<br />
<br />
ـ إن [[عبد الناصر]] لم يكن ليعادى أحداَ على المستوى الفردى، وإنما كان أى مثقف ينتمى إلى مؤسسة (كالجامعة) أو تنظيمات (كالتنظيمات الإخزانية أو الماركية) ممن يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام.<br />
<br />
ولدينا أمثلة كثيرة لمثقفين عبروا عن آرائهم ضد النظام لم يتخذ ضدهم [[عبد الناصر]] أى إجراء، وعلى سبيل المثال كان العقاد يهاجم [[عبد الناصر]] فى بيته وجلساته الخاصة، وكان الحكيم قد كتب أكثر من مسرحية تهاجم النظام وهو وهو ما فعله بشكل أكثر قسوة [[نجيب محفوظ]] .. إلخ.<br />
<br />
ـ يرتبط بهذا أن النظام كان حريصاَ ألا يستعين بمثقفين من ذوى الماضى السياسى المغاير أو السياسى المختلف لحماية النظام، والدليل على هذا أن التشكيلات الورازية لو تضم غير كفاءات إدارية وتنفيذية عالية، من المثقفين الذين لا يحملون أى ماضى سياسى أو فكرى مستقل، وعدا كل من [[حلمى مراد]] و[[عبد العزيز كامل]] نلتقى بأسماء مثل [[عزيزة صدقى]] و[[سيد مرعى]] و[[عبد العزيز حجازى]]، وحين أخرج [[حلمى مراد]] من الوزارة عين بدلاَ منه [[محمد حسنين هيكل]].<br />
<br />
وهو ما يبدو معه غلبة فئة التكنوقراط أكثر من المثقفين (المسيسين) أو من الشيوعيين أو أياَ من أعضاء التنظيمات السياسية المعادية سابقاَ رغم خروجهم من السجون.<br />
<br />
كان (الولاء) فى بداية الخمسينات هو أكثر ما حرص عليه [[عبد الناصر]] فى معركته فى الداخل والخارج، وهو ما يمكن أن نفسر به كثيراَ من معاركه مع المثقفين بشكل فردى أو جماعى، سواء أطلقنا كلمة (الولاء) أو (التعاون) أو (التبشير).<br />
<br />
كان هدف الرئيس مجابهة العدو بجبهة قوية متراصة.<br />
<br />
هو الدرس الذى لم يستفد منه المثقفون الآن، حيث تعدد، مواقف المثقفين بين أنماط شتى ومن مرجعيات شتى حيث تحول عصر العولمة إلى مصطلحات وتوجيهات شتى حيث نتعرف على مصطلحات جديدة مدمرة: كأن نتحدث عن مثقف السلام أو التطبيع أو ضروة التمويل أو البحث عن حقوق الأقليات .. إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأمانا الآن فى الوطن العربى، كما فى الغرب كله نماذج حادة شتى لهذا التصنيف؟؟ والغادر المخيف.<br />
<br />
===الفصل الثانى: [[عبد الناصر]] وقضية التعذيب===<br />
<br />
لا يمكن أن ننزع ظاهرة من سياقها..حدثت نفى فى هذا الشهر ونحن نسمع إثارة قضية حقوق الإنسان ـ ضمن قضايا كثيرة عن [[الثورة]] ـ .. أصوات غاضبة، مشهورة فى أغلبها مشحونة بالغضب، تتحدث عن إنجازات [[الثورة]]، وأصوات أخرى خافتة ممرورة تتحدث عن المصير الذى لاقاه المثقف وخاصة حين مورس ضده (التعذيب) وأصبح المثقفون فى سجون [[عبد الناصر]] يلاقون الإعانات لسنوات عرفوا فيها الكثير من صنوف التعذيب وأنواعه العديدة التى وجدناه فى أدبيات السجون فى هذه الفترة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو وجدنا أنفسنا فى زمن تفرق فيه الجميع بين صورتين مؤيد ل[[ثورة يوليو]]، ومعارض لها.<br />
مؤيد لإجراءات زعيم [[الثورة]].<br />
<br />
معارض له.<br />
<br />
محللين للظاهرة فى الإطار الأشمل للدولة الاستبدادية فى الشرق، وأشكال قمعها المتوارث بحيدة تجهد أن تكون علمية.<br />
<br />
وتصل درحة التأييد أو المعارضة ـ وما بينهما ـ إلى حالة تشبه (النوستالوجيا). نرى فيها ندابات ومغنيين ووجوه قديمة نعرفها ووجوه جديدة لا نعرفها مع تقدم السن وقلة المعرفة.<br />
<br />
وفى جميع الحالات نعيش كثيراَ من قضايا [[الثورة]] فى مناخ غريب، ولا أمس من أن تعتقد الندوات وتقام المؤتمرات، ويمضى الشهر الحزين مردداَ من ورائه أنه لا المعارضون ولا المؤيدون يعرفون حركة التاريخ جيدا، فقط حجاب المعاصرة هو الذى يسدل على التاريخ فيغيب أهم ما فيه ويزيد من كثافته تصفيق المتفرجيت واستياء المغرضين.<br />
<br />
وقبل أن نصل إلى إحدى الظواهر المثارة فى هذه الحقبة، ثمة ملاحظات أولية لابد من الإشارة إليها قبل كل شئ.<br />
<br />
'''ملاحظات أولية :'''<br />
<br />
لايمكن أن نتحدث عن انتهاك انتهاك لحقوق اإنسان فى الإطار الكبير له من حيث علاقة [[الثورة]] بخصومها دون أن نشير إلى ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
وبداية، فإن ظاهرة (التعذيب) أهم ظوافر حقوق الإنسان محرمة كل التحريم فى الوعى الإنسانى، وهى، على المستوى البشرى لا يمكن تبريرها تحت أى ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها فى سياقها يصبح خروجاَ على الحكم الخاطئ فى مباراة ارتضى جميع الأطراف فيها حكماَ من الخارج.<br />
<br />
ومن هنا، فإن القضية مرفوضة تحت أية دفوع فى محكمة التاريخ أو فى الواقع خارج التاريخ حيث نعيش جميعاَ المعاصرة، ونتعامل مع مفردات الحياة الراهنة، ومن هنا، يجب أن نذكر فى هذا السياق مكانة هذه الظاهرة فى [[القانون]] الدولى وبصفة خاصة فى الإعلام العالمى لحقوق الإنسان الذى ينص فى مادته الخامسة على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإطاحة بكرامته".<br />
<br />
ونستطيع فى هذا السياق أيضاَ ذكر عشرات من تقارير مجلس [[الأمم المتحدة]] للوصاية وعديداَ من القواعد النموذجية التى أقيمت تحت إشراف [[الأمم المتحدة]] لحماية المسجون السياسى وكثيراَ من المؤتمرات التى عقدت منذ عام [[1955]] حين أقيم أول مؤتمر للأمم المتحدة لحماية السجناء وحتى آخر مؤتمر عقد العام الماضى فقط تحت رعاية [[الأمم المتحدة]] أيضاَ تركيزاَ على ما حدث فى [[البوسنة]].<br />
<br />
وقبل كل هذا فإن الأديان كلها لا تبرر أى تعذيب، كما أنها ضد امتهان كرامة الإنسان وآدميته.<br />
وإن كان يخرج عن سياقنا الآن أنه مع أول مؤتمر حتى آخر مؤتمر لم يتغير شئ، غير أن مبادئ الإنسانية تظل هى القاسم المشترك التى لا بد من التنبه إليه والتمسك به بصفتنا بشراَ فى النهاية.<br />
<br />
إن حقيقة رفض التعذيب والبرهنة عليه فى رفض (آلياته) عبر المؤسسات الدولية والأديان السماوية، هى الملاحظة الأولى، فهى ما يلاحظ من أن هذه الحقيقة تصطدم لدى الإنسان بكثير من النوازع البشرية، فنحن لا نستطيع أن نمنع أنفسنا فى هذا السياق من مشاعر شتى، خاصة، ونحن ما زلنا نعيش بشكل ما فترة حكم [[عبد الناصر]] بالسلب أو الإجابية ـ كما أسلفنا ـ وهو ما يسلمنا، مع هذا، أو رغم هذا، إلى شئ من الحيرة عند الحكم على ظاهرة ما زلنا فى معظمها من شهودها بشكل ما.<br />
<br />
نقول هذا بشكل أكثر بساطة.<br />
<br />
إن ظاهرة (تعذيب) [[عبد الناصر]] لخصومه ما زالت أكثر الظواهر المحيرة.<br />
<br />
هذه الحيرة تنعكس فى ردود الفعل الحادة التى ما زلنا نصطدم بها.<br />
<br />
فالبعض ما زال يرفض أن يردد أن التعذيب يمثل السمة الرئيسية فى [[عبد الناصر]]، وأنه راح يضيع كل إنجازات [[الثورة]] التى ظلت سنوات طويلة تعمل وتحارب من أجلها وأن صاحب هذا الرأى يرى أن الدولة كانت مطالبة بالحفاظ على نظامها، وأن خصوم [[الثورة]] كانوا يستطيعون ـ لو تركوا طلقاء، بأسم الحرية ـ أن يهتبلوا الفرصة ليقضوا على [[الثورة]]، وهاجس الخوف من المثقفين وتنظيماتهم نجدها فى كثير من مواقف [[عبد الناصر]].<br />
<br />
وتصريحاته، يقول [[جمال عبد الناصر]] ـ على سبيل المثال ـ فى اجتماعات اللجنة التحضيرية المنعقدة عام [[1962]] مخاطباَ [[خالد محمد خالد]] وهو يطالبه ب[[الديموقراطية]] والحرية.<br />
<br />
"ـ يوجد شيوعيون طلقاء، وأنت تعرف ذلك، وأنا أعرف ذلك، وكل الناس يعرفون أنه يوجد ماركسيون خارج السجن .. ف[[الحزب الشيوعى المصرى]] يأخذ تعليمات من "صوفيا"، وقياداته موجودة فى صوفيا، ويأخذ تعليمات من [[بلغاريا]] ، كيف أقول عن هؤلاء الناس أنهم وطنيون، وآمن لهم أن يتصدوا قيادة هذا الشعب .. إلخ".<br />
وهو ما يقوله مرة أخرى.<br />
<br />
"ـ إن أى واحد يتلقى تعليمات من الخارج اعتبره غير أمين على بلده، وأنا متأكد بكل أسف أنهم يأخذون تعليمات من الخارج".<br />
<br />
وكانت هذه هى الفترة التى قال فيها [[إلهام سيف النصر]] فى معتقل أبو زعبل : " .. بعد إيقاف التعذيب مباشرة، حضرت لجان طبية للكشف على بعض المعتقلين، وكان السبب فى حضورها .. و .. والدور العظيم الذى لعبته الدول الاشتراكية فى المناداة بالإفراج عنا وإيقاف التعذيب".<br />
<br />
إنها الحيرة المزمنة فى قضية لها أطراف كثيرة.<br />
<br />
وهذه الحيرة لم تنجم عن نقض المادة أو ندرة الشهود، وربما لكثرة المادة وأصوات الشهود التى تحدث ضوضاء أكثر مما تحسم فى القضية، خاصة وأن كثيرين ممن هبطوا إلى سجون [[عبد الناصر]] أدلوا بدلوهم فى هذه القضية حسب مواقفهم وانتماءاتهم .<br />
<br />
وفى هذا يمكن أن نذكر بعد هذه الأسماء: [[عبد العظيم أنيس]]، [[لويس عوض]]، [[إسماعيل صبرى عبد الله]]، [[طاهر عبد الحكيم]]، [[محمود أمين العالم]]، [[فتحى عبد الفتاح]]، [[خليل قاسم]]، [[إلهام سيف النصر]]، [[صلاح حافظ]]، [[مصطفى طيبة]]، [[محمود السعدنى]]، [[محمد سيد أحمد]]، [[عبد الستار الطويلة]]، [[صنع الله إبراهيم]] وكثير من الشعراء [[فؤاد حداد]] و[[زكى مراد]] و[[كمال عمار]] .. وغيرهم.<br />
<br />
وهذه الحيرة، التى ندين فيها فى نهاية الأمر التعدى أياَ كانت مبرراته، تصيبنى، على المستوى الشخصى بحيرة مضاعفة.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى الملاحظة الثالثة.<br />
<br />
أعرف أننى ظللت لسنوات حائراَ، ما أكاد أصل إلى رأى وأستريح إليه حتى يفاجئنى آخر، فيزلزل كيانى، وأعاود من جديد رحلة البحث والشك، وما كاد يصلنى الشك إلى اليقين مرة أخرى حتى أعاود رحلة الشك من جديد.<br />
<br />
ويفسر هذه الحيرة التى وقعت أسيراَ لها لسنوات، أننى أنتمى إلى هذه الفترة بحكم تكوينى الفكرى، والفترة الزمنية التى عشتها صبياَ فى إنجازات [[الثورة]] وشاباَ أشهد انتصارات الخمسينات، طالباَ بمدارس [[عبد الناصر]] وجندياَ بالجيش ال[[مصر]]ى فى هزائم الستينات من هذا القرن. محبطاَ من انفصال 61 منتشياَ بإنجازات [[الثورة]] الاجتماعية ومنهزماَ فى هزيمة [[1967]] منطوياَ على نفسى عازفاَ عن أى مشاركة ـ حتى ـ بالقول قترة غير قصيرة فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وهو ما يفسر كيف حملت أوراقى طيلة السبعينات لأجلس أمام عدد كبير من المثقفين باحثاَ عن درجة علمية أو للوصول إلى حقيقة تاريخية، وقد كنت كل مرة أستخدم جهاز التسجيل أو أقرأ وثيقة فى سياق مغاير أجهد أن أتأمل وأن أكون محايداَ.<br />
<br />
التقيت بمن عرف سجون [[عبد الناصر]] أو لم يعرفها، لكننى التقيت أكثر بخصوم [[عبد الناصر]] من نزلاء سجون [[الثورة]]، علنى أتفهم الطرف الأخر، وأقترب من دفوعه فى قضية (التعذيب).<br />
<br />
وظللت لسنوات رحلة البحث عن الحقيقة.<br />
<br />
غير أن الحقيقة ظلت ـ بالنسبة إلى ـ باب ضخماَ مفتاحه السؤال ومن هنا ، كان على، وأنا أضع فى الاعتبار كل ما قيل عن الظروف الأمنية، وحماية الدولة من أعدائها، والبحث عن أمن لتحقيق الدولة لإنجازاتها .. إلخ ظل بجانب هذا كله سؤال أكثر تطوراَ يلح على، '''ولم يتوقف أبداَ:'''<br />
<br />
هل كان يعرف [[عبد الناصر]] بهذا التعذيب؟<br />
<br />
'''وهنا أصل إلى السؤال التالى:'''<br />
<br />
هل كان يعلم؟<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] يعلم؟<br />
<br />
هذا سؤال ..<br />
<br />
ثم وهل كان [[عبد الناصر]] يأمر بالتعذيب؟<br />
<br />
وهذا سؤال آخر..<br />
<br />
إن الكثيرين لم يخفوا أن [[عبد الناصر]] كان يعلم بالتعذيب، ولكن لي بالحجم الذى تم تصويره به، غير أن خصوم عب الناصر أكدوا أنه كان يأمر به فيتعمد يقصد منه الإساءه إلى [[عبد الناصر]] قبل أن يحاولوا وقوع التعذيب أو تفسيره فى سياق بناء الدولة منذ عصر [[محمد على]] حتى اليوم، وعلى سبيل المثال فإن أحد خصوم [[عبد الناصر]] أثناء الوحدة بين [[مصر]] و[[سوريا]] ـ وهو [[أكرم حورانى]] ـ راح يتذكر فى أحد الصحف العربية (فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله) أن [[عبد الناصر]] كان يأمر نائبه فى حكومة الوحدة ـ عبد الحكيم السراج ـ بسجن الشيوعيين وتعذيبهم .. (و) .. إنه بعد أن اطلع [[عبد الناصر]] على صور التعذيب فإنه [[عبد الناصر]] قد أظهر عدم اطلاعه على هذه الأمور".<br />
<br />
وكأننا ملزمون بتصديق أحد ألد أعداء [[عبد الناصر]] فى فترة الانفصال وما بعدها بعد رحيل [[عبد الناصر]].<br />
معنى هذا ـ لو صدقنا خصومه، وهم الآن كثيرون ـ أن [[عبد الناصر]] كان يعرف بالتعذيب، وكان يأمر به، غير أن التهمة ـ مثل أية تهمة كبيرة تصل إلى حد الجناية ـ تحتاج إلى دفوع أكثر لتأكيدها أو لنفيها. وما يتوفر لنا الآ أكثر دفوع خصوم [[عبد الناصر]]، خاصة الذين كانوا ضيوفاَ فى سجونه لسنوات.<br />
وهو ما نتمهل عنده أكثر.<br />
<br />
ترى، ماذا يقول خصوم [[عبد الناصر]] فى سجونه؟<br />
<br />
وماذا يقول [[عبد الناصر]] نفسه؟<br />
<br />
لنتوقف عند الطرف الأول.<br />
<br />
فحين واجهنا أمين هويدى حول التعذيب، وأشار واجماَ يسئل [[عبد الناصر]]، لم يلبث أن أضاف فيما يشبه النفى عن مسؤلية النظام الناصرى.<br />
<br />
"ـ إن أى إنسان من أبناء [[الثورة]] ضد التعذيب الجدى والمعنوى".<br />
<br />
وهو ما يشير إلى رفض التعذيب من هذا الجانب.<br />
<br />
ولكن ما هو موقف الخصوم؟<br />
<br />
منذ سنوات، كنت قد سألت أحد خصوم [[الثورة]] من [[الإخوان]] عن مألة التعذيب.<br />
<br />
ـ هل كان [[عبد الناصر]] يعلم..؟<br />
<br />
'''فأجاب بدون تردد:'''<br />
<br />
ـ قطعاَ .. لا يمكن إنكار ذلك.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملامسات كثيرة فنحن بين رأيين.<br />
<br />
أحدهما يؤكد أن النظام كان يعلم ويمارس التعذيب.<br />
<br />
ولآخر، كان ينفى، ف[[عبد الناصر]] لم يأمر به، ولم يكن ـ على الآقل ـ ليعلم حجم هذا النعذيب.<br />
لنستمع إلى الحيثيات قبل أن نصل إلى الحكم الآخير.<br />
<br />
ـ راح البعض يؤكد أن [[عبد الناصر]] كان يعرف التعذيب، بل كان ـ أى التعذيب ـ أحد أشكال الضغط علينا ، '''وأسأل [[محمود أمين العالم]]:'''<br />
<br />
ـ الضغط ، لأى شئ؟ ويجيب:<br />
<br />
ـ من أجل الحل.<br />
<br />
ـ والحل ـ حل [[الحزب الشيوعى]] ـ كانت له أساليب كثيرة يحددها المناضل الماركسى.<br />
<br />
ـ الحل بالتعذب.<br />
<br />
ـ الحل بالسجن.<br />
<br />
ـ الحل بالإغراءات.<br />
<br />
ـ ويرى [[محمد سيد أحمد]] الذى عرف تعذيب الشيوعيين فى سجن أبو زعبل، أن التعذيب كان من أجل الملاء، كان [[عبد الناصر]] يطلب الولاء قبل كل شئ، وكان هذا يتأثر بالمواقف بين [[القاهرة]] و[[أكرم حورانى]] أو [[القاهرة]] وموسكو،المهم هنا أن [[محمد سيد أحمد]] يرى أن النظام كان ي[[مارس]] التعذيب.<br />
<br />
ونترك اليسار لنتمهل عند اليمين.<br />
<br />
فى التيار [[الإسلام]]ى راح [[أحمد رائف]] يطرح السؤال فى الزنزانة رقم 210 (كتابه [[البوابة السوداء]]) :<br />
<br />
ـ "وهل كان [[عبد الناصر]] يعرف ما يدور فى أروقة السجون وظلام الزنازين؟" ويجيب بسرعة.<br />
<br />
ـ " .. نعم يعرف والأدلة على ذلك كثيرة والشواهد متعددة لا يستطيع تجاهلها".<br />
<br />
وما يقوله رائف يقوله أكثر [[الإخوان المسلمين]] مثل كتابات الشيخ [[محمد الغزالى]] ومذكرات [[زينب الغزالى]] .. إلخ.<br />
وتتأكد هذه المعرفة من أقرب الشهود للنظام، يقول الأستاذ هيكل (من كتاب [[حسنين كروم]]، [[عبد الناصر المفترى عليه]] ،) : "[[عبد الناصر]] يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب".<br />
<br />
وهنا نصل إلى إجابة السؤال الأول، نعم، [[عبد الناصر]] كان يعرف بالتعذيب، لكن يبقى السؤال الآخر، وهل كان (يأمر)بالتعذيب؟<br />
<br />
والفارق واضح بين أن يعرف [[عبد الناصر]] ويصمت، أو يتعمد، فيأمر؟<br />
<br />
وبغض النظر عن حجة البعض أنه كان يدافع عن نظامه، وتجربته الثورية، الت لو وضعت فى يد أحد خصومه لما فعل أقل ما فعل، بغض النظر عن هذا، سوف نحاول أن نجيب عن السؤال الآخر: <br />
<br />
هل كان يأمر، وكيف، ولماذا..؟<br />
<br />
وهنا ننطلق إلى نفس الهدف ولكن نغير الطريق.<br />
<br />
وكيلا نقع فى محظور الدفاع عن [[عبد الناصر]]، فإننا نكرر ثانية ـ ما سبق أن أشرنا إليه ـ من أن [[عبد الناصر]] كان يعرف ـ بشكل ما ـ أن هناك نوعاَ ما من العنف والتعذيب ضد معتقليه فى السجون، لكنه ـ بالطع ـ لم يكن ليعلم درجته.<br />
<br />
كما أنه لم يعرف عنه أنه أصدر أوامر محددة بإجراء التعذيب أو ممارسته بالشكل البشع الذى عرفناه به.<br />
<br />
كان يعرف أن هناك معاملة تصل إلى درجة التعذيب، لكنه لم يكن ليدرك القيض على المعارضين داخل السجون فى دولة شمولية، لم تعرف المؤسسات الديموقراطية كما يجب، ويمارس رئيسها الحكم بديكتاتورية .. إن هذا كله يمكن أن يؤدى إلى أنواع من التعذيب البشع الذى أودى مرة ب[[شهدى عطية]] (مريض القلب) ومرة أخرى بعديد من شهداء [[الإخوان]]، بل بولغ أحياناَ فى معاملة [[عبد الناصر]] لمعتقليه وسجنهم إلى درجة أن [[عبد المنعم الشرقاوى]] يزعم أنه علق من ساقيه، وأن عيوناَ أليكترونية كانت [[مصر]]عة بجدران السجون.<br />
<br />
وهنا يختلط الواقع بالخيال.<br />
<br />
وفى الوقت نفسه يفسر غلو البعض فى وصف تعذيب [[عبد الناصر]]، فى حين أن البعض الآخر ـ من مؤيديه ـ يرفضون هذا الرأى، ويذهبون إلى الرفض إلى درجة نفى التعذيب كلية.<br />
<br />
وهناك أكثر من حادثة نختار منها حادثة معينة تؤكد أن [[عبد الناصر]] لم يأمر بالتعذيب كما صوره البعض (قط)، فالمعروف أنه أثناء نظر قضية [[الحزب الشيوعى المصرى]] (وكان المتهم فيها كل من د. [[فؤاد مرسى]] ود. [[إسماعيل صبرى عبد الله]]).<br />
<br />
وأثناء تواجد المتهمين فى المحكمة فوجئ الجميع أن [[إسماعيل صبرى]] رفض الدفاع، وام هو بنفسه ليقدم دفاعاَ قانونياَ جديداَ أمام المحكمة، فى هذا (الدفاع السياسى) راح السجين يشير إلى الأسباب التى جعلت اليسار يدخل السجون، ةما هى أباب اختلافه مع [[عبد الناصر]]، وكيف أن اختلاف التوجهات ـ كما أشار ـ هى السبب فى الخلاف بين أعضاء [[الحزب الشيوعى]] وبين [[عبد الناصر]] رغم اتفاقهما فيما بعد فى التوجه إلى المجتمع واعتناق الاشتراكية وإن كانت ألوان الطيف تحدد لنا ألوان كثيرة من الاشتراكية فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وكان الدفاع المجيد الطويل الذى يدلل فيه صاحبه بما يقول بعشرات الأمثلة والمجتازءات والأحداث التى لا تتوفر إلا لباحث يقطع حياته فى مكتبه ليكتب مثل هذا الدفاع الضخم .. كان هذا دافاَ لرجال المخابرات لإرساله ل[[عبد الناصر]] بتقارير قدمت له، مشفوعة فى نهاية كل تقرير أن الشيوعيين (المساجين) قالوا كل شئ، وبتأن، وبدون تخوف أو تردد، فاندهش [[عبد الناصر]] لهذا، '''وقال بسرعة:'''<br />
<br />
"ـ النا دى نازلة فى لوكاندة".<br />
<br />
وهذه الحادثة التى ذكرها لى د. [[إسماعيل صبرى عبد الله]] ـ فى محضر نقاش ـ كان دافعاَ ليلقى [[جمال عبد الناصر]] كلمته التى فهم منها أنه لا بد من التعامل معهم بقسوة أكثر من ذلك، لأن هذه الحرية التى تمتعوا بها للتعبير عما يريدون خلال دفاع منظم لا تتفق مع حياة سجين سياسى، وأضاف د. إسماعيل أن درجة العزاب زادت بعد ذلك مع تشديد كبير على منع الأوراق والأقلام والاتصالات الداخلية أو الخارجية، وكان هذا محل دهشة الدكتور [[لويس عوض]] فى ذلك الوقت، ففى لقاء شخصى معه، أشار إلى أنه كان معتقلاَ فى معتقل الفيوم وكان الاعتقال كما يقول يتم (باحترامنا)، وهنا يضيف د. [[لويس عوض]].<br />
<br />
ـ أنه حينما انتقلنا من [[الفيوم]] إلى "أبى زعبل" تعذبنا عذاباَ شديداَ لا طاقة لبشر به.<br />
<br />
وكانت هذه الفترة هى التى شهدت دفاع المعتل السياسى [[إسماعيل صبرى]]، والتى علق فيها [[عبد الناصر]] عما تم فى المحكمة، وبناء على ذلك، تحولت المعاملة اليومية الطبيعية فى الجون إلى (تعذيب) شديد.<br />
<br />
ربما كان يعرف [[عبد الناصر]] بعض ألوان التعذيب فى سجونه، لكنه بالقطع لم يأمر به، ولم يحث عليه بالشكل الذى تم به بالفعل: لقد تحول المعتقل من عزل السجناء، وإعطائهم أرقام، وإساءة معاملتهم، إلى قطع الأحجار والضرب المبرح والتعذيب لدرجة الموت، وهو ما يعود إلى جهاز الدولة أكثر من أوامر [[عبد الناصر]]، ول[[أبو سيف يوسف]] تعليق مهم هنا عما حدث من تعذيب، يؤكد: "الدولة حين تقع تحت سلطة بيروقراطية .. وتبدو فى حالة جديدة من حالاتها .. تبدو كجهاز لا قلب له، كل ما تنزل الأوامر تزيد درجة".<br />
<br />
'''وأقاطع [[أبو سيف يوسف]]:'''<br />
<br />
ـ هل نفسر بهذا ملابسات قتل [[شهدى عطية]]؟<br />
<br />
'''يجيب السجين السياسى السابق:'''<br />
<br />
ـ لا ليس إلى هذه الدرجة .. لا تنسى أن [[شهدى عطية]] كان مريضاَ بالقلب وإن كان هذا لم يمنع من التعامل معه بقسوة، كغيره، كما أن [[عبد الناصر]] حين علم بموت [[شهدى عطية]] ـ وكان فى أحدى دول شرق أوروبا الشيوعية غضب بشدة، وأمر بوقف (كل) عمليات التعذيب السياسى.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملابسات وأحداث كثيرة، فنحن نعلم أن [[شهدى عطية الشافعى]] ـ وهو مثقف تقدمى كبير ـ توفى فى 15/6/[[1960]] فى ليمان أبو زعبل تحت وطأة التعذيب، وحين عرف [[عبد الناصر]] ـ وكان فى رحلة للكتلة الشرقية ـ غضب كثيراَ، وحين عاد إلى [[القاهرة]] "ثار كما لم يثر من قبل" كما يقول الأستاذ هيكل وقام على الفور بفصل مدير السجن من عمله وتم إتخاذ إجراءات محاكمة المسئول بأمر [[عبد الناصر]]<br />
<br />
ونعود إلى ما كنا فيه فنستعيد ما قاله [[أبو سيف يوسف]] ـ من محضر نقاش أجرى معه ـ ملخصاَ الأمر كله أن المسئول كان يبدى عبارة أو يلقى أمراَ بالتشديد على المسجون السياسى، لكن كانت هذه العبارة أو ذلك الأمر يتحول، كلما هبط كورس التنفيذ ـ إلى أمر صريح بالتعذيب.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] يعرف بالتعذيب، نعم، لكن ليس بالشكل البشع الدى يقال عنه، والذى ما زالت ترتفع الأصوات فى عديد من الصحف القومية أو المعارضة لإظهار [[عبد الناصر]] بصورة الحكم المتعطش للدماء العنيف إلى درجة الأمر بالتعذيب حتى الموت، كما أن جملة الأحداث الداخلية والعربية والخارجية تدعو إلى هذا الواقع وتدفع إليه.<br />
<br />
مكان التعذيب موجوداَ ومعروفاَ فى عصر [[عبد الناصر]]، يقول هيكل (ال[[حسنين كروم]] أن "[[عبد الناصر]] يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب واعتقالات آلاف الأشخاص فكتبت مامحاَ لذلك فى [[الأهرام]]، وكانت النتيجة أن غضب [[شمس بدران]] وقاطعنى".<br />
<br />
'''ويقول [[شمس بدران]]:'''<br />
<br />
"ـ أول للقضاء ال[[مصر]]ى والرأى العام. أننى أتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما وقع فيما يسمى بالتعذيب فى القضايا التى شرفت على التحقيق فيها، وكان الهدف مصلحة عليا".<br />
<br />
وما قاله هيكل و[[شمس بدران]] قاله [[صلاح نصر]] فى التحقيقات التى أجريت معه أو فى كتبه التى نشرها، مؤكداَ أن ما حدث كان للدفاع عن القضايا القومية وكان ضرورة للدفاع عن التجربة الوطنية فضلاَ عن أن هذا ألوب معروف فى كوادر المخابرات العالمية.<br />
<br />
وعود على بدء، أن يكون [[عبد الناصر]] قد علم بالتعذيب، الإجابة بنعم، لكن أن يكون قد أمر به أو حرض عليه، فإن هذا ـ بحيدة كاملة ـ لا يتفق مع روايات الشهود واء داخل سجون [[عبد الناصر]] أو خارجها وإلا فليفسر لنا البعض ثورة [[عبد الناصر]] العنيفة عقب قتل [[شهدى عطية]]، وكيف تعامل [[عبد الناصر]] بغضب عات مع المسئولين، وخاصة، مأمور السجن الذى عذب فيه وقتل [[شهدى عطية]].<br />
<br />
لقد آن الأوان لنظر إلى (تعذيب) [[عبد الناصر]] فى إطار بناء الدولة العصرية، وأيضاَ، فى إطار عيوب الدولة الاستبدادية وويلاتها.<br />
<br />
وكما كان يمكن أن نذهب إلى ما ذهب إليه خصوم [[عبد الناصر]] من موقف [[عبد الناصر]] من التعذيب، كذلك، يمكن التدليل على العكس، من خصومه أيضاَ.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى شهادة أهم هؤلاء الخصوم، خاصة، إذا كان هذا الخصم قد عاش مع ممارسات [[الثورة]] بشكل عبنى، بل ودخل تجربة السجن ـ كما سنرى .<br />
<br />
====الشهادة : الجامعة و[[الثورة]]====<br />
<br />
كان المحامى الشهير والذى رحل فى الفترة الماضية. أحد شهود الفترة الناصرية، وأحد أبناء الجامعة الذين دخلوا فى صدام مع رجال [[الثورة]]، ورغم أن [[عبد المنعم الشرقاوى]] ـ هو شقيق الأديب عبد الرحمن ـ كان قد اتهم النظام فى الستينات بسجنه وتعذيبه، فإن نيابة أمن الدولة العليا رفضت هذا الاتهام/ التعذيب ـ بعد تحقيق طويل استغرق الفترة بين 14 ـ 20 [[يوليو]] [[1966]].<br />
<br />
وما حدث فى منتصف الستينيات لم يكن لينفصل عما حدث فى بداية الخمسينات عقب قيام [[الثورة]]، ففى السنوات الأولى كان الصراع حاداَ بين فئات المثقفين ـ ومن بينها الجامعة ـ وبين مجلس قيادة [[الثورة]]، فى الوقت الذى كان فيه [[عبد المنعم الشرقاوى]] سكرتير عام هيئة التدريس بجامعة [[القاهرة]]، ومن ثم، انسحب موقفه من [[الثورة]]، وموقف [[الثورة]] من الجامعة منذ فترة مبكرة، على العلاقة بينهما فيما بعد.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن هذه الشهادة ـ التى نقرأها من العالم الآخر ـ أدلى بها صاحبها قبيل رحيله بفترة بسيطة (وهى مكتوبة ومسجلة) ، وهى تحاول أن تعيد تركيب صورة هذه العلاقة بين الجامعة و[[الثورة]].<br />
<br />
كنت قد حدثته عن موقف الجامعة إبان قيام [[ثورة يوليو]]، كيف كان.<br />
<br />
فأكد أنه، وقد كان سكرتير هيئة التدريس بجامعة [[القاهرة]]، كان أول ما فعله أن قام بدعوة عدد من أساتذة الجامعة إلى منزله (الدكاترة سعيد النجار، محمد حسن الجمل، توفيق الشاوى، أمين صندوق الجامعة .. إلخ) وكان هذا فى مساء 25 [[يوليو]]، وكتبنا هنا بياناَ نؤيد [[الثورة]] وطالبنا فيه بالحرية و[[الديموقراطية]]، وحين تم كتابة البيان، أوصلته بنفسى إلى باب الإذاعة، وقال لى الضابط المسئول هناك، أن هذا البيان هو ما كانت تنتظره [[الثورة]]. كان البيان مكتوباَ بأسم أساتذة جامعة [[القاهرة]]، ليس بيان تأييد فقط، وإنما بيان تأييد مشروط ويمكن العودة إلى هذا النص فى جريدتى ال[[مصر]]ى و[[الأهرام]] يوم 26 [[يوليو]].<br />
<br />
وهذا موقف يشهد للجامعة، خاصة، وأن الملك كان فى الاهرة.<br />
<br />
وقد استمرت علاقاتنا بالدولة فى ذلك الوقت على أحسن وجه، وكنا نجتمع بشكل مستمر مع [[كمال الدين حسين]]، وكان هو المختص فى ذلك الوقت بالاتصال بالجامعة، وأذكر أنه طلب منا تغيير اللائحة (بناء على رأينا) ، وبالفعل تم تغيير لائحة الجامعة، وكان فيها الدكاترة [[حلمى مراد]] و[[عبد العظيم أنيس]] و[[عبد الرحمن بدوى]] ولأدلل أكثر على علاقتنا الطيبة ب[[الثورة]]، أذكر أننى عينت فى عام [[1953]] عضواَ فى لجنة إصلاح التعليم الجامعى التى رأسها [[على ماهر]] فى ذلك الوقت، وكان من أعضائها ـ فيما أذكر ـ [[لطفى السيد]] والدكتور [[السنهورى]].<br />
وقد قدمت اللجنة تقريرها لإصلاح التعليم الجامعى.<br />
<br />
ولكنك متهم بأنك كنت فى لجنة التطهير التى شكلتها [[الثورة]]، وقات بأخراج العديد من أساتذة الجامعة، '''سألت، وأجاب:'''<br />
<br />
التطهير كان ظاهرة يمكن أن تجدها فى عديد م الهيئات فى هذا الوقت، ولم تكن قائمة من أجلى أنا، ففى نهاية [[1952]] أرادت [[الثورة]] القيام (بالتطهير) ـ وهذا لفظ فرض علينا ـ وكنت أنا فى اللجنة، لجنة تطهير الجامعة ـ كما كان يطلق عليها ـ وكان معى فى اللجنة جامعيون ممتازون مثل الدكتور [[عبد الله الكاتب]] والأستاذ [[همام محمد محمود]]، وكنت أنا ثالثهم، وكان رئيس اللجنة [[محمد حسنين]] رئيس النيابة، وصحيح أن اللجنة قامت بناء على طلب [[الثورة]]، لكن قيامها الفعلى كان بناء على انتخاب جرى بين الجامعيين من أساتذة طبيقاَ لقانون التطهير، وقد قمنا بالفعل بما طلب منا، وكانت ضمن طلباتنا انتخاب مدير الجامعة من بين أساتذة الجامعات.<br />
<br />
ولكن هذه اللجنة متهمة بالانحياز إلى [[الثورة]]، وبإجراء التطهير من بين الأساتذة.<br />
<br />
أستطيع أن اقول لك أننا لم نطبق قانون التطهير بإخراج الأساتذة من الجامعة إلا على أثنين فقط، وكانوا من جامعة [[القاهرة]] وبوجه خاص من كلية الآداب لأسباب لا أريد الخوض فيها.<br />
<br />
إذا كان الأمر كذلك، من العلاقة بين الجامعة و[[الثورة]] أول قيامها فكيف بدأ الخلاف؟<br />
<br />
.. بدأ الخلاف فى فبراير حين دعانا [[كمال الدين حسين]] للاجتماع فى [[مجلس قيادة الثورة]]، وبالفعل، اجتمع معنا وطلب منا بياناَ لتأييد [[الثورة]]، كنا نجتمع مع [[كمال الدين حسين]] باستمرار، وفى كل مرة نعالج قضية من قضايا العلاقة بين [[الثورة]] والجامعة، كان الخلاف الأول بيننا وبين [[الثورة]] قد انتهى بالقبض على عدد ممن كانوا فى اجتماع بالجامعة وكان من بينهم [[توفيق الشاوى]] .. ثم فصل هؤلاء، وكان الواضح أن السبب فى فصلهم أنهم من [[الإخوان]] الذين قبض على عدد كبير منهم فى ذلك الوقت.<br />
<br />
القضية أننى أنا كنت صاحب فكرة هذا الاجتماع الذى قبض فيه على الأساتذة، ومن هنا كان غضبى كيف يذهب بعض الأساتذة إلى سجن الأجانب على أثر دعوتى للاجتماع، ذهبت إلى وزير المعارف وقد كان عباس عمار وقابلت [[فتحى رضوان]]، وأظهرت غضبى الشديد وانتهى الأمر بالإفراج عنهم.<br />
<br />
بيد أن الانشقاق الأكبر الذى حدث بين [[الثورة]] والجامعة كان تحديداَ فى أزمة [[مارس]] [[1954]]، فقد أصدرنا ضمن المثقفين الآخرين (الطلبة والمحامين .. إلخ) عدة بيانات تؤيد [[الديموقراطية]] وتطالب بالحريات، ولم نكن نعرف أن قرارت 25 [[مارس]] كانت مناورة، ومن هنا، أصدرنا بيانات أيدنا فيها هذه القرارات التى تعيد الجيش إلى الثكنات و .. إلى آخر هذه القرارات، وهنا، استنتج الضابط أننا ضدهم، وقد زاد الأمر سوءاَ أنه قد صدرت بعض القوانين للجامعة بموافقة د/ [[إسماعيل القبانى]]، فاعترضنا عليها، فألغيت، وهو ما زاد حجم الغضب ضدنا.<br />
<br />
لم يشهد [[مارس]] بداية الخلافات فقط، وإنما استمرت الأسباب أكثر فيما بعد أليس كذلك؟<br />
<br />
نعم ـ أضاف سكرتير نادى هئية التدريس ـ فى 5 إبريل تحديداَ جاءت رسالة من سكرتير عام الجامعة، قال فيها أن [[جمال عبد الناصر]] يريد الاجتماع بأعضاء مجلس الإدارة، اجتمعنا بالأساتذة قبل الاجتماع الذى حدد لنا الساعة الثانية عشر ظهراَ، كان هناك اعتراض عام من الذهاب لدى الأساتذة وتخوف من نيات [[الثورة]] تجاه الجامعة.<br />
<br />
لم أجد بداَ من الذهاب، دعيت الأساتذة (وكانوا قرابة ثلاثين أستاذاَ) إلى مجلس الجامعة، كان عن كل كلية 3 أساتذة و2 أستاذ مساعد و1 مدرس.<br />
<br />
كان هناك اتجاه اتجاه عام بألا نذهب إلى هذا ااجتماع، رفضت هذا الموقف وأصررت أن نذهب، ونقول ما نريد لا أن نرفض ولا يعرف أحد ما نريد، وفى حين وافق البعض على أن نذهب واشترط ألا يعلن عن هذا الاجتماع، وفى هذا الوقت، فوجئت بالدكتور حسام سكرتير الجامعة يهمس بأذنى [[عبد الناصر]] يأمر أن يكون الاجتماع فى منزله وليس بمجلس الوزراء كما كان قد قيل لنا من قبل، اعترض البعض، وحين جاء وقت أخذ الأصوات جاءت الأصوات 14 مع الرأى الذى يؤيد الذهاب فيه إلى بيت [[عبد الناصر]] ضد 13 رفضوا.<br />
<br />
كان المثقفون فى ذلك الوقت حرصين على كرامتهم ومواقفهم.<br />
<br />
المهم، ذهبنا إلى منزل [[عبد الناصر]]، وهناك جلسنا من الساعة الثانية عشر ظهراَ حتى الثالثة، جلس [[عبد الناصر]] فى مواجهتنا، '''وقال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
ـ "لقد قمنا ب[[الثورة]] قبل ميعادها، ولم يكن لنا أى برنامج، واعتمدنا على أن تقوم الجامعة بعمل برنامج لنا، ولكن يبدو أن الجامعة ضدنا، وبها أساتذة لديهم ميول كثيرة ضدنا .. مش كده ولا إيه يا شرقاوى".<br />
<br />
'''فوجئت بالسؤال :'''<br />
<br />
فأجبت : نحن لسنا ضد [[الثورة]]، ونحن أسهمنا فى [[الثورة]]، والجامعة كانت ضد فاروق، وحين جاء فاروق إلى الجامعة منذ سنتين فى عيد العلم لم يقابله أستاذ واحد ولم يجد أحداَ فى صالة الاجتماعات، بل قمنا بحرق صورة فاروق، والأكثر من هذا رفضنا إعطاء هدية لفاروق ـ كغيرنا ـ بمناسبة زواجه.<br />
<br />
على أية حال نحن لسنا مختلفين مع [[الثورة]]ربما كان الخلاف فى الوسيلة إنما الغاية واحدة.<br />
<br />
قال [[عبد الناصر]] بحيدة أكثر: الكلام ده كلام [[روز اليوسف]]، كلام [[إحسان عبد القدوس]] وأخوك عبد الرحمن، ويبدو أن [[عبد الناصر]] كان يريد الإيقاع بينى وبين الأساتذة، على أية حال، '''اعتدل وقال بلهجة عنيفة:'''<br />
<br />
"ـ شوف بقى، أنا يهمنى الجيش، وأنا هنا لا أعرف النوم من يومين، لماذا، لأنه حدث انقلابين فى يومين فقط، عايز ترجع لى يا شرقاوى العهد الماضى".<br />
<br />
ودارت الاتهامات فى هذا اللقاء بين العسكر والجامعة، العسكر يقولون أن الأساتذة يحرضون الطلبة، ويدفعون بهم إلى المظاهرات والهتافات، والأساتذة ينفون ، ويقولون ربما كانت وسيلتكم أفضل، المهم التجربة.<br />
<br />
لم يمض وقت طويل ـ عاد الشرقاوى ـ أنا وفوجئت بقرار الفصل، فصل حوالى خمسين أستاذاَ جامعياَ منهم [[لويس عوض]] و[[عبد العظيم أنيس]] و[[توفيق الشاوى]] و[[أمين بدر]] .. إلخ، فضلاَ عن نقل العديد من الأساتذة، وراحوا لإرضاء من بقى من الجامعين فأصدروا لائحة كنا قد طلبنا بها، وأضافوا ـ كإغرائات ـ استثناءات لبعض أساتذة الجامعة مثل [[كامل مرسى]] (ونحن نتذكر أن [[كامل مرسى]] كان أحد رجال صدقى عام [[1946]] وجئ به رغم خروجه على المعاش).<br />
<br />
وبدأت قضية أهل الثقة وأهل الخبرة.<br />
<br />
لكن قضية أهل الثقة ـ كانت لحماية [[الثورة]] قبل أن تكون ضد المثقفين، سألت وأجاب مثقف بدت شهادته منحازة ضد [[الثورة]] : بالعودة إلى السنوات الأولى لقيام [[الثورة]]، أثناء أزمة [[مارس]] تحديداَ، أذكر أنه حين سأل البعض [[جمال عبد الناصر]] لماذا توليتم السلطة بدل المدنيين ؟ '''أجاب [[عبد الناصر]]:'''<br />
<br />
"ـ كنا نضع ضابطاَ فى كل وزارة، ومع الوقت كنا نلاحظ أن الضابط هو الذى يحكم، لأن المدنيين لا يريدون أن يحكوا، وأن يتحملوا مسئولية، ففكرنا، بدلاَ من ترك المدنى لاتخاز قرار، ثم نقوم بإلغائه، فكرنا فى أن نحكم نحن، خاصة فى السنوات الأولى، فوضع عسكرى فى كل موقع، لم يكن فقط لتمثيل [[الثورة]]، وإنما ـ أيضاَ ـ لهد آخر، فقد لاحظنا أن العسكرى فقط هو الذى ينصاع للأوامر فيلبى ما يراد منه، ففى فترة كنا متأهبين لإقامة التنمية وخطط خمسية واتخاذ قرارات سياسية واجتماعية .. إلى آخر قرارات [[الثورة]] الاجتماعية والسياسية والإدارية الهامة، كنا نحتاج إلى الضبط والربط وليس إلى الأخذ والرد".<br />
<br />
ثم هل تعرف أننى سجنت وبرأت دون سبب واضح؟<br />
<br />
أجبته بنفس السرعة: "لا التحقيق أشار إلى علاقتك ب[[الإخوان]]" فعاد ليقول بسرعة "كل ما وجدوه من أدلة على هذا بعض أسماء [[الإخوان]] فى نوتة التليفون، كان [[توفيق الشاوى]] و[[عبد الحكيم عابدين]]، أحدهما عرفته فى [[مصر]] والآخر فى [[لبنان]]، وكل منهما كانت تربطه بى علاقات عادية فقط.".<br />
<br />
لكن هل تعرف أننى سجنت وعذبت؟ أجبته وأنا أقرأ حكم المحكمة العسكرية "المحكمة لم تقتنع بصحة ما قرره الدكتور الشرقاوى من وقوع تعذيب جسيم عليه أثناء استجوابه فى المخابرات العامة وقضت ببراءة المتهمين فى القضية".<br />
<br />
صمت الصوت، وعدت أحدث نفسى: ربما كانت قضية التعذيب غير صحيحة، خاصة، أن الحكم صدر إبان حكم [[عبد الناصر]]، كما أن الدكتور الشرقاوى لم يرفع قضية بعد رحيل [[عبد الناصر]] كما فعل آخرون.<br />
<br />
<br />
<br />
====(نموذج) عن [[يوسف صديق]]====<br />
<br />
كل مرة يذكر فيها أمامنا مفهوم حقوق الإنسان في معرض الحديث عن سلبيات [[ثورة يوليو]]، ويذكر معه ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
تعذيب المعارضين لها المختلفين معها.<br />
<br />
وهي ظاهرة من أكثر الظواهر التي يقف إليها أعداء [[ثورة يوليو]] مباشرة متهمين إياها بتعذيب الإنسان، وهو ما ساد بين المثقفين المنتمين بشكل خاص إلى تيارات أيديولوجية في الفترة الناصرية.<br />
<br />
وبادئ ذي بدء فلا بأس من أن نكرر ما قلناه سابقاً وأصيح بدهياً من أن ظاهرة (التعذيب) أهم ظواهر حقوق الإنسان ومحرمة كل التحريم في الوعي الإنساني، وهي على المستوى البشري لا يمكن تبريرها تحت أي ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها في سياقها يصبح خروجاً على الحكم الخاطئ.<br />
<br />
ومن هنا فالتعذيب تحت أية مسميات مرفوض مرفوض مرفوض.<br />
<br />
بيد أن العودة إلى السياق.<br />
<br />
والعودة إلى الملابسات ثم العودة إلى وثائق التاريخ وشهودها من الأحياء (المصادر الحية).<br />
<br />
.. هذا وغيره يمكن أن ينير لنا أكثر نهاية النفق.<br />
<br />
'''ونعود لنسأل بشكل مباشر:'''<br />
<br />
ـ هل تم تعذيب ([[يوسف صديق]]) كما رددت وكالات الأنباء الغربية؟<br />
<br />
وكان راديو صوفيا قد أشاع في بداية الستينات أنه يعيش وراء أسوار عالية وأنه يعذب ويجلد داخل السجن ويجلد ويصرخ ويستغيث وما من مغيث ويصيح وما من سامع.<br />
<br />
ويزيد من أهمية الظاهرة وخصوصيتها هنا أن [[يوسف صديق]] لم يكن أحد هؤلاء المثقفين ممن أضيروا وعذبوا من شتى الاتجاهات والأحزاب، فرغم انتمائه إلى الحزب الشيوعي ([[حدتو]]) منذ نهاية الأربعينات كان ولأنه للحس القومي والعربي أعلى من أي ولاء، فضلاً عن أنه كان من أول الضباط وأكبرهم رتبة (قائمقام) من الذين شاركوا في إنجاح [[الثورة]].<br />
<br />
أضف إلى هذا ـ وهو مرتبط بتكوينه ـ أنه كان إنساناً جريئاً، لا يتردد في قول ما يريده، ولا يتبدد يقينه في أمر إلا ويقوم على إنجازه مباشرة، ثابت في الحق، قوي في التعبير.<br />
<br />
ففي الوقت الذي كانت شخصية [[جمال عبد الناصر]] تميل إلى المناورة والعمل في هدوء كانت شخصية [[يوسف صديق]] تميل إلى العمل المباشر ومواجهة الخصم والتصرف بشكل تلقائي.<br />
<br />
وهو ما أسلمه، ولما يمض على قيام [[ثورة يوليو]] قرابة سنتين، إلى التصرف العنيف ضد أعضاء [[مجلس قيادة الثورة]] في مواقف كثيرة.<br />
<br />
وسوف نختار منها موقفين.<br />
<br />
وبعيداً عن الاستطراد الطويل، ففي أول خلاف بين [[مجلس قيادة الثورة]] وضباط المدفعية، وهو خلاف كان ضباط المدفعية يدعون فيه إلى أن يكون تمثيل الجيش في [[مجلس قيادة الثورة]] عن طريق الانتخاب .. لم يجد [[يوسف صديق]] أمامه إلا الانتفاض بعنف ليقدم استقالته.<br />
<br />
كان [[مجلس قيادة الثورة]] قد دخل في نفق الخلافات الحادة بين الضباط في شتى الأسلحة، ولما بدا أن ضباط المدفعية يتخذون موقفاً مغايراً استقر الرأي بين ضباط [[الثورة]] فيما بينهم على استخدام العنف.<br />
<br />
وبحركة مفاجئة تم اعتقال ضباط المدفعية من الثائرين وعددهم يصل إلى 35 ضابطاً في 15 [[يناير]] [[1953]]، وقد أودعوا سجن الأجانب برتبهم وملابسهم العسكرية، الأمر الذي لم يسبق له نظير في تاريخ العسكرية ال[[مصر]]ية تحت القيادة ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
وعبثاً حاول [[محمد نجيب]] وقد كان رئيساً للجمهورية في ذلك الوقت أن يستبدل بالسجن (ميس) الجيش رفض [[مجلس قيادة الثورة]]، وقرر اتخاذ موفاً عنيفاً كيلا يتحرك زملاؤهم، وكي يكونوا عبرة لغيرهم.<br />
<br />
وقد كان هذا التصرف كفيلاً بتفجير الغضب لدى عدد كبير من الضباط وفي عدد كبير من الأسلحة.<br />
<br />
ففي سلاح المشاة ـ على سبيل المثال ـ استقال القائمقام [[يوسف صديق]] ومن [[مجلس قيادة الثورة]] وأصر على استقالته رغم محاولات البعض إثنائه.<br />
<br />
رفض [[يوسف صديق]] أن يتعامل مع الضباط والجنود في سلاحه بعد [[الثورة]] بمنطق آخر.<br />
<br />
وكان صلباً حاداً في اتخاذ الموقف، فتذكر مصادر هذه الفترة صفات ديموقراطية أخرى اتسمت بها شخصية هذا الضابط، '''يقول [[محمد نجيب]]:'''<br />
<br />
(كان [[يوسف صديق]] شديد الوضوح في معارضته لقانون تنظيم [[الأحزاب]]، ولضرب [[الوفد]] على غير أساس ديموقراطي.<br />
<br />
وكان يدعو للتمسك ب[[الدستور]]. ودعوة البرلمان للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية. كما أنه كان شديد [[الثورة]] والرفض لاعتقال الزعماء السياسيين دون اتهام، وطالب كثيراً بإلغاء الرقابة على الصحف وتكوين اتحاد عام للعمال. وكان حديث يوسف إلى المجلس يستهويني لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة. ولم يكن مثل [[جمال سالم]] تتدفق ألفاظه قبل أفكاره. ولكن [[يوسف صديق]] كان يقف دائماً في الأقلية، لا يجد معه أصواتاً تشكل الأغلبيةً، وكثيراً ما اتفقت معه في الرأي، وكثيراً ما تغلب علينا الرأي المضاد). <br />
<br />
وكان موقفه واضحاً أشد الوضوح في قضية تمثيل الجيش في مجلس القيادة عن طريق الانتخابات كان [[يوسف صديق]] ـ كما لاحظ عبد العظيم رمضان في كتابه عن أزمة [[مارس]] ـ في هذا يبدو موقفه الديموقراطي، حين سأله أحد الأعضاء عما إذا كان يضمن لنفسه النجاح في الانتخابات، '''أجاب [[يوسف صديق]] قائلاً:'''<br />
<br />
ـ هذا لا يهم، إنما المهم هو الانتخاب ـ والمعروف أنه في أزمة إعدام خميس والبقري من عمال كفر الدوار كان [[يوسف صديق]] (إلى جانب [[جمال عبد الناصر]] و[[خالد محيي الدين]] ممن اعترضوا على هذا الإعدام.<br />
<br />
كان [[يوسف صديق]] من الذين إذا رأوا في شيء أنه صواب يتمسكون به تمسكاً تاماً إلى درجة أنه حين قرر أن يقدم اتقالته قدمها غير سامع لتوسلات [[محمد نجيب]] قائلاً:<br />
<br />
ــ أنا لا يمكن أن أرتبط مع مجموعة لا أوافق على سياستها.<br />
<br />
ــ وحين حاول [[عبد الناصر]] التعويض عن هذا وفي الوقت نفه إرضاءه بتعيينه سفيراً للهند رفض، وتردد بعض المصادر أنه واجه [[عبد الناصر]] مواجهة عنيفة في ذلك الوقت.<br />
<br />
وعلى هذا، فبعد أن قدم استقالته دخ في مسلسل استمر طويلاً من الاستبعاد فالنفي فتحديد الإقامة فالسجن دون أن تثنيه أية وسيلة عن القرار الذي كان يراه صالحاً.<br />
<br />
كان عنيفاً في الحق.<br />
<br />
غير مداور أو مناور. صريحاً أكثر ما تكون الصراحة.<br />
<br />
ولهذا كله، ولغيره، كـان لابد أن يكون في موقف مواجه للضباط الآخرين وهم يتحلقون ـ في أغلبهم ـ حول [[عبد الناصر]]، ويؤثر أن يقف ــ كما لاحظ [[محمد نجيب]] ــ في جانب الأقلية التي كان يرى أنها على حق.<br />
<br />
هذا هو الموقف الأول، أما الموقف الآخر، بعدذلك تحدد في خروجه إبان الصراع العنيف على السلطة بمطالب كتبها في شجاعة نادرة وقدمها ل[[محمد نجيب]] (وقد كان رئيساً للجمهورية) معدداً فيها فيها ما يجب أن يفعله الضباط الأحرار بعد نجاح [[الثورة]]، منتهياً إلى أحد حلين، أحدهما: دعوة البرلمان المنحل ليتولى حقوقه الشرعية، أما الآخر، فهو تأليف وزارة ائتلافية تمثل التيارات السياسية المختلفة القائمة فعلاً في البلاد .. إلى غير ذلك منتهياً بعبارات عنيفة.<br />
<br />
وقد نشرت هذه الرسالة حينئذ في [[جريدة المصري]] في 24 [[مارس]] [[1954]].<br />
<br />
ومن هنا، ظل [[يوسف صديق]] في طيلة حياته صلباً نبيلاً.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى ما شاع بشكل كبير في الكتلة الشرقية وخرج من وكالات الأنباء والإذاعات هناك.<br />
ذهب إلى أكثر من مسئول وانتهى الأمر به إلى [[محمد حسنين هيكل]] في ذلك الوقت، '''وما كاد يجلس إليه حتى قام شأنه دائماً حين يغضب وقال:'''<br />
<br />
ــ سوف أذهب الآن بنفسي إلى سفارة [[بلغاريا]] ، لأقول لهم صراحة أن هذا الكلام الذي تردده إذاعاتهم لا يضر بنا قدر ضرره بهم .<br />
<br />
وخرج غاضباً، فلم يكن ليعاني من العذاب وإنما من ابتعاده من القيادة أو المناصب أو المشاركة في الحم، وهي كلها مناطق حساسة آثر [[عبد الناصر]] أن يبعد عنها هذا الرجل الجريء.<br />
<br />
ذهب إلى سفارة [[بلغاريا]] ، دلف بسرعة سأل عن السفير، لم يجده، وجد سكرتير السفارة، صاح فيه أن كل ما يقال ليس له نصيب من الصحة، وأن حكاية (التعذيب) هذه غير صحيحة، '''أجاب سكرتير السفير:'''<br />
<br />
أنه لا يستطيع أن يتحمل مسئولية نقل كلام إليه شفوياً ـ إلى حكومته.<br />
<br />
أخذ [[يوسف صديق]] ورقة '''وجلس أمام المسئول البلغاري ليكتب فيها بالحرف الواحد هذه الرسالة:'''<br />
<br />
(السيد المحترم القائم بأعمال السفارة البلغارية ب[[القاهرة]]<br />
<br />
'''بعد الاحترام'''<br />
<br />
مقدمه القائمقام "ح" [[يوسف منصور صديق]]" عضو مجلس [[الثورة]] السابق، '''أعرض الآتي:'''<br />
<br />
دأبت إذاعة صوفيا في الأيام الأخيرة على ترددي اسمي في إذاعاتها في أخبار ليس لها ظل من الحقيقة.<br />
<br />
فهي تزعم أنني معتقل وأنني ألاقي التعذيب في المعتقل ــ وتردد ذلك في مناسبات متعددة الأمر الذي دعاين للحضور بنفسي إليكم لتأكيد عدم صحة هذه الأخبار.<br />
<br />
ولما كـان ترديد مثل هذه الإذاعات لا يفيد شعب [[بلغاريا]] ولا شعب الجمهورية العربة المتحدة فإنني قد أتيت لسيادتكم راجياً وضع حد لهذه الإذاعات البعيدة عن الحقيقة والتي من شأنها أن تعكر الجو بين شعبين صديقين يعملان معاً في معسكر السلام.<br />
<br />
وأنني أرجو أن تقبلو تحياتي وشكري.<br />
<br />
قائمقام أ.[[يوسف منصور صديق]] <br />
<br />
وتنتهي رسالة [[يوسف صديق]]، غاضباً من القوى الخارجية التي تريد الإيقاع بأبناء الوطن الواحد وغن حمل في الوقت نفسه غضباً آخر، هو نبل الفرسان ووعيهم.<br />
<br />
===الفصل الثالث:إشكالية [[الديمقراطية]] و[[ثورة يوليو]]===<br />
<br />
====أهمية البحث ====<br />
<br />
لا يمكن أن نتحدث عن "إشكالية [[الديمقراطية]] في الفترة الناصرية" دون أن نؤكد على أهميتها الآن، فرغم مضي أكثر من نصف قرن على تجربة [[عبد الناصر]]، وغياب (حلم [[الديمقراطية]] في الربع قرن الأخير .. فإن التوجه إلى [[الديموقراطية]] مهما تكن ممارساتها أو سلبياتها تسعى للخروج بنا من الماضي إلى وعي المضارع للوصول من ثم إلى أفق المستقبل .<br />
<br />
فالمعروف أننا ل يمكن أن نحوّل التجربة إلى وعي معاصر لنا دون البحث عن علامات يمكن أن تُعيننا على فهم طبيعة الحضور والغياب في السعي إلى حياة سياسية مثالية .<br />
<br />
بيد أننا قبل أن نصل إلى التجربة / الإشكالية هنا لابد لنا من أن نتمهل عند بعض الملاحظات التي تشير إلى المنهج الذي سعينا إليه هنا لفهم هذه التجربة وتجاوزها.<br />
<br />
====المنهج====<br />
<br />
'''المنهج الذي نمضي به يتكون من عدة مداخل تستمد مشروعيتها من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ أهمها ما جاء في شكل (محضر نقاش) أو شهادات قمت بتسجيلها وتحريرها في الفترة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبقيت في حوزتي ـ التسجيل والتحرير _ بعد أن رحل أغلب أصحابها.<br />
<br />
وقد تعاملت معها كنموذج Paradingm, Type لم مارسة [[الديمقراطية]] والتعامل معها بالسلب أو بالإيجاب .. وقد ركزت بشكل خاص على العلاقة بين المثقف والنظام لكن في إطار النموذج لا خارجه.<br />
<br />
- وبدهي أن طبيعة هذه العلاقة بين النظام ومثقفيه (الشهادات) الدالة على الإشكالية التي نحن بصددها هنا، وهي إشكالية خاصة، جاءت نتيجة لمد تاريخي بعينه، فالفترة التي أعقبت [[ثورة 1952]] تميت بالعلاقة بين المثقفين والنظام العسكري، تلك النظم التي دعمت نمطاً خاصاً بها اتجه في الغالب إلى الواحدية ـ لا التعددية ـ وتعامل مع الأحداث الواقعية ـ وليس المثال في الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم طرأت علاقة من نوع خاص تحدد الإشكالية التي نحن بصددها.<br />
<br />
كان الرصد، إذن، حول (العلاقة) لا المثال، جدلية هذه العلاقة في الواقع وليس فيما يجب أن يكون ..<br />
- تلمست عدة مداخل أخرى كالمدخل التاريخي Historical approach لدراسة الأحداث الماضية في إطار زمني عبر الشهادات التي بين أيدينا تبعاً للفترة الزمنية مجال البحث، ومنها أيضاً البعد الموضوعي في دراسة الظاهرة ما يوفر لي قدر كبير من الوعي بالظاهرة في إطار جهدت فيه أن أكون محايداً، ومنها كذلك، تحديد المفهوم Concept في الفترة الزمنية مجال البحث بشكل خاص قبل أن أجاوزها إلى غيرها.<br />
<br />
- لا يمكن أن نفصل (إشكالية [[الديموقراطية]]) هنا في الفترة الناصرية عن أسئلة الإشكالية في بدايات الألفية الثالثة، فتجربة الخمسينات والستينات يجب ألا تكون غائبة عن أسئلة اليوم، وعصر النظام الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة في القرن الماضي يختلف ـ وإن يكن في الظاهر ـ عن عصر العولمة الآن، فالواقع يحمل الكثير من المتغيرات، لكنه يحمل ـ بالقطع ـ الكثير من التشابه في عالمنا العربي حيث الأنظمة العسكرية مازالت توم بأدوارها في تأكيد طبيعة السلطة وآليات الحكم في البلاد العربية.<br />
<br />
- إن الجديد هذه المرة أن أسئلة [[الديموقراطية]] في الفترة الناصرية لم تعد لتطرح من زاوية المنظور السائد، وإنما أصبحت تطرح من محاولة الإجابة عن السؤال (كيف) إلى ما يجب أن ننتهي إليه (لماذا)، وهو ما نسعى إليه عبر المنهج العلمي.<br />
<br />
'''وإذا كانت الإشكالة معلقة منذ منتصف القرن، فإنها الآن أقرب إلى التحديد أكثر حين نضعها على النحو التالي:'''<br />
<br />
هل للديمقراطية مستقبل في البلاد العربية؟ وما هو مصير [[الديموقراطية]] التي نتعامل معها؟<br />
<br />
هل غابت [[الديموقراطية]] العربية المأمولة؟<br />
<br />
هل ليت حتفها أم لا تزال تنتظر إجابة واحدة لمسائلات متعددة؟<br />
<br />
'''فلنترك هذه الأسئلة الأخيرة لنتمهل ـ أكثر ـ عند السؤا الأول:'''<br />
<br />
كيف نرى (إشكالية [[الديموقراطية]]) في الفترة الناصرية؟ ..<br />
<br />
'''أولاً : عن [[الديموقراطية]] :'''<br />
<br />
[[الديموقراطية]] قيمة من بين أهم القيم التي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية في وقت واحد، وهي الوقت الذي تمثل فيه مفهوماً عالمياً ومن أقدم العصور، فإنها ـ تتحدد ـ بالنسبة لنا في العصر الحديث ـ بشكل أكثر تحديداً وضرورة، وفي ظل التباينات العديدة في المفاهيم التي تمنحها هذه القيمة، فإننا نستطيع تجاوز المعاني المتعلقة بالتباين الحضاري والديني إلى واقعنا العربي لئلا تغيب بعض الخطوط العامة للديموقراطية كما نريدها.<br />
<br />
وعبوراً فوق مفاهيم عديدة للديموقراطية، فإن التعبير عنها عندنا يتحدد في البنية السياسية ثم البنية الاجتماعية والثقافية .. ويستخدم للدلالة على نظم الحكم التي تتمتع بقدر ملحوظ من الشعبية خاصة في الشكل الجمهوري.<br />
<br />
ويتطور المفهوم الحديث أكثر خاصة في العالم الثالث حيث يرتبط بحق تقرير المصير بعد معارك الاستقلال، فبعد حصول الدول المستعمرة على استقلالها أعلنت نفسها نظماً ديموقراطية. وربطت ذلك بمضامين اجتماعية واقتصادية. ومعظم دول العالم الثالث "تعتبر أن هذه الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أبلغ دليل على تبنيها نظماً ديموقراطية رغم أنها لا تأخذ بالمضامين السياسية القائمة على التعدد الحزبي ولا بالبرلمان النيابي صاحب الدور الإيجابي ولا بالحريات السياسية .<br />
<br />
وتمنح [[الديموقراطية]] في العالم العربي خاصة مفاهيم أو عناصر ترتبط بالواقع الجغرافي أكثر يحددها د. [[برهان غليون]] على أنها تتعدد فيما يلي:<br />
<br />
- سيادة [[القانون]].<br />
<br />
- ظهور أطر ومؤسسات سياسية.<br />
<br />
- السيادة الشعبية.<br />
<br />
- الحرية الفردية.<br />
<br />
ف[[الديموقراطية]] بعكس ما هو شائع عنها تماماً لا تُعني بالحرية السياسية الشكلية بصورة جوهرية ولكنها تعني مشاركة في جميع القرارات العمومية، أي السياسة، التي لا تتم من دون الحرية الفردية. فهذه الحرية هي الشرط الضروري لوجودها وتشغيل جميع عناصرها الأخرى. فلا يمكن تحقيق مبادئ السيادة الشعبية ولا الدولة [[القانون]]ية ولا المؤسسة الموضوعية، وضمان اشتغالها جميعاً خارج جو الحرية الذي يتيح لجميع الأفراد م[[مارس]]ة المراقبة والمحاسبة على أصحاب المناصب السياسية في الوقت نفسه.<br />
<br />
وإذا كان للديموقراطية شروطاً معينة، فإنها لدينا في الأقطار العربية تتخذ منحاً خاصة، وفي النظم العسكرية العربية على وجه أخص؛ وهنا تتخذ [[الديموقراطية]] (إشكالية) خاصة بها عندنا .<br />
<br />
فالتجربة الناصرية كانت لها مع [[الديموقراطية]]، في ظروف الخمسينات والستينات في [[مصر]]، سمة خاصة، حيث التبست التجربة بعديد من الظروف المحيطة بها سواء في بطء حركة المجتمع في اللحاق بالعالم ومن ثم افتقاد شروط المجتمع المدني أو مواجهة الاستعمار الذي كان جاثماً ما يزال على صدر البلاد، واتخاذ سمة الحكم المركزي شكل خاص في ضوء شيوع أفكار جديدة نتيجة للحركة العسكرية التي قامت ومن ثم مجابهة هذا العالم الجديد بنظامه الليبرالي السابق على عام [[1952]] وانعدام التعاون بينهما بشكل هادئ.<br />
<br />
ويلاحظ ـ كما سنرى ـ أن التجربة [[الديموقراطية]] في ظل وجود المجتمع الجديد عانى من الناحية التنظيمية الطبيعية التي تحتمها الظروف الجديدة من محاولة الهيمنة على كل دولاب الحركة الإدارية والوظيفية والخشية من الحزبية أو النظام البرلماني السابق، ثم تأكيد هذه المركزية التي تتبلور عن "أوليجاركية" لا مناص أمامها من تفضيل سمات معينة عن غيرها في إدارة المجتمع، وما يرتبط بالفترة الناصرية أو النهج الناصري خاصة أنه ـ أي النظام الناصري ـ "بحكم دوره البارز في هذا المجال، إن ما تمتعت به [[ثورة يوليو]] [[1952]] من تأييد شعبي كاسح ـ ربما لم يتيسر لغيرها ـ لم تستطع قيادة [[الثورة]] أن تصبه في كيان سياسي منظم، ولعلها لم تشأ أو على الأل لم تهتم بذلك".<br />
<br />
ويرجح البعض أنا استغنت عن ذلك بما سيطرت عليه من مقدرات جهاز الدولة، إدارة وأمناً وإعلاماً، واستخدمت كل ذلك، مع التأييد الشعبي غير المنظم، فضلاً عن نقاط الضعف في الحياة الحزبية، وذلك في تصفية [[الأحزاب]]، ولعل هذا النجاح قد أكد لديها منطق الاستغناء عن التنظيم الشعبي، أو على الأقل عدم الاهتمام به كعنصر ضروري للبقاء.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن التجربة الناصرية في [[الديموقراطية]] التبست كثيراً في هذه الفترة خاصة أنها لم تكن قد تجسدت عبر ممارسات وصور سياسية ودستورية ثابتة، بل إن تطورها عبر سياسة التجربة أو الخطأ والصواب أثرت أكثر في تأكيد مركزية السلطة وارتباطها بالأطر المؤسسية الخاصة بها أكثر من (المثال) في التجربة [[الديموقراطية]]، وخاصة، في علاقاتها باثنين:<br />
<br />
- عبر القوى السياسية التي كانت سابقة عليها من أحزاب ومؤسسات وسياسيين.<br />
<br />
- عبر موقف القوى الثقافية أو المثقفين الذين يمثلوا إسهاماً واعياً (بالشهادة) هنا.<br />
<br />
وهو ما يقترب بنا أكثر من هذه الإشكالية في علاقة النظام الجديد بمثقفيه خاصة وهو ما نحاول رصده في هذه (الشهادات).<br />
<br />
'''ثانياً : قراءة "نقدية":'''<br />
<br />
إشكالية [[الديموقراطية]] تتحدد عبر عدد من الممارسات التي تمثل قيماً تعبر عن [[الديموقراطية]] المفقودة أو [[الديموقراطية]] المأمولة في آن معاً .<br />
<br />
'''وهي في الحالتين ترددت في عديد من شهادات المثقفين عبر مفردات كثيرة نختار منها الآتي:'''<br />
<br />
'''(1) أهل الثقة وأهل الخبرة:'''<br />
<br />
إن رصد العلاقة بين النظام ومثقفيه في الخمسينات والستينات يرينا أن النخبة الحاكمة في الفترة الناصرية كانت تحرص في ممارساتها السياسية على (أهل الثقة) أكثر من (أهل الخبرة)، على أن تكون طبيعة العلاقة بينهما هي علاقة الولاء و(الأمن السياسي) في المقام الأول.<br />
<br />
ولطبيعة الدور الذي كان يطلب من أهل الخبرة، فإن دورهم لم يتعد قط درجة (التعاون) مع النظام، وبرصد العلاقة بين الطرفين نستطيع أن نلحظ أن الهوة اتسعت بينهما بعد أزمة [[مارس]] [[1954]] بوجه خاص وتصل قمتها بعد [[حرب السويس]] عام [[1956]] (نهاية الفترة الليبرالية).<br />
<br />
إن د. [[إبراهيم بيومي مدكور]]. وقد كان من كبار السياسيين والمثقفين قبل [[ثورة يوليو]] وشارك في بعض لجانها عقب [[الثورة]] مباشرة أكد أن النظام السياسي للفترة الناصرية حاول الاستفادة من المدنيين من أصحاب الخبرة بإشراكهم معه، غير أن التعويل الأول كان لصاحب الثقة، '''قال من حوار طويل معه:'''<br />
<br />
(كان عدم الثقة بين [[الثورة]] وأهل الخبرة؛ بل إنني سمعت بأذني ([[جمال عبد الناصر]]) يقول إن الاقتصاديين يقولون كذا، وأنا أقول بالقطيعة واقعة لا محالة بين المدنيين والعسكريين، بين سياسيي قبل [[الثورة]] ومثقفيها والثوار من أبناء العهد الجديد وخبرائهم؛ من وقتها رفضت أن أشارك في السياسة، وانسحبت إلى المجمع اللغوي).<br />
<br />
كان من الواضح أن [[ثورة يوليو]] حاولت الإفادة من خبراء أو فنيين الفترة السابقة فور قيامها بطريقتها الخاصة، ومراجعة المذكرات المرفوعة في ذلك الوقت ترينا أن وزير المعارف ـ وكان [[إسماعيل القباني]] ـ يختار أسماء لجنة دراسة نظم التعليم الجامعي من بين أفرادها [[لطفي السيد]] و[[عبد الرازق السنهوري]] و[[إبراهيم مدكور]] و[[شفيق غربال]] و[[محمد عوض محمد]] و[[محمد خلف الله]] و[[عباس رضوان]] .. وغيرهم ممن حاولت [[الثورة]] الاستفادة منهم، لكنها ـ مع مضي الوقت ـ آثرت الاستفادة أكثر بأهل الثقة من حكومة [[الثورة]].<br />
<br />
وإذا كانت الفترة الناصرية في البدايات تجنبت أهل الخبرة ـ ولدى العلمانيين من الفترة الليبرالية السابقة ـ فإنها آثرت هذا، وأصرت عليه أكثر في السنوات التالية خاصة لدى رموز التيار اليساري، وربما كان الخلاف الرئيسي بين النظام والمثقفين في هذه الفترة يعود إلى المثقف الأيديولوجي كأهل اليسار حتى لو كانوا من أهل الخبرة عن النظام، حتى وإن كان [[عبد الناصر]] يميل بشكل شخصي إلى بعض أفكارهم، غير أن اللعبة السياسية كانت تحتم عليه أن يكون حريصاً ألا ينتموا إلى التنظيم الرسمي، فإذا انتموا بعد أن خرجوا من السجون، فكان بشكل فردي وبشروط محددة، أهمها أن يبتعدوا عن العمل (ككادر) ضد النظام القائم؛ إن [[أبو سيف يوسف]] في شهادته يؤكد هذا ويكرره لأكثر من مرة مع تغيير الألفاظ لا المعاني، '''إنه يقول على سبيل المثال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(كان [[عبد الناصر]] مستعداً لأن يتعاون مع الماركسيين في حدود أن يلتزموا بدور معين لا يتجاوزونه وهو أن يكونوا دعاةً ومبشرين بالاشتراكية).<br />
<br />
وعلى أن يبتعدوا عن لعبة التواجد في مؤسسات السلطة المختلفة وفي موضع آخر، إن [[عبد الناصر]] قال للاشتراكيين حين جاءوا إليه شاكين من أنه يجري تمييزاً عنيفاً ضدهم في [[الإتحاد الإشتراكي]] بعد أن أصبحوا أعضاءً في حزب [[الثورة]] فُرادى وكانوا قد خرجوا من السجون بعد حل الحزب الذين انتموا إليه، قال من حديث طويل:<br />
(يجب أن تكونوا ك[[سانت بيتر]]، أي بشروا بالاشتراكية، أي ابعدوا عن السعي إلى السلطة وبشروا بالاشتراكية).<br />
<br />
'''وفي شهادة د. [[إسماعيل صبري عبد الله]] كان يردد هذا طويلاً معي، ومما قال:'''<br />
<br />
([[عبد الناصر]] كان يتعامل معنا كماركسيين، وكان يودُّ أن يستوعب في الجهاز الطليعي كل رموزنا الفاعلة وإن يكن بشكل فردي .. و ... وأذكر أن [[عبد الناصر]] في حوار معنا قال: الناس التي تعمل بالسياسة خايفين منكم، بيقولوا لو أننا فتحنا الباب هاتكلوا التنظيم السياسي . وضحها بهذه الصراحة والوضوح، وقال أنتم صنعتم التبشير بالاشتراكية مثل القديس [[سانت بيتر]]).<br />
<br />
ويسهب حول إيثار [[عبد الناصر]] والمحيطين به (أهل الثقة) ممن لم يكن التيار اليساري ينتمي إليهم، '''وهو هنا يسجل هذا الحوار:'''<br />
<br />
'''(قال [[عبد الناصر]] ل[[أبو سيف يوسف]]) :'''<br />
<br />
- وأنت يا أبو سيف، اترشحت فين؟<br />
<br />
- لم أترشح.<br />
<br />
- والله جدع.<br />
<br />
وهو ما يعني أن [[عبد الناصر]] كان حريصاً على ألا يزج باليسار إلى (أهل الثقة) مهما تكن كفاءتهم حرصاً على النظام الذي ينتمي إليه، وهو ما يعني أن [[عبد الناصر]] كان مهتماً بأهل الثقة، لكنه في الوقت نفسه لم يكن ليترك لهم الحبل على الغارب، وإنما كان يتعامل معهم انطلاقاً من اللعبة السياسية أن يكون النظام حريصاً على رموزه الواعين لسياسته؛ الموقف الواضح من خلال الشهادات يشير إلى اتخاذ هذا الموقف الرافض لكل العناصر السياسية التي تنتمي للعنصر السابق من يسار وإخوان ووفديين ويساريين.. إلخ<br />
<br />
واياً كان اسم هذا الموقف الذي يتخذه النظام، فقد كان الهدف في النهاية يؤدي ـ كما يردد [[إسماعيل صبري عبد الله]]:<br />
<br />
(الموقف هو الحرص على آليات السلطة وافتقاد [[الديموقراطية]]..)<br />
<br />
بل إن [[محمد سيد أحمد]] يـؤكد أن [[عبد الناصر]] كان قد اقترب من الشيوعيين لسنوات لكن على مستوى الفكر (لا كادر قط)، ولا بأس أن يكون الشيوعيون هنا عنصر (إثراء وتصحيح) ـ على حد قوله ـ لكن ما كان يهمه قبل أي شيء كما يضيف [[محمد سيد أحمد]] هنا هو:<br />
<br />
(مسألة الولاء، قضية [[عبد الناصر]] كانت هي الانتماء السياسي، كان يعتقد أن انتمائنا إليه كان يثري النظام والتنظيم الرسمي، لكن أن ننضم فرادى بدون تنظيم، ولذلك حين دخلنا "التنظيم الطليعي" كنا قد حلننا التنظيم الشيوعي، وربما كان [[عبد الناصر]] هنا يشير إلى أن يكون للشيوعيين تنظيم سري، لكن أن ينتهي عند سامي شرف، أي ـ بشكل ادق ـ كان الولاء هو الذي يحدد السلوك السياسي له).<br />
<br />
(الأكثر من هذا أن فكرة "أهل الثقة وأهل الخبرة" كانت هي الضية المحورية في العلاقة بين النظام والمثقفين حينئذ).<br />
<br />
مُسهباً كثيراً حول هذا التوجه.<br />
<br />
وقد يكون [[لويس عوض]] أكثر من عبر عن هذا التوجه ل[[عبد الناصر]]، فبعد أن أشار لعديد من السلبيات التي تحسب ل[[عبد الناصر]] أضاف (اقتلعت [[الثورة]] الناصرية، بحل كافة التنظيمات السياسية، وتحريم كافة التجمعات المنظمة، وتجريم كافة التجمعات غير المنظمة، وإقامة حياتنا السياسية على مبدأ تحالف قوى الشعب العاملة داخل وعاء واحد تسيطر عليه الدولة هو [[هيئة التحرير]] ثم [[الإتحاد القومي]] ثم [[الإتحاد الإشتراكي]]، اقتلعت [[الثورة]] الناصرية حق الأفراد في التفكير السياسي وحريتهم في العمل السياسي، وبعد أن جردت [[الثورة]] ال[[مصر]]يين من حقوقهم السياسية وعزلت الشعب ال[[مصر]]ي برمته عزلاً سياسياً إلا من سار في مسيرتها بالولاء الشخصي و..) غير أن ذلك كله يمكن تفهمه حين نتفهم موقف النظم العسكرية في بلد ك[[مصر]] بنظام الحزب الواحد أو الهيئة الواحدة وراقبت أفرادها أو تحمست (لأهل الثقة) فيهم لكن لهدف أساسي حرصت عليه والأخطار تحيق بها، هذا الهدف يكون محاولة استكمال الهدف الثوري، هدف [[الإصلاح]] الثوري السريع الحاسم.<br />
<br />
كانت القضية هي (أهل الثقة وأهل الخبرة) لكن مضمونها الأكثر دقة كان يشير إلى الولاء أكثر منه إلى إيثار الخبرة هنا وهناك .. والتأني في [[الإصلاح]] السياسي لمواجهة القوى السياسية المعادية في الداخل ـ الليبراليين السابقين ـ أو في الخارج ـ [[الإنجليز]] ثم التحدي الصهيوني وراءه المساندة الرأسمالية الأمريكية .. بيد أن هذا يظل له ـ مع التقادم ـ ثمناً لابد من دفعه.<br />
<br />
'''(2) حرية التعبير :'''<br />
<br />
ترددت في شهادات المثقفين أيضاً قضية التعبير، وهي إن تكن قد ارتبطت بقضية الولاء بشكل ما، فإنها تحددت أكثر في منح قدر كبير من حرية التعبير في التجربة السياسية في الفترة الناصرية، ومن يرصد لكتابات هذه الفترة يلحظ إطلاق هذه الحرية في القضايا التي لا تطوي فكراً وأيديولوجيا مغايرة للنظام، أي المثقف الذي لا ينتمي بوضوح لأي انتماء سياسي مضاد للنظام القائم، كأن ينتمي للأجهزة التي تهاجم النظام بشكل مباشر، وفي صدد حديثه عن الحالات التي كان يحرص النظام فيها على المحافظة على السلطة؛ وقد كان أهم هذه السبل تجريد أعداء النظام أو (الشرعية الثورية) من أسلحة كثيرة لعل من أهمها عند [[عبد الناصر]] سلاح (الصحافة).<br />
<br />
رأينا كيف أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليطبق حرية الرأي التي تعتمد على أيديولوجية مناهضة له خارجة عن الولاء و(الأمن) السياي خاصة في تياراتها الليبرالية أو الدينية أو الشيوعية؛ وعبوراً فوق ملابسات بلغت درجة كبيرة انطلاقاً من رؤية النظام الناصري نفسه، وتحت مظلته. ومن هذا المنطلق بدت حرية التعبير السياسي تمضي في تيار (الولاء) ولا تنهض ضده .. وهنا توالت شهادات كثيرة.<br />
<br />
ونحن نعلم أن [[عبد الناصر]] رفض مصادرة كتاب ([[الديموقراطية]] أبداً) ل[[خالد محمد خالد]]، ورغم الخلاف الذي كان يبدو بين [[خالد محمد خالد]] والنظام، فإن هذا الأخير لم يتردد أن يذكر بالثناء هذه الدرجة من حرية التعبير التي جاءت إليه لأكثر من مرة ومن أعلى سلطة في النظام، '''إنه يدلي بهذا في شهادته منذ البداية عقب أحداث الفترة الأولى من مجيء [[الثورة]]، يقول:'''<br />
<br />
(كان أول ما فعلته، أن أغلقت غرفتي على نفسي بالمنزل، واستعنت بالله جاهداً كي أنجز في أقرب وقت كتاب "[[الديموقراطية]] أبداً".<br />
<br />
وبالفعل، أنجزت هذا الكتاب في عشرين يوماً فقط.<br />
<br />
كنت أرى بوضوح أنني في صراع مع [[الثورة]] التي بدأت عهدها المجيد ـ كما يطلع عليها ـ بالديكتاتورية؛ وقلت في هذا الكتاب ما أريده صراحة حول [[الديموقراطية]]:<br />
<br />
كيف غابت عن حياتنا؟<br />
<br />
ولماذا حدث ما حدث؟<br />
<br />
وانتظرت ما سيحدث، فإذا بي أمام نشر الكتاب، وعلمت ـ فيما بعد ـ أن بعض الضباط بادروا بالفعل بمصادرة الكتاب، غير أن [[عبد الناصر]] رفض المصادرة..)<br />
<br />
كان التعبير السياسي لا غبار عليه مادام لا ينطلق من كادر سياسي أو موقف أيديولوجي وما يقال عن تأكيد الحرية السياسية للتيار [[الإسلام]]ي، يقال كذلك لبقية التيارات.<br />
<br />
ففي شهادة ل[[إسماعيل صبري عبد الله]]، ذكر ولأكثر من مرة، أنه لم يكن ليعاني من الحرية في التعبير السياسي بأية حال: (حين خرجنا من السجن وبدأنا نكتب في مجلة "[[الطليعة]]" كانت هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى نقد Critique، وقد كنت أكتب في حرية مطلقة وأعبر عن نفسي بغير قيود، وقد لاحظنا أن الكثيرين يسألوننا لماذا يترككم النظام تكتبون بهذا الوضوح وتلك الحرية).<br />
<br />
ويفسر السجين اليساري (السابق) أنه بعد الخروج من السجن لم ننتم لتنظيم ضد النظام القائم كما أننا حرصنا من ناحيتنا بدقة ألا ندخل في صراع الشلل السياسية حول [[عبد الناصر]]).<br />
<br />
وهو ما يردده بشكل ما [[محمد سيد أحمد]] في شهادة أخرى، فحين وضعت أمامه السؤال: راح يجيب بوضوح:<br />
(هل توفرت حرية التعبير السياسي ـ بعد حل التنظيم ـ كماركسيين [[مصر]]يين؟<br />
<br />
- طيلة حياتي لم أشعر قط بالقيد وأنا أكتب في الصحف ــ ك[[الأهرام]] مثلا ــ كنت أمنح حرية الكتابة تماماً، الشيء الوحيد الذي عانيت فيه من الكتابة بوضوح كان قضية (الصراع العربي ال[[إسرائيل]]ي)؛ وكان السبب أن الحديث الصريح يترتب عليه التزام أو موقف و.. كتبت الكثير عن عيوب [[الديموقراطية]] وعيوب الاشتراكية وإن كانت الرسالة تتوجه للطليعة أو للمثقف الواعي لما أريد..).<br />
<br />
معنى هذا أن [[عبد الناصر]] لم يهتم بالمثقف على صعيد الكلام النظري العام، غير أنه راح يوجه بعنف شديد الذين انتموا إلى تنظيمات أو أحزاب انطلاقاً من توجههم الخطر.<br />
<br />
وحتى بعد أن خرج الشيوعيين من السجون كان [[عبد الناصر]] يترك لهم حرية التعبير لكن لا يترك لهم حرية العمل السياسي وإن يكن بشكل فردي او جماعي، والتعبير عن هذا بالكتابة في الصحف.<br />
<br />
غير أن المثقف من ذوي التيار العقيدي كان يرتبط باللعبة الدولية، ومن ثم، كان يضاف إلى محظور الانتماء لكادر سياسي داخلي الميل إلى لعبة السياسة الخارجية، ومن ثم، ينتفي إطار حرية التعبير السياسي، ويكتفي [[عبد الناصر]] بمرجعيته في العلاقة مع المثقفين في (الولاء) .<br />
<br />
بيد أننا نحن هنا نشير إلى أن حرية التعبير كانت لها حدود معينة؛ فمن الشائع لدى البعض أنه لم يعتقل صحفي او مثقف يعمل بالكتابة خلال حكم [[عبد الناصر]]، كما لم يضيق [[عبد الناصر]] الخناق على صاحب (رأي) مجرد، ومن اعتقل في الفترة الناصرية كان يعود في تفسيرة إلى نشاطات غير صحفية.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإننا يمكن القول أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليسمح لأحد قط، في جميع الحالات، أن يعبر بما يسيء إلى النظام من منطق خارجي (أعداء الأمة العربية) أو من الداخل (عبر كوادر وتنظيمات معادية)، وفي النهاية، كان حريصاً على أن تكون (جبهة النضال الداخلي) في صراعه مع الأعداء في الخارج أو الداخل .. جبهة متينة صلبة .<br />
<br />
فلم تكن المعركة لتسمح بالصراع في وجود صراع مصيري بين الأمة وأعدائها الكثيرين.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ [[الديموقراطية]] الاجتماعية.<br />
<br />
ولا نستطيع أن نتحدث هنا عن الشهادات التي تتحدث حول الحرية السياسية دون أن نتمهل أكثر عند الحرية الاجتماعية، فمراجعة شهادات العديد من معاصري هذه الحقبة من المثقفين أو السياسيين نرى أن [[الديموقراطية]] كانت هي الحرية السياسية أما الاشتراكية فكانت الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بينهما ولا يمكننا الحديث طويلاً عن الجانب الاجتماعي وكيفية تحقيقه لدى شعوبنا دون التنبُّـه إلى الخبرة السياسية في التعامل مع [[الديموقراطية]].<br />
<br />
'''ننقل هنا شهادة [[أمين هويدي]] التي تناثرت في أكثر من مقالة أو كتاب فيما بعد، يقول:'''<br />
<br />
(إن الحرية السياسية في [[الديموقراطية]] ليست نقلاً عن واجهات دستورية موضوعة كذلك فالحرية الاجتماعية أي الاشتراكية ليست تطبيقاً جامداً لنظريات وتجارب الآخرين ولا نزاع في أن النظام السياسي في الدولة هو انعكاس مباشر للشئون الاقتصادية السائدة فيها وتعبير حقيقي دقيق عن طبيعة المصالح التي تتحكم في اقتصادها فإذا كان الإقطاع هو القوة الاقتصادية التي تتحكم في دولةٍ ما فإنه لا شك في أن الحرية السياسية فيها سوف تقتصر على الإقطاعيين فما دام هؤلاء يتحكمون في المصالح الاقتصادية فإنهم سوف تكون لديهم القدرة على فرض الشكل السياسي للدولة).<br />
<br />
إن العلاقة بين السياسي والاقتصادي علاقة جدلية لا يمكن الفص بينها في القضية [[الديموقراطية]]، وهو ما ننبه إليه عدد كبير من مثقفينا من شتى التيارات، يقول [[إسماعيل صبري عبد الله]] عن فترة تطور [[الحزب الشيوعي المصري]] قبل ثورة [[1952]] وبعده، '''في شهادته:'''<br />
<br />
(كان عندنا في الأصل القضية الوطنية واستقلال [[مصر]] هي البداية والنهاية في الكفاح ضد المستعمر، أما البعد الاقتصادي الذي نما لدينا وتعمق فينا، هو البعد الجديد الذي تطور في ذلك الوقت ..<br />
<br />
'''إن هذا البعد الأخير للديموقراطية أعطى لنا بعدين:'''<br />
<br />
'''البعد الأول :''' أن الاستعمار ليس ظاهرة سياسية فقط، وإنما ـ أيضاً ـ ظاهرة اقتصادية في الأساس الأول ..كنا نقول وقتها أن الجلاء عن [[مصر]] لابد أن يكون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.<br />
<br />
كنا نقول هذا ولم نكن لنعرف ــ كما تؤطر فكرنا الآن ــ أن مفهوم (التنمية المستقلة) هو من أهم واجبات الوعي الديموقراطي، حتى بعد أن استقلت بلادنا.<br />
<br />
بيد أننا ابتداء من البعد الاقتصادي اكتشفنا أن تشابك المصالح بين الفئات "البرجوازية الكبيرة ال[[مصر]]ية والمحتلين" وقد كان القصر في ذلك الوقت البعيد يعرف منا كراهية شديدة لأنه يقوم في سياسته على الاستبداد السياسي، ولأنه معاد للوفد السياسي، ومع الاختلاف بين القصر و[[الأحزاب]] من آن لآخر، تعمق لدينا في هذا الوقت البعيد الجانب السياسي دون التنبه إلى القدر الكافي للجانب الاجتماعي.<br />
<br />
غير أننا حين عرفنا العلاقة الأكيدة في الوعي ب[[الديموقراطية]]، ونقصد بها الجانب الاقتصادي، أدركنا، إلى أي مدى يمكن أن يكون الاقتصادي والاجتماعي من ضرورات الوعي ب[[الديموقراطية]].<br />
<br />
إلا أننا، أدركنا تماماً ذلك ونحن نتحدث عن الطبقة البرجوازية الكبيرة التي كانت تتحالف مع الاستعمار ويعتمد عليها من آن لآخر، ويستدعيها.<br />
<br />
وابتداء من اليقين الذي تولانا، فقد عرفنا أن الاستعمار كان في الأساس بلاء اقتصادي، لقد بحثنا وتوصلنا جيداً عمن يستفيد من الاستعمار، وتعرفنا على العامل الاقتصادي.<br />
<br />
ومن هذا المنطلق كانت تحالفاتنا قبل [[الثورة]] نحن الماركسيين مع [[الوفد]] .. كان هناك الوعي الاجتماعي ينمو ويتطور داخلنا.<br />
<br />
وعبوراً فوق أحداث كثيرة في النضال الوطني في الأربعينات، كان لدينا الوعي إبّان المظاهرات أن نتجه إلى العمــال ــ لا إلى صر عابدين فقط ــ كـان الوعي الاجتماعي بدأ يتطور في أعماقنا .. ومن هنا، لاحظنا أن عناصر ماركسية نشطة كانت تتحرك بين العمال بوعي اجتماعي واقتصادي، ومن هنا، ظهرت الفكرة الجبهوية في [[مصر]] "جبهة [[مصر]]" وهي اللجنة الوطنية للطلبة والعمال الذي كـان لها سكتيرين عاملين: [[فؤاد محيي الدين]] و[[حسن كاظم]].<br />
<br />
كان الاتجاه نحو الجماهير والعمال لا الملك.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، توصل التنظيم الجبهوي إلى أهمية العامل الاجتماعي الاقتصادي، وهو ما تطور معنا أكثر في الخمسينات والستينات حين أدركنا أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في بناء [[الديموقراطية]]).<br />
<br />
بل إن شهادة إسلامي واع مثل [[خالد محمد خالد]] كانت تؤكد النضج الشديد في الربط بين السياسي والاجتماعي في البحث عن [[الديموقراطية]] .<br />
<br />
ورغم أن الجانب السياسي أكثر ما يلحظ في كتاباته، فإن الجانب الاقتصادي تسلل رويداً رويداً إلى هذه الكتابات، إنه يقول: أمّــا الرئيس [[عبد الناصر]] في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية عام [[1961]]، '''وهو ما أكــده لنا في شهادة خاصة:'''<br />
<br />
(..إن النظام السياسي والاقتصادي مرتبطان أجل إنهما مرتبطان. ونحن حين نقول النظام الاشتراكي. إنما نعلن ذلك لنقسم طريقنا تماماً كما نقول: حرية الكلمة، حرية التصرف، حرية الملكية، حرية التجارة .. كل ذلك مسميات لشيء واحد هو الحرية.<br />
<br />
إن الاشتراكية و[[الديموقراطية]] شيء واحد، لأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، بل يؤثر فيها ويحركها كما قال سيادة الرئيس، وهذا ما يدعوني إلى ان أحفز في نفسي الإيمان ب[[الديمقراطية]]..).<br />
<br />
وهو مــا كرره كثيراً عدد كبير من المثقفين حينئذ من شتى التيارات، وأكــده [[عبد الناصر]] كثيراً قبل هذا وبعده.<br />
<br />
'''ملاحظات أخيرة :'''<br />
<br />
وبعد، هذه أمثلة من الشهادات حاولنا خلالها الإجابة عن السؤال (كيف؟) حول واقع (إشكالية [[الديموقراطية]]) في هذه الحقبة في الخمسينات والستينات .<br />
<br />
والسؤال (كيف؟) يصل بنا لا محالة إلى (لماذا؟) وما يرتبط به من الوعي بالماضي وصولاً إلى فهم الحاضر للوصول، من ثم، إلى إرهاصات المستقبل والعمل له؛ فإذا كان الإدراك القيمي للديموقراطية يعني أن النظام الديموقراطي يجب أن يتحدد بتمثيل الأغلبية عبر مؤات ودساتير واستفتاء حر فضلاً عن ضرورة السماح بحرية التعبير السياسي وترشيد الواقع الاجتماعي .. وما إلى ذلك، فإن القضية تظل في حالة التمهل عند فهم الماضي (لماذا؟) التأمل عبر الوعي بالحاضر للوصول ــ كما أشرنا ــ إلى الإجابة عن تصور ديموقراطي مثالي للمستقبل.<br />
<br />
'''وعلى هذا النحو، لابد من العودة لهذه الإشكالية في الفترة الناصرية ونحن أمام هذا الواقع الذي ولد أزمات لابد من التمهل عندها أكثر:'''<br />
<br />
'''(1) أزمة الواقع :'''<br />
<br />
"فقد تحددت الفترة الناصرية بسمات معينة كان على رأسها الشخصية الكارزمية للزعيم، وتحولت [[الديموقراطية]] إلى (إشكالية) مع الأخطار الداخلية في مواجهة الاستعمار وتحدي [[الصهيونية]] فضلاً عن وراثة نظام سابق لم يجد النظام الجديد أمـامه سوى الاصطدام به كفساد [[الأحزاب]] وشتات من القوى المتصارعة إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأما هذه التحديات التي واجهت النظام في الخمسينات كان لابد أن تتماهى شخصية الحاكم مع الإرادة الشعبية خاصة في دولة مركزية ك[[مصر]]. تلعب فيها الظاهرة المركزية دوراً كبيراً ينسحب فيها السلطات التنفيذية ويفسرها المجتمع الأبوي وما ينجم عنه من السيطرة على رأس النظام، هذا وغيره يرينا أن شخص الحاكم متداخل في وعي جهاز السلطة وفي وعي الجماهير، مع شخصية الدولة، ولهذا فإن الولاء السياسي يظل في المقام الأول، ولاء لشخص الحاكم الأعلى، والخلاف مع شخص هذا الحاكم، الذي تطلق عليه كثير من الأنظمة القيادة السياسية تجهيلاً لحقيقته وتلاعباً بالمصطلحات والألفاظ في أمــر لا يحتمل التلاعب، هذا الخلاف يصنف على أنه خلافٌ مع الدولة ونقص في الولاء".<br />
<br />
ومهما يكن من تبريرنا لنظام [[يوليو]]، فمما لا شك فيه أنه حال دون قيام مؤسسات سياسية وأحزاب كان يمكن أن تلعب ــ مع التطور ــ دوراً ما في التخلق الديموقراطي.<br />
<br />
لم يكن دراسة الواقع يحمل لنا هذا فقط، وإنمـا أكـد شهادات هذه الفترة من المثقفين خاصة.<br />
<br />
'''(2) أزمة الحرية :'''<br />
<br />
وما يقال عن قضية الولاء يقال عن أزمة الحرية السياسية، فالتعبير السياسي أصبح ـ بالتبعية ـ تابعاً لنتائج الكارزمية والظروف المحيطة بالبلاد، فقد بدت قضية الحرية تابعة للمركزية.<br />
<br />
ولا نريد أن نُسهب هنا كثيراً، غير أنه من المؤكد الآن أن حرية التعبير السياسي لم تمض دائماً في الطريق الديموقراطي، فرغم أننا وجدنا صوراً كثيرة لجرع التعبير السياسي؛ كما شهدنا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في بداية الستينات عبر الكثير من المثقفين، ووجدنا كذلك في عديد من نشر الروايات والأعمال الأدبية التي تفتقد النظام وإن يكن تحت مظلة النظام، فإن رصد التجربة يرينا أن كثيراً من صور التقييد السياسي في هذا المجال نالت الكثيرين في الممارسة، وقد وصلت إلى درجة الحبس في حالة [[مصر]] بالنسبة للصحفيين ومضت إلى حالة الرقابة اللاحقة على المطبوعات، وهو ما وجدناه في حركة التنظيم السياي والنقابات المهنية والعمالية .<br />
<br />
الأكثر من هذا إن حرية التعبير ضاقت خاصة لدى المثقفينن الأيديولوجيين مع الوقت، فمع أننا نلاحظ في الحقبة الأخيرة أن ثمة حالات ت[[مارس]] وجودها من خلال [[الديموقراطية]] في بعض الأقطار العربية (كما نرى في بعض الأقطار المغارية) فإن المجال كان متسعاً أيضاً للحديث عن التضييق في حرية التعبير بل وممارسة التعذيب وعدم احترام القضاء أو تنفيذ أحكامه .. إلخ.<br />
<br />
إنها أزمة الحرية التي مثلت أحد وجوه الفترة الناصرية، والتي مازلنا نعاني منها حتى الآن .<br />
<br />
'''(3) أزمة المجتمع :'''<br />
<br />
وكما لم تمارس الحرية السياسية في أكثر من جانب بالقدر المفروض، كذلك استبدل أو عُمق فرضياتها بالقدر الكافي للديموقراطية الاجتماعية، فرُحنا نسمع عن مجتمع الكفاية والعدل، ورُحنا نلاحظ تركيزاً كبيراً ومستمراً في خطابات الرئيس [[عبد الناصر]] عن ضرورة اختيار طريق العدل الاجتماعي قبل أن نبحث عن الطريق السياسي في [[الديموقراطية]]، ورحنا نلاحظ التطور عبر المؤسسات الاقتصادية ([[الإصلاح]] الزراعي [[1952]] وتأميم [[قناة السويس]] [[1956]] والمشاريع الأنجلوفرنسية [[1957]] .. إلخ).<br />
<br />
إن ممارسات الدولة ـ مهما تكن المركزية ـ لم تكن لتسمح بنظام ليبرالي يعمق [[الديموقراطية]]، وخاصة وقد "أضافت المفاهيم والأساليب التي حكمت التطورات الاقتصادية والاجتماعية أوضاعاً مؤسسية جديدة تكاملت مع النسق السابق وصبت في رصيد سلطة الرئاسة".<br />
<br />
إن النظام تشكل في الخمسينات وفق اعتبارات المناخ القائم الذي كان يهدد الواقع العربي بالتحديات الخارجية والداخلية، وهو ما يفسر كيف اكتسبت ظروف الفترة الناصرية مشروعيتها السياسية، بل وتلاحم الأمة حولها.<br />
<br />
'''(4) أزمة المثقفيــن :'''<br />
<br />
لا يمكن أن نوجه النقد فقط للنظم السياسية، وإنما أيضاً للمثقفين، فشهادات المثقفين أنفسهم كانت تشير إلى أننا لا يمكن أن نعفي أغلبهم من حالة (انفصام) مع النظام، بل مع مواطنيهم.<br />
<br />
إننا في الفترة الناصرية لم نفقد هذا التقصير لدى المثقفين خاصة من معاناتهم من قضايا كالولاء أو التركيز على الأيديولوجية المحددة لهذا المثقف أو ذاك، خاصة، وأن المثقفين كانوا خارجين من الفترة السابقة ل[[ثورة يوليو]] ــ الفترة الليبرالية ــ ولم يحسموا مواقفهم بعد من التطورات التي قد تطرأ على المجتمع.<br />
<br />
لقد رأينا توزيع مثقفي اليسار بين الرفض والتأييد عقب قيام [[الثورة]]، وحينما احتدمت الأزمة بين [[محمد نجيب]] وبقية الضباط الأحرار كان اليسار على حد تعبير [[أبو سيف يوسف]] "متوزعا على منظمات عديدة .. (و) .. لم يكن لدى المثقفين "الديموقراطيين" على اختلاف تياراتهم مشروع يوحد (أو يرفع التناقض) بين قضية التغيير الاجتماعي و"الصيغة الليبرالية" التي تخدمها أو تصادر عليها".<br />
<br />
'''(5) أزمة العولمة :'''<br />
<br />
ويبدو أن (إشكالية [[الديموقراطية]]) مازالت تلقي بشباكها في عصر العولمة مع تغيير المناخ وزيادة وطأة الآليات الجديدة في عصر (عولمة العسكرة) خاصة في المجال الاقتصادي، فمن الملاحظ أننا بين عدد كبير من النخبة الثقافية بوجه خاص تتكامل مع آليات العولمة بازدواجية لابد من التنبه إليها حيث يندمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي الكلي ليؤدي دوراً مرسوماً ومحدداً له عبر هذه القلة من المثقفين التي "تعيش في وضع مالي متميز من كل النواحي وتقوم بتعليم أولادها في مدارس وجامعات أجنبية عادةً ـ أمريكية ـ هي التي تستفيد من مظاهر [[الديموقراطية]] السياسية، فإن الغالبية العظمى من الشعب وبسبب ضغط ظروف المعيشة لا يفكرون مطلقاً في مظاهر هذه الليبرالية السياسية خاصة أن الوعي بها متدن جداً.<br />
<br />
الأمر الذي يعني ــ كما يلاحظ أكثر من مثقف ـ أن ممارسة [[الديموقراطية]] هُنا ستكون مقصورة على النخبة وأولادهم.<br />
<br />
وهذا له مخاطر كبيرة، فإلى جانب العودة ـ مستقبلاً ـ إلى نظام سياسي تتحدد فيه القيم [[الديموقراطية]] الواعية في عصر العولمة للحفاظ على الدولة والوعي بمقدراتنا الاقتصادية خاصة، فإذا بنا نفقد ـ مع الدخول في منظومة ـ ومما يعيد بنا الفترة الناصرية مع تزايد (إشكالية [[الديموقراطية]]) التي تتخذ الآن أبعاداً أكثر سوءاً وأقل وعياً بالتطورات العالمية بعد عاصفة مانهاتن بوجه خاص.<br />
<br />
===الفصل الرابع: [[الثورة]] و[[القانون]] / [[عبد الناصر]] و[[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]===<br />
<br />
ما هي طبيعة العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]]؟<br />
<br />
'''في هذا الإطار نعيد طرح السؤال عبر أسئلة أخرى:'''<br />
<br />
كيف تجسدت العلاقة بين رموز [[الثورة]] وأهم رموز [[القانون]] حينئذ؟<br />
<br />
وهل حرضت [[الثورة]] على الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]؟<br />
<br />
وكيف يمكن الحكم على مواقف [[الثورة]] في هذه الفترة المضطربة في تاريخنا الطويل؟<br />
<br />
هذه الأسئلة الحائرة طرحت أكثر من مرة على مدى نصف قرن، ورغم تعدد طرحها، وتباين الإجابات حولها، فإننا لم نجد إجابة واحدة مانعة لها كما يقول المناطقة؟<br />
<br />
ورغم أننا، في السعي إلى إجابات كثيرة، مازلنا نفتقد الوثيقة أو نعاني من حجب المعاصرة في هذه الفترة، فإن نصف قرن بعد كافياً ليقدم لنا بعض ما يؤكد هذا الفرض أو ينفيه.<br />
<br />
وهو ما نحاول الإجابة عنه الآن.<br />
<br />
لقد كانت [[مصر]] تحيا الفترة السابقة على [[ثورة يوليو]] حالة من الغضب والفوران؛ ولم تكن مواقف [[الثورة]] وتداعياتها المتسارعة غير تعبير عن هذه الفترة.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]] ـ بالتبعة ـ غير جزء دال من هذه الفترة.<br />
<br />
وقد مرت العلاقة بين [[الثورة]] و[[القانون]] فى الخمينات فى عدة دوائر تحددت معها العلاقة فى نهاية هذه الفترة من التعاون إلى الصدام إلى التخبط والاعتداء .<br />
<br />
وكان الاعتداء على [[السنهورى]] يعنى تداخل حركة الدوائر فى مركز واحد.<br />
<br />
====دائرة التعاون====<br />
<br />
ومن هنا، كان أول فعل للسنهورى ـ كغيره ـ فور قيام [[الثورة]] مسايرتها والتعاون معها، ولم يكن هذا الموقف مشيناَ، وإنما لجأ إليه الكثير من المثقفين والسياسيين الواعين بقصد التمهل لتفهم مواقف [[الثورة]] واتجاهاتها، فضلا عن أن قيام مسئول كبير مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بالتعاون مع [[الثورة]] كان بقصد أن يحتويها أو يردها إلى الطيق الصحيح إذا شطت، وهو عمل في حد ذاته ـ في وقته ـ يمكن النظر إليه بكثير من التقدير.<br />
<br />
لقد كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يعرف بحدته ورصانته طيلة الأربعينات خاصة، وهي الصفات التي عرف بها حين كان وزيراً مسئولاً في عدة وزارات (وزيراً للمعارف العمومية (وزارة [[النقراشي]] [[1945]] ـ [[1946]] / والثانية [[1946]] ـ [[1948]]) ثم وزيراً للأوقاف في [[وزارة إبراهيم عبد الهادي]] [[1948]] ــ 1949) ورئيساً لمجلس الدولة (من أوائل عام 1949)، أو بين زملائه وعارفيه، أو على صفحات الصحف برسومها القاسية وأعمدتها الجادة.<br />
<br />
من هنا، كان لقاؤه مع شباب [[الثورة]] والعمل معهم .. إماناً بهم أول الأمر، وترويضاً لجموحهم فيما بعد، ولم يكن خضوعاً لإرادتهم بأية حال، ومن يعرف شخصية [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] جيداً يؤيد هذا الرأي ولا يرجعه ـ كما يردد البعض ـ إلى انتصاره للحزب السعدي الذي كان منتمياً إليه ضد [[الوفد]].<br />
<br />
وحتى على فرض أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] لم يستطع أن يروض من جنوح هؤلاء هؤلاء الشباب وغلوائهم لصراعاتهم المتباينة، فإنه سعى بهذا الموقف إلى أن يعد مصالحة بين [[القانون]] و[[الثورة]].<br />
<br />
وإذا كان بعض المثقفين يتهمون [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] اليوم بأنه أيد [[الثورة]] تأييداً مطلقاً أو ذهب إليها ساعياً فإن دارس هذه الفترة يلاحظ أن [[الثورة]] فور قيامها سعت إليهم هرولة في أول الأمر، وقرارات هذه الفترة وإعلامها وقراراتها كانت عود إلى رأي المثقفين.<br />
<br />
إذن، فالتعاون مع [[الثورة]] أول عهدها لم يكن عيباً يمكن أن نشير إليه أو نلوم صاحبه عليه.<br />
<br />
نقول هذا لعديد من الكتاب والمؤرخين الذين راحلوا يلومون [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في أول قيام [[الثورة]] إلى (التعاون) معها أو مسايرتها في كثير من الأمور، فالتعاون لم يكن بالنسبة لمثقف مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ضرورة اقتضتها ظروف هذه الفترة وتغييراتها، ولم يكن ليستطيع رجل مثل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أن يكن غير ما كانه.<br />
<br />
كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى ـ عبر ما يمثله من [[القانون]] ـ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.<br />
<br />
وكانت [[الثورة]] ــ بصراعاتها وتكوين أصحابها ــ ماضية في طريق محفوف بالمخاطر والمصاعب. وكان لابد أن يعقب المسايرة التعاون فالتأييد المحسوب، والدخول في جدلية الحركة المستمرة في السنتين الأوليتين قبل أن تعصف بالمثقف رياح الصراعات التي هبت على [[الثورة]] بشكل عنيف.<br />
<br />
فلنتمهل أكثر عند بعض صور هذا الاتفاق قبل أن نصل إلى صور الافتراق.<br />
<br />
كان علي [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] رئيس أعلى هيئة استشارية أن يتهاون مع النظام الجديد في وقت كانت (الحركة المباركة) ــ كما أطلق عليها فور قيامها .. أن تحاول التهاون مع المثقفين أو الإفادة منهم.<br />
<br />
من أمثلة هذا التعاون أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان أول من اشترك في صياغة وثيقة تنازل الملك عن العرش يوم رحيل الملك عن البلاد، وما كاد الملك يرحل عن البلاد في 26 [[يوليو]] [[1952]] حتى راح يهم بشكل فاعل في تشكيل مجلس الوصاية على العرض.<br />
<br />
والحاصل أن حل مشكلة الوصاية على ملك صغير يقتضي أن يجتمع البرلمان بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان وفاة الملك؛ فإذا كان مجلس النواب منحلاً، وكان ميعاد انعقاد المجلس الجديد يجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل رغم مرسوم حله، وذلك حتى يؤدي الملك الجديد ـ إن كان يافعاً ـ سن الرشد، أو يؤدي أوصياء العرش إن كان قاصراً اليمين [[الدستور]]ية أمام البرلمان بمجلسيه.<br />
<br />
وهنا اختلفت وجهات النظر حول قضية الوصاية وعلى وجه التحديد حول وجوب دعوة البرلمان للانعقاد خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان التنازل عن العرش لاختيار الأوصياء على العرش وتمكينهم من أداء اليمين [[الدستور]]ية ليمارسوا صلاحيتهم.<br />
<br />
وبالتباين في الآراء: هل يستعجل دعوة البرلمان .. أم يتم الاستغناء عن ذلك؟<br />
<br />
المهم هنا أنه اتفت كلمة مجلس الوزراء وقادة حركة الجيش بزعامة [[محمد نجيب]] على عرض المشكلة [[الدستور]]ية على مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة لاستطلاع وجهة نظرهم والنزول عليها.<br />
<br />
واجتمع [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] مع أعضاء المجلس، ووافق الجميع ــ عدا د. [[وحيد رأفت]] ــ على عدم جواز دعوى مجلس النواب المنحل في حالة نزول الملك عن العرش، ويجب إجراء انتخابات جديدة.<br />
<br />
وبدلاً من هذا اقترح قسم الرأي بالمجلس أيضاً طالما أن الانتخابات ستأخذ وقتاً غير قصير، فالحل يمكن أن يكون في إيجاد نظام للوصاية المؤقتة، وهو ما يستدعي إضافة مادة إلى الأمر الملكي رقم 52 لسنة [[1932]] تنص على أنه في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى حـالة خاصة، يجوز لمجلس النواب إذا كـان مجل النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة للعرض من ثلاثة تتولى بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولى هي هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
تقول وثائق هذه الفترة أنه "اقترح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] نصاً جديداً يعالج خصيصاً هذه الحالـة .. حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى صفة خاصة، وفي وقت يكون فيه مجلس النواب منحلاً .. وتم بهذا استبعاد دعوة هذا البرلمان إلى الانعقاد كما كان يقتضيه [[الدستور]] القائم لو قيست حالة تنازل الملك عن العرش حـالة وفاته، إذن فإن جاء مجلس الوزراء إذا كـان مجلس النواب منحلاً أن يؤلف هيئة وصاية مؤتة للعرش يختارهم .. (و) .. تتولى هيئة الوصاية بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولااها هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
وإذن، ابتدع الوصاية المؤقتة بالوصاية الدائمة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، أمكن تجنب دعوة البرلمان [[الوفد]]ي للانعقاد.<br />
<br />
'''وهنا، يثار سؤال:'''<br />
<br />
لماذا آثر [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ـ عبر أكبر مؤسسة دستورية ــ هذا الموقف؟<br />
<br />
الإجابة ـ في رأيي ـ أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حاول أن يجني البلاء غلواء [[الثورة]]، وكان يميل أن يأتي إلى الشبان بنوع من [[الإصلاح]] الراديكالي بحيث يتواءم فيه مع غلواء العهد الجديد وليس بالضرورة الصدام معهم.<br />
<br />
كان [[القانون]] متمثلاً في [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى للتصالح مع [[الثورة]] وترويضها بدلاً من الصدام الذي يمكن أن يخرجه من الساحة فيترك الأمور على غاربها.<br />
<br />
ونحن هنا لا ندافع عن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أو ندفع عنه تهمة (عدائه للوفد) التي كانت برأي البعض وراء اتخاذ هذا الموقف، فلا يمكن أن يكون موقفه القديم من [[الوفد]] ، وهو موقف مخالف ـ هو وحده، وراء (التعاون) الذي أظهره في هذا الشأن، وإذا كان يقال ذلك على إطلاقه علي [[سليمان حافظ]]، الذي تؤكد المصادر التاريخية أنه "لم يكن يخفي كرهه ل[[مصطفى النحاس]] رئيس [[الوفد]] وبطانته"، فإننا لا نستطيع أن نول مثل ذلك على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فلم تكن واعي النكاية ب[[الوفد]] وحدها وراء هذا الأمر، كما لم يكن ليحمل ما يدفع به القضاء على الحياة الحزبية تماماً، بدليل أنه كان أول من دعاء للبقاء على [[الأحزاب]]، كما أن آخر مقالاته في الصحف كانت تدعو إلى عودة [[الأحزاب]]، ويؤكد هذا د. [[وحيد رأفت]] أنه كان أكثر من غيره لوماً للدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فرغم تصريحه أو اعترافه بعد ذلك بإلقاء اللوم على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، فإنه نفى أن يكون موقفه من [[الوفد]] هو السبب الوحيد وراء جعل "حلف يمين الأوصياء المؤقتين أمام مجلس الوزراء بينما يؤدي الأوصياء الدائمون تلك اليمين [[الدستور]]ية أمام مجلس البرلمان مجتمعين حسب نص المادة 52 من [[دستور 1932]] "أو" وراء تجنيب دعوة البرلمان [[الوفد]]ي للانعقاد".<br />
<br />
وعلى هذا راح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يسعى للتعاون ــ التأييد بالضرورة ـ مع الضباط، فبعد إعداد وثيقة التنازل والإفتاء بعدم دعوى البرلمان راح يوافق على قانون [[الإصلاح]] الزراعي ويشترك فيه، كما لم يتردد في ترشيح رئيس الوزراء من بين العسكريين مؤثراً على نفسه، بل ويشترك في إصدار تقرير اللجنة الخماسية لبحث نظم الحكم ثم يوحي بإعلان الجمهورية، بل لا يتردد في الاتصال ب[[الإخوان]] لإصلاح ذات البين مع ضباط [[الثورة]]، ومن وراء ظهر الضباط يوم 26 [[مارس]] [[1954]].<br />
<br />
ولأن طبيعة الأشياء أن يخلف الخلاف الاختلاف، فقد دخلت علاقة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بالضباط في دائرة أخرى، إنها دائرة محكمة كان يحتم فيها الصدام.<br />
<br />
====دائرة الصدام====<br />
<br />
رغم أن البقاء مع [[الثورة]] كان يمثل اتجاهاً يصل إلى أقصاه .. فإن طبيعة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] [[القانون]]ية كانت تحول بينه وبين أن يتحول إلى (أداة) في يد النظام الجديد.<br />
<br />
كان [[القانون]] بالنسبة إليه هو أقصى ما يطمح إليه ويتمسك به.<br />
<br />
ولم يكن التعاون مع النظام الجديد ليـحول بينه وبين تقديم تنازلات لقناعاته [[القانون]]ية، ومن ثم، كان لابد أن يحدث الخلاف في هذه الفترة المضطربة.<br />
<br />
وقبل أن نشير إلى درجة الخلاف لابد وأن نشير إلى أن هه الفترة بين عامي [[1952]] ــ [[1954]] ؛ كانت مرحلة تتصارع فيها أضداد كثيرة ومتباينة: [[الأحزاب]] القديمة وصلت إلى مفترق الطرق و[[الثورة]] وصلت إلى قبضة التغيير / القوى القديمة لا تملك السلطة والقوى الجديدة لا تفلتها / القوى البريطانية تجهد للبقاء والولايات المتحدة الأمريكية تسعى لمنطق الإزاحة / مفاهيم [[الديموقراطية]] تتناقص / قوى الصراع تتحول بين قديم وجديد .. وبالإجمال كانت هناك قوتان تتصارعان ..إرادتان متصادمتان.<br />
<br />
كان لابد أن تتصاعد حركة الدراما لأقصاها إلى نقطة الصدام.ولأن الاتفاق مع قوى ون أخرى في ذلك الوقت كان مستحيلاً، ولأن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] جهد أن يروض القوى الجديدة ويستعير من القوى القديمة أفكارها المثالية في الحرية و[[الديموقراطية]]، ولأنه حاول أن يتفادى الغلو والعنف إلى التغيير و[[الإصلاح]] ولأن قضية [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] الرئيسية أن يحول [[الثورة]] إلى [[القانون]]. أو كان حلمه أن يمضي مع [[الثورة]] الفتية التي تخول [[القانون]] بمنطق يخلو من الغلو والعنف.<br />
<br />
لهذا كان لابد أن يحدث الصدام.<br />
<br />
ورغم ما كان يبدو من نقاط اتفاق بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ورموز النظام الجديد، فقد بدا مؤكداً نقاط الافتراق..؛ وقد ظهرت دواعي الافتراق منذ فترة مبكرة بين الدكتور [[عبد الرازق السنهوري]] رئيس مجلس الدولة وبعض رموز النظام، وكيف أن الدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] سوف يتخلى عن منصبه.<br />
<br />
توالت الإشاعات إلى مواقف غامضة ــ وهي كثيرة ــ نظراً لطبيعة المرحلة وتشابكها ـ كأن يستقيل [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ــ فجأة ــ من عضوية اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بعد انضمامه لها وتحمسه الشديد إليها أول الأمر.<br />
ومع ذلك، لا يقال شيء أو تفسير مقنع لهذا.<br />
<br />
وتتعدد الخلافات وتتحدد مع مضي الوقت، وتتصاعد درجات الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] .. وتتعدد مشاهد الصراع أكثر.<br />
<br />
ــ كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حريصاً أشد الحرص على أن يقنن كل ممارسات [[الثورة]] وإجراءاتها في إطــار (قانون) أو (قرار) كيلا تغيب المشروعية، وتستقم الأمور بعيداً عن الارتجالية والتخبط ويلحظ أن من كان يجرؤ أن يسلك مسلكاً غير معبد من رجال [[الثورة]]، لم يكن ليتردد إزاءه في اللوم، كان كثيراً ما يقول أن هذا خروجاً عن المبادئ الستة والتي كان يطيب له أن يسميها (عقد [[الثورة]]).<br />
<br />
كان يقول هذا للجميع دون أي تردد وكان يقال هذا باسم [[القانون]] دون تردد.<br />
<br />
- حرص [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] على [[الدعوة]] إلى إعادة [[الأحزاب]] القديمة على العكس مما هو شائع .. وخاصة، في الأيام الأولى من قيام [[الثورة]]، وحتى الأيام الأخيرة من شهر [[مارس]] عام [[1954]] .. فمن الثابت أنه راح يعارض مشروع قانون لتطهير [[الأحزاب]] السياسية تقدم به [[سليمان حافظ]] ـ وزير الداخلية في ذلك الوقت ـ بدعوى "أن العرف [[الدستور]]ي لتنظيم [[الأحزاب]] هو ترك الأمر لها".<br />
<br />
- غير أنه تحت إلحاح وزير الداخلية وإقناعه لضباط [[مجلس قيادة الثورة]]، وافق على مضض، وإن كان أضاف شرطاً يقول فيه "على ألا تتدخل الإدارة إلا عند الاقتضاء لتحقيق أغراض [[القانون]]، وإنما سيكون تدخلها تحت رقابة مباشرة من القضاء بمجلس الدولة".<br />
<br />
[[القانون]] مازال يغالب.<br />
<br />
ــ حين انتهت قرارات لجنة نظام الحكم والسلطة التنفيذية والتشريعية حينئذ بأن يكون تأليف البرلمان من مجلسين، وأن يترك تحديد عدد أعضاء كل من المجلسين إلى لجنة قانون الانتخاب .. '''راح [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يدعو إلى ضرورة تأليف مجلس الشيوخ من ثلاث عناصر :'''<br />
<br />
أ- التعيين والكفايات.<br />
<br />
ب- الانتخابات للمصالح الاقتصادية.<br />
<br />
ج- الانتخاب لمجلس البلدية ومجالس المديريات.<br />
<br />
ومازال [[القانون]] يغالب.<br />
<br />
ــ في أزمة [[مارس]] [[1954]] بين نجيب و[[عبد الناصر]]، والذي راح يعود فيها إلى حياة ديموقراطية أو يتظاهر بهذا .. فإن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] حـاول استعادة أحد أوجه الحياة [[الدستور]]ية على غير رغبة النظام.<br />
<br />
لقد اقترح ــ بصراحة شديدة ــ على الضباط إعادة دستور [[1923]] فوراً لأنه يشعر بالقلق؛ فإن هذا الحل مازال [[القانون]] يغالب.<br />
<br />
وتضاف إلى أسباب الخلاف أسباب أخرى خلّفتها أحداث الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بين يومي 26_29 [[مارس]] فلنشر إلى الاعتداء خطفاً قبل أن نرقب تغيير مشاهد الصراعبين [[القانون]] و[[الثورة]] .. بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] والنظام الجديد.<br />
<br />
نشرت أخبار اليوم صبيحة يوم الاعتداء خبراً كاذباً مؤداه أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] تولى رئاسة الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وأن الجمعية على وشك إصدار قرار ضد مجلس [[الثورة]] وضد الإجراءات التي اتخذها المجلس فيما يتعلق بالحريات.<br />
<br />
والرواية التي تشير إلى الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ـ كما جاءت في المراجع الموثوق بها ــ تبدأ من مظاهرة مديرة تقوم من مبنى [[هيئة التحرير]]، مكونة من عمال مديرية التحرير وضباط وجنود البوليس الحربي تحت قيادة [[حسين عرفة]] قائد المباحث العسكرية وعدد آخر من قادة البوليس الحربي مع قوات الحرس الوطني ومنظمات الشباب.<br />
<br />
'''ونفضل أن ننقل الأحداث بعيون د. [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] نفسه هنا:'''<br />
<br />
(ـ.. اتصل بي تليفونياً الدكتور [[حسن أكرم حوراني]] ــ وزير التجارة والصناعة ــ وسألني عما نشر في جريدة "الأخبار" فأظهرت له ارتياحي لهذا السؤال لأنه أتاح لي فرصة في توضيح الحقيقة للمسئولين، وأفضيت له بالغرض من الاجتماع على الوجه السابق ذكره، وأضفت أنني أستحسن أن يقوم هو بإبلاغ من يراه من المسئولين عن حقيقة الأمر، فأجاب أن البكباشي [[جمال عبد الناصر]] بجانبه وهو يتحدث بالتليفون فطلبت منه أن يحدثني البكباشي [[جمال عبد الناصر]]، وأعدت له ما ذكرته للدكتور ال[[أكرم حوراني]] ، وعلم على هذا الوجه بحقيقة اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وانتهى الحديث التليفوني وكان أهم مصدر علم منه بخبر المظاهرة ضابطاً عرفت فيما بعد أنه الصاغ [[حسين عرفة]] ــ وكيل البوليس الحربي ــ فقد دخل علي في غرفتي في الساعة الثانية عشرة والربع وقد ارتسمت على وجهه علامات غير طبيعية من الانزعاج.<br />
<br />
وقال أن هناك مظاهرة عدائية قادمة إلى مجلس الدولة وقد أتيت لأخطرك بها، ولو قال لي وقت ذاك أن المتظاهرين كانوا ينادون بعبارات علمت فيما بعد أنها "الموت للسنهوري ــ الموت للخائن ــ نريد رأس [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]"، ثم علمت أيضاً أن الهتافات كانت تقرن اسمي باسم [[علي ماهر]]، لو علمت بكل هذا، وكــان الضابط [[حسين عرفة]] يعرفه ــ لأيقنت تماماً أنني سوف لا أواجه مظاهرة من الشجاعة البقاء لمواجهتها، بل سأواجه عصابة من السفاكين، من التهور البقاء أعزل لملاقاتها، ولكني على وجه اليقين دبرت الأمر على وجه آخر وأخبرني الضابط [[حسين عرفة]] أن رأيه إزاء هذا أن أبقى في مكتبي حتى يقدم المتظاهرون، وعند ذلك أخرج إليهم وأتحدث بحقيقة الأمر فينصرفون .. ويضيف ([[حسين عرفة]]) أني علمت أن المتظاهرين إذا حضروا إلى المــركز ولم يجدوك فيه فسيتعقبونك في كل مكان حتى في المنزل فمن الأفضل البقاء في المكتب لملاقاتهم .. في نحو الساعة الواحدة بعد الظهر أدركت المظاهرة المجلس .. وعلمت أن الضابط [[حسين عرفة]] أمر بفتح الباب الخارجي للمجلس وكان مقفلاً ــ وقادني بيده إلى خارج الغرفة، وما كدت أخطو خطوة نحو السلم حتى شعرت بأن بعض المتظاهرين يجذبني من الخلف، وأن آخرين يدفعونني إلى الأمام، وذلك كله قبل أن أصل إلى المكان الذي كنت أقدر أن أخاطب فيه المتظاهرين، فهنا علمت أن الأمر ليس مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين بل أمر اعتداء مبيت، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعاً إلى الحديقة، وتوالى الاعتداء على رأسي وكنت أدفعه بيدي فجرحت الرأس واليدان، ورأيت أحد المتظاهرين ومعه حديدة طويلة يصوبها إلى عيني..، واستطعت بعد وقت غير قصير الاتصال بالبكباشي [[جمال عبد الناصر]]، وقلت له أن عندي المتظاهرون يريدون قتلي، فأجاب أن الأعصاب متوترة، وقلت له أن يحضر بنفسه، وكررت هذا الطلب فقال سأحضر، وأقفلت التليفون وبقيت مدة نصف ساعة حتى حضر الصاغ [[صلاح سالم]]..، وقد سمعت إشاعات كثيرة أن ممن اعتدى علي في المجلس صولات جيش مرتدين ملابس بلدية، ولعل الذي أخبرني بهذه الإشاعة الأستاذ [[محمود لطفي]] السكرتير العام للمجلس، ومما سمعته أيضاً من الإشاعات أن الصاغ [[صلاح سالم]] خرج إلى المتظاهرين ليقول لهم كيف تعتدون على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وهو ليس بخائن، قالوا له ولماذا إذن أسلمتموه لنا للاعتداء عليه..؟.<br />
<br />
ومما سبق يتضح أن المظاهرة كانت مدبرة من جهة ما، وأنها سارت في طريقها لا تنوي على شيء حتى وصلت إلى مجلس الدولة على أثر خبر ملفق، وأكد لي البعض أن هذا الخبر جاء من وزارة الداخلية، وأنه لم يكن ليستطيع أحد أن يرفض طلباً من الداخلية، فإن الداخلية في هذا الوقت كانت هي [[مجلس قيادة الثورة]] كما هو معروف .<br />
<br />
والواقع أن ما حدث كان تدبيراً، وهو تدبير قوي متعمد، لا خبطات عشوائية ــ فمقولة أن الجمعية العمومية كانت على وشك الانعقاد قولاً كاذباً، فإن دعوتها في هذا اليوم لم يكن لإصدار أي قرار وإنما كان بدعوى لترشيح مستشار لمحكمة القضاء الإداري بدلاً من آخر، كما أن الجمعية لم تكن قد انعقدت بعد، ولم يحن الموعد المقرر لانعقادها، وإنما كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في ذلك الوقت يرأس مداولة الدائرة الأولى لمحكمة القضاء الإداري.<br />
وهنا نصل إلى تماس الدوائر وتداخلها إلى مركز واحد، يعني مركز الاعتداء.<br />
<br />
اعتداء [[الثورة]] على [[القانون]] حيث سادت سمة الاضطراب ونحن نسأل عن أهم الرموز [[القانون]]ية حينئذ د. [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]:<br />
<br />
من اعتدى على رئيس مجلس الدولة في هذه الفترة؟<br />
<br />
وعبوراً فوق اجتهادات كثيرة، فأنا لا أريد طرح قضية الاعتداء على الدكتور [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] بهدف الإجابة عن السؤال الظاهر:<br />
<br />
ــ أي فريق اعتدى عليه: [[هيئة التحرير]] أم الحرس الوطني أم منظمات الشباب؟<br />
<br />
وإنما أحاول أن أجيب ــ بل هذا ــ عن سؤال آخر هو:<br />
<br />
ــ هل كان وراء الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قصد مدبر بالفعل؟ وإذا كان كذلك، فهل كان [[عبد الناصر]] وراء ذلك، أو ـ على الأقل ــ يعلم ذلك؟<br />
<br />
ــ أم أن الاعتداء على [[القانون]] من رموز [[الثورة]] كان يصب في فعل الصف الثاني من الضباط الأحرار حيث كان يتصرف من تلقاء نفسه دون العودة إلى [[جمال عبد الناصر]]؟<br />
<br />
بشكل مباشر، وأكثر وضوحاً، فإنني أميل إلى الرأي الأخير.<br />
<br />
لقد انتىه الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] بغلبة [[الثورة]] وإن يكن تحت إلحاح الفترة وتأمين أصحاب الشرعية الجديدة في الشارع ال[[مصر]]ي.<br />
<br />
لقد انتهى الصراع بين [[الثورة]] و[[القانون]] إلى غلبة النظام والاعتداء على أعلى سلطة دستورية في البلاد وهنا نقترب أكثر من تداخل الدوائر إلى نقطة المركز.<br />
<br />
==== دائرة الاعتداء ====<br />
<br />
الواضح من ملابسات الأحداث في ذلك الوقت أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] رئيس مجلس الدولة كان يتمتع بمكانة فريدة، دفعت بالكثيرين في أوقات كثيرة إلى أن يعرضوا عليه رئاسة الوزراء (على سبيل المثال: [[محمد نجيب]]، [[سليمان حافظ]]..)<br />
ورأى البعض أنه سعى منذ فترة مبكرة إلى أن يتخذ موقفاً محدداً لا مع [[محمد نجيب]] ولا مع [[جمال عبد الناصر]]، هذا هو الموقف المتحرر من أية ضغوط وإغراءات معاصرة.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإن مكانة [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] المتميزة، فضلاً عما يتمتع به من استقلالية حددت حياد [[القانون]] إلى حد كبير مثلت عليه الخطر الكبير.<br />
<br />
بيد أن الخطر الحقيقي أنه خشي منه، لكل هذه الحالات أن تكون له أغراض في السلطة، أو أنه يمثل خطاً مــا في فترة الاضطراب بين من ينادون ب[[الديموقراطية]] مع [[محمد نجيب]] أو الداعين ــ في الوقت نفسه ــ إلى عودة الضباط إلى الثكنات.<br />
<br />
ومن ها، تتحدد أكثر مسئولية الصف الثاني من الضباط.<br />
<br />
ولا يخلو من معنى هنا أن المظاهرات التي بدأت في نهاية [[مارس]] تهتف ضد [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كانت تردد ما يفهم منه أنه جرؤ على مؤازرة [[محمد نجيب]] وتشجيعه على التعجيل بدعوة جمعية وطنية تأسيسية منتخبة لإقرار مشروع [[الدستور]] الذي أعدته لجنة الخمسين، وإنها الفترة الاستثنائية القائمة منذ فجر 23 [[يوليو]] [[1952]] .. وهو ما يدفعنا للإسهاب أكثر.<br />
<br />
والواضح من ملابسات الأحادث أن العلاقة بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وبقية الضباط ــ بما فيهم [[محمد نجيب]] ـ كانت في أول الأمر ودية، غير أنه مع مضي الوقت، وكشف الأحداث عن كثير من المخبوء من مطامع .. دفع ب[[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] إلى الانحياز إلى [[محمد نجيب]] الذي كان يدعو في صراعه مع الضباط إلى [[الديموقراطية]].<br />
<br />
لقد كان [[محمد نجيب]] ــ على الأقل في الظاهر ــ يدافع عن الجبهة [[الديموقراطية]]، بدليل دفاعه عن [[الأحزاب]] و[[الدعوة]] إلى إعادة [[دستور 1932]] في فترة من الفترات، كما أن كتابات [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] ب[[الأهرام]] قبل الاعتداء مباشرة كانت تشير إلى [[الديموقراطية]] وعودة [[الأحزاب]] بأية شكل.<br />
<br />
وهذا الانحياز لم يمنع [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من أن يلوم نجيب في "المرحلة الأخيرة" على حد قول [[سليمان حافظ]]، ومع ذلك فإن وعي [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] وحنكته [[القانون]]ية تنفي الموافقة على رأي [[سليمان حافظ]] بانحيازه إلى نجيب. ويزيد من ملابسات الموقف ان البعض كان يعتقد أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] يستطيع بالتحالف مع أكثر من جهة من الانفراد بالحكم ومن السيطرة عليه، خاصة وأن [[محمد نجيب]] كان قد رشحه لرئاسة الوزارة المدنية، و[[محمد نجيب]] كان الخصم الوحيد حينئذ، كما كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] دائم الترشيح من جهات أخرى سياسية ومناوئة للنظام لمناصب أخرى، خاصة أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] في ذلك الوقت كان قد بلغ من الشهرة حداً كبيراً لاسيما وأن استفتاء أجرى قبل [[الثورة]] مباشرة أجمعت فيه الآراء على أن الوزارة التي تحتاج إليها البلاد (النموذجية) إنما يمثل فيها [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] (وزير العدل).<br />
<br />
نصل من هذا كله إلى أن حادث الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] هو حادث مدبر: إن اضطرابات هذه الفترة إذن تحيلنا إلى عديد من الأطراف التي يمكن أن تكون وراء هذا الاعتداء: ربما كان أحد ضباط الصف الثاني من الضباط، أو ربما للتخبط العشوائي من الجهات الكثيرة التي كانت تعمل لأطراف كثيرة حينئذ. وفي هذا السياق، يشير خصوم [[عبد الناصر]] أنه كان وراء هذا الاعتداء.<br />
<br />
إن ثمة إشارات عامة تشير ــ ضمن ما تشير ــ إلى [[عبد الناصر]]، لكنها لا تمتلك الحجة والمنطق .<br />
<br />
إن أمامنا شهادات لكثير من شهود هذه الفترة سواء أكانوا بعيداً عن [[مجلس قيادة الثورة]] أو قريباً منه من زملاء [[عبد الناصر]]، وعلى سبيل المثال فإن [[عبد اللطيف الأكرم حوراني]] يشير إلى أن [[عبد الناصر]] اعترف بأنه هو الذي دبر أحداث انفجارات يوم 20 [[مارس]] قبل هذا بقليل لإشعار الناس بفقدان الأمن إذا عادت الحياة [[الديموقراطية]]، الأكثر من هذا أنه بسؤال [[خالد محيي الدين]] عن أحداث اضطرابات العمال المؤيدة للثورة في 26/29 [[مارس]] الفترة التي اعتدي فيها على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قال: <br />
<br />
ــ أخبرني [[عبد الناصر]] أنها تكلفت أربعة آلاف جنيه.<br />
<br />
ويشير سياق الأحداث كذلك أن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان قد أجرى اتصالاً تليفونياً ب[[عبد الناصر]] حين علم أن جماعة معادية في طريقها إلى مجلس الدولة، وأخبر [[عبد الناصر]] تليفونياً قبل وصول هذه الجماعة طالباً منه ــ كوزير داخلية حينئذ ــ اتخاذ التدابير الكفيلة بوضح حد للاعتداء عليه.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الأصابع لا تشير ــ بوضوح ــ إلى أن [[عبد الناصر]] كان وراء الاعتداء.<br />
<br />
إن مراجعة الأحداث بحيدة كاملة ترينا أن [[عبد الناصر]] ما كان ليستطيع ــ في هذه الفترة المضطربة ــ الاعتداء على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]]، كما أنه لم يكن صاحب مصلحة مباشرة في هذا الاعتداء .<br />
<br />
ومع هذا، أو رغم هذا، إذا كان [[عبد الناصر]] بريئاً من هذا الاتهام، فهل كان ـ على الأقل ـ يعلم بتوقيت المؤامرة، ولم يكن ليتحرك لوقفها.<br />
<br />
وحتى إذا كان متهماً، فإننا لا يمكن أن نصدق أن أحداً من رجال الصف الثاني ـ وقد كان بالقطع وراء ما حدث ـ قادراً على إبلاغ [[عبد الناصر]] لما سيفعله مع غيره، وإنما خرجت جموعهم في اضطرابات عامة، لأهداف عامة أو خاصة، ليست من بينها ـ بالقطع ـ الاعتداء على رئيس مجلس الدولة. وبشكل أدق ليس من بينها قط الاعتداء على رئيس مجلس الدولة بإيعاز من [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ويمكن أن يقال هنا أن [[عبد الناصر]] لم يكن ليعلم بهذا، ولو علم ما كان باستطاعته وسط كل هذه الفوضى وذلك الاضطراب أن يفعل شيئاً لمنعه أو وقفه .<br />
<br />
إن روايات هذه الفترة متضاربة إلى حد بعيد، ففي حين تشير الأحداث أنه "في 12 [[إبريل]] نوقش ـ في مجلس القيادة ـ إصدار قرار مجلس [[الثورة]] بحرمان كل شخص من تولي الوظائف .. وأن الغرض منه هو التخلص من [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من مجلس الدولة بطريق غير مباشر"، في حين أن [[عبد الناصر]] في أكثر من مرة بعد ذلك حين عرض [[القانون]] أمامه وذكر [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] على أنه سيطبق على [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] امتعض [[عبد الناصر]] لم يعلق.<br />
<br />
ونصل من هذا كله إلى أنه أسفر عن هذا [[القانون]] ـ بالفعل ـ أن حرم [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] من تولي الوظائف العامة أياً كانت الوظيفة، وانتهت العلاقة بين [[القانون]] و[[الثورة]] بانتصار الشرعية الثورية التي كان [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] أول من نادى بها، فوقع تحت عجلاتها.<br />
<br />
'''ومهما يكن، يتبقى أن نوجز هذا كله بعدة ملاحظات:'''<br />
- إن [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] كان ابن طبقته المتوسطة، وابن عصره، وفي حين كان ابن الطبقة المتوسطة يدافع عن العلمانية من دستور وحرية وديموقراطية، فإنه كان حريصاً على جانبها التشريعي، ومن ثم، كان لابد أن تختلط الشرعية [[الدستور]]ية بالشرعية الثورية التي روج لها .<br />
<br />
ومن ثم، انتهى التعاون إلى الصدام بين السلطتين.<br />
<br />
ولأن الفترة كانت فترة اضطراب، فقد سقطت السلطة الأولى أمام السلطة الثورية.<br />
<br />
كان الزمن يدخل بنا إلى الشمولية بعيداً عن الشرعية.<br />
<br />
وهي شمولية اقتضت التطورات في الخمسينات أن يعمل بها لتحسم كثيراً من القضايا المعلقة من الفترة السابقة.<br />
- يمضي في هذا الاتجاه أن اتجاه [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] قبل [[الثورة]] كان اتجاها فكرياً أكثر منه حزبياً، ومن ثم، لم يستطع أن يظل (كادراً) في أي حزب، وإنما غلب انتماؤه [[القانون]]ي ـ فيما بعد ـ للفكر الليبرالي أكثر من الحزب والانتماء الشمولي.<br />
<br />
الاتجاه الليبرالي بق الاتجاه الحزبي.<br />
<br />
والاتجاه الليبرالي حاول اللحاق بالأفكار [[الديموقراطية]] والحزبية إلى النظام الجديد، غير أن طبيعة المرحلة لم تمكنه من تأكيد فكره السياسي، ومن ثم، خر صريعاً أمام ضباب الفترة وشموليتها.<br />
<br />
- يلاحظ أن [[القانون]] سعى للتعاون مع [[الثورة]] ومسايرتها.<br />
<br />
وكان الهدف ـ وإن بداً غريبا ـ فقد كان نبيلاً.<br />
<br />
أن ينجح في جر قاطرة [[الثورة]] إلى الفكر السياسي المعتدل.<br />
<br />
غير أن (أبو [[القانون]] المدني ال[[مصر]]ي) لم يستطع أن يلعب دوره الرائد في زمن كانت الحروب تدور باسم [[الديموقراطية]] والليبرالية وحب، كما أن عداءه زاد حنقهم حين أجرى استفتاء بإحدى المجلات ال[[مصر]]ية حول أقوى رجل في [[مصر]]، فجاء ترتيبه الثاني.<br />
<br />
ولم يكن هذا كله مطلوباً في هذه الفترة المبكرة من تاريخ [[الثورة]]: لا [[القانون]] الذي تناول [[الديموقراطية]]، ولا الرجل القوي في زمن كان الصراع يعلو فيه بين رجال أقوياء سعوا إلى السلطة.<br />
<br />
وقبل هذا كله في مناخ مضطرب لم يستطع [[القانون]] أن يثبت أقدامه فيه.<br />
<br />
- كان الصراع بين [[عبد الرازق السنهوري|السنهوري]] والضباط الأحرار هو صراع بين [[القانون]] و[[الثورة]].<br />
<br />
- لقد جهد [[القانون]] ليحول [[الثورة]] إلى الحكم بوسائل، غير راديكالية، غير أنه في محاولته للتعاون مع [[الثورة]] طوراً ومسايرتها طوراً آخر وقع تحت عجلات هذه [[الثورة]].<br />
<br />
- لقد حاول أن يتواءم مع آليات النظام في حركته الثورية ليؤكد ذاته، في حين أن [[القانون]] ــ مهما التمس القيم [[الديموقراطية]] أو الفردية ــ يمكن أن يلعب دوراً معوقاً، ومن هنا كان عبث التعاون بين [[القانون]] و[[الثورة]] مؤكداً.<br />
<br />
باختصار، بدا أن الصراع بين [[القانون]] و[[الثورة]] في بداية الخمسينات هو صراع غير متكافئ. [[القانون]] بصرامته لم يكن ليجدي مع [[الثورة]] بشرعيتها الجديدة والمسايرة للقانون مع [[الثورة]] ــ وسط كل هذا الاضطراب ــ كان قميناً أن يسقط بصاحبه تحت العجلات، وإن لم يسع أحد إلى دفعه أو النيل منه .<br />
<br />
فقد استبدلت [[الثورة]] راديكالية المناخ السائد بالشرعية الثورية، ولم تكن في حاجة إلى شرعية أخرى تحول بين حركتها الفاعلة ــ بقوة ــ إلى التعبير، الجذري العنيف.<br />
<br />
وهو حال الثورات في أول قيامها، دائماً.<br />
<br />
===الفصل الخامس: [[عبد الناصر]] وتأميم [[قناة السويس|القناة]]===<br />
<br />
هل أخطأ [[عبد الناصر]] في تأميم [[قناة السويس]]؟<br />
<br />
هذا سؤال من أسئلة عديدة مازالت تطرح ـ بعنف ـ على العقل العربي رغم مضي كل هذه السنوات على تأميم [[قناة السويس|القناة]] وما أعقبها من العدوان الثلاثي الذي تعرضت له [[مصر]] بسبب ــ وهو السبب الأول الظاهر لتأميم [[قناة السويس|القناة]] ـ والسؤال الذي يطرح هذا بسوء نية أو حتى ـ بحسن نية ـ لعدم فهم الظواهر التاريخية يعود إلى اتهام [[عبد الناصر]] بأن مبادرته إلى تأميم [[قناة السويس|القناة]] إنما كان مبعثها سبب واهٍ، أو بتقدير يعوزه الوعي وهو ما يعود بنا إلى الأسئلة السقيمة المعادة أو المرتفعة فوق رؤوسنا كصخرة برومثيوس .<br />
<br />
هل حقاً تسرع [[عبد الناصر]]؟ يرددون .. أم هو ـ يرددون أكثر ـ بحثه عن (بروباجندا) تتيح له كاريزما أكبر؟!! ولم تكن هذه الأسئلة الرافضة لموقف [[عبد الناصر]] تطرح من أقلام عادية، وإنما كان وراءها أصوات يتمتع أصحابها بحيثية سياسية عالية، وأحياناً بحيثية أدبية وثقافية عالية أكثر.<br />
<br />
ـ ولماذا لم ينتظر [[عبد الناصر]] حتى ينتهي أجل الاتفاقية بين [[مصر]] وبريطانيا بعد ذلك لسنوات قليلة؟ ماذا لو..)..؟<br />
<br />
وهو ما نحاول هنا، بعد مضي نصف قرن على [[ثورة يوليو]] الإجابة عنه لنحاول ..<br />
<br />
إن مراجعة قصة حفر [[قناة السويس|القناة]] والتضحيات التي عاناها ال[[مصر]]يون في سبيلها ترينا أنها كانت في المقام الأول [[مصر]]ية بحكم الجهود البشرية التي بذلت فيها التضحيات التي دفعتها البلاد من أبنائها.<br />
<br />
بل إن التفكير في حفرها المرة الأولى لم تكن عن فكرة فرنسية أو غربية كما يردد؛ فالتاريخ يؤكد أنها حفرت مرات في عصر سيتي الأول 1310 ونخاو عـام 610 ق.م. ودارا الأول عـام 510 ق.م إلى غـير ذلك مما يشير إلى أن المرة التي تم فيها احتكار حفرها في العصر الحديث من [[ديلسبس]] (30 [[نوفمبر]] 1854) الذي كان يشق [[قناة السويس]] لم يكن الأول في دوره "لشق برزخ السويس واستخدام طريق صالح للملاحة الكبرى" إلى غير ذلك من مواد فــرمان الامتياز الأول قرب منتصف القرن التاسع عشر.<br />
<br />
وتوالت الفرمانات والاتفاقيات الدولية التالية ([[يناير]] [[1856]]، [[فبراير]] ء). وغيرها مما يشير إلى بدهيات أن [[قناة السويس|القناة]] وإن جاء بفرمانها الفرنسي [[ديلسبس]] وتوالت اتفاقات وضمانات الدول الكبرى وفي مقدمتها ([[بريطانيا]] العظمى) ـ كما هو واضح في [[اتفاقية 1888]] عقب الاحتلال [[الإنجليز]]ي ل[[مصر]]، فإنها كانت في الأساس الأول [[مصر]]ية واء في الفكرة أو التنفيذ رغم الأطماع الغربية التي كانت تقترن بها.<br />
وكان تأميم [[قناة السويس]] الذي أعلنه الرئيس [[عبد الناصر]] في 26 [[يوليو]] فاتحة الغضب الذي أعلنته الدول الغربة، خاصة [[إنجلترا]] ([[بريطانيا]] العظمى) وعرفنا استنكارات كثيرة في العواصم البريطانية لأن [[مصر]] أردات تأميم منشأة ملاحية خالصة في أرضها.<br />
<br />
ويذكر شهود عام [[1956]] في [[مصر]] أن عدداً كبيراً من الحكومات الغربية عمدت إلى ضغوط اقتصادية بتجميد أموال الشركة المنحلة بعد إعلان التأميم بل وتجميد الأرصدة الإسترلينية التي ل[[مصر]] على [[إنجلترا]]، كما وضعت تحت الرقابة جميع رؤوس الأموال ال[[مصر]]ية .<br />
<br />
الأكثر من هذا أنه بدأت كل من [[فرنسا]] و[[إنجلترا]] تلوح وتهدد باستخدام القوة لإرغام [[مصر]] على التراجع .. وما إلى ذلك مما انتهى إلى عدة مداولات وتهديدات ضد [[مصر]] أسفرت جميعها عن العدوان الثلاثي الذي صدمت إزاءه [[مصر]] وإن عانت الكثير من العدوان الحربي من دول غربية قوية وربيبتها [[إسرائيل]]، لكنها خرجت من هذا كله بالانتصار عقب إثبات [[مصر]] وجودها على الأرض أولاً ثم تدخل بعض الدول الكبرى ثانياً .<br />
<br />
على أن الأمر الذي انتهى مشرفاً ل[[مصر]]، بدأ يستغل، ليس في هذه الفترة فقط، بل ومنذ تأميم [[قناة السويس|القناة]] في 26 [[يوليو]] [[1956]] حتى اليوم.<br />
<br />
كان ما ردد أن الحكومة ال[[مصر]]ية خاصة، و[[جمال عبد الناصر]] بوجه أخص قد تسرع في تأميم [[قناة السويس|القناة]]، وأنه لو كانت تمهل في التأميم لكان الامتياز الذي حصل عليه الغرب بإدارة [[قناة السويس|القناة]] وتحمل مسئوليتها بموجب مرسوم الحفر حتى عام [[1968]]. قد انتهى وعادت [[قناة السويس|القناة]] إلى أصحابها بدون عدوان أو حروب (واعجب ما شئت).<br />
<br />
كان ما تسرع به أعداء [[الثورة]] ال[[مصر]]ية خاصة، أنه لو كان [[عبد الناصر]] انتظر قليلاً لكان امتياز [[قناة السويس|القناة]] قد انتهى في نهاية الستينيات وما كانت البلاد في حاجة لدمار أو عدوان كبدها الكثير من الخسائر.<br />
<br />
والواقع أن حقائق التاريخ ودروس النهب الاستعماري وإداراته الاستعمارية على الشرق يشير إلى العكس من ذلك تماماً.<br />
<br />
إن دراسة (الحالة) ـ بالنسبة ل[[قناة السويس]] ـ ودراسة الاستراتيجية الغربية في مواجهة الإرادات الوطنية ترينا أن [[الإنجليز]] ما كانوا يتركون [[قناة السويس]] بأية صورة سواء عام [[1968]] ــ بموجب مرسوم الحفر والإدارة ــ أو بعد ذلك.<br />
<br />
والغريب في الأمر أن من لام [[الثورة]] على اتخاذ قرار التأميم لم يكن غربياً فقط، وإنما العديد من ال[[مصر]]يين والعرب أيضاً.<br />
<br />
ودراسة التاريخ ترينا ـ خلال الوثائق ـ والمبادرات الاستعمارية ـ أن الغرب لم يكن ليترك [[قناة السويس]] بأية حال وتحت أي اتفاق.<br />
<br />
نكرر أن الغرب لم يكن ليترك [[قناة السويس]] قط، وانظروا إلى الاتفاقات التي مازالت جارية حتى الآن على جبل طارق بين [[الإنجليز]] و[[إسبانيا]].<br />
<br />
إن مصالح الغرب هي الشيء الوحيد الذي كانت تخصص له القرارات المهمة في الغرب. أو هي القرارات المستلهمة من المصالح الغربية التي نجد أحسن الأمثلة لها فيما يجري في العالم اليوم.<br />
<br />
وتأمل هذه الأقوال التي كانت ترى خطأ موقف [[عبد الناصر]] في التأميم إنما كانت تطوي كراهية خاصة للشعب ال[[مصر]]ي، بل إنها تزيد الآن ـ وتابعوا معي الحملات الضارية على [[عبد الناصر]]!!.. ـ كانت تطوي التحامل على [[عبد الناصر]] لأنه اتخذ مثل هذا القرار الوطني الشجاع بعد دراسة وتأن ووعي شديدين .. ولم نكن في حاجة لعديد من الخبراء والمثقفين المحايدين ليؤكدوا لنا بالحرف الواحد أن [[قناة السويس]] وقاعدة [[قناة السويس]] جزء من شيء مركب واحد والذي يدعي أن [[الإنجليز]] كان يمكن أن يتركوا القاعدة و[[قناة السويس|القناة]] بدون تأميم واهم كثيراً والواقع أن مراجعة قصة النهب الغربي لمقدرات الأمم يرينا أن هذا الحكم خاطئ تماماً، ونستطيع أن نشير إلى عدد كبير ممن برهنوا على ذلك ـ وفي مقدمتهم الأستاذ هيكل ــ بموقف [[إنجلترا]] من جبل طارق كقاعدة بحرية مثل [[قناة السويس]] كانت تصب في مصالح الإمبراطورية [[الإنجليز]]ية وتؤكد سيطرتها على إمبراطوريتها الاستعمارية .. يقول الأستاذ في بساطة حتى هذه اللحظة [[إنجلترا]] موجودة في جبل طارق لأن البحر المتوسط هو عقدة كل اتصالات الإمبراطورية، وليس مسموحاً باللعب فيه / وبعد تأميم [[قناة السويس]] نجد أن [[الإنجليز]] اضطروا إلى الانسحاب شرقاً بعد [[السويس]] .. هل نحن من السذاجة أن نرى أن القوى الاستعمارية يمكن أن تفرط ـ ببساطة، وتحت مسميات قانونية ــ في مثل مركز استراتيجي ك[[قناة السويس]] أو موقع استراتيجي كجبل طارق..؟<br />
<br />
هل هو الخطأ في الحساب أو ضغينة على زعيم [[الثورة]] [[عبد الناصر]]؟<br />
<br />
لنترك الأسئلة ولنذكر للقارئ الكريم ــ وليس لأعداء [[ثورة يوليو]] ــ أن من يعود إلى الوثائق البريطانية في هذه الفترة ـ وهي بين أيدينا ـ يستطيع أن يتأكد أن [[الإنجليز]] لم يكونوا مستعدين لترك قناة الويس بأية حال خاصة بعد انتهاء الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة ال[[مصر]]ية قرب نهاية الستينات إذ تكثر في هذه الوثائق التعبير عن ضرورة (التدويل) للقناة بعد الفترة المسموح بها سياسياً؛ كما كان يتردد الكثير من التصريحات السرية عبر المراسلات الخاصة بأنه يمكن فصل ([[قناة السويس]]) عن [[مصر]] نهائياً .<br />
<br />
إن الوثائق البريطانية التي بين أيدينا تؤكد أن [[إنجلترا]] لم تكن لتترك [[قناة السويس]] تحت أية ذريعة وتحت أي معاهدة تسمح بهذا، وهي الوثائق التي تقع في النصف الأول من عقد الخمسينات من القرن العشرين إن هذه الوثائق (وهي مرفقة هنا...) تشير لأكثر من مرة إلى ضرورة مواصلة سيطرة [[بريطانيا]] على [[قناة السويس|القناة]] بأية وسيلة بل وتشير الوثائق ـ لأول مرة ـ إلى التوجه [[الإنجليز]]ي لإشراك القوة الإمبريالية الصاعدة [[الولايات المتحدة الأمريكية]] في الحفاظ على منطقة [[قناة السويس]].<br />
<br />
ونتمهل عند وثيقة واحدة وتسمى (خطة برملي bramly ) ولأهميتها نكتفي هنا بوضعها بين يدي القرئ ليرى نيات الغرب الاستعماري في التأكيد على القبضة الحديدية التي يزمع وضع [[قناة السويس]] فيها '''وهذه هي الخطة:'''<br />
<br />
====[[خطة برملي]] لتدويل [[قناة السويس]] [[1951]] ـ [[1952]]====<br />
<br />
'''أولاً :''' خطاب مكتب الخارجية البريطانية في [[مصر]] إلى رئاسة الوزراء البريطانية المؤرخ في 9 [[نوفمبر]] [[1951]]<br />
<br />
'''السيد رئيس الوزراء:'''<br />
<br />
هذا تقريرنا الموجز بشأن الخطة المقدة من الكولونيل [[برملي]] المقترحة حول (ضرورة عزل [[سيناء]] كإقليم بريطاني وتحريك القادة البريطانية في [[مصر]] إلى منطقة [[سيناء]]).<br />
<br />
إننا نرى أن حكومة صاحب الجلالة ليس لها أي حق شرعي في إدّعاء أن [[سيناء]] بريطانية.<br />
<br />
وكذلك لا يمكن بأية حال تحريك القاعدة العسكرية البريطانية إلى شرق [[قناة السويس|القناة]] نظراً إلى التكلفة الباهظة لهذا الاقتراح ولذلك نوصي بالتفاوض مع الحكومة ال[[مصر]]ية بشأن عقد اتفاقية دفاع مشترك بعدها ربما تكون [[خطة برملي]] جديرة بالمتابعة.<br />
<br />
9/11/ [[1951]]<br />
<br />
'''ثانيــــاً :''' الخطاب الموجه من رئاسة الوزراء للرد على [[خطة برملي]] المؤرخ في 6 [[ديسمبر]] [[1951]]<br />
إنه في خطابكم الموجه إلينا في 9 [[نوفمبر]] بشأن خطة ([[برملي]]) المشيرة إلى اعتبار [[سيناء]] كإقليم بريطاني أو تدويلها فإننا بعد مشاورات وجدنا أن تلك السياسة غير عملية ولا نملك المبررات لادّعاء ملكية [[بريطانيا]] لشبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
ومن الحكمة الأخذ بتوصية مستشارن [[القانون]]ي في مكتب وزارة الخارجية والتي ترى (ضرورة وضع [[سيناء]] تحت السيطرة ال[[مصر]]ية) وهو الأفضل بلا شك.<br />
<br />
أما مسألة فصل [[سيناء]] واعتبارها إقليماً [[بريطانيا]] فعبر ثلاثين عاما وبالأحرى منذ الحكم العثماني فلم يحدث أن اقترحت أي حكومة بريطانية هذا المطلب.<br />
<br />
ومن وجهة نظرنا فإننا نرى أن [[خطة برملي]] تعود إلى رأيه الشخصي وتأكيد لهذا ما جاء في الرد على سؤال طرحه السيد ([[فتزاوي ماكلين]]) بمجلس العموم بجلسة 21 [[فبراير]] الماضي.<br />
<br />
'''ثالثاً :''' وفي الخطاب الموجه من مكتب الخارجية البريطانية في 3 [[دسيمبر]] [[1951]]<br />
<br />
'''عزيزي ([[كولفيل]])'''<br />
<br />
بق لكم مراسة السيد ([[إيفلين شوكبورج]]) في 19 [[نوفمبر]] الماضي مستفسراً عن خطة الكولونيل [[جينجز برملي]] بشأن [[سيناء]] وهذا تقرير واف عن الخطة قام بإعداده مكتب الخارجية البريطانية في [[مصر]].<br />
<br />
نود أن نشير بداية إلى أن الكولونيل [[برملي]] المدير السابق لإقليم [[سيناء]] من قبل الحكومة البريطانية قد عرض فكرة عزل [[سيناء]] عن [[مصر]] ومعاملتها كإقليم بريطاني وألحّ كثيراً على تنفيذ خطته وقد تراسل مع السفارة البريطانية ومكتب الخارجية مباشرة وكذلك كتب إلى جهات بريطانية سياسية عديدة في هذا الشأن وعلى رأسها أعضاء بارزين في مجلس العموم من ضمنهم ([[فتزاوي ماكلين]]) الذي طرح القضية في شك سؤال على المجلس بجلسة 21 [[فبراير]] [[1951]].<br />
<br />
.. وبما أن هذه القضية أصبحت موضع نقاش وبحث يموله مكتب الخارجية والخبراء [[القانون]]يين فقد توصلنا إلى نتائج هامة بهذا الشأن تتلخص في الآتي.<br />
<br />
(1) في [[اتفاقية 1841]] بشأن الحدود الأربعة لشبه جزيرة [[سيناء]] والمثبتة بالخرائط بهذا التوصيف ([[سيناء]] تقع جنوب وشرق خط رفح [[السويس]] وجنوب وغرب خط رفح العقبة) هذه الحدود لم تكن ضمن الأقاليم التي ورثها الخديوي.<br />
<br />
والحقيقة أنها وقعت تحت إدارته دون أن تخول له السلطة من (الباب العالي) بهذا الشأن.<br />
<br />
(2) في [[1892]] كفل الباب العالي للخديوي سلطة إدارة شبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
ولكن تلك السلطة لم تكن لورثة الخديوي ومن هنا يمكننا القول أن حق الخديوي الشرعي في إدارة [[سيناء]] يختلف كلياً عن حقه الشرعي في إدارة [[مصر]] كلياً.<br />
<br />
(3) إن [[تركيا]] فقدت حقها الشرعي في إرث أو إدارة شبه جزيرة [[سيناء]] طبقاً ل[[معاهدة لوزان]].<br />
<br />
(4) إن استمرار [[مصر]] في إدارة شبه جزيرة [[سيناء]] طبقاً للاتفاقية المبرمة من قبل ومحاولة انتزاع [[سيناء]] من سيطرتها بالقوة واعتبارها إقليماً [[بريطانيا]] فإنه طبقاً لرأي المستشار [[القانون]]ي البريطاني الذي أكد أنه إذا لم تكن [[سيناء]] [[مصر]]ية فسوف تكون منطقة معزولة.<br />
<br />
كما إن [[بريطانيا]] إذا حاولت ذلك ستلجأ [[مصر]] إلى المحكمة الدولية لتدافع عن الحق ال[[مصر]]ي ومن المحتمل أن يكون قرار المحكمة في صالحها.<br />
<br />
وللاطلاع على مزيد ممن التفاصيل فقد أرسلنا إلى قسم الأبحاث بحزب المحافظين مذكرة دبلوماسية توضح المكانة التاريخية ل[[سيناء]] والوضع [[القانون]]ي للإقليم.<br />
<br />
ولذلك نرى أن الحلّ الوحيد يتلخص في إقامة قواعد عسكرية بريطانية في منطقة [[قناة السويس]] فإن فشلنا في ذلك الأمر فعلينا أن ننتظر تحقق الاحتمال الآخر وهو بعيد المنال والذي يتلخص في إمكانية تنازل ال[[مصر]]يين عن شبه جزيرة [[سيناء]] ل[[نوري باشا]] رئيس وزراء [[العراق]] وإذا لم تكن هناك تسوية لهذه القضية فإنه من الصعوبة بمكان محاولة نقل القوات البريطانية وبناء قاعدة عسكرية على الضفة الشرفية للقناة لأن التكلفة ستكون بلا شك باهظة جداً.<br />
<br />
وملخص ذلك إنه ليس من الحكمة عزل [[سيناء]] وادعاء أنها إقليم بريطاني في الوقت الحاضر. <br />
والجدير بالاهتمام العمل على إمكانية بناء قاعدة عسكرية صغيرة شرق [[قناة السويس|القناة]] وتأسيس هيئة (بريطانية [[مصر]]ية) للسيطرة على [[سيناء]].<br />
<br />
لاحتمال أن تطلب الحكومة ال[[مصر]]ية مستقبلاً التفاوض مع [[بريطانيا]] من أجل عقد اتفاقية دفاع مشترك.<br />
<br />
'''رابعــــاً :'''وفي الخطاب الموجه إلى مكتب وزارة الخارجية في 19 [[نوفمبر]] [[1951]].<br />
<br />
'''السيد سكبرج:'''<br />
<br />
لقد لكم نسخة من (مذكرات [[سيناء]]) التي تتضمن خطة الكولونيل [[برملي]] والتي تقترح مدى إمكانية فصل وعزل منطقة [[السويس]] و[[سيناء]] عن [[مصر]] ووعهما تحت وصاية [[الأمم المتحدة]] والتي اطلع عليها رئيس الوزراء بمعرفة السيد ([[ليوإميري]]) وقد أثارت الخطة اهمامه وطالب بإعداد تقرير شامل عنها يقوم به مكتب الخارجية البريطاني ونأمل لا يزعج ذلك السيد [[إيدن]] ونطمح أن يرغب في قراءتها والاطلاع عليها.<br />
<br />
'''شيكبرج'''<br />
<br />
'''مكتب الخارجية 19 ـ [[نوفمبر]] [[1951]]'''<br />
<br />
'''خامـســـــاً :''' وفي الخطاب الموجه إلى ([[وينستون تشرشل]]) في 12 [[نوفمبر]] [[1951]] جاء الآتي:<br />
<br />
'''عزيزي [[وينستون تشرشل|وينستون]]:'''<br />
<br />
أذكر حضرتكم أنه قبل الانتخابات الأخيرة قد كتبت إليكم مذكرة دبلوماسية بشأن عزل منطقة [[السويس]] و[[سيناء]] عن [[مصر]] والتوصية بوضعها تحت وصاية [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وقد اطلعت ــ مصادفة ــ على خطة الكولونيل [[برملي]] المدير البريطاني السابق ل[[سيناء]] والتي أوضحت أن الجزء الأكبر من شبه جزيرة [[سيناء]] إضافة غلى عدة أميال من الضفة الشرقية من الضفة الشرقية للقناة لم يكن إقليماً [[مصر]]ياً بشكل مؤكد.<br />
<br />
والحقيقة المحتملة أن منطقة [[سيناء]] و[[قناة السويس|القناة]] ليست سوى جزء من إقليم كبير تنازل عند الحلفاء ل[[تركيا]] بعد الحرب العالمية الأولى وإذا كانت تدار من قبل الحكومة ال[[مصر]]ية ولذلك نرى أن [[القانون]] والمنطق يخولان وضعها تحت وصاية [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وأخيراً أوضح أنني اقتنعت كثيراً بما ورد في خطابك ليلة الجمعة الماضية وأتمنى لك حظاً سعيداً في مهمتك الصعبة الملقاة على عاتقكم ولا أريد إجابة.<br />
<br />
'''المخلص لك'''<br />
<br />
'''[[ليوإميري]]'''<br />
<br />
====مذكرات المدير السابق ل[[سيناء]] الكولونيل [[جينجز برملي]]====<br />
<br />
'''أغسطس [[1951]]'''<br />
<br />
في 1841 تم ترسيم الحدود بواسطة اتفاقية بين [[تركيا]] و[[مصر]] في عهد محمد علي والتي اعتبرت الحد الشرقي ل[[مصر]] هو الحد القديم الذي تم تخطيطه في عهد الدولة الرومانية العظمى طبقاً للخريطة القديمة التي أعيد طباعتها سنة [[1927]].<br />
<br />
وبعد أن تم تنصيب محمد علي والياً على [[مصر]] طلب تصريحا من [[تركيا]] يخول له إنشاء نقطة شرطة حدودية في (نــخل) وظلت هذه النقطة تشرف على أمن [[سيناء]] شمالاً وجنوباً والعمل على استتباب الأمن وحماية السائحين والزائرين وخاصة على طريق الحج بالنسبة لقاصدي مكة.<br />
<br />
وفي [[1892]] تولى [[عباس باشا]] ولاية [[مصر]] وفكر في إلغاء نقطة الشرطة الحدودية في (نخل) ولكن المندوب السامي ([[اللورد كرومر]]) أصرّ من جانبه على وجود قوات لحرس الحدود في (نخل).<br />
<br />
بل أصر على إعلان ولاية [[عباس باشا]] على [[مصر]] دون انتظار صدور فرمان تركي يخول له الولاية أو يشير إلى وجود قوات في نخل وبعد مباحثات مطولة خرج الفرمان التركي مماثلاً لذلك الفرمان الذي صدر بشأن ولاية ([[توفيق باشا]]) والد عباس.<br />
<br />
'''الورقة البيضاء ــ [[مصر]] [[1906]]'''<br />
<br />
وفي [[1906]] قررت [[تركيا]] أن تتولى الإشراف على مقاطعة جنوب [[سيناء]] ونشر قوات حدودية فيها رغم أن طريق الحج لم يعد مستخدما بكثرة ولم تعد القوافل الصحراوية تجوبه واستبدلت به البواخر القاصدة ميناء جدة ومع ذلك فقد أشـار [[اللورد كرومر]] إلى عباس بضرورة مطالبة [[تركيا]] بجنوب [[سيناء]] ولكن [[الخديوي عباس]] رفض نصيحة كرومر وأعلن أنها ليت ضمن الحدود ال[[مصر]]ية واحتج بأن هذه المقاطعة ــ جنوب [[سيناء]] ــ لم يتضمنها الفرمان التركي الذي كان مرفقاً بخريطة [[مصر]].<br />
<br />
ولكن [[اللورد كرومر]] أشار إلى أنه سوف تنشب الحرب أو ستكون إعلان حرب إذا تقدمت القوات التركية إلى [[سيناء]] وتولت أمر حمايتها وادّعت أن لها الحق والوجود في جنوب [[سيناء]] باعتبارها مقاطعة تركية.<br />
<br />
وبعد ذلك تعرضت [[تركيا]] إلى ضغوط سياسية كثيرة مما اضطرها إلى الموافقة على رسم خط الحدود من رفح إلى العقبة كحد إداري ل[[مصر]] ولكن احتفظت لنفسها بحق السيطرة على جنوب [[سيناء]].<br />
<br />
'''ملحوظـــة :'''<br />
<br />
إن تداعي الأحداث وارتفاع حدة التوتر بين [[مصر]] و[[تركيا]] بشأن الفرمان التركي الخاص بادعاء [[تركيا]] الحق في شبه جزيرة [[سيناء]] قد بدأت تهدأ بعد صدور الفرمان التركي والسماح برسم الحدود.<br />
<br />
ولكن [[اللورد كرومر]] قد أشار إلى أن الخريطة المرفقة بالفرمان قد فقدت وأن الخريطة الموجودة لدى ال[[مصر]]يين قد ضاعت.<br />
<br />
وعندما أعاد زيور باشا طبع الخريطة الملحقة بالاتفاقية ال[[مصر]]ية الإيطالية قال نادماً (يجب أن نندم على اليوم الذي سُمح فيه بذلك).<br />
<br />
وفي 1926 طلب اللورد ليود من [[بريطانيا]] اتفاقية [[1906]] ــ والتي ما زال ال[[مصر]]يون يتمسكون بها ــ رفض [[الإنجليز]] ذلك المطلب وأشـاروا إلى أنها أضحت غير سارية المفعول وفي [[1918]] خضعت كل المستعمرات التركية حتى الحدود الآسيوية ومن ضمنها جنوب [[سيناء]] إلى سلطة المندوب السامي.<br />
<br />
وفي [[1927]] وطبقاً لشروط [[معاهدة لوزان]] تخلّت [[تركيا]] عن كافة مستعمراتها وتم تسيمها ما عدا جنوب [[سيناء]] ولكن [[إنجلترا]] لم تطالب بجنوب [[سيناء]] على الرغم من أنها ورثت منها أحقية السيطرة طبقاً لشروط معاهدة [[1906]] وأصبحت [[سيناء]] اليوم طبقاً للشئون والأعراف الدولية (أرض لا صاحب لها) وأن [[مصر]] قد دُعيت لإدارتها ول[[بريطانيا]] الحق الآن في الادعاء بأن شيه جزيرة [[سيناء]] إقليم بريطاني.<br />
<br />
هذا هو الوضع القائم الآن ولا أفهم الأسباب التي تمنع مكتب الخارجية والسفارة البريطانية من المطالبة والادعاء بأحقية [[إنجلترا]] في شبه جزيرة [[سيناء]] وأنا أعتقد وبلا شك أن لنا ـ [[بريطانيا]] ـ حق المطالبــة بها والسيطرة عليها والآن الظروف مواتية لذلك ولو كانت [[مصر]] صاحبة حق في [[سيناء]] ما طلبت التصريح لها من [[تركيا]] بدخول جنوب يناء عندما كان جنوب [[سيناء]] تحت السيطرة التركية.<br />
<br />
ولو أن السفارة البريطانية ومكتب الخارجية في [[مصر]] لديه أسباب وجيهة تؤكد أحقية ال[[مصر]]يين بجنوب [[سيناء]] ما استطاع القائمون على الشئون الدولية إطلاق مصطلح (أرض لا صاحب لها) على شبه جزيرة [[سيناء]].<br />
<br />
وأنا قد أتفق مع وجهة نظر مكتب الخارجية في اعتبار [[سيناء]] [[مصر]]ية ولكن منطقة (جنوب [[سيناء]]) ذات وضع خاص وذات أهمية وقيمة استراتيجية ل[[بريطانيا]] و[[اليهود]] يشجعون ذلك لأنهم يعرفون أن [[مصر]] لي لها حق المطالبة بجنوب [[سيناء]] وليس لها الحق في فرض نفوذها على منطقة [[قناة السويس|القناة]] بدعوى حمايتها.<br />
<br />
ولذلك أقترح على حكومة [[بريطانيا]] حـلاً للوضع القائم أن تعرض على ال[[مصر]]يين التخلي عن جنوب يناء مقابل تعويضهم عن فترة إدارتها منذ [[1906]].<br />
<br />
هناك نقطة حيوية تجعل (جنوب [[سيناء]]) له فائدة استراتيجية ل[[بريطانيا]].<br />
<br />
وثمة أميال خمسة من [[قناة السويس]] لا تقع ضمن الحدود ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
ومن هنا سيكون موقف [[بريطانيا]] قوياً وخاصة عند محاولة نقل (مجلس إدارة [[قناة السويس]]) من [[السويس]] إلى بور توفيق وبناءً على ما تقدم نعتقد أن ([[بريطانيا]] إذا حركت قواتها العسكرية إلى بور توفيق للمشاركة في الدفاع عن [[قناة السويس|القناة]]) ستعتبر [[مصر]] أن القوات الأجنبية (البريطانية) لم يعد لها وجود في التراب الوطني ال[[مصر]]ي.<br />
<br />
ومن هنا سوف يمكن موقف [[بريطانيا]] قوياً وخاصة حول التساؤلات المتتالية عن مجموعة السفن التي تستخدم [[قناة السويس|القناة]].<br />
<br />
ومستقبلاً تتحول بور توفيق إلى مركز تجاري دولي بمساعدة حكومات التحالف التي ستقدم قروضاً ميسرة للشركات التجارية العاملة وهو ما لا تقدمه [[مصر]].<br />
<br />
وقد وردت إلينا معلومات استخباراتية أن [[مصر]] ستعزل بور توفيق وتقطع عنها المياه وتوقف دخول العمال إلى هناك.<br />
<br />
وبناء على ذلك نقترح إمكانية الاعتماد [[على الودان]] كمورّد للعمالة داخل بور توفيق .. أما عن المياه فيمكننا مدّ جنودنا بالمياه الجوفية من [[سيناء]].<br />
<br />
ويمكن استغلال الدعاية المضادة لإظهار [[مصر]] بالوحشية والترويج بمحاولاتها طع المياه عن شعبها وتحاول عزله.<br />
وخطة [[مصر]] في عزل بور توفيق لن تنجح لأن [[مصر]] تعتقد – بل وتعي – تماماً أنها تعتمد علينا كخطوط حماية من يعود [[إسرائيل]] ولأغراض أخرى.<br />
<br />
وأنا أعتقد أن الخطوة التي يجب أن تُتخذ الآن : هو الترويج إعلامياً وسياسياً لفكرة ( أن خط جنوب رفح هو الحد الفاصل لسيطرة [[مصر]] ) لأنه منذ بداية التاريخ وجنوب [[سيناء]] تعتبر عربيـّـة وعلينا أن نروج لخطتنا ونحاول طرحه ومناقشته دولياً وإعلامياً للضغط على [[مصر]] حتى تسعى للتوقيع على اتفاقية حدودية معنا.<br />
<br />
إن هدفنا الحقيقي هو احتلال جنوب [[سيناء]] لا مناشة عملية إعمارها.<br />
<br />
ولعل المناقشات الموسعة ستظر مشكلة جديدة حول ملكية خليج تيران والجزر الواقعة نطاقه ويُخشى أن تدفع [[مصر]] بقواتها العسكرية عاجلاً أو آجلاً إلى هذا الخليج مما يوقع السفن البريطانية في مرمى نيران المدفعية ال[[مصر]]ية المتجهة من وإلى العقبة.<br />
<br />
===الفصل السادس: [[عبد الناصر]] السياسي، المثقف===<br />
<br />
هل السياسي يجب أن يكون مثقفاً؟<br />
<br />
<br />
نعيد طرح السؤال، في هذا الشهر بشكل مباشر:'''<br />
<br />
- هل كان [[عبد الناصر]] مثقفاً؟<br />
<br />
وعبوراً فوق 482 موقعاً احتفالياً في هذه الأيام ــ بتعبير وزير الثقافة ــ تشهد [[مصر]] احتفاء واحتفالات بذكرى مرور 50 سنة على [[ثورة يوليو]] عام [[2002]].<br />
<br />
وعبوراً فوق عديد من الاحتفالات المشابهة في عديد من أقطار العالم العربي.<br />
<br />
ثم عبوراً فوق هذه الكتابات الغربية التي زادت هذا الشهر حتى وصفتها بعض المواقع الإليكترونية إنها نوعاُ من النوستالجيا (الحنين) الذي يبديه العديد من الكتاب الغربيين عن [[عبد الناصر]] (العروبي) في عصر [[الإسلام]] السياسي والاضطرابات الغامضة في العالم العربي.<br />
<br />
نقول عبوراً فوق كل هذا؛ فإن التوقف عند (وعي) [[عبد الناصر]] كسياسي يمتلك قدراً هائلاً من وعي المثقف يلفت النظر إزاء كل هذه الندوات والتحليلات والكتابات المكثفة والمراجعات المتباينة في ردود أفعالها ثم إزاء ما يمثله [[عبد الناصر]] ومشروعه الفكري من قيمة مازالت بيننا حتى اليوم.<br />
<br />
ومع ما يثيره الاحتفال بذكرى [[يوليو]] من قضايا إشكالية، قد نعود إليها مرة أخرى، فإن أكثر ما يلفت النظر في وعي زعيم مثل [[جمال عبد الناصر]] هو أنه لم يكن سياسياً وحسب، وإنما سياسي جمع إلى التكوين السياسي الوعي الثقافي، حتى إننا نتطيع أن نعيد طرح السؤال الذي نعرف إجابته جيداً الآن:<br />
<br />
هل كان مثقفاً حقاً؟ فنجد الإجابة أمامنا بغير جهد كبير.<br />
<br />
فلنحاول الإجابة معاً، ونفكر بصوت عال؛ هل....؟<br />
<br />
على المستوى الشخصي، فقد لمست هذا الوعي الثقافي، ليس بين أوراقي الدراسية وحسب، وإنما بين الجماهير العريضة في أنحاء العالم العربي، بل وبين الجماهير العربية والتي تعيش بشكل أو بآخر في الغرب؛ بل وفي السياسيين والمثقفين أنفسهم ممن شهدوا هذه الفترة وعرفوا [[عبد الناصر]] عن قرب .<br />
<br />
ولأضرب مثالاً واحداً، فأذكر أنني كنت في إحدى العواصم الغربية، وعقب إلقاء كلمتي عن [[عبد الناصر]] والتي أسهبت فيها عن الوعي الثقافي الفائق له، روعت أن عدداً كبيراً من الحاضرين ـ وأغلبهم من الشباب العربي المغتربين ـ راحوا يلفتون نظري إلى أن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً.<br />
<br />
ألم أقل هذا؟ حدثت نفسي، ومع ذلك يبدو أنني في حاجة ماسة لأعيد ما قلته، فأستبدل بالكلام الذي يلقيه المحاضرون بالورق الذي بين أيدي؛ لم تفتني الدلالة ورحت أدلل من جديد على وعي [[عبد الناصر]] الفائق بدور المثقف حتى أنه لا يكف عن إيراد وعي المثقفين في خطبه الكثيرة وقيمهم على أن يكون هذا الوعي وهذه القيمة تمارس (ضمن تحالف قوى الشعب العاملة .. لأن المثقفين ليسوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة).<br />
<br />
ورحت أسهب ـ أكثر ـ في ضرب الأمثلة من الخطب المتناثرة لعشرين عاماً ووثائق مركز الدراسات السياية والاستراتيجية ب[[الأهرام]] ([[يناير]] [[1967]] ـ [[ديسمبر]] [[1968]])؛ وأكثر ما لفت نظري كما أشرت، أنني رغم إشارتي إلى وعي [[عبد الناصر]] بالمثقفين ومصادر وعيه الشخصي (كمثقف)، فإن القاعة راحت تكرر، وكأنها لم تسمع منذ قليل، أن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً، وكأنها تريد التأكيد على هذه الحقيقة .<br />
<br />
بل رحت أورد لأدلل ـ في قضية لا تحتاج لدلالة أو برهان ـ من كتابات معاصريه أن أحد رفاقه [[خالد محيي الدين]] ـ على سبيل المثال ـ لم يكن ليمل من التأكيد في كتابه الأخير أن [[عبد الناصر]] كان:<br />
<br />
"قارئاً ممتازاً سواء قبل [[الثورة]] أو بعدها، وحتى بعد أن أصبح حاكماً متعدد المسئوليات كان يولي مسألة المعرفة اهتماماً خاصاً. وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف".<br />
<br />
وإبان استعداده للسفر إلى أوروبا، في كل مرة، '''يجد رغبة [[عبد الناصر]] الوحيدة في المعرفة فيضيف:'''<br />
<br />
" ــ و.. طلب مني أن أرسل له كل ما أعتقد أنه مفيد من كتب ومجلات ولعل شغفه بالقراءة هو الذي جعله يهتم بمسألة المعلومات، وكان [[عبد الناصر]] لا يتخذ أي قرار إلا بناء على معلومات وكان يهتم دوماً بالمعلومات ليس فقط من أجل تحقيق إمكانية اتخذ قرار صحيح، وإنما من أجل التعرف على من يتعامل معهم تعاملاً وثيقاً ودقيقاً".<br />
<br />
والمعروف أن هيئة الاستعلامات كانت أهم هذه الأجهزة التي تحددت مهمتها الأولى في إطلاع [[عبد الناصر]] على أحدث ما يصدر في العالم، فكانت ترصد ما ينشر وتحصره بل وتترجم له ما تترجم وتلخص ما يجب تلخيصه.<br />
<br />
وفي مكتبة دار الوثائق حتى اليوم أعداد كبيرة من الكتب المهمة المترجمة ل[[عبد الناصر]] خصيصاً.<br />
<br />
ولعل معاصري [[عبد الناصر]] كانوا أكثر ما لاحظوا النهم الشديد عند [[عبد الناصر]] للمعرفة والقراءة المتواصلة وتدوين ملاحظاته في أوراق عامة أو خاصة، وكتاب [[جورج فوشيه]] المعروف ([[عبد الناصر وجيله]]) يرينا أن الكاتب حين ذهب إلى الكلية الحربية ليراجع قائمة ما قرأ [[عبد الناصر]] وجد أن دائرته امتدت إلى آفاق بعيدة خاصة حين راجع كشوف الاستعارة في السنوات الدراسية.<br />
<br />
والأكثر من هذا لفتاً للنظر أوراقه الخاصة وأحلامه التي حرص على تدوين أغلبها ونشر بعضها ب[[الأهرام]] ترينا حرصه الشديد على تدوين العديد من خطبه، والتعبير عن أفكاره الخاصة بيده في الخمسينيات والستينيات .. وقد كان اهتمامه قد جاوز الواقع إلى الأحلام البعيدة التي كان يختلط فيها الوعي الجاد ومحاولة الإفادة من المشروعات المعاصرة له خاصة تجربتي الهند وباكستان، فهو يتحدث عن ولعه بإنشاء العديد من المشروعات الثقافية ب[[القاهرة]] و[[الإسكندرية]]، ويصل إلى الأحياء الشعبية ليدون عنها أفكاراً حميمة ثم يصل من الأحياء الشعبية إلى عواصم المديريات وعواصم المراكز، بل يخصص صفحات كاملة لإعادة إعمار القرى وإدخال الكهرباء وإنشاء السينما التي يمكن أن تتحول إلى مسرح في الوقت المناسب، بل يولي عناية خـاصة ب[[الأزهر]]، ويمكن أن نلاحظ اهتمام [[عبد الناصر]] منذ فترة مبكرة ب[[الأزهر]] كصرح ديني عملاق في [[مصر]] يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في التثقيف والتنوير و[[الإصلاح]] ليس في [[مصر]] وحسب بل وفي عديد من المناطق [[الإسلام]]ية البعيدة عنا وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصة عن وعي [[عبد الناصر]] عبر الكتابة المدونة، ففيها الكثير من وعيه السياسي / الثقافي الذي لا يمكن إنكاره، والذي يحتاج إلى عناية خاصة لأهميته.<br />
<br />
وهذا الوعي المثقف لدى الزعيم، يشهد به أنصاره أو أعداءه على السواء .<br />
<br />
لقد ظللت قرابة خمس سنوات أستمع وأسجل وأكتب (كل) ما سمعته من (شهود) [[عبد الناصر]] ـ أثناء كتابة أطروحة عن [[يوليو]] ـ وفي كل مرة كنت ألاحظ أن المثقفين / الشهود من شتى المواقع ـ لا يترددون في أن يؤكدوا على أن [[عبد الناصر]] كان يمتلك وعياً فائقاً يجاوز به رؤية السياسي وفعله مجراد رؤية المثقف وذكاء المفكر.<br />
<br />
من ذلك، كان الحوار الطويل مع أحد أهم رموز اليسار في الفترة الناصرية في حوار حول [[عبد الناصر]] الذي عانى منه اليسار كما عانى هو أيضاً من اليسار، '''ووجدتني أسأل المثقف اليساري فجأة:'''<br />
<br />
- وهل كان [[عبد الناصر]] فيما ترى مثقفاً؟<br />
<br />
وقبض [[أبو سيف يوسف]] ـ المناضل اليساري المعروف ـ '''قلمه وراح يكتب بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(ــ كان [[عبد الناصر]] قارئاً جيداً، حين تجلس معه تحس أنه ليس مجرد قارئ عادي وإنما قارئ متمرس، يعرف جيداً الاشتراكية، اقرأ ـ مثلا ـ محاضرة في اللجنة الوحدوية تكتشف على الفور أن لديه دراية عالية عن الاشتراكية.<br />
<br />
كان أول ما يقرأه صباحاً مجلة ([[الطليعة]]) .. وعلى فكرة. لم يكن [[عبد الناصر]] يقرأ ([[الطليعة]]) ليعرف منها اليسار، كان [[عبد الناصر]] يعرف اليسار جيداً).<br />
<br />
- وسألت المثقف اليسار السؤال نفسه، فراح يقول لي [[خالد محمد خالد]] ــ رحمه الله ــ أي [[عبد الناصر]] ــ كان يشتري، قبل [[الثورة]]، نسخاً كثيرة له من جيبه الخاص من كتاب (مواطنون لا رعايا) ويقوم بتوزيعه بنفسه على زملاءه، وقد كــان يفعل ذلك مع كتب أخرى لكتاب آخرين.<br />
<br />
بل إن [[خالد محمد خالد]] أسهب أكثر في أن [[عبد الناصر]] بعد [[الثورة]] ظل مستمراً في قراءة الكتب، ومستمراً في مناقشة أصحابها، بل إنه ــ وهذا مسجل في إدارة الرقابة ــ أن [[عبد الناصر]] أفرج شخصياً عن كتب [[خالد محمد خالد]] كانت في طريقها إلى المصادرة أو صودرت بالفعل، وهو ما أكده [[عبد الناصر]] نفسه لصاحب هذه الكتب في اجتماع على الهواء في اللجنة المركزية في بداية الستينيات (ونعتذر عن إيراد النص لطوله).<br />
<br />
- أيضاً راح المثقف الليبرالي يؤكد على هذا، فقد أسهب [[إحسان عبد القدوس]] لأكثر من مرة على وعيه السياسي والذي "يكن احتراماً بالغاً للمثقفين" والذي ـ يشير إلى صورة [[عبد الناصر]] بعد أن رحل ـ:<br />
<br />
".. كان يقرأ كثيراً، ويرغب دائماً في الحصول على كتب، ويطلب مني عناوين محددة، وكان يأخذ مني الكثير، وفي كل مرة يجد معي كتاباً ويجدني أقرأ كان يسألني على الفور: ماذا أقرأ، وفي حالات كثيرة أثناء الحديث الفطري معه كان يسأل بعمق أو يغيب عنا بعمق، وهو ما يبرر حين يحس بهذا فيعتذر مردداً من أنه كان يفكر فيما يقرأ".<br />
<br />
نحن لا نريد أن ندلل ـ بعد هذا كله على أن [[عبد الناصر]] كان سياسياً مثقفاً، أو سياسياً واعياً ـ أكثر من كثير من السياسيين ـ بما يحدث حوله، ومراجعة مواقفه وخطبه يرينا أنه يريد أن يقدم حكومة [[الثورة]] فيربط بينها وبين الدولة فهي (حكومة المثقفين) ــ هكذا ــ ، ومراجعة خطبه في الخمسينيات والستينيات تؤكد أكثر على مفهومه بالنسبة للمثقفين.<br />
<br />
ولدينا عشرات المراجع التي تؤكد على الوعي السياسي / المثقف بشكل يلفت النظر كثيراً.<br />
<br />
إن [[عبد الناصر]] كان مثقفاً كبيراً بقدر ما كان سياسياً كبيراً.<br />
<br />
هل يحتاج هذا لسؤال...؟<br />
<br />
===الفصل السابع: الوعي الخائن والمثقف===<br />
<br />
يحار المرء أين يضع صاحب هذه الحلقات التي تنشر في إحدى الصحف العربية التي تصدر من لندن .<br />
<br />
'''نحن أمام تفسيرين لهجومه الأرعن على [[مصر]] وال[[مصر]]يين الذين فتحوا له صدورهم من 15 عاماً:'''<br />
<br />
هل نضع "بعد الاستغراق في القراءة" في حالة غياب الوعي بحكم الن، أو ما يسمى في خبرة التحليل النفي بغواية العقل أو تغييبه أو غيابه mindedness absent وهو ما يفسر إذا أحسنا النية بعدم الانتباه لجوانب الموف الذي يعتبره الآخرون ذا الأهمية الكبرى، وهي غفلة يكون صاحباً مجبولاً عليها. أم نضعه "وهذه هي الحالة الأخرى" في خانة حضور الوعي بحكم التعمد، أو ما يسمى في خبرة التحليل السياسي أيضاً "بحكم الانتهازية التي يظل أهم وجوهها هنا العمالة، وهو ما يفسر "إذا دققنا النظر فيما ينشر حتى الآن بخداع الآخرين في [[مصر]]" سياسيين ومثقفين "لقرابة خمسة عشر عاماً قضاها في [[مصر]]، وفي هذه الحالة الأخيرة فنحن الآن أما سمات سلبية هي "بخلاف اللف والدوران" تكون بوضوح شديد العمالة.<br />
<br />
ونحب أن نلفت النظر هنا إلى أن هاتين الحالتين لا تتنافران فيمكن أن يكون الإنسان "في فترة زمنية متقدمة" قد ناله الوهن العقلي، وفي نفس الوقت يكون قد جاء من معسكر العمالة الصريحة، مما يشير بعد مراجعة ما ينشره إلى أنه صحفي نال منه الصدق وفي الوقت نفسه نال هو من الموقف العربي ..'''وعلى هذا النحو، فنحن أمام حالتين :'''<br />
<br />
"غياب الوعي المتعمد"<br />
<br />
"حضور الوعي الخائن"<br />
<br />
لنتوقف عند غياب الوعي قبل أن نصل إلى نقيضه ..وهما سمتان "كما أشرنا" يتوافران في [[ناصر الدين النشاشيبي]] فيما ينشره بعنوان (سنوات [[مصر]]).<br />
<br />
وقبل أن نستطرد أكثر يمكن أن نكرر أن غياب الوعي هنا يكون متعمداً، ولا يكون بالضرورة (حالة) سيكولوجية .. ومن ثم فإن غياب الوعي يكون داعياً إلى النيل من كثيرين ممن عرفتهم [[مصر]] في بداية القرن العشرين حتى نهايته.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر اتهام أو قل عبر موقف واحد من مواقف الصحفي الذي آوته [[مصر]] وأعطته أكثر مما أعطى في بلد آخر بعد مجيئه من [[القدس]] ماراً بعدد من الدول الأخرى.<br />
<br />
وليكن الموقف هنا إغفال [[الصهاينة]] بالعمد أو التأكيد.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر شهادات النشاشيبي التي تكفي وحدها للبرهنة على غياب الوعي الذي هو غياب الإنصاف والتحليل الصحيح للأمور. أو غياب الوعي، الذي هو نقيض العداء والادعاء معاً.<br />
<br />
فمن الغريب أن نسمع من الحلقة الأولى من النشاشيبي أن قضية [[فلسطين]] ليست معروفة لدى تسعين في المائة من شعب [[مصر]].<br />
<br />
فهل كان ما يحدث في [[فلسطين]] غائباً عن الوعي في [[مصر]] في هذا الوقت. الإجابة بالنفي بالطبع.<br />
<br />
فقد كانت الكثير من الأحداث تشير إلى ما كان يفعله [[الصهاينة]] في [[فلسطين]] في الأرض المحتلة كان معروفاً وكان يردد في الصحف بشكل مكرر، وجاءت نكبة [[1948]] لتؤكد هذا الوعي الذي تجسد أكثر في كل أنحاء [[مصر]]، فلم يكن ليخلو بين في هذا الوقت دون ان يكون فيه محارب أو شهيد أو موتور بشكل ما مما يحدث في [[فلسطين]] .. رغم أن ما كان يدبر لليهود في بداية الأمر بقي طي الكتمان.<br />
<br />
إن الواقع في [[مصر]] وفي العالم كله لم يكن ليوحي بأن [[اليهود]] "الذين يعيشون في الأقطار العربية على الأقل" يمكن أن يكونوا مثل هؤلاء [[الصهاينة]] الذين يتكاثرون في [[فلسطين]]، كانوا يفعلون هذا بمساعدة إنجليزية.<br />
<br />
لم يكن يدرك المواطنون العرب في أنحاء العالم العربي أن الآلة التي تحرك وجود [[الصهاينة]] في [[فلسطين]] كان وراءها تقف العقول [[اليهود]]ية هناك كان [[هربرت صموئيل]] المندوب السامي الأول، و[[الأدون نمورمان بنويش]] النائب والمستشار القضائي للمندوب، ومن ورائهما (الوكالة [[اليهود]]ية) التي ورد ذكرها في هذا الوقت في صك الانتداب.<br />
<br />
بل إن التاريخ يذكر وعد بلفور نفسه على لسان اللورد [[ارثي بلفور]] وزير الخارجية [[الإنجليز]]ي إلى [[روتشيلد]] [[اليهود]]ي في 2 [[نوفمبر]] [[1917]] بقي طي الكتمان لفترة من الزمان .<br />
<br />
ومراجعة تاريخ هذه الفترة ترينا أن الأحداث في [[فلسطين]] كانت تجري بمساعدة [[الإنجليز]]، ويزيد [[اليهود]] "على سبيل المثال" في سنوات قليلة من 35000 إلى 103000 وتضاعفت مساحة الأرض التي بيعت إلى [[اليهود]] بشكل يلفت النظر .. غير أن هذا كله كان خارج الوطن.<br />
<br />
كانت تمضي المؤتمرات ال[[فلسطين]]ية، وتدور المعارك ضد [[اليهود]]، وتدخل القضية إلى [[الأمم المتحدة]] وتخرج منها.<br />
كان الجميع يعرف ما يحدث خارج كل قطر، لكن داخل كل قطر عربي، كـان [[اليهود]] يعيشون مع أبناء أوطانهم، يتمتعون بحق (المواطنة) يصبح كل منهم مسئولون كبار "حتى أصبح منهم وزير" ويمتلكون اقتصاديات كثيرة هنا وهناك، وتنتشر صحفهم وإعلامهم، لكن كل هذا كان يجري في إطار الوطن، فالأديان الثلاثة في [[مصر]] "على سبيل المثال" كان أصحابها يتمتعون بقدر كبير من التواؤم والاحترام.<br />
<br />
كل هذا كان يحدث حتى حرب [[1948]] والعرب من شعب [[مصر]] يعرفونه جيداً، لكنهم يفرقون كثيراً بين ما يحدث خارج الوطن حين كان يغضب ال[[فلسطين]]يون من قرار التقسيم فتدمر المباني والمخافر وتفجر الأنابيب وتنسف الجسور حتى تقوم الحرب .. وبين أبنا وطنهم من [[اليهود]] الذين لم يبدوا "على الأقل في النصف الأول من القرن العشرين" أي تأييد لليهود في [[فلسطين]] التي تحتل، ويعلن استقلال (احتلال) عصابات من [[الصهاينة]] فيها.<br />
<br />
كان ثمة يقين لدى أبناء الشعب أن [[اليهود]] ال[[مصر]]يين هم مواطنون (بحق المواطنة) من الدرجة الأولى كما المسيحي والمسلم، ولم تكن العقيدة لتحول بين الانتماء ل[[مصر]] في المقام الأول (وإن ظهر بعد ذلك عديداً من العناصر والتنظيمات السياسية الشيوعية وغير الشيوعية كانت تعمل لصالح [[إسرائيل]]).<br />
<br />
وهو ما يفسر أن المثقفين ال[[مصر]]يين أنفسهم لم يكونوا ليتخذوا مواقف عدائية من [[اليهود]].<br />
<br />
لم تكن درجة العداء ضد [[اليهود]] "كأصحاب رسالة سماوية" قد وجدت من يغذيها حين بدأت أطماع [[الصهيونية]] تكشف عن نفسها وهو ما يفسر به (ويبرر) أيضاً موقف العديد من زعماء [[مصر]] أو المثقفين الذين اتهمهم بالتجاوب مع [[الصهاينة]].<br />
<br />
إنه مرة أخرى غياب الوعي الذي بدا متعمداً من النشاشيبي في اتهامه للمثقفين ال[[مصر]]يين خاصة.<br />
<br />
وهو اتهام كرره أكثر من مرة بشكل يوحي بأنه متعمد، وليس عن عدم تبين للحقيقة أو الواقع أو الأحداث، ونضطر هنا إلى اثبات ادعاء الصحفي الذي تعمد أن يفقد وعيه، يقول عن المثقفين والسياسيين ال[[مصر]]يين أنهم كانوا غير إيجابيين إزاء ما يحدث في [[فلسطين]]، وإنهم كانوا أكثر إلى الخيانة منه إلى حسن الظن أو فهماً واضحاً لطبيعة العصر وأنهم .. إلخ.<br />
<br />
إنهم يتهم لطفي اليد بأنه كان يذهب لكي يحضر الاحتفال بوضع حجر الأا لمبنى الجامعة العربية على جبل سكوبس في [[القدس]] عام [[1923]] !! وكان [[لطفي السيد]] يتعمد أن يفعل ذلك في وقت "كما أشرنا" لم يكن ليخطر على بال أحد أن ما يحدث كان بوازع من [[الصهاينة]]، فضلاً عن أن دوره هنا اتسم بالرحابة التي كانت توليها المواطنة في [[مصر]] في بدايات [[القرن العشرين]]، الأكثر من ذلك، وهو ما لم يعلمه النشاشيبي أنه كان يذهب بشكل رسمي لتأكيد الدور ال[[مصر]]ي الوطني الخلاق وهو دور يحسب ل[[مصر]] التي لم تعرف العنصرية التي يتحدثون عنها الآن في دير بان.<br />
الأكثر من هذا أنه راح يطعن في وطنية زعماء وطنيين كبار مثل [[إسماعيل صدقي]] وعلي الشمسي بل و[[سعد زغلول]] و[[مصطفى النحاس]]، ويطعن في تاريخهم الوطني بشوفونيه (شامية) أو مقدسية أو نرجسية لا نعرف مبرراً لها اليوم غير غياب هذا الوعي الذي يتعمده صاحبه.<br />
<br />
الأكثر من ذلك، أنه يقفز إلى الاتهامات الصريحة ضد عدد من المثقفين ال[[مصر]]يين وفي مقدمتهم مثقف [[مصر]]ي واع مثل طه حسين فيظل يغمز عنه ويهاجمه في أكثر من حلقة، فعميد الأدب العربي لا يجد منبراً ليتحدث في عن : آثار [[اليهود]] في الأندلس سوى النادي [[اليهود]]ي في [[الإسكندرية]] .. ويغلو في تطرفه واتهامه (ويكاد المريب أن يقول خذوني كما نرى..) إلى أنه يشير بالريبة إلى أن طه حسين بعد أن ألقى محاضرته، فإنه ترك نشر النص إلى جريدة الشمس .. لسان حال الطائفة [[اليهود]]ية. ثم أن طه حين أشير إليه بإساءة بالغة مرات كثيرة طيلة نشر هذه الحقات خاصة حين كان عميد الأدب العربي مسئولاً عن جريدة (الجمهورية) في الخمسينات.<br />
<br />
ولا نكون في حاجة هنا لنذكر المواقف العديدة الوطني لمثقف واع كطه حسين الذي أصبح مسئولاً عن مجلة (الكاتب) التي يمولها الأخوة هراري، دون أن تظهر في أي منها، داخل المجلة أو خارجها ما يشير إلى أنه تخلى عن وعيه الوطني.<br />
<br />
فلم يكن الوعي الوطني يشير إلى ضرورة التعاون مع [[اليهود]]، وإنما كان يعني "بوضوح يفتقده الكثيرون الآن بحن نية أو بسوء نية" أن المثقف يتعامل مع [[اليهود]] الوطنيين وليس مع [[الصهاينة]] الذين يستخدمون العقيدة في السياسة، والذين أصبحوا يمتلكون قبضة أمريكا ليحاربوا بها معاركهم في الوطن العربي .<br />
<br />
ولا نكاد ننهي هذه السطور دون أن نعود إلى نصيحة [[أنطون الجميل]] رئيس تحرير [[الأهرام]] للنشاشيبي ففي كل مرة كان هذا الأخير يظهر الكثير من (الوقاحة) "وهي صفة أطلقها على نفسه" كان يستدعيه وينهره، ويذكر أنه يتدعيه إلى مكتبه ليلقي عليه درساً طويلاً في التزام الحياد (والتمسك بفضيلة الترفع عن الذم والشتيمة) ومن ذلك، أنه خاطبه طويلاً في مكتبه في إحدى المرات ليقول في نهاية كلامه الكثير هذه العبارة: (قد يصفق لك البعض إن أنت ألحقت الأذى بالبعض، ولكن الأذى الذي تلحقه بنفك يفوق كل أذى).<br />
<br />
لقد رحل [[أنطون الجميل]] ولم ينتفع بنصيحته النشاشيبي. رحل [[أنطون الجميل]]، وبقي غياب وعي النشاشيبي، أو تغييبه.<br />
<br />
====[[ثورة يوليو]] .. الوعي الخائن ====<br />
<br />
وإذا كنا تعرّفنا في المرة الماضية إلى غياب الوعي أو تغييبه (على طريقة الحكيم رحمه الله..) قد بقي أن نرى الوجه الآخر؛ المريب .. لتفسير ما يكتبه النشاشيبي في الصحيفة العربية التي تنشر حلقاته .. فإذا كان الوجه الأول هو وجه الكشف عن غياب الوعي المتعمد (المتعمد) للإساءة للدور ال[[مصر]]ي والنيل منه (وهي سمة أصبحت لدى الكثير من إخواننا العرب الآن خارج [[مصر]])، فإن الوجه الآخر الآن، هو الوجه الأكثر وعياً، وهو لفرط وعيه أو لنقل (وقاحته) وهي صفة يستخدمها صاحبها منذ الحلقة الأولى ليس غير تفسير واحد هو الريب فيما يقول.<br />
<br />
الريب الذي يصل إلى درجة الجزم بهذا الدور المريب حقيقة لا مجازاً .. سواء في تغيير أسلوب الهجوم على [[مصر]] و[[عبد الناصر]] أو في كشف نفسه بشكل مباشر في هذه العلاقة المريبة بينه وبين الجهة المضادة التي بعمل لها.<br />
هكذا، بغير زيادة أو نقصان.<br />
<br />
إن غياب الوعي هناك يساوي حضور الوعي بما يفعل هنا.<br />
<br />
وكي لا نتهم بالإفراط أو الإسراف، لنتمهل عند بعض ما يكتبه النشاشيبي عن (سنوات في [[مصر]]) .<br />
<br />
'''ورغم أن سنواته التي قضاها في [[مصر]] وتزخر بضروب الهجوم عليها:'''<br />
<br />
المسئولين والمثقفين.<br />
<br />
ورغم أن أقل ما يقال عنه في هذا الصدد هو غياب الوفاء، فإننا نستطيع أن نترجم هذا كله إلى موجة عاتية من موجات الانحياز للعدو الذي كان يحاول النيل من [[مصر]]: مكانتها وتأثيرها .. ومن [[عبد الناصر]]: وعيه ودوره.<br />
<br />
وهو دور يلعبه كيفما يبدو صاحبه حتى الآن.<br />
<br />
ورغم أن الهجوم على [[عبد الناصر]] الآن أصبح النغمة السائدة لدى الكثيرين، فإنها تعكس هنا طبيعة (الدور) الذي اكتشفناه فيه بعد أن لعب هذا الدور جيداً هنا ثم فارقنا إلى حيث يكمل دوره جيداً خارج [[مصر]] .. ولنرى صورة من صور مواقفه من [[عبد الناصر]] قبل أن نصل إلى علاقته المريبة (بل الأكيدة) بال[[إسرائيل]]يين والأمريكيين.<br />
<br />
إن اتهاماته ل[[عبد الناصر]] وهي في أغلبها الاتهامات التي كانت توجه إليه من أعدائه إنه في الحلقة الأولى وبعد انتهاء حصار الفالوجا على [[عبد الناصر]] وزملائه، يقول بالحرف .. (انتهت مأساة أو جريمة حرب [[فلسطين]]. ورأى الناس في [[القاهرة]] الاستقبال النكتة الذي أعده فاروق لأبطال الفالوجا وأبطال [[غزة]] وأبطال أسدود وعلى رأسهم الضبع الأسود والضيع الأبيض والضبع الذي بلا لون! ورأيت أنواعا من المهازل اليومية..) هذه تلاحظ دلالة هذه اللهجة ونحن نثبت هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها سواء قبل [[ثورة يوليو]] أو بعد أن جاء [[عبد الناصر]] أو بعد أن ذهب [[عبد الناصر]] إنه يتهم [[عبد الناصر]] وبعد ذلك بأنه لم يهتم بغير زعامته، فالمسئول الأول في دنيا [[القاهرة]] التفت إلى تركيز زعامته في العالم الخارجي، إلى جانب [[نهرو]] و[[تيتو]] و[[نكروما]] و[[كيندي]]، وأقطاب العالم، وترك الجبهة الداخلية..(!!) وعلامات التعجب من عندنا.<br />
<br />
وردد في مرة أخرى بأنه لم يهتم بغير تحقيق العدالة الاجتماعية أو في شعار العدالة الاجتماعية والقيام بدور استبدادي لتثبيت زعامته، يقول متسائلاً .. (وهل كان ضرورياً الإصرار على إلغاء كل حزب سياسي من أحزاب [[مصر]] و[[سوريا]] إكراماً للثورة أو مشتقاتها وهل كان ضرورياً أن تداس [[الديموقراطية]] بالأقدام وتترك الساحات أمام الأجهزة الأمنية وحدها كي تحكم وتعتقل وتسجن وتشرد دون أي رقابة من الشعب، وهل كان من الضروري أن يقبل [[جمال عبد الناصر]] بمبادرة روجرز في عام [[1970]]).<br />
<br />
ويسهب أكثر في أحكام غير دقيقة بالواقع التاريخي، أو عبر الوثيقة، أو تحديداً خلال الرأي المنصف لما كان يحدث خاصة أنه كان شاهداً على ما كان يحدث، بل شاهد أكثر حساسية من غيره فقد جاء من [[القدس]] وعاش في أكثر من قطر عربي حتى استقر بفضل [[عبد الناصر]] وحمايته في [[القاهرة]] لسنوات طويلة، ثم ها هو يقول الآن أشياء مثل التي كانت تقولها دوماً أجهزة مخابراتية ضد [[عبد الناصر]] وفترة حكمه!!<br />
<br />
إن قبول [[عبد الناصر]] تحديداً لمبادرة [[روجرز]] لها في التاريخ ما يبررها، فقد كان من اللازم أن يقبلها [[عبد الناصر]] الذي كان في مهمة في الاتحاد السوفيتي حينئذ لإنقاذ [[مصر]] من ويلات التدفق بكل أنواع الأسلحة الأمريكية إلى [[إسرائيل]]، ومحاولة إنقاذ الداخل الذي كانت تتسلل إليه [[إسرائيل]] في أبو زعبل وبحر البقر .. إلى غير ذلك مما يعرفه المؤرخ جيداً، الذي ليس مكانه الإسهاب هنا .<br />
<br />
وليس لوم النشاشيبي أو عجبه الآن إلا حلقة من حلقات الكراهية التي تسببت في هزيمة النظام الناصري نفسه في الستينيات؛ فقد كان أعداء [[عبد الناصر]] في الداخل أخطر وأبقى رغم أنهم في الخارج كانوا يتحينون الفرص للإيقاع به منذ بدايات الستينيات (منذ حرب [[اليمن]]..).<br />
<br />
بل إن زعامة [[عبد الناصر]] (العربية موقف الشعب العربي في [[مصر]]) أيضاً كان موضع شك من الرجل الذي كان يعيش بيننا؛ إنه حين يصف موجة العروبة التي زحفت إلى [[مصر]] في عهد [[عبد الناصر]] يقول .. '''ونؤثر أن ننقل هنا كلماته:'''<br />
<br />
(كان [[عبد الناصر]] يدفع للعرب ثمن زعامته عليهم، وثم تأييدهم له. وثمن ولائهم ل[[مصر]]).!<br />
<br />
وبعد أن يشير إلى هذه الموجة في عهد الملك فاروق قبل ذلك الذي كان يسعى للخلافة يهبط بهجومه المريب على الجماهير وعلى المثقفين سواء بسواء، وهو في هجومه، وإن بدا ناقصاً للوعي أو او متشبعها بالجهل لهذه المرحلة، فإنه (وهذا أقرب إلى التفسير) كان هو الدور الذي رسم له والذي راح يعبر عنه، وظل يعبر عنه بعد أن خرج من [[مصر]] منذ ثلث قرن حتى الآن.<br />
<br />
انظر إليه، يعود ليربط ربطاً عشوائياً مريباً بين الفهم المقصود للجماهير أو المثقفين حينئذ حيث يضيف:<br />
(لم تكن تلك الموجات في رأي العروبة، متجاوية مع كل ما كان يتمناه الشارع ال[[مصر]]ي .. بأغلبيته، ولم يكن [[طه حسين]]، وحده، يحمل تلك الآراء المعروفة عن مستقبل الثقافة في [[مصر]] ولا [[إسماعيل صديق]] باشا .. إياه .. ولا الدكتور عزمي ولا..).<br />
<br />
ويعدد أماء كثيرة ليؤكد حقيقة مغرضة يريد أن ينفذ إليها ومنها ليؤكد عبث عروبة [[مصر]] واتجاهها في ذلك الوقت .<br />
<br />
ومع ذلك، أو رغم ذلك فقد نجد النشاشيبي أن يخدع [[عبد الناصر]] نفسه وكما سنرى الذي قال عنه في الحلقة التاسعة تحديداً إنه (لولا رضى الله ورحمته، وقلب [[عبد الناصر]] ومحبته، لما عدمت محرراً أو كاتباً أو موظفاً أو زميلاً يفرغ رصاص مسده في صدري..).<br />
<br />
لقد لعب الدور جيداً، واستطاع أن يكسب كل القلوب حوله لتحقيق الهدف الذي جاء إليه ومن أجله في [[مصر]] وهو ما يتبدى أكثر في علاقاته الوثيقة والحميمة (والموظفة) جيداً مع [[الصهاينة]] والأمريكان في ذلك الوقت.<br />
<br />
إنه ي[[مارس]] هذا الدور بأكثر من طريقة: إما أنه يستخدم أسلوب النقل عن الآخرين، وإما ينقل لنا ما يريده بشكل مباشر من المصادر المعادية لأمتنا العربية أو إنه كثيراً ما يردد أحداثاً خطيرة (تصب بالطبع في التيار المضاد للأمة العربية) خلال السما ع والنقل عن الآخرين، فكثيراً ما يقول (سمعت عن..) أو قال لي صديقي إنه (سماع عن المبعوث الأمريكي [[روبرت أندرسون]]..) وعرفت أن [[ابن جوريون]] يصرح بأن .. (و) قيل لي في واشنطن بلسان رجال الخارجية الأمريكية ورجال البيت الأبيض بأن .. بل لا يتردد في أن يقول لنا بضمير المتكلم (التقيت مع السفير ال[[إسرائيل]]ي [[موشيه ساسون]] ثاني سفير ل[[إسرائيل]] في [[مصر]]..) ويطيل في حلقات كاملة وينقل عنه ما يريد نقله.<br />
<br />
وما يقوله عن ساسون (صديقه!!) يقوله عن [[موشي ديان]] الذي التقى به أيضاً.<br />
<br />
ويعجب المرء ويتساءل مع البعض هنا سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل [[موشي ديان]] في مكتبه بتل أبيب في الحادية عشرة مساء، وأن يتشاور معه في عدة قضايا حساسة لا يمكن إثارتها مع شخص لا تربطه صلة سابقة مع ال[[إسرائيل]]يين ولا يعرف [[موشي ديان]] معرفة شخصية!! بل ويسمح له وحده بالدخول إلى مكتب [[ليفي أشكول]] برئاسة الوزارة ال[[إسرائيل]]ية (وكان رئيساً للوزراء حينئذ) ليتحدث معه في قضايا سياسية على جانب كبير من الخطورة، ورغم تحذيره من أن رئيس الوزراء مريض بالقلب فإن لقاءه به طال لأكثر من ساعة .. وطال قضايا في غاية الخطورة.<br />
<br />
الأكثر من هذا أننا نفهم قرب نهاية الحلقات أنه كان يكتب (مذكراته) عما كان يحدث في [[مصر]]، فهل كانت مذكرات حقا .<br />
<br />
يسأل المرء وهو يتابع رواياته التي يفترض معها أن قارئه يغفل التاريخ ويغفل دلالة الأحداث أو الشخصيات التي كانت تتحالف من أجل هزيمة الجبهة العربية، إنه يتحدث عن هذه (المذكرات) حين يقول في براءة مقيتة أو يسأل بشكل يبدو فيه حائراً أو متحيراً: (ولا أدري كيف وصلت تلك المذكرات إلى الخارج، حتى أن البروفيسور [[برنارد لويس]]، أستاذ الدراسات [[الإسلام]]ية في جامعة برنستون الأمريكية..) وهو يفترض في هذا أننا لا نعرف أن [[برنارد لويس]] أشهر مستشرق يهودي يلعب أدواراً كثيرة ضدنا، وأنه رأى برنارد مازال يلعب أدواره [[الصهيونية]] بالاتفاق مع الدولة [[الصهيونية]] في خطورة لا تمر هكذا على القارئ اللبيب فضلاً عن المتابع للأحداث من المثقفين والباحثين.<br />
<br />
لقد كـان محل ثقة [[موشي ديان]] إلى حد بعيد، وكانت علاقاتـه بأشكول وساسون وغيرهم من ال[[إسرائيل]]يين تستعصي على الفهم، لكننا الآن خلال اعترافاته بنفسه ندرك أن لها دلالات كثيرة تؤكد أنه لعب دوراً مريباً في هذا الوقت إلى درجة أن البعض مازال يسأل عن سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل وزير الدفاع ال[[إسرائيل]]ي بمكتبه بتل أبيب ([[أحمد حمروش]]) ودفعت بآخر بأن يسأل سؤالاً له إجابة أيضاً: هل كان النشاشيبي جاسوساً على [[عبد الناصر]] وعلى المجتمع ال[[مصر]]ي طيلة السنوات التي قضاها في [[القاهرة]]. وعندما انتهى من مهمته سافر إلى [[القدس]] والتقى مع رؤسائه ديان وأشكول ([[وائل الإبراشي]]) ويقول قريباً من هذا [[وائل قنديل]] .. وغيرهم كثيرون ممن وعوا أن حضور الوعي كان من الوضوح بحيث يعبر عن نفسه بهذا الدور الذي لعبه ضد الأمة العربية ومع أعدائها .. إن حضور الوعي الطاغي هنا ليس له غير تفسير واحد نعرفه جميعاً ..<br />
<br />
'''يقول الكاتب في الجزء 24'''<br />
<br />
فهل يجوز يا معلمي الكبير أن يترك تحديد العلاقة بين أكبر دولة عربية "[[مصر]]" وأكبر دولة في العالم "أمريكا" إلى حفنة من الجواسيس الهواة من أمثال [[مايلز كوبلاند]]، و[[إيفلاند]]، و[[كيم روزفلت]]، و[[إيجلبرجر]] ..<br />
<br />
===الفصل الثامن: أصداء غائبة===<br />
<br />
[[عبد الناصر]] .. رومانسي أم ثائر ؟!<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] رومانسياً؟<br />
<br />
هذا ؤال يلح على المدقق في حياة [[عبد الناصر]] الأولى ـ بل [[الثورة]] وبعدها.<br />
<br />
هل كان [[عبد الناصر]] ثورياً؟<br />
<br />
سؤال آخر يحاول أن يفرض نفسه حين تمضي السنوات ب[[عبد الناصر]] إلى حقبة بعيدة من [[ثورة يوليو]].<br />
<br />
'''وهو ما يضعنا في دائرة الحيرة؛ أو في دائرة السؤال الذي نجده في العنوان:'''<br />
<br />
[[عبد الناصر]] رومانسي أم ثائر؟<br />
<br />
ويظل السؤال معلقاً، ليس مع مراجعة مواقف [[عبد الناصر]] وخطبه فقط، وإنما ـ أيضاً ـ مع ملاحظة بعض كتابات معاصريه من المثقفين، حين كانوا ينظرون إليه من بعيد ويرددون الكثير عن هذه الرومانسية أو يتهمونه، وكانوا جميعاً يعودون إلى موافه الكثيرة أو كتاباته المتناثرة هنا وهناك.<br />
<br />
غير أن الوثيقة التي يمكن الاقتراب بها من حافة السؤال كانت دائما كتابه (فلسفة [[الثورة]]) الذي نشر قرب منتصف الخمسينيات من هذا القرن.<br />
<br />
ورغم أننا نستطيع أن نضيف إلى (فلسفة [[الثورة]]) كثيراً من الوثائق الأخرى مثل (الميثاق) أو (بيان 30 [[مارس]]) وخطب [[عبد الناصر]] وتحولاته وممارساته في هذا الاتجاه، فإن التوقف عند (فلسفة [[الثورة]]) له أهمية تفوق غيرها، فهي تحمل الملامح الأولى المكتوبة للفكر الرومانسي والذي لن يلبث أن يتحول من الحلم إلى الواقع عبر الممارسات التجريبية في السنوات التالية حتى نهاية الستينات.<br />
<br />
فضلاً عن أن التمهل عند (فلسفة [[الثورة]]) كان يعني ـ منذ البداية ـ أن الفكرة العربية تعني تصعيد إنجازاتها من [[مصر]] منذ البداية، فعلى الرغم من أن أفكار القومية العربية وتنظيراتها الأولى كانت تعرف في المشرق خاصة مع ظهور [[حزب البعث]]، فإن (فلسفة [[الثورة]]) كانت تعني تحول هذه الفكرة وتجسيدها في الوطن / الإقليم ([[مصر]]).<br />
<br />
ف[[عبد الناصر]] فيما يبدو في الفترة الأولى من الخمسينيات كان يجد أن الدور ال[[مصر]]ي هو الدور الأول في إنجاز عملية الوحدة، وهذا قدرها ومصيرها.<br />
<br />
كماهو قدر البطل صاحب الدور ومصيره.<br />
<br />
وفي هذا نستطيع أن نشير ـ عرضاً ـ إلى العديد من كتابات [[خالد محمد خالد]] وفتحي غانم و[[لويس عوض]] .. وغيرهم، غير أن أهم الكتابات التي تلقي بأضواء ساطعة على المرحلة الأساسية في حياته، والتي نستطيع أن نتعرف فيها أكثر أو نقترب من هذا السؤال يظل هذا الكتيب صغير الحجم كبير القيمة (فلسفة [[الثورة]]) ل[[جمال عبد الناصر]]. وربما كان لوي عوض أقرب هؤلاء إلى التحليل لشخصية [[جمال عبد الناصر]] في ذلك الوقت، او إلى (الدور) الذي اقتنع [[عبد الناصر]] نفسه أن الدور الذي يجب أن يضطلع به.<br />
<br />
كان [[عبد الناصر]] في الفترات الأولى التي نضج فيها وعيه وتهيأ ليلعب دوره في الحياة العامة إنه كثير الشرود، كثير التفكير في الواقع حوله، وفي فلسفة [[الثورة]] التي كتبت في مرحلة قريبة من قيام [[الثورة]] يلاحظ أنه لم تفارقه هذه السمة "الشرود المستمر"، وهو يذكر هذا بوضوح شديد حين يذكر أنه وهو جالس شارداً في إحدى المرات مع أفكاره ألحت عليه قصة مشهورة للشاعر الإيطالي [[بيرانديللو]]، وأطلق عليها هذا الاسم (ست شخصيات تبحث عن ممثلين).<br />
<br />
وهنا نلاحظ دلالة تغيير اسم المسرحية وعنوانها الأصلي (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) ويلتقط [[لويس عوض]] هذا الخطأ غير المقصود، موجهاً تفسيره إلى ما أسماه (الخطأ والنسيان الفرويدي) لم تحمله هذه العبارة من معنى أن [[عبد الناصر]] كان يسعى إلى دور البطولة ولي المؤلف.<br />
<br />
أو بدور البطولة التي تقوم بصنع الأحداث، أو إعادة صياغتها كما تحددها صياغة أفكاره الآتية من هذا الشرود (الفرويدي) الذي يحمل معان لم يكن ليقصد الكاتب الاعتراف بها، بينما تجيء على اللان على شكل إسقاط غير مقصود.<br />
<br />
إن العبارة الخاطئة تحمل دلالة صحيحة في معناها الخفي.<br />
<br />
وسوف نذكر عبارة [[عبد الناصر]] قبل أن نعود إلى وضعها في سياقها العام، يقول [[عبد الناصر]] في كتابه (فلسفة [[الثورة]]. ص ص 69، 70) بعد أن يتحدث عن الدوائر الفاعلة في المنطقة العربية:<br />
<br />
"إن ظروف التاريخ مليئة بالأبطال الذين صنعوا لأنفسهم أدواراً بطولية مجيدة قاموا بها في ظروف حاسمة على مسرحه.<br />
<br />
وأن ظروف التاريخ أيضاً مليئة بأدوار البطولة المجيدة التي نجد بعض الأبطال الذين يقومون بها على مسرحه، ولست أدري لماذا يخيل إلي دائماً أن في هذه المنطقة التي نعيش فيها دوراً هائماً على وجهه يبحث عن البطل الذي يقوم به، ثم لست أدري لماذا يحيل إليّ أن هذا الدور الذ أرهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا قد استقر به المطاف متعباً منهك القوى على حدود بلادنا يشير إلينا أن نتحرك، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به.<br />
<br />
وأبادر هنا فأقول أن الدور ليس دور زعامة، إنما هو دور تفاعل وتجاوب مع كل هذه العوامل، يكون من شأنه تفجير الطاقة الهائلة الكامنة في كل اتجاه من الاتجاهات المحيطة بها. ويكون من شأنه تجربة لخلق قوة كبيرة في هذه المنطقة ترفع من شأن نفسها وتقوم بدور إيجابي في بناء مستقبل البشر".<br />
<br />
ويعود بعدها [[عبد الناصر]] ليستطرد حول دوائره والدور الذي يتحدث عنه أو يبحث عنه في اللاشعور.<br />
<br />
====الخروج من الميثولوجيا====<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نرى كيف تخرج الرومانسية مع مرور الأحداث وتراميها وتحديها لكثير من العوائق التي تأتي من الشمال .. من الحلم المكبوت في اللاوعي إلى الواقع، تخرج من الذات إلى المجتمع.<br />
<br />
كانت هذه الرومانسية تقترب من المجتمع العربي بقدر ما تبتعد عن الفرد لدى [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ورغم أن شخصيته منذ فترة مبكرة غلب عليها ح غامض بالحزن والحيرة فضلاً عن الغضب مع تطور الأحداث كما رأينا في حرب 48 وبعدها (هناك رصد واف لفكرة القومية العربية في هذا الإطار لدى ([[مادلين نصر]]) في كتابها عن [[عبد الناصر]] .. فإن هذه الشخصية لم تستطع أن تظل في إطار الفردية المطلقة، إذ سرعان ما تنحو إلى الفعل في فترة محددة، يكون التقاطع فيها بين العام والخاص دافعاً لمغادرة الذات إلى المجتمع كما رأينا بالفعل (نستطيع رصد هذا الخروج في الأدب خاصة سواء في الغرب في القرن الثامن عشر أو في [[مصر]] مع عشرينات هذا القرن..).<br />
<br />
وهنا، يكون القائد قد خرج من إطار الميثولوجيا الفكرية إلى التطور العملي، وبدت الفكرة الرومانسية في حالة تجسيد مع الفكر العملي، وبدأ السياسي يتماهى مع الاجتماعي.<br />
<br />
إن فترة التحول من الفكر الرومانسي إلى الفكر الثوري نجده لديه منذ فترة مبكرة في كثير من المواضع في هذه (الفلسفة..)، إن أحد أفراد القوة المحاربة التي كانت تمثل معه قوى ([[مجلس قيادة الثورة]] فيما بعد) اقترب من [[عبد الناصر]] أثناء الحصار للفالوجة، '''وقال له في نبرة عميقة وفي عينيه نظرة أعمق:'''<br />
<br />
(لقد قال لي: اسمع..، إن ميدان الجهاد الأكبر هو [[مصر]]).<br />
<br />
وهنا يستطرد [[عبد الناصر]] أكثر أنه لم يجد في [[فلسطين]] الأفـراد الذين يمكن أن يشاركوه في الكفاح والتصدي للقوى ال[[إسرائيل]]ية وإنما أيضاً التقى "بالأفكار التي أنارت أمامه السبيل".<br />
<br />
وهو يعني أن هذه الفترة كانت الرومانسية مازالت تسيطر على فكره، وإن كانت تعمل ـ جنباً إلى جنب ـ على تحويل هذا الحلم إلى واقع، أو كان يسير الحلم جنباً إلى جنب بجانب الواقع، فما كان يحدث في [[فلسطين]] نبه القائد إلى أنه "ما كان يحدث في [[مصر]]، والمهم، كيف يمكن تحويل الحلم ـ قبل أن يتخثر ـ إلى واقع، ولكن هنا، في الدولة الإقليم [[مصر]]، حيث يمكن ـ بعد القضاء على الأعداء الداخلين ـ إلى رأس حربة ضد القوى المعادية ليمكن تحقيق الوعد العربي بالوحدة.<br />
<br />
على أن مراجعة التطور الذي كان يحدث في دخيلة [[عبد الناصر]] كان يشير أن الأمر لم يستمر طويلاً في الحديث عن الواقع وحسب، وإنما كان لابد من الخروج عن السؤال القوي الطاغي على كل ما عداه لقسوته (كيف)، كيف يحدث كل ما حولنا، إلى سؤال آخر، هو (لماذا) .<br />
<br />
لماذا يحدث هذا كله دون أن نتحرك.<br />
<br />
الحركة كانت هي الدافع الجديد وراء كل ما حدث طيلة الخمسينات.<br />
<br />
إن (فلسفة [[الثورة]]) تزخر بالغضب والسخط، ولكنها ـ أيضاً ـ تنذر بكيفية الخروج من هذا كله. <br />
<br />
الوسيلة للخروج كانت هي الشاغل في المرحلة التالية أو نتيجة لها.<br />
<br />
والجغرافيا هنا كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوسيلة.<br />
<br />
تظل الوسيلة هي الشغل الشاغل ل[[عبد الناصر]] في إطار هذا الواقع لكي يتم الانفلات منه.<br />
<br />
كانت الوسيلة هي كيفية الخروج من معنى (الانقلاب) ــ بعد 23 [[يوليو]] إلى الوعي (ب[[الثورة]]).<br />
<br />
وكانت الوسيلة هي كيفية الخروج من الحلم الذي عاش فيه طويلاً إلى تجسيده في أحد ـ وأهم ـ دوائر التغيير التي شغلته في (فلسفة [[الثورة]]) وهي الدائرة العربية.<br />
<br />
بل كانت الوسيلة من الجموح، بحيث أنها أرادت أن يحدث التغيير بسرعة بعد تحويل الحلم إلى واقع بقيام [[ثورة يوليو]]، وربما كان هو الباعث الرئيسي لسخط [[عبد الناصر]] على الجماهير في هذه الفترة.<br />
<br />
فبمجرد أن قامت [[ثورة يوليو]] كانت ينتظر [[عبد الناصر]] الجماهير لتجسيد الوسيلة، وسيلة التغيير، لكنه، لم يجد ـ كما تحدث ـ '''هذه الجماهير تحوطه لتحول الحلم إلى واقع آخر فاجأه، يقول:'''<br />
<br />
"ــ فاجأني الواقع بعد [[يوليو]] 23 [[يوليو]].<br />
<br />
قامت [[الطليعة]] بمهمتها واقتحمت سور الطغيان، وخلعت الطاغية ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة الهدف الكبير.<br />
<br />
وطال انتظارها.. (و) .. ولكن ما بُـعد الحقيقة عن الخيال.<br />
<br />
لم يتنبه القائد أن الجماهير كانت في حاجة للتنظيم وإلى منح الفرصة للظهور وكان الخيال عند [[عبد الناصر]] غير هذا الواقع، فالجماهير العربية في [[مصر]] ـ مثل أي جماهير عربية في الأقطار الأخرى ـ يحول بينها وبين التعبير مئات الأشياء، ثم أنها تحتاج لمن ينبهها أكثر إلى وسيلة التغيير، ولمن يشحذ إرادتها أكثر، ويجلي بصيرتها أكثر، فقد كانت سنوات الطغيان والاستعمار طويلة بما يكفي لإحداث الصدمة النفسية لدى الجماهير.<br />
<br />
كان الحلم الرومانسي أقوى من الواقع وأبعد عنه إلى حد ما.<br />
<br />
====المعركة الحقيقيـة====<br />
<br />
بيد أن [[عبد الناصر]] سرعان ما عاد إلى الحقيقة، ليكتشف ذلك. لقد اكتشف أن معركته ليست أن يبحث عن الجماهير، فهي سوف تتحرك معه أبى أم رفض، وإنما تظل المعركة ضد هذه القوى الداخلية الطاغية، التي تحول بينه وبين نمو أحلامنا بعيداً عن أن تتحول ـ بفعل الطغيان ـ إلى كابوس مدمر.<br />
<br />
اكتشف هذا أكثر، حيث لاحظ أن هذه القوى المعادية للثورة في الداخل أو الخارج كانت تسعى للقضاء على حلم القائد / الجماهير.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، اكتشف [[عبد الناصر]] أن الوسيلة هي الطريق إلى ما يريد، إنه يستهل الجزء الثاني من (فلسفة [[الثورة]]) '''بهذين السؤالين:'''<br />
<br />
ولكن ما الذي نريد أن نصنعه..؟<br />
<br />
وما هو الطريق إليه..؟<br />
<br />
ويؤكد أن كان يعرف الإجابة عن السؤال الأول أما الإجابة عن السؤال الثاني "طريقنا الذي نريد" فأنا أعترف أنها تغيرت في خيالي كما لم يتغير شيء آخر.<br />
<br />
لقد اكتشف [[عبد الناصر]] أن العمل الإيجابي للخروج من أسر الحلم هو الطريق الوحيد للوصول إلى غايته.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نكتشف أن أكثر الطرق وعياً كان قد توصل غليها في الخمسينيات، أو أن الطريق إلى الرومانسية قد تخلله أو سار معه طريق العمل المنظم للجماهير ـ ومع ـ الجماهير العربية.<br />
<br />
لقد كان امتزاج الرومانسية بالوسيلة هو الطريق الذي مهد لتجسيد القومية العربية في الخمسينات.<br />
<br />
إن [[عبد الناصر]] بعد أن يتحدث عن هذا الدور الذي يبحث عن بطل، يستعيد في القسم الثالث ـ وهو دائم استعادة الحلم ـ كيف تبلور فكره منذ كان طالباً في الكلية الحربية لدروس التاريخ التي كانت تؤكد الوعي العربي إزاء الحملات الصليبية (الغربية) المضادة، ثم بدأ الفهم يتضح أكثر وهو طالب في كلية أركان الحرب في [[فلسطين]]، ثم بدأت الفكرة تصل إلى أقصاها حين توصل إبان الحرب في [[فلسطين]] إلى أن القوة، والقوة العربية وحدها هي التي تستطيع أن تكون اللغة ـ الوحيدة في هذا العالم ـ التي يفهمها العدو وتأكد هذا من مدفعية [[أحمد عبد العزيز]] ونضال [[فوزي القاوقجي]]، كما يذكر تجربة كان لها الأثر الكبير في تأكيد الوعي القومي وتحويل الأسطورة إلى واقع، فهو حين يذكر سراً من أسرار [[فلسطين]] (يذكر في قرب منتصف الخمسينيات، لاحظ الموقع الجغرافي)، '''ويسرده على هذا النحو :'''<br />
<br />
"كان البعض وضع خطة جريئة للقيام بعمل حاسم "وعربي" ضد القوات ال[[إسرائيل]]ية".<br />
<br />
(كانت الخطوط البارزة في تلك الخطة هي أن قوات التحرير العربية لا تملك طيراناً يساعدها في المعركة ويرجح النصر إلى كفتها، ولو أنها حصلت على معونة من الجو بضرب مراكز فوق ميدان العملية، لكان ذلك عاملاً فاصلاً، ولكن من أين لقوات التحرير العربية بالطيران لتحقيق هذا الحلم).<br />
<br />
====البطل الملحمي====<br />
<br />
بقية الخطة أن يقوم سلاح الطيران ال[[مصر]]ي بمهمته لو كان بمساعدة المطارات السورية، كان لابد أن يشارك العرب في خطة واحدة.<br />
<br />
ورغم أنه لم يقيض لهذه الخطة أن تتم، فإنها تشير إلى هذا الوعي المتطور لدى البطل العربي في [[مصر]]ب، وعثوره على الوسلية التي سيطورها أكثر فيما بعد في الخمسينات لتحويل الرومانسية إلى واقع حين أصبح خاصة بعد [[مارس]] [[1954]] ــ هو القائد / البطل الملحمي المنتظر.<br />
<br />
ثمة إشارات كثيرة كانت تؤكد نمو الوعي العربي عبر (الوسيلة) الفعالة، كان يتأثر لما يحدث لل[[فلسطين]]يين اللاجئين الممزقين عبر الخيام، أو يكاد يبكي ويسهر للصباح لمرأى طفل تحت براثن الحصار فتخرج إلى الخطر أمام سياط الجوع تبحث عن لقمة عيش .. إلخ.<br />
<br />
غير أن المهم، أن [[عبد الناصر]] في الخمسينات كان قد حول (الحلم) الرومانسي إلى (وسيلة) فعاجل لتحقيق الوحدة العربية.<br />
<br />
لقد تحول [[عبد الناصر]] من بطل درامي "إلى بطل ملحمي، أو إذا جاز لنا استخدام مجازه، غدا الشارع الذي يروي سيرة [[مصر]] على ربابته، بدلاً من أن يحركه كالدمية على مسرحه" على حد تعبير [[لويس عوض]].<br />
<br />
كان على البطل الملحمي الآن أن يقوم بدوره بعد أن توصل إلى (الوسيلة) لذلك فقد بدأ بالفعل يوالي تحقيق انتصاراته على المستوى العربي، ويصعد الثورات العربية ضد المحتل الأوروبي، بيد أنه عبر ذلك النضال المستمر لتعبئة الشارع العربي وتحرير الأوطان العربية لم يتنبه أنه دخل في منطقة الخطر، منطقة المصالح الأمريكية.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، بدأت سلسلة من المعارك من أجل القومية العربية مع العدو الأمريكي ثمن [[عبد الناصر]] ثمنها كثيراً.<br />
<br />
====ثمن [[الثورة]] العربية====<br />
<br />
كان على [[جمال عبد الناصر]] أن يحول حلمه إلى حقيقة، فبدأ الصراع الكبير مع الغرب يأخذ أبعاده المعروفة بتأميم [[قناة السويس|القناة]] ومبادئ 61/62 وتأميم القطاع الأجنبي والإقطاعي الداخلي وحاول أن يحول مبادئه الستة التي أعلنها صبيحة قيام [[الثورة]]، وتحويلها لتأكيد الوجود الوطني ال[[مصر]]ي، ومن ثم العربي، ثم بدأت متاعبه الحقيقية لا مع الغرب الأوروبي ولكن مع الغرب الأمريكي.<br />
<br />
وقد حدث هذا عقب عدوان [[1856]] مباشرة (بانفصال [[سوريا]]) وبدأ دوره الإيجابي في (الحرب الأهلية ال[[لبنان]]ية) وحرب [[اليمن]]، ثم كانت هزيمة [[1967]] وأعقب ذلك [[حرب الاستنزاف]] التي شارك فيها عدد كبير من الأقطار العربة التي تأثرت بجهود [[عبد الناصر]] العربية.<br />
<br />
على أنه بمجيء الهزيمة ([[1967]]) حتى كان [[عبد الناصر]] قد أدرك أن وسيلته الفعالة لتحدي الغرب ــ والأمريكي خاصة ــ توشك أن تأخذ شكلاً جديداً، ومن ثم، فإنه راح يغير استراتيجية المواجهة بعد حدوث العديد من الأحداث التي اعترضت مركبته العربية في المحيط الكبير.<br />
<br />
نقول تغيير استراتيجية المواجهة؛ لا تغييبها.<br />
<br />
لقد انتهى الآن عصر الرومانسية وبدأ عصر الواقع الحقيقي.<br />
<br />
لقد خرج [[عبد الناصر]] (بوسيلته الفعالة) الواعية عبر المركب العربي إلى التحديات التي أودت به إلى الهزيمة.<br />
<br />
وهو ما يقال معه، أن الحلم الذي تحول إلى حقيقة لم يستطع أن يكتمل إلى نهايته كان [[عبد الناصر]] قد عبر من زمن بعيد عصر الرومانسية الثورية إلى الثورية العربية الفعالة.<br />
<br />
وكان [[عبد الناصر]] قد اجتهد طويلاً لتظل الراية العربية مرتفعة قدر ما يستطيع، ودفع الكثير من أجل هذا، من أموال [[مصر]] وأبنائها، ثم من سنوات عمره التي أراقها وأنفاسه القليلة؛ انطلاقاً من حقيقة مؤداها "أن العمق الاستراتيجي العربي ل[[مصر]] يحميها في مواجهة [[الصهيونية]] التوسعية.."، ومن ثمَّ، فإن حصاد السعي إلى الوحدة مع [[سوريا]] ــ على سبيل المثال ـ أو مرارة الانفصال؛ لم يرتد به إلى موقف مغاير رغم صدمة هزيمة [[1967]] وإحباطها .. وهو ما يطرح ـ بالتبعية ـ أسئلة بدهية.<br />
<br />
هل انتهى الثائر مع هزيمة [[1967]]؟<br />
<br />
هل غاب البطل في الظلال وما لبث أن سقط على خشبة المسرح؟؟.<br />
<br />
المسرح العربي الكبير المليء بالجثث العربية الأخرى.<br />
<br />
وهل أسدل الستار على نهاية الثائر؟.<br />
<br />
ثم هل راح الجمهور العربي يؤكد (بصورة الكورس) أن البطل الملحمي سقط لكي يبعث من جديد، كما ايزوري في الأسطورة العربية القديمة؟<br />
<br />
باختصار لم نعد في حاجة لنسأل : هل كان [[عبد الناصر]] رومانسياً أو ثورياً؟<br />
<br />
إنما الإجابة التي أحكمها التاريخ أنه بدا بطلاً ملحمياً ننتظره جميعاً.<br />
<br />
لم يرحل أو رحل وسيعود ثانية، فالواقع العربي اليوم ينتظر [[عبد الناصر]] الثوري، الذي يستطيع أن يقف في وجه محاولات الغرب الأمريكي الوقح والمتفجر كراهية لنا، وفي حاجة لمن يقف في وجه الرأسمالية البشعة المتوحشة التي تعى إلى فرض إرادتها على الواقع العربي عبر الأسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات.<br />
<br />
والإعلام المجتمعي الآتي إلينا من الغرب في عصر العولمة (الأمريكي) البغيض، وانتهى ثورياً عربياً واعياً.<br />
رحل الثائر لكننا مازلنا ننتظره ليقوم بالدور الذي حدثنا عنه في أحلامه / أحلامنا الأولى، وغضبه / غضبنا الذي كان.<br />
<br />
بعيداً عن الثرثرة .. قريباً من [[الثورة]] !<br />
<br />
وبعيداً عن ثرثرة الورق التي تنهض في آن لآخر لتقييم [[عبد الناصر]] و[[ثورة يوليو]] .. هذه محاولة لإعادة النظر في الناصرية وهي ـ أي الناصرية ـ في الأصل تعبير عن اتجاه سياسي عملي تجريبي أكثر منها تعبيراً عن (دوجما) بعينها.<br />
<br />
الكتاب لا يسعى مثل كثير من كتابات هذه الأيام إلى تصفية حسابات أو اتجاه يعمق رأي بعينه وإنما يتنبه وهو يتحدث عن (الناصرية والسلام) ـ تحرير [[عبد الحليم قنديل]] ومشاركة عدد كبير من مثقفينا ـ إلى أن العنوان فرضه وصول الرأسمالية الشرية إلى ذروتها في نهاية [[القرن العشرين]] .<br />
<br />
وبهذا المعنى، فإن الناصرية التي يعاد النظر فيها الآن بمنطق نهاية [[القرن العشرين]]، تسعى إلى التنبه لما أصبحنا فيه وقد سقطت الكتلة الشرقية وتهاوى سور برلين وزاد الحديث عن (العولمة..) وآليات النظام العالمي الجديد خاصة فيما يعقب هذا من عسكرة العولمة إبان 11 [[سبتمبر]] وبعدها.<br />
<br />
إن الناصرية في الخمسينات والستينات تحدت الغرب الذي كان يريد السيطرة على مقدراتنا واتجهت نحو التنمية والتأميم والتحول الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي كما ساعدت قوى التحرر العربي ودخلت في حروب داخلية وخارجية كثيرة لئلا يترك الغرب يجوس بين ديارنا.<br />
<br />
والناصرية كتجربة متطورة يمكن أن تسعى الآن إلى هذا الهدف لو أحسنا قراءتها في ضوء نهاية هذا القرن.<br />
<br />
وبمراقبة سياسة أهل العولمة الآن وأدبياتها نعثر على يقين يتلخص في تأكيد سيادة العالم الغرب على أهل الجنوب في كتاب "[[هنتنجتون]]" الأخير عن ([[صراع الحضارات]]) نراه يرصد لأطروحة "[[فوكوياما]]" مؤيداً ما فيها من انتهاء الحرب الباردة وانتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم جديد هو عالم (الأمركــة) في حين يرى "[[فوكوياما]]" أن "نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية [[الديموقراطية]] العربية على مستوى العالم كشكل نهائي".<br />
<br />
إن "[[هنتنجتون]]" يؤكد في أكثر من موضع على انتهاء حرب الأفكار "ف[[الديموقراطية]] الليبرالية الشاملة قد انتصرت" وحين يصل إلى عبارة "[[فوكوياما]]" أن صراع الأفكار انتهى وبدأ صراع آخر اقتصادي وفني نراه يعلق على "[[فوكوياما]]" بأنه ينهي كلامه بأسف قائلاً أن "ذلك سيكون مضجراً".<br />
<br />
وكان "[[فوكوياما]]" ـ وراء "[[هنتنجتون]]" ـ يريد أن يقنعنا أن حرب الأفكار كانت خيراً من الهيمنة التي تتخذ أبعاداً سياسية واقتصادية ومعرفية الآن لتحويل العالم إلى (سوق) للغرب الأمريكي.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الناصرية الآن ـ إذا أحسن قراءتها ـ يمكن أن تكون فاعلة في زمن يتم تدويل الرأسمالية فيه بالشركات الاقتصادية متعددة الجنسيات. وتدويل الثقافة والحضارة والرؤية الغربية عبر شركات إعلامية عابرة للقارات، وهناك عدد صغير من هذه الشركات (خمس عشرة شركة) تتحكم في كافة المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية والإعلانية في العالم. بل إن أربع وكالات أنباء رأسمالية وهي ([[رويتر]] – [[اسوشيتد برس]] – [[يونايتد برس]] – [[فرانس برس]]) تحتكر فيما بينها 80% من إجمالي تدفق المعلومات الدولية، وتكرس هذه الوكالات من أنبائها لدول الشمال. <br />
<br />
وتتصدر وكالات ومؤسسات الأنباء التابعة للولايات المتحدة مجمل وسائل الهيمنة الثقافية والإعلامية في العالم، وتسيطر على 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التليفزيونية، و90% من إجمالي الأخبار المصورة و82% من إنتاج المعدات الإعلامية والإليكترونية و90% من المعلومات المخزنة ـ المعطيات ـ في الحاسوبات الأليكترونية .. وغير بعيد هنا حين أعلن ـ في بعض الصحف الغربية ـ أن جميع أجهزة الكومبيوتر الأمريكية فيها أجهزة حساسة في غاية الضآلة تابعة للمخابرات الغربية، تتحكم في أكثر آليات العولمة شراسة. <br />
<br />
وهو ما يشير في النهاية إلى أن السياسة الأمريكية ـ بوجه خاص ـ أصبحت الآن تسعى (باقتصاد السوق) للسيطرة على مقدراتنا العريبة و(باقتصاد المعرفة) على مقدراتنا العلمية والإليكترونية .. إلى آخر هذه المنظومة الغربية التي تريد القضاء على شعوب الجنوب ليمكنها السيطرة على عالم تحرك فيه الدمى كما تشاء دون عنف أو مواجهة رجل من نوع [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ومن يراجع سياسات الشمال وأدبياته في السبعينات ـ بعد رحيل الزعيم ـ يعرف أن الناصرية إذا أحسنا قراءتها يمكن أن تكون فاعلة ويعرف أن السياسات الأمريكية المخابراتية ـ كما أوكد في وقتها ـ لن تسمح بعودة [[عبد الناصر]] مرة أخرى والقضاء لا يكون الآن على الرمز وحده وإنما يتسلل إلى الواقع نفسه.<br />
<br />
وهو يعزز هذه الاجتهادات التي بين أيدينا لنشير ـ فيما يشبه التأكيد ـ على أن السياسة العملية ل[[عبد الناصر]] في مواجهتها للعالم حوله لم تكن لتتعارض مع أية عقيدة ومن هنا، نجد كتابنا يعود بنا إلى قضايا هامة في الإشارة لتجربة [[عبد الناصر]] وفكره.<br />
<br />
من هذا هل الناصرية تتعارض مع [[الإسلام]]؟<br />
<br />
وهي قضايا نضطر للعودة إليها لبداهتها في هذه الأيام التي مازالت الناصرية تهاجم من بين أهلها.<br />
<br />
والنظر إلى بعض ثوابت الناصرية يمكن أن نعثر فيها على بعض الملاحظات البدهية أيضاً كما يوردها [[عبد الحليم قنديل]]، وسوف نشير إلى بعضها بشكل ريع: فالأيديولوجية الناصرية هي أيديولوجية مساواتية، تؤمن مع الكفاية الإنتاجية بعدالة التوزيع وتكافؤ الفرص، وتؤمن بقيمة العمل كحق وواجب، ومصدر للسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية. فالمساواة في [[الإسلام]] حرة وقيمة مقدسة، والمساواة لا تعني "المثلية" بل تعني أن تتساوى الفرص كأساس مقبل للثواب أو العقاب في الدنيا والآخرة، كما كان [[عبد الناصر]] دائماً يقول دائماً و[[الإسلام]] لا يعترف بأي ثروة أو جاه لا يكون مصدره العمل أو الميراث ويحرم الاستغلال والربا تحريماً قاطعاً .. والمساواة قيمة لعبت أبلغ الأدوار في التاريخ [[الإسلام]]ي ويذهب في هذا "[[ليونارد بايندر]]" إلى أن مبدأ المساواة [[الإسلام]]ي تجسد في رغبة [[عبد الناصر]] بإنشاء مجتمع سياسي موحد، واستعاضته عن نظرية الحسم الدموي لصراع الطبقات في الماركسية بمبدأ المساواة، وهو ما يفيد في دعم وحدة الشعب ضد الإمبريالية ويوجد الطبقات الحضرية والريفية وصغار الملاك.<br />
<br />
ثم إن الناصرية أيديولوجية شعبية، ليست أيديولوجية فئة أو طبقة بذاتها (قرأنا أول أمس من يتهم الناصرية بأنها طبقية)، إنها أيديولوجية أغلبية الشعب الحالمة بالمساواة والوحدة، أيديولوجيا الشعب المهاجر إلى المثال منشود، ناصرية تنحاز للكثرة الكادحة ضد القلة المسيطرة و..إلخ.<br />
<br />
بيد أن أهم القضايا هنا تتحدد في علاقة [[عبد الناصر]] بالوحدة العربية.<br />
<br />
وهي قضية تزداد أهميتها الآن في عصر الكتب الضخمة القومية أو غير القومية التي تحاول أن تؤثِّر بالإيجاب ـ لصالحها ـ (في الاقتصاد العالمي والأدوات المعرفية الصاعدة) فما موقف الناصرية من هذه القضية.<br />
<br />
إن الأيديولوجية الناصرية توحيدية، والتوحيد القومي ـ يتفق في هذا كل من [[عبد الحليم قنديل]] و[[محمد عمارة]] وعدد كبير من أصحاب الإسهام في هذا الكتاب ـ هي الوجه الآخر للتوحيد الديني.<br />
<br />
إن هذا الرأي يتفق فيه عدد كبير من المشاركين في هذا الكتاب نذكر منهم [[عبد الحليم قنديل]] و[[محمد عمارة]]، كما يمكن أن نضيف إليهم مع تعدد الزوايا [[أحمد صدقي الدجاني]] و[[طارق البشري]] و[[مجدي رياض]] و[[علي مبروك]] و[[أحمد بن بله]] و[[قاسم عبده قاسم]] .. وغيرهم.<br />
<br />
لقد كانت وثنية الجاهلية تجد رموزها في تعدد آلهة القبائل، وجاء التوحيد الديني ليوحد هوية القبائل والشعوب المستعربة ويدمجها في أمة ودولة، ومن هنا كانت "العروة الوثقى" بين التوحيد الديني والتوحيد القومي، وبلغ من ارتباط التوحيد القومي بالديني حداً اعتبرت معه وحدة الدولة حقاً تقتضيه فريضة الزكاة الدينية، ومن ثم كان قتال خلافة أبي بكر لمن ارتدوا عن وحدة الدولة القومية رغم إيمانهم بأصول الدين.<br />
<br />
فضلاً عن أن للناصرية عدد من الأقلية [[الإسلام]]ية ـ كما يحددها عابد الجابري ـ هي الله والإنسان والطبيعة ونظرة ونظرة الناصرية إلى الله هي النظرة المستقرة إسلامياً ذات الطابع التوحيدي بلا شبهة، الناصرية تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسالاته، أما الطبيعة فإنها محكومة بسنن تتبدل، والمجتمع بتطور قوانينه وصراعاته "التي لا يمكن إنكارها" وكل شيء يبدأ بالإنسان قائد التطور التاريخي والاجتماعي والعمل الإنساني هو المناخ الوحيد للتقدم، وكل ما يعيق إرادة الإنسان، ويحد من فاعلية دوره، مواقف غير إنسانية وغير أخلاقية وجب على الإنسان التصدي لها كما يقول [[جمال عبد الناصر]].<br />
<br />
وإذا كـان [[عبد الناصر]] تنبه كثيراً في كتابه المبكر (فلسفة [[الثورة]]) إلى الدائرة العربية، فإنه لم يغفل معها الدائرة [[الإسلام]]ية، على اعتبار أن الدوائر الثلاثة ـ الثالثة الأفريقية ـ يمكن أن تمثل (بيان) [[الثورة]] في سنواتها الأولى.<br />
<br />
ومن هنا، فإن الدائرة [[الإسلام]]ية كانت تحت لديه مكانة ملحوظة.<br />
<br />
فمن الملفت للنظر أن الحضارة [[الإسلام]]ية الآن في عصر العولمة أكثر ما تستحوذ على فكر أصحاب العولمة.<br />
<br />
ويلاحظ [[هنتنجتون]] ـ منذ البداية ـ أن الصراع القادم بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى (وفي مقدمتها [[الإسلام]]) لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً، بل سيكون ثقافياً، يفصل فكرته أكثر حين يقول أنه بعد الحرب الباردة سوف يتم الصراع بين حضارات تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة، وسوف يكون هذا الصراع عند خط جديد "هو الآن الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب [[الإسلام]]ية والأرثوذكسية من ناحية أخرى. العلاقات الاجتماعية والعادات والنظرات الشاملة للحياة تختلف تماماً.. " إلى آخر تأكيده لهذه الخلافات العميقة التي ستكون ـ في المستقبل ـ وها نحن في مستقبل الغرب أو نهاية التاريخ كما يرى ـ في الحد الفاصل بين هذه الحضارة العربية ونظيرتها [[الإسلام]]ية.<br />
<br />
لا نريد أن نلخص كتاب [[هنتنجتون]] عن صراع حضارة الغرب التي هي الآن الحضارة الأمريكية في الشمال و(إعادة صنع النظام العالمي) ــ وهو العنوان الثاني في كتابه، ولكي أصل إلى ما نريده تأكيده هو أن العولمة الآن تفرض رسم خريطة يستخدم فيها كل التاريخ وكل الجغرافيا لانتصار حضارة الغرب على غيرها وذلك في غيبة الدولة الوطنية التي عرفناها مع [[عبد الناصر]] والحكومة القوية التي تستطيع مجابهة الشركات متعددة الجنسيات وآليات العولمة..إلخ.<br />
<br />
والعودة إلى الناصرية، سوف تذكرنا باهتمام [[عبد الناصر]] الكبير بالعقيدة ـ كأحد وأهم أدوات الصراع ضد الغرب ـ منذ فترة مبكرة، وبهذا، فإن المطلوب هنا لا يكون باختلاق الصراع كما يحاولون هم ذلك، ولكن أن يصل الوعي إلى أقصاه حين ننتبه إلى أن خريطة إدارة الأزمات التي يضعها الغرب إنما يريد خلالها القضاء على حضارتنا باستخدام الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وهو ما نلاحظ التنبه إليه في فلسفة [[الثورة]] منذ فترة مبكرة عند [[عبد الناصر]] والذي اختزل كل المحاولات ؟؟؟ سواء في دعوة [[حسن البنا]] (عصبة إسلامية) أو [[مالك بن نبي]] في (الكومنولث [[الإسلام]]ي) أو ما كان قد دعا إليه [[عبد الرحمن الكواكبي]] في بداية القرن.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى تفسير عديد من المعارك التي خاضها [[عبد الناصر]] مع بعض الحكام الرجعيين سواء من العرب أو [[الإسلام]]يين أو هذه العشائر والقبائل التي من الداخل أو القوى الشرسة في الغرب ضد العولمة قبل أن تظهر العولمة.<br />
<br />
وقبل أن نعرف ثرثرة الورق في نهاية القرن.<br />
<br />
====بين الماضي والمضــارع====<br />
<br />
أيضاً كان السيناريو الذي سينتهي إليه ما حدث في [[اليمن]] الآن : الوحدة، الانفصال، الاستنزاف (الأرجح هو الأخير) .. فمن المؤكد أنه سيخلف في الوجدان العربي دوياً عميقاً.<br />
<br />
وهي آثار حاول [[جمال عبد الناصر]] منذ نيف وثلاثين عاماً أن يتحاشاها حين أعلنت الحركة الانفصالية في [[سوريا]] (28 [[سبتمبر]] [[1961]])، ففي هذه التجربة الدامية حاول [[عبد الناصر]] أن يخفف من آثار ما حدث بألا يقع في خطأ مثل الذي ارتكبه من دعا إلى الانفصال وحاول تنفيذه بقوة السلاح .<br />
<br />
نفس الحدث أو قريب منه حدث في عالمنا العربي لأكثر من مرة، ومع ذلك، لم نستفد به مرة واحدة، وكان التاريخ حسب المقولة الخاطئة يكرر نفسه، في كل مرة، بنفس الأسباب ونفس النتائج ..إنه الحدث بين الماضي القائم "والمضارع المستمر" ..<br />
<br />
لقد أعلنت الوحدة بين [[اليمن]]ين ـ الشمالي والجنوبي ـ بنفس الشكل الذي أعلنت فيه الوحدة بين القطرين ـ الشمالي والجنوبي، [[مصر]] و[[سوريا]] ـ، وفي الحالتين انتهت كما بدأت، غير أن النهاية رسمت في كل تجربة خطأ مغايراً لغيره، من حيث تطور الأحداث وتفاقمها، وبعيداً عن خلفيات الوحدة [[اليمن]]ية والملابسات التي أجهضتها في النهاية، وكلنا نعرفها الآن، فإن الوحدة ال[[مصر]]ية ـ السورية، وطريقة إجهاضها تحتاج أكثر للتذكر، ليتأكد لنا أن الوحدة لا تتم بمعزل من الشعوب ولا تفصم بمعزل عن الشعوب (مـا هو الفارق بين [[علي صالح]]، و[[حيدر الكزيري]]؟) وإنما لابد وأن تتم بوعي الشعوب الذي لابد وأن يسبقه التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور [[الدستور]]ي ..<br />
وهذه بدهية تحمل لنا مشهدين اثنين: الأول في وحدة اليوم، والآخر في وحدة الأمس؛ الأول تمثل في رفض أن تكون [[سوريا]] الأمس هي (يمن اليوم)، والآخر تمثل في رفض الزعيم العربي اليوم ألا تكون [[سوريا]] الأمس هي يمن اليوم، إن [[اليمن]] الجنوبي الآن نراها: مستشفيات تكتظ بالجرحى، وتحتاج إلى أطباء، وأدوية، وبيوت تحترق ومدارس ومباني تهدم، ومياه تنقطع، وأوبئة تنتشر، والقصف حتى في المستشفيات والمطارات لا ينقطع، الصواريخ تحط يومياً على أحياء ك[[المنصورة]] و[[القاهرة]] و[[الشيخ عثمان]]، ويمتد المشهد ليحمل يومياً الدمار لمحطات توليد الكهرباء وحرائق وانفجارات وقتلى وجرحى ودمــار، ويظهر في الصورة [[علي صالح]] ليختفي ويحل محله بسرعة متشددين عسكريين يساندهم تجمع من النواب يرفض وقف إطلاق النار أو وساطة عربية أو غربية، وتستمر المذبحة في عدن وحضرموت والمطار الرئيسي والمكلا..إلخ.<br />
<br />
ونبتعد قليلاً عن المشهد المعاصر، لنعود إلى مشهد الأمس يعلن في [[سوريا]] الانفصال، فيغضب [[عبد الناصر]] ويرفض ويصيح في إذاعة [[القاهرة]] (.. واجب أن نمنع هذه الجريمة)، وعلى الفور تصدر أوامر [[عبد الناصر]] لإرسال قوات إلى [[سوريا]] للقضاء على الحركة الانفصالية، ولكن يدرك فجأة أن ما يمكن أن يحدث يمكن أن يكون ضد الوحدة نفسها، ولنترك ل[[عبد الناصر]] يقول في اليوم التالي للانفصال (29 [[سبتمبر]]) '''بحكمة وحنكة شديدتين:'''<br />
<br />
(أصدرت الأوامر بنقل لوائين من المظلات إلى اللاذقية .. أُصدرت الأوامر إلى القوات البحرية لتتحرك .. وأصدرت الأوامر بمصادرة كل سفننا واستخدامها في نقل القوات / وكان الموقف يستدعي التفكير .. هل يُسفك دم العربي بالعربي؟ فأصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بأن تعود جميع الطائرات التي كانت متجهة إلى اللاذقية .. أما الآخرين أدّيْنا لهم أمر بالرجوع .. وأصدرت الأوامر للقوات التي نزلت اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة وبأن تقدم نفسها وتسلم نفسها..)<br />
<br />
قال [[عبد الناصر]] بعد ذلك بقليل أن الوحدة يجب أن تكون اقتصادية أولاً، وثقافية، أولاً، قبل أن تكون عسكرية أو (دستورية .. وأدرك أن التعامل مع الانفصال بالعنف يمكن أن يكون ضد فكرة القومية العربية في ذاتها.<br />
<br />
ونعود إلى المشهد المعاصر لنكتشف أنه مقطوع الصلة بمشهد الأمس، ونكتشف أن العالم تغير، ولكننا لم نتغير قط، تفكك [[الاتحاد السوفيتي]] بفعل الحرص على الوحدة (بالعنف)، وتوحدت القارة الأوروبية بفعل الحرص على الوحدة (بالفكر)، الأو استخدم السلاح والآخر (الاقتصاد)، الأو جنى سوء فهمه للواقع، والآخر سيجني ثمار فطنته في الواقع .<br />
<br />
أعلم أن العالم تغير حولنا، لكن أعلم أيضاً أننا لم نتغير بعد بدليل أننا نعرف، ونعيش، مازلنا في "المضارع المستمر".<br />
<br />
إذا ذهبت لزيارة السد العالي، وتوقفت أمام تمثال ضخم لزهرة اللوتس، ونظرت إلى الجزء الأعلى فيه ستجد شيئاً مروعاً، ثمة حفر أسود لصورة [[جمال عبد الناصر]] باللون الأسود وقد أعيد الحفر عليها بلون أسود قان صورة الرئيس السادات تسأل ولا تعرف، وإذا عرفت لا تفهم .. وإذا فهمت فلابد لك من أن تكون قد عدت إلى الشمال قليلاً، لمدينة طيبة ([[الأقصر]]) وتتجول بين جدرانها ومعابدها ومقابرها البحرية لابد لك من أن تتوقف عند طريق الكباش بمعبد الكرنك، وتعرف ـ والعهدة على الحفر والخراب ـ أن رمسيس الثاني قد اغتصب الكباش من ملك قبله يرجح أنه حور محب الذي شيد البيلون الثاني الذي ينتهي به طريق الكباش الأصلي.<br />
<br />
فيما بعد، نعرف أيضاً، أن كاهناً جاء ومحـا بدوره ـ طمعاً في السلطة المجد ـ اسم رمسيس الثاني من على الكباش ونقش اسمه بدلاً منه ولا تكون في حاجة شديدة لتدرك أن رؤوس الكباش القائمة أعلى رقبة الحيوان انتزعت من مكانها رأس آخر لملك آخر يحمل سمات أخرى تنتقل في كثير من المعابد أو بين القصور القديمة، لتدرك، أن حتشبسون أممت ما قبلها من الآثار، ومحت الكثير من أسمائها، واستبدلت به اسمها وأمجادها تعود إلى معبد [[الأقصر]]، تمر فيه، فتجد على اليمين هيكلاً شيدته حتشبسوت وأمامه صف من الأعمدة الرشيقة من الجرانيت الوردي يمثل كل عمود منها حزمة من سيقان البردي تمضي قليلاً لتكتشف ـ أيضاً ـ أن تحتمس الثالث قد محى اسم حتشبسوت من على الأعمدة وسجل اسمه بدلاً منها تحدق أكثر، فتكتشف أن رمسيس الثاني، نفسه، بقوته وجبروته، لم يتردد في محو اسم حتشبسوت ليضع اسمه هو مكانها فإذا مضيت إلى الجدار الشرقي قليلاً، ستجد خرطوشة منقوشة باسم حور محب الذي اغتصب البهو باسمه، فقد كان نفس البهو هو الذي يقدم فيه الملك رمسيس الثاني البخور والقرابين المقدسة.<br />
<br />
ثم جاء أمنحتب الثالث ليسطو ويدمر ويمحو آثار الجميع.<br />
<br />
هدم هيكل أبيه!!.<br />
<br />
ثم هدم هيكل تحتمس الثاني!!.<br />
<br />
كما هدم معبد حتشبسوت!!.<br />
<br />
واستخدم آثار كل هؤلاء لبناء معابده وقصوره .. إلخ.<br />
<br />
ثم يجيء الابن إخناتون، ليدمر الكثير، ويمحو الكثير، ونستطيع أن نميز ببساطة في معبد الكرنك كيف أحدث إخناتون ـ او رجاله ـ كشطاً لعديد من أسماء آمون من داخل الخراطيش الملكية .. ثم يجيء كهنة آمون ـ فيما بعد ـ ليقوموا تحت إمرة زوج ابنته بمحو الكثير من آثار الشاب الذي يدعو لإله جديد وتقاليد جديدة ..<br />
وتتوالى سور المحو أو الحفر أو التخريب في كل العصور الفرعونية حتى يجيء أبسماتيك الثاني في نهايات العصر الفرعوني ليمحو الكثير من آثار الملوك السابقين، ويسجل اسمه هو، وتتوالى موجات الغزاة والملوك حتى ليعجب المرء أن يجد في معبد واحد (هو معبد [[الأقصر]]) آثار تخريب أو استبدال لكثير من الملوك بدءاً من ملوك الأسر الأولى إلى حرائق الفرس، وتماثيل الإسكندر الأكبر المحفورة، وأشكال بطليموس الرابع المفروضة، وتتوالى آثار من كنيسة وجامع و.. إلخ.<br />
<br />
وتعود إلى الرمز الزهري المنصوب أمامك لتجد الحفر على زهرة اللوتس أمامك يتكرر، وكأنه يريد أن يمحو عصر [[عبد الناصر]].<br />
<br />
ونعود غلى سؤال يلح عليك: ماذا تبقى من [[جمال عبد الناصر]] ؟<br />
<br />
ليس الشاهد بالقطع؛ وإنما "المشروع" .. المشروع الوطني.<br />
<br />
====حين يتحول المهادن إلى بطل====<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير!! .<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير لموقف [[فتحي غانم]] الغاضب من [[ثورة يوليو]] حتى نرى في كتابه الذي صدر نقداً موضوعياً ل[[ثورة يوليو]] ولزعيمها الراحل في مثل هذه الأيام من ربع قرن، وإنما هي طبيعة المثقف ال[[مصر]]ي، الذي يتحول فيه إلى (نمط) معين من أنماط المثقفين، وهو نمط يتغير دوماً ـ لدى الأغلبية ـ من عصر لعصر، وفي كل مرة يحاول المثقف القفز من عقدة الذنب إلى تبريرها، وفي ؟؟ هذا التبرير كثيراً ما يغير الأحداث ويبدل الزوارق، ويتحول المثقف المهادن إلى (بطل) في زمن آخر.<br />
<br />
وليس هذا وقفاً على كاتب كبير مثل [[فتحي غانم]] في كتابه (معركة بين الدولة والمثقفين)، وإنما ـ أيضاً ـ على عدد كبير من المثقفين الذين كانوا نجوماً في عصر [[عبد الناصر]]، حتى إذا ما انقضت السنوات بعد رحيله، وخفت نجم الزعيم وقوته ودولته حتى عادوا ليملئوا عن بطولاتهم ومصادرهم ومواقفهم الشجاعة.<br />
<br />
إنهم يحاربون طواحين الماضي بسيف "[[دون كيشوتي]]"، في غيبة رموز هذا الماضي ومصادر قوته.<br />
<br />
ومما يؤكد على هذا في حالتنا أن [[فتحي غانم]] هو يحاول إعادة تركيب الأحداث (كما يريد) لا يجد وثائق أو مواقف محددة يستطيع التدليل بها، فيقع في محظور الخلط، وتصبح حالة إنتاج الذاكرة تزييفاً لوقائع في غيبة أصحابها أو شاهدي العيان عليها والأخطر من هذا كله، أنها تكتب لأجيال جديدة لم تعرف هذا العصر، ولم تختبر فيه طبيعة النمط أو ذاك من أنماط مثقفينا التي تغيرت وتبدلت كثيراً.<br />
<br />
إن الكاتب لا يتوقف عن سرد أحداث ـ كأنه عاشها وحده ـ مبرراً كثيراً من المواقف ـ نشرت لأول مرة في جريدة أسبوعية لقارئ محدد ومتعجل ـ، مستغرقاً في الحكي عن حالات التعذيب المريعة، بالتعميم، ودون مسئولية لإحداثها قط، كما يزعم أن له دور بطولي اقتضاه أن يحكي عنه الآن، كذلك يزعم أن الأمن كان أقوى من الثقافة والمثقفين، وهو زعم، لا ننكره ـ ولكنه يجيء هنا في معرض تبرير مواقف المثقفين وحسب.<br />
<br />
وهو بعد ذلك كله، يزعم أنه شهد عدداً من الأحداث كان بريئاً منها، وفي أحسن الحالات لم يأخذ غير دور المتفرج فقط، وعلى سبيل المثال، فإن المثال الأخير يتوقف بنا حينما قرر [[عبد الناصر]] تأميم الصحافة أو السيطرة الكاملة على الصحافة).<br />
<br />
ويزعم [[فتحي غانم]] هنا أن هذا القرار ـ قرار تأميم وتنظيم الصحافة ـ كان مفاجأة بالنسبة له، متجاهلاً وإنه كان أحد رجالات العصر، عرف كثيراً من الأحداث أو الرارات قبل وقوعها، ببساطة ـ ليقوم بدور الممهد والمبرر لكثير منها، وفي حالة تأميم الصحافة، فقد ذكر أنه عرف موجات التأميم الكبرى من [[علي صبري]]، وفي الوقت نفسه يزعم ـ لا نعلم كيف ؟ ـ أنه لم يكن لديه أي تصور لما حدث من تأميم الصحافة في 24 مايو [[1960]] حين قرر [[عبد الناصر]] تأميم الصحافة.<br />
<br />
إن صاحب (الرجل الذي فقد ظله) يرسم لنا صورة كيف استدعاه مساعد سامي شرف صباح هذا الحادث وذلك أثناء تناوله لفطوره (الليدو) بنادي الجزيرة (!!) ويبلغه، بشكل درامي، أراد أن يضيف إليه مشاهد من الإرهاب ـ كيف تقرر حضوره لاجتماع قرره [[عبد الناصر]]، مع بقية الصحفيين.<br />
<br />
ويزعم هنا الكاتب الكبير أنه أسرع إلى الاجتماع المفاجئ، وكأنه أراد أن يقول لنا أنه لم يكن ليعلم بالسبب الذي استدعي من اجله، وكأنه أراد أن ينسينا أنه كان أحد الأدوات التي استعان به النظام ممهداً لقرار التأميم.<br />
<br />
والواقع أن [[فتحي غانم]] كان قد عرف اتجاه الريح مبكراً من [[علي صبري]] ـ أو من غيره ـ. بل كان عليماً بالمقالات التي يكتبها [[علي صبري]] في ذلك الوقت بإيحاء من السلطة العليا لتغيير كثير من المواقف والأحداث، ولا نغالي إذا قلنا أن [[فتحي غانم]] كان مهيئاً مع غيره من السادة المسئولين الكبار ليلعب دوره المنتظر منه ليمهد لقرار [[عبد الناصر]] لتأميم الصحافة.<br />
<br />
ويبدو أن عدداً ليس بالقليل من رؤساء التحرير في ذلك الوقت كانوا قد عقدوا صفقة خفية بينهم وبين النظام خاصة، ليلعبوا دوراً في التمهيد لهذا القرار. بدليل أن رؤساء التحرير بعد تنظيم الصحافة الذي أجري في المرة الأولى أثناء وجود [[الإتحاد القومي]] ظلت أسماؤهم في مقدمة الأسماء التي حصلت على أكبر قدر من النفوذ في صحفهم، ولم ينتقص من نفوذها السابق شيئاً، ومن هؤلاء ظل [[إحسان عبد القدوس]] في [[روز اليوسف]] مضافاً إليه [[فتحي غانم]] كما هو.<br />
<br />
ولا يعني هذا أن كل المثقفين شاركوا مبكراً في التمهيد لهذا القرار، وإنما كان السبب لدى البعض ـ ك[[إحسان عبد القدوس]] ـ ظروف مادية اضطر إليها فطفق يدعو إلى التأميم، لكن ذلك لم يكن بمعزل عن التنبه إلى اتجاه الريح، غير أن هذا التنبه لما تريده السلطة دفع بالبعض أن يدعو إلى تأميم السلطة فيكون ملكياً أكثر من الملكيين، حتى أن [[عبد الناصر]] ـ كما أكد لي [[إحسان عبد القدوس]] ـ أخذ مقالة لإحسان ووقع عليها أمر بالتأميم بما يدل للعلاقة بين المثقف والسلطة وطبيعتها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ويتسق مع هذا الكثير من مواقف المثقفين الآخرين وفي مقدمتهم [[فتحي غانم]] نفسه.<br />
<br />
لا يعني هذا أننا ندافع عن قبضة الأمن في الفترة الناصرية، ولكننا لا ندافع عن تخاذل كثير من المثقفين الذين أصبحوا في موقف المهادنين والمؤيدين بدون تردد، متنقلين بين المكاتب الفاخرة والمناصب العالية، والنوادي التي كانت ماتزال مفتوحة لأولاد الباشوات والطبقة السوبر الجديدة.. إلخ.<br />
<br />
ومن أجل هذا ارتاح عديد من المثقفين إلى توجهات النظام وتأييده بشكل مسرف، تحول إلى شكل آخر ـ في نظام آخر ـ إذ أصبحنا الآن أمام من يزعم أن هناك معركة كانت تدار بين الدولة والمثقفين (لاحظ الإجمال في التحدث عن المثقفين)، وأن هؤلاء المثقفين، خاصة من كان منهم في مناصب رفيعة، واضطروا تحت الضغط الديكتاتوري إلى اتخذ مواقف لم يرضوا عنها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ينتهي كتاب [[فتحي غانم]] ولا نخلص من سؤال: هل كانت المعركة حقاً بين المثقفين (على إطلاقهم) والدولة؟<br />
أم كانت بين عدد من المثقفين حرصوا على مكاسبهم فهادنوا وعرفوا الصمت الجميل حتى إذا ما جاء زمن آخر نزعوا أقنعة التأييد إلى أقنعة البطولة، ورجعوا إلى حيث يريد المثقف أن يكون دائماً؟ ..<br />
<br />
أسئلة لا تحتاج للإجابة عنها ..كما لا تحتاج إلى الواقع ليتحول هذا المثقف من المهادن؟ بعد الفترة الناصرية إلى أبطال..؟ أليس كذلك؟<br />
<br />
الولاء .. نموذج أخطاء كثيرة نقرأها كل يوم، ونعرفها وهي تمضي فوقنا، كالسحاب، دون أن نأبه غن كان هذا السحاب قد يمطر، أم أنه من قبيل السراب الذي يتشوف إليه الساري في الصحراء.<br />
<br />
من هذه الأخطاء ما زعمه لنا أحد الزملاء (غير المحترمين) في كتاب صدر أخيراً عن دار ب[[القدس]] المحتلة، وهاجم فيه أغلب الصحفيين ال[[مصر]]يين، ولم ينس، في صحيفة الدفاع عن الحقيقة، أن ينال من صديقه الوحيد الذي دافع عنه أثناء ذهابه إلى [[القدس]] في نهاية الستينيات، لقد قال عن [[أحمد بهاء الدين]] بالحرف الواحد أنه (هاجم الناصرية لحساب [[السادات]] بعد موت [[عبد الناصر]]) جاء هذا في معرض نقد كل المثفين ال[[مصر]]يين.<br />
<br />
فهل فعل المثقف هذا؟ ، وهل هاجم [[أحمد بهاء الدين]] [[عبد الناصر]] بعد رحيله؟<br />
<br />
وكيلا تكون إجابتنا من قبيل الدفاع وحسب، فإننا نشدد هنا على أمرين اثنين، أحدهما، أن عددا كبيراً من الصحفيين ال[[مصر]]يين الذين عاشوا في عهد [[عبد الناصر]] و(أكلوا خبزه) ارتدوا بالفعل بعد رحيله منهم [[توفيق الحكيم]] و[[يوسف إدريس]] و[[صالح جودت]] و[[فكري أباظة]] و[[إبراهيم الورداني]] و[[ممدوح رضا]] و[[فتحي غانم]] .. إلخ غير أن الواقع اختلف بالنسبة إلى [[أحمد بهاء الدين]] ـ وهنا يبدأ الأمر الآخر ـ أن بهاء لم يكن هو المثقف الذي يؤيد ثم يرتد، بل نستطيع القول بأن بهاء ظل، وحتى مرضه الأخير ـ شفاه الله ـ يدافع عن [[عبد الناصر]]، ولم يعرف عنه هجوماً على الزعيم رغم ما كلفه هذا كثيراً، حين كان الهجوم شجاعة وتصفية حسابات إبان حكم [[السادات]].<br />
<br />
وأقصى ما نستطيع قوله أن بهاء كان مسايراً لنظام [[عبد الناصر]] دون خوف وإنما عن اقتناع تام مؤداه أن ثورة الزعيم شهدت ـ منذ سنواتها الأولى ـ إنجازات ثورية (لنذكر: إلغاء الألقاب، التحول إلى الجمهورية، محرابة الفساد والسعي للتطهير، تمليك الفلاحين للأرض باسم [[الإصلاح]] الزراعي، مؤتمر باندونج، الموقف الوطني إزاء الغرب، صفقة السلاح، رفع راية الكرامة القومية، صمود [[1956]]، اتحاد [[مصر]] و[[سوريا]]، ازدهار القومية العربية، تأميم [[قناة السويس]]، بدء مشروعات التصنيع..إلخ) والمعروف أن بهاء شارك ـ بالفعل ـ في النظام فسافر في اللجنة ال[[مصر]]ية للتضامن الآسيوي – الأفريقي لتساهم [[مصر]] في حركة التحرر الوطني في قارتي أفريقيا وآسيا عام [[1957]] ليمثل [[مصر]] في تهنئة [[نكروما]] بانتصارات أفريقيا، بل كان من أول الصحفيين الذين سافروا إلى [[سوريا]] إبان الوحدة، وأكثرهم نشاطاً مطوفاً في [[سوريا]] من حمص إلى حماه إلى حلب إلى جبل العرب (الدروز) إلى الحسكة. إلى غير ذلك من الجهود التي ام بها ـ عن طيب خاطر وناعة ـ وسافر إلى أكرا بعد سنتين، ليمثل النظام. بل كان أكثر الكُتَّاب دفاعاً عن [[عبد الناصر]] بعد هزيمة [[1967]] وتأكيداً للمعركة إبان مظاهرات الطلبة واستنكار الأحكام الهزيلة على المسئولين وغياب [[الديموقراطية]] .. نستطيع أن نقول أن ذلك كان من قبيل الدفاع عن عبد الانصر، رغم أن هذا البيان في هذا الوقت أغضب [[عبد الناصر]] نفسه، فقد كان الزعيم يتخوف من أي مظاهرات أو لجاجات؟؟ نقابية في وقت كان يتأهب فيه لإعادة النظام لمواجهة [[إسرائيل]] من جديد.<br />
<br />
والواقع أن ذلك كله لا يكفي للدفاع عن بهاء (يهمنا الدفاع عن الحقيقة أولاً) وربما كان مسئولاً عنه لدى البعض أن بهاء ذهب في تأييد النظام إلى درجة أنه رأى النظام لم يقبض على صاحب رأي، وأن من قبض عليهم كانوا (كوادر) تنظيمية أو حزبية.<br />
<br />
كان [[بهاء الدين]] يرى أن الذين يقبض عليهم في عصر [[عبد الناصر]] كانوا من ذوي الانتماء التنظيمي وكان الانتماء الصحفي غير الانتماء التنظيمي.<br />
<br />
بيد أن هذا القول مردود عليه أن النظام في أكثر من مرة دفع ببعض أصحاب الرأي في السجون دون أن يكونوا من ذوي الانتماء السياسي، إذ كان (الولاء) أكثرما يحرص عليه من أصحاب الثقة، وهي أخطاء يمكن أن تذوب في إنجازات [[الثورة]] الوطنية التي ارتكبت من الأخطاء في مرحلة (التجربة) مما لا يمكن أن يحول كل إنجازاتها إلى سلبيات.<br />
<br />
كان بهاء مسايراً للنظام، نعم، ولكن ليس عن مهادنة، وإنما عن اقتناع ولم يكن من أصحاب (مسك العصا من النص) قط، ففي معرض التفسير النفسي لبهاء يمكن القول أنه كان ذا طبيعة هادئة تقترب من الانطواء، وتقتنع بما تراه صواباً، وهو ما حدث من تأييده للثورة في سنوات الانتصارات، أما حين أصبحت الهزيمة واقعاً عقب هزيمة [[1967]]، فإن الطبيعة الهادئة يمكن أن تتحول إلى تمرد، قام به [[بهاء الدين]] من داخل (نقابة الصحفيين) وكان مستعداً لتقبل نتائجه كاملاً.<br />
<br />
إذن، فإن [[بهاء الدين]] حين أيد [[عبد الناصر]] عام [[1967]] كان صادقاً مع نفسه، وحين هاجمه عام [[1968]] كان صادقاً مع نفسه أيضاً، فتكوين بهاء هو المسئول عن المواقف التي اتخذها، مما ينفي عنه تهمة الهجوم على [[عبد الناصر]] بعد رحيله كما يزعم أحد الزملاء المحترمين.<br />
<br />
==القسم الثاني: وثائق==<br />
<br />
===قاعة اجتماعات===<br />
<br />
مسرح في [[القاهرة]]<br />
<br />
'''دور سينما في [[القاهرة]]:'''<br />
<br />
- استديو [[مصر]] يبني دار سينما في [[القاهرة]] ـ أو أكثر.<br />
<br />
- استديو [[مصر]] يقوم بالإنتاج والتوزيع في [[مصر]] وجميع أنحاء العالم.<br />
<br />
- بحث حالة استوديو [[مصر]] كلها ـ خطة استوديو [[مصر]] لخمس نوات.<br />
<br />
'''- خطة لكل شركة في المؤسسة الاقتصادية:'''<br />
<br />
بنك [[مصر]].<br />
<br />
الخمس سنوات.<br />
<br />
المصناع الحربية.<br />
<br />
بالإضافة إلى خطة لكل منها: للمؤسة ـ لبنك [[مصر]] ـ للخمس سنوات ـ للمصانع الحربية بالنسبة للمشروعات الجديدة.<br />
<br />
'''مشروع الخمس سنوات :'''<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الصناعي.<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الزراعي.<br />
<br />
- الزيادة في الرقعة الزراعية.<br />
<br />
- الزيادة في الدخل القومي.<br />
<br />
- الزيادة في السكان.<br />
<br />
- الزيادة في التصدير.<br />
<br />
وزارة الشئون البلدية والقروية :<br />
<br />
1- الإسكان وبرامجه – في المدن.<br />
<br />
2- الإسكان وبرامجه – في الريف.<br />
<br />
3- الاهتمام ب[[القاهرة]] حتى القناطر الخيرية، وحتى حلوان من ناحية نظافة الأحياء الفقيرة.<br />
<br />
ولو دعي الأمر إلى زيادة عمال النظافة وتقسيمها إلى أقسام أو مناطق ومتابعة المسئوليات.<br />
<br />
- الاهتمام بحلوان وإنعاس حقيقة الحياة فيها ـ إنعاش الجزء القريب من النيل <br />
<br />
ـ عمل كورنيش ومساكن – المياه المعدنية استخدامها على طريقة سوتش في [[روسيا]] <br />
<br />
– بحث حالة المنطقة من [[القاهرة]] إلى حلوان ـ المعصرة ـ طرة .. إلخ ـ نقل السجن والاستفادة من المنطقة بحي المعادي أو عمل مؤسسة جديدة لمنطقة ـ طره ـ لتخطيطها ... إلخ. ومن المنطقة من طره إلى [[حلوان]] .. من النيل إلى الجبل.<br />
<br />
- بحث حالة المنطقة من شبرا إلى القناطر على النيل ـ كوبري شبرا، سوق القناطر سينقل ويصلح الطريق إلى القناطر.<br />
<br />
- حالة العزب من القبة إلى كوبري شبرا:<br />
<br />
نادي – استاد رياضي.<br />
<br />
مبنى [[الإتحاد القومي]] ـ الاهتمام بنظافة عواصم المراكز ـ لا مانع من زيادة عمال النظافة ـ هذا يزيد عدد العمال ـ أدكو مثلا في منتهى القذارة – رشيد – أبو قير – قليوب ... إلخ.<br />
<br />
- دراسة مشروع Community Center ب[[الهند]].<br />
<br />
بحث فكرة فصل الشئون البلدية عن الشئون القروية.<br />
<br />
الشئون البلدية للمدن فقط.<br />
<br />
الشئون القروية تشمل كل ما يتعلق بالقروية.<br />
<br />
- Community Center.<br />
<br />
- الوحدات المجمعة.<br />
<br />
- كل ما يختص بالقرية في وزارة الشئون الاجتماعية والشئون القروية.<br />
<br />
دار للسينما لتكون مسرح.<br />
<br />
===القرى ===<br />
<br />
- مشروع لإعادة بناء القرى في عشرين عاماً.<br />
<br />
- البدء بالقرى المحيطة ب[[القاهرة]] ـ والمحيطة ب[[الإسكندرية]] ـ وأسوان ـ [[الأقصر]]. يمكن إعطاء القرى إعانة لذلك من الحكومة.<br />
<br />
- مسكن القرية ـ كيف يتكون على أن يكون أرخص ما يمكن.<br />
<br />
- مشروع لتوصيل الكهرباء إلى القرى كل قرية قريبة من مصدر كهرباء تصلها الكهرباء.<br />
<br />
- نظافة القرية.<br />
<br />
- ساحة شعبية بالقرية.<br />
<br />
- مبنى للاتحاد القومي.<br />
<br />
- ناد للقرية.<br />
<br />
- سينما للقرية في القرى الكبيرة.<br />
<br />
- الاعتماد على المدارس في القرية لتكون نواة للنشاط الثقافي ودار للكتب وجامعة شعبية ومتحف.<br />
وكذلك الاعتماد على الوحدات المجمعة.<br />
<br />
===التأمين الصحي وبحثه ودراسته ===<br />
<br />
عام: بحث علاقة وزارة الشئون البلدية أو المجال البلدية بالمستشفيات العامة.<br />
<br />
===آسيا وأفريقيا ===<br />
<br />
- يجب الاهتمام بآسيا وأفريقيا من ناحيتين:<br />
<br />
أ- التضامن الآسيوي الأفريقي.<br />
<br />
ب- الاستفادة من العناصر [[الإسلام]]ية في بلاد آسيا وأفريقيا بطريقة غير مثيرة للأديان الأخرى.<br />
<br />
- مكتب لآسيا وأفريقيا في رئاسة الجمهورية يبحث كيفية توثيق العلاقات مع الحكومات والشعوب ـ القوة العفوية؛ أي التأييد الشعبي لنا، ويبحث التبادل التجاري والثقافي مع دول آيا وأفريقيا - ويفتح سياستنا بالنسبة للإذاعة ويتصل اتصالات شخصية.<br />
<br />
===أما الناحية [[الإسلام]]ية===<br />
<br />
- الاتصال بجمعية العلماء ب[[الهند]].<br />
<br />
- الاتصال بالجمعيات [[الإسلام]]ية الأخرى، والشخصيات [[الإسلام]]ية ودعوتها لزيارة الجمهورية العربية.<br />
<br />
- واستمرار إرسال مناوبين من طرفنا لزيارة هذه البلاد من الفكر [[الإسلام]]ي أو [[الأزهر]] أو الشبان المسلمين.<br />
<br />
===[[الأزهر]] ===<br />
<br />
- يجب إعادة النظر في برامج [[الأزهر]] بسرعة. وقد لمست في جامعة .... كيف تحولت إلى جامعة بها كليات مختلفة لدراسة الهندسة وعلم النفس، ويمكن أن تنشأ في [[الأزهر]] كليات جديدة للهندسة والعلوم والتجارة والحقوق ـ يقتضي الدخول فيها على من درس في [[الأزهر]] ـ والمسلمين من جميع أنحاء العالم على أن يكون بها أيضاً كليات للشريعة [[الإسلام]]ية والفقه واللغة العربية واللغات الشرقية.<br />
<br />
حيث أن [[الأزهر]] فقد قيمته كلية في العالم إذ أن أي شخص سيتعلم في [[الأزهر]] لا يعمل إلا مقرئاً ولا يجد أي عمل آخر.<br />
<br />
- يمكن أن تشمل الدراسة في الهندسة الديانة [[الإسلام]]ية بجانب الهندسة .<br />
<br />
والديانة [[الإسلام]]ية بجانب العلوم ـ وهذا يستدعي أن تتشعب البرامج في الدراسة الابتدائية والثانوية ب[[الأزهر]] لتكون مشابهة للدراسة في المدراس الابتدائية والثانوية العادية مع دراسة الدين [[الإسلام]]ي بالتفصيل واعتباره علماً أساسياً.<br />
<br />
- كذلك بالنبة للملابس ـ هناك نقطة هامة وهي أن لبس المشايخ يدعو في آسيا للخرية وقال سفيرنا في إندونيسيا أن هذا اللبس يدعو غلى شل كل فكره؛ لأن الأطفال يسيرون خلف الشيخ على أنه مخة ـ فيجب بحث فكرة لبس جديد. بدله وعليها تكون مثلا ..........<br />
<br />
'''- ويجب أن يتم علاج [[الأزهر]] في أسرع وقت:'''<br />
<br />
شيخ الجامع [[الأزهر]].<br />
<br />
مدير الجامعة [[الأزهر]]ية.<br />
<br />
على أن يبدأ تطبيق البرامج الجديدة من أول العام القادم.<br />
<br />
ويجب أن نلاحظ أن مدرسة البابا لا تقتصر على تدريس الدين فقط، بل تحاول بكل وسيلة جذب الناس.<br />
<br />
- زراعة أكبر مساحة من الحدائق والأشجار.<br />
<br />
- زراعة منطقة الدراسة وجبل المقطم وباب الوزير.<br />
<br />
===[[الإسكندرية]]===<br />
<br />
الأحياء الشعبية – الأنفوشي – رأس التين – غيط العنب – كرموز - ... إلخ – الإسكان ـ متحف فرعوني كبير للتحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المديريات ===<br />
<br />
- الاهتمام بتجميلها ـ حدائق ـ كورنيش النيل ـ إسكان ـ حديقة الحيوانات تبدأ في حديقة كبيرة.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
- سينما درجة أولى تصلح مسرح.<br />
<br />
- الاهتمام بتخطيط المدينة.<br />
<br />
- متحف توضع فيه التحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المراكز ===<br />
<br />
- يجب أن تدخلها الكهرباء جمعاً، يجب أن تخطط المدينة.<br />
<br />
- الاهتمام بالحدائق – كورنيش إذا كانت على النيل.<br />
<br />
- الإسكان.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
===جمعيات الصداقة===<br />
<br />
لاحظت في [[الهند]] أثر جمعيات الصداقة في توثيق العلاقات، وفي نفس الوقت في التنظيم الداخلي إذ أن هذه الجمعيات سواء كانت للصداقة أو لأغرض أخرى فإنها تخدم السياسة الخارجية للهند:<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الهند]]ية.<br />
<br />
- جمعية التضامن [[الهند]]ية الإفريقية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الأسيوية الأفريقية ... إلخ.<br />
<br />
ويجب أن نعتمد على الكتب من اتصالاتنا على جمعيات الصداقة سواء في بلدنا أو في البلاد الأخرى ـ حيث أن حرية العمل تكون مفتوحة أمامها ـ على أن تكون لهذه الجمعيات شخصية ـ وتضم عدداً من الأعضاء ـ على أن يكون للرئيس شخصية تمكنه من العمل. أما الوزراء فليس عندهم الوقت الكافي لذلك.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الهند]]ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية ال[[باكتسان]] ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الإندونيسية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية يلان.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الملايو.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الصين]] .<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية بورما.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[كمبوديا]] .<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[اليابان]] ية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية [[الفلبين]] .<br />
<br />
وتقوم جمعيات الصداقة بالعمل بالاتفاق مع سفراؤنا في هذه البلاد على تكوين جمعيات صداقات عربية فيها، ولا مانع من أن تكون الجمعية العربية تجمع كل البلاد العربية.<br />
<br />
وتقوم أيضاً بدعوة الشخصيات المختلفة والصحفيين من هذه البلاد. واستضافتها ثم تقوم بتبادل الزيارات مع جمعيات الصداقة الأخرى.<br />
<br />
وتقوم عن طريق اتصالاتها بتعريف البلد بسياستنا ونشاطنا والعمل على تطوير بلدنا.<br />
<br />
ويمكن لكل هذ الجمعيات أن تنسق العمل بينها .<br />
<br />
وكذلك بالنسبة لإفريقيا .. جمعية الصداقة العربية [[غانا]] ، [[غينيا]] ، [[ليبيريا]] ، [[الحبشة]] ، [[الصومال]] ، [[الكاميرون]] .<br />
ولا مانع من جمعيات مع الدول الأخرى التي تكافح في سبيل استقلالها.<br />
<br />
كذلك يبحث إنشاء جمعيات صداقة مع بعض الدول الأوروبية على أن تنشأ جمعيات صداقة في البلاد الأوروبية:<br />
<br />
جمعية ألمانية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية صداقة عربية في بون مثلا.<br />
<br />
جمعية عربية يونانية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية يونانية عربية في أثينا.<br />
<br />
جمعية عربية إيطالية في [[القاهرة]].<br />
<br />
جمعية إيطالية عربية في روما.<br />
<br />
كذلك بالنسبة لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.<br />
<br />
===الصناعة===<br />
<br />
كان أهم شيء لمسته أثناء زيارتي للهند هذا العام هو الاهتمام بالصناعات الصغيرة وتشجيعها، ولو كانت ذات رأس مال خاص، وذلك بتكوين مراكز صناعيةINDUSTRY ESTATE على أن تساعد الدولة أصحاب الصناعات الصغيرة إلى أبعد مدى ـ بناء العنابر اللازمة لكل صناعة بطريقة تجمع الصناعات الصغيرة ـ وإعطاء الأرض والبناء بتسهيلات ثم توفير الكهرباء والنقل والخدمات وفي المركز القري من دلهي وجدت صناعة الراديو في عنبر صغير، وكذلك صناعة التروس، والغسالات، والعجلات (البسكليت). وصناعات أخرى كثيرة ـ لعب الأطفال. <br />
<br />
كل صناعة في عنبر صغير – صناعة الموتورات – صناعة المحولات العوازل ... إلخ.<br />
<br />
وقد رأيت في أحد المراكز – في دلهي – أكثر من عشرين صناعة في هذا المركز، كل صناعة تعتمد على مبنى صغير.<br />
<br />
والشيء الآخر الذي لمسته هو الصناعات الريفية ـ والصناعات اليدوية، والاهتمام بها، ففي زيارتي لإحدى القرى لمست تنظيم الصناعات الريفية النسيج اليدوي - الحصر الناعمة – تفصيل الملابس ... إلخ.<br />
<br />
وفي زيارة للمدن فقد لمست أن في كل مدينة محل كبير في أهم مكان بها لبيع الصناعات اليدوية – شغل الفضة – شغل النحاس – شغل الخشب – شغل الإبرة – الملاب والمفارش – شغل الزجاج – لعب الأطفال ... إلخ.<br />
<br />
أما الناحية الأخرى فتمشل الصناعات المتوسطة والصناعات الثقيلة.<br />
<br />
وعند استعراض الصناعة في [[مصر]] و[[سوريا]] أجد أن الوضع مشوش. فنظراً للمبالغة في الدعاية والإعلان فإن أي مشروع يعتبر مشروعاً كبيراً، ومن الضرورى أن نقسم صناعاتنا إلى:<br />
<br />
صناعة ريفية، صناعة يدوية، صناعة صغيرة، صناعة متوسطة، صناعة ثقيلة كما أن تطبيق طريقة INDUSTRY ESTATE لها فائدة كبرى – إذ أن جمع الصناعات الصغيرة في مراكز مع إعطائها التسهيلات سيفيد الصناعة إذ أن الصناعة الصغيرة تحتاج إلى رأس مال صغير ويمكن لإنتاجها أن يكفي الاستهلاك المحلي والتصدير، وقد رأيت في مصنع البسكليت الصغير كيف أنهم يصدرون ل[[مصر]] ـ كما رأيت مصنع لآلات الورش صغير ولكن إنتاجه جيد، ونحن نتكلم عن مصنع البسكليت منذ خمس سنوات بدون نتيجة.<br />
<br />
ما هي الصناعات الصغيرة اللازمة.<br />
<br />
يجب عمل خطة لإنشائها.<br />
<br />
يجب عمل عدة مراكز للصناعة الصغيرة، واحد في الاهرة، واحد في الإسماعيلية، وأي مكان مناسب آخر.<br />
<br />
لقد رأيت صناعة المسامير في غزنه صغيرة ـ وهذا مشروع سنتكلم عنه على إثر صناعة جديدة، وكذلك أدوات المائدة.... إلخ.<br />
<br />
وقد تكلمنا كثيراً بطريقة يضخم المشروع ـ رأيت أيضاً صناعة عربات السكة الحديد البضاعة والركوب.<br />
<br />
في [[الهند]] وال[[باكستان]] ـ في ال[[باكستان]] المصنع تابع للسكة الحديد.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] كيف أن مصنع عربات السكة الحديد يشمل أفران لصهر الحديد الخردة واستخدامه، والحديد الزهر.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] الترسانة، وكيف أنها تنتج بجانب السفن بوابات القناطر وبعض قطع الكراكات، ويمكن لترانة [[بورسعيد]] أن تنتج بوابات القناطر... إلخ.<br />
<br />
رأيت في ال[[باكستان]] مصنع في لاهور ينتج آلات الورش ـ وماكينات الديزل للري والكهرباء ـ والخزن الحديدية – وماكينات الخياطة – ويصدر إلى الخارج بما في ذلك [[سوريا]]، وبحيث أن هذا المصنع به أيضاً أفران لصهر الحديد والخردة ومسابك.... إلخ.<br />
<br />
بالنسبة لصناعتنا يجب ألا نكون لأنفسنا صورة واحدة عن ما حققناه بدون مبالغة ثم نقرر بعد ذلك ما يمكن عمله.<br />
<br />
وأرى أن تقتصر وزارة الصناعة على التخطيط ومتابعة التنفيذ ولا تندمج في العمليات التنفيذية فهذا ما يدعو الآن إلى أن تكون الصورة مشوشة حيث أن وزارة الصناعة أصبحت طرفاً في منازعات ـ وواجب وزارة الصناعة أن تكون لها الولاية على الخاص والعام ـ ويجب أن تتساوى المؤسسات جميعاً أمام وزارة الصناعة، بمعنى أن مؤسسة بنك [[مصر]] تتساوى مع المؤسسة الاقتصادة ومع مؤسسات عبود ومؤسسة الخمس سنوات والمصانع الحربية.<br />
<br />
أما عن وجود وزارة الصناعة في تنفيذ مشروع الخمس سنوات فإن أثره واضح في المنازعات والمزايدات.<br />
<br />
'''المطلوب :'''<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي نفذت؟<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي أعلن عنها ولم تنفذ ـ [[بورسعيد]] .<br />
<br />
- الإقلال من التهويل والدعاية.<br />
<br />
- تقسيم الصناعات إلى ثقيلة ومتوسطة وصغيرة ـ وتجميع الصغيرة في INDUSTRY ESTATE. سواء تابعة للمؤسسة أو لبنك [[مصر]]، وذلك لإنتاج أكبر عدد من المنتجات برؤوس أموال صغيرة ـ ثم توزيع الصناعات المتوسطة والثقيلة على المؤسسات الحكومية أو الخاصة ـ على أن يكون لكل مؤسسة حكومية أو خاصة برنامج لخمس سنوات.<br />
<br />
أولاً: برنامج ينبى على أساسه مشروع الخمس سنوات، ثم برنامج نهائي لتنفيذ مشروع السنوات الخمس بعد إقراره ـ ويجب أن يشمل ذلك التجارة أو توزيع المنتجات وفتح أسواق جديدة ـ ويجب أن تصدر كل صناعة 10% من إنتاجها ولو دعي الأمر إلى إعطاء إعانة لها – فمثلا في ال[[باكستان]] يستوردون كل عام حوالي 400 ألف طن PIC IRON ويمكن أن نفتح سوق هناك.<br />
<br />
كما يجب حصر الصناعات في بلدنا حصراً حقيقياً – على أساس الصناعة وعلى المحافظة – ويجب إعطاء أولوية لعمليات التوسع في الصناعات القائمة بدلا من تكوين شركات جديدة ذات رأس مال جديد.<br />
<br />
===مذكرة: " نظام الوصاية "===<br />
<br />
'''مجلس الدولة '''<br />
<br />
'''قسم الرأي مجتمعاً'''<br />
<br />
'''حضرة وكيل مجلس الدولة لقسمي الرأي والتشريع ومستشار الرأي لرياسة مجلس الوزراء وديواني المحاسبة والموظفين'''<br />
<br />
إيماءً إلى الكتاب الوارد إليكم من حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 30 من [[يوليو]] سنة [[1952]] يبلغكم أنه على أثر نزول الملك السابق عن العرش وتركه مظروفاً مختوماً بأسماء الأوصياء أصبح من المتعين حتى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم [[الدستور]]ية أن يوافق البرلمان على تعيينهم وأن يؤدوا اليمين أمامـه في حين أن مجلس النواب منحل ويطلب منكم الرأي فيما إذا كان [[الدستور]] قد واجه هذه الحالة مثلما واجه حالة وفاة الملك في المادة 52 وإن كان لم يواجهها بحيث يتعين إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب فهل يمكن ـ تفسيراً للمادة التي ي[[مارس]] فيها مجلس الوزراء سلطات الملك ـ التفكير في نظام لوصاية وقتية على العرش تنتقل إليها هذه السلطات.<br />
<br />
ولما رأيتم من عرض الأمر على قسم الرأي مجتمعاً ودعوتي لحضور اجتماعه بالنظر إلى أهمية المسائل المطلوب الرأي فيها قد عرضت طلب الرأي الوارد إليكم على القسم لنظره في جلسة خاصة مستعجلة عقدت يوم 31 من [[يوليو]] سنة [[1952]] وفيها انتهى القسم بإجماع تسعة أصوات ضد صوت واحد إلى ما يأتي:'''<br />
<br />
إذا تقصينا الأسباب التي تزول بها ولاية الملك، '''وجدناها تنحصر في أسباب ثلاثة:'''<br />
<br />
وفاة الملك، وإصابته بمرض عقلي، ونزوله على العرش أو تنحيته عنه.<br />
<br />
وقد عرض [[الدستور]] للسبب الأول، وهو وفاة الملك، في نص المادة 52 أنه "إثر وفاة الملك يجتمع المجلسان بحكم [[القانون]] في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفـاة. فإذا كان مجلس النواب منحلاً وكان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه". <br />
<br />
وعرض الأمر الملكي لصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] للسبب الثاني، وهو إصابة الملك بمرض عقلي. فتنص المادة 12 على أنه إذا تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي، فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يدعو البرلمان في الحال إلى الاجتماع. فإذا ثبت قيام ذلك المرض بطريقة قاطعة. قرر البرلمان انتهاء ولاية ملكه فتنتقل إلى صاحب الحق فيها من بعد بحسب أحكام أمرنا هذا. ولم يرد أي نص لا في [[الدستور]] ولا في الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] عن السبب الثالث وهو نزول الملك عن العرش.<br />
<br />
ولا يمكن القول بأن السكوت عن هذا السبب الأخير إنما هو سكوت من النادر اكتفاء بذكر الغالب فإن [[الدستور]] لم يسكن عن حالة خلو العرش بل نص عليها في المادتين 53 و 54 وفي حالة أكثر ندرة من حالة النزول عن العرش. ولا يمكن القول كذلك بأن هذا السكوت كان عن كياسة ولباقة. فالسكوت عن حالة النزول عن العرش لم يكن إذن مراعاة لأحد الاعتبارين السالفي الذكر. بل يرجع السكوت فيما يظهر إلى أن [[الدستور]] لم ير أن يعرض لنزول الملك عن العرش لأن هذا النزول يقع عادة أثر ثورة او انقلاب وليس من الحكمة تنظيم [[الثورة]] أو الانقلاب فلكل منهما ملابسات خاصة هي التي تسيطر عليه وتنظمه.<br />
<br />
فإذا ما تقرر أن حالة النزول عن العرش مسكوت عنها ولم يواجهها [[الدستور]] كما واجه حالة الوفاة. بقي البحث عنها ولم يواجهها [[الدستور]] كما واجه حالة الوفاة. بالرغم من أن لكل حالة من هاتين الحالتين ملابساتها ــ إذ النزول عن العرش أمر استثنائي يخرج عن الأوضاع المألوفة أما وفاة الملك فأمر طبيعي مألوف.<br />
<br />
إن الأحكام التي أوردها [[الدستور]] في حالة وفاة الملك فيما يتعلق بانعقاد البرلمان قسمان قسم يتفق مع أصول [[الدستور]] وقسم يعتبر استثناء من هذه الأصول.<br />
<br />
فقد أوجبت المادة 52 من [[الدستور]] أن يجتمع المجلسان بحكم [[القانون]] على أثر وفاة الملك في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفاة. وهذا الحكم يتفق مع أصل من أصول [[الدستور]] هو وجوب اجتماع البرلمان متى كان موجوداً عند وقوع حدث خطير. ومن ثم فلا مانع من قياس حالة النزول عن العرش على حالة الوفاة فيما هو أصل من أصول [[الدستور]] والقول بأن البرلمان متى كان موجوداُ بمجلسيه جب أن يجتمع في مدة عشرة أيام من تاريخ إعلان النزول عن العرش.<br />
<br />
ولكن المادة 52 لم تقتصر على هذا الحكم بل تضمنت حكماً آخر لا شك في أنه حكم استثنائي محض إذ أوجبت اجتماع البرلمان في نفس الميعاد لو كان مجلس النواب منحلاً متى كان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر. فيعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه. وعودة مجلس منحل إلى الوجود بتعارض مع طبائع الأشياء. ويخل بقاعدة عامة معروفة هي القاعدة التي تقضي بأن الساقط لا يعود. هذا إلى أن أصول [[الدستور]] ال[[مصر]]ي صريحة أن مجلس النواب لا يعود إلى العمل إذا انحل وإذا عاد فإن عودته إنما تكون في حالات استثنائية محضة ويكفي للتثبت من ذلك مقارنة المادة 114 من [[الدستور]] بالمادة 89. إذ تنص المادة 114 على أن "تجرى الانتخابات العامة لتجديد مجلس النواب في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة نيابته وفي حالة عدم إمكان إجراء الانتخابات في الميعاد المذكور فإن مدة نيابة المجلس القديم تمتد إلى حين الانتخابات المذكرة". وتنص المادة 89 على أن "الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين وعلى تحديد ميعاد لاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب". <br />
<br />
ويتضح من المقارنة بين هذين النصين أن حالة تجديد مجلس النواب تختلف عن حالة حله فيما إذا لم يمكن إجراء الانتخابات الجديدة في الميعاد الذي نص عليه [[الدستور]]. ففي حالة التجديد تمتد نيابة المجلس القدي إلى حين الميعاد الذي نص عليه [[الدستور]] الجديد. أما في حالة الحل فلم ينص [[الدستور]] على أن المجلس المنحل يعود إلى العمل. ومن ثم وجب القول بأن الأصل في [[الدستور]] ال[[مصر]]ي أن مجلس النواب إذا انحل فلا يجوز ان يبعث من جديد.<br />
<br />
ما لم يوجد نص خاص يقضي بعودته إلى العمل في حالة بذاتها فعند ذلك يعود المجلس المنحل في هذه الحالة المنصوص عليها بالذات دون غيرها من الحالات. وقد نص [[الدستور]] فعلا في حالتين اثنتين على أن مجلس النواب المنحل يعود إلى العمل هما حالة وفاة الملك في المادة 52 وحالة خلو العرش في المادة 54. فيجب قصر هذا الحكم الاستثنائي المحض على هاتين الحالتين. ولا يجوز إذن في حالة تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي أن يدعي مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع لأن المادة 12 من الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] لم تورد نصاً يقضي بعودة المجلس المنحل إلى العمل. ويترتب على ذلك أيضاً في حالة نزول الملك عن العرش أنه ما دام [[الدستور]] لم ينص على عودة المجلس المنحل إلى العمل بل ما دام لم يتعرض لهذه الحالة أصلا فلا يجوز أن يعود مجلس النواب إذا كان منحلاً إلى العمل، والقول بغير ذلك وبجواز عودة المجلس المنحل إلى العمل في حالة النزول عن العرش قياساً على حالتي الوفاة وخلو العرش قول غير جائز إذ القياس لا يكون على حكم استثنائي محض كما تقدم القول فالاستثناء لا يقاس عليه. بل أن القياس على الاستثناء هنا إنما هو إضافة لاستثناء آخر والإضافة على [[الدستور]] تنقيح فيه ولا يجوز تنقيح [[الدستور]] إلا بالطريق الذي نص عليه [[الدستور]].<br />
<br />
أما تعيين الهيئة التي تمارس سلطات الملك [[الدستور]]ية عقب نزول الملك عن العرش فلم يرد فيه نص دستوري إذ أن المادة 55 من [[الدستور]] التي تولى مجلس الوزراء هذه السلطات إلى أن يتولاها الخلف أو أوصياء العرش مقصورة على حالة الوفاة. ولكن هذا النص ليس إلا تطبيقاً لنظرية الضرورة. فالضرورة تحتم عقب وفاة الملك أن توجد هيئة تمارس سلطات الملك [[الدستور]]ية إلى أن يتمكن من انتقلت إليه ولاية الملك أو أوصياؤه إذا كان قاصراً من استيفاء الشروط [[الدستور]]ية الواجبة لممارسة هذه السلطات. وليس يوجد أصلح من مجلس الوزراء، الذي يتولى الملك سلطته. بواسطته كما تقضي المادة 48 من [[الدستور]]، تعيين هيئة تمارس هذه السلطات، ومن ثم نصت المادة 55 من [[الدستور]] على هذا الحكم كتطبيق لنظرية الضرورة كما تقدم القول. <br />
<br />
فإذا عرضت صورة أخرى من صور الضرورة، هي صورة نزول الملك عن العرش، أمكن تطبيق النظرية على النحو الذي طبقت به في الصورة الأولى. ومن ثم تكون ممارسة مجلس الوزراء لسلطات الملك [[الدستور]]ية عقب نزول الملك عن العرش إنما هو تطبيق مباشر لنظرية الضرورة على النحو الذي طبقت به في المادة 55 من [[الدستور]].<br />
<br />
لم يبق إذن ـ بعد أن تبين أنه لا تجوز دعوة مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع في حالة النزول عن العرش ـ إلا المبادرة إلى إجراء الانتخابات العامة بمجرد التمكن من إجراء هذه الانتخابات وأرادت أن تتخفف من السلطات الاستثنائية التي تمارسها في الوقت الحاضر فلا يبقى مجلس الوزراء ي[[مارس]] سلطات الملك الدتورية إلا أقصر وقت ممكن، حصراً للضرورة في أضيق حدودها. فإنه لا يوجد مانع قانوني من إيجاد نظام لوصاية مؤقتة تنتقل إليها من مجلس الوزراء ممارسة سلطات الملك [[الدستور]]ية إلى أن تتولى هيئة الوصاية الدائمة هذه السلطات.<br />
<br />
والسبيل إلى ذلك هو سن هذا النظام المؤقت عن طريق التشريع بمقتضى المادة 41 من الدستور وإلحاق هذا النظام بنظام الوصاية الدائمة الوارد في الأمر الملكي الصادر في 13 من[[إبريل]] سنة [[1922]] . ولا يعتبر هذ التشريع تعديلاً في الدتور لأنه غنما يستكمل أحكام الوصاية الدائمة. و[[الدستور]] بمقتضى المادة 32 لم يلحق بنصوصه من أحكام الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] نة [[1922]] إلا الأحكام الخاصة بوراثة العرش أي انتقال ولاية الملك من سلف إلى خلف ولا يمكن اعتبار أحكام الوصاية الدائمة ولا أحكام الوصايا المؤقتة داخلة في هذا النطاق. فهي إذن أحكام قابلة للاستكمال والإضافة عن طريق التشريع العادي.<br />
<br />
ويمكن أن يتقرر نظام الوصاية المؤتة باستصدار تشريع يضيف إلى نصوص الأمر الملكي الصادر في 13 من [[إبريل]] سنة [[1922]] نصاً جديداً يكون هو المادة 11 مكرراً '''ويجري على الوجه الآتي:'''<br />
<br />
"في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال ولاية الملك إلى خلف قاصر، يجوز لمجلس الوزراء، إذا كان مجلس النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة وصاية مؤقتة للعرش من ثلاثة يختارهم من بين الطبقات المنصوص عليها في المادة 10 تتوافر فيهم الشروط المبينة فيها".<br />
<br />
"وتتولى هيئة الوصاية المؤقتة، بعد أن حلف اليمين أمام مجلس الوزراء، سلطة الملك إلى أن تتولاها هيئة الوصاية الدائمة وفقاً لأحكام المواد الثلاث السابقة ولأحكام المادة 51 من [[الدستور]]".<br />
<br />
'''وتفضلوا بقبول وافر التحية'''<br />
<br />
'''أول [[أغسطس]] سنة [[1952]]'''<br />
<br />
'''رئيس مجلس الدولة'''<br />
<br />
'''([[عبد الرازق السنهوري|عبد الرازق أحمد السنهوري]])'''<br />
<br />
<br />
===خطاب وقرار التأميم===<br />
<br />
'''أممنا [[قناة السويس]] من أجل كرامتنا'''<br />
<br />
'''ألقي ب[[الإسكندرية]] في 26 [[يوليو]] سنة [[1956]]'''<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونقاتل للتخلص من آثار الماضي البغيض وآثار الاستعمار الذي استبد بنا قروناً طويلة .. وآثار الاستغلال الأجنبي والداخلي. ونحن نستقبل العيد الخامس أمضى قوة وأشد إيماناً، لقد اتحدنا وسرنا وكافحنا وقاتلنا وانتصرنا واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل. اليوم أيها المواطنون بعد سنوات أربع من [[الثورة]] نعتمد على الله وعلى عزيمتنا وعلى قوتنا من أجل تحديد الأهداف التي جاهد من أجلها الآباء. نتجه إلى المستقبل ونحن نشعر أننا سننتصر بعون انتصارات متتابعة، انتصارات متوالية، من أجل تثبيت العزة، ومن أجل إقامة دولة مستقلة استقلالاً حقيقياً لا استقلالاً زائفاً. استقلالاً سياسياً واستقلالاً اقتصادياً.<br />
<br />
حين نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته فليس من السهل أبداً أن نبني أنفسنا في وسط الأطماع الدولية والاستغلال الدولي والمؤامرات الدولية.<br />
<br />
أمامنا معارك طويلة لنعيش أحراراً كرماء أعزاء. واليوم وجدنا الفرصة ووضعنا أساس العزة والحرية والكرامة. من أجل حرية الإنسان ومن أجل رفاهية الإنسان ولابد أن نجد الفرصة لنشر هذه المبادئ. نقاوم الاستعمار، وأعوان الاستعمار أمامنا أيام طويلة مستمر من أجل كرامة هذا الوطن هذه المعارك لم تنته ولن تنتهي. ويجب أن نكون على حذر وحيطة من ألاعيب المستعمرين وأعوان المستعمرين.<br />
<br />
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا وأن يضعف عروبتنا وأن يفرق بيننا فخلق صنيعة الاستعمار. ففي اليومين الماضيين استشهد اثنان من أحلص أبناء [[مصر]] انكرا ذاتيهما وكانا يكافحان في سبيل تحقيق غرض كبير.<br />
<br />
في سبيل تحقيق المبادئ والمثل العليا من أجلكم ومن أجل العربي. كان كل واحد منها يؤمن ب[[مصر]]يته وعروبته فكان يقدم روحه فداء لهذه المبادئ.<br />
<br />
استشهد اثنان من أعز أبناء الوطن استشهد [[مصطفى حافظ]] الذي آل على نفسه إنشاء جيش [[فلسطين]] فهل تاه عنه الاستعمار وهل سكتت عنه [[إسرائيل]] لقد اغتيل مصطفى بأخس أنواع الغدر والخداع.<br />
<br />
إن جميع ال[[مصر]]يين كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ أمام [[صلاح مصطفى]] أخوكم .. أخي الذي قام معي في 23 [[يوليو]] قام يجاهد من أجل [[مصر]] ووهب روحه ودمه في سبيل [[مصر]] وفي سبيل مبادئكم ومثلكم كان يؤمن أنه وهب روحه ونفسه ودمه في سبيل الوطن العربي فإن كانوا اغتالوا [[صلاح مصطفى]] وقتلوا [[صلاح مصطفى]] بأبشع أساليب الغدر والخيانة التي كانوا يتبعونها قبل سنة [[1948]] فإن العصابات التي تحولت إلى دولة تتحول اليوم ثانية إلى عصابات وهذا يبشر بالخير إذ عادت إلى ما قبل 48. إن يوم النصر لقريب وإذا كانوا يعتقدون أنهم لن يجدوا في [[مصر]] أمثال هذا الفرد فهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبثوا الرعب في نفوس الأمة العربية فإنهم واهمون فكلنا نعمل من أجل المبادئ العليا كلنا نعمل من أجل قوميتنا كلنا نعمل من أجل عروبتنا كلنا سنجاهد كلنا سنكافح.<br />
<br />
هذه أيها المواطنون هي المعركة التي نخوضها الآن معركة ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وأساليب الاستعمار ضد [[إسرائيل]] صنيعة الاستعمار ليقضي على قوميتنا كما قضى على [[فلسطين]]. كلنا سندافع عن حريتنا وعروبتنا حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
إن القومية العربية تتقدم، ستنتصر، إنها تسير إلى الأمام وهي تعرف طريقها وتعرف سبيلها. إنها تعرف من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها وأن قوتها في قوميتها وأنا اليوم اتجه إلى إخوان لنا. في [[سوريا]] .. [[سوريا]] العزيزة .. [[سوريا]] الشقيقة .. لقد قرروا أن يتحدوا معكم اتحاداً سليماً عزيزاً كريماً لندعم سوياً مبادئ الكرامة ولنرسي سوياً القومية العربية والوحدة العربية. نرحب بكم أيها الأخوة متحدين بلداً واحداً، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً، لنرسي مبادئ الكرامة الحقيقية استقلالاً سياسياً حقيقياً. واستقلالا اقتصادياً حقيقياً.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
منذ أعلنت [[مصر]] سياستها الحرة المستقلة وبدأ العالم ينظر إلى [[مصر]] ويعمل لها حساباً، فإن الذين كانوا لا يعتدون بنا في الماضي أصبحوا اليوم يعملون لنا حساباً بدأوا يعملون لنا للعرب والقومية ألف حساب .. كنا في الماضي نتطلع على مكاتبهم، مكاتب المندوب السامي .. وبعد إعلان مبادئنا وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية، متحدة من أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار والطغيان والتحكم والسيطرة والاستغلال أصبحوا يعملون لنا حساباً ويعرفون أننا دولة لها قيمتها.<br />
<br />
ونمت [[مصر]] في المجال الدولي، وكبرت قيمة الأمة العربية في المجال الدولي، وعظمت. وعلى هذا الأساس كان مؤتمر بريوني وسافرت لأجتمع بالرئيس [[تيتو]] رئيس جمهورية يوغسلافياوالرئيس [[نهرو]] رئيس وزراء [[الهند]]. الاثنين اللذين أعلنا سياسة عدم الانحياز السياسة الحرة المستقلة. وأنا ذاهب إلى [[بريوني]] ب[[يوغوسلافيا]] لمست صداقة الشعب اليوغسلافي للشعب ال[[مصر]]ي، وسافرت إلى [[بريوني]] وبدأنا نبحث ونتبادل الرأي في المشاكل العالمية وانتهى المؤتمر، انتصار كبير للسياسة التي تتبعها [[مصر]] وهي سياسة عدم الانحياز.<br />
<br />
وأعلنت في المجالات الدولية أن مؤتمر [[بريوني]] قرر أن يتبع مبادئ باندونج العشرة وقال في القرار الذي صدر أن رؤساء الحكومات الثلاثة ـ [[يوغوسلافيا]] و[[الهند]] و[[مصر]] ـ استعرضوا التطورات الدولية ولاحظوا باغتباط أن سياسة بلادهم قد ساهمت في تخفيف حدة التوتر الدولي.<br />
<br />
وناقش المؤتمر وسائل إنماء العلاقات بين الأمم على أسس المساواة، كما جاء في قرارات باندونج الذي عقد في العام الماضي فقد أصدر قرارات واتخذ مبادئ: المساواة، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، واحترام سيادة الأمم، وسلامة أراضيها، والاعتراف بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، كبيرها وصغيرها، والامتناع عن أي تدخل في الشئون الداخلية لأية دولة، والامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى بحجة الدفاع لكي تخدم مصالحها.<br />
<br />
هذه هي المبادئ التي أقرها مؤتمر باندونج والتي أعلن [[مؤتمر بريوني]] تمسكه بها وأعلن أن هذه المبادئ يجب أن تكون أساس العلاقة بين الدول.<br />
<br />
ثم تكلم [[مؤتمر بريوني]] عن الشرق الأوسط ووافق على وجهة النظر العربية زعيماً [[الهند]] و[[يوغسلافيا]] وقررا أنه يجب البحث في المشاكل العربية على أساس حرية الشعوب التي يعنيها الأمر.<br />
<br />
وأعلن [[مؤتمر بريوني]] أن الموقف في [[فلسطين]] على وجه الخصوص يعد خطراً على السلام، ويؤيد أعضاء المؤتمر قرار [[مؤتمر باندونج]] الخاص بتأييد حقوق الشعب العربي في [[فلسطين]] وتطبيق قرارات [[الأمم المتحدة]] بشأن [[فلسطين]].<br />
وتكلم [[مؤتمر بريوني]] عن مشكلة [[الجزائر]] التي تعد مشكلة عربية والتي تتطلب اهتماماً عاجلاً بمطالب [[الجزائر]] لدعم السلام في الهذه المنطقة من العالم.<br />
<br />
ونظراً لإيمان الرؤساء الثلاثة بأن السيطرة والاستعمار يتسببان في الإضرار بالحاكمين معاً، فإنهم يعبرون عن إيمانهم برغبة الشعب [[الجزائر]]ي في نيل استقلاله. وأيد المؤتمر المفاوضات التي تهدف إلى حل سلمي لمشكلة [[الجزائر]] على أنه يجب ألا يقف هذا في طريق الاعتراف بتحقيق حرية [[الجزائر]] وإيجاد حل عادل وسلمي وبخاصة وقف أعمال العنف. وبهذا خرجنا من المؤتمر بتأييد لوجهة النظر العربية وتكلم المؤتمر في مشكلة ألمانيا في أوروبا ومشكلة [[الصين]] في آسيا ومشكلة [[فلسطين]] و[[الجزائر]] وهي التي تهمنا كأمة عربية.<br />
<br />
وكانت وجهة نظر الرئيسين [[تيتو]] و[[نهرو]] تتمشى مع وجهة النظر العربية التي استطاعت أن تأخذ لها حصناً آخر وتفاوض وجودها.<br />
<br />
هذا ما حدث في [[مؤتمر بريوني]] .<br />
<br />
و[[مصر]] منذ قامت [[الثورة]] كانت تجاهد لنقل قضاياها وقضايا العروبة إلى طريق غير طريق الاستجداء غير طريق الاستعمار لقد كنا ندرك منذ عام [[1952]] وقبلها أن الاستقلال الاقتصادي السليم يقف ضد مؤامرات المستعمرين والمستغلين الطامعين، كنا نعمل من أجل إجلاء [[الإنجليز]] المحتلين بوسائل مختلفة. بالقوة واللين والعنف والمفاوضات. وكان عزمنا على أن نحقق ل[[مصر]] الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي. وألا يرفرف على أرض [[مصر]] إلا علم [[مصر]]، كنا نسعى إلى ذلك منذ اليوم الأول الذي قامت فيه [[الثورة]]. وانتهى الاستعمار ولم يستطع الاحتلال أن يبقى في [[مصر]] بين المواطنين فلم يجد من يتعاون معه أو يسنده.<br />
<br />
فسلم الاستعمار وجلت عن [[مصر]] آخر قوة من قوات الاحتلال التي دخلت بلادنا عام [[1882]] وكانوا قبل ذلك قد انهزموا وضربوا في كفر الدوار، ولم يستطيعوا إكمال غزوهم وحملاتهم، عندما خرج لهم [[أحمد عرابي]]، فانسحبوا والتجئوا إلى الخيانة، واستطاعوا الدخول، بواسطة أعوانهم، عن طريق قتال [[السويس]] بواسطة الخونة، هزمناهم عـام [[1882]] وفي [[1807]] عند حملة [[فريزر]]، هزمها أهل رشيد المدنيون .. هزمنا [[بريطانيا]] مرتين. ولكن [[الإنجليز]] اتبعوا معنا أساليب الغدر والخديعة واستطاعوا احتلالنا بذلك، ووقفت [[الثورة]] إلى أن ترفع في سماء [[مصر]] علم [[مصر]] وحدها، وأن يبقى بين ربوع قيادة [[مصر]]ية واحدة، وتحقق هدفاً كبيراً من أهداف [[مصر]]، ولكننا لم نهمل أبداً العمل من أجل الاستقلال الاقتصادي، لأننا نؤمن أن الاستقلال اقتصادي مكمل للاستقلال السياسي، وإن التحكم الاقتصادي يستخدم في الضغط والتوجيه، وعملنا على زيادة الإنتاج ونجحنا في هذا الاتجاه، لأننا نعتمد على أنفسنا وعزمنا وقوتنا. استطعنا زيادة الدخل القومي من سنة 52 غلى 54 إلى ما يقرب من 16 % ومن [[1954]] حتى [[1956]] زاد زيادة أخرى. لأننا كنا نعمل في نفس الوقت من أجل الاستقلال الاقتصادي.<br />
<br />
وفي أيام الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسي، اتجهنا إلى العالم وقلنا إن [[مصر]] ستسالم من يسالمها وتمد يدها للجميع، أن سياسة [[مصر]] تنبع من [[مصر]]، لا من لندن ولا من واشنطن ولا من موسكو، وقلنا أننا مستعدون للتعاون مع الجميع ولكن ليس على حساب كرامتنا أو استقلالنا.<br />
<br />
هذا الذي قلته يوم 29 يونيه الماضي وقلته منذ قامت [[الثورة]] وسأقول لكم كل شيء لتكونوا على بينة.<br />
منذ قيام [[الثورة]] بدأت [[بريطانيا]] وأمريكا تتصلان بنا، من أجل محالفات واتفاقات ولكننا قلنا إننا لا نستطيع التحايف، إلا في حلف واحد، وهو حلف الدول العربية وقلت لهم كل هذا، هل سيكون ل[[مصر]] رأي على [[بريطانيا]]؟ .. هل يحقق التحالف بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة إلا التبعية .. لا نقبل أبداً أن نكون أذيالاً، أو تابعين .. كان جنرال روبرتسون موجوداً وطلب منا عقد محالفة مدتها خمس وعشرون سنة، ولكننا رفضنا؛ وما قلناه سنة 52 في جميع محاضر المحادثات هو ما نقوله اليوم.<br />
<br />
بدأنا نتكلم عن تمويل الجيش ال[[مصر]]ي بالسلاح، مع استعدادنا لدفع ثمن السلاح فرفضوا إلا إذا وقعنا ميثاق الأمن المتبادل ومعناه أن تأتي أمريكية لا يكون ل[[عبد الحكيم عامر]] فيها رأي. قلنا إن لنا تجارب كبيرة بهذا الخصوص، وكان للبعثة العسكرية البريطانية هدم معنويات الجيش ال[[مصر]]ي، لذلك كان لدينا مركب نقص من ناحية البعثات العسكرية، كان غرضنا أن يكون للجيش ال[[مصر]]ي شخصيته المستقلة ولذلك قالوا لي في سنة [[1952]] أنهم مستعدون لتزويدنا بالسلاح، ولكن عادت بعثتنا خالية الوفاض.<br />
<br />
أن ما نقوله اليوم ليس بجديد، قلناه في أول يوم من أيام [[الثورة]] وبدأ بعدهذا كفاحنا في القتال كفاح وهب فيه الفدائيون أرواحهم وقاتلوا وكافحوا واستطاعوا أن يجعلوا القوة البريطانية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وعن القنال، إن الجنود المجهولين الذين خرجوا من بينكم وبذلوا أرواحهم أعجزوا الثمانين ألف بريطاني عن الدفاع عن أنفسهم، وهذا هو السبب الحقيقي في جلائهم، خرجت [[بريطانيا]] من [[مصر]] لأنها أدركت أن شعب [[مصر]] أبى أن تكون لغيره قيادة في [[مصر]]، هذا هو السبب الحقيقي وليست المفاوضات أو المحادثات.<br />
<br />
كانت معركة مريرة طويلة ولكنها لم تنته فالاستعمار له أشكال مختلفة والاستعمار اليوم يتمثل في أعوان الاستعمار الخونة، الاستعمار يتلوَّن، وعلينا مقاومته بجميع أنواعه المقنعة تحت تكتل الأعوان والتحالفات والاتفاقات.<br />
<br />
وبدأ الاستعمار يعمل ليضع يده على الدول العربية دولة دولة فقاومنا، وكان الوعي العربي والقومية العربية قد اشتعلت وتيقظت فلم يستطع الاستعمار تحقيق أغراضه فانتصرت القومية العربية وهزم الاستعمار شر هزيمة ـ هزم في الأدن حينما أراد [[تمبلر]] أن يجبر [[الأردن]] المكون من مليون ونصف على الخضوع ولكن الجنرال [[تمبلر]] هرب من [[الأردن]] . فقد آمنت القومية العربية بحقها في الحياة فانتصرت ولم يستطع الاستعمار تحقيق أي غرض من أغراضه ولم يستطع حلف [[أكرم حورانى]] أن يصنع شيئاً بل وقف وتجمد بفضل الرأي العام العربي والقومية العربية.<br />
<br />
دخلنا في معارك في الداخل والخارج عاون الاستعمار [[فرنسا]] في [[تونس]] ومراكش و[[الجزائر]] وانتقلت قوات حلف الأطلنطي لتقاتل في [[الجزائر]] .. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد كذلك الدول التي عملت ميثاق [[الأمم المتحدة]] وتقرير المصير كل هذا نسوه أو تناسوه وبدأوا يقاومون القومية العربية في [[الجزائر]]، كل هذه القوى تقاتل عشرة ملايين جزائري ولكن القومية العربية في [[الجزائر]] بأسلحتهم البسيطة المحدودة مقاومة القوات المدججة بالدبابات وكافة الأسلحة. الأسلحة المعدة ل[[روسيا]] لم تستطع الوقوف في وجه [[الجزائر]].<br />
<br />
وهذ معناه اشتعال القومية العربية وشعورها بكيانها وحقها في الحياة، هذه المعارك التي نخوضها ـ معركة [[الأردن]] و[[الجزائر]] ومقاومة الأحلاف كلها ـ معاركنا! بمصائرنا جميعاً مرتبطة في [[الأردن]] و[[السودان]]، مصير كل واحد .. [[مصر]] الجميع .. يريد الاستعمار أن نكون تابعين وحين يأمر نلبي الأمر. <br />
<br />
هناك دول كثيرة لا داعي لذكرها حتى لا نعمل أزمات دبلوماسية. الدول التي تتلقى الأوامر وتنفذ الأوامر لا تؤمن بوطنها وإنما بالسفراء والمندوبين الساميين. يريدوننا أن نكون مثلهم ولكن هذا لن يكون، فلم تقم [[الثورة]] وثورة سنة [[1919]] وما بعدها لكي نتلقى أوامر الاستعمار. يريدوننا أن نسمع أوامرهم بخصوص [[إسرائيل]] التي يقولون إنها موجودة بحكم الواقع .. ويقولون إن عرب [[فلسطين]] ندفع لهم شيئاً من المال ولكننا نعتز بعروبتنا وأرضنا. وهي لا تقدر بمال. يريدوننا أن نسلم ل[[إسرائيل]] بكل شيء ونهمل [[فلسطين]] وننكر لها ولأخواتنا في شمال أفريقيا، وأن نوافق كما وافق مجلس الأمن على المذابح؛ يريدون منا أن ننفذ السياسة التي تملى.<br />
<br />
ولكن [[مصر]] أبت وأرادت إلا أن تكون لها شخصيتها المستقلة فمنع عنا السلاح وسلحت [[إسرائيل]] وأصبحت خطراً يهدد .. وقالت [[بريطانيا]] نحن مستعدون لتسليحكم ولكن على شرط أن يسكت [[عبد الناصر]] في باندونج. ودعونا ننفذ خطتنا في الأحلاف. أصبح التسليح إذن أداة لتقييدنا وتقييد حريتنا. ولكننا لسنا على استعداد لدفع الثمن، شخصيتنا ومبادئنا. وبهذا لم نستطع الحصول على أي شيء من السلاح. لا بالثمن ولا بالمجان.<br />
<br />
استطعنا بعد ذلك أن نحصل على السلاح من [[روسيا]] لا من تشيكوسلوفاكيا. ووافقت [[روسيا]] على إمدادنا بالأسلحة. وتمت صفقة الأسلحة فحصلت ضجة، وقالوا إنه سلاح شيوعي ولكنني أعرف أن السلاح هنا سلاح [[مصر]] وبدأت صحافتهم تقيم ضجة .. ما سببها؟ "قالوا إن لديهم خطة. وهي حفظ التوازن بين الدول العربية و[[إسرائيل]]". طيارة للدول العربية كلها وأخرى ل[[إسرائيل]] لحفظ التوازن! من ذا الذي أقامكم أوصياء علينا لحفظ التوازن؟ نحن لا نقبل وصاية أحد. ولكنه الاحتكار للسلاح الذي كانوا يتحكمون به فينا.<br />
<br />
فلما استطعنا تحطيم هذا الاحتكار انهارت كل خططهم، لم يستطع الاستعمار التحكم عن طريق منع الأسلحة، من ذا الذي أوجد [[إسرائيل]] في هذه المنطقة؟ من كان مسئولاً عن الانتداب على [[فلسطين]]؟ [[بريطانيا]]!<br />
<br />
وعد بلفور ... [[بريطانيا]] مسئولة عنه ... كانت [[بريطانيا]] تعلم أن داخل [[فلسطين]] جيش مسلح يستعد للاستيلاء على [[فلسطين]] .. ومع ذلك وهي تعلم هذا تركت [[فلسطين]] .. ماذا كانت تهدف إليه [[بريطانيا]] وأمريكا؟ كانتا تهدفان إلى شيء واحد، وهو القضاء على قوميتنا.<br />
<br />
إنهم يعرفون أنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي .. هذه القوة يجب أن يعمل لها حساب لأول مرة في التاريخ. إذن يقضون على [[فلسطين]] قضاء كاملاً.<br />
<br />
ويحل [[اليهود]] محل أهلها. إبادة قومية للجنس. عملية إبادة كان الغرض منها إبادة القومية العربية كلها! وكان الصهيونيون يعلنون أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات! يقولون في برلمانهم عن حرب مقدسة فالعملية إبادة العرب وقضاء على الجنس.<br />
<br />
وكان لابد من السلاح للدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون لاجئين، فحصلنا على السلاح وتعاقدنا عليه. وأحب أن أقول إن الحصول عليه كان دون أي قيد ولا شرط، مجرد دفع الثمن وأصبحت الأسلحة ملكاً لنا.<br />
<br />
وأرسلت [[أمريكا]] مستر [[آلان]] مندوباً لها يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية. وكان المفروض أن يقابلني، وقالت [[آلان]]باء إنه يحمل تهديداً ل[[مصر]]!<br />
<br />
واتصل بي أحد الرسميين الأمريكيين لمقابلتي وقال إنه متأسف للحالة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين. ونصحني بأن أقبل الرسالة بأعصاب هادئة. فقلت كيف أقبلها وفيها جرح للعزة ال[[مصر]]ية؟ فقال لن يترتب عليها أي أثر عملي فهي مجرد رسالة.<br />
<br />
فقلت إني لست رئيس وزارة محترف ولكني رئيس وزارة عن طريق ثورة ولن أتردد إذا حضر مندوبكم وتكلم كلمة .. سأطرده! هذا كلام رسمي وسأعلن للشعب أنكم أردتم إهانة عزته وكرامته .. وسنقاتل جميعاً لآخر قطرة من دمي. فهددوا بقطع المعونة. فقلت سأعلن قطعها. ونحن لم نتلق دروساً في السياسة.<br />
<br />
فقد قمنا بثورة وسنحافظ عليها. كان ذك في أكتوبر ثم عاد وقابلني وقال إنه أبلغ مستر [[آلان]] هذا الكلام .. وهو في حيرة لأنه لو حضر سيطرد وإذا أبلغ ذلك لدالاس؟ فسوف يطرده. فما هو الموقف، فقلت له إني لا أعرف إلا أنه إذا حضرإلي فسأطرده. جاء لنا مستر [[آلان]] ولم يفتح فمه بكلمة .. واستمع إلى وجهة النظر ال[[مصر]]ية وأسرد لكم وجهة نظر [[أمريكا]] بإيجاز. إنهم يعتقدون أننا سياسيون محترفون ولكن [[مصر]] استطاعت أن تحافظ على كرامتها وعزتها.<br />
<br />
قامت الضجة في كل مكان بشأن الأسلحة فكنت أرى العجب والشتائم في الجرائد [[الإنجليز]]ية والأمريكية .. كانوا يشتموننا لأننا تخلصنا من السلاسل واستطعنا أن نحرر بلدنا وندعم قوتنا ونقرر سياسة مستقلة.<br />
<br />
هذه هي ضجة الأسلحة وصفقة الأسلحة.<br />
<br />
كنت أتكلم وأنا مطمئن أشعر بالقوة .. لماذا؟ لأني أشعر أنني الشعب جميعه 23 مليوناً كلهم سيكافحون في سبيل الاستقلال لآخر قطرة من دمائهم، لم أكن أتكلم بقوة [[جمال عبد الناصر]] ولكن كنت متأكداً أن كل أبناء [[مصر]] سيكافحون لآخر قطرة من دمائهم .. لا حزبية ولا خلافات .. إننا نحن جميعاً كتلة وطنية وراء أهداف [[الثورة]].<br />
<br />
كنت أتكلم بشجاعة وكنت أشعر أن الشعب كافح وناضل على مر الأيام ومستعد لأن يكافح. شعب متحد وشعب قوي.<br />
<br />
شعب رأى لأول مرة علم بلده يرتفع وهو مستعد لأن يضحي كما ضحى [[صلاح مصطفى]] و[[مصطفى حافظ]] .<br />
<br />
كنت آخر كلمة قالها [[صلاح مصطفى]] (الحمد لله بلغوهم في [[مصر]] يخلو بالهم) لقد أشعر أن 22 مليون صلاح مصطفي يقفون ورائي. هذا الدفع الذي كان يعطيني القوة وهذا هو ما جعلني أقول لمندوب [[أمريكا]] أنني سأطرده لأن الشعب يريد ذلك. وهو مستعد أن يكافح لآخر قطرة من دمه في سبيل حريته. انتهت قصة المفاوضات والأحلاف.<br />
<br />
ثم انتهت قصة السلاح وبدأت قصة السد العالي.<br />
<br />
في سنة 53 قمنا بعمل خطة للتنمية الإنتاجية لزيادة الدخل القومي بسرعة مضاعفة لأننا نزيد كل عام نصف مليون ومستوى المعيشة عندنا يعتبر متوسطاً وأمامنا عمليتان: أن نرفع مستوى المعيشة. وأن نحافظ على الدخل.<br />
<br />
فزيادة مستوى المعيشة يحتاج إلى زيادة الدخل لذلك اتجهنا إلى مياه النيل لنستفيد منها.<br />
<br />
وكان قد قدم لنا مشروع السد العالي في [[1952]]. وكان قد قدم لنا منذ عام [[1942]] ووضعناه موضع الدراسة وقابلتنا عقبة التمويل. وتبين أن المشروع صالح وينتهي بعد 10 سنوات. وبدأنا نقابل عقبة التمويل فليس لدينا المال الكافي لدفع نفقات المشروع التي تبلغ من 800 إلى ألف مليون دولاء تدفع على عشر سنوات، في سنة [[1953]] اتصلنا بالبنك الدولي وطلبنا منه ونحن من المشتركين فيها المساهمة في التمويل.<br />
<br />
وقال إن فيه عقبات فهناك [[الآنجليز]] و[[إسرائيل]] فعندما تنهون خلافكم معهما نستطيع تمويل المشروع، وليش عندم نظام برلماني فنطلب منكم عمل استفتاء على هذا المشروع.<br />
<br />
وفهمنا من هذا الكلام أننا لن ننال مساعدة البنك فقررنا الاعتماد على أنفسنا وعلى شركات الصناعة.<br />
واتصلنا بالشركات الألمانية فقالوا أنهم على استعداد لإعطائنا 5 ملايين جنيه. ثم اتفقت مع الشركات الألمانية والفرنسية و[[الآنجليز]]ية فقالوا إن كل شركة مستعدة لإعطائنا 5 ملايين جنيه على أساس قرض متوسط الأجل.<br />
<br />
وسافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير مالية [[إنجلترا]].<br />
<br />
وقالوا له إنهم مستعدون ـ أي الشركات الثلاثة ـ لرفع القرض إلى 45 مليون جنيه ونكمله نحن من العملة ال[[مصر]]ية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس فقال الأمريكيون إنهم قرروا ل[[مصر]] 40 مليون دولار معونة .. وكان كلاماً على ورق.<br />
<br />
وقالوا نستطيع تمويل هذه المعونة إلى السد العالي، ورجع [[الآنجليز]] في كلامهم وقالوا خذوا القرض من البنك الدولي ونحن نعطيكم مليون جنيه وال[[أمريكا]]ن يعطون حوالي 20 مليون جنيه. والبنك الدولي قال إنه مستعد أن يعطينا 200 مليون دولار بعد 5 سنوات ونحن نصرف خلالها 300 مليون دولار.<br />
<br />
وبدأوا على هذا الأساس يشترطون الشروط فقامت المحادثات في [[سبتمبر]] على مليون دولار بعد خمس سنوات على أقساط ثم وضع في خطابه شروطاً يجب أن تتبعها [[مصر]] لكي تنال هذا القرض وشروط القرض نتفاوض عليها من وقت لآخر .. '''ثم قال البنك إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية:'''<br />
<br />
1- يطمئن البنك إلى أن العملات الأجنبية المطلوبة التي سننالها من المنح [[الآنجليز]]ية والأمريكية لا تنقطع.<br />
<br />
2- يجب أن يتفاهم البنك مع الحكومة ال[[مصر]]ية ويتفق معها من وقت لآخر حول برنامج الاستثمار أي وصاية من البنك الدولي على الحكومة ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
3- حول الحاجة إلى ضبط ال[[مصر]]وفات العامة للدولة.<br />
<br />
وبعد ذلك لا تتحمل الحكومة ال[[مصر]]ية أي دين خارجي وكذا لا نوقع اتفاقات دفع كإنفاق الأسلحة مع [[روسيا]] وتتفاهم [[مصر]] مع البنك أولاً قبل الاتفاق على أي مشروع.<br />
<br />
ثم طلب البنك أن إدارة المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة ال[[مصر]]ية والبنك.<br />
<br />
وقال البنك إن اتفاقات البنك خاضعة لإعادة النظر فيها إذا حدث ما يستدعي ذلك وأرسلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية مذكرتين والبنك أرسل الخطاب لكل واحد فيها يحمل معنى المذكرة الأخرى، وأصبحت العملية مفهومة وظهر أن هناك فخاً منصوباً للسيطرة على استقلالنا الاقتصادي.<br />
<br />
هذا الكلام رفض رفضاً باتاً، وقلت أننا لا يمكن أن نبيع أنفسنا بـ 70 مليون دولار معونة، وتكلمنا مع ال[[أمريكا]]ن وسألناهم هل مثل هذه الشروط تعمل مع الإعانات التي تعطى ل[[إسرائيل]]؟<br />
<br />
وقلنا إن هذا الكلام يتنافى مع استقلالنا. وقارنّا بين موقف العرب وموقف [[إسرائيل]] والمساعدات التي تمنحها [[أمريكا]] للطرفين فالهبة السنوية التي تعطيها [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] من 30 إلى 50 مليون دولاء، والمساعدة الفنية تبلغ سنوياً من 6 إلى 14 مليون دولاء. وفائض المواد الغذائية التي تهديها [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] قيمتها 7 ملايين دولار، ورؤوس الأموال الأمريكية التي تعمل في [[إسرائيل]] 214 مليون دولار.<br />
<br />
في 12 – 7 – 55 أعطى بنك [[أمريكا]] قرضاً ل[[إسرائيل]] قدره 30 مليون دولار، كما جمع [[اليهود]] في [[أمريكا]] 3 آلاف مليون دولار، وتبرعات 164 مليون دولاء ومجموع التعويضات الألمانية 3500 مليون دولار، تدفع كل سنة منها جزءاً بضائع وسفناً ومصانع.<br />
<br />
تبرعات يهود [[أمريكا]] ل[[إسرائيل]] خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 65 مليون دور ونحن نعرف أن [[إسرائيل]] ربيبة [[أمريكا]] ولا تستطيع أن تعيش من غير المعونة.<br />
<br />
وتكلمنا مع ممثلي [[أمريكا]]، وقلنا لهم إنه في فترة خمس سنوات سيصرف على السد العالي 370 مليون دولار تدفع [[مصر]] 300 مليون وتدفع [[أمريكا]] 70، والمشروع الذي سيتكلف بلون دولاء سندفع منه 730 مليون أولاً. وكيف يمكن لي أن أنفذ الشروط التي أملاها على البنك الدولي؟ وقلنا لهم إن لنا تجربة في ذلك، وسبق أن وقعنا في هذا الاستغلال، وحضر "كرومر" وبقى في [[مصر]].<br />
<br />
وفي هذه الأيام حضر السفير الروسي، وقال إن [[روسيا]] مستعدة للاشتراك في تمويل السد العالي. وكان ذلك بعد شهر [[ديسمبر]]، فقلت له إننا نتكلم مع البنك الدولي، وتأجل الكلام في التفاصيل.<br />
<br />
وعرف ال[[أمريكا]]ن أن هناك عرضاً [[روسيا]]، فوصل إلى [[مصر]] في [[فبراير]] الماضي، مدير البنك الدولي، وأرسل خطاباً يطلب فيه دعوته إلى الحضور إلى [[مصر]].<br />
<br />
وبدأت المفاوضات معه في شهر [[فبراير]] وحينما قابلته، قلت له بصراحة، إن عندنا عقدة من ناحية القروض والفوائد، ولا يمكن فصلها عن السياسة، لأننا رحنا شحصية الاحتلال بسبب القروض. فلن نقبل أي مال يمس سيادتنا، وقلت له إن إشرافكم على ميزانيتنا لن يصلحها، وأمامنا دولة في شمالنا أقوى مل، فأنتم تشرفون على اقتصادياتها ومع ذلك فاقتصادها منهار. وتقرير البنك يسلم بسلامة الاقتصاد ال[[مصر]]ي. وكان مفروضاً أن نبدأ في [[يونيو]] الماضي المشروع، وعلى ذلك أبلغت مدير البنك أننا لن نبدأ في المشروع إنه يجب علينا أن نحل مشكلة الماء بين [[مصر]] و[[السوادن]]، ثم يوقع البنك معنا الاتفاق، ولكنه لم يضمن أن تدفع [[أمريكا]] و[[إنجلترا]] لنا أكثر من مبلغ الـ 70 مليون دولار التي وعدنا بها.<br />
<br />
وظهر الفخ .. أي نأخذ السبعين مليون دولار، ونبدأ في المشروع، ونصرف المال ثم نعود فنطلب من البنك مبلغ الـ 200 مليون دولار، فيعرض البنك شروطاً، ويبقى علينا أن نقبل شروط البنك، أو يتوقف المشروع ونكون أضعنا 300 مليون دولار هباء!<br />
<br />
ومعنى ذلك أن يرسل لنا البنك من يجلس مكان وزير المالية .. وآخر يجلس مكان وزير التجارة .. وآخر يجلس مكاني أنا.<br />
<br />
هذا هو الفخ الذي ظهر. فقررنا ألا نبدأ في السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع [[السودان]] الشقيق، ورفض قبول شروط البنك الدولي، وأصدرنا الأمر بإيقاف العمل، حتى لا ندخل في مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويسيطر علينا اقتصادياً، بعد فشله سياسياً وأبلغنا ذلك لمدير البنك الدولي، فقال إنه مستعد لتعديل الشروط فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائي مماثلاً للكتاب الذي يبعثه إلينا، فرفض توقيع الاتفاق.<br />
<br />
كانت هناك خدعة لنقع في براثنهم .. يتحكمون فينا عندما تستنزف أموالنا، دون أن نأخذ أي نتيجة، فقررن ألا نبدأ في السد إلا بعد أن نعلم كيف يمول السد ونعرف كيف ينتهي ولذلك أوقفنا كل العمل في [[فبراير]]، وأرسل إلينا مدير البنك خطاباً لا قيمة له، قال إنه يدفع 200 مليون دولار بعد حل مشكلة الماء.<br />
<br />
ولم يكن في الخطاب ما يمس سيادتنا فقبلناه، ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة الأمريكية والبريطانية. وفيها ما يمس سيادتنا. ففي [[فبراير]] أبلغ السفيران الأمريكي والبريطاني عدم موافقتنا على هذه المذكرات وراحت المذكرتان للحكومتين الأمريكية والبريطانية، وطبعاً لم يجيء أي رد. في 29 [[فبراير]] كان الكلام أن [[بريطانيا]] تريد التوسط بيننا وبين [[السودان]]. فجاء سلوين لويد وقابلني في منزلي. وعرض معاونته لحل مشاكل المياه بيننا وبين [[السودان]]، فقلت له أن تصرفاتكم تدل على أنكم تعقدون المسائل بجرائدكم وإذاعتكم تثير [[السودان]] ضد السد العالي فمحطة الإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدني والصحف تذيع تعليقات للوقيعة بيننا وبين [[السودان]] وسفارتكم في الخرطوم تجمع كل ذلك وتطبعه في كتاب وتوزعه على [[السودان]]يين. <br />
<br />
ومعنى هذا خلق عداء بين [[مصر]] و[[السودان]]، فكيف يستقيم هذا مع عرضك لأن تكون وسيطاً بين [[مصر]] و[[السودان]]؟<br />
<br />
كان الواضح أن [[الآنجليز]] يحاولون بث روح الكراهية في إخواننا [[السودان]]يين ويهمه أن ينفذوا لإثارة أحدنا ضد الآخر. وفي نفس الوقت وقف اللورد [[كيلرن]]، وأخذ يسب [[مصر]] .. كيف نعاونها ونساعدها وهي تنادي بالتحرير، فلا يجب منحها 5 مليون جنيه، وكلام آخر في منتهى البذاءة من اللورد [[كيلرن]]، وهو معروف.<br />
<br />
وفي يوم 14 [[مارس]] قابلت السفير البريطاني في المنزل، وقلت له إننا شعب عاطفي، فالكلمة الحلوة أفضل من مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بــ 15 مليون دولار، ولا نقبل كلام [[كيلرن]]، ولم نرد المعونة حتى لا يكون ردنا يعتبر إهانة، ونحن لسنا دولة غنية جداً، ولكننا نستطيع توفير 5 مليون جنيه ولو "دقينا زلط أو كسرنا طوب" فنحن قبلنا المعونة منعاً من أن يقال أن [[مصر]] ترفض علاة حسنة معكم، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فسنرفض المعونة.<br />
<br />
وسار الحل على هذا، ثم لم ترد الحكومتان الأمريكية والبريطانية على المذكرتين.<br />
<br />
ثم طرد جلوب من [[الأردن]]، وضُرب سويد لوي بالطوب في [[البحرين]]، وقيل إن هذا نتيجة [[مصر]]، وبدأت حملة شنيعة من أول [[مارس]] ضد [[مصر]] في الصحف البريطانية، لدرجة أن رجلاً اسمه [[فريزر]]، قال لابد من بناء سد في [[كينيا]] يمنع الماء عن [[مصر]]، وهذا يدل على جنون هؤلاء الناس، وقالوا إننا نهددهم في البترول ولكني قلت إنه ليس لنا أي دخل في المصالح المشروعة ولكننا نقاوم ما يسمونه بالنفوذ، لا يمكن أن نكون منطقة نفوذ لأحد، مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا اعتراض عليها.<br />
<br />
زيارة وزير خارجية [[روسيا]] مسيو [[شبيلوف]] إلى [[مصر]]، وفي نفس الوقت بعث مدير البنك أنه يريد المجيء فقلت له تفضل.<br />
<br />
وحدثت محادثت بيننا وبين [[شبيلوف]] الذي عرض مساعدة [[روسيا]] ل[[مصر]] في جميع الميادين، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل، وقال إن ذلك سيكون دون قيد ولا شرط، وعلينا أن نطلب منهم، وقال إنهم لا يريدون مواداً خاماً، وقال أيضاً إنهم يريدون أن يوفقوا بيننا وبين الدولة الغربية. وأن [[روسيا]] يهمها أن يسود السلام بيننا وبين الدول الغربية.<br />
<br />
فالروس يعملون الآن على كسر حدة التوتر في العالم، ويهمهم أن تكون السياسة بين [[مصر]] والغرب طيبة، فشكرته وأجلت الكلام في التفاصيل لحين زيارتي في شهر [[أغسطس]] .<br />
<br />
وفي ثاني يوم وصل مدير البنك الدولي وقابلني في البيت في الساعة العاشرة وأكد أن البنك عند وعده الذي قاله لي في شهر [[فبراير]]، وأنه مصمم على تمويل المشروع، وأن الحكومتين البريطانية والأمريكية عند هذا الوعد، وقلت إننا أيضاً عند كلتنا.<br />
<br />
هذا ما حدث حتى حوال 20 [[يونيو]] الماضي وقال سفيرنا في [[أمريكا]] أن [[دالاس]] قال له إن ال[[أمريكا]]ن يعتقدون أننا لا نريد أن يمولوا المشروع، فقلت له إننا نريد أن نتكلم ونتفاوض لتمويل المشروع [[عاد أحمد حسين]] إلى واشنطون على أن يقابل [[دالاس]]، ويطلب إرسال الرد على المذكرات التي بعثناها، وبعد يومين أعلنت الحكومة بيانها، وقد قلت رأيي فيه أول أمس.<br />
<br />
وفي بيان [[أمريكا]] حاولوا إثارة [[أثيوبيا]] و[[أوغندا]]، لأنه يهمهم أن تختلف الدول في هذه المنطة فنلجأ إلى مساعدة [[أمريكا]]، فيحصل التحكم في هذه المنطقة. ولقد أبلغتهم اننا لا نريد وساطتهم مع [[السودان]] لتفاهمنا مع إخواننا [[السودان]]يين فإسماعيل [[الأزهر]]ي كان على استعداد للتفاهم معنا، وكذلك [[ميرغني حمزة]] تكلم معي، ولم يكن هناك شد وجذب، ولم يكن هناك خلاف. ولما جاء عباد خليل رئيس الوزارة [[السودان]]ية الحالي، كانت روحه طيبة جداً، فلا داعي إذن لتدخل وتوسط ال[[أمريكا]]ن و[[الآنجليز]].<br />
<br />
ولكن وزارة الخارجية الأمريكية تقرر مصالح [[السودان]] و[[مصر]] .. ولا أدري كيف أن [[أمريكا]] تتدخل في صالح البلدين، ف[[مصر]] و[[السودان]] مرتبطان ببعضهما البعض البعض منذ بدء الخليقة، ولا يمكن أن تصير دولة منهما إلى [[أمريكا]] الشمالية أو الجنوبية. ولكن حب الوصاية والتحكم والسيطرة وخلق المنازعات هي التي فرضت عليهم ذلك.<br />
<br />
وقال البيان أن التطورات التي شهدتها الشهور السبعة غير ملائمة لتنفيذ المشروع. فما هذه التطورات؟ هل هي اقتصادية أو سياسية؟<br />
<br />
وفي البيان الأمريكي أيضاً شيء غريب فوزير الخارجية الأمريكي يخاطب الشعب ال[[مصر]]ي، أي أن هذا ضد [[جمال عبد الناصر]] فقط؟<br />
<br />
ما هي التطورات؟ إنهم يشككون في الاقتصاد ال[[مصر]]ي مع أن الآنتاج ال[[مصر]]ي دُعـِّـم وزاد.<br />
<br />
ويقول كتاب الإحصاء الإحصاء السنوي للأمم المتحدة أن مجموع الدخل القومي ال[[مصر]]ي قد زاد من 748 مليون جنيه عام [[1952]] إلى 780 مليون جنيه عام [[1953]] ثم إلى 868 مليوناً عام [[1954]]، أي أننا نعمل وننتج، وثروتنا تزيد ووضعنا الاقتصادي في تحسن مستمر فدخلنا القومي بلغ 748 مليون جنيه عام [[1952]]، وفي عام [[1954]] أصبح 868 مليونا. أي أن الدخل زاد 120 مليون جنيه في سنتين.<br />
<br />
وزاد مجموع الدخل الزراعي في عام [[1954]] – [[1955]] بمقدار 38 مليون جنيه، بنسبة 15% فقد بلغ 420 مليون جنيه بعد أن كان 382 مليون جنيه.<br />
<br />
وزاد الآنتاج الوزراعي من 123% عام [[1952]] إلى 131% عام [[1954]] وهذه الأرقام من نفس الكتاب الإحصائي الذي أصدرته [[الأمم المتحدة]].<br />
<br />
وفي عام [[1955]] سجل الآنتاج الصناعي تقدماً كبيراً إذ تراوحت نسبة الزيادة في فروعه المختلفة بين 15% و 25% وقد تكلمت عن هذا في الكلمة التي ألقيتها في أول [[يونيو]] في مؤتمر التعاونين.<br />
<br />
وقد بلغت الزيادة أقصاها في إنتاج الحديد والزهر فبلغت الصادرات ال[[مصر]]ية في المدة من أول [[يناير]] إلى آخر يونيه عام [[1956]] ـ 91 مليون جنيه أي بزيادة قدرها 21 مليون جنيه. إلى آخر البيانات الاقتصادية المعروفة والتي نشرت في الميزانية.<br />
<br />
ما هي التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية؟ إنهم يحاولون أن يبينوا أنها اقتصادية .. التطورات هي تطورات استقلالية .. تطورات حرية .. تطورات عزة وكرامة .. التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية أننا بنينا سداً من العزة والكرامة، سداً للحرية والاستقلال ضد الأطماع .. التطورات التي حدثت وأننا قد صممنا أن نقوي جيشنا ونسلحه .. صممنا أن تكون لن شخصية مستقلة .. صممنا أن تكون لنا حرية مستقلة.<br />
<br />
والغرض ـ بالطبع ـ من هذا الإجراء الذي أعلن يوم 20 [[يوليو]] ـ وأنني سأتكلم عن الحكومة الأمريكية لا عن الحكومة البريطانية، لأن الحكومة البريطانية أعلنت في اليوم التالي لإعلان الحكومة الأمريكية بعدأن وصلها الخطاب الأمريكي، والبنك الدولي أعلن بالطبع بعد [[بريطانيا]] بعد أن وصلته تعليمات من [[أمريكا]] ..<br />
[[مصر]] ولهذا فسأتكلم عن [[أمريكا]] في هذا الموضوع .. ما الغرض من هذا؟ .. إنهم يعاقبون [[مصر]] لأنها رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية .. [[مصر]] نادت بالسلام وتحقيق حقوق الآنسان.<br />
<br />
[[مصر]] نادت بالمبادئ والتي كتبوها في ميثاق [[الأمم المتحدة]] بعد الحرب العالمية الثانية ونسوها .. هذه هي المبادئ التي ننادي بها اليوم .. الحرية وحق تقرير المصير والقضاء على الاستعمار وعدم الآنحياز والتعايش السلمي والحياد الإيجابي والتعاون مع جميع الدول، نعادي من يعادينا، ونسالم من يسالمنا .. هذه هي المبادئ التي تنادي بها [[مصر]].<br />
فكيف نقول هذا ولا نسمع كلام الكونجرس الأمريكي ولا نأخذ الأوامر من هناك؟<br />
<br />
ومنذ شهر ونصف شهر وقف أحد أعضاء الكونجرس وقال كيف تتبع [[مصر]] هذه المبادئ ولا تقعطوا عنها المعونة التي تؤخذ منا؟. وهذا معناه غرور وتحكم في الشعوب.<br />
<br />
ونحن قد رفضنا قبول هذا التحكم وهذه السيطرة. إنهم يعاقبوننا على هذا بالسبعين مليون دولار التي كانوا سيعطونها لنا على خمس سنوات!<br />
<br />
إننا نعمل مشروع تنمية ونريد أن ننمي الآنتاج ونرفع مستواه وهم يقولون في جرائدهم إننا نفعل هذا ليعرف الشعب ال[[مصر]]ي أن ناصر ضده، فيضغط عليه الشعب ال[[مصر]]ي لكي يسمع كلام [[أمريكا]].<br />
<br />
هذا ما يقولونه في جرائدهم، ولا يعرفون أن الشعب ال[[مصر]]ي غير موافق على هذا الكلام الذي تذكرونه.<br />
وحينما وصل بلاك وهو مدير البنك الدولي .. وبدأ يتكلم معي في تمويل السد العالي، قال إننا بنك دولي ولسنا بنكاً سياسياً، وليس لي شأن ب[[أمريكا]] مطلقاً، فأنا مستقل أقول الرأي الذي أؤمن به.<br />
<br />
وقلت له كيف يكون مجلس الإدارة ممثلاً لدول ولا يكون بنكاً سياسياً .. بالطع تعتبر بنكاً سياسياً فمجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية السائرة في فلك [[أمريكا]].<br />
<br />
وابتدأت أنظر إلى مستر بلاك وهو جالس على الكرسي وكنت أتخيل أنني أجلس أمام [[فرديناند دليسبس]].<br />
عاد بي تفكيري إلى الكلام الذي كنا نقراه ففي عام [[1854]] وصل إلى [[مصر]] [[فرديناند دليسبس]] وذهب إلى [[محمد سعيد باشا]] ـ الخديوي ـ وجلس بجانبه وقال له نريد أن نحفر [[قناة السويس]] وهذا المشروع سيفيدك فائدة لا حد لها .. فهو مشروع ضخم وسيعود على [[مصر]] بالكثير.<br />
<br />
وعندما كان بلاك يسترسل في كلامه معي، كنت أحس بالعقد الموجودة في الكلام الذي يقوله ويعود بي التفكير إلى [[فرديناند دليسبس]].<br />
<br />
ثم قلت له نحن عندنا عقدة من هذه الموضوعات ونحن لا نريد أن نرى كرومة في [[مصر]] مرة ثانية ليحكمنا.<br />
عمل في الماضي قرضاً وفوائد على القروض وكانت النتيجة أن احتلت بلدنا فأرجوك أن تضع هذا الاعتبار في نفسك وفي كلامك معي، فنحن عندنا عقدة من [[فرديناند دليسبس|دليسبس]]. ومن كرومر عندنا عقدة من الاحتلال السياسي عن طريق الاقتصادي هذه هي الصورة التي صورت لي .. صورة [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] حينما وصل إلى [[مصر]] .. وصل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] إلى [[مصر]] في 7 [[ديسمبر]] عام [[1954]]، وصل إلى [[الإسكندرية]] وبدأ يعمل في حذر وخديعة .. وفي 30 [[نوفمبر]] عام [[1954]] وبعد أن اتصل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] بالخديوي محمد سعيد، حصل على امتياز النال، '''وفي صدر هذا الامتياز الذي منحه سعيد ل[[فرديناند دليسبس|دليسبس]] قال الآتي:'''<br />
<br />
حيث أن صديقنا مسيو [[فرديناند دليسبس]] قد لفت نظرنا إل الفوائد التي قد تعود على [[مصر]] من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر ، بواسطة طريق ملاحي للبواخر، أخبرنا بالفوائد التي تعود على [[مصر]] وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال فقد قبلت الفكرة التي عرضها علينا وأعطيناه بموجب هذا تفويضاً خاصاً بإنشاء وإدارة شركة لحفر [[قناة السويس]] واستغلال [[قناة السويس|القناة]] بين [[البحرين]].<br />
<br />
وكان هذا الكلام عام [[1854]]، وفي عام [[1856]] أي منذ مائة عام صدر فرمان بتكوين الشركة وأخذت [[مصر]] من الشركة 44% من الأسهم والتزمت بالتزامات ل[[فرديناند دليسبس|دليسبس]] .. شركة [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] شركة خاصة ليس لها علاقة بحكومات ولا احتلال ولا استعمار!! [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] قال للخديوي أنا صديقك وقد جئت لأفيدك وأعمل قناة بين [[البحرين]] تستفيد منها.<br />
<br />
تكونت شركة [[قناة السويس]] واشتركت [[مصر]] بـ 44% من الأسهم ـ وتعهدت [[مصر]] بأن تورد العمال الذين سيحفرون [[قناة السويس|القناة]] بأرواحهم وجماجمهم ودمائهم . دفعنا 8 مليون جنيه .. وبعد ذلك ولأجل أن يتنازل [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] عن بعض الامتيازات كنا ندفع له أيضاً.<br />
<br />
وكان المفروض أن نأخذ أيضاً 15% من أرباح الشركة زيادة على أرباح أسمهنا وتنازلنا عن 15% من الأرباح .. وبعد أن كانت القنال محفورة ل[[مصر]] كما قال [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] للخديوي أصبحت [[مصر]] ملكية للقناة.<br />
وفي الاتفاق الذي عقد في 22 [[فبراير]] [[1966]]، جاء في المادة 16 أنه بما أن الشركة العالمية ل[[قناة السويس]] البحرية شركة [[مصر]]ية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها، وإلى الآن لم تخضع الشركة لقوانين البلاد ولا لعرفها لأنها تعتبر نفسها دولة داخل الدولة.<br />
<br />
والمنازعات التي تنشأ في [[مصر]] بين الشركة وبين الأفراد من أية جنسية تختص المحاكم ال[[مصر]]ية بالفصل فيها تبعاً للأوضاع التي تقررها قوانين البلاد وعاداتها. وتختص المحاكم ال[[مصر]]ية في المنازعا التي قد تنشأ بين الحكومة ال[[مصر]]ية والشركة ويقضى فيها طبقاً للقوانين ال[[مصر]]ية.<br />
<br />
ونتيجة الكلام الذي قاله [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] للخديوي عام [[1856]]، ونتيجة الصداقة والديون .. تمَّ احتلال [[مصر]] عام [[1882]].<br />
<br />
واستدانت [[مصر]] بسبب هذا الموضوع .. فماذا فعلت؟ اضطرت [[مصر]] في عهد إسماعيل إلى بيع نصيبها من الأسهم وقدره 44% من أسهم الشركة .. وفوراً أرسلت [[إنجلترا]] تشتري نصيب [[مصر]] من الأسهم في الشركة .. اشترتها بأربعة ملايين جنيه. وبعد ذلك تنازل إسماعيل عن الأرباح التي كان يأخذها للشركة وقدرها 5% نظير تنازلها عن بعض الامتيازات التي أعطيت لها فاضطر بعد أن اشترت [[إنجلترا]] الـ 44% من الأسهم بأربعة ملايين جنيه .. أن يدفع ل[[إنجلترا]] سنويا 5% نظير الأرباح التي كان قد تنازل عنها، فدفع لها أربعة ملايين جنيه أي أن [[بريطانيا]] أخذت نصيب [[مصر]] من الأسهم وقدره 44% بدون مقابل.<br />
<br />
هذا هو ما حدث في القرن الماضي. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة ثانية ويعود إلى الخداع والتضليل؟ وهل يكون التحكم الاقتصادي سبباً في القضاء على حريتنا السياسية؟ .. كلا .. لا يمكن أن يعود التاريخ مرة أخرى ونحن اليوم نقضي على آثار الماضي البغيض التي تسبب فيها المستعمرون بالخداع والتضليل.<br />
<br />
واليوم فإن [[قناة السويس]] التي مات من أبنائها في حفرها 120 ألفاً .. حفروها بالسخرة ودفعنا في تأسيسها 8 مليون جنيه .. [[قناة السويس]] التي أصبحت دولة داخل الدولة .. والتي أذلت الوزراء والوزارات .. هذه [[قناة السويس|القناة]] قناة [[مصر]]، شركة مساهمة [[مصر]]ية اغتصبت [[بريطانيا]] منا حقنا فيها وهو الـ 44 في المائة من أسهم الشركة .. وما زالت [[بريطانيا]] من وقت افتتاح القنال حتى الآن تأخذ فوائد مقابل هذه الأسهم والدول كلها تأخذ فوائد والمساهمون فيها يأخذون فوائد .. ودولة داخل الدولة وشركة مساهمة [[مصر]]ية!<br />
<br />
وبلغ دخل شركة [[قناة السويس]] في عام [[1955]] ـ 35 مليون جنيه أي مائة مليون دولار ونأخذ نحن الذين مات من أبنائنا 120 ألفاً أثناء حفرها مليون جنيه فقط أي 3 مليون دولار!.<br />
<br />
شركة [[قناة السويس]] التي قامت كما قال فرمان من أجل مصلحة [[مصر]] ومن أجل منفعة [[مصر]]!.<br />
<br />
هل تعلمون مقدار المساعدة التي ستعطيها لنا [[أمريكا]] و[[إنجلترا]] في خمة سنوات؟<br />
<br />
70 مليون دولار .. وهل تعلمون من الذي يأخذ المائة مليون دولار وهي دخل الشركة السنوي؟ هم الذين يأخذونها بالطبع.<br />
<br />
وليس عيباً أن أكون فقيراً وأقترض لكي أبني بلدي، أو أحاول أن أجد ماعدة لجل بلدي .. ولكن العيب هو أن أمتص دماء الشعوب .. وأمتص حقوق الشعوب.<br />
<br />
إننا لن نكرر الماضي بل سنقضي على الماضي .. سنقضي على الماضي بأن نستعيد حقوقنا في [[قناة السويس]] .. هذه الأموال أموالنا .. وهذه [[قناة السويس|القناة]] ملك ل[[مصر]] لأنها شركة مساهمة [[مصر]]ية.<br />
<br />
حفرت [[قناة السويس]]ة بواسطة أبناء [[مصر]]، ومات 120 ألف [[مصر]]ي في حفرها .. شركة [[قناة السويس]] الموجودة الآن في باريس شركة مغتصبة .. اغتصبت امتيازاتنا. وعندما جاء [[فرديناند دليسبس|دليسبس]] إلى [[مصر]] كان مجيئه يشبه مجيء بلاك إلى [[مصر]] للتحدث معي.<br />
<br />
والتاريخ لن يعيد نفسه، بل على العكس سنبني السد العالي وسنحصل على حقوقنا المغتصبة .. سنبني السد العالي كما نريد .. وسنصمم على هذا 35 مليون جنيه كل سنة تأخذها شركة [[قناة السويس|القناة]] .. فلتأخذها [[مصر]] .. مائة مليون دولار كل سنة تحصلها شركة [[قناة السويس|القناة]] لمصلحة [[مصر]] .. فلنحق هذا الكلام وتحصل [[مصر]] على المائة مليون دولار لمنفعة [[مصر]] أيضاً.<br />
<br />
ولهذا فإننا اليوم أيها المواطنون حينما نبني السد العالي، فإنما نبني أيضاً سد العزة والحرية والكرامة ونقضي على سدود الذل والهوان.<br />
<br />
وتعلن ـ [[مصر]] كلها ـ جبهة واحدة أنها كتلة وطنية متكاتفة متحدة .. [[مصر]] كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها .. كل واحد من أبنائها سيكون مثل [[صلاح مصطفى]] ومثل [[مصطفى حافظ]] .. كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا في سبيل بنا بلدنا، وفي سبيل بناء [[مصر]] .. لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر، وسنعتمد على سواعدنا وعلى دمائنا ونحن أغنياء، لقد كنا متهاونين في حقوقنا ونحن نستردها ـ معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة فخطوة .... سنبني [[مصر]] لتكون قوية .. وسنبني [[مصر]] لتكون عزيزة.<br />
<br />
'''ولهذا وقعت اليوم،، ووافقت الحكومة على [[القانون]] الآتي:'''<br />
<br />
'''قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية ل[[قناة السويس]]'''<br />
<br />
'''باسم الأمة :'''<br />
<br />
'''رئيس الجمهورية :'''<br />
<br />
مادة 1- تؤمم الشركة العالمية ل[[قناة السويس]] ـ شركة مساهمة [[مصر]]ية ـ وينتقل إى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل جميع الهيئات القائمة حالياً على إدارتها.<br />
<br />
ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها مقدره بحسب الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا [[القانون]] في بورصة الأوراق المالية بباريس ويتم دفع هذا التعويض بعد استلام الدولة لجميع أملاك وممتلكات الشركة المؤممة.<br />
<br />
مادة 2- تتولى إدارة مرفق المرور في قناة الويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتلحق بوزارة التجارة ـ يصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.<br />
<br />
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامي، ويكون للهيئة ميزانية مستقلة يتبع في وضعها القواعد المعمول بها حالياً في المشروعات التجارية. وتبدأ السنة المالية في آخر [[يونيو]] من كل عام. وتعتمد الميزانية والحساب الختامي في كام بقرار من رئيس الجمهورية.<br />
<br />
تبدأ النة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا [[القانون]] وتنتهي في آخر [[يونيو]] عام [[1957]]. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قرارتها أو للقيام بما تعهد به إليه من أعمال. كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية للاستعانة بها في البحوث والدراسات.<br />
<br />
يمثل الهيئة رئيسها أمام الجهات القضائية والحكومية وغيرها وينوب عنها في معاملته مع الغير.<br />
<br />
مادة 3- تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها في [[مصر]] وفي الخارج ويحظر على البنوك والهيئات والأفرا التصرف في تلك الأموال بأي وجه من الوجوه .. أو صرف أي مبالغ أو تأدية أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 4- تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار في أداء أعمالهم ولا يجوز لأي منهم ترك عمله أو التخلي عنه بأي وجه من الوجوه أو لأي سبب من الأسباب إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 5- كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازي ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة، وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن فضلاً عن حرمانه من أي حق في المكافأة أو المعاش أو التعويض.<br />
<br />
مادة 6- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويكون له قوة [[القانون]] ويعمل به من تاريخ نشره ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.<br />
<br />
'''أيها المواطنون:'''<br />
إننا لن نمكن منا المستعمرين أو المستبدين .. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى .. إننا قد اتجهنا قدما إلى الأمام لنبني [[مصر]] بناء قوياً متيناً .. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسي واستقلال اقتصادي .. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومي .. من أجل مجموع هذا الشعب .. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكننا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت لنهدم آثار الماضي .. آثار الاستبداد .. آثار الاستعباد والاستغلال والسيطرة .. إنما نتجه إلى الماضي لنقضي على جميع آثاره.<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون، وقد عادت الحقوق إلى أصحابها .. حقوقنا في [[قناة السويس]] .. عادت إلينا بعد مائة سنة .. اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقي من صروح السيادة ـ ونحقق البناء الحقيقي من أبنية العزة والكرامة. وقد كانت [[قناة السويس]] دولة في داخل الدولة شركة مساهمة [[مصر]]ية. ولكنها تعتمد على المؤامرات الأجنبية وتعتمد على الاستعمار وأعوانه.<br />
<br />
بنيت [[قناة السويس]] من أجل [[مصر]] ومن أجل منفعة [[مصر]] ولكن كانت [[قناة السويس]] منبعاً لاستغلال واستنزاف المال وكما قلت لكم منذ قليل .. ليس عيباً في أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدي، ولكن العيب هو امتصاص الدماء .. لقد كانوا يمتصون الدماء .. يمتصون حقوقنا ويأخذونها.<br />
<br />
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق أقول باسم شعب [[مصر]] إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ .. سنحافظ على هذه الحقوق. <br />
<br />
ودونها أرواحنا ودماؤنا .. إننا سنحافظ على هذه الحقوق، لننا نعوض ما فات .. إننا حينما نبني اليوم صرح العزة والكرامة نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يكتمل إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة .. وقد كانت [[قناة السويس]] صرحاً من صروح الاستبداد وصرحاً من صروح الاغتصاب .. وصرحاً من صروح الذل.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون أممت [[قناة السويس]] ونشر هذا القرار في الجريدة الرسمية فعلاً وأصبح هذا القرار أمراً واقعاً.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون نقول هذه أموالنا ردت إلينا .. هذه حقوقنا التي كنا نسكت عليها، عادت إلينا.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون ودخل [[قناة السويس]] 35 مليون جنيه، أي مائة مليون دولار في السنة، أي خمسمائة مليون دولار في خمس نوات .. فلم ننظر إلى الـ 79 مليون دولار، قيمة المعونة الأمريكية؟<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون بعرقنا ودموعنا وأرواح شهدائنا وجماجم الذين ماتوا عام [[1856]]، منذ مائة عام أثناء السخرة. نستطيع أن ننمي هذا البلد وسنعمل وننتج ونزيد في الآنتاج برغم كل هذه المؤامرات كل هذا الكلام. إنني كلما صدر من واشنطن كلام سأقول: موتوا بغيظكم.<br />
<br />
سنبني الصناعة في [[مصر]] وسننافسهم فهم لا يريدون أن نكون دولة صناعية حتى تروج منتجاتهم وتجد لها سوقاً عندنا.<br />
<br />
إنني لم أرَ أبداً معونة أمريكية متجهة إلى التصنيع لأن اتجاهها إلى التصنيع سيترتب عليها منافستنا لهم .. ولكن المعونة الأمريكية تتجه دوماً إلى الاستغلال.<br />
<br />
ونحن في الأربع سنوات الماضية ونحن نستقبل العام الخامس للثورة، كما قلت في أول كلامي نشعر بأننا أصلب عوداً وأشد عزماً وأشد قوة وإيماناً .. واليوم ونحن نستقبل العام الخامس للثورة وكما طرد فاروق في 26 [[يوليو]] عام [[1952]] تخرج اليوم [[قناة السويس]]، في نفس اليوم نشعر أننا حققنا عزة حقيقية، فلن تكون سيادة في [[مصر]] إلا لأبناء [[مصر]] ولشعب [[مصر]].<br />
<br />
وسنتجه قدماً إلى الأمام .. متحدين متكاتفين .. شعب واحد يؤمن بنفه ويؤمن بوطنه ويؤمن بقوته .. شعب واحد .. كتلة واحدة متراصة نحو البناء ونحو التصنيع ونحو الآنشاء وضد أعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار، نف ضد الغدر والعدوان .. ونقف ضد الاستعمار الذي آل على نفسه أن يعمل ويزحف زحفاً حثيثاً.<br />
<br />
إننا بهذا أيها المواطنون سنستطيع أن نحقق الكثير وسنشعر بالعزة والكرامة. وسنشعر بأننا نبني وطننا بناء حقيقياً كما نريد .. نبني ما نريد ونعمل ما نريد .. ليس لنا شريك.<br />
<br />
وإننا اليوم حينما نسترد الحقوق المغتصبة والحقوق المسلوبة إنما نتجه إلى القوة وكل عام سنزداد قوة على قوة وبعون الله نكون أقوياء في العام القادم وقد ازداد إنتاجنا وعملنا ومصانعنا.<br />
<br />
الآن وأنا أتكلم أليكم يقوم أخوة لكم من أبناء [[مصر]]، ليديروا شركة [[قناة السويس|القناة]] ويقومون بعمل شركة [[قناة السويس|القناة]] .. الآن في هذا الوقت يتسلمون شركة [[قناة السويس|القناة]] .. شركة القنال ال[[مصر]]ية لا شركة القنال الأجنبية .. قاموا ليتسلموا شركة القنال ومرافقها ويديروا الملاحة في [[قناة السويس|القناة]] .. [[قناة السويس|القناة]] التي تقع في أرض [[مصر]]، والتي تخترق أرض [[مصر]] والتي هي جزء من [[مصر]] وملك ل[[مصر]]، نقوم الآن بهذا العمل لنعوض ما فات ولنعوض عن الماضي ولنبني صروحاً جديدة للعزة والكرامة.<br />
<br />
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88&diff=643711مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو2012-02-23T09:13:12Z<p>Helmy: حمى "مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د.مصطفى عبد الغني'''<br />
<br />
'''الإهداء إلى الشعب العربي ذكرى لزمن عربي آت'''<br />
<br />
==بدلاً من المقدمة==<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
سؤال يطرح أسئلة أخرى ..<br />
<br />
وإجابة تستعيد إجابات كثيرة.<br />
<br />
لنسأل ونحاول الإجابة ..<br />
<br />
ـ لماذا عبد الناصر الآن؟<br />
<br />
ـ أو لماذا نتذكره الآن أكثر (وهل نسيناه؟)؟<br />
<br />
ـ ولماذا نستعيد الآن قضاياه ومشروعه الثوري (وهل غابت حقاً؟) ؟<br />
<br />
'''أو لنكن أكثر حيدة ونسأل من جديد:'''<br />
<br />
ـ هل نحاول إعادة تقييمه..؟ ولنسأل بحيدة أكثر:<br />
<br />
ـ ما هي حقيقة بحثنا عن رد الاعتبار لعبد الناصر الآن بعد أن سهدت أجيال كثيرة تغييبه أو إغفاله؟<br />
وينفرط عقد الأسئلة ..<br />
<br />
ـ ما هو موقفه من رفاقه ومثقفيه؟<br />
<br />
ـ وهل كان ـ كما يردد عن جهل أو حقد ـ وراء عمليات (التعذيب) فى السجون مع مختلفيه؟<br />
<br />
ـ وما هى حقيقة الديموقراطية فى عصره؟<br />
<br />
ـ ثم ما هى طبيعة الخلاف بين الثورة والقانون؟<br />
<br />
ـ ولماذا اتجه إلى حركات التحرر العالمية ـ والعربية منها ـ سواء بالتأييد المطلق، أو التأييد العسكرى؟<br />
<br />
ـ ولماذا كان وراء تجسيد فكرة الوحدة العربية؟<br />
<br />
ثم يدفعنا الماضى إلى الحاضر من جديد، ونعود إلى طرح السؤال لماذا نتذكره ويدفعنا السؤال إلى إعادة طرح الأسئلة البدهية؟<br />
<br />
ـ لماذا يطرح فكره فى زمن الاجتياح الإسرائيلى و (السور الواقى) بين المثقفين وترفع صوره عبر الشوارع العربية؟ وتردد شعاراته عبر البحث عن مواجهة القوة..؟<br />
<br />
ـ ثم ما هو موقفه من عديد من القضايا عبر (مشروعه) الذى رحنا منذ أكثر من ربع قرن ـ عقب رحيله ـ بعثرته أو بيعه مع ما بعنا وبعثرنا أو ضيعنا..؟<br />
<br />
أسئلة عديدة تطرح علينا الآن، ونحاول كما حاول غيرنا كثيراَ ـ محاولة الإجابة بعد نصف قرن من ثورة يوليو.<br />
أو بشكل أدق: محاولة لرد اعتبار لثورة يوليو ..<br />
<br />
والأن الأسئلة كثيرة؛ تظل الإجابات كثيرة، فلنحاول الإجابة إذن عبر ملاحظة أو سبب واحد؛ سبب بدهى نعيشه جميعاَ الآن؛ ليس مضى نصف قرن على ثورة يوليو وحسب، وإنما الدعوة (للمقاومة) ضد صلف ومذابح الإسرائيليين الآن فى جنين وأخواتها ..<br />
<br />
إنه رد الفعل (المقاومة) ضد العنصرية الصهيونية ـ الأمريكية اليوم فى وقت مازالت الحكومات العربية غائبة .. فى الوقت الذى كانت القوات الإسرائيلية تعصف بكل شئ فى جنين ونابلس وطولكرم .. إلى آخر المدن العربية، لم تتحرك فى بلاد العرب إلا الشعوب خلال الشارع العربى ومظاهراته التى استعلت لفترة طويلة .. حين كانت طائرات الأباتشى تصب نيرانها على العزل من أعلى والبلدوزرات والدبابات زنة 80 طناَ تهرس العزل من أسفل وتحاصر كنيسة المهد ويطلق عليها النيران .. فى هذا الوقت رأيت مسيرة ضخمة تخرج فى ميدان التحرير فى القاهرة وأمام السفارة الأمريكية تحمل اللافتات ضد التتار الصهيونى وفى الوقت نفسه تعلو بين أيديها صورة عبد الناصر، فى حين أننى رأيت فى نهاية المسيرة فتاة عربية تحمل يافطة كتب عليها عبارة مؤسية "هش.. سكون.. العرب نائمون" ..<br />
<br />
وقتها لم أسأل نفسى: لماذا صورة عبد الناصر فى هذا الوقت وفى هذه المسيرة؟<br />
<br />
لم أبحث عن إجابة، فقد كانت الإجابة تطوى فى القلوب، إنه ـ عبد الناصر، حتى ولو كانت الصورة تظل الرمز على المقاومة ..<br />
<br />
الرمز على المشروع الدى تبناه عبد الناصر ورحل شهيداَ من أجله.<br />
<br />
إنه الرمز الباقى فى هذه الفقرة العصيبة من تاريخنا ..<br />
<br />
إنه الرمز/الواقع الذى نتأمل فيه أكثر.<br />
<br />
إنه رد الأعتبار إذن الذى نسعى إليه الآن ..<br />
<br />
وبادئ ذو بدء؛ لابد أن نضع فى حسباننا وتصورنا ـ ونحن نكررها دائماَ، إننا نبحث عن إعادة اعتبار لجمال عبد الناصر ..<br />
هذه هى الحقيقة الغائبة الحاضرة دائما.<br />
وهو ما نسعى إلى بعضه الآن.<br />
والعودة إلى السبب البدهى، فإن الأحداث الجارية، خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلى للأرض الفلسطينية 29 مارس الماضى وعملية غزو العراق التى كانت تنقل عبر الهواء مباشرة وتشاهد عبرها الأسلحة الأنجلو أمريكية تحصد أرواح العراقيين بين شامت وساكت وشاجب..!!، أثارت فينا، أو دفعت بالشارع العربى ـ دعك من المثقف ـ الأثر الكبير الذى تركه عبد الناصر أو الزمن السحيق (هل هو سحيق حقاَ..؟) والذى مازال يدفعا الآن ـ وكأننا بعد قرون من منتصف القرن الماضى ـ لاستدعاء عبد الناصر، ربما كانت الإجابة العفوية الصادقة، ألأنه صاحب شعار القوة، نقصد شعاره الذى بعث فينا جميعاَ نبض الحياة عشية 1976 أن:<br />
“ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.<br />
<br />
'''بيد أن هذا يدفعنا إلى سؤال أكثر مرارة:'''<br />
<br />
وهل كان الواقع حولنا وبنا يشى بغير ذلك؟<br />
<br />
هل كان ما تفعله إسرائيل فى الحرب العالمية الأولى ـ 1984 أو الثانية 1956 ـ أو الثالثة 1976 ـ ثم الرابعة والخامسة 1973 و 1982.. وما عرفناه عبر الممارسات الدموية ضد أطفال الانتفاضة الأولى أو الثانية.. غير كاف لئلا ننسى هذا الشعار؟<br />
<br />
لعله من الأوفق أن نقول أن الشعار ظل بيننا، لم يغب أبداَ، وإنما جعل الاجتياح الإسرائيلى والعمليات الاستشهادية والمقاومة المجيدة فى جنين قد جعلتنا نراه اكثر.<br />
<br />
الواقع المر على الأرض هناك، وهنا، دفعنا لنرى أكثر.<br />
<br />
أو دفعنا لنرى أكثر وكأننا كنا نياماَ ..<br />
<br />
هل هى مصادفة أن تبدأ الأنتفاضة الثانية فى 28 سبتمبر منذ قرابة عامين (28 سبتمبر كانت تاريخ رحيل عبد الناصر) ؟<br />
<br />
هل مصادفة ألا يعقد أى مؤتمر عربى الآن منذ الاجتياح الإسرائيلى 29 مارس دون أن يكون “الإلهام الحقيقى للزخم الذى حدث فى هذا المؤتمر ـ أو ذاك ـ تعبيراَ عما يحدث فى الشارع العربى هو ثورة يوليو وأفكارها ومبادئها وشعاراتها” بل (كما ردد البعض فى ندوة “رامتان” أخيراَ) زعيمها جمال عبد الناصر..؟<br />
<br />
فضلاَ عما أحدثته هذه الثورة داخل المصريين من تجسيد الوعى القومى العربى وقد كان قيل ذلك وحتى توقيع بروتوكول اسكندرية 1944 لجامعة الدول العربية.<br />
<br />
ولهذا، ولغيره، نقول: إنه سبب بدهى أن نتذكر عبد الناصر الذى غابت دولته وراء (هزيمة) 1967، نقول دولته وبقى مشروعه الثورى الحضارى المقاوم الأول حتى الآن ..<br />
<br />
بيد أن مشروعه الفكرى المقاوم لابد أن يتحدد بشكل أكثر فى الحاضر.<br />
<br />
إننا حين نتذكر مشروع عبد الناصر الآن لابد أن نضعه فى سياقه. وبعيداَ عن الأسئلة التى يرفضها التاريخ والتى تبدأ دائماَ بعلامة التمنى: (لو) ..<br />
<br />
ـ لو كان عبد الناصر بيننا الآن فكيف كنا سنقاوم القوى العنصرية الغريبة فى إسرائيل؟<br />
<br />
ـ لوكان عبد الناصر بيننا فكيف كنا سنقاوم التحالف الأمريكى البريطانى لاغتصاب العرا ونهب ثرواته.<br />
<br />
ـ لو كان عبد الناصر بيننا كيف كان العم سام يستطيع الجلوس على عرش الشرق الأةسط فى الخليج وبلاد ما بين النهرين..!!<br />
<br />
الإجابة بالقوة طبعاَ، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. كما ردد كثيراَ.<br />
<br />
'''ونعيد طرح السؤال:'''<br />
<br />
ـ وعبد الناصر ليس بيننا الآن فكيف سنقاوم..؟<br />
<br />
الإجابة بالقطع نؤكد: بالقوة.<br />
<br />
ـ ولا يلبث الواقع أن يضيف ويلفت النظر بعنف:<br />
<br />
ولكن القوة تغيرت.<br />
<br />
إن القوة الآن تحددت أكثر فى السياسات التكنولوجية والفجوة الرقمية الهائلة التى أصبحت بيننا، ولم نصبح نحن بينها.<br />
<br />
أصبح العالم الغربى يتقدم عنا كثيراَ فى هذه القوة ليست القوة فى حد ذاتها، وإنما القوة بمجموعها حين يكتمل مشروع جمال عبد الناصر فنرى القوة ضرورة تلاشى الفجوة الرقمية القائمة بين الأقطار العربية، والبحث عن طريقة مثلى سريعة لامتلاك هذه القوة.<br />
<br />
لتضييق هذه الفجوة المهنية خلال فترة زمنية ضئيلة جداَ لحجم المخاطرة الضخمة التى تواجهنا.<br />
لا تواجهنا نحن فقط فى الأرض المحتلة.<br />
<br />
عبر أهلنا واطفالنا الذين يقتلون أو يسجنون يومياَ.<br />
<br />
وإنما، عبر أقطارنا العربية التى تواجه ـ أمام القوة فى القطاعات الغربية والعنصرية ـ تكنولوجيا رقمية متقدمة عنا كثيراَ..<br />
<br />
وبدهى أن القوة هنا تمضى على ثلاث مستويات.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية العربية عبر (استراتيجية) جديدة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، يكون علينا أن نعيد ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن غياب القوة الآن يعنى غياب مشروع عبد الناصر.<br />
<br />
وغياب عبد الناصر يعنى غياب التنسيق الواجب بين الدول العربية فى الصناعة التكنولوجيا، ومن ثم التقصير فى التأهب السريع فى مجال تطور التقنية، خاصة أنها تؤثر الآن ليس فى مجال حياة المواطنين فحسب، أو فى مجال سيطرة العولمة الاقتصادية والثقافية، وإنما ـ فى هذا السياق ـ فى مجال (القوة) ـ بما فيها العسكرية ـ لمواجهة القوة المضادة.<br />
<br />
إن غياب عبد الناصر، يعنى، تماهى الشعوب العربية فى غياهب العولمة الأمريكية بعد (عسكرة العولمة) وتحولنا من مقاومين للأمركة إلى تابعين لبوش الثانى ..إن واضعى السياسات فى عالمنا العربى اليوم يجب أن ينتبهوا أولاَ إلى أن القوة هى السبيل الوحيد لاسترداد الحق.<br />
<br />
وأن القوة تغيرت نوعيتها بعد نصف قرن على ثورة يوليو.<br />
<br />
وأن القوة يجب أن تمضى فى تفعيل الدور العربى وليعبر كل قطر فى الوسائل التجارية أو القياسات العالمية أو شركات الإنترنت .. إلى غير ذلك، وإنما بالإضافة إلى ذلك كله القوة التى تتمثل فى النهوض بقطاع التكنولوجيا الرقمية ليمكن مواجهة القوة الأخرى المضادة.<br />
<br />
وفى غيبة القوة لن نستطيع أن نسترد ما أخذ بالقوة.<br />
<br />
وبغير القوة لن نستطيع ان نتمثل الأية الكريمة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و ..} إلى آخر ما تحثنا الأديان السماوية.<br />
<br />
'''لكن يعود إلينا السؤال من جديد:'''<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
يعود السؤال وتطل علينا إجابة آحرى..<br />
<br />
إنها الشهادة الغائبة بعد ثورة يوليو بنصف قرن..<br />
<br />
وبعد رحيل عبد الناصر بأكثر من ثلث قرن.<br />
<br />
لماذا نتذكر هذا كله الآن..؟<br />
<br />
لنقترب من إجابة آخرى من جديد.<br />
<br />
"ـ.. كان كل ما كان يضايقنى .. أن القدر قد أتاح لأناس كثيرين أن تتكلم ووالدى لم يتح له الكلام .. و .. (و) .."<br />
<br />
كان هذا ما جاء على لسان هدى عبد الناصر بالحرف الواحد فى حوار معها على الشاشة الزرقاء قبل فتة ليت بالقريبة، ورددته بعض الصحف فى صيف 2002.<br />
<br />
وكان هذا أكثر ما كان يؤرقنى كتلميذ فى مدرسة التاريخ، رددته كثيراَ بين نفسى، وكتبته أكثر من مرة، وقلته فى أوقات كثيرة لعل آخرها الندوة التى أقيمت بالأهرام منذ أكثر من عام حول (الوثائق) ونشرها "الأهرام الدولى".<br />
<br />
كان سؤال هذه الندوة ـ وكانت د. هدى بيننا ـ أين وثائق الثورة؟<br />
<br />
'''وعدت أردد بشكل أكثر دقة فى هذا المقام:'''<br />
<br />
ـ أين شهادة الرئيس عبد الناصر؟ أين شهادة أهم من عاصر ثورة يوليو ـ على الإطلاق..؟<br />
<br />
إن الجميع قالوا أفكارهم وشهاداتهم عن ثورة يوليو ـ الأعداء والأصدقاء ـ كتاب المذكرات وكتاب الذكريات ـ المؤرخون والهواة والمتربحين وحتى الفنانات ـ وغيرهم كثيرين.<br />
<br />
(أضفت بأسى) إلا واحداَ هو جمال عبد الناصر بنفسه.<br />
<br />
إن حياة عبد الناصر ـ التى هى أحداث مصر: واقعها ومصائرها طيلة الخمسينات والستينات غائبة إلى حد بعيد.<br />
<br />
ومشروع عبد الناصر الذى رحل من أجله غائب ويغيب يالتقادم.<br />
<br />
رغم الكثير مما قيل فيه وعنه ..<br />
<br />
حاضر إلى حد بعيد .. رغم القليل مما يقال فيه وعنه.<br />
<br />
وإذا كنا قد استمعنا إلى الكثيرين.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف البريطانى قد فتح أمامنا.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الأمريكى تعرفنا عليه.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الروسى أفرج عن الكثير (وبريما كوف ضمن بعضها الآن فى آخر كتاب له).<br />
<br />
وإذا كان القاضى والدانى تحدث كثيراَ عن الأحداث والمواقف والشخصيات.. إلى آخر ما يصنع حركة التاريخ ويحكم عليها .. إذن، أين هى شهادة جمال عبد الناصر..؟<br />
<br />
ثم كانت فرصة (حلقة نقاشية) أخيراَ أقامتها د. هدى عبد الناصر وحضرها عدد كبير من القوميين والناصريين والشهود من عصر عبد الناصر ـ فى أغلبهم ـ ووجدتنى، أنتظر الجميع حتى يدلون بشهاداتهم ثم أسأل السؤال الذى حيرنى طويلاَ بعد أن رحل عبد الناصر فجأة فى سبتمبر 1970، سألت، وأنا أوجه السؤال إلى إبنة الزعيم:<br />
<br />
ـ سمعنا شهادات كثيرة جداَ، ولم نعرف شهادة أهم شخصية فى ثورة يوليو؛ جمال عبد الناصر .. <br />
<br />
لقد قرأت كثيراَ وعرفت ـ وكنت أحد شهود هذه الفترة ـ أن عبد الناصر كان صريحاَ إلى أبعد الحدود، وأنه كان ـ فى الوقت نفسه ـ واعياَ للمرحلة التى يعيشها إلى أبعد حدود، ومن هنا، فإنه ما كاد ينهى لقاءه مع شخصية سياسية كبيرة أو دبلوماسى كبير إلا وكان أول ما يفعله أن يمضى؛ يجلس مباشرة إلى مكتبه ويكتب ـ بعد اللقاء مباشرة ـ كل ما دار، بالحرف والنص. <br />
<br />
كان واعياَ للتاريخ. <br />
<br />
وواعياَ لدوره الحيوى فى التاريخ. <br />
<br />
فأين ـ عدت إلى سؤالى قبل أن أتحول إلى غيره ـ .. فأين هذه الشهادة؟<br />
<br />
شهادة عبد الناصر؟<br />
<br />
'''تحدثت ابنة عبد الناصر وبمرارة شديدة قالت بالحرف:'''<br />
<br />
"شهادة عبد الناصر، إنها فى محاضر الجلسات التى كان يحضرها فى مجلس الوزراء وفى الاتحاد الاشتراكى وفى المباحث .. إلخ".<br />
من هنا ـ أضافت ـ كان اهتمامى بنشر محاضر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى وقد حصلت عليها بالمصادفة. <br />
<br />
وسوف تنشر ناقصة جلستين بعد أن يأست من تعاون البعض معى (!!) <br />
<br />
أما عن محاضر الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى التى نشرها البعض، والذى يقول فيها أنه أستطاع الحصول عليها حين أعطاها له فى يده أنور السادات وقال له أنشرها .. هنا؛ أنا لا أعرف؛ هل مانشر هو النصوص الحقيقية بغض النظر عن تعليقاته الخاصة؟ هل فى النصوص الحقيقية؟ هل حذف منها شئ ـ مثلاَ ـ الإجابة: لا أعرف؟ لماذا؟ سألت أجابت ـ لأننى ببساطة لا أستطيع الوصول إلى النسخة الأصلية لها بدار الوثائق المصرية ولا بأى مكان آخر .<br />
<br />
أمر آخر يحيرنى كثيراَ .. أضافت فى حيرة شديدة ومع ذلك أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها جمال عبد الناصر وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنفيذية العليا؟ <br />
<br />
أين هذه الجلسات؟ إن هناك محاضر وجلسات عثرت عليها بالمصادفة .. وجدته عنده فى مكتبه ـ أى فى مكتب الرئيس ـ لكن يظل السؤال قائماَ، مادمنا لم نعثر إلا على بعض المحاضر ، ، أين باقى محاضر مجلس الوزراء التى كان يحضرها؟ فالمعروف أن عبد الناصر كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء خاصة فى فترات الأزمات ـ مثلاَ ـ باللجنة التنفيذية العليا .<br />
<br />
'''ومع ذلك، نعود لنسأل:'''<br />
<br />
ـ أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها جمال عبد الناصر وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنقيذية العليا؟<br />
<br />
كان جمال عبد الناصر يسجل جميع المباحثات، وكلها كانت محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات .<br />
<br />
عبد الناصر "عمره ماعمل مباحثات تحت الشجرة" كل شئ مسجل وموجود، وأنا أجزم بذلك. وقد عملت فى سكرتارية الرئيس للمعلومات الفترة من سنة 1967 إلى 1970 .. وبالتالى فأنا على دراية بما كان موجوداَ.<br />
<br />
إذن، كان جمال عبد الناصر موجوداَ فى كل الأجتماعات التى كان يحضرها على جميع مستويات الدولة. <br />
<br />
وجمال عبد الناصر يؤكد مشرعه ويسجله فى كل الاجتماعات التى يحضرها على جميع المستويات. <br />
<br />
لماذا؟ <br />
<br />
ـ لأن ياسته كانت واحدة فى العلن والسر، لم يكن هناك أى شئ مخفى أو شبه علنى، لا، كانت هناك فقط أشياء لا تعلن لدواعى الأمن، لكنها موجودة ومكتوبة ومدونة فى هذه المحاضر .. كل شئ كان موجوداَ وموثوقاَ ولهذا أريد أن أصل إلى هذه المحاضر بأية طريقة. <br />
<br />
تنتهى شجون ابنة عبد الناصر ولا ينتهى البحث عن شهادته. <br />
<br />
ولا تنتهى هذه المحاولة منا هنا، والآن، لمحاولة رد الاعتبار لعبد الناصر بعد نصف قرن من يام ثورة يوليو وأكثر من ثلث قرن على رحيله. <br />
<br />
المحاولة رغم غياب الوثائق، وغياب الحافز الفردى فى وقت يتعرض فيه عبد الناصر أهم رموز ثورة يوليو لنزاع الخلط والخطأ والؤامرة أما الخلط، فهو لغياب المصادر والوثائق. <br />
<br />
والخطأ لغياب الحيدة والوعى. <br />
<br />
والؤامرة، لأن العنصرية الغريبة / الإسرائيلية تبذل كل جهد لغياب الوجه الوطنى العربى المقاوم لجمال عبد الناصر. <br />
<br />
وإنما ماذا نفعل ـ فى ضوء التاريخ ـ لنعرف ماذا سيحدث فى المستقبل؟ <br />
<br />
أصبح الماضى ـ فيما نرى ـ هو الدافع الكبير لتحريك الفكر (المضارع) وإدراك (الوعى) الحاضر من أجل امتلاك الإدارة (بالمستقبل). <br />
<br />
ولأن عبد الناصر جزء من خيوط الماضى؛ فإنه ـ فى ضوء المضارع ـ يظل نسيجاَ حياَ من مصادر الوعى بالحاضر، ومن ثم، الوعى (بمشروعه) هو الوعى باكتمال النيج فى امتداد المستقبل. <br />
<br />
'''عبد الناصر مازال بيننا:'''<br />
<br />
ورغم أن هذه المحاولة ليست الأولى (أنظر إلى كتابنا: المثقفون وعبد الناصر، الطبعة الثانية، دار غريب 2000) .. فإننا حاولنا هنا أن نستعيد الوعى بعبد الناصر عبر عدد من القضايا الحية، وأذكر أن كل فصوله كانت ـ فى الأصل ـ أبحاثاَ ومجالاَ لمطارحات بين كاتب هذه السطور وبين عدد كبير من الجماهير العربية ـ ليس المثقفين فقط ـ فقط طرحت أغلب هذه الأبحاث بين باريس ومدريد، كما بعضها الآخر بين تونس والأردن والقاهرة .. إلخ.<br />
<br />
وفى جميع الحالات استفدت عن عبد الناصر العربى (ولي المصرى فقط) .. وأقول العربى، لأن عبد الناصر كان واعياَ للعبد العربى وعياَ حاداَ رغم الهزائم التى شارك فيها العدو والصديق وأعترف أننى استفدت كثيراَ بهذه المطارحات والحوارات سواء مع (شهود) عصر عبد الناصر قبل ربع قرن، أو الجماهير العربية خارج مصر وداخلها. <br />
<br />
كما يجب أن أعترف أننى وإن اجتهدت طويلاَ للحصول على الوثيقة لتأكيد دور ثورة يوليو، فقط نجحت كثيراَ فى الحصول على كثير من الشهادات ـ المصادر الحية ـ ومن شتى التيارات، وهى شهادات ـ كما نرى ـ غاب بعضها، ومازال البعض الآن بيننا وقد أرجأنا بنشر الشهادات، على أهميتها، للجزء التالى .. استكمل فيه عملية رد الاعتبار فى ضوء الشهادات الحية.<br />
<br />
أما عن المنهج الذى اتفدت به ـ فضلاَ عن السطور السابقة ـ فقد كان المنهج التاريخى والموضوعى خاصة، والوثائ بوجه أخص؛ ثم هذه المصادر الحية عبر (محاضر نقاش) موثقة ومسجلة.<br />
<br />
خاصة أننى أحاول أن أستعيد "مشروع" عبد الناصر/ ثورة يوليو فى عصر العولمة .. أى بعد نصف قرن من رحيله، ومن ثم، تحررت من حجاب المعاصرة وإن لم أستطيع أن أتخلص منه تماماَ.<br />
<br />
حاولت ذلك عبر عديد من القضايا المعلقة: أهل الثقة وأهل الخبرة؟؟ ، قضية الديمقراطية، والتعذيب، العلاقة بين القانون والثورة، حقيقة تأميم القناة؛ قناة السويس .. إلى غير هذا من أصداء غامضة رغم مضى نصف قرن على ثورة يوليو. <br />
<br />
وفى جميع الحالات فإننى أقول ـ كما قلت ـ منذ قرابة ربع قرن ـ أننى سعيت كثيراَ إلى الحيدة فى الكتابة عن ثورة يوليو خاصة وعن عبد الناصر على وجه أخص، غير أنه "مع يقينى أن الحيدة محض وهم فى العلوم الإنسانية، فإننى أزعم أننى جهدت أن أكون محايداَ بالدرجة الأولى" كما أقول دائماَ.<br />
<br />
ولكننى مازلت أسأل نفسى ـ كما فعلت من قبل ـ هل امتلكت ـ بالفعل ـ ادعاء بالحيدة المطلقة؟ أسأل ومازلت أجيب أننى أزعم أننى أحرص على الحيدة، ولكن، أية حيدة عصر الغرب الأمريكى الامبريالى الشرس الآن الذى يحاول أن يطوى دافعاَ تاريخياَ قوياَ بالقضاء على القاومة العربية سواء فى نابلس أو البحرين أو القاهرة أو الدار البيضاء.<br />
<br />
الذى يريد الآن القضاء على مشروع ثورة 1952 ورمزها الحى فى ضمائرنا لا أريد أن أستطرد أكثر فى مؤامرة الغرب و "عسكرة العالم" عقب 11 سبتمبر، وإنما أرد أو سعيت لرد اعتبار عبد الناصر الذى وجدناه لدى أبنائنا فى الشوارع العربية، وفى بعض الفضائيات غير المدجنة .. وفى بعض وسائل الإعلام التى تركت (صورة) عبد الناصر، وربما ترديد (مشروعه) كتنفيس للجماهير العربية التى افتقدت فى عصر المهانة شعار رفع "الرأس" الذى دعا إليه عبد الناصر منذ نصف قرن أو ينيف.<br />
<br />
بقى أن نوجه الشكر الخالص إلى د. هدى عبد الناصر، التى أبدت الرغبات فى مراحعة النص، وأفادتنا ببعض الملاحظات المهمة وامدتنا ببعض الوثائق الغائبة فى هذا الصدد. <br />
<br />
وبعد، هذه المحاولة لإعادة اعتبار لثورة يوليو ومشروع "عبد الناصر" الذى مازال صالحاَ لاشتعادته عبر شروط الحاضر لتجسيد (الفعل) الذى يجب أن ينتقل بنا إلى المستقبل.. <br />
<br />
وآخر دعوانا أن الحمد لله،،<br />
<br />
'''مصطفى عبد الغنى'''<br />
<br />
'''القاهرة 2004'''<br />
<br />
==القسم الأول: دراسة==<br />
<br />
===الفصل الأول: عبد الناصر وقضية الولاء===<br />
<br />
فى البدء كان الولاء.<br />
<br />
فى البدء كان التباين والخلاف بين عبد الناصر والمثقفين، أو بدا أنه التباين بين الطرفين، الأول بحكم ما يمتلكه من سلطة ثورية والآخر بما يعرفه من سلطة ثقافية، ومن هنا، ارتبطت العلاقة بين الطرفين بطلب الولاء.<br />
<br />
كانت واو العطف هنا فى علاقة الثورة (و) المثقف علاقة بدهية، المثقف هنا اسم معطوف على عبد الناصر، ومن ثم، فإن كايهما شئ واحد، فتصبح أطراف المعادلة متساوية.<br />
<br />
فعبد الناصر كان رمزاَ (للسلطة الثورة) أى صاحب القوة، الذى يتعرض لمعارضة قوة كثيرة فى الداخل والخارج، ويسعى لمواجهتها بجبهة واحدة.<br />
<br />
والآخر ـ المثقف ـ كان رمزاَ ( لسلطة ثقافية) أى صاحب كلمة وإن تكن مجردة من أسباب القوة العملية فإنها تسعى لتأكيد سلطة الكلمة وأهميتها دون التنبه لخطورة الغرب ضدنا حينئذ.<br />
<br />
ولما كان صاحب القوة أكثر فعالية.<br />
<br />
ولما كان صاحب الثقافة أقل فعالية.<br />
<br />
فإن العلاقة بين متساويين لم تكن متساوية لم تكن لتشير إلى متعادلين، فقط، اللهم إلا فى الحجج التى يسوقها الاخر، وهى أيضاَ، تخضع كغيرها ـ لقانون القوة؛ ومن ثم نشأ الصراع.<br />
<br />
كان الصراع هو عنوان العلاقة بين سلتطين.<br />
<br />
وكان حسم هذا الصراع مرهوناَ بقناعات بكل طرف وآليات تطوره فى الواقع العربى فى النصف القرن الأخير من القرن العشرين، '''ومن هنا، فإن التعرف على طبيعة هذا الصراع تمر بنا عبر عدة مشاهد:'''<br />
<br />
فلنتمهل قبل كل شئ عند وعى عبد الناصر للمثقفين قبل أن نصل للعلاقة بينهما عبر هذه المشاه. <br />
<br />
====تمهيد : المثقف : المفهوم والدور====<br />
<br />
ترتبط صورة المثقف عند عبد الناصر بالنظام أو محدد من خلال منظوره العام.<br />
<br />
فما هو المثقف عند عبد الناصر؟<br />
<br />
من الملاحظ أن عبد الناصر منذ منتصف الخمسينات أو قبل ذلك بقليل، حين يد للجماهير حكومة الثورة ويربط بينها وبين الدولة. فيرى أنها تمثل رمزاَ عاماَ لكل الفئات والرموز العاملة فى ذلك الوقت المبكر فهى تسمى (حكومة المثقفين) والطلاب وأهل الرأى. إذ كانت "حلم هؤلاء المثقفين، كتبوا لها وخطبوا وهى مشغولة البال بأداة الحكم "وفى منتصف الستينات كان يرى أن (طليعة المثقفين) هم الذين يقودوا " العمل والإنتاج والكفاح" فى إطار الدولة القديمة.<br />
<br />
ومراجعة خطب الرئيس عبد الناصر وتصريحاته طيلة الخمسينات والستينات تؤكد أكثر على أن مفهومه بالنسبة إلى المثقفين لم يكن ليزيد على أهم فئة فاعية تضيف إلى قوة الدولة وقوداَ وتعمل خلالها وهو ما يفسر تعريفه للمثقف خاصة فى الفترة المبكرة من قيام ثورة 1952.<br />
<br />
وهنا تحدد مفهوم عبد الناصر للمثقفين.<br />
<br />
كان المثقف عنده هو من "من يكدح ذهنياَ ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، سواء كان مهندساَ فى الصحراء أو عالم الذرة أو عاملاَ نقابياَ أو كاتباَ أو طبيباَ أو باحثاض أو فناناَ أو أستاذاَ أو طالباَ،إن هذه العناصر الكثيرة رغم الرابطة الوحيدة التى يمثلها وصف المثقفين لا تمثل مظلة واحدة لأن المثقفين ضمن تحالف قوة الشعب العاملة ليوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة".<br />
<br />
وفى هذا الإطار، الثقفون هم القوة التابعة، نستطيع أن نتمهل عند كثير من صفات المثقفين، فالمثقف عنده هو غير المتعلم وإنما هو أكثر وعياَ وفعالية بجانب الدولة وهو (المثقف الاجتماعى)، و (المثقف الثورى) و( المثقف الملتزم) و (المثق الطليعة) و(المثقف المحلل) ويتبلور المعنى أكثر مع الوقت فيضيف إلى الثنائية بين المثقف والمتعلم ثنائية السلفى والتغريبى وثنائية البيروقراطى والثورى، ثم تتسع الدائرة أكثر لديه حين يشير فى أكثر من موضوع إلى (المثقف الملتزم) فيضيف إلى المثقف الواع بقضايا المجتمع وعياَ آخر على المستوى الومى والدولى. <br />
<br />
ويتبلور المفهوم والدور أكثر فى الستينات.<br />
<br />
إنه ففى الستينات ـ وقد تحدد الدور أكثر ـ يراه قوة فى التحالف الشعبى وفى نفس الوقت قوة فى فهم أصول اليادة الوطنية وتحقيق الوحدة العربية. ومن هنا "فإن المثقف المتكامل عند عبد الناصر هو الذى يدرك حقائق الوحدة القومية والتطور الدولى بد إدراكه وفهمه لقضايا التنمية وإدارة المجتمع وطريقة مواجهة تناقضاته مرحلة التحول".<br />
<br />
كان يقول أن المثقفين يمكن أن يتفرقوا فى ماقف ذاتية وطبقية، لكنه يستدرك دائماَ فى أكثر من مناسبة ـ بأنه "يجمعهم دور طليعى" فعال.<br />
<br />
إنهم ليوا طبقة خارج المجتمع أو متميزة فيه، وإنما هم ضمن تحالف قوى الشعب العاملمة.<br />
إنهم "ليسوا طبقة وإنما هم على وحه الدقة قوة".<br />
<br />
ولنا أن نتوقف هنا طويلاَ، لنتأمل فى لفظه (ضمن) أى داخل تيار التغير الثورى وليس خارجاَ عنه بأيه حال.<br />
إن المثقف ـ بوضوح شديد ـ قوة (ضمن) قوى أخرى كبيرة يمثل حاصلها نموذج الدولة التى تحارب على جبهات شتى داخلية وخارجية.<br />
<br />
'''معنى هذا كله أن عبد الناصر انطلق فى موقف من المثقف من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ إن المثقف يمثلون (قوة) ضمن التنظيم الشعبى (الوطنى) وليس خارجاَ عنه أو متخذاَ منه موقف المعارضة.<br />
<br />
ـ إن المثقف هو الذى يدرك الوعى الاجتماعى وليس عبر (تنظيم) اجتماعى معاد.<br />
<br />
ـ إن المثقفين هم أقرب إلى العربى منه إلى الوعى الشعبى الضيق.<br />
<br />
ـ إن المثقف لا ينتمى بالولاء لفترة وإنما خلال أطر الدولة وتنظيماتها.<br />
<br />
إن المثقف لا يقود الجماهير ضد القيادة وإنما هو (المثقف الثورى) أى الوسيط بين القيادة الحاكمة الجماهير الشعبية.<br />
<br />
إنه أقرب إلى (المثقف العضوى) ـ كما نعرفه عند جرامشى منه من المثقف (التقليدى) ويجب أن نشدد هنا على القول أن عبد الناصر كان يؤثر أن يكون المثقفون (من شتى ألوان الطيف) كادراَ واحداَ داخل منظومة الكفاح الداخلى والخارجى، ومن ثم، فإن الطابع العملى لديه كان يواجه ـ من الناحية الأخرى ـ شيئاَ من التوجه الماغير بحكم تكوين المثقف ووعيه فى هذه الفترة.<br />
<br />
كان المطلوب من المثقف فى هذه الفترة ( الولاء) حين كانت قيادة عبد الناصر تحشد جميع القوى ضد الأخطار الداخلية والخارجية.<br />
<br />
وكانت مواقف المثقفين الخارحين من الفترة الليبرالية تعدد بين عديد من المواقف والأنماط.<br />
<br />
فى أول قيام الثورة بدا أن (التأييد) المطلق للمثقفين هو السائد فى العلاقة بين الثورة والمثقف، لكن مع أزمة 1954 تعددت المواقف، فأضيف إلى المثقف المؤيد ـ الذى بدا العديد من رموزه تتراجع ـ المثقف المتمرد والمتردد والمثقف الصامت.<br />
<br />
ومع توالى الأحداث وقرب النخبة السياسية من النخبة العسكرية بدأت كثير من المواف تتراجع وتتحول إلى أنماط مغايرة فى وقت كان النظام يحرص ـ لتأمين نظامه ـ على قيمة الولاء فى المقام الأول.<br />
<br />
ولأن موقف الثورة تواقف مع البعض، فإنه تعارض مع البعض الآخر، ومن هنا، كان علينا أن نشهد فترات متباينة فى التاريخ فى علاقة عبد الناصر مع المثقفين.<br />
<br />
وهى فترات أخذت صور العلاقة بينهما شكل الصراع لضمان قيمة (الولاء) فى فترة توالى المخاطر على النظام المصرى ومحاولة النيل منه. <br />
<br />
====المشهد الأول : قضية الولاء====<br />
<br />
بدهى أنه لايكمن أن نتحدث عن علاة عبد الناصر بالمثقفين دون أن نعثر ـ خاصة منذ باية الخمسينات ـ على نخبتين: العسكرية والثقافية.<br />
<br />
الأولى نخبة قيادية، والأخرى (تابعة) لها.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة التبعية بينهما تستمد قيمتها من عنصر (الولاء) و (الأمن) السياسى.<br />
<br />
ولأن الثورة كانت تريد نأمين نفسها فى السنوات الأولى، فقد كانت قضية (الولاء) ـ كما أسلفنا، هى أهم القضايا التى أنجبت قضايا أخرى، أهمها ما يسمى (بأهل الثقة وأهل الخبرة) وبدهر أن التفضيل لأهل الثقة يعنى التضحية بأهل الكفاءة.<br />
<br />
ومن البدهى هنا أن الولاء كانت تعنى مصطلحات كثيرة ترددت فى هذه الفترة من مثل (التعاون) أو (أهل الثقة) ، وهو ما نفهم معه أن النخبة من ذوى التوجه الفكرى مثل قسماَ تابعاَ تم تجنيده من بيروقراطية الدولة على أساس مهنى وتمثيلى وليس على أساس انتماء سياسى مستل (أى انتماء حزبى مستقل)، وعلاقته بالنخبة الياسية أو مؤهلاته الأولى كانت (الولاء).<br />
<br />
والذى يراجع هذه الفترة يلاحظ أنه فى حين بدا (التعاون) مرهوناَ ببدايات قيام الثورة لإبداء حسن النية بدا أكثر صعوبة بعد أزمة 1954 بوجه خاص ووصلت إلى قمتها مع حرب السويس 1956 '''وهى الفترة التى تمخضت عن سمتين هامتين:'''<br />
<br />
ـ نهاية الفترة الليبرالية.<br />
<br />
ـ تحول النظام إلى شرعية خاصة بعد انتهاء الحرب.<br />
<br />
ومع تشديد يد السلطة العسكرية على النظام بدا التشديد أكثر على قيمة (الولاء) وتفضيله، خاصة، أن عبد الناصر وجد نفسه ـ على الأقل عقب أزمة 54 ـ وسط معاد أو محافظة بالنسبة لخط العهد الجديد وهو مازاد الهوة بين العسكريين والمدنيين.<br />
<br />
بين عبد الناصر ـ الذى أصبح الآن رئيساَ متوجاَ بانتصاره فى حرب السويس ـ والمثقفين المعادين للثورة فى جملتهم خاصة أن الصراع أيديولوجياَ كان قد وصل إلى مناطق خطيرة مع عدد كبير من الليبراليين الإخوان واليسار الماركسى.<br />
<br />
وهو ما انعكس فى إثار العسكريين أكثر من المثقفين، وإثار فئة التكنوقراط والكوادر الفنية أكثر من ذوى الاتجاه الإنسانى والسياسى.<br />
<br />
وعبوراَفوق مظاهر كثيرة لقيمة (الولاء) وأثرها، سوف نتمهل عند بعض النماذج من المؤسسات لنرى إلى أين أتجه عبد الناصر فى تعامله مع المثقفين لحماية النظام.<br />
<br />
'''ويمكن تأكيد هذا العامل ( الولاء) عبر إجازه فى عدة نقاط دالة كالتالى:'''<br />
<br />
ـ كان الولاء ـ كما أشرنا ـ الباعث الرئيسى فى اختيار المثقفين خاصة فى تشكيل الوزارات، وهو ما تأكد منذ أول تشكيل وزارى للثورة إذ يلاحظ أنه فى وزارة 7 سبتمبر 1952 تم تشكيلها من عدد سبق انتماء بعضهم إلى الحزب الوطنى الجديد. وكان الباعث الرئيسى أن هذا الحزب لم يشارك فى أى تنظيم سياسى قبل الثورة كما لم يكن له أنصار تخيف.<br />
<br />
الحكام الجدد، وكان يرأسه فتحى رضوان المثقف الذى تربطه بعبد الناصر علاقات وثيقة فضلاَ أنه شارك فيه.<br />
<br />
اثنان من الإخوان المسلمين ممن كانا قد رشحا من المرشد العام دون الرجوع غلى كتب الإرشاد.<br />
<br />
ـ مع اختفاء المثقفين الذى ارتبطوا بأحزاب شعبية أو أفكار يمكن أن تعادى النظام الجديد، يلاحظ أن معظم من تولوا الوزارة فى الخمسينات (كما نلاحظ من الجدول) كانوا من المتخصصين وليسوا من السياسيين بأية حال أو ممن لم يمارسوا العمل السياسى قبل الثورة.<br />
<br />
ـ وهنا يمكن أن نلاحظ أثر الاطراد العكسى بين النقص المستمر فى التخصصات القانونية والإسنانية من عام 1952 والاطراد المستمر فى التخصصات التكنولوجية والعلوم، ويلاحظ دو كجيمان هنا أن نسبة المثقفين من ذوى التخصصات الإنستنية انكمشت، فبد أن كانت 18,8% فى سبتمبرانخفصت إلى حد التلاشى تماماَ علم 1964.<br />
<br />
ـ كان هذا يعنى أن اختيار المثقفين فى المناصب الرسمية يخضع لتدقيق شديد: وعلى سبيل المثال نجد أنه من تولى وزارة الثقافة والإرشاد القومى اثنان من المثقفين: فتحى رضوان وحسنين هيكل كانوا ينتمون إلى النظام بصلة تعاطف بل وعلاقات وثيقة بعبد الناصر نسفه. <br />
<br />
كان تأمين النظام أهم ما يهم عبد الناصر فى تلك المرحلة لمواجهة أية من المشاكل الخارجية والداخلية. <br />
<br />
فيقومون بدورهم كما هو تصور عبد الناصر داخل التنظيم الرسمى وليس ضده بأية حال.<br />
<br />
ـ هذا يفسر إذن ابتعاد عبد الناصر عن المثقفين ممن لهم خلفية سياسية أو يعملون فى المجال السياسى، ومن هنا، ظل الاعتماد على أولئك من أصحاب فكر المستقبل والنخبة المدنية ممن لا يشكلون قاعدة مستقلة عن السلطة المركزية.<br />
<br />
لقد بدا أن العلاقة بين عبد الناصر والتكنوقراط أكثر منها بين عبد الناصر والمثقفين الذين لا يرضون عن قيم الانتماء للنظام والعمل فى ركابه.<br />
<br />
ـ وعلى هذا النحو، بدا الاعتماد أكثر على العسكريين إلى جانب استبدال المثقفين التقليديين بنوع آخر من التكنوقراط ممن يضمن ولاءهم ـ على الأقل ـ بالتحييد أو عدم العمل بالسياسة التى تتعارض مع توجهات النظام مما بدا معه أن وجود المدنيين فى التشكيلات الوزارية الخاصة.<br />
<br />
وهذا يعنى ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن المعيار الوحيد ـ للوزراء ـ على سبيل المثال ـ كان خضع اقيمة (الولاء الساسيى)، ومن هنا ، كان من الطبيعى أن نلاحظ أن العدد الحقيقى للوزراء من المدنيين كان قليلاَ جداَ بل أقل من عددهم المثبت فى الجدول الخاص بالوزراء ومما جاء فى الإحصاءات الرسمية وهو ما وجدناه أيضاَ فى كثير من مؤسسات الدولة كالنظام والجهاز التشريعى والنشاطات الاقتصادية ومجلس الوزراء والوزراء بل وفى الصحافة أيضاَ. <br />
<br />
ومع أن هذه النسبة تراجعت قليلاَ بعد هزيمة 1967، فإن النبة التابعة للنظام المدينة للولاء، التى لا تنتمى لأى تيار سياسى مستقل أو تتبع (تنظيماَ) سياسياَ مهما يكن تعاطفه مع النظام، وهو ما ستلقى به أكثر حين نترب من عبد الناصر الذى دعا المثقفين ـ بوضوح وصراحة شديدتين ـ أن يستعدوا عن أى تنظيم أو أى ولاء مغاير ليلعبوا دوراَ إيجابياَ.<br />
<br />
وفى التعامل مع المثقفين استخدم معهم أكثر من وسيلة: إما رفض أى تنظيم معارض وإما محاولة استقطابهم بشروط الولاء أو السيطرة على مؤسساته ومجالسه النيابة لحمايتها من المعارضينله وسوف نتوقف عند الجانب الأول: رفض أى تنظيم معارض وتطويعه.<br />
<br />
إنه دعاهم ـ فى الغالب ـ ليقوموا بدور تبشيرى لتأكيد أفكارهم، خاصة؛ التيار اليسارى.<br />
<br />
====المشهد الثانى : سان بيترز====<br />
<br />
كانت خشية عبد الناصر من أصحاب التنظيمات خارج الإطار الرسمى للدولة أكثر ما يجسد خوفه من العقائديين، وهو ما يظل يردده مرة بعد مرة.<br />
<br />
وكما كان يردده بالنسبة لجماعة الإخوان والمنتمين لهم من ذوى التوجه الفكرى، كذلك ظل يردده بالنسبة للشيوعيين إما بزجهم إلى السجون أو إزاحتهم عن كافة المناصب اولئك الشيوعيين، ومن شهادة لطاهر عبد الحكيم نقرأ أن عبد الناصر سعى إلى "إزاحة هؤلاء الشيوعيين من كافة التشكيلات والتنظيمات والمؤسسات ذات الطابع الجماهيرى، فمن فصل ما يرب إلى مائة من الصحفيين والشيوعيين والديموقراطين من جريدة الجمهورية والمجلات التى تصدر عنها، إلى فصل الطلبة الشيوعيين والديموقراطين من الجامعة إلى تحريم الوظائف العامة على الشيوعيين".<br />
<br />
كانت سياسة الولاء لا تفيد فى التعامل مع الماركسيين كنتظيم أو إطارات مؤسسية ـ على سبيل المثال ـ ومن ثم، فقد اتخدم معهم سياسة عنيفة لأنهم كانوا عقائدين يسعون ـ فى رأيه ـ إلى النظام وليس إلى تغيير بعض الأفكار أو العمل تحت إمرة (الحكومة المصرية) فى هذا الوقت، وقد سجلت الفترة بين عانى 1958 ـ 1964 موقفاَ عنيفاَ من عبد الناصر ضد هذه الكوادر فى محاولة استمالتها إلى سياسة الولاء.<br />
<br />
كانت هذه هى الفترة التى التقى فيها أنور السادات ـ بناء على تعليمات جمال عبد الناصر ـ عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى عام 1958 لإرغامه على حل الحزب الشيوعى المصرى، فى هذا اللقاء بين مندوب عبد الناصر بمندوب الشيوعيين المصريين '''قال أنور السادات لمحمود العالم بصراحة شديدة:'''<br />
<br />
ـ عاملين تنظيم ليه؟<br />
<br />
تنظيم يعنى سلطة، احنا عملنا تنظيم الضباط الأحرار وأخذنا السلطة، أنتم تصرون على أن تبقوا بالحزب الشيوعى ليه وهو تنظيم، يعنى عايزين سلطة يا محمود.<br />
<br />
وحين أبدى الأتاذ محمود أمين العالم رغبة شديدة فى (التعاون) مع النظام "محتفظين بمنبرنا المستقل، رفض هذا النظام وتم القبض على على جميع الكوادر السياسية الشيوعية والإخوان الذى تمثل محاولة قريبة الشبه بتلك فى فترة مبكرة من إنشاء هيئة التحرير، وقد ظل النظام لسنوات بعدها ـ كما يقول طاهر عبد الحكيم ـ معادياَ لفكرة وجود تنظيم سياسى مستقل عنه، ومن هنا، كان الضغط المستمر والمتصاعد من أجل حل الحزب الشيوعى المصرى.<br />
<br />
كان من الواضح أن عبد الناصر حريصاَ أشد الحرص على أن يكون المعارضين (تابعين) للتنظيم الرسمى، وأنه لا مجال هناك للصراع بين التنظيم الرسمى وأى تنظيم آخر ـ يسارى أو إسلامى ـ لقد اتخذ موقفاَ عنيفاَ من اليسار لأنه رفض حل الحزب والانضمام للاتحاد الاشتراكى.<br />
<br />
واتخذ موفاَ عنيفاَ من الإخوان لأنهم رفضوا ـ قبل ذلك ـ الانظمام إلى هيئة التحرير.<br />
<br />
لقد كان المثفون فرادى ـ مهما عارضوا ـ غير خطرين، أما حين يقوموا بدور مناقض من داخل تنطيمات معادية فهنا الخطر الذى يخشى منه عبد الناصر.<br />
<br />
كان يدعو إلى الولاء ليتعامل مع المثقفين.<br />
<br />
وهنا ثمة مفارقة تؤكد هذا، فكثير من المقبوض عليهم داخل السجون كانوا يعلنون (الولاء) لعبد الناصر، لكنهم مع ذلك لم يفرج عنهم، أو ـ حتى ـ تحسن معاملتهم ـ '''يفسر هذا محمد سيد أحمد مندهشاَ:'''<br />
<br />
(ـ .. لأننا لم نكن ندين "بالولاء" لتنظيم عبد الناصر الرسمى أو لنظامه، لقد كان عبد الناصر يريد منا ـ بوضوح شديد ـ حل التنظيم، حل الخطر المنظم المخيف كما كان يراه .. ).<br />
<br />
والغريب أنه ـ حتى ـ بعد أن تم حل الحزب وخرجوا من السجن كانت الخشية منهم قائمة، كان عبد الناصر يؤثر أن يظلموا بعيداَ عن العمل السياسى بأية حال، وهو ما ترجمه موقفه منهم بعد خروجهم حين لم يعمل منهم الكثير، كما لم ينضم منهم للتنظيم الرسمى الكثير.<br />
<br />
كان الأمر لا يخلوا من تخوف لدى النظام القائم.<br />
<br />
وقد كان اللقاء الأخير الذى تم بين عبد الناصر والمثقفين فى عام 1969 دافعاَ لتبرير هذا الموقف وداعياَ إليه.<br />
<br />
لقد استبدل عبد الناصر بمفهوم الولاء مفهوماَ مرادفاَ له فى المعنى مؤكداَ له فى القيمة.<br />
<br />
ففى حين اشتكى فيه اليساريون بأنه يجرى تمييز عنيف ضدهم فى الاتحاد الاشتراكى ليسقطوهم حين طلب منهم أن يظلوا بعيداَ عن التأثير السياسى، ففى هذا اللقاء طلب عبد الناصر منهم الابتعاد عن العمل السياسى إلى التبشير بأفكارهم الاشتراكية وإن كانت على طريقة القديس سان بيترز.<br />
<br />
والمعروف أن سان بيترز قضى الجزء الأخير من حياته مبشراَ بالمسيحية، مكتفياَ بالتبشير دون اللجوء إلى التنظيم العقيدى أو العنف بأية حال، وربما كان عبد الناصر ـ كما يذهب أحد الحاضرين أن دور سانت بيتر اقتصر على الصلب، ولما كان هو مؤسس الكنيسة الكاثوليكية الذى صلب فى روما بالفعل، فيبدوا أن عبد الناصر ـ كما لاحظ لويس عوض طلب من الشيوعيين أن يلاقوا مصير هذا الديس الذى طلب منهم الصلب من أجل آلامهم.<br />
<br />
ويضيف أحد الحاضرين حينئذ عبارة عبد الناصر بشكل قريب من هذا، '''يقول أبو سيف يوسف إن عبد الناصر قال لهم:'''<br />
<br />
ـ يجب أن تكونوا مثل سان بيتر، أى بشروا بالاشتراكية. أى ـ بمعنى أدق ـ ابعدوا عن السلطة.<br />
<br />
ويبدو أن عبد الناصر كان يريد تحقيق الاشتراكية بدء من أول الستينات ولكن لم يكن ليريد أن يشاركه معه اولئك الذين يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام، فحاول أن يحقق الاشتراكية (بدون اشتراكين)، اولئك الذين كانوا فى السجون إبان محاولات عبد الناصر الدؤوبة لتحيق العدل الاجتماعى وتأكيد قيمة المثقف ولكن داخل النظام لا خارجه.<br />
<br />
إنه الولاء الذى يطالب به ثانية من أجل التفرغ، لم يكن يريد للتناقضات الداخلية أن تستنفد جهوده للمعارك الخارجية بأية ثمن .. وهناك سؤال طرح فى هذا اللقاء يحمل معنى دالاَ، '''فقد كان أول ما سأل عبد الناصر عنه فى هذا اللقاء، هذا السؤال:'''<br />
<br />
ـ من تقدم للانتخابات النيابية هذه الفترة؟<br />
<br />
لستمع عبد الناصر قليلاَ لمن قال: نعم، غير ان أبو سيف يوسف قال وحده : لا، لم أتقدم للانتخابات.<br />
<br />
'''فقال عبد الناصر بما يجب تجيله لأهميته هنا:'''<br />
<br />
ـ اللى اتقدموا غلطانين وأبو يوسف صح..<br />
<br />
ـ من حقكم أن تبشروا بالاشتراكية مثل القديس بطرس، لكن غير مسموح لكم أن تتقدموا أو تستندوا للجماهير ضدى.<br />
<br />
ومهما يكن من درجة الاختلاف حول موقف عبد الناصر، فإن إيثاره لقيمة (الولاء) أو دعوته (للتبشير) هنا، إنما كان وراءها مفهوم آخر، لا يمكن فهمه إلا فى عصر جمال عبد الناصر، وهو أن المعارك التى دخلتها مصر بقيادة عبد الناصر فى الخمسينات والستينات كانت تحتاج إلى وحدة فى القصد، لم يكن هناك مكان ـ أى مكان ـ لإفرازات عقيدية أو أيديولوجية ـ ولم يكن هناك وسيلة للتحدث عن الديموقراطية فى وقت كان ينبغى توحيد الجهود لمعركة شاملة.<br />
<br />
التنوع أو الاختلاف هنا لن يفيد أمام عدو متحد لا يوزع الولاء فيه أكثر من مكان فى الجبهة الرئيسية.<br />
<br />
ويبدوا أن الاشتراكيين أنفسهم أدركوا هذا فى الفترة الأخيرة لوجود عبد الناصر بيننا.<br />
<br />
ويبقى أن نتنبه نحن ـ لآن ـ لهذا الدرس فى الصراع الدائر الذى يجب ألا يكون بيننا، ولكن بيننا وبين الغرب.<br />
<br />
'''وبعد، بقيت عدة إشارات لا بد من العودة إليها:'''<br />
<br />
ـ لم يكن عبد الناصر ليترك المثقفين المعادين له لتهديد النظام، وكما اتخذ مواقف عنيفة من بعض المثقفين الذين كانوا مستقلين، ولكن من ذوى الاتجاه السياسى المعارض (مثل إحسان عبد القدوس)، فإن موقفه كان أشد قسوة من اولئك الذين انتموا إلى تنظيمات عقيدية أو اشتراكية وبوحه خاص من الماركسيين المنظمين.<br />
<br />
(وعرفنا من هؤلاء فى سوريا ـ فترة الوحدة ـ البعثيون، والقوميون الاجتماعيون.<br />
<br />
كان عبد الناصر يرى أن النظام الجديد هو الذى يمثل (المثقف)، وعلى المثقف الواعى ـ وقد وضع تعريفات كثيرة له كما رأينا ـ هو الذى ينضم إلى الحكومة القائمة التى يمكن أن تسمى حكومة الثورة أو الحكومة المثقفة، وكثيراَ ماردد فى خطبة هذه العبارة الدالة "إن حكومة الثورة هى حكومة الأمة بطبقاتها جميعاَ".<br />
<br />
وهذا هو ماشكل (المرجعية) الفعلية لعبد الناصر فى تعامله مع المثقفين.<br />
<br />
كان (الولاء) أهم ما يحرص عليه فى التعامل مع أولئك المثقفين.<br />
<br />
ـ إن استخدام الولاء فى السنوات الأولى كان ـ بوجه خاص ـ لحماية النظام، وإن تداخلت معه عوامل أخرى فيما بعد، غير أن الحرص على النظام كان المحل الأول لحمايته من أعداء كثيرين، كانوا ـ فى أغلبهم، ينتمون إلى قوة منظمة فى الداخل والخارج.<br />
<br />
كان يرى أن المعركة مع العملاء الداخلين أو الخارجين إنما يستلزم توحيد الجهود، وأياَ كانت المسميات من إفرازات أيديولوجية أو معارضة، فإن العدو المتربص بنا يستوجب منا الحيطة، فلا نتوزع هنا وهناك بمسميات أو تيارات مختلفة، وإنما يكون (الاستقطاب) لمواجه عدو شرس خطر أمامنا.<br />
<br />
ـ إن عبد الناصر لم يكن ليعادى أحداَ على المستوى الفردى، وإنما كان أى مثقف ينتمى إلى مؤسسة (كالجامعة) أو تنظيمات (كالتنظيمات الإخزانية أو الماركية) ممن يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام.<br />
<br />
ولدينا أمثلة كثيرة لمثقفين عبروا عن آرائهم ضد النظام لم يتخذ ضدهم عبد الناصر أى إجراء، وعلى سبيل المثال كان العقاد يهاجم عبد الناصر فى بيته وجلساته الخاصة، وكان الحكيم قد كتب أكثر من مسرحية تهاجم النظام وهو وهو ما فعله بشكل أكثر قسوة نجيب محفوظ .. إلخ.<br />
<br />
ـ يرتبط بهذا أن النظام كان حريصاَ ألا يستعين بمثقفين من ذوى الماضى السياسى المغاير أو السياسى المختلف لحماية النظام، والدليل على هذا أن التشكيلات الورازية لو تضم غير كفاءات إدارية وتنفيذية عالية، من المثقفين الذين لا يحملون أى ماضى سياى أو فكرى مستقل، وعدا كل من حلمى مراد وعبد العزيز كامل نلتقى بأسماء مثل عزيزة صدقى وسيد مرعى وعبد العزيز حجازى، وحين أخرج حلمى مراد من الوزارة عين بدلاَ منه محمد حسين هيكل.<br />
<br />
وهو ما يبدو معه غلبة فئة التكنوقراط أكثر من المثقفين (المسيسين) أو من الشيوعيين أو أياَ من أعضاء التنظيمات السياسية المعادية سابقاَ رغم خروجهم من السجون.<br />
<br />
كان (الولاء) فى بداية الخمسينات هو أكثر ما حرص عليه عبد الناصر فى معركته فى الداخل والخارج، وهو ما يمكن أن نفسر به كثيراَ من معاركه مع المثقفين بشكل فردى أو جماعى، سواء أطلقنا كلمة (الولاء) أو (التعاون) أو (التبشير).<br />
<br />
كان هدف الرئيس مجابهة العدو بجبهة قوية متراصة.<br />
<br />
هو الدرس الذى لم يستفد منه المثقفون الآن، حيث تعدد، مواقف المثقفين بين أنماط شتى ومن مرجعيات شتى حيث تحول عصر العولمة إلى مصطلحات وتوجيهات شتى حيث نتعرف على مصطلحات جديدة مدمرة: كأن نتحدث عن مثقف السلام أو التطبيع أو ضروة التمويل أو البحث عن حقوق الأقليات .. إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأمانا الآن فى الوطن العربى، كما فى الغرب كله نماذج حادة شتى لهذا التصنيف؟؟ والغادر المخيف.<br />
<br />
===الفصل الثانى: عبد الناصر وقضية التعذيب===<br />
<br />
لا يمكن أن ننزع ظاهرة من سياقها..حدثت نفى فى هذا الشهر ونحن نسمع إثارة قضية حقوق الإنسان ـ ضمن قضايا كثيرة عن الثورة ـ .. أصوات غاضبة، مشهورة فى أغلبها مشحونة بالغضب، تتحدث عن إنجازات الثورة، وأصوات أخرى خافتة ممرورة تتحدث عن المصير الذى لاقاه النثقف وخاصة حين مورس ضده (التعذيب) وأصبح المثقفون فى سجون عبد الناصر يلاقون الإعانات لسنوات عرفوا فيها الكثير من صنوف التعذيب وأنواعه العديدة التى وجدناه فى أدبيات السجون فى هذه الفترة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو وجدنا أنفسنا فى زمن تفرق فيه الجميع بين صورتين مؤيد لثورة يوليو، ومعارض لها.<br />
مؤيد لإجراءات زعيم الثورة.<br />
<br />
معارض له.<br />
<br />
محللين للظاهرة فى الإطار الأشمل للدولة الاستبدادية فى الشرق، وأشكال قمعها المتوارث بحيدة تجهد أن تكون علمية.<br />
<br />
وتصل درحة التأييد أو المعارضة ـ وما بينهما ـ إلى حالة تشبه (النوستالوجيا). نرى فيها ندابات ومغنيين ووجوه قديمة نعرفها ووجوه جديدة لا نعرفها مع تقدم السن وقلة المعرفة.<br />
<br />
وفى جميع الحالات نعيش كثيراَ من قضايا الثورة فى مناخ غريب، ولا أمس من أن تعتقد الندوات وتقام المؤتمرات، ويمضى الشهر الحزين مردداَ من ورائه أنه لا المعارضون ولا المؤيدون يعرفون حركة التاريخ جيدا، فقط حجاب المعاصرة هو الذى يسدل على التاريخ فيغيب أهم ما فيه ويزيد من كثافته تصفيق المتفرجيت واستياء المغرضين.<br />
<br />
وقبل أن نصل إلى إحدى الظواهر المثارة فى هذه الحقبة، ثمة ملاحظات أولية لابد من الإشارة إليها قبل كل شئ.<br />
<br />
'''ملاحظات أولية :'''<br />
<br />
لايمكن أن نتحدث عن انتهاك انتهاك لحقوق اإنسان فى الإطار الكبير له من حيث علاقة الثورة بخصومها دون أن نشير إلى ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
وبداية، فإن ظاهرة (التعذيب) أهم ظوافر حقوق الإنسان محرمة كل التحريم فى الوعى الإنسانى، وهى، على المستوى البشرى لا يمكن تبريرها تحت أى ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها فى سياقها يصبح خروجاَ على الحكم الخاطئ فى مباراة ارتضى جميع الأطراف فيها حكماَ من الخارج.<br />
<br />
ومن هنا، فإن القضية مرفوضة تحت أية دفوع فى محكمة التاريخ أو فى الواقع خارج التاريخ حيث نعيش جميعاَ المعاصرة، ونتعامل مع مفردات الحياة الراهنة، ومن هنا، يجب أن نذكر فى هذا السياق مكانة هذه الظاهرة فى القانون الدولى وبصفة خاصة فى الإعلام العالمى لحقوق الإنسان الذى ينص فى مادته الخامسة على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإطاحة بكرامته".<br />
<br />
ونستطيع فى هذا السياق أيضاَ ذكر عشرات من تقارير مجلس الأمم المتحدة للوصاية وعديداَ من القواعد النموذجية التى أقيمت تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المسجون السياسى وكثيراَ من المؤتمرات التى عقدت منذ عام 1955 حين أقيم أول مؤتمر للأمم المتحدة لحماية السجناء وحتى آخر مؤتمر عقد العام الماضى فقط تحت رعاية الأمم المتحدة أيضاَ تركيزاَ على ما حدث فى البوسنة.<br />
<br />
وقبل كل هذا فإن الأديان كلها لا تبرر أى تعذيب، كما أنها ضد امتهان كرامة الإنسان وآدميته.<br />
وإن كان يخرج عن سياقنا الآن أنه مع أول مؤتمر حتى آخر مؤتمر لم يتغير شئ، غير أن مبادئ الإنسانية تظل هى القاسم المشترك التى لا بد من التنبه إليه والتمسك به بصفتنا بشراَ فى النهاية.<br />
<br />
إن حقيقة رفض التعذيب والبرهنة عليه فى رفض (آلياته) عبر المؤسسات الدولية والأديان السماوية، هى الملاحظة الأولى، فهى ما يلاحظ من أن هذه الحقيقة تصطدم لدى الإنسان بكثير من النوازع النوازع البشرية، فنحن لا نستطيع أن نمنع أنفسنا فى هذا السياق من مشاعر شتى، خاصة، ونحن ما زلنا نعيش بشكل ما فترة حكم عبد الناصر بالسلب أو الإجابية ـ كما أسلفنا ـ وهو ما يسلمنا، مع هذا، أو رغم هذا، إلى شئ من الحيرة عند الحكم على ظاهرة ما زلنا فى معظمها من شهودها بشكل ما.<br />
<br />
نقول هذا بشكل أكثر بساطة.<br />
<br />
إن ظاهرة (تعذيب) عبد الناصر لخصومه ما زالت أكثر الظواهر المحيرة.<br />
<br />
هذه الحيرة تنعكس فى ردود الفعل الحادة التى ما زلنا نصطدم بها.<br />
<br />
فالبعض ما زال يرفض أن يردد أن التعذيب يمثل السمة الرئيسية فى عبد الناصر، وأنه راح يضيع كل إنجازات الثورة التى ظلت سنوات طويلة تعمل وتحارب من أجلها وأن صاحب هذا الرأى يرى أن الدولة كانت مطالبة بالحفاظ على نظامها، وأن خصوم الثورة كانوا يستطيعون ـ لو تركوا طلقاء، بأسم الحرية ـ أن يهتبلوا الفرصة ليقضوا على الثورة، وهاجس الخوف من المثقفين وتنظيماتهم نجدها فى كثير من مواقف عبد الناصر.<br />
<br />
وتصريحاته، يقول جمال عبد الناصر ـ على سبيل المثال ـ فى اجتماعات اللجنة التحضيرية المنعقدة عام 1962 مخاطباَ خالد محمد خالد وهو يطالبه بالديموقراطية والحرية.<br />
<br />
"ـ يوجد شيوعيون طلقاء، وأنت تعرف ذلك، وأنا أعرف ذلك، وكل الناس يعرفون أنه يوجد ماركسيون خارج السجن .. فالحزب الشيوعى المصرى يأكذ تعليمات من "صوفيا"، وقياداته موجودة فى صوفيا، ويأكذ تعليمات من بلغاريا، كيف أقول عن هؤلاء الناس أنهم وطنيون، وآمن لهم أن يتصدوا قيادة هذا الشعب .. إلخ".<br />
وهو ما يقوله مرة أخرى.<br />
<br />
"ـ إن أى واحد يتلقى تعليمات من الخارج اعتبره غير أمين على بلده، وأنا متأكد بكل أسف أنهم يأخذون تعليمات من الخارج".<br />
<br />
وكانت هذه هى الفترة التى قال فيها إلهام سيف النصر فى معتقل أبو زعبل : " .. بعد إيقاف التعذيب مباشرة، حضرت لجان طبية للكشف على بعض المعتقلين، وكان السبب فى حضورها .. و .. والدور العظيم الذى لعبته الدول الاشتراكية فى المناداة بالإفراج عنا وإيقاف التعذيب".<br />
<br />
إنها الحيرة المزمنة فى قضية لها أطراف كثيرة.<br />
<br />
وهذه الحيرة لم تنجم عن نقض المادة أو ندرة الشهود، وربما لكثرة المادة وأصوات الشهود التى تحدث ضوضاء أكثر مما تحسم فى القضية، خاصة وأن كثيرين ممن هبطوا إلى سجون عبد الناصر أدلوا بدلوهم فى هذه القضية حسب مواقفهم وانتماءاتهم .<br />
<br />
وفى هذا يمكن أن نذكر بعد هذه الأسماء: عبد العظيم أنيس، لويس عوض، إسماعيل صبرى عبد الله، طاهر عبد الحكيم، محمود أمين العالم، فتحى عبد الفتاح، خليل قاسم، إلهام سيف النصر، صلاح حافظ، مصطفى طيبة، محمود السعدنى، محمد سيد أحمد، عبد الستار الطويلة، صنع الله إبراهيم وكثير من الشعراء فؤاد حداد وزكى مراد وكمال عمار .. وغيرهم.<br />
<br />
وهذه الحيرة، التى ندين فيها فى نهاية الأمر التعدى أياَ كانت مبرراته، تصيبنى، على المستوى الشخصى بحيرة مضاعفة.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى الملاحظة الثالثة.<br />
<br />
أعرف أننى ظللت لسنوات حائراَ، ما أكاد أصل إلى رأى وأستريح إليه حتى يفاجئنى آخر، فيزلزل كيانى، وأعاود من جديد رحلة البحث والشك، وما كاد يصلنى الشك إلى اليقين مرة أخرى حتى أعاود رحلة الشك من جديد.<br />
<br />
ويفسر هذه الحيرة التى وقعت أسيراَ لها لسنوات، أننى أنتمى إلى هذه الفترة بحكم تكوينى الفكرى، والفترة الزمنية التى عشتها صبياَ فى إنجازات الثورة وشاباَ أشهد انتصارات الخمسينات، طالباَ بمدارس عبد الناصر وجندياَ بالجيس المصرى فى هزائم الستينات من هذا القرن. محبطاَ من انفصال 61 منتشياَ بإنجازات الثورة الاجتماعية ومنهزماَ فى هزيمة 1967 منطوياَ على نفسى عازفاَ عن أى مشاركة ـ حتى ـ بالقول قترة غير قصيرة فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وهو ما يفسر كيف حملت أوراقى طيلة السبعينات لأجلس أمام عدد كبير من المثقفين باحثاَ عن درجة علمية أو للوصول إلى حقيقة تاريخية، وقد كنت كل مرة أستخدم جهاز التسجيل أو أقرأ وثيقة فى سياق مغاير أجهد أن أتأمل وأن أكون محايداَ.<br />
<br />
التقيت بمن عرف سجون عبد الناصر أو لم يعرفها، لكننى التقيت أكثر بخصوم عبد الناصر من نزلاء سجون الثورة، علنى أتفهم الطرف الأخر، وأقترب من دفوعه فى قضية (التعذيب).<br />
<br />
وظللت لسنوات رحلة البحث عن الحقيقة.<br />
<br />
غير أن الحقيقة ظلت ـ بالنسبة إلى ـ باب ضخماَ مفتاحه السؤال ومن هنا ، كان على، وأنا أضع فى الاعتبار كل ما قيل عن الظروف الأمنية، وحماية الدولة من أعدائها، والبحث عن أمن لتحقيق الدولة لإنجازاتها .. إلخ ظل بجانب هذا كله سؤال أكثر تطوراَ يلح على، '''ولم يتوقف أبداَ:'''<br />
<br />
هل كان يعرف عبد الناصر بهذا التعذيب؟<br />
<br />
'''وهنا أصل إلى السؤال التالى:'''<br />
<br />
هل كان يعلم؟<br />
<br />
هل كان عبد الناصر يعلم؟<br />
<br />
هذا سؤال ..<br />
<br />
ثم وهل كان عبد الناصر يأمر بالتعذيب؟<br />
<br />
وهذا سؤال آخر..<br />
<br />
إن الكثيرين لم يخفوا أن عبد الناصر كان يعلم بالتعذيب، ولكن لي بالحجم الذى تم تصويره به، غير أن خصوم عب الناصر أكدوا أنه كان يأمر به فىتعمد يقصد منه الإساء إلى عبد الناصر قبل أن يحاولوا وقوع التعذيب أو تفسيره فى سياق بناء الدولة منذ عصر محمد على حتى اليوم، وعلى سبيل المثال فإن أحد خصوم عبد الناصر أثناء الوحدة بين مصر وسوريا ـ وهو أكرم حورانى ـ راح يتذكر فى أحد الصحف العربية (فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله) أن عبد الناصر كان يأمر نائبه فى حكومة الوحدة ـ عبد الحكيم السراج ـ بسجن الشيوعيين وتعذيبهم .. (و) .. إنه بعد أن اطلع عبد الناصر على صور التعذيب فإنه عبد الناصر قد أظهر عدم اطلاعه على هذه الأمور".<br />
<br />
وكأننا ملزمون بتصديق أحد ألد أعداء عبد الناصر فى فترة الانفصال وما بعدها بعد رحيل عبد الناصر.<br />
معنى هذا ـ لو صدقنا خصومه، وهم الآن كثيرون ـ أن عبد الناصر كان يعرف بالتعذيب، وكان يأمر به، غير أن التهمة ـ مثل أية تهمة كبيرة تصل إلى حد الجناية ـ تحتاج إلى دفوع أكثر لتأكيدها أو لنفيها. وما يتوفر لنا الآ أكثر دفوع خصوم عبد الناصر، خاصة الذين كانوا ضيوفاَ فى سجونه لسنوات.<br />
وهو ما نتمهل عنده أكثر.<br />
<br />
ترى، ماذا يقول خصوم عبد الناصر فى سجونه؟<br />
<br />
وماذا يقول عبد الناصر نفسه؟<br />
<br />
لنتوقف عند الطرف الأول.<br />
<br />
فحين واجهنا أمين هويدى حول التعذيب، وأشار واجماَ يسئل عبد الناصر، لم يلبث أن أضاف فيما يشبه النفى عن مسؤلية النظام الناصرى.<br />
<br />
"ـ إن أى إنسان من أبناء الثورة ضد التعذيب الجدى والمعنوى".<br />
<br />
وهو ما يشير إلى رفض التعذيب من هذا الجانب.<br />
<br />
ولكن ما هو موقف الخصوم؟<br />
<br />
منذ سنوات، كنت قد سألت أحد خصوم الثورة من الإخوان عن مألة التعذيب.<br />
<br />
ـ هل كان عبد الناصر يعلم..؟<br />
<br />
'''فأجاب بدون تردد:'''<br />
<br />
ـ قطعاَ .. لا يمكن إنكار ذلك.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملامسات كثيرة فنحن بين رأيين.<br />
<br />
أحدهما يؤكد أن النظام كان يعلم ويمارس التعذيب.<br />
<br />
ولآخر، كان ينفى، فعبد الناصر لم يأمر به، ولم يكن ـ على الآقل ـ ليعلم حجم هذا النعذيب.<br />
لنستمع إلى الحيثيات قبل أن نصل إلى الحكم الآخير.<br />
<br />
ـ راح البعض يؤكد أن عبد الناصر كان يعرف التعذيب، بل كان ـ أى التعذيب ـ أحد أشكال الضغط علينا ، '''وأسأل محمود أمين العالم:'''<br />
<br />
ـ الضغط ، لأى شئ؟ ويجيب:<br />
<br />
ـ من أجل الحل.<br />
<br />
ـ والحل ـ حل الحزب الشيوعى ـ كانت له أساليب كثيرة يحددها المناضل الماركسى.<br />
<br />
ـ الحل بالتعذب.<br />
<br />
ـ الحل بالسجن.<br />
<br />
ـ الحل بالإغراءات.<br />
<br />
ـ ويرى محمد سيد أحمد الذى عرف تعذيب الشيوعيين فى سجن أبو زعبل، أن التعذيب كان من أجل الملاء، كان عبد الناصر يطلب الولاء قبل كل شئ، وكان هذا يتأثر بالمواقف بين القاهرة وبغداد أو القاهرة وموسكو،المهم هنا أن محمد سيد أحمد يرى أن النظام كان يمارس التعذيب.<br />
<br />
ونترك اليسار لنتمهل عند اليمين.<br />
<br />
فى التيار الإسلامى راح أحمد رائف يطرح السؤال فى الزنزانة رقم 210 (كتابه البوابة السوداء) :<br />
<br />
ـ "وهل كان عبد الناصر يعرف ما يدور فى أروقة السجون وظلام الزنازين؟" ويجيب بسرعة.<br />
<br />
ـ " .. نعم يعرف والأدلة على ذلك كثيرة والشواهد متعددة لا يستطيع تجاهلها".<br />
<br />
وما يقوله رائف يقوله أكثر الإخوان المسلمين مثل كتابات الشيخ محمد الغزالى ومذكرات زينب الغزالى .. إلخ.<br />
وتتأكد هذه المعرفة من أقرب الشهود للنظام، يقول الأتاذ هيكل (من كتاب حسنين كروم، عبد الناصر المفترى عليه،) : "عبد الناصر يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب".<br />
<br />
وهنا نصل إلى إجابة السؤال الأول، نعم، عبد الناصر كان يعرف بالتعذيب، لكن يبقى السؤال الآخر، وهل كان (يأمر)بالتعذيب؟<br />
<br />
والفارق واضح بين أن يعرف عبد الناصر ويصمت، أو يتعمد، فيأمر؟<br />
<br />
وبغض النظر عن حجة البعض أنه كان يدافع عن نظامه، وتجربته الثورية، الت لو وضعت فى يد أحد خصومه لما فعل أقل ما فعل، بغض النظر عن هذا، سوف نحاول أن نجيب عن السؤال الآخر: <br />
<br />
هل كان يأمر، وكيف، ولماذا..؟<br />
<br />
وهنا ننطلق إلى نفس الهدف ولكن نغير الطريق.<br />
<br />
وكيلا نقع فى محظور الدفاع عن عبد الناصر، فإننا نكرر ثانية ـ ما سبق أن أشرنا إليه ـ من أن عبد الناصر كان يعرف ـ بشكل ما ـ أن هناك نوعاَ ما من العنف والتعذيب ضد معتقليه فى السجون، لكنه ـ بالطع ـ لم يكن ليعلم درجته.<br />
<br />
كما أنه لم يعرف عنه أنه أصدر أوامر محددة بإجراء التعذيب أو ممارسته بالشكل البشع الذى عرفناه به.<br />
<br />
كان يعرف أن هناك معاملة تصل إلى درجة التعذيب، لكنه لم يكن ليدرك القيض على المعارضين داخل السجون فى دولة شمولية، لم تعرف المؤسسات الديموراطية كما يجب،ويمارس رئيسها الحكم بديكتاتورية .. إن هذا كله يمكن أن يؤدى إلى أنواع من التعذيب البشع الذى أودى مرة بشهدى عطية (مريض القلب) ومرة أخرى بعديد من شهداء الإخوان، بل بولغ أحياناَ فى معاملة عبد الناصر لمعتقليه وسجنهم إلى درجة أن عبد المنعم الشرقاوى يزعم أنه علق من ساقيه، وأن عيوناَ أليكترونية كانت مصرعة بجدران السجون.<br />
<br />
وهنا يختلط الواقع بالخيال.<br />
<br />
وفى الوقت نفسه يفسر غلو البعض فى وصف تعذيب عبد الناصر، فى حين أن البعض الآخر ـ من مؤيديه ـ يرفضون هذا الرأى، ويذهبون إلى الرفض إلى درجة نفى التعذيب كلية.<br />
<br />
وهناك أكثر من حادثة نختار منها حادثة معينة تؤكد أن عبد الناصر لم يأمر بالتعذيب كما صوره البعض (قط)، فالمعروف أنه أثناء نظر قضية الحزب الشيوعى المصرى (وكان المتهم فيها كل من د. فؤاد مرسى ود. إسماعيل صبرى عبد الله).<br />
<br />
وأثناء تواجد المتهمين فى المحكمة فوجئ الجميع أن إسماعيل صبرى رفض الدفاع، وام هو بنفسه ليقدم دفاعاَ قانونياَ جديداَ أمام المحكمة، فى هذا (الدفاع السياسى) راح السجين يشير إلى الأسباب التى جعلت اليسار يدخل السجون، ةما هى أباب اختلافه مع عبد الناصر، وكيف أن اختلاف التوجهات ـ كما أشار ـ هى السبب فى الخلاف بين أعضاء الحزب الشيوعى وبين عبد الناصر رغم اتفاقهما فيما بعد فى التوجه إلى المجتمع واعتناق الاشتراكية وإن كانت ألوان الطيف تحدد لنا ألوان كثيرة من الاشتراكية فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وكان الدفاع المجيد الطويل الذى يدلل فيه صاحبه بما يقول بعشرات الأمثلة والمجتازءات والأحداث التى لا تتوفر إلا لباحث يقطع حياته فى مكتبه ليكتب مثل هذا الدفاع الضخم .. كان هذا دافاَ لرجال المخابرات لإرساله لعبد الناصر بتقارير قدمت له، مشفوعة فى نهاية كل تقرير أن الشيوعيين (المساجين) قالوا كل شئ، وبتأن، وبدون تخوف أو تردد، فاندهش عبد الناصر لهذا، '''وقال بسرعة:'''<br />
<br />
"ـ النا دى نازلة فى لوكاندة".<br />
<br />
وهذه الحادثة التى ذكرها لى د. إسماعيل صبرى عبد الله ـ فى محضر نقاش ـ كان دافعاَ ليلقى جمال عبد الناصر كلمته التى فهم منها أنه لا بد من التعامل معهم بقسوة أكثر من ذلك، لأن هذه الحرية التى تمتعوا بها للتعبير عما يريدون خلال دفاع منظم لا تتفق مع حياة سجين سياسى، وأضاف د. إسماعيل أن درجة العزاب زات بعد ذلك مع تشديد كبير على منع الأوراق والأقلام والاتصالات الداخلية أو الخارجية، وكان هذا محل دهشة الدكتور لويس عوض فى ذلك الوقت، ففى لقاء شخصى معه، أشار إلى أنه كان معتقلاَ فى معتقل الفيوم وكان الاعتقال كما يقول يتم (باحترامنا)، وهنا يضيف د. لويس عوض.<br />
<br />
ـ أنه حينما انتقلنا من الفيوم إلى "أبى زعبل" تعذبنا عذاباَ شديداَ لا طاقة لبشر به.<br />
<br />
وكانت هذه الفترة هى التى شهدت دفاع المعتل السياسى إسماعيل صبرى، والتى علق فيها عبد الناصر عما تم فى المحكمة، وبناء على ذلك، تحولت المعاملة اليومية الطبيعية فى الجون إلى (تعذيب) شديد.<br />
<br />
ربما كان يعرف عبد الناصر بعض ألوان التعذيب فى سجونه، لكنه بالقطع لم يأمر به، ولم يحث عليه بالشكل الذى تم به بالفعل: لقد تحول المعتقل من عزل السجناء، وإعطائهم أرقام، وإساءة معاملتهم، إلى قطع الأحجار والضرب المبرح والتعذيب لدرجة الموت، وهو ما يعود إلى جهاز الدولة أكثر من أوامر عبد الناصر، ولأبى سيف يوسف تعليق مهم هنا عما حدث من تعذيب، يؤكد: "الدولة حين تقع تحت سلطة بيروقراطية .. وتبدو فى حالة جديدة من حالاتها .. تبدو كجهاز لا قلب له، كل ما تنزل الأوامر تزيد درجة".<br />
<br />
'''وأقاطع أبو سيف يوسف:'''<br />
<br />
ـ هل نفسر بهذا ملابسات قتل شهدى عطية؟<br />
<br />
'''يجيب السجين السياسى السابق:'''<br />
<br />
ـ لا ليس إلى هذه الدرجة .. لا تنسى أن شهدى عطية كان مريضاَ بالقلب وإن كان هذا لم يمنع من التعامل معه بقسوة، كغيره، كما أن عبد الناصر حين علم بموت شهدى عطية ـ وكان فى أحدى دول شرق أوروبا الشيوعية غضب بشدة، وأمر بوقف (كل) عمليات التعذيب السياسى.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملابسات وأحداث كثيرة، فنحن نعلم أن شهدى عطية الشافعى ـ وهو مثقف تقدمى كبير ـ توفى فى 15/6/1960 فى ليمان أبو زعبل تحت وطأة التعذيب، وحين عرف عبد الناصر ـ وكان فى رحلة للكتلة الشرقية ـ غضب كثيراَ، وحين عاد إلى القاهرة "ثار كما لم يثر من قبل" كما يقول الأستاذ هيكل وقام على الفور بفصل مدير السجن من عمله وتم إتخاذ إجراءات محاكمة المسئول بأمر عبد الناصر<br />
<br />
ونعود إلى ما كنا فيه فنستعيد ما قاله أبو سيف يوسف ـ من محضر نقاش أجرى معه ـ ملخصاَ الأمر كله أن المسئول كان يبدى عبارة أو يلقى أمراَ بالتشديد على المسجون السياسى، لكن كانت هذه العبارة أو ذلك الأمر يتحول، كلما هبط كورس التنفيذ ـ إلى أمر صريح بالتعذيب.<br />
<br />
كان عبد الناصر يعرف بالتعذيب، نعم، لكن ليس بالشكل البشع الدى يقال عنه، والذى ما زالت ترتفع الأصوات فى عديد من الصحف القومية أو المعارضة لإظهار عبد الناصر بصورة الحكم المتعطش للدماء العنيف إلى درجة الأمر بالتعذيب حتى الموت، كما أن جملة الأحداث الداخلية والعربية والخارجية تدعو إلى هذا الواقع وتدفع إليه.<br />
<br />
مكان التعذيب موجوداَ ومعروفاَ فى عصر عبد الناصر، يقول هيكل (الحسنين كروم أن "عبد الناصر يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب واعتقالات آلاف الأشخاص فكتبت مامحاَ لذلك فى الأهرام، وكانت النتيجة أن غضب شمس بدران وقاطعنى".<br />
<br />
'''ويقول شمس بدران:'''<br />
<br />
"ـ أول للقضاء المصرى والرأى العام. أننى أتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما وقع فيما يسمى بالتعذيب فى القضايا التى شرفت على التحقيق فيها، وكان الهدف مصلحة عليا".<br />
<br />
وما قاله هيكل وشمس بدران قاله صلاح نصر فى التحقيقات التى أجريت معه أو فى كتبه التى نشرها، مؤكداَ أن ما حدث كان للدفاع عن القضايا القومية وكان ضرورة للدفاع عن التجربة الوطنية فضلاَ عن أن هذا ألوب معروف فى كوادر المخابرات العالمية.<br />
<br />
وعود على بدء، أن يكون عبد الناصر قد علم بالتعذيب، الإجابة بنعم، لكن أن يكون قد أمر به أو حرض عليه، فإن هذا ـ بحيدة كاملة ـ لا يتفق مع روايات الشهود واء داخل سجون عبد الناصر أو خارجها وإلا فليفسر لنا البعض ثورة عبد الناصر العنيفة عقب قتل شهدى عطية، وكيف تعامل عبد الناصر بغضب عات مع المسئولين، وخاصة، مأمور السجن الذى عذب فيه وقتل شهدى عطية.<br />
<br />
لقد آن الأوان لنظر إلى (تعذيب) عبد الناصر فى إطار بناء الدولة العصرية، وأيضاَ، فى إطار عيوب الدولة الاستبدادية وويلاتها.<br />
<br />
وكما كان يمكن أن نذهب إلى ما ذهب إليه خصوم عبد الناصر من موقف عبد الناصر من التعذيب، كذلك، يمكن التدليل على العكس، من خصومه أيضاَ.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى شهادة أهم هؤلاء الخصوم، خاصة، إذا كان هذا الخصم قد عاش مع ممارسات الثورة بشكل عبنى، بل ودخل تجربة السجن ـ كما سنرى .<br />
<br />
====الشهادة : الجامعة والثورة====<br />
<br />
كان المحامى الشهير والذى رحل فى الفترة الماضية. أحد شهود الفترة الناصرية، وأحد أبناء الجامعة الذين دخلوا فى صدام مع رجال الثورة، ورغم أن عبد المنعم الشرقاوى ـ هو شقيق الأديب عبد الرحمن ـ كان قد اتهم النظام فى الستينات بسجنه وتعذيبه، فإن نيابة أمن الدولة العليا رفضت هذا الاتهام/ التعذيب ـ بعد تحقيق طويل استغرق الفترة بين 14 ـ 20 يوليو 1966.<br />
<br />
وما حدث فى منتصف الستينيات لم يكن لينفصل عما حدث فى بداية الخمسينات عقب قيام الثورة، ففى السنوات الأولى كان الصراع حاداَ بين فئات المثقفين ـ ومن بينها الجامعة ـ وبين مجلس قيادة الثورة، فى الوقت الذى كان فيه عبد المنعم الشرقاوى سكرتير عام هيئة التدريس بجامعة القاهرة، ومن ثم، انسحب موقفه من الثورة، وموقف الثورة من الجامعة منذ فترة مبكرة، على العلاقة بينهما فيما بعد.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن هذه الشهادة ـ التى نقرأها من العالم الآخر ـ أدلى بها صاحبها قبيل رحيله بفترة بسيطة (وهى مكتوبة ومسجلة) ، وهى تحاول أن تعيد تركيب صورة هذه العلاقة بين الجامعة والثورة.<br />
<br />
كنت قد حدثته عن موقف الجامعة إبان قيام ثورة يوليو، كيف كان.<br />
<br />
فأكد أنه، وقد كان سكرتير هيئة التدريس بجامعة القاهرة، كان أول ما فعله أن قام بدعوة عدد من أساتذة الجامعة إلى منزله (الدكاترة سعيد النجار، محمد حسن الجمل، توفيق الشاوى، أمين صندوق الجامعة .. إلخ) وكان هذا فى مساء 25 يوليو، وكتبنا هنا بياناَ نؤيد الثورة وطالبنا فيه بالحرية والديموقراطية، وحين تم كتابة البيان، أوصلته بنفسى إلى باب الإذاعة، وقال لى الضابط المسئول هناك، أن هذا البيان هو ما كانت تنتظره الثورة. كان البيان مكتوباَ بأسم أساتذة جامعة القاهرة، ليس بيان تأييد فقط، وإنما بيان تأييد مشروط ويمكن العودة إلى هذا النص فى جريدتى المصرى والأهرام يوم 26 يوليو.<br />
<br />
وهذا موقف يشهد للجامعة، خاصة، وأن الملك كان فى الاهرة.<br />
<br />
وقد استمرت علاقاتنا بالدولة فى ذلك الوقت على أحسن وجه، وكنا نجتمع بشكل مستمر مع كمال الدين حسين، وكان هو المختص فى ذلك الوقت بالاتصال بالجامعة، وأذكر أنه طلب منا تغيير اللائحة (بناء على رأينا) ، وبالفعل تم تغيير لائحة الجامعة، وكان فيها الدكاترة حلمى مراد وعبد العظيم أنيس وعبد الرحمن بدوى ولأدلل أكثر على علاقتنا الطيبة بالثورة، أذكر أننى عينت فى عام 1953 عضواَ فى لجنة إصلاح التعليم الجامعى التى رأسها على ماهر فى ذلك الوقت، وكان من أعضائها ـ فيما أذكر ـ لطفى السيد والدكتور السنهورى.<br />
وقد قدمت اللجنة تقريرها لإصلاح التعليم الجامعى.<br />
<br />
ولكنك متهم بأنك كنت فى لجنة التطهير التى شكلتها الثورة، وقات بأخراج العديد من أساتذة الجامعة، '''سألت، وأجاب:'''<br />
<br />
التطهير كان ظاهرة يمكن أن تجدها فى عديد م الهيئات فى هذا الوقت، ولم تكن قائمة من أجلى أنا، ففى نهاية 1952 أرادت الثورة القيام (بالتطهير) ـ وهذا لفظ فرض علينا ـ وكنت أنا فى اللجنة، لجنة تطهير الجامعة ـ كما كان يطلق عليها ـ وكان معى فى اللجنة جامعيون ممتازون مثل الدكتور عبد الله الكاتب ووالأستاذ همام محمد محمود، وكنت أنا ثالثهم، وكان رئيس اللجنة محمد حسنين رئيس النيابة، وصحيح أن اللجنة قامت بناء على طلب الثورة، لكن قيامها الفعلى كان بناء على انتخاب جرى بين الجامعيين من أساتذة طبيقاَ لقانون التطهير، وقد قمنا بالفعل بما طلب منا، وكانت ضمن طلباتنا انتخاب مدير الجامعة من بين أساتذة الجامعات.<br />
<br />
ولكن هذه اللجنة متهمة بالانحياز إلى الثورة، وبإجراء التطهير من بين الأساتذة.<br />
<br />
أستطيع أن اقول لك أننا لم نطبق قانون التطهير بإخراج الأساتذة من الجامعة إلا على أثنين فقط، وكانوا من جامعة القاهرة وبوجه خاص من كلية الآداب لأسباب لا أريد الخوض فيها.<br />
<br />
إذا كان الأمر كذلك، من العلاقة بين الجامعة والثورة أول قيامها فكيف بدأ الخلاف؟<br />
<br />
.. بدأ الخلاف فى فبراير حين دعانا كمال الدين حسين للاجتماع فى مجلس قيادة الثورة، وبالفعل، اجتمع معنا وطلب منا بياناَ لتأييد الثورة، كنا نجتمع مع كمال الدين حسين باستمرار، وفى كل مرة نعالج قضية من قضايا العلاقة بين الثورة والجامعة، كان الخلاف الأول بيننا وبين الثورة قد انتهى بالقبض على عدد ممن كانوا فى اجتماع بالجامعة وكان من بينهم توفيق الشاوى .. ثم فصل هؤلاء، وكان الواضح أن السبب فى فصلهم أنهم من الإخوان الذين قبض على عدد كبير منهم فى ذلك الوقت.<br />
<br />
القضية أننى أنا كنت صاحب فكرة هذا الاجتماع الذى قبض فيه على الأساتذة، ومن هنا كان غضبى كيف يذهب بعض الأساتذة إلى سجن الأجانب على أثر دعوتى للاجتماع، ذهبت إلى وزير المعارف وقد كان عباس عمار وقابلت فتحى رضوان، وأظهرت غضبى الشديد وانتهى الأمر بالإفراج عنهم.<br />
<br />
بيد أن الانشقاق الأكبر الذى حدث بين الثورة والجامعة كان تحديداَ فى أزمة مارس 1954، فقد أصدرنا ضمن المثقفين الآخرين (الطلبة والمحامين .. إلخ) عدة بيانات تؤيد الديموقراطية وتطالب بالحريات، ولم نكن نعرف أن قرارت 25 مارس كانت مناورة، ومن هنا، أصدرنا بيانات أيدنا فيها هذه القرارات التى تعيد الجيش إلى الثكنات و .. إلى آخر هذه القرارات، وهنا، استنتج الضابط أننا ضدهم، وقد زاد الأمر سوءاَ أنه قد صدرت بعض القوانين للجامعة بموافقة د/ إسماعيل القبانى، فاعترضنا عليها، فألغيت، وهو ما زاد حجم الغضب ضدنا.<br />
<br />
لم يشهد مارس بداية الخلافات فقط، وإنما استمرت الأسباب أكثر فيما بعد أليس كذلك؟<br />
<br />
نعم ـ أضاف سكرتير نادى هئية التدريس ـ فى 5 إبريل تحديداَ جاءت رسالة من سكرتير عام الجامعة، قال فيها أن جمال عبد الناصر يريد الاجتماع بأعضاء مجلس الإدارة، اجتمعنا بالأساتذة قبل الاجتماع الذى حدد لنا الساعة الثانية عشر ظهراَ، كان هناك اعتراض عام من الذهاب لدى الأساتذة وتخوف من نيات الثورة تجاه الجامعة.<br />
<br />
لم أجد بداَ من الذهاب، دعيت الأساتذة (وكانوا قرابة ثلاثين أستاذاَ) إلى مجلس الجامعة، كان عن كل كلية 3 أساتذة و2 أستاذ مساعد و1 مدرس.<br />
<br />
كان هناك اتجاه اتجاه عام بألا نذهب إلى هذا ااجتماع، رفضت هذا الموقف وأصررت أن نذهب، ونقول ما نريد لا أن نرفض ولا يعرف أحد ما نريد، وفى حين وافق البعض على أن نذهب واشترط ألا يعلن عن هذا الاجتماع، وفى هذا الوقت، فوجئت بالدكتور حسام سكرتير الجامعة يهمس بأذنى عبد الناصر يأمر أن يكون الاجتماع فى منزله وليس بمجلس الوزراء كما كان قد قيل لنا من قبل، اعترض البعض، وحين جاء وقت أخذ الأصوات جاءت الأصوات 14 مع الرأى الذى يؤيد الذهاب فيه إلى بيت عبد الناصر ضد 13 رفضوا.<br />
<br />
كان المثقفون فى ذلك الوقت حرصين على كرامتهم ومواقفهم.<br />
<br />
المهم، ذهبنا إلى منزل عبد الناصر، وهناك جلسنا من الساعة الثانية عشر ظهراَ حتى الثالثة، جلس عبد الناصر فى مواجهتنا، '''وقال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
ـ "لقد قمنا بالثورة قبل ميعادها، ولم يكن لنا أى برنامج، واعتمدنا على أن تقوم الجامعة بعمل برنامج لنا، ولكن يبدو أن الجامعة ضدنا، وبها أساتذة لديهم ميول كثيرة ضدنا .. مش كده ولا إيه يا شرقاوى".<br />
<br />
'''فوجئت بالسؤال :'''<br />
<br />
فأجبت : نحن لسنا ضد الثورة، ونحن أسهمنا فى الثورة، والجامعة كانت ضد فاروق، وحين جاء فاروق إلى الجامعة منذ سنتين فى عيد العلم لم يقابله أستاذ واحد ولم يجد أحداَ فى صالة الاجتماعات، بل قمنا بحرق صورة فاروق، والأكثر من هذا رفضنا إعطاء هدية لفاروق ـ كغيرنا ـ بمناسبة زواجه.<br />
<br />
على أية حال نحن لسنا مختلفين مع الثورةربما كان الخلاف فى الوسيلة إنما الغاية واحدة.<br />
<br />
قال عبد الناصر بحيدة أكثر: الكلام ده كلام روز اليوسف، كلام إحسان عبد القدوس وأخوك عبد الرحمن، ويبدو أن عبد الناصر كان يريد الإيقاع بينى وبين الأساتذة، على أية حال، '''اعتدل وقال بلهجة عنيفة:'''<br />
<br />
"ـ شوف بقى، أنا يهمنى الجيش، وأنا هنا لا أعرف النوم من يومين، لماذا، لأنه حدث انقلابين فى يومين فقط، عايز ترجع لى يا شرقاوى العهد الماضى".<br />
<br />
ودارت الاتهامات فى هذا اللقاء بين العسكر والجامعة، العسكر يقولون أن الأساتذة يحرضون الطلبة، ويدفعون بهم إلى المظاهرات والهتافات، والأاتذة ينفون ، ويقولون ربما كانت وسيلتكم أفضل، المهم التجربة.<br />
<br />
لم يمض وقت طويل ـ عاد الشرقاوى ـ أنا وفوجئت بقرار الفصل، فصل حوالى خمسين أستاذاَ جامعياَ منهم لويس عوض وعبد العظيم أنيس وتوفيق الشاوى وأمين بدر .. إلخ، فضلاَ عن نقل العديد من الأساتذة، وراحوا لإرضاء من بقى من الجامعين فأصدروا لائحة كنا قد طلبنا بها، وأضافوا ـ كإغرائات ـ استثناءات لبعض أساتذة الجامعة مثل كامل مرسى (ونحن نتذكر أن كامل مرسى كان أحد رجال صدقى عام 1946 وجئ به رغم خروجه على المعاش).<br />
<br />
وبدأت قضية أهل الثقة وأهل الخبرة.<br />
<br />
لكن قضية أهل الثقة ـ كانت لحماية الثورة قبل أن تكون ضد المثقفين، سألت وأجاب مثقف بدت شهادته منحازة ضد الثورة : بالعودة إلى السنوات الأولى لقيام الثورة، أثناء أزمة مارس تحديداَ، أذكر أنه حين سأل البعض جمال عبد الناصر لماذا توليتم السلطة بدل المدنيين ؟ '''أجاب عبد الناصر:'''<br />
<br />
"ـ كنا نضع ضابطاَ فى كل وزارة، ومع الوقت كنا نلاحظ أن الضابط هو الذى يحكم، لأن المدنيين لا يريدون أن يحكوا، وأن يتحملوا مسئولية، ففكرنا، بدلاَ من ترك المدنى لاتخاز قرار، ثم نقوم بإلغائه، فكرنا فى أن نحكم نحن، خاصة فى السنوات الأولى، فوضع عسكرى فى كل موقع، لم يكن فقط لتمثيل الثورة، وإنما ـ أيضاَ ـ لهد آخر، فقد لاحظنا أن العسكرى فقط هو الذى ينصاع للأوامر فيلبى ما يراد منه، ففى فترة كنا متأهبين لإقامة التنمية وخطط خمسية واتخاذ قرارات سياسية واجتماعية .. إلى آخر قرارات الثورة الاجتماعية والسياسية والإدارية الهامة، كنا نحتاج إلى الضبط والربط وليس إلى الأخذ والرد".<br />
<br />
ثم هل تعرف أننى سجنت وبرأت دون سبب واضح؟<br />
<br />
أجبته بنفس السرعة: "لا التحقيق أشار إلى علاقتك بالإخوان" فعاد ليقول بسرعة "كل ما وجدوه من أدلة على هذا بعض أسماء الإخوان فى نوتة التليفون، كان توفيق الشاوى وعبد الحكيم عابدين، أحدهما عرفته فى مصر والآخر فى لبنان، وكل منهما كانت تربطه بى علاقات عادية فقط.".<br />
<br />
لكن هل تعرف أننى سجنت وعذبت؟ أجبته وأنا أقرأ حكم المحكمة العسكرية "المحكمة لم تقتنع بصحة ما قرره الدكتور الشرقاوى من وقوع تعذيب جسيم عليه أثناء استجوابه فى المخابرات العامة وقضت ببراءة المتهمين فى القضية".<br />
<br />
صمت الصوت، وعدت أحدث نفسى: ربما كانت قضية التعذيب غير صحيحة، خاصة، أن الحكم صدر إبان حكم عبد الناصر، كما أن الدكتور الشرقاوى لم يرفع قضية بعد رحيل عبد الناصر كما فعل آخرون.<br />
<br />
<br />
<br />
====(نموذج) عن يوسف صديق====<br />
<br />
كل مرة يذكر فيها أمامنا مفهوم حقوق الإنسان في معرض الحديث عن سلبيات ثورة يوليو، ويذكر معه ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
تعذيب المعارضين لها المختلفين معها.<br />
<br />
وهي ظاهرة من أكثر الظواهر التي يقف إليها أعداء ثورة يوليو مباشرة متهمين إياها بتعذيب الإنسان، وهو ما ساد بين المثقفين المنتمين بشكل خاص إلى تيارات أيديولوجية في الفترة الناصرية.<br />
<br />
وبادئ ذي بدء فلا بأس من أن نكرر ما قلناه سابقاً وأصيح بدهياً من أن ظاهرة (التعذيب) أهم ظواهر حقوق الإنسان ومحرمة كل التحريم في الوعي الإنساني، وهي على المستوى البشري لا يمكن تبريرها تحت أي ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها في سياقها يصبح خروجاً على الحكم الخاطئ.<br />
<br />
ومن هنا فالتعذيب تحت أية مسميات مرفوض مرفوض مرفوض.<br />
<br />
بيد أن العودة إلى السياق.<br />
<br />
والعودة إلى الملابسات ثم العودة إلى وثائق التاريخ وشهودها من الأحياء (المصادر الحية).<br />
<br />
.. هذا وغيره يمكن أن ينير لنا أكثر نهاية النفق.<br />
<br />
'''ونعود لنسأل بشكل مباشر:'''<br />
<br />
ـ هل تم تعذيب (يوسف صديق) كما رددت وكالات الأنباء الغربية؟<br />
<br />
وكان راديو صوفيا قد أشاع في بداية الستينات أنه يعيش وراء أسوار عالية وأنه يعذب ويجلد داخل السجن ويجلد ويصرخ ويستغيث وما من مغيث ويصيح وما من سامع.<br />
<br />
ويزيد من أهمية الظاهرة وخصوصيتها هنا أن يوسق صديق لم يكن أحد هؤلاء المثقفين ممن أضيروا وعذبوا من شتى الاتجاهات والأحزاب، فرغم انتمائه إلى الحزب الشيوعي (حدتو) منذ نهاية الأربعينات كان ولأنه للحس القومي والعربي أعلى من أي ولاء، فضلاً عن أنه كان من أول الضباط وأكبرهم رتبة (قائمقام) من الذين شاركوا في إنجاح الثورة.<br />
<br />
أضف إلى هذا ـ وهو مرتبط بتكوينه ـ أنه كان إنساناً جريئاً، لا يتردد في قول ما يريده، ولا يتبدد يقينه في أمر إلا ويقوم على إنجازه مباشرة، ثابت في الحق، قوي في التعبير.<br />
<br />
ففي الوقت الذي كانت شخصية جمال عبد الناصر تميل إلى المناورة والعمل في هدوء كانت شخصية يوسف صديق تميل إلى العمل المباشر ومواجهة الخصم والتصرف بشكل تلقائي.<br />
<br />
وهو ما أسلمه، ولما يمض على قيام ثورة يوليو قرابة سنتين، إلى التصرف العنيف ضد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مواقف كثيرة.<br />
<br />
وسوف نختار منها موقفين.<br />
<br />
وبعيداً عن الاستطراد الطويل، ففي أول خلاف بين مجلس قيادة الثورة وضباط المدفعية، وهو خلاف كان ضباط المدفعية يدعون فيه إلى أن يكون تمثيل الجيش في مجلس قيادة الثورة عن طريق الانتخاب .. لم يجد يوسف صديق أمامه إلا الانتفاض بعنف ليقدم استقالته.<br />
<br />
كان مجلس قيادة الثورة قد دخل في نفق الخلافات الحادة بين الضباط في شتى الأسلحة، ولما بدا أن ضباط المدفعية يتخذون موقفاً مغايراً استقر الرأي بين ضباط الثورة فيما بينهم على استخدام العنف.<br />
<br />
وبحركة مفاجئة تم اعتقال ضباط المدفعية من الثائرين وعددهم يصل إلى 35 ضابطاً في 15 يناير 1953، وقد أودعوا سجن الأجانب برتبهم وملابسهم العسكرية، الأمر الذي لم يسبق له نظير في تاريخ العسكرية المصرية تحت القيادة المصرية.<br />
<br />
وعبثاً حاول محمد نجيب وقد كان رئيساً للجمهورية في ذلك الوقت أن يستبدل بالسجن (ميس) الجيش رفض مجلس قيادة الثورة، وقرر اتخاذ موفاً عنيفاً كيلا يتحرك زملاؤهم، وكي يكونوا عبرة لغيرهم.<br />
<br />
وقد كان هذا التصرف كفيلاً بتفجير الغضب لدى عدد كبير من الضباط وفي عدد كبير من الأسلحة.<br />
<br />
ففي سلاح المشاة ـ على سبيل المثال ـ استقال القائمقام يوسف صديق ومن مجلس قيادة الثورة وأصر على استقالته رغم محاولات البعض إثنائه.<br />
<br />
رفض يوسق صديق أن يتعامل مع الضباط والجنود في سلاحه بعد الثورة بمنطق آخر.<br />
<br />
وكان صلباً حاداً في اتخاذ الموقف، فتذكر مصادر هذه الفترة صفات ديموقراطية أخرى اتسمت بها شخصية هذا الضابط، '''يقول محمد نجيب:'''<br />
<br />
(كان يوسف صديق شديد الوضوح في معارضته لقانون تنظيم الأحزاب، ولضرب الوفد على غير أساس ديموقراطي.<br />
<br />
وكان يدعو للتمسك بالدستور. ودعوة البرلمان للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية. كما أنه كان شديد الثورة والرفض لاعتقال الزعماء السياسيين دون اتهام، وطالب كثيراً بإلغاء الرقابة على الصحف وتكوين اتحاد عام للعمال. وكان حديث يوسف إلى المجلس يستهويني لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة. ولم يكن مثل جمال سالم تتدفق ألفاظه قبل أفكاره. ولكن يوسف صديق كان يقف دائماً في الأقلية، لا يجد معه أصواتاً تشكل الأغلبيةً، وكثيراً ما اتفقت معه في الرأي، وكثيراً ما تغلب علينا الرأي المضاد). <br />
<br />
وكان موقفه واضحاً أشد الوضوح في قضية تمثيل الجيش في مجلس القيادة عن طريق الانتخابات كان يوسف صديق ـ كما لاحظ عبد العظيم رمضان في كتابه عن أزمة مارس ـ في هذا يبدو موقفه الديموقراطي، حين سأله أحد الأعضاء عما إذا كان يضمن لنفسه النجاح في الانتخابات، '''أجاب يوسف صديق قائلاً:'''<br />
<br />
ـ هذا لا يهم، إنما المهم هو الانتخاب ـ والمعروف أنه في أزمة إعدام خميس والبقري من عمال كفر الدوار كان يوف صديق (إلى جانب جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين ممن اعترضوا على هذا الإعدام.<br />
<br />
كان يوسف صديق من الذين إذا رأوا في شيء أنه صواب يتمسكون به تمسكاً تاماً إلى درجة أنه حين قرر أن يقدم اتقالته قدمها غير سامع لتوسلات محمد نجيب قائلاً:<br />
<br />
ــ أنا لا يمكن أن أرتبط مع مجموعة لا أوافق على سياستها.<br />
<br />
ــ وحين حاول عبد الناصر التعويض عن هذا وفي الوقت نفه إرضاءه بتعيينه سفيراً للهند رفض، وتردد بعض المصادر أنه واجه عبد الناصر مواجهة عنيفة في ذلك الوقت.<br />
<br />
وعلى هذا، فبعد أن قدم استقالته دخ في مسلسل استمر طويلاً من الاستبعاد فالنفي فتحديد الإقامة فالسجن دون أن تثنيه أية وسيلة عن القرار الذي كان يراه صالحاً.<br />
<br />
كان عنيفاً في الحق.<br />
<br />
غير مداور أو مناور. صريحاً أكثر ما تكون الصراحة.<br />
<br />
ولهذا كله، ولغيره، كـان لابد أن يكون في موقف مواجه للضباط الآخرين وهم يتحلقون ـ في أغلبهم ـ حول عبد الناصر، ويؤثر أن يقف ــ كما لاحظ محمد نجيب ــ في جانب الأقلية التي كان يرى أنها على حق.<br />
<br />
هذا هو الموقف الأول، أما الموقف الآخر، بعدذلك تحدد في خروجه إبان الصراع العنيف على السلطة بمطالب كتبها في شجاعة نادرة وقدمها لمحمد نجيب (وقد كان رئيساً للجمهورية) معدداً فيها فيها ما يجب أن يفعله الضباط الأحرار بعد نجاح الثورة، منتهياً إلى أحد حلين، أحدهما: دعوة البرلمان المنحل ليتولى حقوقه الشرعية، أما الآخر، فهو تأليف وزارة ائتلافية تمثل التيارات السياسية المختلفة القائمة فعلاً في البلاد .. إلى غير ذلك منتهياً بعبارات عنيفة.<br />
<br />
وقد نشرت هذه الرسالة حينئذ في جريدة المصري في 24 مارس 1954.<br />
<br />
ومن هنا، ظل يوسف صديق في طيلة حياته صلباً نبيلاً.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى ما شاع بشكل كبير في الكتلة الشرقية وخرج من وكالات الأنباء والإذاعات هناك.<br />
ذهب إلى أكثر من مسئول وانتهى الأمر به إلى محمد حسنين هيكل في ذلك الوقت، '''وما كاد يجلس إليه حتى قام شأنه دائماً حين يغضب وقال:'''<br />
<br />
ــ سوف أذهب الآن بنفسي إلى سفارة بلغاريا، لأقول لهم صراحة أن هذا الكلام الذي تردده إذاعاتهم لا يضر بنا قدر ضرره بهم .<br />
<br />
وخرج غاضباً، فلم يكن ليعاني من العذاب وإنما من ابتعاده من القيادة أو المناصب أو المشاركة في الحم، وهي كلها مناطق حساسة آثر عبد الناصر أن يبعد عنها هذا الرجل الجريء.<br />
<br />
ذهب إلى سفارة بلغاريا، دلف بسرعة سأل عن السفير، لم يجده، وجد سكرتير السفارة، صاح فيه أن كل ما يقال ليس له نصيب من الصحة، وأن حكاية (التعذيب) هذه غير صحيحة، '''أجاب سكرتير السفير:'''<br />
<br />
أنه لا يستطيع أن يتحمل مسئولية نقل كلام إليه شفوياً ـ إلى حكومته.<br />
<br />
أخذ يوسف صديق ورقة '''وجلس أمام المسئول البلغاري ليكتب فيها بالحرف الواحد هذه الرسالة:'''<br />
<br />
(السيد المحترم القائم بأعمال السفارة البلغارية بالقاهرة<br />
<br />
بعد الاحترام<br />
<br />
مقدمه القائمقام "ح" يوسف منصور صديق" عضو مجلس الثورة السابق، '''أعرض الآتي:'''<br />
<br />
دأبت إذاعة صوفيا في الأيام الأخيرة على ترددي اسمي في إذاعاتها في أخبار ليس لها ظل من الحقيقة.<br />
<br />
فهي تزعم أنني معتقل وأنني ألاقي التعذيب في المعتقل ــ وتردد ذلك في مناسبات متعددة الأمر الذي دعاين للحضور بنفسي إليكم لتأكيد عدم صحة هذه الأخبار.<br />
<br />
ولما كـان ترديد مثل هذه الإذاعات لا يفيد شعب بلغاريا ولا شعب الجمهورية العربة المتحدة فإنني قد أتيت لسيادتكم راجياً وضع حد لهذه الإذاعات البعيدة عن الحقيقة والتي من شأنها أن تعكر الجو بين شعبين صديقين يعملان معاً في معسكر السلام.<br />
<br />
وأنني أرجو أن تقبلو تحياتي وشكري.<br />
<br />
قائمقام أ.يوسف منصور صديق <br />
<br />
وتنتهي رسالة يوسف صديق، غاضباً من القوى الخارجية التي تريد الإيقاع بأبناء الوطن الواحد وغن حمل في الوقت نفسه غضباً آخر، هو نبل الفرسان ووعيهم.<br />
<br />
===الفصل الثالث:إشكالية الديمقراطية وثورة يوليو===<br />
<br />
====أهمية البحث ====<br />
<br />
لا يمكن أن نتحدث عن "إشكالية الديمقراطية في الفترة الناصرية" دون أن نؤكد على أهميتها الآن، فرغم مضي أكثر من نصف قرن على تجربة عبد الناصر، وغياب (حلم الديمقراطية في الربع قرن الأخير .. فإن التوجه إلى الديموقراطية مهما تكن ممارساتها أو سلبياتها تسعى للخروج بنا من الماضي إلى وعي المضارع للوصول من ثم إلى أفق المستقبل .<br />
<br />
فالمعروف أننا ل يمكن أن نحوّل التجربة إلى وعي معاصر لنا دون البحث عن علامات يمكن أن تُعيننا على فهم طبيعة الحضور والغياب في السعي إلى حياة سياسية مثالية .<br />
<br />
بيد أننا قبل أن نصل إلى التجربة / الإشكالية هنا لابد لنا من أن نتمهل عند بعض الملاحظات التي تشير إلى المنهج الذي سعينا إليه هنا لفهم هذه التجربة وتجاوزها.<br />
<br />
====المنهج====<br />
<br />
'''المنهج الذي نمضي به يتكون من عدة مداخل تستمد مشروعيتها من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ أهمها ما جاء في شكل (محضر نقاش) أو شهادات قمت بتسجيلها وتحريرها في الفترة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبقيت في حوزتي ـ التسجيل والتحرير _ بعد أن رحل أغلب أصحابها.<br />
<br />
وقد تعاملت معها كنموذج Paradingm, Type لممارسة الديمقراطية والتعامل معها بالسلب أو بالإيجاب .. وقد ركزت بشكل خاص على العلاقة بين المثقف والنظام لكن في إطار النموذج لا خارجه.<br />
<br />
- وبدهي أن طبيعة هذه العلاقة بين النظام ومثقفيه (الشهادات) الدالة على الإشكالية التي نحن بصددها هنا، وهي إشكالية خاصة، جاءت نتيجة لمد تاريخي بعينه، فالفترة التي أعقبت ثورة 1952 تميت بالعلاقة بين المثقفين والنظام العسكري، تلك النظم التي دعمت نمطاً خاصاً بها اتجه في الغالب إلى الواحدية ـ لا التعددية ـ وتعامل مع الأحداث الواقعية ـ وليس المثال في الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم طرأت علاقة من نوع خاص تحدد الإشكالية التي نحن بصددها.<br />
<br />
كان الرصد، إذن، حول (العلاقة) لا المثال، جدلية هذه العلاقة في الواقع وليس فيما يجب أن يكون ..<br />
- تلمست عدة مداخل أخرى كالمدخل التاريخي Historical approach لدراسة الأحداث الماضية في إطار زمني عبر الشهادات التي بين أيدينا تبعاً للفترة الزمنية مجال البحث، ومنها أيضاً البعد الموضوعي في دراسة الظاهرة ما يوفر لي قدر كبير من الوعي بالظاهرة في إطار جهدت فيه أن أكون محايداً، ومنها كذلك، تحديد المفهوم Concept في الفترة الزمنية مجال البحث بشكل خاص قبل أن أجاوزها إلى غيرها.<br />
<br />
- لا يمكن أن نفصل (إشكالية الديموقراطية) هنا في الفترة الناصرية عن أسئلة الإشكالية في بدايات الألفية الثالثة، فتجربة الخمسينات والستينات يجب ألا تكون غائبة عن أسئلة اليوم، وعصر النظام الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة في القرن الماضي يختلف ـ وإن يكن في الظاهر ـ عن عصر العولمة الآن، فالواقع يحمل الكثير من المتغيرات، لكنه يحمل ـ بالقطع ـ الكثير من التشابه في عالمنا العربي حيث الأنظمة العسكرية مازالت توم بأدوارها في تأكيد طبيعة السلطة وآليات الحكم في البلاد العربية.<br />
<br />
- إن الجديد هذه المرة أن أسئلة الديموقراطية في الفترة الناصرية لم تعد لتطرح من زاوية المنظور السائد، وإنما أصبحت تطرح من محاولة الإجابة عن السؤال (كيف) إلى ما يجب أن ننتهي إليه (لماذا)، وهو ما نسعى إليه عبر المنهج العلمي.<br />
<br />
'''وإذا كانت الإشكالة معلقة منذ منتصف القرن، فإنها الآن أقرب إلى التحديد أكثر حين نضعها على النحو التالي:'''<br />
<br />
هل للديمقراطية مستقبل في البلاد العربية؟ وما هو مصير الديموقراطية التي نتعامل معها؟<br />
<br />
هل غابت الديموقراطية العربية المأمولة؟<br />
<br />
هل ليت حتفها أم لا تزال تنتظر إجابة واحدة لمسائلات متعددة؟<br />
<br />
'''فلنترك هذه الأسئلة الأخيرة لنتمهل ـ أكثر ـ عند السؤا الأول:'''<br />
<br />
كيف نرى (إشكالية الديموقراطية) في الفترة الناصرية؟ ..<br />
<br />
'''أولاً : عن الديموقراطية :'''<br />
<br />
الديموقراطية قيمة من بين أهم القيم التي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية في وقت واحد، وهي الوقت الذي تمثل فيه مفهوماً عالمياً ومن أقدم العصور، فإنها ـ تتحدد ـ بالنسبة لنا في العصر الحديث ـ بشكل أكثر تحديداً وضرورة، وفي ظل التباينات العديدة في المفاهيم التي تمنحها هذه القيمة، فإننا نستطيع تجاوز المعاني المتعلقة بالتباين الحضاري والديني إلى واقعنا العربي لئلا تغيب بعض الخطوط العامة للديموقراطية كما نريدها.<br />
<br />
وعبوراً فوق مفاهيم عديدة للديموقراطية، فإن التعبير عنها عندنا يتحدد في البنية السياسية ثم البنية الاجتماعية والثقافية .. ويستخدم للدلالة على نظم الحكم التي تتمتع بقدر ملحوظ من الشعبية خاصة في الشكل الجمهوري.<br />
<br />
ويتطور المفهوم الحديث أكثر خاصة في العالم الثالث حيث يرتبط بحق تقرير المصير بعد معارك الاستقلال، فبعد حصول الدول المستعمرة على استقلالها أعلنت نفسها نظماً ديموقراطية. وربطت ذلك بمضامين اجتماعية واقتصادية. ومعظم دول العالم الثالث "تعتبر أن هذه الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أبلغ دليل على تبنيها نظماً ديموقراطية رغم أنها لا تأخذ بالمضامين السياسية القائمة على التعدد الحزبي ولا بالبرلمان النيابي صاحب الدور الإيجابي ولا بالحريات السياسية .<br />
<br />
وتمنح الديموقراطية في العالم العربي خاصة مفاهيم أو عناصر ترتبط بالواقع الجغرافي أكثر يحددها د. برهان غليون على أنها تتعدد فيما يلي:<br />
<br />
- سيادة القانون.<br />
<br />
- ظهور أطر ومؤسسات سياسية.<br />
<br />
- السيادة الشعبية.<br />
<br />
- الحرية الفردية.<br />
<br />
فالديموقراطية بعكس ما هو شائع عنها تماماً لا تُعني بالحرية السياسية الشكلية بصورة جوهرية ولكنها تعني مشاركة في جميع القرارات العمومية، أي السياسة، التي لا تتم من دون الحرية الفردية. فهذه الحرية هي الشرط الضروري لوجودها وتشغيل جميع عناصرها الأخرى. فلا يمكن تحقيق مبادئ السيادة الشعبية ولا الدولة القانونية ولا المؤسسة الموضوعية، وضمان اشتغالها جميعاً خارج جو الحرية الذي يتيح لجميع الأفراد ممارسة المراقبة والمحاسبة على أصحاب المناصب السياسية في الوقت نفسه.<br />
<br />
وإذا كان للديموقراطية شروطاً معينة، فإنها لدينا في الأقطار العربية تتخذ منحاً خاصة، وفي النظم العسكرية العربية على وجه أخص؛ وهنا تتخذ الديموقراطية (إشكالية) خاصة بها عندنا .<br />
<br />
فالتجربة الناصرية كانت لها مع الديموقراطية، في ظروف الخمسينات والستينات في مصر، سمة خاصة، حيث التبست التجربة بعديد من الظروف المحيطة بها سواء في بطء حركة المجتمع في اللحاق بالعالم ومن ثم افتقاد شروط المجتمع المدني أو مواجهة الاستعمار الذي كان جاثماً ما يزال على صدر البلاد، واتخاذ سمة الحكم المركزي شكل خاص في ضوء شيوع أفكار جديدة نتيجة للحركة العسكرية التي قامت ومن ثم مجابهة هذا العالم الجديد بنظامه الليبرالي السابق على عام 1952 وانعدام التعاون بينهما بشكل هادئ.<br />
<br />
ويلاحظ ـ كما سنرى ـ أن التجربة الديموقراطية في ظل وجود المجتمع الجديد عانى من الناحية التنظيمية الطبيعية التي تحتمها الظروف الجديدة من محاولة الهيمنة على كل دولاب الحركة الإدارية والوظيفية والخشية من الحزبية أو النظام البرلماني السابق، ثم تأكيد هذه المركزية التي تتبلور عن "أوليجاركية" لا مناص أمامها من تفضيل سمات معينة عن غيرها في إدارة المجتمع، وما يرتبط بالفترة الناصرية أو النهج الناصري خاصة أنه ـ أي النظام الناصري ـ "بحكم دوره البارز في هذا المجال، إن ما تمتعت به ثورة يوليو 1952 من تأييد شعبي كاسح ـ ربما لم يتيسر لغيرها ـ لم تستطع قيادة الثورة أن تصبه في كيان سياسي منظم، ولعلها لم تشأ أو على الأل لم تهتم بذلك".<br />
<br />
ويرجح البعض أنا استغنت عن ذلك بما سيطرت عليه من مقدرات جهاز الدولة، إدارة وأمناً وإعلاماً، واستخدمت كل ذلك، مع التأييد الشعبي غير المنظم، فضلاً عن نقاط الضعف في الحياة الحزبية، وذلك في تصفية الأحزاب، ولعل هذا النجاح قد أكد لديها منطق الاستغناء عن التنظيم الشعبي، أو على الأقل عدم الاهتمام به كعنصر ضروري للبقاء.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن التجربة الناصرية في الديموقراطية التبست كثيراً في هذه الفترة خاصة أنها لم تكن قد تجسدت عبر ممارسات وصور سياسية ودستورية ثابتة، بل إن تطورها عبر سياسة التجربة أو الخطأ والصواب أثرت أكثر في تأكيد مركزية السلطة وارتباطها بالأطر المؤسسية الخاصة بها أكثر من (المثال) في التجربة الديموقراطية، وخاصة، في علاقاتها باثنين:<br />
<br />
- عبر القوى السياسية التي كانت سابقة عليها من أحزاب ومؤسسات وسياسيين.<br />
<br />
- عبر موقف القوى الثقافية أو المثقفين الذين يمثلوا إسهاماً واعياً (بالشهادة) هنا.<br />
<br />
وهو ما يقترب بنا أكثر من هذه الإشكالية في علاقة النظام الجديد بمثقفيه خاصة وهو ما نحاول رصده في هذه (الشهادات).<br />
<br />
'''ثانياً : قراءة "نقدية":'''<br />
<br />
إشكالية الديموقراطية تتحدد عبر عدد من الممارسات التي تمثل قيماً تعبر عن الديموقراطية المفقودة أو الديموقراطية المأمولة في آن معاً .<br />
<br />
'''وهي في الحالتين ترددت في عديد من شهادات المثقفين عبر مفردات كثيرة نختار منها الآتي:'''<br />
<br />
'''(1) أهل الثقة وأهل الخبرة:'''<br />
<br />
إن رصد العلاقة بين النظام ومثقفيه في الخمسينات والستينات يرينا أن النخبة الحاكمة في الفترة الناصرية كانت تحرص في ممارستها السياسية على (أهل الثقة) أكثر من (أهل الخبرة)، على أن تكون طبيعة العلاقة بينهما هي علاقة الولاء و(الأمن السياسي) في المقام الأول.<br />
<br />
ولطبيعة الدور الذي كان يطلب من أهل الخبرة، فإن دورهم لم يتعد قط درجة (التعاون) مع النظام، وبرصد العلاقة بين الطرفين نستطيع أن نلحظ أن الهوة اتسعت بينهما بعد أزمة مارس 1954 بوجه خاص وتصل قمتها بعد حرب السويس عام 1956 (نهاية الفترة الليبرالية).<br />
<br />
إن د. إبراهيم بيومي مدكور. وقد كان من كبار السياسيين والمثقفين قبل ثورة يوليو وشارك في بعض لجانها عقب الثورة مباشرة أكد أن النظام السياسي للفترة الناصرية حاول الاستفادة من المدنيين من أصحاب الخبرة بإشراكهم معه، غير أن التعويل الأول كان لصاحب الثقة، '''قال من حوار طويل معه:'''<br />
<br />
(كان عدم الثقة بين الثورة وأهل الخبرة؛ بل إنني سمعت بأذني (جمال عبد الناصر) يقول إن الاقتصاديين يقولون كذا، وأنا أقول بالقطيعة واقعة لا محالة بين المدنيين والعسكريين، بين سياسيي قبل الثورة ومثقفيها والثوار من أبناء العهد الجديد وخبرائهم؛ من وقتها رفضت أن أشارك في السياسة، وانسحبت إلى المجمع اللغوي).<br />
<br />
كان من الواضح أن ثورة يوليو حاولت الإفادة من خبراء أو فنيين الفترة السابقة فور قيامها بطريقتها الخاصة، ومراجعة المذكرات المرفوعة في ذلك الوقت ترينا أن وزير المعارف ـ وكان إسماعيل القبَّاني ـ يختار أسماء لجنة دراسة نظم التعليم الجامعي من بين أفرادها لطفي السيد وعبد الرازق السنهوري وإبراهيم مدكور وشفيق غربال ومحمد عوض محمد ومحمد خلف الله وعباس رضوان .. وغيرهم ممن حاولت الثورة الاستفادة منهم، لكنها ـ مع مضي الوقت ـ آثرت الاستفادة أكثر بأهل الثقة من حكومة الثورة.<br />
<br />
وإذا كانت الفترة الناصرية في البدايات تجنبت أهل الخبرة ـ ولدى العلمانيين من الفترة الليبرالية السابقة ـ فإنها آثرت هذا، وأصرت عليه أكثر في السنوات التالية خاصة لدى رموز التيار اليساري، وربما كان الخلاف الرئيسي بين النظام والمثقفين في هذه الفترة يعود إلى المثقف الأيديولوجي كأهل اليسار حتى لو كانوا من أهل الخبرة عن النظام، حتى وإن كان عبد الناصر يميل بشكل شخصي إلى بعض أفكارهم، غير أن اللعبة السياسية كانت تحتم عليه أن يكون حريصاً ألا ينتموا إلى التنظيم الرسمي، فإذا انتموا بعد أن خرجوا من السجون، فكان بشكل فردي وبشروط محددة، أهمها أن يبتعدوا عن العمل (ككادر) ضد النظام القائم؛ إن أبو سيف يوسف في شهادته يؤكد هذا ويكرره لأكثر من مرة مع تغيير الألفاظ لا المعاني، '''إنه يقول على سبيل المثال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(كان عبد الناصر مستعداً لأن يتعاون مع الماركسيين في حدود أن يلتزموا بدور معين لا يتجاوزونه وهو أن يكونوا دعاةً ومبشرين بالاشتراكية).<br />
<br />
وعلى أن يبتعدوا عن لعبة التواجد في مؤسسات السلطة المختلفة وفي موضع آخر، إن عبد الناصر قال للاشتراكيين حين جاءوا إليه شاكين من أنه يجري تمييزاً عنيفاً ضدهم في الاتحاد الاشتراكي بعد أن أصبحوا أعضاءً في حزب الثورة فُرادى وكانوا قد خرجوا من السجون بعد حل الحزب الذين انتموا إليه، قال من حديث طويل:<br />
(يجب أن تكونوا كسانت بيتر، أي بشروا بالاشتراكية، أي ابعدوا عن السعي إلى السلطة وبشروا بالاشتراكية).<br />
<br />
'''وفي شهادة د. إسماعيل صبري عبد الله كان يردد هذا طويلاً معي، ومما قال:'''<br />
<br />
(عبد الناصر كان يتعامل معنا كماركسيين، وكان يودُّ أن يستوعب في الجهاز الطليعي كل رموزنا الفاعلة وإن يكن بشكل فردي .. و ... وأذكر أن عبد الناصر في حوار معنا قال: الناس التي تعمل بالسياسة خايفين منكم، بيقولوا لو أننا فتحنا الباب هاتكلوا التنظيم السياسي . وضحها بهذه الصراحة والوضوح، وقال أنتم صنعتم التبشير بالاشتراكية مثل القديس سانت بيتر).<br />
<br />
ويسهب حول إيثار عبد الناصر والمحيطين به (أهل الثقة) ممن لم يكن التيار اليساري ينتمي إليهم، '''وهو هنا يسجل هذا الحوار:'''<br />
<br />
'''(قال عبد الناصر لأبي سيف يوسف) :'''<br />
<br />
- وأنت يا أبو سيف، اترشحت فين؟<br />
<br />
- لم أترشح.<br />
<br />
- والله جدع.<br />
<br />
وهو ما يعني أن عبد الناصر كان حريصاً على ألا يزج باليسار إلى (أهل الثقة) مهما تكن كفاءتهم حرصاً على النظام الذي ينتمي إليه، وهو ما يعني أن عبد الناصر كان مهتماً بأهل الثقة، لكنه في الوقت نفسه لم يكن ليترك لهم الحبل على الغارب، وإنما كان يتعامل معهم انطلاقاً من اللعبة السياسية أن يكون النظام حريصاً على رموزه الواعين لسياسته؛ الموقف الواضح من خلال الشهادات يشير إلى اتخاذ هذا الموقف الرافض لكل العناصر السياسية التي تنتمي للعنصر السابق من يسار وإخوان ووفديين ويساريين.. إلخ<br />
<br />
واياً كان اسم هذا الموقف الذي يتخذه النظام، فقد كان الهدف في النهاية يؤدي ـ كما يردد إسماعيل صبري عبد الله:<br />
<br />
(الموقف هو الحرص على آليات السلطة وافتقاد الديموقراطية..)<br />
<br />
بل إن محمد سيد أحمد يـؤكد أن عبد الناصر كان قد اقترب من الشيوعيين لسنوات لكن على مستوى الفكر (لا كادر قط)، ولا بأس أن يكون الشيوعيون هنا عنصر (إثراء وتصحيح) ـ على حد قوله ـ لكن ما كان يهمه قبل أي شيء كما يضيف محمد سيد أحمد هنا هو:<br />
<br />
(مسألة الولاء، قضية عبد الناصر كانت هي الانتماء السياسي، كان يعتقد أن انتمائنا إليه كان يثري النظام والتنظيم الرسمي، لكن أن ننضم فرادى بدون تنظيم، ولذلك حين دخلنا "التنظيم الطليعي" كنا قد حلننا التنظيم الشيوعي، وربما كان عبد الناصر هنا يشير إلى أن يكون للشيوعيين تنظيم سري، لكن أن ينتهي عند سامي شرف، أي ـ بشكل ادق ـ كان الولاء هو الذي يحدد السلوك السياسي له).<br />
<br />
(الأكثر من هذا أن فكرة "أهل الثقة وأهل الخبرة" كانت هي الضية المحورية في العلاقة بين النظام والمثقفين حينئذ).<br />
<br />
مُسهباً كثيراً حول هذا التوجه.<br />
<br />
وقد يكون لويس عوض أكثر من عبر عن هذا التوجه لعبد الناصر، فبعد أن أشار لعديد من السلبيات التي تحسب لعبد الناصر أضاف (اقتلعت الثورة الناصرية، بحل كافة التنظيمات السياسية، وتحريم كافة التجمعات المنظمة، وتجريم كافة التجمعات غير المنظمة، وإقامة حياتنا السياسية على مبدأ تحالف قوى الشعب العاملة داخل وعاء واحد تسيطر عليه الدولة هو هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، اقتلعت الثورة الناصرية حق الأفراد في التفكير السياسي وحريتهم في العمل السياسي، وبعد أن جردت الثورة المصريين من حقوقهم السياسية وعزلت الشعب المصري برمته عزلاً سياسياً إلا من سار في مسيرتها بالولاء الشخصي و..) غير أن ذلك كله يمكن تفهمه حين نتفهم موقف النظم العسكرية في بلد كمصر بنظام الحزب الواحد أو الهيئة الواحدة وراقبت أفرادها أو تحمست (لأهل الثقة) فيهم لكن لهدف أساسي حرصت عليه والأخطار تحيق بها، هذا الهدف يكون محاولة استكمال الهدف الثوري، هدف الإصلاح الثوري السريع الحاسم.<br />
<br />
كانت القضية هي (أهل الثقة وأهل الخبرة) لكن مضمونها الأكثر دقة كان يشير إلى الولاء أكثر منه إلى إيثار الخبرة هنا وهناك .. والتأني في الإصلاح السياسي لمواجهة القوى السياسية المعادية في الداخل ـ الليبراليين السابقين ـ أو في الخارج ـ الإنجليز ثم التحدي الصهيوني وراءه المساندة الرأسمالية الأمريكية .. بيد أن هذا يظل له ـ مع التقادم ـ ثمناً لابد من دفعه.<br />
<br />
'''(2) حرية التعبير :'''<br />
<br />
ترددت في شهادات المثقفين أيضاً قضية التعبير، وهي إن تكن قد ارتبطت بقضية الولاء بشكل ما، فإنها تحددت أكثر في منح قدر كبير من حرية التعبير في التجربة السياسية في الفترة الناصرية، ومن يرصد لكتابات هذه الفترة يلحظ إطلاق هذه الحرية في القضايا التي لا تطوي فكراً وأيديولوجيا مغايرة للنظام، أي المثقف الذي لا ينتمي بوضوح لأي انتماء سياسي مضاد للنظام القائم، كأن ينتمي للأجهزة التي تهاجم النظام بشكل مباشر، وفي صدد حديثه عن الحالات التي كان يحرص النظام فيها على المحافظة على السلطة؛ وقد كان أهم هذه السبل تجريد أعداء النظام أو (الشرعية الثورية) من أسلحة كثيرة لعل من أهمها عند عبد الناصر سلاح (الصحافة).<br />
<br />
رأينا كيف أن عبد الناصر لم يكن ليطبق حرية الرأي التي تعتمد على أيديولوجية مناهضة له خارجة عن الولاء و(الأمن) السياي خاصة في تياراتها الليبرالية أو الدينية أو الشيوعية؛ وعبوراً فوق ملابسات بلغت درجة كبيرة انطلاقاً من رؤية النظام الناصري نفسه، وتحت مظلته. ومن هذا المنطلق بدت حرية التعبير السياسي تمضي في تيار (الولاء) ولا تنهض ضده .. وهنا توالت شهادات كثيرة.<br />
<br />
ونحن نعلم أن عبد الناصر رفض مصادرة كتاب (الديموقراطية أبداً) لخالد محمد خالد، ورغم الخلاف الذي كان يبدو بين خالد محمد خالد والنظام، فإن هذا الأخير لم يتردد أن يذكر بالثناء هذه الدرجة من حرية التعبير التي جاءت إليه لأكثر من مرة ومن أعلى سلطة في النظام، '''إنه يدلي بهذا في شهادته منذ البداية عقب أحداث الفترة الأولى من مجيء الثورة، يقول:'''<br />
<br />
(كان أول ما فعلته، أن أغلقت غرفتي على نفسي بالمنزل، واستعنت بالله جاهداً كي أنجز في أقرب وقت كتاب "الديموقراطية أبداً".<br />
<br />
وبالفعل، أنجزت هذا الكتاب في عشرين يوماً فقط.<br />
<br />
كنت أرى بوضوح أنني في صراع مع الثورة التي بدأت عهدها المجيد ـ كما يطلع عليها ـ بالديكتاتورية؛ وقلت في هذا الكتاب ما أريده صراحة حول الديموقراطية:<br />
<br />
كيف غابت عن حياتنا؟<br />
<br />
ولماذا حدث ما حدث؟<br />
<br />
وانتظرت ما سيحدث، فإذا بي أمام نشر الكتاب، وعلمت ـ فيما بعد ـ أن بعض الضباط بادروا بالفعل بمصادرة الكتاب، غير أن عبد الناصر رفض المصادرة..)<br />
<br />
كان التعبير السياسي لا غبار عليه مادام لا ينطلق من كادر سياسي أو موقف أيديولوجي وما يقال عن تأكيد الحرية السياسية للتيار الإسلامي، يقال كذلك لبقية التيارات.<br />
<br />
ففي شهادة لإسماعيل صبري عبد الله، ذكر ولأكثر من مرة، أنه لم يكن ليعاني من الحرية في التعبير السياسي بأية حال: (حين خرجنا من السجن وبدأنا نكتب في مجلة "الطليعة" كانت هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى نقد Critique، وقد كنت أكتب في حرية مطلقة وأعبر عن نفسي بغير قيود، وقد لاحظنا أن الكثيرين يسألوننا لماذا يترككم النظام تكتبون بهذا الوضوح وتلك الحرية).<br />
<br />
ويفسر السجين اليساري (السابق) أنه بعد الخروج من السجن لم ننتم لتنظيم ضد النظام القائم كما أننا حرصنا من ناحيتنا بدقة ألا ندخل في صراع الشلل السياسية حول عبد الناصر).<br />
<br />
وهو ما يردده بشكل ما محمد سيد أحمد في شهادة أخرى، فحين وضعت أمامه السؤال: راح يجيب بوضوح:<br />
(هل توفرت حرية التعبير السياسي ـ بعد حل التنظيم ـ كماركسيين مصريين؟<br />
<br />
- طيلة حياتي لم أشعر قط بالقيد وأنا أكتب في الصحف ــ كالأهرام مثلا ــ كنت أمنح حرية الكتابة تماماً، الشيء الوحيد الذي عانيت فيه من الكتابة بوضوح كان قضية (الصراع العربي الإسرائيلي)؛ وكان السبب أن الحديث الصريح يترتب عليه التزام أو موقف و.. كتبت الكثير عن عيوب الديموقراطية وعيوب الاشتراكية وإن كانت الرسالة تتوجه للطليعة أو للمثقف الواعي لما أريد..).<br />
<br />
معنى هذا أن عبد الناصر لم يهتم بالمثقف على صعيد الكلام النظري العام، غير أنه راح يوجه بعنف شديد الذين انتموا إلى تنظيمات أو أحزاب انطلاقاً من توجههم الخطر.<br />
<br />
وحتى بعد أن خرج الشيوعيين من السجون كان عبد الناصر يترك لهم حرية التعبير لكن لا يترك لهم حرية العمل السياسي وإن يكن بشكل فردي او جماعي، والتعبير عن هذا بالكتابة في الصحف.<br />
<br />
غير أن المثقف من ذوي التيار العقيدي كان يرتبط باللعبة الدولية، ومن ثم، كان يضاف إلى محظور الانتماء لكادر سياسي داخلي الميل إلى لعبة السياسة الخارجية، ومن ثم، ينتفي إطار حرية التعبير السياسي، ويكتفي عبد الناصر بمرجعيته في العلاقة مع المثقفين في (الولاء) .<br />
<br />
بيد أننا نحن هنا نشير إلى أن حرية التعبير كانت لها حدود معينة؛ فمن الشائع لدى البعض أنه لم يعتقل صحفي او مثقف يعمل بالكتابة خلال حكم عبد الناصر، كما لم يضيق عبد الناصر الخناق على صاحب (رأي) مجرد، ومن اعتقل في الفترة الناصرية كان يعود في تفسيرة إلى نشاطات غير صحفية.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإننا يمكن القول أن عبد الناصر لم يكن ليسمح لأحد قط، في جميع الحالات، أن يعبر بما يسيء إلى النظام من منطق خارجي (أعداء الأمة العربية) أو من الداخل (عبر كوادر وتنظيمات معادية)، وفي النهاية، كان حريصاً على أن تكون (جبهة النضال الداخلي) في صراعه مع الأعداء في الخارج أو الداخل .. جبهة متينة صلبة .<br />
<br />
فلم تكن المعركة لتسمح بالصراع في وجود صراع مصيري بين الأمة وأعدائها الكثيرين.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ الديموقراطية الاجتماعية.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ الديموقراطية الاجتماعية.<br />
<br />
ولا نستطيع أن نتحدث هنا عن الشهادات التي تتحدث حول الحرية السياسية دون أن نتمهل أكثر عند الحرية الاجتماعية، فمراجعة شهادات العديد من معاصري هذه الحقبة من المثقفين أو السياسيين نرى أن الديموقراطية كانت هي الحرية السياسية أما الاشتراكية فكانت الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بينهما ولا يمكننا الحديث طويلاً عن الجانب الاجتماعي وكيفية تحقيقه لدى شعوبنا دون التنبُّـه إلى الخبرة السياسية في التعامل مع الديموقراطية.<br />
<br />
'''ننقل هنا شهادة أمين هويدي التي تناثرت في أكثر من مقالة أو كتاب فيما بعد، يقول:'''<br />
<br />
(إن الحرية السياسية في الديموقراطية ليست نقلاً عن واجهات دستورية موضوعة كذلك فالحرية الاجتماعية أي الاشتراكية ليست تطبيقاً جامداً لنظريات وتجارب الآخرين ولا نزاع في أن النظام السياسي في الدولة هو انعكاس مباشر للشئون الاقتصادية السائدة فيها وتعبير حقيقي دقيق عن طبيعة المصالح التي تتحكم في اقتصادها فإذا كان الإقطاع هو القوة الاقتصادية التي تتحكم في دولةٍ ما فإنه لا شك في أن الحرية السياسية فيها سوف تقتصر على الإقطاعيين فما دام هؤلاء يتحكمون في المصالح الاقتصادية فإنهم سوف تكون لديهم القدرة على فرض الشكل السياسي للدولة).<br />
<br />
إن العلاقة بين السياسي والاقتصادي علاقة جدلية لا يمكن الفص بينها في القضية الديموقراطية، وهو ما ننبه إليه عدد كبير من مثقفينا من شتى التيارات، يقول إسماعيل صبري عبد الله عن فترة تطور الحزب الشيوعي المصري قبل ثورة 1952 وبعده، '''في شهادته:'''<br />
<br />
(كان عندنا في الأصل القضية الوطنية واستقلال مصر هي البداية والنهاية في الكفاح ضد المستعمر، أما البعد الاقتصادي الذي نما لدينا وتعمق فينا، هو البعد الجديد الذي تطور في ذلك الوقت ..<br />
<br />
'''إن هذا البعد الأخير للديموقراطية أعطى لنا بعدين:'''<br />
<br />
'''البعد الأول :''' أن الاستعمار ليس ظاهرة سياسية فقط، وإنما ـ أيضاً ـ ظاهرة اقتصادية في الأساس الأول ..كنا نقول وقتها أن الجلاء عن مصر لابد أن يكون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.<br />
<br />
كنا نقول هذا ولم نكن لنعرف ــ كما تؤطر فكرنا الآن ــ أن مفهوم (التنمية المستقلة) هو من أهم واجبات الوعي الديموقراطي، حتى بعد أن استقلت بلادنا.<br />
<br />
بيد أننا ابتداء من البعد الاقتصادي اكتشفنا أن تشابك المصالح بين الفئات "البرجوازية الكبيرة المصرية والمحتلين" وقد كان القصر في ذلك الوقت البعيد يعرف منا كراهية شديدة لأنه يقوم في سياسته على الاستبداد السياسي، ولأنه معاد للوفد السياسي، ومع الاختلاف بين القصر والأحزاب من آن لآخر، تعمق لدينا في هذا الوقت البعيد الجانب السياسي دون التنبه إلى القدر الكافي للجانب الاجتماعي.<br />
<br />
غير أننا حين عرفنا العلاقة الأكيدة في الوعي بالديموقراطية، ونقصد بها الجانب الاقتصادي، أدركنا، إلى أي مدى يمكن أن يكون الاقتصادي والاجتماعي من ضرورات الوعي بالديموقراطية.<br />
<br />
إلا أننا، أدركنا تماماً ذلك ونحن نتحدث عن الطبقة البرجوازية الكبيرة التي كانت تتحالف مع الاستعمار ويعتمد عليها من آن لآخر، ويستدعيها.<br />
<br />
وابتداء من اليقين الذي تولانا، فقد عرفنا أن الاستعمار كان في الأساس بلاء اقتصادي، لقد بحثنا وتوصلنا جيداً عمن يستفيد من الاستعمار، وتعرفنا على العامل الاقتصادي.<br />
<br />
ومن هذا المنطلق كانت تحالفاتنا قبل الثورة نحن الماركسيين مع الوفد .. كان هناك الوعي الاجتماعي ينمو ويتطور داخلنا.<br />
<br />
وعبوراً فوق أحداث كثيرة في النضال الوطني في الأربعينات، كان لدينا الوعي إبّان المظاهرات أن نتجه إلى العمــال ــ لا إلى صر عابدين فقط ــ كـان الوعي الاجتماعي بدأ يتطور في أعماقنا .. ومن هنا، لاحظنا أن عناصر ماركسية نشطة كانت تتحرك بين العمال بوعي اجتماعي واقتصادي، ومن هنا، ظهرت الفكرة الجبهوية في مصر "جبهة مصر" وهي اللجنة الوطنية للطلبة والعمال الذي كـان لها سكتيرين عاملين: فؤاد محيي الدين وحسن كاظم.<br />
<br />
كان الاتجاه نحو الجماهير والعمال لا الملك.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، توصل التنظيم الجبهوي إلى أهمية العامل الاجتماعي الاقتصادي، وهو ما تطور معنا أكثر في الخمسينات والستينات حين أدركنا أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في بناء الديموقراطية).<br />
<br />
بل إن شهادة إسلامي واع مثل خالد محمد خالد كانت تؤكد النضج الشديد في الربط بين السياي والاجتماعي في البحث عن الديموقراطية .<br />
<br />
ورغم أن الجانب السياسي أكثر ما يلحظ في كتاباته، فإن الجانب الاقتصادي تسلل رويداً رويداً إلى هذه الكتابات، إنه يقول: أمّــا الرئيس عبد الناصر في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية عام 1961، '''وهو ما أكــده لنا في شهادة خاصة:'''<br />
<br />
(..إن النظام السياسي والاقتصادي مرتبطان أجل إنهما مرتبطان. ونحن حين نقول النظام الاشتراكي. إنما نعلن ذلك لنقسم طريقنا تماماً كما نقول: حرية الكلمة، حرية التصرف، حرية الملكية، حرية التجارة .. كل ذلك مسميات لشيء واحد هو الحرية.<br />
<br />
إن الاشتراكية والديموقراطية شيء واحد، لأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، بل يؤثر فيها ويحركها كما قال سيادة الرئيس، وهذا ما يدعوني إلى ان أحفز في نفسي الإيمان بالديمقراطية..).<br />
<br />
وهو مــا كرره كثيراً عدد كبير من المثقفين حينئذ من شتى التيارات، وأكــده عبد الناصر كثيراً قبل هذا وبعده.<br />
<br />
'''ملاحظات أخيرة :'''<br />
<br />
وبعد، هذه أمثلة من الشهادات حاولنا خلالها الإجابة عن السؤال (كيف؟) حول واقع (إشكالية الديموقراطية) في هذه الحقبة في الخمسينات والستينات .<br />
<br />
والسؤال (كيف؟) يصل بنا لا محالة إلى (لماذا؟) وما يرتبط به من الوعي بالماضي وصولاً إلى فهم الحاضر للوصول، من ثم، إلى إرهاصات المستقبل والعمل له؛ فإذا كان الإدراك القيمي للديموقراطية يعني أن النظام الديموقراطي يجب أن يتحدد بتمثيل الأغلبية عبر مؤات ودساتير واستفتاء حر فضلاً عن ضرورة السماح بحرية التعبير السياسي وترشيد الواقع الاجتماعي .. وما إلى ذلك، فإن القضية تظل في حالة التمهل عند فهم الماضي (لماذا؟) التأمل عبر الوعي بالحاضر للوصول ــ كما أشرنا ــ إلى الإجابة عن تصور ديموقراطي مثالي للمستقبل.<br />
<br />
'''وعلى هذا النحو، لابد من العودة لهذه الإشكالية في الفترة الناصرية ونحن أمام هذا الواقع الذي ولد أزمات لابد من التمهل عندها أكثر:'''<br />
<br />
'''(1) أزمة الواقع :'''<br />
<br />
"فقد تحددت الفترة الناصرية بسمات معينة كان على رأسها الشخصية الكارزمية للزعيم، وتحولت الديموقراطية إلى (إشكالية) مع الأخطار الداخلية في مواجهة الاستعمار وتحدي الصهيونية فضلاً عن وراثة نظام سابق لم يجد النظام الجديد أمـامه سوى الاصطدام به كفساد الأحزاب وشتات من القوى المتصارعة إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأما هذه التحديات التي واجهت النظام في الخمسينات كان لابد أن تتماهى شخصية الحاكم مع الإرادة الشعبية خاصة في دولة مركزية كمصر. تلعب فيها الظاهرة المركزية دوراً كبيراً ينسحب فيها السلطات التنفيذية ويفسرها المجتمع الأبوي وما ينجم عنه من السيطرة على رأس النظام، هذا وغيره يرينا أن شخص الحاكم متداخل في وعي جهاز السلطة وفي وعي الجماهير، مع شخصية الدولة، ولهذا فإن الولاء السياسي يظل في المقام الأول، ولاء لشخص الحاكم الأعلى، والخلاف مع شخص هذا الحاكم، الذي تطلق عليه كثير من الأنظمة القيادة السياسية تجهيلاً لحقيقته وتلاعباً بالمصطلحات والألفاظ في أمــر لا يحتمل التلاعب، هذا الخلاف يصنف على أنه خلافٌ مع الدولة ونقص في الولاء".<br />
<br />
ومهما يكن من تبريرنا لنظام يوليو، فمما لا شك فيه أنه حال دون قيام مؤسسات سياسية وأحزاب كان يمكن أن تلعب ــ مع التطور ــ دوراً ما في التخلق الديموقراطي.<br />
<br />
لم يكن دراسة الواقع يحمل لنا هذا فقط، وإنمـا أكـد شهادات هذه الفترة من المثقفين خاصة.<br />
<br />
'''(2) أزمة الحرية :'''<br />
<br />
وما يقال عن قضية الولاء يقال عن أزمة الحرية السياسية، فالتعبير السياسي أصبح ـ بالتبعية ـ تابعاً لنتائج الكارزمية والظروف المحيطة بالبلاد، فقد بدت قضية الحرية تابعة للمركزية.<br />
<br />
ولا نريد أن نُسهب هنا كثيراً، غير أنه من المؤكد الآن أن حرية التعبير السياسي لم تمض دائماً في الطريق الديموقراطي، فرغم أننا وجدنا صوراً كثيرة لجرع التعبير السياسي؛ كما شهدنا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في بداية الستينات عبر الكثير من المثقفين، ووجدنا كذلك في عديد من نشر الروايات والأعمال الأدبية التي تفتقد النظام وإن يكن تحت مظلة النظام، فإن رصد التجربة يرينا أن كثيراً من صور التقييد السياسي في هذا المجال نالت الكثيرين في الممارسة، وقد وصلت إلى درجة الحبس في حالة مصر بالنسبة للصحفيين ومضت إلى حالة الرقابة اللاحقة على المطبوعات، وهو ما وجدناه في حركة التنظيم السياي والنقابات المهنية والعمالية .<br />
<br />
الأكثر من هذا إن حرية التعبير ضاقت خاصة لدى المثقفينن الأيديولوجيين مع الوقت، فمع أننا نلاحظ في الحقبة الأخيرة أن ثمة حالات تمارس وجودها من خلال الديموقراطية في بعض الأقطار العربية (كما نرى في بعض الأقطار المغارية) فإن المجال كان متسعاً أيضاً للحديث عن التضييق في حرية التعبير بل وممارسة التعذيب وعدم احترام القضاء أو تنفيذ أحكامه .. إلخ.<br />
<br />
إنها أزمة الحرية التي مثلت أحد وجوه الفترة الناصرية، والتي مازلنا نعاني منها حتى الآن .<br />
<br />
'''(3) أزمة المجتمع :'''<br />
<br />
وكما لم تمارس الحرية السياسية في أكثر من جانب بالقدر المفروض، كذلك استبدل أو عُمق فرضياتها بالقدر الكافي للديموقراطية الاجتماعية، فرُحنا نسمع عن مجتمع الكفاية والعدل، ورُحنا نلاحظ تركيزاً كبيراً ومستمراً في خطابات الرئيس عبد الناصر عن ضرورة اختيار طريق العدل الاجتماعي قبل أن نبحث عن الطريق السياسي في الديموقراطية، ورحنا نلاحظ التطور عبر المؤسسات الاقتصادية (الإصلاح الزراعي 1952 وتأميم قناة السويس 1956 والمشاريع الأنجلوفرنسية 1957 .. إلخ).<br />
<br />
إن ممارسات الدولة ـ مهما تكن المركزية ـ لم تكن لتسمح بنظام ليبرالي يعمق الديموقراطية، وخاصة وقد "أضافت المفاهيم والأساليب التي حكمت التطورات الاقتصادية والاجتماعية أوضاعاً مؤسسية جديدة تكاملت مع النسق السابق وصبت في رصيد سلطة الرئاسة".<br />
<br />
إن النظام تشكل في الخمسينات وفق اعتبارات المناخ القائم الذي كان يهدد الواقع العربي بالتحديات الخارجية والداخلية، وهو ما يفسر كيف اكتسبت ظروف الفترة الناصرية مشروعيتها السياسية، بل وتلاحم الأمة حولها.<br />
<br />
'''(4) أزمة المثقفيــن :'''<br />
<br />
لا يمكن أن نوجه النقد فقط للنظم السياسية، وإنما أيضاً للمثقفين، فشهادات المثقفين أنفسهم كانت تشير إلى أننا لا يمكن أن نعفي أغلبهم من حالة (انفصام) مع النظام، بل مع مواطنيهم.<br />
<br />
إننا في الفترة الناصرية لم نفقد هذا التقصير لدى المثقفين خاصة من معاناتهم من قضايا كالولاء أو التركيز على الأيديولوجية المحددة لهذا المثقف أو ذاك، خاصة، وأن المثقفين كانوا خارجين من الفترة السابقة لثورة يوليو ــ الفترة الليبرالية ــ ولم يحسموا مواقفهم بعد من التطورات التي قد تطرأ على المجتمع.<br />
<br />
لقد رأينا توزيع مثقفي اليسار بين الرفض والتأييد عقب قيام الثورة، وحينما احتدمت الأزمة بين محمد نجيب وبقية الضباط الأحرار كان اليسار على حد تعبير أو سيف يوسف "متوزعا على منظمات عديدة .. (و) .. لم يكن لدى المثقفين "الديموقراطيين" على اختلاف تياراتهم مشروع يوحد (أو يرفع التناقض) بين قضية التغيير الاجتماعي و"الصيغة الليبرالية" التي تخدمها أو تصادر عليها".<br />
<br />
'''(5) أزمة العولمة :'''<br />
<br />
ويبدو أن (إشكالية الديموقراطية) مازالت تلقي بشباكها في عصر العولمة مع تغيير المناخ وزيادة وطأة الآليات الجديدة في عصر (عولمة العسكرة) خاصة في المجال الاقتصادي، فمن الملاحظ أننا بين عدد كبير من النخبة الثقافية بوجه خاص تتكامل مع آليات العولمة بازدواجية لابد من التنبه إليها حيث يندمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي الكلي ليؤدي دوراً مرسوماً ومحدداً له عبر هذه القلة من المثقفين التي "تعيش في وضع مالي متميز من كل النواحي وتقوم بتعليم أولادها في مدارس وجامعات أجنبية عادةً ـ أمريكية ـ هي التي تستفيد من مظاهر الديموقراطية السياسية، فإن الغالبية العظمى من الشعب وبسبب ضغط ظروف المعيشة لا يفكرون مطلقاً في مظاهر هذه الليبرالية السياسية خاصة أن الوعي بها متدن جداً.<br />
<br />
الأمر الذي يعني ــ كما يلاحظ أكثر من مثقف ـ أن ممارسة الديموقراطية هُنا ستكون مقصورة على النخبة وأولادهم.<br />
<br />
وهذا له مخاطر كبيرة، فإلى جانب العودة ـ مستقبلاً ـ إلى نظام سياسي تتحدد فيه القيم الديموقراطية الواعية في عصر العولمة للحفاظ على الدولة والوعي بمقدراتنا الاقتصادية خاصة، فإذا بنا نفقد ـ مع الدخول في منظومة ـ ومما يعيد بنا الفترة الناصرية مع تزايد (إشكالية الديموقراطية) التي تتخذ الآن أبعاداً أكثر سوءاً وأقل وعياً بالتطورات العالمية بعد عاصفة مانهاتن بوجه خاص.<br />
<br />
===الفصل الرابع: الثورة والقانون / عبد الناصر والسنهوري===<br />
<br />
ما هي طبيعة العلاقة بين الثورة والقانون؟<br />
<br />
'''في هذا الإطار نعيد طرح السؤال عبر أسئلة أخرى:'''<br />
<br />
كيف تجسدت العلاقة بين رموز الثورة وأهم رموز القانون حينئذ؟<br />
<br />
وهل حرضت الثورة على الاعتداء على السنهوري؟<br />
<br />
وكيف يمكن الحكم على مواقف الثورة في هذه الفترة المضطربة في تاريخنا الطويل؟<br />
<br />
هذه الأسئلة الحائرة طرحت أكثر من مرة على مدى نصف قرن، ورغم تعدد طرحها، وتباين الإجابات حولها، فإننا لم نجد إجابة واحدة مانعة لها كما يقول المناطقة؟<br />
<br />
ورغم أننا، في السعي إلى إجابات كثيرة، مازلنا نفتقد الوثيقة أو نعاني من حجب المعاصرة في هذه الفترة، فإن نصف قرن بعد كافياً ليقدم لنا بعض ما يؤكد هذا الفرض أو ينفيه.<br />
<br />
وهو ما نحاول الإجابة عنه الآن.<br />
<br />
لقد كانت مصر تحيا الفترة السابقة على ثورة يوليو حالة من الغضب والفوران؛ ولم تكن مواقف الثورة وتداعياتها المتسارعة غير تعبير عن هذه الفترة.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة بين الثورة والقانون ـ بالتبعة ـ غير جزء دال من هذه الفترة.<br />
<br />
وقد مرت العلاقة بين الثورة والقانون فى الخمينات فى عدة دوائر تحددت معها العلاقة فى نهاية هذه الفترة من التعاون إلى الصدام إلى التخبط والاعتداء .<br />
<br />
وكان الاعتداء على السنهورى يعنى تداخل حركة الدوائر فى مركز واحد.<br />
<br />
====دائرة التعاون====<br />
<br />
ومن هنا، كان أول فعل للسنهورى ـ كغيره ـ فور قيام الثورة مسايرتها والتعاون معها، ولم يكن هذا الموقف مشيناَ، وإنما لجأ إليه الكثير من المثقفين والسياسيين الواعين بقصد التمهل لتفهم مواقف الثورة واتجاهاتها، فضلا عن أن قيام مسئول كبير مثل السنهوري بالتعاون مع الثورة كان بقصد أن يحتويها أو يردها إلى الطيق الصحيح إذا شطت، وهو عمل في حد ذاته ـ في وقته ـ يمكن النظر إليه بكثير من التقدير.<br />
<br />
لقد كان السنهوري يعرف بحدته ورصانته طيلة الأربعينات خاصة، وهي الصفات التي عرف بها حين كان وزيراً مسئولاً في عدة وزارات (وزيراً للمعارف العمومية (وزارة النقراشي 1945 ـ 1946 / والثانية 1946 ـ 1948) ثم وزيراً للأوقاف في وزارة إبراهيم عبد الهادي 1948 ــ 1949) ورئيساً لمجلس الدولة (من أوائل عام 1949)، أو بين زملائه وعارفيه، أو على صفحات الصحف برسومها القاسية وأعمدتها الجادة.<br />
<br />
من هنا، كان لقاؤه مع شباب الثورة والعمل معهم .. إماناً بهم أول الأمر، وترويضاً لجموحهم فيما بعد، ولم يكن خضوعاً لإرادتهم بأية حال، ومن يعرف شخصية السنهوري جيداً يؤيد هذا الرأي ولا يرجعه ـ كما يردد البعض ـ إلى انتصاره للحزب السعدي الذي كان منتمياً إليه ضد الوفد.<br />
<br />
وحتى على فرض أن السنهوري لم يستطع أن يروض من جنوح هؤلاء هؤلاء الشباب وغلوائهم لصراعاتهم المتباينة، فإنه سعى بهذا الموقف إلى أن يعد مصالحة بين القانون والثورة.<br />
<br />
وإذا كان بعض المثقفين يتهمون النهوري اليوم بأنه أيد الثورة تأييداً مطلقاً أو ذهب إليها ساعياً فإن دارس هذه الفترة يلاحظ أن الثورة فور قيامها سعت إليهم هرولة في أول الأمر، وقرارات هذه الفترة وإعلامها وقراراتها كانت عود إلى رأي المثقفين.<br />
<br />
إذن، فالتعاون مع الثورة أول عهدها لم يكن عيباً يمكن أن نشير إليه أو نلوم صاحبه عليه.<br />
<br />
نقول هذا لعديد من الكتاب والمؤرخين الذين راحلوا يلومون السنهوري في أول قيام الثورة إلى (التعاون) معها أو مسايرتها في كثير من الأمور، فالتعاون لم يكن بالنسبة لمثقف مثل السنهوري ضرورة اقتضتها ظروف هذه الفترة وتغييراتها، ولم يكن ليستطيع رجل مثل السنهوري أن يكن غير ما كانه.<br />
<br />
كان السنهوري يسعى ـ عبر ما يمثله من القانون ـ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.<br />
<br />
وكانت الثورة ــ بصراعاتها وتكوين أصحابها ــ ماضية في طريق محفوف بالمخاطر والمصاعب. وكان لابد أن يعقب المسايرة التعاون فالتأييد المحسوب، والدخول في جدلية الحركة المستمرة في السنتين الأوليتين قبل أن تعصف بالمثقف رياح الصراعات التي هبت على الثورة بشكل عنيف.<br />
<br />
فلنتمهل أكثر عند بعض صور هذا الاتفاق قبل أن نصل إلى صور الافتراق.<br />
<br />
كان علي السنهوري رئيس أعلى هيئة استشارية أن يتهاون مع النظام الجديد في وقت كانت (الحركة المباركة) ــ كما أطلق عليها فور قيامها .. أن تحاول التهاون مع المثقفين أو الإفادة منهم.<br />
<br />
من أمثلة هذا التعاون أن السنهوري كان أول من اشترك في صياغة وثيقة تنازل الملك عن العرش يوم رحيل الملك عن البلاد، وما كاد الملك يرحل عن البلاد في 26 يوليو 1952 حتى راح يهم بشكل فاعل في تشكيل مجلس الوصاية على العرض.<br />
<br />
والحاصل أن حل مشكلة الوصاية على ملك صغير يقتضي أن يجتمع البرلمان بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان وفاة الملك؛ فإذا كان مجلس النواب منحلاً، وكان ميعاد انعقاد المجلس الجديد يجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل رغم مرسوم حله، وذلك حتى يؤدي الملك الجديد ـ إن كان يافعاً ـ سن الرشد، أو يؤدي أوصياء العرش إن كان قاصراً اليمين الدستورية أمام البرلمان بمجلسيه.<br />
<br />
وهنا اختلفت وجهات النظر حول قضية الوصاية وعلى وجه التحديد حول وجوب دعوة البرلمان للانعقاد خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان التنازل عن العرش لاختيار الأوصياء على العرش وتمكينهم من أداء اليمين الدستورية ليمارسوا صلاحيتهم.<br />
<br />
وبالتباين في الآراء: هل يستعجل دعوة البرلمان .. أم يتم الاستغناء عن ذلك؟<br />
<br />
المهم هنا أنه اتفت كلمة مجلس الوزراء وقادة حركة الجيش بزعامة محمد نجيب على عرض المشكلة الدستورية على مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة لاستطلاع وجهة نظرهم والنزول عليها.<br />
<br />
واجتمع السنهوري مع أعضاء المجلس، ووافق الجميع ــ عدا د. وحيد رأفت ــ على عدم جوار دعوى مجلس النواب المنحل في حالة نزول الملك عن العرش، ويجب إجراء انتخابات جديدة.<br />
<br />
وبدلاً من هذا اقترح قسم الرأي بالمجلس أيضاً طالما أن الانتخابات ستأخذ وقتاً غير قصير، فالحل يمكن أن يكون في إيجاد نظام للوصاية المؤقتة، وهو ما يستدعي إضافة مادة إلى الأمر الملكي رقم 52 لسنة 1932 تنص على أنه في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى حـالة خاصة، يجوز لمجلس النواب إذا كـان مجل النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة للعرض من ثلاثة تتولى بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولى هي هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
تقول وثائق هذه الفترة أنه "اقترح السنهوي نصاً جديداً يعالج خصيصاً هذه الحالـة .. حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى صفة خاصة، وفي وقت يكون فيه مجلس النواب منحلاً .. وتم بهذا استبعاد دعوة هذا البرلمان إلى الانعقاد كما كان يقتضيه الدستور القائم لو قيست حالة تنازل الملك عن العرش حـالة وفاته، إذن فإن جاء مجلس الوزراء إذا كـان مجلس النواب منحلاً أن يؤلف هيئة وصاية مؤتة للعرش يختارهم .. (و) .. تتولى هيئة الوصاية بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولااها هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
وإذن، ابتدع الوصاية المؤقتة بالوصاية الدائمة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، أمكن تجنب دعوة البرلمان الوفدي للانعقاد.<br />
<br />
'''وهنا، يثار سؤال:'''<br />
<br />
لماذا آثر السنهوري ـ عبر أكبر مؤسسة دستورية ــ هذا الموقف؟<br />
<br />
الإجابة ـ في رأيي ـ أن السنهوي حاول أن يجني البلاء غلواء الثورة، وكان يميل أن يأتي إلى الشبان بنوع من الإصلاح الراديكالي بحيث يتواءم فيه مع غلواء العهد الجديد وليس بالضرورة الصدام معهم.<br />
<br />
كان القانون متمثلاً في السنهوري يسعى للتصالح مع الثورة وترويضها بدلاً من الصدام الذي يمكن أن يخرجه من الساحة فيترك الأمور على غاربها.<br />
<br />
ونحن هنا لا ندافع عن السنهوي أو ندفع عنه تهمة (عدائه للوفد) التي كانت برأي البعض وراء اتخاذ هذا الموقف، فلا يمكن أن يكون موقفه القديم من الوفد ، وهو موقف مخالف ـ هو وحده، وراء (التعاون) الذي أظهره في هذا الشأن، وإذا كان يقال ذلك على إطلاقه علي سليمان حافظ، الذي تؤكد المصادر التاريخية أنه "لم يكن يخفي كرهه لمصطفى النحاس رئيس الوفد وبطانته"، فإننا لا نستطيع أن نول مثل ذلك على السنهوري، فلم تكن واعي النكاية بالوفد وحدها وراء هذا الأمر، كما لم يكن ليحمل ما يدفع به القضاء على الحياة الحزبية تماماً، بدليل أنه كان أول من دعاء للبقاء على الأحزاب، كما أن آخر مقالاته في الصحف كانت تدعو إلى عودة الأحزاب، ويؤكد هذا د. وحيد رأفت أنه كان أكثر من غيره لوماً للدكتور السنهوي، فرغم تصريحه أو اعترافه بعد ذلك بإلقاء اللوم على السنهوري، فإنه نفى أن يكون موقفه من الوفد هو السبب الوحيد وراء جعل "حلف يمين الأوصياء المؤقتين أمام مجلس الوزراء بينما يؤدي الأوصياء الدائمون تلك اليمين الدستورية أمام مجلس البرلمان مجتمعين حسب نص المادة 52 من دستور 1932 "أو" وراء تجنيب دعوة البرلمان الوفدي للانعقاد".<br />
<br />
وعلى هذا راح السنهوري يسعى للتعاون ــ التأييد بالضرورة ـ مع الضباط، فبعد إعداد وثيقة التنازل والإفتاء بعدم دعوى البرلمان راح يوافق على قانون الإصلاح الزراعي ويشترك فيه، كما لم يتردد في ترشيح رئيس الوزراء من بين العسكريين مؤثراً على نفسه، بل ويشترك في إصدار تقرير اللجنة الخماسية لبحث نظم الحكم ثم يوحي بإعلان الجمهورية، بل لا يتردد في الاتصال بالإخوان لإصلاح ذات البين مع ضباط الثورة، ومن وراء ظهر الضباط يوم 26 مارس 1954.<br />
<br />
ولأن طبيعة الأشياء أن يخلف الخلاف الاختلاف، فقد دخلت علاقة السنهوري بالضباط في دائرة أخرى، إنها دائرة محكمة كان يحتم فيها الصدام.<br />
<br />
====دائرة الصدام====<br />
<br />
رغم أن البقاء مع الثورة كان يمثل اتجاهاً يصل إلى أقصاه .. فإن طبيعة السنهوري القانونية كانت تحول بينه وبين أن يتحول إلى (أداة) في يد النظام الجديد.<br />
<br />
كان القانون بالنسبة إليه هو أقصى ما يطمح إليه ويتمسك به.<br />
<br />
ولم يكن التعاون مع النظام الجديد ليـحول بينه وبين تقديم تنازلات لقناعاته القانونية، ومن ثم، كان لابد أن يحدث الخلاف في هذه الفترة المضطربة.<br />
<br />
وقبل أن نشير إلى درجة الخلاف لابد وأن نشير إلى أن هه الفترة بين عامي 1952 ــ 1954 ؛ كانت مرحلة تتصارع فيها أضداد كثيرة ومتباينة: الأحزاب القديمة وصلت إلى مفترق الطرق والثورة وصلت إلى قبضة التغيير / القوى القديمة لا تملك السلطة والقوى الجديدة لا تفلتها / القوى البريطانية تجهد للبقاء والولايات المتحدة الأمريكية تسعى لمنطق الإزاحة / مفاهيم الديموقراطية تتناقص / قوى الصراع تتحول بين قديم وجديد .. وبالإجمال كانت هناك قوتان تتصارعان ..إرادتان متصادمتان.<br />
<br />
كان لابد أن تتصاعد حركة الدراما لأقصاها إلى نقطة الصدام.ولأن الاتفاق مع قوى ون أخرى في ذلك الوقت كان مستحيلاً، ولأن السنهوري جهد أن يروض القوى الجديدة ويستعير من القوى القديمة أفكارها المثالية في الحرية والديموقراطية، ولأنه حاول أن يتفادى الغلو والعنف إلى التغيير والإصلاح ولأن قضية السنهوري الرئيسية أن يحول الثورة إلى القانون. أو كان حلمه أن يمضي مع الثورة الفتية التي تخول القانون بمنطق يخلو من الغلو والعنف.<br />
<br />
لهذا كان لابد أن يحدث الصدام.<br />
<br />
ورغم ما كان يبدو من نقاط اتفاق بين السنهوري ورموز النظام الجديد، فقد بدا مؤكداً نقاط الافتراق..؛ وقد ظهرت دواعي الافتراق منذ فترة مبكرة بين الدكتور عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة وبعض رموز النظام، وكيف أن الدكتور السنهوري سوف يتخلى عن منصبه.<br />
<br />
توالت الإشاعات إلى مواقف غامضة ــ وهي كثيرة ــ نظراً لطبيعة المرحلة وتشابكها ـ كأن يستقيل السنهوري ــ فجأة ــ من عضوية اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بعد انضمامه لها وتحمسه الشديد إليها أول الأمر.<br />
ومع ذلك، لا يقال شيء أو تفسير مقنع لهذا.<br />
<br />
وتتعدد الخلافات وتتحدد مع مضي الوقت، وتتصاعد درجات الصراع بين الثورة والقانون .. وتتعدد مشاهد الصراع أكثر.<br />
<br />
ــ كان السنهوري حريصاً أشد الحرص على أن يقنن كل ممارسات الثورة وإجراءاتها في إطــار (قانون) أو (قرار) كيلا تغيب المشروعية، وتستقم الأمور بعيداً عن الارتجالية والتخبط ويلحظ أن من كان يجرؤ أن يسلك مسلكاً غير معبد من رجال الثورة، لم يكن ليتردد إزاءه في اللوم، كان كثيراً ما يقول أن هذا خروجاً عن المبادئ الستة والتي كان يطيب له أن يسميها (عقد الثورة).<br />
<br />
كان يقول هذا للجميع دون أي تردد وكان يقال هذا باسم القانون دون تردد.<br />
<br />
- حرص السنهوري على الدعوة إلى إعادة الأحزاب القديمة على العكس مما هو شائع .. وخاصة، في الأيام الأولى من قيام الثورة، وحتى الأيام الأخيرة من شهر مارس عام 1954 .. فمن الثابت أنه راح يعارض مشروع قانون لتطهير الأحزاب السياسية تقدم به سليمان حافظ ـ وزير الداخلية في ذلك الوقت ـ بدعوى "أن العرف الدستوري لتنظيم الأحزاب هو ترك الأمر لها".<br />
<br />
- غير أنه تحت إلحاح وزير الداخلية وإقناعه لضباط مجلس قيادة الثورة، وافق على مضض، وإن كان أضاف شرطاً يقول فيه "على ألا تتدخل الإدارة إلا عند الاقتضاء لتحقيق أغراض القانون، وإنما سيكون تدخلها تحت رقابة مباشرة من القضاء بمجلس الدولة".<br />
<br />
القانون مازال يغالب.<br />
<br />
ــ حين انتهت قرارات لجنة نظام الحكم والسلطة التنفيذية والتشريعية حينئذ بأن يكون تأليف البرلمان من مجلسين، وأن يترك تحديد عدد أعضاء كل من المجلسين إلى لجنة قانون الانتخاب .. '''راح السنهوري يدعو إلى ضرورة تأليف مجلس الشيوخ من ثلاث عناصر :'''<br />
<br />
أ- التعيين والكفايات.<br />
<br />
ب- الانتخابات للمصالح الاقتصادية.<br />
<br />
ج- الانتخاب لمجلس البلدية ومجالس المديريات.<br />
<br />
ومازال القانون يغالب.<br />
<br />
ــ في أزمة مارس 1954 بين نجيب وعبد الناصر، والذي راح يعود فيها إلى حياة ديموقراطية أو يتظاهر بهذا .. فإن السنهوري حـاول استعادة أحد أوجه الحياة الدستورية على غير رغبة النظام.<br />
<br />
لقد اقترح ــ بصراحة شديدة ــ على الضباط إعادة دستور 1923 فوراً لأنه يشعر بالقلق؛ فإن هذا الحل مازال القانون يغالب.<br />
<br />
وتضاف إلى أسباب الخلاف أسباب أخرى خلّفتها أحداث الاعتداء على السنهوري بين يومي 26_29 مارس فلنشر إلى الاعتداء خطفاً قبل أن نرقب تغيير مشاهد الصراعبين القانون والثورة .. بين السنهوري والنظام الجديد.<br />
<br />
نشرت أخبار اليوم صبيحة يوم الاعتداء خبراً كاذباً مؤداه أن السنهوري تولى رئاسة الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وأن الجمعية على وشك إصدار قرار ضد مجلس الثورة وضد الإجراءات التي اتخذها المجلس فيما يتعلق بالحريات.<br />
<br />
والرواية التي تشير إلى الاعتداء على السنهوري ـ كما جاءت في المراجع الموثوق بها ــ تبدأ من مظاهرة مديرة تقوم من مبنى هيئة التحرير، مكونة من عمال مديرية التحرير وضباط وجنود البوليس الحربي تحت قيادة حسين عرفة قائد المباحث العسكرية وعدد آخر من قادة البوليس الحربي مع قوات الحرس الوطني ومنظمات الشباب.<br />
<br />
'''ونفضل أن ننقل الأحداث بعيون د. السنهوري نفسه هنا:'''<br />
<br />
(ـ.. اتصل بي تليفونياً الدكتور حسن بغدادي ــ وزير التجارة والصناعة ــ وسألني عما نشر في جريدة "الأخبار" فأظهرت له ارتياحي لهذا السؤال لأنه أتاح لي فرصة في توضيح الحقيقة للمسئولين، وأفضيت له بالغرض من الاجتماع على الوجه السابق ذكره، وأضفت أنني أستحسن أن يقوم هو بإبلاغ من يراه من المسئولين عن حقيقة الأمر، فأجاب أن البكباشي جمال عبد الناصر بجانبه وهو يتحدث بالتليفون فطلبت منه أن يحدثني البكباشي جمال عبد الناصر، وأعدت له ما ذكرته للدكتور البغدادي، وعلم على هذا الوجه بحقيقة اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وانتهى الحديث التليفوني وكان أهم مصدر علم منه بخبر المظاهرة ضابطاً عرفت فيما بعد أنه الصاغ حسين عرفة ــ وكيل البوليس الحربي ــ فقد دخل علي في غرفتي في الساعة الثانية عشرة والربع وقد ارتسمت على وجهه علامات غير طبيعية من الانزعاج.<br />
<br />
وقال أن هناك مظاهرة عدائية قادمة إلى مجلس الدولة وقد أتيت لأخطرك بها، ولو قال لي وقت ذاك أن المتظاهرين كانوا ينادون بعبارات علمت فيما بعد أنها "الموت للسنهوري ــ الموت للخائن ــ نريد رأس السنهوري"، ثم علمت أيضاً أن الهتافات كانت تقرن اسمي باسم علي ماهر، لو علمت بكل هذا، وكــان الضابط حسين عرفة يعرفه ــ لأيقنت تماماً أنني سوف لا أواجه مظاهرة من الشجاعة البقاء لمواجهتها، بل سأواجه عصابة من السفاكين، من التهور البقاء أعزل لملاقاتها، ولكني على وجه اليقين دبرت الأمر على وجه آخر وأخبرني الضابط حسين عرفة أن رأيه إزاء هذا أن أبقى في مكتبي حتى يقدم المتظاهرون، وعند ذلك أخرج إليهم وأتحدث بحقيقة الأمر فينصرفون .. ويضيف (حسين عرفة) أني علمت أن المتظاهرين إذا حضروا إلى المــركز ولم يجدوك فيه فسيتعقبونك في كل مكان حتى في المنزل فمن الأفضل البقاء في المكتب لملاقاتهم .. في نحو الساعة الواحدة بعد الظهر أدركت المظاهرة المجلس .. وعلمت أن الضابط حسين عرفة أمر بفتح الباب الخارجي للمجلس وكان مقفلاً ــ وقادني بيده إلى خارج الغرفة، وما كدت أخطو خطوة نحو السلم حتى شعرت بأن بعض المتظاهرين يجذبني من الخلف، وأن آخرين يدفعونني إلى الأمام، وذلك كله قبل أن أصل إلى المكان الذي كنت أقدر أن أخاطب فيه المتظاهرين، فهنا علمت أن الأمر ليس مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين بل أمر اعتداء مبيت، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعاً إلى الحديقة، وتوالى الاعتداء على رأسي وكنت أدفعه بيدي فجرحت الرأس واليدان، ورأيت أحد المتظاهرين ومعه حديدة طويلة يصوبها إلى عيني..، واستطعت بعد وقت غير قصير الاتصال بالبكباشي جمال عبد الناصر، وقلت له أن عندي المتظاهرون يريدون قتلي، فأجاب أن الأعصاب متوترة، وقلت له أن يحضر بنفسه، وكررت هذا الطلب فقال سأحضر، وأقفلت التليفون وبقيت مدة نصف ساعة حتى حضر الصاغ صلاح سالم..، وقد سمعت إشاعات كثيرة أن ممن اعتدى علي في المجلس صولات جيش مرتدين ملابس بلدية، ولعل الذي أخبرني بهذه الإشاعة الأستاذ محمود لطفي السكرتير العام للمجلس، ومما سمعته أيضاً من الإشاعات أن الصاغ صلاح سالم خرج إلى المتظاهرين ليقول لهم كيف تعتدون على السنهوري وهو ليس بخائن، قالوا له ولماذا إذن أسلمتموه لنا للاعتداء عليه..؟.<br />
<br />
ومما سبق يتضح أن المظاهرة كانت مدبرة من جهة ما، وأنها سارت في طريقها لا تنوي على شيء حتى وصلت إلى مجلس الدولة على أثر خبر ملفق، وأكد لي البعض أن هذا الخبر جاء من وزارة الداخلية، وأنه لم يكن ليستطيع أحد أن يرفض طلباً من الداخلية، فإن الداخلية في هذا الوقت كانت هي مجلس قيادة الثورة كما هو معروف .<br />
<br />
والواقع أن ما حدث كان تدبيراً، وهو تدبير قوي متعمد، لا خبطات عشوائية ــ فمقولة أن الجمعية العمومية كانت على وشك الانعقاد قولاً كاذباً، فإن دعوتها في هذا اليوم لم يكن لإصدار أي قرار وإنما كان بدعوى لترشيح مستشار لمحكمة القضاء الإداري بدلاً من آخر، كما أن الجمعية لم تكن قد انعقدت بعد، ولم يحن الموعد المقرر لانعقادها، وإنما كان السنهوري في ذلك الوقت يرأس مداولة الدائرة الأولى لمحكمة القضاء الإداري.<br />
وهنا نصل إلى تماس الدوائر وتداخلها إلى مركز واحد، يعني مركز الاعتداء.<br />
<br />
اعتداء الثورة على القانون حيث سادت سمة الاضطراب ونحن نسأل عن أهم الرموز القانونية حينئذ د. السنهوري:<br />
<br />
من اعتدى على رئيس مجلس الدولة في هذه الفترة؟<br />
<br />
وعبوراً فوق اجتهادات كثيرة، فأنا لا أريد طرح قضية الاعتداء على الدكتور السنهوري بهدف الإجابة عن السؤال الظاهر:<br />
<br />
ــ أي فريق اعتدى عليه: هيئة التحرير أم الحرس الوطني أم منظمات الشباب؟<br />
<br />
وإنما أحاول أن أجيب ــ بل هذا ــ عن سؤال آخر هو:<br />
<br />
ــ هل كان وراء الاعتداء على السنهوري قصد مدبر بالفعل؟ وإذا كان كذلك، فهل كان عبد الناصر وراء ذلك، أو ـ على الأقل ــ يعلم ذلك؟<br />
<br />
ــ أم أن الاعتداء على القانون من رموز الثورة كان يصب في فعل الصف الثاني من الضباط الأحرار حيث كان يتصرف من تلقاء نفسه دون العودة إلى جمال عبد الناصر؟<br />
<br />
بشكل مباشر، وأكثر وضوحاً، فإنني أميل إلى الرأي الأخير.<br />
<br />
لقد انتىه الصراع بين الثورة والقانون بغلبة الثورة وإن يكن تحت إلحاح الفترة وتأمين أصحاب الشرعية الجديدة في الشارع المصري.<br />
<br />
لقد انتهى الصراع بين الثورة والقانون إلى غلبة النظام والاعتداء على أعلى سلطة دستورية في البلاد وهنا نقترب أكثر من تداخل الدوائر إلى نقطة المركز.<br />
<br />
====دائرة الاعتداء ====<br />
<br />
الواضح من ملابسات الأحداث في ذلك الوقت أن السنهوري رئيس مجلس الدولة كان يتمتع بمكانة فريدة، دفعت بالكثيرين في أوقات كثيرة إلى أن يعرضوا عليه رئاسة الوزراء (على سبيل المثال: محمد نجيب، سليمان حافظ..)<br />
ورأى البعض أنه سعى منذ فترة مبكرة إلى أن يتخذ موقفاً محدداً لا مع محمد نجيب ولا مع جمال عبد الناصر، هذا هو الموف المتحرر من أية ضغوط وإغراءات معاصرة.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإن مكانة السنهوري المتميزة، فضلاً عما يتمتع به من استقلالية حددت حياد القانون إلى حد كبير مثلت عليه الخطر الكبير.<br />
<br />
بيد أن الخطر الحقيقي أنه خشي منه، لكل هذه الحالات أن تكون له أغراض في السلطة، أو أنه يمثل خطاً مــا في فترة الاضطراب بين من ينادون بالديموقراطية مع محمد نجيب أو الداعين ــ في الوقت نفسه ــ إلى عودة الضباط إلى الثكنات.<br />
<br />
ومن ها، تتحدد أكثر مسئولية الصف الثاني من الضباط.<br />
<br />
ولا يخلو من معنى هنا أن المظاهرات التي بدأت في نهاية مارس تهتف ضد السنهوري كانت تردد ما يفهم منه أنه جرؤ على مؤازرة محمد نجيب وتشجيعه على التعجيل بدعوة جمعية وطنية تأسيسية منتخبة لإقرار مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين، وإنها الفترة الاستثنائية القائمة منذ فجر 23 يوليو 1952 .. وهو ما يدفعنا للإسهاب أكثر.<br />
<br />
والواضح من ملابسات الأحادث أن العلاقة بين السنهوري وبقية الضباط ــ بما فيهم محمد نجيب ـ كانت في أول الأمر ودية، غير أنه مع مضي الوقت، وكشف الأحداث عن كثير من المخبوء من مطامع .. دفع بالسنهوري إلى الانحياز إلى محمد نجيب الذي كان يدعو في صراعه مع الضباط إلى الديموقراطية.<br />
<br />
لقد كان محمد نجيب ــ على الأقل في الظاهر ــ يدافع عن الجبهة الديموقراطية، بدليل دفاعه عن الأحزاب والدعوة إلى إعادة دستور 1932 في فترة من الفترات، كما أن كتابات السنهوري بالأهرام قبل الاعتداء مباشرة كانت تشير إلى الديموقراطية وعودة الأحزاب بأية شكل.<br />
<br />
وهذا الانحياز لم يمنع السنهوري من أن يلوم نجيب في "المرحلة الأخيرة" على حد قول سليمان حافظ، ومع ذلك فإن وعي السنهوري وحنكته القانونية تنفي الموافقة على رأي سليمان حافظ بانحيازه إلى نجيب. ويزيد من ملابسات الموقف ان البعض كان يعتقد أن السنهوري يستطيع بالتحالف مع أكثر من جهة من الانفراد بالحكم ومن السيطرة عليه، خاصة وأن محمد نجيب كان قد رشحه لرئاسة الوزارة المدنية، ومحمد نجيب كان الخصم الوحيد حينئذ، كما كان السنهوري دائم الترشيح من جهات أخرى سياسية ومناوئة للنظام لمناصب أخرى، خاصة أن السنهوري في ذلك الوقت كان قد بلغ من الشهرة حداً كبيراً لاسيما وأن استفتاء أجرى قبل الثورة مباشرة أجمعت فيه الآراء على أن الوزارة التي تحتاج إليها البلاد (النموذجية) إنما يمثل فيها السنهوري (وزير العدل).<br />
<br />
نصل من هذا كله إلى أن حادث الاعتداء على السنهوري هو حادث مدبر: إن اضطرابات هذه الفترة إذن تحيلنا إلى عديد من الأطراف التي يمكن أن تكون وراء هذا الاعتداء: ربما كان أحد ضباط الصف الثاني من الضباط، أو ربما للتخبط العشوائي من الجهات الكثيرة التي كانت تعمل لأطراف كثيرة حينئذ. وفي هذا السياق، يشير خصوم عبد الناصر أنه كان وراء هذا الاعتداء.<br />
<br />
إن ثمة إشارات عامة تشير ــ ضمن ما تشير ــ إلى عبد الناصر، لكنها لا تمتلك الحجة والمنطق .<br />
<br />
إن أمامنا شهادات لكثير من شهود هذه الفترة سواء أكانوا بعيداً عن مجلس قيادة الثورة أو قريباً منه من زملاء عبد الناصر، وعلى سبيل المثال فإن عبد اللطيف البغدادي يشير إلى أن عبد الناصر اعترف بأنه هو الذي دبر أحداث انفجارات يوم 20 مارس قبل هذا بقليل لإشعار الناس بفقدان الأمن إذا عادت الحياة الديموقراطية، الأكثر من هذا أنه بسؤال خالد محيي الدين عن أحداث اضطرابات العمال المؤيدة للثورة في 26/29 مارس الفترة التي اعتدي فيها على السنهوري قال: <br />
<br />
ــ أخبرني عبد الناصر أنها تكلفت أربعة آلاف جنيه.<br />
<br />
ويشير سياق الأحداث كذلك أن السنهوري كان قد أجرى اتصالاً تليفونياً بعبد الناصر حين علم أن جماعة معادية في طريقها إلى مجلس الدولة، وأخبر عبد الناصر تليفونياً قبل وصول هذه الجماعة طالباً منه ــ كوزير داخلية حينئذ ــ اتخاذ التدابير الكفيلة بوضح حد للاعتداء عليه.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الأصابع لا تشير ــ بوضوح ــ إلى أن عبد الناصر كان وراء الاعتداء.<br />
<br />
إن مراجعة الأحداث بحيدة كاملة ترينا أن عبد الناصر ما كان ليستطيع ــ في هذه الفترة المضطربة ــ الاعتداء على السنهوري، كما أنه لم يكن صاحب مصلحة مباشرة في هذا الاعتداء .<br />
<br />
ومع هذا، أو رغم هذا، إذا كان عبد الناصر بريئاً من هذا الاتهام، فهل كان ـ على الأقل ـ يعلم بتوقيت المؤامرة، ولم يكن ليتحرك لوقفها.<br />
<br />
وحتى إذا كان متهماً، فإننا لا يمكن أن نصدق أن أحداً من رجال الصف الثاني ـ وقد كان بالقطع وراء ما حدث ـ قادراً على إبلاغ عبد الناصر لما سيفعله مع غيره، وإنما خرجت جموعهم في اضطرابات عامة، لأهداف عامة أو خاصة، ليست من بينها ـ بالقطع ـ الاعتداء على رئيس مجلس الدولة. وبشكل أدق ليس من بينها قط الاعتداء على رئيس مجلس الدولة بإيعاز من عبد الناصر.<br />
<br />
ويمكن أن يقال هنا أن عبد الناصر لم يكن ليعلم بهذا، ولو علم ما كان باستطاعته وسط كل هذه الفوضى وذلك الاضطراب أن يفعل شيئاً لمنعه أو وقفه .<br />
<br />
إن روايات هذه الفترة متضاربة إلى حد بعيد، ففي حين تشير الأحداث أنه "في 12 إبريل نوقش ـ في مجلس القيادة ـ إصدار قرار مجلس الثورة بحرمان كل شخص من تولي الوظائف .. وأن الغرض منه هو التخلص من السنهوري من مجلس الدولة بطريق غير مباشر"، في حين أن عبد الناصر في أكثر من مرة بعد ذلك حين عرض القانون أمامه وذكر السنهوري على أنه سيطبق على السنهوري امتعض عبد الناصر لم يعلق.<br />
<br />
ونصل من هذا كله إلى أنه أسفر عن هذا القانون ـ بالفعل ـ أن حرم السنهوري من تولي الوظائف العامة أياً كانت الوظيفة، وانتهت العلاقة بين القانون والثورة بانتصار الشرعية الثورية التي كان السنهوري أول من نادى بها، فوقع تحت عجلاتها.<br />
<br />
'''ومهما يكن، يتبقى أن نوجز هذا كله بعدة ملاحظات:'''<br />
- إن السنهوري كان ابن طبقته المتوسطة، وابن عصره، وفي حين كان ابن الطبقة المتوسطة يدافع عن العلمانية من دستور وحرية وديموقراطية، فإنه كان حريصاً على جانبها التشريعي، ومن ثم، كان لابد أن تختلط الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية التي روج لها .<br />
<br />
ومن ثم، انتهى التعاون إلى الصدام بين السلطتين.<br />
<br />
ولأن الفترة كانت فترة اضطراب، فقد سقطت السلطة الأولى أمام السلطة الثورية.<br />
<br />
كان الزمن يدخل بنا إلى الشمولية بعيداً عن الشرعية.<br />
<br />
وهي شمولية اقتضت التطورات في الخمسينات أن يعمل بها لتحسم كثيراً من القضايا المعلقة من الفترة السابقة.<br />
- يمضي في هذا الاتجاه أن اتجاه السنهوري قبل الثورة كان اتجاها فكرياً أكثر منه حزبياً، ومن ثم، لم يستطع أن يظل (كادراً) في أي حزب، وإنما غلب انتماؤه القانوني ـ فيما بعد ـ للفكر الليبرالي أكثر من الحزب والانتماء الشمولي.<br />
<br />
الاتجاه الليبرالي بق الاتجاه الحزبي.<br />
<br />
والاتجاه الليبرالي حاول اللحاق بالأفكار الديموقراطية والحزبية إلى النظام الجديد، غير أن طبيعة المرحلة لم تمكنه من تأكيد فكره السياسي، ومن ثم، خر صريعاً أمام ضباب الفترة وشموليتها.<br />
<br />
- يلاحظ أن القانون سعى للتعاون مع الثورة ومسايرتها.<br />
<br />
وكان الهدف ـ وإن بداً غريبا ـ فقد كان نبيلاً.<br />
<br />
أن ينجح في جر قاطرة الثورة إلى الفكر السياسي المعتدل.<br />
<br />
غير أن (أبو القانون المدني المصري) لم يستطع أن يلعب دوره الرائد في زمن كانت الحروب تدور باسم الديموقراطية والليبرالية وحب، كما أن عداءه زاد حنقهم حين أجرى استفتاء بإحدى المجلات المصرية حول أقوى رجل في مصر، فجاء ترتيبه الثاني.<br />
<br />
ولم يكن هذا كله مطلوباً في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الثورة: لا القانون الذي تناول الديموقراطية، ولا الرجل القوي في زمن كان الصراع يعلو فيه بين رجال أقوياء سعوا إلى السلطة.<br />
<br />
وقبل هذا كله في مناخ مضطرب لم يستطع القانون أن يثبت أقدامه فيه.<br />
<br />
- كان الصراع بين السنهوري والضباط الأحرار هو صراع بين القانون والثورة.<br />
<br />
- لقد جهد القانون ليحول الثورة إلى الحكم بوسائل، غير راديكالية، غير أنه في محاولته للتعاون مع الثورة طوراً ومسايرتها طوراً آخر وقع تحت عجلات هذه الثورة.<br />
<br />
- لقد حاول أن يتواءم مع آليات النظام في حركته الثورية ليؤكد ذاته، في حين أن القانون ــ مهما التمس القيم الديموقراطية أو الفردية ــ يمكن أن يلعب دوراً معوقاً، ومن هنا كان عبث التعاون بين القانون والثورة مؤكداً.<br />
<br />
باختصار، بدا أن الصراع بين القانون والثورة في بداية الخمسينات هو صراع غير متكافئ. القانون بصرامته لم يكن ليجدي مع الثورة بشرعيتها الجديدة والمسايرة للقانون مع الثورة ــ وسط كل هذا الاضطراب ــ كان قميناً أن يسقط بصاحبه تحت العجلات، وإن لم يسع أحد إلى دفعه أو النيل منه .<br />
<br />
فقد استبدلت الثورة راديكالية المناخ السائد بالشرعية الثورية، ولم تكن في حاجة إلى شرعية أخرى تحول بين حركتها الفاعلة ــ بقوة ــ إلى التعبير، الجذري العنيف.<br />
<br />
وهو حال الثورات في أول قيامها، دائماً.<br />
<br />
===الفصل الخامس: عبد الناصر وتأميم القناة===<br />
<br />
هل أخطأ عبد الناصر في تأميم قناة السويس؟<br />
<br />
هذا سؤال من أسئلة عديدة مازالت تطرح ـ بعنف ـ على العقل العربي رغم مضي كل هذه السنوات على تأميم القناة وما أعقبها من العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر بسبب ــ وهو السبب الأول الظاهر لتأميم القناة ـ والسؤال الذي يطرح هذا بسوء نية أو حتى ـ بحسن نية ـ لعدم فهم الظواهر التاريخية يعود إلى اتهام عبد الناصر بأن مبادرته إلى تأميم القناة إنما كان مبعثها سبب واهٍ، أو بتقدير يعوزه الوعي وهو ما يعود بنا إلى الأسئلة السقيمة المعادة أو المرتفعة فوق رؤوسنا كصخرة برومثيوس .<br />
<br />
هل حقاً تسرع عبد الناصر؟ يرددون .. أم هو ـ يرددون أكثر ـ بحثه عن (بروباجندا) تتيح له كاريزما أكبر؟!! ولم تكن هذه الأسئلة الرافضة لموقف عبد الناصر تطرح من أقلام عادية، وإنما كان وراءها أصوات يتمتع أصحابها بحيثية سياسية عالية، وأحياناً بحيثية أدبية وثقافية عالية أكثر.<br />
<br />
ـ ولماذا لم ينتظر عبد الناصر حتى ينتهي أجل الاتفاقية بين مصر وبريطانيا بعد ذلك لسنوات قليلة؟ ماذا لو..)..؟<br />
<br />
وهو ما نحاول هنا، بعد مضي نصف قرن على ثورة يوليو الإجابة عنه لنحاول ..<br />
<br />
إن مراجعة قصة حفر القناة والتضحيات التي عاناها المصريون في سبيلها ترينا أنها كانت في المقام الأول مصرية بحكم الجهود البشرية التي بذلت فيها التضحيات التي دفعتها البلاد من أبنائها.<br />
<br />
بل إن التفكير في حفرها المرة الأولى لم تكن عن فكرة فرنسية أو غربية كما يردد؛ فالتاريخ يؤكد أنها حفرت مرات في عصر سيتي الأول 1310 ونخاو عـام 610 ق.م. ودارا الأول عـام 510 ق.م إلى غـير ذلك مما يشير إلى أن المرة التي تم فيها احتكار حفرها في العصر الحديث من ديلسبس (30 نوفمبر 1854) الذي كان يشق قناة السويس لم يكن الأول في دوره "لشق برزخ السويس واستخدام طريق صالح للملاحة الكبرى" إلى غير ذلك من مواد فــرمان الامتياز الأول قرب منتصف القرن التاسع عشر.<br />
<br />
وتوالت الفرمانات والاتفاقيات الدولية التالية (يناير 1856، فبراير 1866). وغيرها مما يشير إلى بدهيات أن القناة وإن جاء بفرمانها الفرنسي ديلسبس وتوالت اتفاقات وضمانات الدول الكبرى وفي مقدمتها (بريطانيا العظمى) ـ كما هو واضح في اتفاقية 1888 عقب الاحتلال الإنجليزي لمصر، فإنها كانت في الأساس الأول مصرية واء في الفكرة أو التنفيذ رغم الأطماع الغربية التي كانت تقترن بها.<br />
وكان تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس عبد الناصر في 26 يوليو فاتحة الغضب الذي أعلنته الدول الغربة، خاصة إنجلترا (بريطانيا العظمى) وعرفنا استنكارات كثيرة في العواصم البريطانية لأن مصر أردات تأميم منشأة ملاحية خالصة في أرضها.<br />
<br />
ويذكر شهود عام 1956 في مصر أن عدداً كبيراً من الحكومات الغربية عمدت إلى ضغوط اقتصادية بتجميد أموال الشركة المنحلة بعد إعلان التأميم بل وتجميد الأرصدة الإسترلينية التي لمصر على إنجلترا، كما وضعت تحت الرقابة جميع رؤوس الأموال المصرية .<br />
<br />
الأكثر من هذا أنه بدأت كل من فرنسا وإنجلترا تلوح وتهدد باستخدام القوة لإرغام مصر على التراجع .. وما إلى ذلك مما انتهى إلى عدة مداولات وتهديدات ضد مصر أسفرت جميعها عن العدوان الثلاثي الذي صدمت إزاءه مصر وإن عانت الكثير من العدوان الحربي من دول غربية قوية وربيبتها إسرائيل، لكنها خرجت من هذا كله بالانتصار عقب إثبات مصر وجودها على الأرض أولاً ثم تدخل بعض الدول الكبرى ثانياً .<br />
<br />
على أن الأمر الذي انتهى مشرفاً لمصر، بدأ يستغل، ليس في هذه الفترة فقط، بل ومنذ تأميم القناة في 26 يوليو 1956 حتى اليوم.<br />
<br />
كان ما ردد أن الحكومة المصرية خاصة، وجمال عبد الناصر بوجه أخص قد تسرع في تأميم القناة، وأنه لو كانت تمهل في التأميم لكان الامتياز الذي حصل عليه الغرب بإدارة القناة وتحمل مسئوليتها بموجب مرسوم الحفر حتى عام 1968. قد انتهى وعادت القناة إلى أصحابها بدون عدوان أو حروب (واعجب ما شئت).<br />
<br />
كان ما تسرع به أعداء الثورة المصرية خاصة، أنه لو كان عبد الناصر انتظر قليلاً لكان امتياز القناة قد انتهى في نهاية الستينيات وما كانت البلاد في حاجة لدمار أو عدوان كبدها الكثير من الخسائر.<br />
<br />
والواقع أن حقائق التاريخ ودروس النهب الاستعماري وإداراته الاستعمارية على الشرق يشير إلى العكس من ذلك تماماً.<br />
<br />
إن دراسة (الحالة) ـ بالنسبة لقناة السويس ـ ودراسة الاستراتيجية الغربية في مواجهة الإرادات الوطنية ترينا أن الإنجليز ما كانوا يتركون قناة السويس بأية صورة سواء عام 1968 ــ بموجب مرسوم الحفر والإدارة ــ أو بعد ذلك.<br />
<br />
والغريب في الأمر أن من لام الثورة على اتخاذ قرار التأميم لم يكن غربياً فقط، وإنما العديد من المصريين والعرب أيضاً.<br />
<br />
ودراسة التاريخ ترينا ـ خلال الوثائق ـ والمبادرات الاستعمارية ـ أن الغرب لم يكن ليترك قناة الويس بأية حال وتحت أي اتفاق.<br />
<br />
نكرر أن الغرب لم يكن ليترك قناة السويس قط، وانظروا إلى الاتفاقات التي مازالت جارية حتى الآن على جبل طارق بين الإنجليز وإسبانيا.<br />
<br />
إن مصالح الغرب هي الشيء الوحيد الذي كانت تخصص له القرارات المهمة في الغرب. أو هي القرارات المستلهمة من المصالح الغربية التي نجد أحسن الأمثلة لها فيما يجري في العالم اليوم.<br />
<br />
وتأمل هذه الأقوال التي كانت ترى خطأ موقف عبد الناصر في التأميم إنما كانت تطوي كراهية خاصة للشعب المصري، بل إنها تزيد الآن ـ وتابعوا معي الحملات الضارية على عبد الناصر!!.. ـ كانت تطوي التحامل على عبد الناصر لأنه اتخذ مثل هذا القرار الوطني الشجاع بعد دراسة وتأن ووعي شديدين .. ولم نكن في حاجة لعديد من الخبراء والمثقفين المحايدين ليؤكدوا لنا بالحرف الواحد أن قناة السويس وقاعدة قناة السويس جزء من شيء مركب واحد والذي يدعي أن الإنجليز كان يمكن أن يتركوا القاعدة والقناة بدون تأميم واهم كثيراً والواقع أن مراجعة قصة النهب الغربي لمقدرات الأمم يرينا أن هذا الحكم خاطئ تماماً، ونستطيع أن نشير إلى عدد كبير ممن برهنوا على ذلك ـ وفي مقدمتهم الأستاذ هيكل ــ بموقف إنجلترا من جبل طارق كقاعدة بحرية مثل قناة السويس كانت تصب في مصالح الإمبراطورية الإنجليزية وتؤكد سيطرتها على إمبراطوريتها الاستعمارية .. يقول الأستاذ في بساطة حتى هذه اللحظة إنجلترا موجودة في جبل طارق لأن البحر المتوسط هو عقدة كل اتصالات الإمبراطورية، وليس مسموحاً باللعب فيه / وبعد تأميم قناة السويس نجد أن الإنجليز اضطروا إلى الانسحاب شرقاً بعد السويس .. هل نحن من السذاجة أن نرى أن القوى الاستعمارية يمكن أن تفرط ـ ببساطة، وتحت مسميات قانونية ــ في مثل مركز استراتيجي كقناة السويس أو موقع استراتيجي كجبل طارق..؟<br />
<br />
هل هو الخطأ في الحساب أو ضغينة على زعيم الثورة عبد الناصر؟<br />
<br />
لنترك الأسئلة ولنذكر للقارئ الكريم ــ وليس لأعداء ثورة يوليو ــ أن من يعود إلى الوثائق البريطانية في هذه الفترة ـ وهي بين أيدينا ـ يستطيع أن يتأكد أن الإنجليز لم يكونوا مستعدين لترك قناة الويس بأية حال خاصة بعد انتهاء الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة المصرية قرب نهاية الستينات إذ تكثر في هذه الوثائق التعبير عن ضرورة (التدويل) للقناة بعد الفترة المسموح بها سياسياً؛ كما كان يتردد الكثير من التصريحات السرية عبر المراسلات الخاصة بأنه يمكن فصل (قناة السويس) عن مصر نهائياً .<br />
<br />
إن الوثائق البريطانية التي بين أيدينا تؤكد أن إنجلترا لم تكن لتترك قناة السويس تحت أية ذريعة وتحت أي معاهدة تسمح بهذا، وهي الوثائق التي تقع في النصف الأول من عقد الخمسينات من القرن العشرين إن هذه الوثائق (وهي مرفقة هنا...) تشير لأكثر من مرة إلى ضرورة مواصلة سيطرة بريطانيا على القناة بأية وسيلة بل وتشير الوثائق ـ لأول مرة ـ إلى التوجه الإنجليزي لإشراك القوة الإمبريالية الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على منطقة قناة السويس.<br />
<br />
ونتمهل عند وثيقة واحدة وتسمى (خطة برملي bramly ) ولأهميتها نكتفي هنا بوضعها بين يدي القرئ ليرى نيات الغرب الاستعماري في التأكيد على القبضة الحديدية التي يزمع وضع قناة السويس فيها '''وهذه هي الخطة:'''<br />
<br />
====خطة برملي لتدويل قناة السويس 1951 ـ 1952====<br />
<br />
'''أولاً :''' خطاب مكتب الخارجية البريطانية في مصر إلى رئاسة الوزراء البريطانية المؤرخ في 9 نوفمبر 1951<br />
<br />
'''السيدرئيس الوزراء:'''<br />
<br />
هذا تقريرنا الموجز بشأن الخطة المقدة من الكولونيل برملي المقترحة حول (ضرورة عزل سيناء كإقليم بريطاني وتحريك القادة البريطانية في مصر إلى منطقة سيناء).<br />
<br />
إننا نرى أن حكومة صاحب الجلالة ليس لها أي حق شرعي في إدّعاء أن سيناء بريطانية.<br />
<br />
وكذلك لا يمكن بأية حال تحريك القاعدة العسكرية البريطانية إلى شرق القناة نظراً إلى التكلفة الباهظة لهذا الاقتراح ولذلك نوصي بالتفاوض مع الحكومة المصرية بشأن عقد اتفاقية دفاع مشترك بعدها ربما تكون خطة برملي جديرة بالمتابعة.<br />
<br />
9/11/ 1951<br />
<br />
'''ثانيــــاً :''' الخطاب الموجه من رئاسة الوزراء للرد على خطة برملي المؤرخ في 6 ديسمبر 1951<br />
إنه في خطابكم الموجه إلينا في 9 نوفمبر بشأن خطة (برملي) المشيرة إلى اعتبار سيناء كإقليم بريطاني أو تدويلها فإننا بعد مشاورات وجدنا أن تلك السياسة غير عملية ولا نملك المبررات لادّعاء ملكية بريطانيا لشبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
ومن الحكمة الأخذ بتوصية مستشارن القانوني في مكتب وزارة الخارجية والتي ترى (ضرورة وضع سيناء تحت السيطرة المصرية) وهو الأفضل بلا شك.<br />
<br />
أما مسألة فصل سيناء واعتبارها إقليماً بريطانياً فعبر ثلاثين عاما وبالأحرى منذ الحكم العثماني فلم يحدث أن اقترحت أي حكومة بريطانية هذا المطلب.<br />
<br />
ومن وجهة نظرنا فإننا نرى أن خطة برملي تعود إلى رأيه الشخصي وتأكيد لهذا ما جاء في الرد على سؤال طرحه السيد (فتزاوي ماكلين) بمجلس العموم بجلسة 21 فبراير الماضي.<br />
<br />
'''ثالثاً :''' وفي الخطاب الموجه من مكتب الخارجية البريطانية في 3 ديمبر 1951<br />
<br />
'''عزيزي (كولفيل)'''<br />
<br />
بق لكم مراسة السيد (إيفلين شوكبورج) في 19 نوفمبر الماضي مستفسراً عن خطة الكولونيل جينجز برملي بشأن سيناء وهذا تقرير واف عن الخطة قام بإعداده مكتب الخارجية البريطانية في مصر.<br />
<br />
نود أن نشير بداية إلى أن الكولونيل برملي المدير السابق لإقليم سيناء من قبل الحكومة البريطانية قد عرض فكرة عزل سيناء عن مصر ومعاملتها كإقليم بريطاني وألحّ كثيراً على تنفيذ خطته وقد تراسل مع السفارة البريطانية ومكتب الخارجية مباشرة وكذلك كتب إلى جهات بريطانية سياسية عديدة في هذا الشأن وعلى رأسها أعضاء بارزين في مجلس العموم من ضمنهم (فتزاوي ماكلين) الذي طرح القضية في شك سؤال على المجلس بجلسة 21 فبراير 1951.<br />
<br />
.. وبما أن هذه القضية أصبحت موضع نقاش وبحث يموله مكتب الخارجية والخبراء القانونيين فقد توصلنا إلى نتائج هامة بهذا الشأن تتلخص في الآتي.<br />
<br />
(1) في اتفاقية 1841 بشأن الحدود الأربعة لشبه جزيرة سيناء والمثبتة بالخرائط بهذا التوصيف (سيناء تقع جنوب وشرق خط رفح السويس وجنوب وغرب خط رفح العقبة) هذه الحدود لم تكن ضمن الأقاليم التي ورثها الخديوي.<br />
<br />
والحقيقة أنها وقعت تحت إدارته دون أن تخول له السلطة من (الباب العالي) بهذا الشأن.<br />
<br />
(2) في 1892 كفل الباب العالي للخديوي سلطة إدارة شبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
ولكن تلك السلطة لم تكن لورثة الخديوي ومن هنا يمكننا القول أن حق الخديوي الشرعي في إدارة سيناء يختلف كلياً عن حقه الشرعي في إدارة مصر كلياً.<br />
<br />
(3) إن تركيا فقدت حقها الشرعي في إرث أو إدارة شبه جزيرة سيناء طبقاً لمعاهدة لوزان.<br />
<br />
(4) إن استمرار مصر في إدارة شبه جزيرة سيناء طبقاً للاتفاقية المبرمة من قبل ومحاولة انتزاع سيناء من سيطرتها بالقوة واعتبارها إقليماً بريطانياً فإنه طبقاً لرأي المستشار القانوني البريطاني الذي أكد أنه إذا لم تكن سيناء مصرية فسوف تكون منطقة معزولة.<br />
<br />
كما إن بريطانيا إذا حاولت ذلك ستلجأ مصر إلى المحكمة الدولية لتدافع عن الحق المصري ومن المحتمل أن يكون قرار المحكمة في صالحها.<br />
<br />
وللاطلاع على مزيد ممن التفاصيل فقد أرسلنا إلى قسم الأبحاث بحزب المحافظين مذكرة دبلوماسية توضح المكانة التاريخية لسيناء والوضع القانوني للإقليم.<br />
<br />
ولذلك نرى أن الحلّ الوحيد يتلخص في إقامة قواعد عسكرية بريطانية في منطقة قناة السويس فإن فشلنا في ذلك الأمر فعلينا أن ننتظر تحقق الاحتمال الآخر وهو بعيد المنال والذي يتلخص في إمكانية تنازل المصريين عن شبه جزيرة سيناء لنوري باشا رئيس وزراء العراق وإذا لم تكن هناك تسوية لهذه القضية فإنه من الصعوبة بمكان محاولة نقل القوات البريطانية وبناء قاعدة عسكرية على الضفة الشرفية للقناة لأن التكلفة ستكون بلا شك باهظة جداً.<br />
<br />
وملخص ذلك إنه ليس من الحكمة عزل سيناء وادعاء أنها إقليم بريطاني في الوقت الحاضر. <br />
والجدير بالاهتمام العمل على إمكانية بناء قاعدة عسكرية صغيرة شرق القناة وتأسيس هيئة (بريطانية مصرية) للسيطرة على سيناء.<br />
<br />
لاحتمال أن تطلب الحكومة المصرية مستقبلاً التفاوض مع بريطانيا من أجل عقد اتفاقية دفاع مشترك.<br />
<br />
'''رابعــــاً :'''وفي الخطاب الموجه إلى مكتب وزارة الخارجية في 19 نوفمبر 1951.<br />
<br />
'''السيد سكبرج:'''<br />
<br />
لقد لكم نسخة من (مذكرات سيناء) التي تتضمن خطة الكولونيل برملي والتي تقترح مدى إمكانية فصل وعزل منطقة السويس وسيناء عن مصر ووعهما تحت وصاية الأمم المتحدة والتي اطلع عليها رئيس الوزراء بمعرفة السيد (ليوإميري) وقد أثارت الخطة اهمامه وطالب بإعداد تقرير شامل عنها يقوم به مكتب الخارجية البريطاني ونأمل لا يزعج ذلك السيد إيدن ونطمح أن يرغب في قراءتها والاطلاع عليها.<br />
<br />
'''شيكبرج'''<br />
<br />
'''مكتب الخارجية 19 ـ نوفمبر 1951'''<br />
<br />
'''خامـســـــاً :''' وفي الخطاب الموجه إلى (وينستون تشرشل) في 12 نوفمبر 1951 جاء الآتي:<br />
<br />
'''عزيزي وينستون:'''<br />
<br />
أذكر حضرتكم أنه قبل الانتخابات الأخيرة قد كتبت إليكم مذكرة دبلوماسية بشأن عزل منطقة السويس وسيناء عن مصر والتوصية بوضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.<br />
<br />
وقد اطلعت ــ مصادفة ــ على خطة الكولونيل برملي المدير البريطاني السابق لسيناء والتي أوضحت أن الجزء الأكبر من شبه جزيرة سيناء إضافة غلى عدة أميال من الضفة الشرقية من الضفة الشرقية للقناة لم يكن إقليماً مصرياً بشكل مؤكد.<br />
<br />
والحقيقة المحتملة أن منطقة سيناء والقناة ليست سوى جزء من إقليم كبير تنازل عند الحلفاء لتركيا بعد الحرب العالمية الأولى وإذا كانت تدار من قبل الحكومة المصرية ولذلك نرى أن القانون والمنطق يخولان وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.<br />
<br />
وأخيراً أوضح أنني اقتنعت كثيراً بما ورد في خطابك ليلة الجمعة الماضية وأتمنى لك حظاً سعيداً في مهمتك الصعبة الملقاة على عاتقكم ولا أريد إجابة.<br />
<br />
'''المخلص لك'''<br />
<br />
'''ليوإميري'''<br />
<br />
====مذكرات المدير السابق لسيناء الكولونيل جينجز برملي====<br />
<br />
'''أغسطس 1951'''<br />
<br />
في 1841 تم ترسيم الحدود بواسطة اتفاقية بين تركيا ومصر في عهد محمد علي والتي اعتبرت الحد الشرقي لمصر هو الحد القديم الذي تم تخطيطه في عهد الدولة الرومانية العظمى طبقاً للخريطة القديمة التي أعيد طباعتها سنة 1927.<br />
<br />
وبعد أن تم تنصيب محمد علي والياً على مصر طلب تصريحا من تركيا يخول له إنشاء نقطة شرطة حدودية في (نــخل) وظلت هذه النقطة تشرف على أمن سيناء شمالاً وجنوباً والعمل على استتباب الأمن وحماية السائحين والزائرين وخاصة على طريق الحج بالنسبة لقاصدي مكة.<br />
<br />
وفي 1892 تولى عباس باشا ولاية مصر وفكر في إلغاء نقطة الشرطة الحدودية في (نخل) ولكن المندوب السامي (اللورد كرومر) أصرّ من جانبه على وجود قوات لحرس الحدود في (نخل).<br />
<br />
بل أصر على إعلان ولاية عباس باشا على مصر دون انتظار صدور فرمان تركي يخول له الولاية أو يشير إلى وجود قوات في نخل وبعد مباحثات مطولة خرج الفرمان التركي مماثلاً لذلك الفرمان الذي صدر بشأن ولاية (توفيق باشا) والد عباس.<br />
<br />
'''الورقة البيضاء ــ مصر 1906'''<br />
<br />
وفي 1906 قررت تركيا أن تتولى الإشراف على مقاطعة جنوب سيناء ونشر قوات حدودية فيها رغم أن طريق الحج لم يعد مستخدما بكثرة ولم تعد القوافل الصحراوية تجوبه واستبدلت به البواخر القاصدة ميناء جدة ومع ذلك فقد أشـار اللورد كرومر إلى عباس بضرورة مطالبة تركيا بجنوب سيناء ولكن الخديوي عباس رفض نصيحة كرومر وأعلن أنها ليت ضمن الحدود المصرية واحتج بأن هذه المقاطعة ــ جنوب سيناء ــ لم يتضمنها الفرمان التركي الذي كان مرفقاً بخريطة مصر.<br />
<br />
ولكن اللورد كرومر أشار إلى أنه سوف تنشب الحرب أو ستكون إعلان حرب إذا تقدمت القوات التركية إلى سيناء وتولت أمر حمايتها وادّعت أن لها الحق والوجود في جنوب سيناء باعتبارها مقاطعة تركية.<br />
<br />
وبعد ذلك تعرضت تركيا إلى ضغوط سياسية كثيرة مما اضطرها إلى الموافقة على رسم خط الحدود من رفح إلى العقبة كحد إداري لمصر ولكن احتفظت لنفسها بحق السيطرة على جنوب سيناء.<br />
<br />
'''ملحوظـــة :'''<br />
<br />
إن تداعي الأحداث وارتفاع حدة التوتر بين مصر وتركيا بشأن الفرمان التركي الخاص بادعاء تركيا الحق في شبه جزيرة سيناء قد بدأت تهدأ بعد صدور الفرمان التركي والسماح برسم الحدود.<br />
<br />
ولكن اللورد كرومر قد أشار إلى أن الخريطة المرفقة بالفرمان قد فقدت وأن الخريطة الموجودة لدى المصريين قد ضاعت.<br />
<br />
وعندما أعاد زيور باشا طبع الخريطة الملحقة بالاتفاقية المصرية الإيطالية قال نادماً (يجب أن نندم على اليوم الذي سُمح فيه بذلك).<br />
<br />
وفي 1926 طلب اللورد ليود من بريطانيا اتفاقية 1906 ــ والتي ما زال المصريون يتمسكون بها ــ رفض الإنجليز ذلك المطلب وأشـاروا إلى أنها أضحت غير سارية المفعول وفي 1918 خضعت كل المستعمرات التركية حتى الحدود الآسيوية ومن ضمنها جنوب سيناء إلى سلطة المندوب السامي.<br />
<br />
وفي 1927 وطبقاً لشروط معاهدة لوزان تخلّت تركيا عن كافة مستعمراتها وتم تسيمها ما عدا جنوب سيناء ولكن إنجلترا لم تطالب بجنوب سيناء على الرغم من أنها ورثت منها أحقية السيطرة طبقاً لشروط معاهدة 1906 وأصبحت سيناء اليوم طبقاً للشئون والأعراف الدولية (أرض لا صاحب لها) وأن مصر قد دُعيت لإدارتها ولبريطانيا الحق الآن في الادعاء بأن شيه جزيرة سيناء إقليم بريطاني.<br />
<br />
هذا هو الوضع القائم الآن ولا أفهم الأسباب التي تمنع مكتب الخارجية والسفارة البريطانية من المطالبة والادعاء بأحقية إنجلترا في شبه جزيرة سيناء وأنا أعتقد وبلا شك أن لنا ـ بريطانيا ـ حق المطالبــة بها والسيطرة عليها والآن الظروف مواتية لذلك ولو كانت مصر صاحبة حق في سيناء ما طلبت التصريح لها من تركيا بدخول جنوب يناء عندما كان جنوب سيناء تحت السيطرة التركية.<br />
<br />
ولو أن السفارة البريطانية ومكتب الخارجية في مصر لديه أسباب وجيهة تؤكد أحقية المصريين بجنوب يناء ما استطاع القائمون على الشئون الدولية إطلاق مصطلح (أرض لا صاحب لها) على شبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
وأنا قد أتفق مع وجهة نظر مكتب الخارجية في اعتبار سيناء مصرية ولكن منطقة (جنوب سيناء) ذات وضع خاص وذات أهمية وقيمة استراتيجية لبريطانيا واليهود يشجعون ذلك لأنهم يعرفون أن مصر لي لها حق المطالبة بجنوب سيناء وليس لها الحق في فرض نفوذها على منطقة القناة بدعوى حمايتها.<br />
<br />
ولذلك أقترح على حكومة بريطانيا حـلاً للوضع القائم أن تعرض على المصريين التخلي عن جنوب يناء مقابل تعويضهم عن فترة إدارتها منذ 1906.<br />
<br />
هناك نقطة حيوية تجعل (جنوب سيناء) له فائدة استراتيجية لبريطانيا.<br />
<br />
وثمة أميال خمسة من قناة السويس لا تقع ضمن الحدود المصرية.<br />
<br />
ومن هنا سيكون موقف بريطانيا قوياً وخاصة عند محاولة نقل (مجلس إدارة قناة السويس) من السويس إلى بور توفيق وبناءً على ما تقدم نعتقد أن (بريطانيا إذا حركت قواتها العسكرية إلى بور توفيق للمشاركة في الدفاع عن القناة) ستعتبر مصر أن القوات الأجنبية (البريطانية) لم يعد لها وجود في التراب الوطني المصري.<br />
<br />
ومن هنا سوف يمكن موقف بريطانيا قوياً وخاصة حول التساؤلات المتتالية عن مجموعة السفن التي تستخدم القناة.<br />
<br />
ومستقبلاً تتحول بور توفيق إلى مركز تجاري دولي بمساعدة حكومات التحالف التي ستقدم قروضاً ميسرة للشركات التجارية العاملة وهو ما لا تقدمه مصر.<br />
<br />
وقد وردت إلينا معلومات استخباراتية أن مصر ستعزل بور توفيق وتقطع عنها المياه وتوقف دخول العمال إلى هناك.<br />
<br />
وبناء على ذلك نقترح إمكانية الاعتماد على الودان كمورّد للعمالة داخل بور توفيق .. أما عن المياه فيمكننا مدّ جنودنا بالمياه الجوفية من سيناء.<br />
<br />
ويمكن استغلال الدعاية المضادة لإظهار مصر بالوحشية والترويج بمحاولاتها طع المياه عن شعبها وتحاول عزله.<br />
وخطة مصر في عزل بور توفيق لن تنجح لأن مصر تعتقد – بل وتعي – تماماً أنها تعتمد علينا كخطوط حماية من يعود إسرائيل ولأغراض أخرى.<br />
<br />
وأنا أعتقد أن الخطوة التي يجب أن تُتخذ الآن : هو الترويج إعلامياً وسياسياً لفكرة ( أن خط جنوب رفح هو الحد الفاصل لسيطرة مصر ) لأنه منذ بداية التاريخ وجنوب سيناء تعتبر عربيـّـة وعلينا أن نروج لخطتنا ونحاول طرحه ومناقشته دولياً وإعلامياً للضغط على مصر حتى تسعى للتوقيع على اتفاقية حدودية معنا.<br />
<br />
إن هدفنا الحقيقي هو احتلال جنوب سيناء لا مناشة عملية إعمارها.<br />
<br />
ولعل المناقشات الموسعة ستظر مشكلة جديدة حول ملكية خليج تيران والجزر الواقعة نطاقه ويُخشى أن تدفع مصر بقواتها العسكرية عاجلاً أو آجلاً إلى هذا الخليج مما يوقع السفن البريطانية في مرمى نيران المدفعية المصرية المتجهة من وإلى العقبة.<br />
<br />
===الفصل السادس: عبد الناصـر السياسي، المثقف===<br />
<br />
هل السياسي يجب أن يكون مثقفاً؟<br />
<br />
<br />
نعيد طرح السؤال، في هذا الشهر بشكل مباشر:'''<br />
<br />
- هل كان عبد الناصر مثقفاً؟<br />
<br />
وعبوراً فوق 482 موقعاً احتفالياً في هذه الأيام ــ بتعبير وزير الثقافة ــ تشهد مصر احتفاء واحتفالات بذكرى مرور 50 سنة على ثورة يوليو عام 2002.<br />
<br />
وعبوراً فوق عديد من الاحتفالات المشابهة في عديد من أقطار العالم العربي.<br />
<br />
ثم عبوراً فوق هذه الكتابات الغربية التي زادت هذا الشهر حتى وصفتها بعض المواقع الإليكترونية إنها نوعاُ من النوستالجيا (الحنين) الذي يبديه العديد من الكتاب الغربيين عن عبد الناصر (العروبي) في عصر الإسلام السياسي والاضطرابات الغامضة في العالم العربي.<br />
<br />
نقول عبوراً فوق كل هذا؛ فإن التوقف عند (وعي) عبد الناصر كسياسي يمتلك قدراً هائلاً من وعي المثقف يلفت النظر إزاء كل هذه الندوات والتحليلات والكتابات المكثفة والمراجعات المتباينة في ردود أفعالها ثم إزاء ما يمثله عبد الناصر ومشروعه الفكري من قيمة مازالت بيننا حتى اليوم.<br />
<br />
ومع ما يثيره الاحتفال بذكرى يوليو من قضايا إشكالية، قد نعود إليها مرة أخرى، فإن أكثر ما يلفت النظر في وعي زعيم مثل جمال عبد الناصر هو أنه لم يكن سياسياً وحسب، وإنما سياسي جمع إلى التكوين السياسي الوعي الثقافي، حتى إننا نتطيع أن نعيد طرح السؤال الذي نعرف إجابته جيداً الآن:<br />
<br />
هل كان مثقفاً حقاً؟ فنجد الإجابة أمامنا بغير جهد كبير.<br />
<br />
فلنحاول الإجابة معاً، ونفكر بصوت عال؛ هل....؟<br />
<br />
على المستوى الشخصي، فقد لمست هذا الوعي الثقافي، ليس بين أوراقي الدراسية وحسب، وإنما بين الجماهير العريضة في أنحاء العالم العربي، بل وبين الجماهير العربية والتي تعيش بشكل أو بآخر في الغرب؛ بل وفي السياسيين والمثقفين أنفسهم ممن شهدوا هذه الفترة وعرفوا عبد الناصر عن قرب .<br />
<br />
ولأضرب مثالاً واحداً، فأذكر أنني كنت في إحدى العواصم الغربية، وعقب إلقاء كلمتي عن عبد الناصر والتي أسهبت فيها عن الوعي الثقافي الفائق له، روعت أن عدداً كبيراً من الحاضرين ـ وأغلبهم من الشباب العربي المغتربين ـ راحوا يلفتون نظري إلى أن عبد الناصر كان مثقفاً.<br />
<br />
ألم أقل هذا؟ حدثت نفسي، ومع ذلك يبدو أنني في حاجة ماسة لأعيد ما قلته، فأستبدل بالكلام الذي يلقيه المحاضرون بالورق الذي بين أيدي؛ لم تفتني الدلالة ورحت أدلل من جديد على وعي عبد الناصر الفائق بدور المثقف حتى أنه لا يكف عن إيراد وعي المثقفين في خطبه الكثيرة وقيمهم على أن يكون هذا الوعي وهذه القيمة تمارس (ضمن تحالف قوى الشعب العاملة .. لأن المثقفين ليسوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة).<br />
<br />
ورحت أسهب ـ أكثر ـ في ضرب الأمثلة من الخطب المتناثرة لعشرين عاماً ووثائق مركز الدراسات السياية والاستراتيجية بالأهرام (يناير 1967 ـ ديسمبر 1968)؛ وأكثر ما لفت نظري كما أشرت، أنني رغم إشارتي إلى وعي عبد الناصر بالمثقفين ومصادر وعيه الشخصي (كمثقف)، فإن القاعة راحت تكرر، وكأنها لم تسمع منذ قليل، أن عبد الناصر كان مثقفاً، وكأنها تريد التأكيد على هذه الحقيقة .<br />
<br />
بل رحت أورد لأدلل ـ في قضية لا تحتاج لدلالة أو برهان ـ من كتابات معاصريه أن أحد رفاقه خالد محيي الدين ـ على سبيل المثال ـ لم يكن ليمل من التأكيد في كتابه الأخير أن عبد الناصر كان:<br />
<br />
"قارئاً ممتازاً سواء قبل الثورة أو بعدها، وحتى بعد أن أصبح حاكماً متعدد المسئوليات كان يولي مسألة المعرفة اهتماماً خاصاً. وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف".<br />
<br />
وإبان استعداده للسفر إلى أوروبا، في كل مرة، '''يجد رغبة عبد الناصر الوحيدة في المعرفة فيضيف:'''<br />
<br />
" ــ و.. طلب مني أن أرسل له كل ما أعتقد أنه مفيد من كتب ومجلات ولعل شغفه بالقراءة هو الذي جعله يهتم بمسألة المعلومات، وكان عبد الناصر لا يتخذ أي قرار إلا بناء على معلومات وكان يهتم دوماً بالمعلومات ليس فقط من أجل تحقيق إمكانية اتخذ قرار صحيح، وإنما من أجل التعرف على من يتعامل معهم تعاملاً وثيقاً ودقيقاً".<br />
<br />
والمعروف أن هيئة الاستعلامات كانت أهم هذه الأجهزة التي تحددت مهمتها الأولى في إطلاع عبد الناصر على أحدث ما يصدر في العالم، فكانت ترصد ما ينشر وتحصره بل وتترجم له ما تترجم وتلخص ما يجب تلخيصه.<br />
<br />
وفي مكتبة دار الوثائق حتى اليوم أعداد كبيرة من الكتب المهمة المترجمة لعبد الناصر خصيصاً.<br />
<br />
ولعل معاصري عبد الناصر كانوا أكثر ما لاحظوا النهم الشديد عند عبد الناصر للمعرفة والقراءة المتواصلة وتدوين ملاحظاته في أوراق عامة أو خاصة، وكتاب جورج فوشيه المعروف (عبد الناصر وجيله) يرينا أن الكاتب حين ذهب إلى الكلية الحربية ليراجع قائمة ما قرأ عبد الناصر وجد أن دائرته امتدت إلى آفاق بعيدة خاصة حين راجع كشوف الاستعارة في السنوات الدراسية.<br />
<br />
والأكثر من هذا لفتاً للنظر أوراقه الخاصة وأحلامه التي حرص على تدوين أغلبها ونشر بعضها بالأهرام ترينا حرصه الشديد على تدوين العديد من خطبه، والتعبير عن أفكاره الخاصة بيده في الخمسينيات والستينيات .. وقد كان اهتمامه قد جاوز الواقع إلى الأحلام البعيدة التي كان يختلط فيها الوعي الجاد ومحاولة الإفادة من المشروعات المعاصرة له خاصة تجربتي الهند وباكستان، فهو يتحدث عن ولعه بإنشاء العديد من المشروعات الثقافية بالقاهرة والإسكندرية، ويصل إلى الأحياء الشعبية ليدون عنها أفكاراً حميمة ثم يصل من الأحياء الشعبية إلى عواصم المديريات وعواصم المراكز، بل يخصص صفحات كاملة لإعادة إعمار القرى وإدخال الكهرباء وإنشاء السينما التي يمكن أن تتحول إلى مسرح في الوقت المناسب، بل يولي عناية خـاصة بالأزهر، ويمكن أن نلاحظ اهتمام عبد الناصر منذ فترة مبكرة بالأزهر كصرح ديني عملاق في مصر يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في التثقيف والتنوير والإصلاح ليس في مصر وحسب بل وفي عديد من المناطق الإسلامية البعيدة عنا وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصة عن وعي عبد الناصر عبر الكتابة المدونة، ففيها الكثير من وعيه السياسي / الثقافي الذي لا يمكن إنكاره، والذي يحتاج إلى عناية خاصة لأهميته.<br />
<br />
وهذا الوعي المثقف لدى الزعيم، يشهد به أنصاره أو أعداءه على السواء .<br />
<br />
لقد ظللت قرابة خمس سنوات أستمع وأسجل وأكتب (كل) ما سمعته من (شهود) عبد الناصر ـ أثناء كتابة أطروحة عن يوليو ـ وفي كل مرة كنت ألاحظ أن المثقفين / الشهود من شتى المواقع ـ لا يترددون في أن يؤكدوا على أن عبد الناصر كان يمتلك وعياً فائقاً يجاوز به رؤية السياسي وفعله مجراد رؤية المثقف وذكاء المفكر.<br />
<br />
من ذلك، كان الحوار الطويل مع أحد أهم رموز اليسار في الفترة الناصرية في حوار حول عبد الناصر الذي عانى منه اليسار كما عانى هو أيضاً من اليسار، '''ووجدتني أسأل المثقف اليساري فجأة:'''<br />
<br />
- وهل كان عبد الناصر فيما ترى مثقفاً؟<br />
<br />
وقبض أبو سيف يوسف ـ المناضل اليساري المعروف ـ '''قلمه وراح يكتب بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(ــ كان عبد الناصر قارئاً جيداً، حين تجلس معه تحس أنه ليس مجرد قارئ عادي وإنما قارئ متمرس، يعرف جيداً الاشتراكية، اقرأ ـ مثلا ـ محاضرة في اللجنة الوحدوية تكتشف على الفور أن لديه دراية عالية عن الاشتراكية.<br />
<br />
كان أول ما يقرأه صباحاً مجلة (الطليعة) .. وعلى فكرة. لم يكن عبد الناصر يقرأ (الطليعة) ليعرف منها اليسار، كان عبد الناصر يعرف اليسار جيداً).<br />
<br />
- وسألت المثقف اليسار السؤال نفسه، فراح يقول لي خالد محمد خالد ــ رحمه الله ــ أي عبد الناصر ــ كان يشتري، قبل الثورة، نسخاً كثيرة له من جيبه الخاص من كتاب (مواطنون لا رعايا) ويقوم بتوزيعه بنفسه على زملاءه، وقد كــان يفعل ذلك مع كتب أخرى لكتاب آخرين.<br />
<br />
بل إن خالد محمد خالد أسهب أكثر في أن عبد الناصر بعد الثورة ظل مستمراً في قراءة الكتب، ومستمراً في مناقشة أصحابها، بل إنه ــ وهذا مسجل في إدارة الرقابة ــ أن عبد الناصر أفرج شخصياً عن كتب خالد محمد خالد كانت في طريقها إلى المصادرة أو صودرت بالفعل، وهو ما أكده عبد الناصر نفسه لصاحب هذه الكتب في اجتماع على الهواء في اللجنة المركزية في بداية الستينيات (ونعتذر عن إيراد النص لطوله).<br />
<br />
- أيضاً راح المثقف الليبرالي يؤكد على هذا، فقد أسهب إحسان عبد القدوس لأكثر من مرة على وعيه السياسي والذي "يكن احتراماً بالغاً للمثقفين" والذي ـ يشير إلى صورة عبد الناصر بعد أن رحل ـ:<br />
<br />
".. كان يقرأ كثيراً، ويرغب دائماً في الحصول على كتب، ويطلب مني عناوين محددة، وكان يأخذ مني الكثير، وفي كل مرة يجد معي كتاباً ويجدني أقرأ كان يسألني على الفور: ماذا أقرأ، وفي حالات كثيرة أثناء الحديث الفطري معه كان يسأل بعمق أو يغيب عنا بعمق، وهو ما يبرر حين يحس بهذا فيعتذر مردداً من أنه كان يفكر فيما يقرأ".<br />
<br />
نحن لا نريد أن ندلل ـ بعد هذا كله على أن عبد الناصر كان سياسياً مثقفاً، أو سياسياً واعياً ـ أكثر من كثير من السياسيين ـ بما يحدث حوله، ومراجعة مواقفه وخطبه يرينا أنه يريد أن يقدم حكومة الثورة فيربط بينها وبين الدولة فهي (حكومة المثقفين) ــ هكذا ــ ، ومراجعة خطبه في الخمسينيات والستينيات تؤكد أكثر على مفهومه بالنسبة للمثقفين.<br />
<br />
ولدينا عشرات المراجع التي تؤكد على وعي السياي / المثقف بشكل يلفت النظر كثيراً.<br />
<br />
إن عبد الناصر كان مثقفاً كبيراً بقدر ما كان سياسياً كبيراً.<br />
<br />
هل يحتاج هذا لسؤال...؟<br />
<br />
===الفصل السابع: الوعي الخائن والمثقف===<br />
<br />
يحار المرء أين يضع صاحب هذه الحلقات التي تنشر في إحدى الصحف العربية التي تصدر من لندن .<br />
<br />
'''نحن أمام تفسيرين لهجومه الأرعن على مصر والمصريين الذين فتحوا له صدورهم من 15 عاماً:'''<br />
<br />
هل نضع "بعد الاستغراق في القراءة" في حالة غياب الوعي بحكم الن، أو ما يسمى في خبرة التحليل النفي بغواية العقل أو تغييبه أو غيابه mindedness absent وهو ما يفسر إذا أحسنا النية بعدم الانتباه لجوانب الموف الذي يعتبره الآخرون ذا الأهمية الكبرى، وهي غفلة يكون صاحباً مجبولاً عليها. أم نضعه "وهذه هي الحالة الأخرى" في خانة حضور الوعي بحكم التعمد، أو ما يسمى في خبرة التحليل السياسي أيضاً "بحكم الانتهازية التي يظل أهم وجوهها هنا العمالة، وهو ما يفسر "إذا دققنا النظر فيما ينشر حتى الآن بخداع الآخرين في مصر" سياسيين ومثقفين "لقرابة خمسة عشر عاماً قضاها في مصر، وفي هذه الحالة الأخيرة فنحن الآن أما سمات سلبية هي "بخلاف اللف والدوران" تكون بوضوح شديد العمالة.<br />
<br />
ونحب أن نلفت النظر هنا إلى أن هاتين الحالتين لا تتنافران فيمكن أن يكون الإنسان "في فترة زمنية متقدمة" قد ناله الوهن العقلي، وفي نفس الوقت يكون قد جاء من معسكر العمالة الصريحة، مما يشير بعد مراجعة ما ينشره إلى أنه صحفي نال منه الصدق وفي الوقت نفسه نال هو من الموقف العربي ..'''وعلى هذا النحو، فنحن أمام حالتين :'''<br />
<br />
"غياب الوعي المتعمد"<br />
<br />
"حضور الوعي الخائن"<br />
<br />
لنتوقف عند غياب الوعي قبل أن نصل إلى نقيضه ..وهما سمتان "كما أشرنا" يتوافران في ناصر الدين النشاشيبي فيما ينشره بعنوان (سنوات مصر).<br />
<br />
وقبل أن نستطرد أكثر يمكن أن نكرر أن غياب الوعي هنا يكون متعمداً، ولا يكون بالضرورة (حالة) سيكولوجية .. ومن ثم فإن غياب الوعي يكون داعياً إلى النيل من كثيرين ممن عرفتهم مصر في بداية القرن العشرين حتى نهايته.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر اتهام أو قل عبر موقف واحد من مواقف الصحفي الذي آوته مصر وأعطته أكثر مما أعطى في بلد آخر بعد مجيئه من القدس ماراً بعدد من الدول الأخرى.<br />
<br />
وليكن الموقف هنا إغفال الصهاينة بالعمد أو التأكيد.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر شهادات النشاشيبي التي تكفي وحدها للبرهنة على غياب الوعي الذي هو غياب الإنصاف والتحليل الصحيح للأمور. أو غياب الوعي، الذي هو نقيض العداء والادعاء معاً.<br />
<br />
فمن الغريب أن نسمع من الحلقة الأولى من النشاشيبي أن قضية فلسطين ليست معروفة لدى تسعين في المائة من شعب مصر.<br />
<br />
فهل كان ما يحدث في فلسطين غائباً عن الوعي في مصر في هذا الوقت. الإجابة بالنفي بالطبع.<br />
<br />
فقد كانت الكثير من الأحداث تشير إلى ما كان يفعله الصهاينة في فلسطين في الأرض المحتلة كان معروفاً وكان يردد في الصحف بشكل مكرر، وجاءت نكبة 1948 لتؤكد هذا الوعي الذي تجسد أكثر في كل أنحاء مصر، فلم يكن ليخلو بين في هذا الوقت دون ان يكون فيه محارب أو شهيد أو موتور بشكل ما مما يحدث في فلسطين .. رغم أن ما كان يدبر لليهود في بداية الأمر بقي طي الكتمان.<br />
<br />
إن الواقع في مصر وفي العالم كله لم يكن ليوحي بأن اليهود "الذين يعيشون في الأقطار العربية على الأقل" يمكن أن يكونوا مثل هؤلاء الصهاينة الذين يتكاثرون في فلسطين، كانوا يفعلون هذا بمساعدة إنجليزية.<br />
<br />
لم يكن يدرك المواطنون العرب في أنحاء العالم العربي أن الآلة التي تحرك وجود الصهاينة في فلسطين كان وراءها تقف العقول اليهودية هناك كان هربرت صموئيل المندوب السامي الأول، والأدون نمورمان بنويش النائب والمستشار القضائي للمندوب، ومن ورائهما (الوكالة اليهودية) التي ورد ذكرها في هذا الوقت في صك الانتداب.<br />
<br />
بل إن التاريخ يذكر وعد بلفور نفسه على لسان اللورد ارثي بلفور وزير الخارجية الإنجليزي إلى روتشيلد اليهودي في 2 نوفمبر 1917 بقي طي الكتمان لفترة من الزمان .<br />
<br />
ومراجعة تاريخ هذه الفترة ترينا أن الأحداث في فلسطين كانت تجري بمساعدة الإنجليز، ويزيد اليهود "على سبيل المثال" في سنوات قليلة من 35000 إلى 103000 وتضاعفت مساحة الأرض التي بيعت إلى اليهود بشكل يلفت النظر .. غير أن هذا كله كان خارج الوطن.<br />
<br />
كانت تمضي المؤتمرات الفلسطينية، وتدور المعارك ضد اليهود، وتدخل القضية إلى الأمم المتحدة وتخرج منها.<br />
كان الجميع يعرف ما يحدث خارج كل قطر، لكن داخل كل قطر عربي، كـان اليهود يعيشون مع أبناء أوطانهم، يتمتعون بحق (المواطنة) يصبح كل منهم مسئولون كبار "حتى أصبح منهم وزير" ويمتلكون اقتصاديات كثيرة هنا وهناك، وتنتشر صحفهم وإعلامهم، لكن كل هذا كان يجري في إطار الوطن، فالأديان الثلاثة في مصر "على سبيل المثال" كان أصحابها يتمتعون بقدر كبير من التواؤم والاحترام.<br />
<br />
كل هذا كان يحدث حتى حرب 1948 والعرب من شعب مصر يعرفونه جيداً، لكنهم يفرقون كثيراً بين ما يحدث خارج الوطن حين كان يغضب الفلسطينيون من قرار التقسيم فتدمر المباني والمخافر وتفجر الأنابيب وتنسف الجسور حتى تقوم الحرب .. وبين أبنا وطنهم من اليهود الذين لم يبدوا "على الأقل في النصف الأول من القرن العشرين" أي تأييد لليهود في فلسطين التي تحتل، ويعلن استقلال (احتلال) عصابات من الصهاينة فيها.<br />
<br />
كان ثمة يقين لدى أبناء الشعب أن اليهود المصريين هم مواطنون (بحق المواطنة) من الدرجة الأولى كما المسيحي والمسلم، ولم تكن العقيدة لتحول بين الانتماء لمصر في المقام الأول (وإن ظهر بعد ذلك عديداً من العناصر والتنظيمات السياسية الشيوعية وغير الشيوعية كانت تعمل لصالح إسرائيل).<br />
<br />
وهو ما يفسر أن المثقفين المصريين أنفسهم لم يكونوا ليتخذوا مواقف عدائية من اليهود.<br />
<br />
لم تكن درجة العداء ضد اليهود "كأصحاب رسالة سماوية" قد وجدت من يغذيها حين بدأت أطماع الصهيونية تكشف عن نفسها وهو ما يفسر به (ويبرر) أيضاً موقف العديد من زعماء مصر أو المثقفين الذين اتهمهم بالتجاوب مع الصهاينة.<br />
<br />
إنه مرة أخرى غياب الوعي الذي بدا متعمداً من النشاشيبي في اتهامه للمثقفين المصريين خاصة.<br />
<br />
وهو اتهام كرره أكثر من مرة بشكل يوحي بأنه متعمد، وليس عن عدم تبين للحقيقة أو الواقع أو الأحداث، ونضطر هنا إلى اثبات ادعاء الصحفي الذي تعمد أن يفقد وعيه، يقول عن المثقفين والسياسيين المصريين أنهم كانوا غير إيجابيين إزاء ما يحدث في فلسطين، وإنهم كانوا أكثر إلى الخيانة منه إلى حسن الظن أو فهماً واضحاً لطبيعة العصر وأنهم .. إلخ.<br />
<br />
إنهم يتهم لطفي اليد بأنه كان يذهب لكي يحضر الاحتفال بوضع حجر الأا لمبنى الجامعة العربية على جبل سكوبس في القدس عام 1923 !! وكان لطفي السيد يتعمد أن يفعل ذلك في وقت "كما أشرنا" لم يكن ليخطر على بال أحد أن ما يحدث كان بوازع من الصهاينة، فضلاً عن أن دوره هنا اتسم بالرحابة التي كانت توليها المواطنة في مصر في بدايات القرن العشرين، الأكثر من ذلك، وهو ما لم يعلمه النشاشيبي أنه كان يذهب بشكل رسمي لتأكيد الدور المصري الوطني الخلاق وهو دور يحسب لمصر التي لم تعرف العنصرية التي يتحدثون عنها الآن في دير بان.<br />
الأكثر من هذا أنه راح يطعن في وطنية زعماء وطنيين كبار مثل إسماعيل صدقي وعلي الشمسي بل وسعد زغلول ومصطفى النحاس، ويطعن في تاريخهم الوطني بشوفونيه (شامية) أو مقدسية أو نرجسية لا نعرف مبرراً لها اليوم غير غياب هذا الوعي الذي يتعمده صاحبه.<br />
<br />
الأكثر من ذلك، أنه يقفز إلى الاتهامات الصريحة ضد عدد من المثقفين المصريين وفي مقدمتهم مثقف مصري واع مثل طه حسين فيظل يغمز عنه ويهاجمه في أكثر من حلقة، فعميد الأدب العربي لا يجد منبراً ليتحدث في عن : آثار اليهود في الأندلس سوى النادي اليهودي في الإسكندرية .. ويغلو في تطرفه واتهامه (ويكاد المريب أن يقول خذوني كما نرى..) إلى أنه يشير بالريبة إلى أن طه حسين بعد أن ألقى محاضرته، فإنه ترك نشر النص إلى جريدة الشمس .. لسان حال الطائفة اليهودية. ثم أن طه حين أشير إليه بإساءة بالغة مرات كثيرة طيلة نشر هذه الحقات خاصة حين كان عميد الأدب العربي مسئولاً عن جريدة (الجمهورية) في الخمسينات.<br />
<br />
ولا نكون في حاجة هنا لنذكر المواقف العديدة الوطني لمثقف واع كطه حسين الذي أصبح مسئولاً عن مجلة (الكاتب) التي يمولها الأخوة هراري، دون أن تظهر في أي منها، داخل المجلة أو خارجها ما يشير إلى أنه تخلى عن وعيه الوطني.<br />
<br />
فلم يكن الوعي الوطني يشير إلى ضرورة التعاون مع اليهود، وإنما كان يعني "بوضوح يفتقده الكثيرون الآن بحن نية أو بسوء نية" أن المثقف يتعامل مع اليهود الوطنيين وليس مع الصهاينة الذين يستخدمون العقيدة في السياسة، والذين أصبحوا يمتلكون قبضة أمريكا ليحاربوا بها معاركهم في الوطن العربي .<br />
<br />
ولا نكاد ننهي هذه السطور دون أن نعود إلى نصيحة أنطون الجميل رئيس تحرير الأهرام للنشاشيبي ففي كل مرة كان هذا الأخير يظهر الكثير من (الوقاحة) "وهي صفة أطلقها على نفسه" كان يستدعيه وينهره، ويذكر أنه يتدعيه إلى مكتبه ليلقي عليه درساً طويلاً في التزام الحياد (والتمسك بفضيلة الترفع عن الذم والشتيمة) ومن ذلك، أنه خاطبه طويلاً في مكتبه في إحدى المرات ليقول في نهاية كلامه الكثير هذه العبارة: (قد يصفق لك البعض إن أنت ألحقت الأذى بالبعض، ولكن الأذى الذي تلحقه بنفك يفوق كل أذى).<br />
<br />
لقد رحل أنطون الجميل ولم ينتفع بنصيحته النشاشيبي. رحل أنطون الجميل، وبقي غياب وعي النشاشيبي، أو تغييبه.<br />
<br />
====ثورة يوليو .. الوعي الخائن ====<br />
<br />
وإذا كنا تعرّفنا في المرة الماضية إلى غياب الوعي أو تغييبه (على طريقة الحكيم رحمه الله..) قد بقي أن نرى الوجه الآخر؛ المريب .. لتفسير ما يكتبه النشاشيبي في الصحيفة العربية التي تنشر حلقاته .. فإذا كان الوجه الأول هو وجه الكشف عن غياب الوعي المتعمد (المتعمد) للإساءة للدور المصري والنيل منه (وهي سمة أصبحت لدى الكثير من إخواننا العرب الآن خارج مصر)، فإن الوجه الآخر الآن، هو الوجه الأكثر وعياً، وهو لفرط وعيه أو لنقل (وقاحته) وهي صفة يستخدمها صاحبها منذ الحلقة الأولى ليس غير تفسير واحد هو الريب فيما يقول.<br />
<br />
الريب الذي يصل إلى درجة الجزم بهذا الدور المريب حقيقة لا مجازاً .. سواء في تغيير أسلوب الهجوم على مصر وعبد الناصر أو في كشف نفسه بشكل مباشر في هذه العلاقة المريبة بينه وبين الجهة المضادة التي بعمل لها.<br />
هكذا، بغير زياة أو نقصان.<br />
<br />
إن غياب الوعي هناك يساوي حضور الوعي بما يفعل هنا.<br />
<br />
وكي لا نتهم بالإفراط أو الإسراف، لنتمهل عند بعض ما يكتبه النشاشيبي عن (سنوات في مصر) .<br />
<br />
'''ورغم أن سنواته التي قضاها في مصر وتزخر بضروب الهجوم عليها:'''<br />
<br />
المسئولين والمثقفين.<br />
<br />
ورغم أن أقل ما يقال عنه في هذا الصدد هو غياب الوفاء، فإننا نستطيع أن نترجم هذا كله إلى موجة عاتية من موجات الانحياز للعدو الذي كان يحاول النيل من مصر: مكانتها وتأثيرها .. ومن عبد الناصر: وعيه ودوره.<br />
<br />
وهو دور يلعبه كيفما يبدو صاحبه حتى الآن.<br />
<br />
ورغم أن الهجوم على عبد الناصر الآن أصبح النغمة السائدة لدى الكثيرين، فإنها تعكس هنا طبيعة (الدور) الذي اكتشفناه فيه بعد أن لعب هذا الدور جيداً هنا ثم فارقنا إلى حيث يكمل دوره جيداً خارج مصر .. ولنرى صورة من صور مواقفه من عبد الناصر قبل أن نصل إلى علاقته المريبة (بل الأكيدة) بالإسرائيليين والأمريكيين.<br />
<br />
إن اتهاماته لعبد الناصر وهي في أغلبها الاتهامات التي كانت توجه إليه من أعدائه إنه في الحلقة الأولى وبعد انتهاء حصار الفالوجا على عبد الناصر وزملائه، يقول بالحرف .. (انتهت مأساة أو جريمة حرب فلسطين. ورأى الناس في القاهرة الاستقبال النكتة الذي أعده فاروق لأبطال الفالوجا وأبطال غزة وأبطال أسدود وعلى رأسهم الضبع الأسود والضيع الأبيض والضبع الذي بلا لون! ورأيت أنواعا من المهازل اليومية..) هذه تلاحظ دلالة هذه اللهجة ونحن نثبت هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها سواء قبل ثورة يوليو أو بعد أن جاء عبد الناصر أو بعد أن ذهب عبد الناصر إنه يتهم عبد الناصر وبعد ذلك بأنه لم يهتم بغير زعامته، فالمسئول الأول في دنيا القاهرة التفت إلى تركيز زعامته في العالم الخارجي، إلى جانب نهرو وتيتو ونكروما وكيندي، وأقطاب العالم، وترك الجبهة الداخلية..(!!) وعلامات التعجب من عندنا.<br />
<br />
وردد في مرة أخرى بأنه لم يهتم بغير تحقيق العدالة الاجتماعية أو في شعار العدالة الاجتماعية والقيام بدور استبدادي لتثبيت زعامته، يقول متسائلاً .. (وهل كان ضرورياً الإصرار على إلغاء كل حزب سياسي من أحزاب مصر وسوريا إكراماً للثورة أو مشتقاتها وهل كان ضرورياً أن تداس الديموقراطية بالأقدام وتترك الساحات أمام الأجهزة الأمنية وحدها كي تحكم وتعتقل وتسجن وتشرد دون أي رقابة من الشعب، وهل كان من الضروري أن يقبل جمال عبد الناصر بمبادرة روجرز في عام 1970).<br />
<br />
ويسهب أكثر في أحكام غير دقيقة بالواقع التاريخي، أو عبر الوثيقة، أو تحديداً خلال الرأي المنصف لما كان يحدث خاصة أنه كان شاهداً على ما كان يحدث، بل شاهد أكثر حساسية من غيره فقد جاء من القدس وعاش في أكثر من قطر عربي حتى استقر بفضل عبد الناصر وحمايته في القاهرة لسنوات طويلة، ثم ها هو يقول الآن أشياء مثل التي كانت تقولها دوماً أجهزة مخابراتية ضد عبد الناصر وفترة حكمه!!<br />
<br />
إن قبول عبد الناصر تحديداً لمبادرة روجرز لها في التاريخ ما يبررها، فقد كان من اللازم أن يقبلها عبد الناصر الذي كان في مهمة في الاتحاد السوفيتي حينئذ لإنقاذ مصر من ويلات التدفق بكل أنواع الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، ومحاولة إنقاذ الداخل الذي كانت تتسلل إليه إسرائيل في أبو زعبل وبحر البقر .. إلى غير ذلك مما يعرفه المؤرخ جيداً، الذي ليس مكانه الإسهاب هنا .<br />
<br />
وليس لوم النشاشيبي أو عجبه الآن إلا حلقة من حلقات الكراهية التي تسببت في هزيمة النظام الناصري نفسه في الستينيات؛ فقد كان أعداء عبد الناصر في الداخل أخطر وأبقى رغم أنهم في الخارج كانوا يتحينون الفرص للإيقاع به منذ بدايات الستينيات (منذ حرب اليمن..).<br />
<br />
بل إن زعامة عبد الناصر (العربية موقف الشعب العربي في مصر) أيضاً كان موضع شك من الرجل الذي كان يعيش بيننا؛ إنه حين يصف موجة العروبة التي زحفت إلى مصر في عهد عبد الناصر يقول .. '''ونؤثر أن ننقل هنا كلماته:'''<br />
<br />
(كان عبد الناصر يدفع للعرب ثمن زعامته عليهم، وثم تأييدهم له. وثمن ولائهم لمصر).!<br />
<br />
وبعد أن يشير إلى هذه الموجة في عهد الملك فاروق قبل ذلك الذي كان يسعى للخلافة يهبط بهجومه المريب على الجماهير وعلى المثقفين سواء بسواء، وهو في هجومه، وإن بدا ناقصاً للوعي أو او متشبعها بالجهل لهذه المرحلة، فإنه (وهذا أقرب إلى التفسير) كان هو الدور الذي رسم له والذي راح يعبر عنه، وظل يعبر عنه بعد أن خرج من مصر منذ ثلث قرن حتى الآن.<br />
<br />
انظر إليه، يعود ليربط ربطاً عشوائياً مريباً بين الفهم المقصود للجماهير أو المثقفين حينئذ حيث يضيف:<br />
(لم تكن تلك الموجات في رأي العروبة، متجاوية مع كل ما كان يتمناه الشارع المصري .. بأغلبيته، ولم يكن طه حسين، وحده، يحمل تلك الآراء المعروفة عن مستقبل الثقافة في مصر ولا إسماعيل صديق باشا .. إياه .. ولا الدكتور عزمي ولا..).<br />
<br />
ويعدد أماء كثيرة ليؤكد حقيقة مغرضة يريد أن ينفذ إليها ومنها ليؤكد عبث عروبة مصر واتجاهها في ذلك الوقت .<br />
<br />
ومع ذلك، أو رغم ذلك فقد نجد النشاشيبي أن يخدع عبد الناصر نفسه وكما سنرى الذي قال عنه في الحلقة التاسعة تحديداً إنه (لولا رضى الله ورحمته، وقلب عبد الناصر ومحبته، لما عدمت محرراً أو كاتباً أو موظفاً أو زميلاً يفرغ رصاص مسده في صدري..).<br />
<br />
لقد لعب الدور جيداً، واستطاع أن يكسب كل القلوب حوله لتحقيق الهدف الذي جاء إليه ومن أجله في مصر وهو ما يتبدى أكثر في علاقاته الوثيقة والحميمة (والموظفة) جيداً مع الصهاينة والأمريكان في ذلك الوقت.<br />
<br />
إنه يمارس هذا الدور بأكثر من طريقة: إما أنه يستخدم أسلوب النقل عن الآخرين، وإما ينقل لنا ما يريده بشكل مباشر من المصادر المعادية لأمتنا العربية أو إنه كثيراً ما يردد أحداثاً خطيرة (تصب بالطبع في التيار المضاد للأمة العربية) خلال السما ع والنقل عن الآخرين، فكثيراً ما يقول (سمعت عن..) أو قال لي صديقي إنه (سماع عن المبعوث الأمريكي روبرت أندرسون..) وعرفت أن ابن جوريون يصرح بأن .. (و) قيل لي في واشنطن بلسان رجال الخارجية الأمريكية ورجال البيت الأبيض بأن .. بل لا يتردد في أن يقول لنا بضمير المتكلم (التقيت مع السفير الإسرائيلي موشيه ساسون ثاني سفير لإسرائيل في مصر..) ويطيل في حلقات كاملة وينقل عنه ما يريد نقله.<br />
<br />
وما يقوله عن ساسون (صديقه!!) يقوله عن موشي ديان الذي التقى به أيضاً.<br />
<br />
ويعجب المرء ويتساءل مع البعض هنا سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل موشي ديان في مكتبه بتل أبيب في الحادية عشرة مساء، وأن يتشاور معه في عدة قضايا حساسة لا يمكن إثارتها مع شخص لا تربطه صلة سابقة مع الإسرائيليين ولا يعرف موشي ديان معرفة شخصية!! بل ويسمح له وحده بالدخول إلى مكتب ليفي أشكول برئاسة الوزارة الإسرائيلية (وكان رئيساً للوزراء حينئذ) ليتحدث معه في قضايا سياسية على جانب كبير من الخطورة، ورغم تحذيره من أن رئيس الوزراء مريض بالقلب فإن لقاءه به طال لأكثر من ساعة .. وطال قضايا في غاية الخطورة.<br />
<br />
الأكثر من هذا أننا نفهم قرب نهاية الحلقات أنه كان يكتب (مذكراته) عما كان يحدث في مصر، فهل كانت مذكرات حقا .<br />
<br />
يسأل المرء وهو يتابع رواياته التي يفترض معها أن قارئه يغفل التاريخ ويغفل دلالة الأحداث أو الشخصيات التي كانت تتحالف من أجل هزيمة الجبهة العربية، إنه يتحدث عن هذه (المذكرات) حين يقول في براءة مقيتة أو يسأل بشكل يبدو فيه حائراً أو متحيراً: (ولا أدري كيف وصلت تلك المذكرات إلى الخارج، حتى أن البروفيسور برنارد لويس، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة برنستون الأمريكية..) وهو يفترض في هذا أننا لا نعرف أن برنارد لويس أشهر مستشرق يهودي يلعب أدواراً كثيرة ضدنا، وأنه رأى برنارد مازال يلعب أدواره الصهيونية بالاتفاق مع الدولة الصهيونية في خطورة لا تمر هكذا على القارئ اللبيب فضلاً عن المتابع للأحداث من المثقفين والباحثين.<br />
<br />
لقد كـان محل ثقة موشي ديان إلى حد بعيد، وكانت علاقاتـه بأشكول وساسون وغيرهم من الإسرائيليين تستعصي على الفهم، لكننا الآن خلال اعترافاته بنفسه ندرك أن لها دلالات كثيرة تؤكد أنه لعب دوراً مريباً في هذا الوقت إلى درجة أن البعض مازال يسأل عن سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل وزير الدفاع الإسرائيلي بمكتبه بتل أبيب (أحمد حمروش) ودفعت بآخر بأن يسأل سؤالاً له إجابة أيضاً: هل كان النشاشيبي جاسوساً على عبد الناصر وعلى المجتمع المصري طيلة السنوات التي قضاها في القاهرة. وعندما انتهى من مهمته سافر إلى القدس والتقى مع رؤسائه ديان وأشكول (وائل الإبراشي) ويقول قريباً من هذا وائل قنديل .. وغيرهم كثيرون ممن وعوا أن حضور الوعي كان من الوضوح بحيث يعبر عن نفسه بهذا الدور الذي لعبه ضد الأمة العربية ومع أعدائها .. إن حضور الوعي الطاغي هنا ليس له غير تفسير واحد نعرفه جميعاً ..<br />
<br />
'''يقول الكاتب في الجزء 24'''<br />
<br />
فهل يجوز يا معلمي الكبير أن يترك تحديد العلاقة بين أكبر دولة عربية "مصر" وأكبر دولة في العالم "أمريكا" إلى حفنة من الجواسيس الهواة من أمثال مايلز كوبلاند، وإيفلاند، وكيم روزفلت، وإيجلبرجر ..<br />
<br />
===الفصل الثامن: أصداء غائبة===<br />
<br />
عبد الناصر .. رومانسي أم ثائر ؟!<br />
<br />
هل كان عبد الناصر رومانسياً؟<br />
<br />
هذا ؤال يلح على المدقق في حياة عبد الناصر الأولى ـ بل الثورة وبعدها.<br />
<br />
هل كان عبد الناصر ثورياً؟<br />
<br />
سؤال آخر يحاول أن يفرض نفسه حين تمضي السنوات بعبد الناصر إلى حقبة بعيدة من ثورة يوليو.<br />
<br />
'''وهو ما يضعنا في دائرة الحيرة؛ أو في دائرة السؤال الذي نجده في العنوان:'''<br />
<br />
عبد الناصر رومانسي أم ثائر؟<br />
<br />
ويظل السؤال معلقاً، ليس مع مراجعة مواقف عبد الناصر وخطبه فقط، وإنما ـ أيضاً ـ مع ملاحظة بعض كتابات معاصريه من المثقفين، حين كانوا ينظرون إليه من بعيد ويرددون الكثير عن هذه الرومانسية أو يتهمونه، وكانوا جميعاً يعودون إلى موافه الكثيرة أو كتاباته المتناثرة هنا وهناك.<br />
<br />
غير أن الوثيقة التي يمكن الاقتراب بها من حافة السؤال كانت دائما كتابه (فلسفة الثورة) الذي نشر قرب منتصف الخمسينيات من هذا القرن.<br />
<br />
ورغم أننا نستطيع أن نضيف إلى (فلسفة الثورة) كثيراً من الوثائق الأخرى مثل (الميثاق) أو (بيان 30 مارس) وخطب عبد الناصر وتحولاته وممارساته في هذا الاتجاه، فإن التوقف عند (فلسفة الثورة) له أهمية تفوق غيرها، فهي تحمل الملامح الأولى المكتوبة للفكر الرومانسي والذي لن يلبث أن يتحول من الحلم إلى الواقع عبر الممارسات التجريبية في السنوات التالية حتى نهاية الستينات.<br />
<br />
فضلاً عن أن التمهل عند (فلسفة الثورة) كان يعني ـ منذ البداية ـ أن الفكرة العربية تعني تصعيد إنجازاتها من مصر منذ البداية، فعلى الرغم من أن أفكار القومية العربية وتنظيراتها الأولى كانت تعرف في المشرق خاصة مع ظهور حزب البعث، فإن (فلسفة الثورة) كانت تعني تحول هذه الفكرة وتجسيدها في الوطن / الإقليم (مصر).<br />
<br />
فعبد الناصر فيما يبدو في الفترة الأولى من الخمسينيات كان يجد أن الدور المصري هو الدور الأول في إنجاز عملية الوحدة، وهذا قدرها ومصيرها.<br />
<br />
كماهو قدر البطل صاحب الدور ومصيره.<br />
<br />
وفي هذا نستطيع أن نشير ـ عرضاً ـ إلى العديد من كتابات خالد محمد خالد وفتحي غانم ولويس عوض .. وغيرهم، غير أن أهم الكتابات التي تلقي بأضواء ساطعة على المرحلة الأساسية في حياته، والتي نستطيع أن نتعرف فيها أكثر أو نقترب من هذا السؤال يظل هذا الكتيب صغير الحجم كبير القيمة (فلسفة الثورة) لجمال عبد الناصر. وربما كان لوي عوض أقرب هؤلاء إلى التحليل لشخصية جمال عبد الناصر في ذلك الوقت، او إلى (الدور) الذي اقتنع عبد الناصر نفسه أن الدور الذي يجب أن يضطلع به.<br />
<br />
كان عبد الناصر في الفترات الأولى التي نضج فيها وعيه وتهيأ ليلعب دوره في الحياة العامة إنه كثير الشرود، كثير التفكير في الواقع حوله، وفي فلسفة الثورة التي كتبت في مرحلة قريبة من قيام الثورة يلاحظ أنه لم تفارقه هذه السمة "الشرود المستمر"، وهو يذكر هذا بوضوح شديد حين يذكر أنه وهو جالس شارداً في إحدى المرات مع أفكاره ألحت عليه قصة مشهورة للشاعر الإيطالي بيرانديللو، وأطلق عليها هذا الاسم (ست شخصيات تبحث عن ممثلين).<br />
<br />
وهنا نلاحظ دلالة تغيير اسم المسرحية وعنوانها الأصلي (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) ويلتقط لويس عوض هذا الخطأ غير المقصود، موجهاً تفسيره إلى ما أسماه (الخطأ والنسيان الفرويدي) لم تحمله هذه العبارة من معنى أن عبد الناصر كان يسعى إلى دور البطولة ولي المؤلف.<br />
<br />
أو بدور البطولة التي تقوم بصنع الأحداث، أو إعادة صياغتها كما تحددها صياغة أفكاره الآتية من هذا الشرود (الفرويدي) الذي يحمل معان لم يكن ليقصد الكاتب الاعتراف بها، بينما تجيء على اللان على شكل إسقاط غير مقصود.<br />
<br />
إن العبارة الخاطئة تحمل دلالة صحيحة في معناها الخفي.<br />
<br />
وسوف نذكر عبارة عبد الناصر قبل أن نعود إلى وضعها في سياقها العام، يقول عبد الناصر في كتابه (فلسفة الثورة. ص ص 69، 70) بعد أن يتحدث عن الدوائر الفاعلة في المنطقة العربية:<br />
<br />
"إن ظروف التاريخ مليئة بالأبطال الذين صنعوا لأنفسهم أدواراً بطولية مجيدة قاموا بها في ظروف حاسمة على مسرحه.<br />
<br />
وأن ظروف التاريخ أيضاً مليئة بأدوار البطولة المجيدة التي نجد بعض الأبطال الذين يقومون بها على مسرحه، ولست أدري لماذا يخيل إلي دائماً أن في هذه المنطقة التي نعيش فيها دوراً هائماً على وجهه يبحث عن البطل الذي يقوم به، ثم لست أدري لماذا يحيل إليّ أن هذا الدور الذ أرهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا قد استقر به المطاف متعباً منهك القوى على حدود بلادنا يشير إلينا أن نتحرك، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به.<br />
<br />
وأبادر هنا فأقول أن الدور ليس دور زعامة، إنما هو دور تفاعل وتجاوب مع كل هذه العوامل، يكون من شأنه تفجير الطاقة الهائلة الكامنة في كل اتجاه من الاتجاهات المحيطة بها. ويكون من شأنه تجربة لخلق قوة كبيرة في هذه المنطقة ترفع من شأن نفسها وتقوم بدور إيجابي في بناء مستقبل البشر".<br />
<br />
ويعود بعدها عبد الناصر ليستطرد حول دوائره والدور الذي يتحدث عنه أو يبحث عنه في اللاشعور.<br />
<br />
====الخروج من الميثولوجيا====<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نرى كيف تخرج الرومانسية مع مرور الأحداث وتراميها وتحديها لكثير من العوائق التي تأتي من الشمال .. من الحلم المكبوت في اللاوعي إلى الواقع، تخرج من الذات إلى المجتمع.<br />
<br />
كانت هذه الرومانسية تقترب من المجتمع العربي بقدر ما تبتعد عن الفرد لدى عبد الناصر.<br />
<br />
ورغم أن شخصيته منذ فترة مبكرة غلب عليها ح غامض بالحزن والحيرة فضلاً عن الغضب مع تطور الأحداث كما رأينا في حرب 48 وبعدها (هناك رصد واف لفكرة القومية العربية في هذا الإطار لدى (مادلين نصر) في كتابها عن عبد الناصر .. فإن هذه الشخصية لم تستطع أن تظل في إطار الفردية المطلقة، إذ سرعان ما تنحو إلى الفعل في فترة محددة، يكون التقاطع فيها بين العام والخاص دافعاً لمغادرة الذات إلى المجتمع كما رأينا بالفعل (نستطيع رصد هذا الخروج في الأدب خاصة سواء في الغرب في القرن الثامن عشر أو في مصر مع عشرينات هذا القرن..).<br />
<br />
وهنا، يكون القائد قد خرج من إطار الميثولوجيا الفكرية إلى التطور العملي، وبدت الفكرة الرومانسية في حالة تجسيد مع الفكر العملي، وبدأ السياسي يتماهى مع الاجتماعي.<br />
<br />
إن فترة التحول من الفكر الرومانسي إلى الفكر الثوري نجده لديه منذ فترة مبكرة في كثير من المواضع في هذه (الفلسفة..)، إن أحد أفراد القوة المحاربة التي كانت تمثل معه قوى (مجلس قيادة الثورة فيما بعد) اقترب من عبد الناصر أثناء الحصار للفالوجة، '''وقال له في نبرة عميقة وفي عينيه نظرة أعمق:'''<br />
<br />
(لقد قال لي: اسمع..، إن ميدان الجهاد الأكبر هو مصر).<br />
<br />
وهنا يستطرد عبد الناصر أكثر أنه لم يجد في فلسطين الأفـراد الذين يمكن أن يشاركوه في الكفاح والتصدي للقوى الإسرائيلية وإنما أيضاً التقى "بالأفكار التي أنارت أمامه السبيل".<br />
<br />
وهو يعني أن هذه الفترة كانت الرومانسية مازالت تسيطر على فكره، وإن كانت تعمل ـ جنباً إلى جنب ـ على تحويل هذا الحلم إلى واقع، أو كان يسير الحلم جنباً إلى جنب بجانب الواقع، فما كان يحدث في فلسطين نبه القائد إلى أنه "ما كان يحدث في مصر، والمهم، كيف يمكن تحويل الحلم ـ قبل أن يتخثر ـ إلى واقع، ولكن هنا، في الدولة الإقليم مصر، حيث يمكن ـ بعد القضاء على الأعداء الداخلين ـ إلى رأس حربة ضد القوى المعادية ليمكن تحقيق الوعد العربي بالوحدة.<br />
<br />
على أن مراجعة التطور الذي كان يحدث في دخيلة عبد الناصر كان يشير أن الأمر لم يستمر طويلاً في الحديث عن الواقع وحسب، وإنما كان لابد من الخروج عن السؤال القوي الطاغي على كل ما عداه لقسوته (كيف)، كيف يحدث كل ما حولنا، إلى سؤال آخر، هو (لماذا) .<br />
<br />
لماذا يحدث هذا كله دون أن نتحرك.<br />
<br />
الحركة كانت هي الدافع الجديد وراء كل ما حدث طيلة الخمسينات.<br />
<br />
إن (فلسفة الثورة) تزخر بالغضب والسخط، ولكنها ـ أيضاً ـ تنذر بكيفية الخروج من هذا كله. <br />
<br />
الوسيلة للخروج كانت هي الشاغل في المرحلة التالية أو نتيجة لها.<br />
<br />
والجغرافيا هنا كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوسيلة.<br />
<br />
تظل الوسيلة هي الشغل الشاغل لعبد الناصر في إطار هذا الواقع لكي يتم الانفلات منه.<br />
<br />
كانت الوسيلة هي كيفية الخروج من معنى (الانقلاب) ــ بعد 23 يوليو إلى الوعي (بالثورة).<br />
<br />
وكانت الوسيلة هي كيفية الخروج من الحلم الذي عاش فيه طويلاً إلى تجسيده في أحد ـ وأهم ـ دوائر التغيير التي شغلته في (فلسفة الثورة) وهي الدائرة العربية.<br />
<br />
بل كانت الوسيلة من الجموح، بحيث أنها أرادت أن يحدث التغيير بسرعة بعد تحويل الحلم إلى واقع بقيام ثورة يوليو، وربما كان هو الباعث الرئيسي لسخط عبد الناصر على الجماهير في هذه الفترة.<br />
<br />
فبمجرد أن قامت ثورة يوليو كانت ينتظر عبد الناصر الجماهير لتجسيد الوسيلة، وسيلة التغيير، لكنه، لم يجد ـ كما تحدث ـ '''هذه الجماهير تحوطه لتحول الحلم إلى واقع آخر فاجأه، يقول:'''<br />
<br />
"ــ فاجأني الواقع بعد يوليو 23 يوليو.<br />
<br />
قامت الطليعة بمهمتها واقتحمت سور الطغيان، وخلعت الطاغية ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة الهدف الكبير.<br />
<br />
وطال انتظارها.. (و) .. ولكن ما بُـعد الحقيقة عن الخيال.<br />
<br />
لم يتنبه القائد أن الجماهير كانت في حاجة للتنظيم وإلى منح الفرصة للظهور وكان الخيال عند عبد الناصر غير هذا الواقع، فالجماهير العربية في مصر ـ مثل أي جماهير عربية في الأقطار الأخرى ـ يحول بينها وبين التعبير مئات الأشياء، ثم أنها تحتاج لمن ينبهها أكثر إلى وسيلة التغيير، ولمن يشحذ إرادتها أكثر، ويجلي بصيرتها أكثر، فقد كانت سنوات الطغيان والاستعمار طويلة بما يكفي لإحداث الصدمة النفسية لدى الجماهير.<br />
<br />
كان الحلم الرومانسي أقوى من الواقع وأبعد عنه إلى حد ما.<br />
<br />
====المعركة الحقيقيـة====<br />
<br />
بيد أن عبد الناصر سرعان ما عاد إلى الحقيقة، ليكتشف ذلك. لقد اكتشف أن معركته ليست أن يبحث عن الجماهير، فهي سوف تتحرك معه أبى أم رفض، وإنما تظل المعركة ضد هذه القوى الداخلية الطاغية، التي تحول بينه وبين نمو أحلامنا بعيداً عن أن تتحول ـ بفعل الطغيان ـ إلى كابوس مدمر.<br />
<br />
اكتشف هذا أكثر، حيث لاحظ أن هذه القوى المعادية للثورة في الداخل أو الخارج كانت تسعى للقضاء على حلم القائد / الجماهير.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، اكتشف عبد الناصر أن الوسيلة هي الطريق إلى ما يريد، إنه يستهل الجزء الثاني من (فلسفة الثورة) '''بهذين السؤالين:'''<br />
<br />
ولكن ما الذي نريد أن نصنعه..؟<br />
<br />
وما هو الطريق إليه..؟<br />
<br />
ويؤكد أن كان يعرف الإجابة عن السؤال الأول أما الإجابة عن السؤال الثاني "طريقنا الذي نريد" فأنا أعترف أنها تغيرت في خيالي كما لم يتغير شيء آخر.<br />
<br />
لقد اكتشف عبد الناصر أن العمل الإيجابي للخروج من أسر الحلم هو الطريق الوحيد للوصول إلى غايته.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نكتشف أن أكثر الطرق وعياً كان قد توصل غليها في الخمسينيات، أو أن الطريق إلى الرومانسية قد تخلله أو سار معه طريق العمل المنظم للجماهير ـ ومع ـ الجماهير العربية.<br />
<br />
لقد كان امتزاج الرومانسية بالوسيلة هو الطريق الذي مهد لتجسيد القومية العربية في الخمسينات.<br />
<br />
إن عبد الناصر بعد أن يتحدث عن هذا الدور الذي يبحث عن بطل، يستعيد في القسم الثالث ـ وهو دائم استعادة الحلم ـ كيف تبلور فكره منذ كان طالباً في الكلية الحربية لدروس التاريخ التي كانت تؤكد الوعي العربي إزاء الحملات الصليبية (الغربية) المضادة، ثم بدأ الفهم يتضح أكثر وهو طالب في كلية أركان الحرب في فلسطين، ثم بدأت الفكرة تصل إلى أقصاها حين توصل إبان الحرب في فلسطين إلى أن القوة، والقوة العربية وحدها هي التي تستطيع أن تكون اللغة ـ الوحيدة في هذا العالم ـ التي يفهمها العدو وتأكد هذا من مدفعية أحمد عبد العزيز ونضال فوزي القاوقجي، كما يذكر تجربة كان لها الأثر الكبير في تأكيد الوعي القومي وتحويل الأسطورة إلى واقع، فهو حين يذكر سراً من أسرار فلسطين (يذكر في قرب منتصف الخمسينيات، لاحظ الموقع الجغرافي)، '''ويسرده على هذا النحو :'''<br />
<br />
"كان البعض وضع خطة جريئة للقيام بعمل حاسم "وعربي" ضد القوات الإسرائيلية".<br />
<br />
(كانت الخطوط البارزة في تلك الخطة هي أن قوات التحرير العربية لا تملك طيراناً يساعدها في المعركة ويرجح النصر إلى كفتها، ولو أنها حصلت على معونة من الجو بضرب مراكز فوق ميدان العملية، لكان ذلك عاملاً فاصلاً، ولكن من أين لقوات التحرير العربية بالطيران لتحقيق هذا الحلم).<br />
<br />
====البطل الملحمي====<br />
<br />
بقية الخطة أن يقوم سلاح الطيران المصري بمهمته لو كان بمساعدة المطارات السورية، كان لابد أن يشارك العرب في خطة واحدة.<br />
<br />
ورغم أنه لم يقيض لهذه الخطة أن تتم، فإنها تشير إلى هذا الوعي المتطور لدى البطل العربي في مصرب، وعثوره على الوسلية التي سيطورها أكثر فيما بعد في الخمسينات لتحويل الرومانسية إلى واقع حين أصبح خاصة بعد مارس 1954 ــ هو القائد / البطل الملحمي المنتظر.<br />
<br />
ثمة إشارات كثيرة كانت تؤكد نمو الوعي العربي عبر (الوسيلة) الفعالة، كان يتأثر لما يحدث للفلسطينيين اللاجئين الممزقين عبر الخيام، أو يكاد يبكي ويسهر للصباح لمرأى طفل تحت براثن الحصار فتخرج إلى الخطر أمام سياط الجوع تبحث عن لقمة عيش .. إلخ.<br />
<br />
غير أن المهم، أن عبد الناصر في الخمسينات كان قد حول (الحلم) الرومانسي إلى (وسيلة) فعاجل لتحقيق الوحدة العربية.<br />
<br />
لقد تحول عبد الناصر من بطل درامي "إلى بطل ملحمي، أو إذا جاز لنا استخدام مجازه، غدا الشارع الذي يروي سيرة مصر على ربابته، بدلاً من أن يحركه كالدمية على مسرحه" على حد تعبير لويس عوض.<br />
<br />
كان على البطل الملحمي الآن أن يقوم بدوره بعد أن توصل إلى (الوسيلة) لذلك فقد بدأ بالفعل يوالي تحقيق انتصاراته على المستوى العربي، ويصعد الثورات العربية ضد المحتل الأوروبي، بيد أنه عبر ذلك النضال المستمر لتعبئة الشارع العربي وتحرير الأوطان العربية لم يتنبه أنه دخل في منطقة الخطر، منطقة المصالح الأمريكية.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، بدأت سلسلة من المعارك من أجل القومية العربية مع العدو الأمريكي ثمن عبد الناصر ثمنها كثيراً.<br />
<br />
====ثمن الثورة العربية====<br />
<br />
كان على جمال عبد الناصر أن يحول حلمه إلى حقيقة، فبدأ الصراع الكبير مع الغرب يأخذ أبعاده المعروفة بتأميم القناة ومبادئ 61/62 وتأميم القطاع الأجنبي والإقطاعي الداخلي وحاول أن يحول مبادئه الستة التي أعلنها صبيحة قيام الثورة، وتحويلها لتأكيد الوجود الوطني المصري، ومن ثم العربي، ثم بدأت متاعبه الحقيقية لا مع الغرب الأوروبي ولكن مع الغرب الأمريكي.<br />
<br />
وقد حدث هذا عقب عدوان 1856 مباشرة (بانفصال سوريا) وبدأ دوره الإيجابي في (الحرب الأهلية اللبنانية) وحرب اليمن، ثم كانت هزيمة 1967 وأعقب ذلك حرب الاستنزاف التي شارك فيها عدد كبير من الأقطار العربة التي تأثرت بجهود عبد الناصر العربية.<br />
<br />
على أنه بمجيء الهزيمة (1967) حتى كان عبد الناصر قد أدرك أن وسيلته الفعالة لتحدي الغرب ــ والأمريكي خاصة ــ توشك أن تأخذ شكلاً جديداً، ومن ثم، فإنه راح يغير استراتيجية المواجهة بعد حدوث العديد من الأحداث التي اعترضت مركبته العربية في المحيط الكبير.<br />
<br />
نقول تغيير استراتيجية المواجهة؛ لا تغييبها.<br />
<br />
لقد انتهى الآن عصر الرومانسية وبدأ عصر الواقع الحقيقي.<br />
<br />
لقد خرج عبد الناصر (بوسيلته الفعالة) الواعية عبر المركب العربي إلى التحديات التي أودت به إلى الهزيمة.<br />
<br />
وهو ما يقال معه، أن الحلم الذي تحول إلى حقيقة لم يستطع أن يكتمل إلى نهايته كان عبد الناصر قد عبر من زمن بعيد عصر الرومانسية الثورية إلى الثورية العربية الفعالة.<br />
<br />
وكان عبد الناصر قد اجتهد طويلاً لتظل الراية العربية مرتفعة قدر ما يستطيع، ودفع الكثير من أجل هذا، من أموال مصر وأبنائها، ثم من سنوات عمره التي أراقها وأنفاسه القليلة؛ انطلاقاً من حقيقة مؤداها "أن العمق الاستراتيجي العربي لمصر يحميها في مواجهة الصهيونية التوسعية.."، ومن ثمَّ، فإن حصاد السعي إلى الوحدة مع سوريا ــ على سبيل المثال ـ أو مرارة الانفصال؛ لم يرتد به إلى موقف مغاير رغم صدمة هزيمة 1967 وإحباطها .. وهو ما يطرح ـ بالتبعية ـ أسئلة بدهية.<br />
<br />
هل انتهى الثائر مع هزيمة 1967؟<br />
<br />
هل غاب البطل في الظلال وما لبث أن سقط على خشبة المسرح؟؟.<br />
<br />
المسرح العربي الكبير المليء بالجثث العربية الأخرى.<br />
<br />
وهل أسدل الستار على نهاية الثائر؟.<br />
<br />
ثم هل راح الجمهور العربي يؤكد (بصورة الكورس) أن البطل الملحمي سقط لكي يبعث من جديد، كما ايزوري في الأسطورة العربية القديمة؟<br />
<br />
باختصار لم نعد في حاجة لنسأل : هل كان عبد الناصر رومانسياً أو ثورياً؟<br />
<br />
إنما الإجابة التي أحكمها التاريخ أنه بدا بطلاً ملحمياً ننتظره جميعاً.<br />
<br />
لم يرحل أو رحل وسيعود ثانية، فالواقع العربي اليوم ينتظر عبد الناصر الثوري، الذي يستطيع أن يقف في وجه محاولات الغرب الأمريكي الوقح والمتفجر كراهية لنا، وفي حاجة لمن يقف في وجه الرأسمالية البشعة المتوحشة التي تعى إلى فرض إرادتها على الواقع العربي عبر الأسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات.<br />
<br />
والإعلام المجتمعي الآتي إلينا من الغرب في عصر العولمة (=الأمريكي) البغيض، وانتهى ثورياً عربياً واعياً.<br />
رحل الثائر لكننا مازلنا ننتظره ليقوم بالدور الذي حدثنا عنه في أحلامه / أحلامنا الأولى، وغضبه / غضبنا الذي كان.<br />
<br />
بعيداً عن الثرثرة .. قريباً من الثورةِ !<br />
<br />
وبعيداً عن ثرثرة الورق التي تنهض في آن لآخر لتقييم عبد الناصر وثورة يوليو .. هذه محاولة لإعادة النظر في الناصرية وهي ـ أي الناصرية ـ في الأصل تعبير عن اتجاه سياسي عملي تجريبي أكثر منها تعبيراً عن (دوجما) بعينها.<br />
<br />
الكتاب لا يسعى مثل كثير من كتابات هذه الأيام إلى تصفية حسابات أو اتجاه يعمق رأي بعينه وإنما يتنبه وهو يتحدث عن (الناصرية والسلام) ـ تحرير عبد الحليم قنديل ومشاركة عدد كبير من مثقفينا ـ إلى أن العنوان فرضه وصول الرأسمالية الشرية إلى ذروتها في نهاية القرن العشرين .<br />
<br />
وبهذا المعنى، فإن الناصرية التي يعاد النظر فيها الآن بمنطق نهاية القرن العشرين، تسعى إلى التنبه لما أصبحنا فيه وقد سقطت الكتلة الشرقية وتهاوى سور برلين وزاد الحديث عن (العولمة..) وآليات النظام العالمي الجديد خاصة فيما يعقب هذا من عسكرة العولمة إبان 11 سبتمبر وبعدها.<br />
<br />
إن الناصرية في الخمسينات والستينات تحدت الغرب الذي كان يريد السيطرة على مقدراتنا واتجهت نحو التنمية والتأميم والتحول الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي كما ساعدت قوى التحرر العربي ودخلت في حروب داخلية وخارجية كثيرة لئلا يترك الغرب يجوس بين ديارنا.<br />
<br />
والناصرية كتجربة متطورة يمكن أن تسعى الآن إلى هذا الهدف لو أحسنا قراءتها في ضوء نهاية هذا القرن.<br />
<br />
وبمراقبة سياسة أهل العولمة الآن وأدبياتها نعثر على يقين يتلخص في تأكيد سيادة العالم الغرب على أهل الجنوب في كتاب "هنتنجتون" الأخير عن (صراع الحضارات) نراه يرصد لأطروحة "فوكوياما" مؤيداً ما فيها من انتهاء الحرب الباردة وانتهاء الصراعالكبير في السياسة الكونية وظهور عالم جديد هو عالم (الأمركــة) في حين يرى "فوكوياما" أن "نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديموقراطية العربية على مستوى العالم كشكل نهائي".<br />
<br />
إن "هنتنجتون" يؤكد في أكثر من موضع على انتهاء حرب الأفكار "فالديموقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت" وحين يصل إلى عبارة "فوكوياما" أن صراع الأفكار انتهى وبدأ صراع آخر اقتصادي وفني نراه يعلق على "فوكوياما" بأنه ينهي كلامه بأسف قائلاً أن "ذلك سيكون مضجراً".<br />
<br />
وكان "فوكوياما" ـ وراء "هنتنجتون" ـ يريد أن يقنعنا أن حرب الأفكار كانت خيراً من الهيمنة التي تتخذ أبعاداً سياسية واقتصادية ومعرفية الآن لتحويل العالم إلى (سوق) للغرب الأمريكي.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الناصرية الآن ـ إذا أحسن قراءتها ـ يمكن أن تكون فاعلة في زمن يتم تدويل الرأسمالية فيه بالشركات الاقتصادية متعددة الجنسيات. وتدويل الثقافة والحضارة والرؤية الغربية عبر شركات إعلامية عابرة للقارات، وهناك عدد صغير من هذه الشركات (خمس عشرة شركة) تتحكم في كافة المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية والإعلانية في العالم. بل إن أربع وكالات أنباء رأسمالية وهي (رويتر – اسوشيتد برس – يونايتد برس – فرانس برس) تحتكر فيما بينها 80% من إجمالي تدفق المعلومات الدولية، وتكرس هذه الوكالات من أنبائها لدول الشمال. <br />
<br />
وتتصدر وكالات ومؤسسات الأنباء التابعة للولايات المتحدة مجمل وسائل الهيمنة الثقافية والإعلامية في العالم، وتسيطر على 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التليفزيونية، و90% من إجمالي الأخبار المصورة و82% من إنتاج المعدات الإعلامية والإليكترونية و90% من المعلومات المخزنة ـ المعطيات ـ في الحاسوبات الأليكترونية .. وغير بعيد هنا حين أعلن ـ في بعض الصحف الغربية ـ أن جميع أجهزة الكومبيوتر الأمريكية فيها أجهزة حساسة في غاية الضآلة تابعة للمخابرات الغربية، تتحكم في أكثر آليات العولمة شراسة. <br />
<br />
وهو ما يشير في النهاية إلى أن السياسة الأمريكية ـ بوجه خاص ـ أصبحت الآن تسعى (باقتصاد السوق) للسيطرة على مقدراتنا العريبة و(باقتصاد المعرفة) على مقدراتنا العلمية والإليكترونية .. إلى آخر هذه المنظومة الغربية التي تريد القضاء على شعوب الجنوب ليمكنها السيطرة على عالم تحرك فيه الدمى كما تشاء دون عنف أو مواجهة رجل من نوع عبد الناصر.<br />
<br />
ومن يراجع سياسات الشمال وأدبياته في السبعينات ـ بعد رحيل الزعيم ـ يعرف أن الناصرية إذا أحسنا قراءتها يمكن أن تكون فاعلة ويعرف أن السياسات الأمريكية المخابراتية ـ كما أوكد في وقتها ـ لن تسمح بعودة عبد الناصر مرة أخرى والقضاء لا يكون الآن على الرمز وحده وإنما يتسلل إلى الواقع نفسه.<br />
<br />
وهو يعزز هذه الاجتهادات التي بين أيدينا لنشير ـ فيما يشبه التأكيد ـ على أن السياسة العملية لعبد الناصر في مواجهتها للعالم حوله لم تكن لتتعارض مع أية عقيدة ومن هنا، نجد كتابنا يعود بنا إلى قضايا هامة في الإشارة لتجربة عبد الناصر وفكره.<br />
<br />
من هذا هل الناصرية تتعارض مع الإسلام؟<br />
<br />
وهي قضايا نضطر للعودة إليها لبداهتها في هذه الأيام التي مازالت الناصرية تهاجم من بين أهلها.<br />
<br />
والنظر إلى بعض ثوابت الناصرية يمكن أن نعثر فيها على بعض الملاحظات البدهية أيضاً كما يوردها عبد الحليم قنديل، وسوف نشير إلى بعضها بشكل ريع: فالأيديولوجية الناصرية هي أيديولوجية مساواتية، تؤمن مع الكفاية الإنتاجية بعدالة التوزيع وتكافؤ الفرص، وتؤمن بقيمة العمل كحق وواجب، ومصدر للسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية. فالمساواة في الإسلام حرة وقيمة مقدسة، والمساواة لا تعني "المثلية" بل تعني أن تتساوى الفرص كأساس مقبل للثواب أو العقاب في الدنيا والآخرة، كما كان عبد الناصر دائماً يقول دائماً والإسلام لا يعترف بأي ثروة أو جاه لا يكون مصدره العمل أو الميراث ويحرم الاستغلال والربا تحريماً قاطعاً .. والمساواة قيمة لعبت أبلغ الأدوار في التاريخ الإسلامي ويذهب في هذا "ليونارد بايندر" إلى أن مبدأ المساواة الإسلامي تجسد في رغبة عبد الناصر بإنشاء مجتمع سياسي موحد، واستعاضته عن نظرية الحسم الدموي لصراع الطبقات في الماركسية بمبدأ المساواة، وهو ما يفيد في دعم وحدة الشعب ضد الإمبريالية ويوجد الطبقات الحضرية والريفية وصغار الملاك.<br />
<br />
ثم إن الناصرية أيديولوجية شعبية، ليست أيديولوجية فئة أو طبقة بذاتها (قرأنا أول أمس من يتهم الناصرية بأنها طبقية)، إنها أيديولوجية أغلبية الشعب الحالمة بالمساواة والوحدة، أيديولوجيا الشعب المهاجر إلى المثال منشود، ناصرية تنحاز للكثرة الكادحة ضد القلة المسيطرة و..إلخ.<br />
<br />
بيد أن أهم القضايا هنا تتحدد في علاقة عبد الناصر بالوحدة العربية.<br />
<br />
وهي قضية تزداد أهميتها الآن في عصر الكتب الضخمة القومية أو غير القومية التي تحاول أن تؤثِّر بالإيجاب ـ لصالحها ـ (في الاقتصاد العالمي والأدوات المعرفية الصاعدة) فما موقف الناصرية من هذه القضية.<br />
<br />
إن الأيديولوجية الناصرية توحيدية، والتوحيد القومي ـ يتفق في هذا كل من عبد الحليم قنديل ومحمد عمارة وعدد كبير من أصحاب الإسهام في هذا الكتاب ـ هي الوجه الآخر للتوحيد الديني.<br />
<br />
إن هذا الرأي يتفق فيه عدد كبير من المشاركين في هذا الكتاب نذكر منهم عبد الحليم قنديل ومحمد عمارة، كما يمكن أن نضيف إليهم مع تعدد الزوايا أحمد صدقي الدجاني وطارق البشري ومجدي رياض وعلي مبروك وأحمد بن بله وقاسم عبده قاسم .. وغيرهم.<br />
<br />
لقد كانت وثنية الجاهلية تجد رموزها في تعدد آلهة القبائل، وجاء التوحيد الديني ليوحد هوية القبائل والشعوب المستعربة ويدمجها في أمة ودولة، ومن هنا كانت "العروة الوثقى" بين التوحيد الديني والتوحيد القومي، وبلغ من ارتباط التوحيد القومي بالديني حداً اعتبرت معه وحدة الدولة حقاً تقتضيه فريضة الزكاة الدينية، ومن ثم كان قتال خلافة أبي بكر لمن ارتدوا عن وحدة الدولة القومية رغم إيمانهم بأصول الدين.<br />
<br />
فضلاً عن أن للناصرية عدد من الأقلية الإسلامية ـ كما يحددها عابد الجابري ـ هي الله والإنسان والطبيعة ونظرة ونظرة الناصرية إلى الله هي النظرة المستقرة إسلامياً ذات الطابع التوحيدي بلا شبهة، الناصرية تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسالاته، أما الطبيعة فإنها محكومة بسنن تتبدل، والمجتمع بتطور قوانينه وصراعاته "التي لا يمكن إنكارها" وكل شيء يبدأ بالإنسان قائد التطور التاريخي والاجتماعي والعمل الإنساني هو المناخ الوحيد للتقدم، وكل ما يعيق إرادة الإنسان، ويحد من فاعلية دوره، مواقف غير إنسانية وغير أخلاقية وجب على الإنسان التصدي لها كما يقول جمال عبد الناصر.<br />
<br />
وإذا كـان عبد الناصر تنبه كثيراً في كتابه المبكر (فلسفة الثورة) إلى الدائرة العربية، فإنه لم يغفل معها الدائرة الإسلامية، على اعتبار أن الدوائر الثلاثة ـ الثالثة الأفريقية ـ يمكن أن تمثل (بيان) الثورة في سنواتها الأولى.<br />
<br />
ومن هنا، فإن الدائرة الإسلامية كانت تحت لديه مكانة ملحوظة.<br />
<br />
فمن الملفت للنظر أن الحضارة الإسلامية الآن في عصر العولمة أكثر ما تستحوذ على فكر أصحاب العولمة.<br />
<br />
ويلاحظ هنتنجتون ـ منذ البداية ـ أن الصراع القادم بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى (وفي مقدمتها الإسلام) لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً، بل سيكون ثقافياً، يفصل فكرته أكثر حين يقول أنه بعد الحرب الباردة سوف يتم الصراع بين حضارات تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة، وسوف يكون هذا الصراع عند خط جديد "هو الآن الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب الإسلامية والأرثوذكسية من ناحية أخرى. العلاقات الاجتماعية والعادات والنظرات الشاملة للحياة تختلف تماماً.. " إلى آخر تأكيده لهذه الخلافات العميقة التي ستكون ـ في المستقبل ـ وها نحن في مستقبل الغرب أو نهاية التاريخ كما يرى ـ في الحد الفاصل بين هذه الحضارة العربية ونظيرتها الإسلامية.<br />
<br />
لا نريد أن نلخص كتاب هنتنجتون عن صراع حضارة الغرب التي هي الآن الحضارة الأمريكية في الشمال و(إعادة صنع النظام العالمي) ــ وهو العنوان الثاني في كتابه، ولكي أصل إلى ما نريده تأكيده هو أن العولمة الآن تفرض رسم خريطةيستخدم فيها كل التاريخ وكل الجغرافيا لانتصار حضارة الغرب على غيرها وذلك في غيبة الدولة الوطنية التي عرفناها مع عبد الناصر والحكومة القوية التي تستطيع مجابهة الشركات متعددة الجنسيات وآليات العولمة..إلخ.<br />
<br />
والعودة إلى الناصرية، سوف تذكرنا باهتمام عبد الناصر الكبير بالعقيدة ـ كأحد وأهم أدوات الصراع ضد الغرب ـ منذ فترة مبكرة، وبهذا، فإن المطلوب هنا لا يكون باختلاق الصراع كما يحاولون هم ذلك، ولكن أن يصل الوعي إلى أقصاه حين ننتبه إلى أن خريطة إدارة الأزمات التي يضعها الغرب إنما يريد خلالها القضاء على حضارتنا باستخدام الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وهو ما نلاحظ التنبه إليه في فلسفة الثورة منذ فترة مبكرة عند عبد الناصر والذي اختزل كل المحاولات ؟؟؟ سواء في دعوة حسن البنا (عصبة إسلامية) أو مالك بن نبي في (الكومنولث الإسلامي) أو ما كان قد دعا إليه عبد الرحمن الكواكبي في بداية القرن.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى تفسير عديد من المعارك التي خاضها عبد الناصر مع بعض الحكام الرجعيين سواء من العرب أو الإسلاميين أو هذه العشائر والقبائل التي من الداخل أو القوى الشرسة في الغرب ضد العولمة قبل أن تظهر العولمة.<br />
<br />
وقبل أن نعرف ثرثرة الورق في نهاية القرن.<br />
<br />
====بين الماضي والمضــارع====<br />
<br />
أيضاً كان السيناريو الذي سينتهي إليه ما حدث في اليمن الآن : الوحدة، الانفصال، الاستنزاف (الأرجح هو الأخير) .. فمن المؤكد أنه سيخلف في الوجدان العربي دوياً عميقاً.<br />
<br />
وهي آثار حاول جمال عبد الناصر منذ نيف وثلاثين عاماً أن يتحاشاها حين أعلنت الحركة الانفصالية في سوريا (28 سبتمبر 1961)، ففي هذه التجربة الدامية حاول عبد الناصر أن يخفف من آثار ما حدث بألا يقع في خطأ مثل الذي ارتكبه من دعا إلى الانفصال وحاول تنفيذه بقوة السلاح .<br />
<br />
نفس الحدث أو قريب منه حدث في عالمنا العربي لأكثر من مرة، ومع ذلك، لم نستفد به مرة واحدة، وكان التاريخ حسب المقولة الخاطئة يكرر نفسه، في كل مرة، بنفس الأسباب ونفس النتائج ..إنه الحدث بين الماضي القائم "والمضارع المستمر" ..<br />
<br />
لقد أعلنت الوحدة بين اليمنين ـ الشمالي والجنوبي ـ بنفس الشكل الذي أعلنت فيه الوحدة بين القطرين ـ الشمالي والجنوبي، مصر وسوريا ـ، وفي الحالتين انتهت كما بدأت، غير أن النهاية رسمت في كل تجربة خطأ مغايراً لغيره، من حيث تطور الأحداث وتفاقمها، وبعيداً عن خلفيات الوحدة اليمنية والملابسات التي أجهضتها في النهاية، وكلنا نعرفها الآن، فإن الوحدة المصرية ـ السورية، وطريقة إجهاضها تحتاج أكثر للتذكر، ليتأكد لنا أن الوحدة لا تتم بمعزل من الشعوب ولا تفصم بمعزل عن الشعوب (مـا هو الفارق بين علي صالح، وحيدر الكزيري؟) وإنما لابد وأن تتم بوعي الشعوب الذي لابد وأن يسبقه التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الدستوري ..<br />
وهذه بدهية تحمل لنا مشهدين اثنين: الأول في وحدة اليوم، والآخر في وحدة الأمس؛ الأول تمثل في رفض أن تكون سوريا الأمس هي (يمن اليوم)، والآخر تمثل في رفض الزعيم العربي اليوم ألا تكون سوريا الأمس هي يمن اليوم، إن اليمن الجنوبي الآن نراها: مستشفيات تكتظ بالجرحى، وتحتاج إلى أطباء، وأدوية، وبيوت تحترق ومدارس ومباني تهدم، ومياه تنقطع، وأوبئة تنتشر، والقصف حتى في المستشفيات والمطارات لا ينقطع، الصواريخ تحط يومياً على أحياء كالمنصورة والقاهرة والشيخ عثمان، ويمتد المشهد ليحمل يومياً الدمار لمحطات توليد الكهرباء وحرائق وانفجارات وقتلى وجرحى ودمــار، ويظهر في الصورة علي صالح ليختفي ويحل محله بسرعة متشددين عسكريين يساندهم تجمع من النواب يرفض وقف إطلاق النار أو وساطة عربية أو غربية، وتستمر المذبحة في عدن وحضرموت والمطار الرئيسي والمكلا..إلخ.<br />
<br />
ونبتعد قليلاً عن المشهد المعاصر، لنعود إلى مشهد الأمس يعلن في سوريا الانفصال، فيغضب عبد الناصر ويرفض ويصيح في إذاعة القاهرة (.. واجب أن نمنع هذه الجريمة)، وعلى الفور تصدر أوامر عبد الناصر لإرسال قوات إلى سوريا للقضاء على الحركة الانفصالية، ولكن يدرك فجأة أن ما يمكن أن يحدث يمكن أن يكون ضد الوحدة نفسها، ولنترك لعبد الناصر يقول في اليوم التالي للانفصال (29 سبتمبر) '''بحكمة وحنكة شديدتين:'''<br />
<br />
(أصدرت الأوامر بنقل لوائين من المظلات إلى اللاذقية .. أُصدرت الأوامر إلى القوات البحرية لتتحرك .. وأصدرت الأوامر بمصادرة كل سفننا واستخدامها في نقل القوات / وكان الموقف يستدعي التفكير .. هل يُسفك دم العربي بالعربي؟ فأصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بأن تعود جميع الطائرات التي كانت متجهة إلى اللاذقية .. أما الآخرين أدّيْنا لهم أمر بالرجوع .. وأصدرت الأوامر للقوات التي نزلت اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة وبأن تقدم نفسها وتسلم نفسها..)<br />
<br />
قال عبد الناصر بعد ذلك بقليل أن الوحدة يجب أن تكون اقتصادية أولاً، وثقافية، أولاً، قبل أن تكون عسكرية أو (دستورية .. وأدرك أن التعامل مع الانفصال بالعنف يمكن أن يكون ضد فكرة القومية العربية في ذاتها.<br />
<br />
ونعود إلى المشهد المعاصر لنكتشف أنه مقطوع الصلة بمشهد الأمس، ونكتشف أن العالم تغير، ولكننا لم نتغير قط، تفكك الاتحاد السوفيتي بفعل الحرص على الوحدة (بالعنف)، وتوحدت القارة الأوروبية بفعل الحرص على الوحدة (بالفكر)، الأو استخدم السلاح والآخر (الاقتصاد)، الأو جنى سوء فهمه للواقع، والآخر سيجني ثمار فطنته في الواقع .<br />
<br />
أعلم أن العالم تغير حولنا، لكن أعلم أيضاً أننا لم نتغير بعد بدليل أننا نعرف، ونعيش، مازلنا في "المضارع المستمر".<br />
<br />
إذا ذهبت لزيارة السد العالي، وتوقفت أمام تمثال ضخم لزهرة اللوتس، ونظرت إلى الجزء الأعلى فيه ستجد شيئاً مروعاً، ثمة حفر أسود لصورة جمال عبد الناصر باللون الأسود وقد أعيد الحفر عليها بلون أسود قان صورة الرئيس السادات تسأل ولا تعرف، وإذا عرفت لا تفهم .. وإذا فهمت فلابد لك من أن تكون قد عدت إلى الشمال قليلاً، لمدينة طيبة (الأقصر) وتتجول بين جدرانها ومعابدها ومقابرها البحرية لابد لك من أن تتوقف عند طريق الكباش بمعبد الكرنك، وتعرف ـ والعهدة على الحفر والخراب ـ أن رمسيس الثاني قد اغتصب الكباش من ملك قبله يرجح أنه حور محب الذي شيد البيلون الثاني الذي ينتهي به طريق الكباش الأصلي.<br />
<br />
فيما بعد، نعرف أيضاً، أن كاهناً جاء جاء ومحـا بدوره ـ طمعاً في السلطة المجد ـ اسم رمسيس الثاني من على الكباش ونقش اسمه بدلاً منه ولا تكون في حاجة شديدة لتدرك أن رؤوس الكباش القائمة أعلى رقبة الحيوان انتزعت من مكانها رأس آخر لملك آخر يحمل سمات أخرى تنتقل في كثير من المعابد أو بين القصور القديمة، لتدرك، أن حتشبسون أممت ما قبلها من الآثار، ومحت الكثير من أسمائها، واستبدلت به اسمها وأمجادها تعود إلى معبد الأقصر، تمر فيه، فتجد على اليمين هيكلاً شيدته حتشبسوت وأمامه صف من الأعمدة الرشيقة من الجرانيت الوردي يمثل كل عمود منها حزمة من سيقان البردي تمضي قليلاً لتكتشف ـ أيضاً ـ أن تحتمس الثالث قد محى اسم حتشبسوت من على الأعمدة وسجل اسمه بدلاً منها تحدق أكثر، فتكتشف أن رمسيس الثاني، نفسه، بقوته وجبروته، لم يتردد في محو اسم حتشبسوت ليضع اسمه هو مكانها فإذا مضيت إلى الجدار الشرقي قليلاً، ستجد خرطوشة منقوشة باسم حور محب الذي اغتصب البهو باسمه، فقد كان نفس البهو هو الذي يقدم فيه الملك رمسيس الثاني البخور والقرابين المقدسة.<br />
<br />
ثم جاء أمنحتب الثالث ليسطو ويدمر ويمحو آثار الجميع.<br />
<br />
هدم هيكل أبيه!!.<br />
<br />
ثم هدم هيكل تحتمس الثاني!!.<br />
<br />
كما هدم معبد حتشبسوت!!.<br />
<br />
واستخدم آثار كل هؤلاء لبناء معابده وقصوره .. إلخ.<br />
<br />
ثم يجيء الابن إخناتون، ليدمر الكثير، ويمحو الكثير، ونستطيع أن نميز ببساطة في معبد الكرنك كيف أحدث إخناتون ـ او رجاله ـ كشطاً لعديد من أسماء آمون من داخل الخراطيش الملكية .. ثم يجيء كهنة آمون ـ فيما بعد ـ ليقوموا تحت إمرة زوج ابنته بمحو الكثير من آثار الشاب الذي يدعو لإله جديد وتقاليد جديدة ..<br />
وتتوالى سور المحو أو الحفر أو التخريب في كل العصور الفرعونية حتى يجيء أبسماتيك الثاني في نهايات العصر الفرعوني ليمحو الكثير من آثار الملوك السابقين، ويسجل اسمه هو، وتتوالى موجات الغزاة والملوك حتى ليعجب المرء أن يجد في معبد واحد (هو معبد الأقصر) آثار تخريب أو استبدال لكثير من الملوك بدءاً من ملوك الأسر الأولى إلى حرائق الفرس، وتماثيل الإسكندر الأكبر المحفورة، وأشكال بطليموس الرابع المفروضة، وتتوالى آثار من كنيسة وجامع و.. إلخ.<br />
<br />
وتعود إلى الرمز الزهري المنصوب أمامك لتجد الحفر على زهرة اللوتس أمامك يتكرر، وكأنه يريد أن يمحو عصر عبد الناصر.<br />
<br />
ونعود غلى سؤال يلح عليك: ماذا تبقى من جمال عبد الناصر ؟<br />
<br />
ليس الشاهد بالقطع؛ وإنما "المشروع" .. المشروع الوطني.<br />
<br />
====حين يتحول المهادن إلى بطل====<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير!! .<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير لموقف فتحي غانم الغاضب من ثورة يوليو حتى نرى في كتابه الذي صدر نقداً موضوعياً لثورة يوليو ولزعيمها الراحل في مثل هذه الأيام من ربع قرن، وإنما هي طبيعة المثقف المصري، الذي يتحول فيه إلى (نمط) معين من أنماط المثقفين، وهو نمط يتغير دوماً ـ لدى الأغلبية ـ من عصر لعصر، وفي كل مرة يحاول المثقف القفز من عقدة الذنب إلى تبريرها، وفي ؟؟ هذا التبرير كثيراً ما يغير الأحداث ويبدل الزوارق، ويتحول المثقف المهادن إلى (بطل) في زمن آخر.<br />
<br />
وليس هذا وقفاً على كاتب كبير مثل فتحي غانم في كتابه (معركة بين الدولة والمثقفين)، وإنما ـ أيضاً ـ على عدد كبير من المثقفين الذين كانوا نجوماً في عصر عبد الناصر، حتى إذا ما انقضت السنوات بعد رحيله، وخفت نجم الزعيم وقوته ودولته حتى عادوا ليملئوا عن بطولاتهم ومصادرهم ومواقفهم الشجاعة.<br />
<br />
إنهم يحاربون طواحين الماضي بسيف "دون كيشوتي"، في غيبة رموز هذا الماضي ومصادر قوته.<br />
<br />
ومما يؤكدعلى هذا في حالتنا أن فتحي غانم هو يحاول إعادة تركيب الأحداث (كما يريد) لا يجد وثائق أو مواقف محددة يستطيع التدليل بها، فيقع في محظور الخلط، وتصبح حالة إنتاج الذاكرة تزييفاً لوقائع في غيبة أصحابها أو شاهدي العيان عليها والأخطر من هذا كله، أنها تكتب لأجيال جديدة لم تعرف هذا العصر، ولم تختبر فيه طبيعة النمط أو ذاك من أنماط مثقفينا التي تغيرت وتبدلت كثيراً.<br />
<br />
إن الكاتب لا يتوقف عن سرد أحداث ـ كأنه عاشها وحده ـ مبرراً كثيراً من المواقف ـ نشرت لأول مرة في جريدة أسبوعية لقارئ محدد ومتعجل ـ، مستغرقاً في الحكي عن حالات التعذيب المريعة، بالتعميم، ودون مسئولية لإحداثها قط، كما يزعم أن له دور بطولي اقتضاه أن يحكي عنه الآن، كذلك يزعم أن الأمن كان أقوى من الثقافة والمثقفين، وهو زعم، لا ننكره ـ ولكنه يجيء هنا في معرض تبرير مواقف المثقفين وحسب.<br />
<br />
وهو بعد ذلك كله، يزعم أنه شهد عدداً من الأحداث كان بريئاً منها، وفي أحسن الحالات لم يأخذ غير دور المتفرج فقط، وعلى سبيل المثال، فإن المثال الأخير يتوقف بنا حينما قرر عبد الناصر تأميم الصحافة أو السيطرة الكاملة على الصحافة).<br />
<br />
ويزعم فتحي غانم هنا أن هذا القرار ـ قرار تأميم وتنظيم الصحافة ـ كان مفاجأة بالنسبة له، متجاهلاً وإنه كان أحد رجالات العصر، عرف كثيراً من الأحداث أو الرارات قبل وقوعها، ببساطة ـ ليقوم بدور الممهد والمبرر لكثير منها، وفي حالة تأميم الصحافة، فقد ذكر أنه عرف موجات التأميم الكبرى من علي صبري، وفي الوقت نفسه يزعم ـ لا نعلم كيف ؟ ـ أنه لم يكن لديه أي تصور لما حدث من تأميم الصحافة في 24 مايو 1960 حين قرر عبد الناصر تأميم الصحافة.<br />
<br />
إن صاحب (الرجل الذي فقد ظله) يرسم لنا صورة كيف استدعاه مساعد سامي شرف صباح هذا الحادث وذلك أثناء تناوله لفطوره (الليدو) بنادي الجزيرة (!!) ويبلغه، بشكل درامي، أراد أن يضيف إليه مشاهد من الإرهاب ـ كيف تقرر حضوره لاجتماع قرره عبد الناصر، مع بقية الصحفيين.<br />
<br />
ويزعم هنا الكاتب الكبير أنه أسرع إلى الاجتماع المفاجئ، وكأنه أراد أن يقول لنا أنه لم يكن ليعلم بالسبب الذي استدعي من اجله، وكأنه أراد أن ينسينا أنه كان أحد الأدوات التي استعان به النظام ممهداً لقرار التأميم.<br />
<br />
والواقع أن فتحي غانم كان قد عرف اتجاه الريح مبكراً من علي صبري ـ أو من غيره ـ. بل كان عليماً بالمقالات التي يكتبها علي صبري في ذلك الوقت بإيحاء من السلطة العليا لتغيير كثير من المواقف والأحداث، ولا نغالي إذا قلنا أن فتحي غانم كان مهيئاً مع غيره من السادة المسئولين الكبار ليلعب دوره المنتظر منه ليمهد لقرار عبد الناصر لتأميم الصحافة.<br />
<br />
ويبدو أن عدداً ليس بالقليل من رؤساء التحرير في ذلك الوقت كانوا قد عقدوا صفقة خفية بينهم وبين النظام خاصة، ليلعبوا دوراً في التمهيد لهذا القرار. بدليل أن رؤساء التحرير بعد تنظيم الصحافة الذي أجري في المرة الأولى أثناء وجود الاتحاد القومي ظلت أسماؤهم في مقدمة الأسماء التي حصلت على أكبر قدر من النفوذ في صحفهم، ولم ينتقص من نفوذها السابق شيئاً، ومن هؤلاء ظل إحسان عبد القدوس في روز اليوسف مضافاً إليه فتحي غانم كما هو.<br />
<br />
ولا يعني هذا أن كل المثقفين شاركوا مبكراً في التمهيد لهذا القرار، وإنما كان السبب لدى البعض ـ كإحسان عبد القدوس ـ ظروف مادية اضطر إليها فطفق يدعو إلى التأميم، لكن ذلك لم يكن بمعزل عن التنبه إلى اتجاه الريح، غير أن هذا التنبه لما تريده السلطة دفع بالبعض أن يدعو إلى تأميم السلطة فيكون ملكياً أكثر من الملكيين، حتى أن عبد الناصر ـ كما أكد لي إحسان عبد القدوس ـ أخذ مقالة لإحسان ووقع عليها أمر بالتأميم بما يدل للعلاقة بين المثقف والسلطة وطبيعتها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ويتسق مع هذا الكثير من مواقف المثقفين الآخرين وفي مقدمتهم فتحي غانم نفسه.<br />
<br />
لا يعني هذا أننا ندافع عن قبضة الأمن في الفترة الناصرية، ولكننا لا ندافع عن تخاذل كثير من المثقفين الذين أصبحوا في موقف المهادنين والمؤيدين بدون تردد، متنقلين بين المكاتب الفاخرة والمناصب العالية، والنوادي التي كانت ماتزال مفتوحة لأولاد الباشوات والطبقة السوبر الجديدة.. إلخ.<br />
<br />
ومن أجل هذا ارتاح عديد من المثقفين إلى توجهات النظام وتأييده بشكل مسرف، تحول إلى شكل آخر ـ في نظام آخر ـ إذ أصبحنا الآن أمام من يزعم أن هناك معركة كانت تدار بين الدولة والمثقفين (لاحظ الإجمال في التحدث عن المثقفين)، وأن هؤلاء المثقفين، خاصة من كان منهم في مناصب رفيعة، واضطروا تحت الضغط الديكتاتوري إلى اتخذ مواقف لم يرضوا عنها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ينتهي كتاب فتحي غانم ولا نخلص من سؤال: هل كانت المعركة حقاً بين المثقفين (على إطلاقهم) والدولة؟<br />
أم كانت بين عدد من المثقفين حرصوا على مكاسبهم فهادنوا وعرفوا الصمت الجميل حتى إذا ما جاء زمن آخر نزعوا أقنعة التأييد إلى أقنعة البطولة، ورجعوا إلى حيث يريد المثقف أن يكون دائماً؟ ..<br />
<br />
أسئلة لا تحتاج للإجابة عنها ..كما لا تحتاج إلى الواقع ليتحول هذا المثقف من المهادن؟ بعد الفترة الناصرية إلى أبطال..؟ أليس كذلك؟<br />
<br />
الولاء .. نموذج أخطاء كثيرة نقرأها كل يوم، ونعرفها وهي تمضي فوقنا، كالسحاب، دون أن نأبه غن كان هذا السحاب قد يمطر، أم أنه من قبيل السراب الذي يتشوف إليه الساري في الصحراء.<br />
<br />
من هذه الأخطاء ما زعمه لنا أحد الزملاء (غير المحترمين) في كتاب صدر أخيراً عن دار بالقدس المحتلة، وهاجم فيه أغلب الصحفيين المصريين، ولم ينس، في صحيفة الدفاع عن الحقيقة، أن ينال من صديقه الوحيد الذي دافع عنه أثناء ذهابه إلى القدس في نهاية الستينيات، لقد قال عن أحمد بهاء الدين بالحرف الواحد أنه (هاجم الناصرية لحساب السادات بعد موت عبد الناصر) جاء هذا في معرض نقد كل المثفين المصريين.<br />
<br />
فهل فعل المثقف هذا؟ ، وهل هاجم بهاء الدين عبد الناصر بعد رحيله؟<br />
<br />
وكيلا تكون إجابتنا من قبيل الدفاع وحسب، فإننا نشدد هنا على أمرين اثنين، أحدهما، أن عددا كبيراً من الصحفيين المصريين الذين عاشوا في عهد عبد الانصر و(أكلوا خبزه) ارتدوا بالفعل بعد رحيله منهم توفيق الحكيم ويوسف إدريس وصالح جودت وفكري أباظة وإبراهيم الورداني وممدوح رضا وفتحي غانم .. إلخ غير أن الواقع اختلف بالنسبة إلى أحمد بهاء الدين ـ وهنا يبدأ الأمر الآخر ـ أن بهاء لم يكن هو المثقف الذي يؤيد ثم يرتد، بل نستطيع القول بأن بهاء ظل، وحتى مرضه الأخير ـ شفاه الله ـ يدافع عن عبد الناصر، ولم يعرف عنه هجوماً على الزعيم رغم ما كلفه هذا كثيراً، حين كان الهجوم شجاعة وتصفية حسابات إبان حكم السادات.<br />
<br />
وأقصى ما نستطيع قوله أن بهاء كان مسايراً لنظام عبد الناصر دون خوف وإنما عن اقتناع تام مؤداه أن ثورة الزعيم شهدت ـ منذ سنواتها الأولى ـ إنجازات ثورية (لنذكر: إلغاء الألقاب، التحول إلى الجمهورية، محرابة الفساد والسعي للتطهير، تمليك الفلاحين للأرض باسم الإصلاح الزراعي، مؤتمر باندونج، الموقف الوطني إزاء الغرب، صفقة السلاح، رفع راية الكرامة القومية، صمود 1956، اتحاد مصر وسوريا، ازدهار القومية العربية، تأميم قناة السويس، بدء مشروعات التصنيع..إلخ) والمعروف أن بهاء شارك ـ بالفعل ـ في النظام فسافر في اللجنة المصرية للتضامن الآسيوي – الأفريقي لتساهم مصر في حركة التحرر الوطني في قارتي أفريقيا وآسيا عام 1957 ليمثل مصر في تهنئة نكروما بانتصارات أفريقيا، بل كان من أول الصحفيين الذين سافروا إلى سوريا إبان الوحدة، وأكثرهم نشاطاً مطوفاً في سوريا من حمص إلى حماه إلى حلب إلى جبل العرب (الدروز) إلى الحسكة. إلى غير ذلك من الجهود التي ام بها ـ عن طيب خاطر وناعة ـ وسافر إلى أكرا بعد سنتين، ليمثل النظام. بل كان أكثر الكُتَّاب دفاعاً عن عبد الناصر بعد هزيمة 1967 وتأكيداً للمعركة إبان مظاهرات الطلبة واستنكار الأحكام الهزيلة على المسئولين وغياب الديموقراطية .. نستطيع أن نقول أن ذلك كان من قبيل الدفاع عن عبد الانصر، رغم أن هذا البيان في هذا الوقت أغضب عبد الناصر نفسه، فقد كان الزعيم يتخوف من أي مظاهرات أو لجاجات؟؟ نقابية في وقت كان يتأهب فيه لإعادة النظام لمواجهة إسرائيل من جديد.<br />
<br />
والواقع أن ذلك كله لا يكفي للدفاع عن بهاء (يهمنا الدفاع عن الحقيقة أولاً) وربما كان مسئولاً عنه لدى البعض أن بهاء ذهب في تأييد النظام إلى درجة أنه رأى النظام لم يقبض على صاحب رأي، وأن من قبض عليهم كانوا (كوادر) تنظيمية أو حزبية.<br />
<br />
كان بهاء الدين يرى أن الذين يقبض عليهم في عصر عبد الناصر كانوا من ذوي الانتماء التنظيمي وكان الانتماء الصحفي غير الانتماء التنظيمي.<br />
<br />
بيد أن هذا القول مردود عليه أن النظام في أكثر من مرة دفع ببعض أصحاب الرأي في السجون دون أن يكونوا من ذوي الانتماء السياسي، إذ كان (الولاء) أكثرما يحرص عليه من أصحاب الثقة، وهي أخطاء يمكن أن تذوب في إنجازات الثورة الوطنية التي ارتكبت من الأخطاء في مرحلة (التجربة) مما لا يمكن أن يحول كل إنجازاتها إلى سلبيات.<br />
<br />
كان بهاء مسايراً للنظام، نعم، ولكن ليس عن مهادنة، وإنما عن اقتناع ولم يكن من أصحاب (مسك العصا من النص) قط، ففي معرض التفسير النفسي لبهاء يمكن القول أنه كان ذا طبيعة هادئة تقترب من الانطواء، وتقتنع بما تراه صواباً، وهو ما حدث من تأييده للثورة في سنوات الانتصارات، أما حين أصبحت الهزيمة واقعاً عقب هزيمة 1967، فإن الطبيعة الهادئة يمكن أن تتحول إلى تمرد، قام به بهاء الدين من داخل (نقابة الصحفيين) وكان مستعداً لتقبل نتائجه كاملاً.<br />
<br />
إذن، فإن بهاء الدين حين أيد عبد الناصر عام 1967 كان صادقاً مع نفسه، وحين هاجمه عام 1968 كان صادقاً مع نفسه أيضاً، فتكوين بهاء هو المسئول عن المواقف التي اتخذها، مما ينفي عنه تهمة الهجوم على عبد الناصر بعد رحيله كما يزعم أحد الزملاء المحترمين.<br />
<br />
==القسم الثاني: وثائق==<br />
<br />
===قاعة اجتماعات===<br />
<br />
مسرح في القاهرة<br />
<br />
'''دور سينما في القاهرة:'''<br />
<br />
- استديو مصر يبني دار سينما في القاهرة ـ أو أكثر.<br />
<br />
- استديو مصر يقوم بالإنتاج والتوزيع في مصر وجميع أنحاء العالم.<br />
<br />
- بحث حالة استوديو مصر كلها ـ خطة استوديو مصر لخمس نوات.<br />
<br />
'''- خطة لكل شركة في المؤسسة الاقتصادية:'''<br />
<br />
بنك مصر.<br />
<br />
الخمس سنوات.<br />
<br />
المصناع الحربية.<br />
<br />
بالإضافة إلى خطة لكل منها: للمؤسة ـ لبنك مصر ـ للخمس سنوات ـ للمصانع الحربية بالنسبة للمشروعات الجديدة.<br />
<br />
'''مشروع الخمس سنوات :'''<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الصناعي.<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الزراعي.<br />
<br />
- الزيادة في الرقعة الزراعية.<br />
<br />
- الزيادة في الدخل القومي.<br />
<br />
- الزيادة في السكان.<br />
<br />
- الزيادة في التصدير.<br />
<br />
وزارة الشئون البلدية والقروية :<br />
<br />
1- الإسكان وبرامجه – في المدن.<br />
<br />
2- الإسكان وبرامجه – في الريف.<br />
<br />
3- الاهتمام بالقاهرة حتى القناطر الخيرية، وحتى حلوان من ناحية نظافة الأحياء الفقيرة.<br />
<br />
ولو دعي الأمر إلى زيادة عمال النظافة وتقسيمها إلى أقسام أو مناطق ومتابعة المسئوليات.<br />
<br />
- الاهتمام بحلوان وإنعاس حقيقة الحياة فيها ـ إنعاش الجزء القريب من النيل <br />
<br />
ـ عمل كورنيش ومساكن – المياه المعدنية استخدامها على طريقة سوتش في روسيا <br />
<br />
– بحث حالة المنطقة من القاهرة إلى حلوان ـ المعصرة ـ طرة .. إلخ ـ نقل السجن والاستفادة من المنطقة بحي المعادي أو عمل مؤسسة جديدة لمنطقة ـ طره ـ لتخطيطها ... إلخ. ومن المنطقة من طره إلى حلوان .. من النيل إلى الجبل.<br />
<br />
- بحث حالة المنطقة من شبرا إلى القناطر على النيل ـ كوبري شبرا، سوق القناطر سينقل ويصلح الطريق إلى القناطر.<br />
<br />
- حالة العزب من القبة إلى كوبري شبرا:<br />
<br />
نادي – استاد رياضي.<br />
<br />
مبنى الاتحاد القومي ـ الاهتمام بنظافة عواصم المراكز ـ لا مانع من زيادة عمال النظافة ـ هذا يزيد عدد العمال ـ أدكو مثلا في منتهى القذارة – رشيد – أبو قير – قليوب ... إلخ.<br />
<br />
- دراسة مشروع Community Center بالهند.<br />
<br />
بحث فكرة فصل الشئون البلدية عن الشئون القروية.<br />
<br />
الشئون البلدية للمدن فقط.<br />
<br />
الشئون القروية تشمل كل ما يتعلق بالقروية.<br />
<br />
- Community Center.<br />
<br />
- الوحدات المجمعة.<br />
<br />
- كل ما يختص بالقرية في وزارة الشئون الاجتماعية والشئون القروية.<br />
<br />
دار للسينما لتكون مسرح.<br />
<br />
===القرى ===<br />
<br />
- مشروع لإعادة بناء القرى في عشرين عاماً.<br />
<br />
- البدء بالقرى المحيطة بالقاهرة ـ والمحيطة بالإسكندرية ـ وأسوان ـ الأقصر. يمكن إعطاء القرى إعانة لذلك من الحكومة.<br />
<br />
- مسكن القرية ـ كيف يتكون على أن يكون أرخص ما يمكن.<br />
<br />
- مشروع لتوصيل الكهرباء إلى القرى كل قرية قريبة من مصدر كهرباء تصلها الكهرباء.<br />
<br />
- نظافة القرية.<br />
<br />
- ساحة شعبية بالقرية.<br />
<br />
- مبنى للاتحاد القومي.<br />
<br />
- ناد للقرية.<br />
<br />
- سينما للقرية في القرى الكبيرة.<br />
<br />
- الاعتماد على المدارس في القرية لتكون نواة للنشاط الثقافي ودار للكتب وجامعة شعبية ومتحف.<br />
وكذلك الاعتماد على الوحدات المجمعة.<br />
<br />
===التأمين الصحي وبحثه ودراسته ===<br />
<br />
عام: بحث علاقة وزارة الشئون البلدية أو المجال البلدية بالمستشفيات العامة.<br />
<br />
===آسيا وأفريقيا ===<br />
<br />
- يجب الاهتمام بآسيا وأفريقيا من ناحيتين:<br />
<br />
أ- التضامن الآسيوي الأفريقي.<br />
<br />
ب- الاستفادة من العناصر الإسلامية في بلاد آسيا وأفريقيا بطريقة غير مثيرة للأديان الأخرى.<br />
<br />
- مكتب لآسيا وأفريقيا في رئاسة الجمهورية يبحث كيفية توثيق العلاقات مع الحكومات والشعوب ـ القوة العفوية؛ أي التأييد الشعبي لنا، ويبحث التبادل التجاري والثقافي مع دول آيا وأفريقيا - ويفتح سياستنا بالنسبة للإذاعة ويتصل اتصالات شخصية.<br />
<br />
===أما الناحية الإسلامية===<br />
<br />
- الاتصال بجمعية العلماء بالهند.<br />
<br />
- الاتصال بالجمعيات الإسلامية الأخرى، والشخصيات الإسلامية ودعوتها لزيارة الجمهورية العربية.<br />
<br />
- واستمرار إرسال مناوبين من طرفنا لزيارة هذه البلاد من الفكر الإسلامي أو الأزهر أو الشبان المسلمين.<br />
<br />
===الأزهــــــر ===<br />
<br />
- يجب إعادة النظر في برامج الأزهر بسرعة. وقد لمست في جامعة .... كيف تحولت إلى جامعة بها كليات مختلفة لدراسة الهندسة وعلم النفس، ويمكن أن تنشأ في الأزهر كليات جديدة للهندسة والعلوم والتجارة والحقوق ـ يقتضي الدخول فيها على من درس في الأزهر ـ والمسلمين من جميع أنحاء العالم على أن يكون بها أيضاً كليات للشريعة الإسلامية والفقه واللغة العربية واللغات الشرقية.<br />
<br />
حيث أن الأزهر فقد قيمته كلية في العالم إذ أن أي شخص سيتعلم في الأزهر لا يعمل إلا مقرئاً ولا يجد أي عمل آخر.<br />
<br />
- يمكن أن تشمل الدراسة في الهندسة الديانة الإسلامية بجانب الهندسة.<br />
<br />
والديانة الإسلامية بجانب العلوم ـ وهذا يستدعي أن تتشعب البرامج في الدراسة الابتدائية والثانوية بالأزهر لتكون مشابهة للدراسة في المدراس الابتدائية والثانوية العادية مع دراسة الدين الإسلامي بالتفصيل واعتباره علماً أساسياً.<br />
<br />
- كذلك بالنبة للملابس ـ هناك نقطة هامة وهي أن لبس المشايخ يدعو في آسيا للخرية وقال سفيرنا في إندونيسيا أن هذا اللبس يدعو غلى شل كل فكره؛ لأن الأطفال يسيرون خلف الشيخ على أنه مخة ـ فيجب بحث فكرة لبس جديد. بدله وعليها تكون مثلا ..........<br />
<br />
'''- ويجب أن يتم علاج الأزهر في أسرع وقت:'''<br />
<br />
شيخ الجامع الأزهر.<br />
<br />
مدير الجامعة الأزهرية.<br />
<br />
على أن يبدأ تطبيق البرامج الجديدة من أول العام القادم.<br />
<br />
ويجب أن نلاحظ أن مدرسة البابا لا تقتصر على تدريس الدين فقط، بل تحاول بكل وسيلة جذب الناس.<br />
<br />
- زراعة أكبر مساحة من الحدائق والأشجار.<br />
<br />
- زراعة منطقة الدراسة وجبل المقطم وباب الوزير.<br />
<br />
===الإسكندرية===<br />
<br />
الأحياء الشعبية – الأنفوشي – رأس التين – غيط العنب – كرموز - ... إلخ – الإسكان ـ متحف فرعوني كبير للتحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المديريات ===<br />
<br />
- الاهتمام بتجميلها ـ حدائق ـ كورنيش النيل ـ إسكان ـ حديقة الحيوانات تبدأ في حديقة كبيرة.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
- سينما درجة أولى تصلح مسرح.<br />
<br />
- الاهتمام بتخطيط المدينة.<br />
<br />
- متحف توضع فيه التحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المراكز ===<br />
<br />
- يجب أن تدخلها الكهرباء جمعاً، يجب أن تخطط المدينة.<br />
<br />
- الاهتمام بالحدائق – كورنيش إذا كانت على النيل.<br />
<br />
- الإسكان.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
===جمعيات الصداقة===<br />
<br />
لاحظت في الهند أثر جمعيات الصداقة في توثيق العلاقات، وفي نفس الوقت في التنظيم الداخلي إذ أن هذه الجمعيات سواء كانت للصداقة أو لأغرض أخرى فإنها تخدم السياسة الخارجية للهند:<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الهندية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الهندية الإفريقية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الأسيوية الأفريقية ... إلخ.<br />
<br />
ويجب أن نعتمد على الكتب من اتصالاتنا على جمعيات الصداقة سواء في بلدنا أو في البلاد الأخرى ـ حيث أن حرية العمل تكون مفتوحة أمامها ـ على أن تكون لهذه الجمعيات شخصية ـ وتضم عدداً من الأعضاء ـ على أن يكون للرئيس شخصية تمكنه من العمل. أما الوزراء فليس عندهم الوقت الكافي لذلك.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الهندية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الباكتسانية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الإندونيسية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية يلان.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الملايو.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الصين.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية بورما.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية كمبوديا.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية اليابانية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الفلبين.<br />
<br />
وتقوم جمعيات الصداقة بالعمل بالاتفاق مع سفراؤنا في هذه البلاد على تكوين جمعيات صداقات عربية فيها، ولا مانع من أن تكون الجمعية العربية تجمع كل البلاد العربية.<br />
<br />
وتقوم أيضاً بدعوة الشخصيات المختلفة والصحفيين من هذه البلاد. واستضافتها ثم تقوم بتبادل الزيارات مع جمعيات الصداقة الأخرى.<br />
<br />
وتقوم عن طريق اتصالاتها بتعريف البلد بسياستنا ونشاطنا والعمل على تطوير بلدنا.<br />
<br />
ويمكن لكل هذ الجمعيات أن تنسق العمل بينها .<br />
<br />
وكذلك بالنسبة لإفريقيا .. جمعية الصداقة العربية غانا، غينيا، ليبيريا، الحبشة، الصومال، الكاميرون.<br />
ولا مانع من جمعيات مع الدول الأخرى التي تكافح في سبيل استقلالها.<br />
<br />
كذلك يبحث إنشاء جمعيات صداقة مع بعض الدول الأوروبية على أن تنشأ جمعيات صداقة في البلاد الأوروبية:<br />
<br />
جمعية ألمانية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية صداقة عربية في بون مثلا.<br />
<br />
جمعية عربية يونانية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية يونانية عربية في أثينا.<br />
<br />
جمعية عربية إيطالية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية إيطالية عربية في روما.<br />
<br />
كذلك بالنسبة لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.<br />
<br />
===الصناعة===<br />
<br />
كان أهم شيء لمسته أثناء زيارتي للهند هذا العام هو الاهتمام بالصناعات الصغيرة وتشجيعها، ولو كانت ذات رأس مال خاص، وذلك بتكوين مراكز صناعيةINDUSTRY ESTATE على أن تساعد الدولة أصحاب الصناعات الصغيرة إلى أبعد مدى ـ بناء العنابر اللازمة لكل صناعة بطريقة تجمع الصناعات الصغيرة ـ وإعطاء الأرض والبناء بتسهيلات ثم توفير الكهرباء والنقل والخدمات وفي المركز القري من دلهي وجدت صناعة الراديو في عنبر صغير، وكذلك صناعة التروس، والغسالات، والعجلات (البسكليت). وصناعات أخرى كثيرة ـ لعب الأطفال. <br />
<br />
كل صناعة في عنبر صغير – صناعة الموتورات – صناعة المحولات العوازل ... إلخ.<br />
<br />
وقد رأيت في أحد المراكز – في دلهي – أكثر من عشرين صناعة في هذا المركز، كل صناعة تعتمد على مبنى صغير.<br />
<br />
والشيء الآخر الذي لمسته هو الصناعات الريفية ـ والصناعات اليدوية، والاهتمام بها، ففي زيارتي لإحدى القرى لمست تنظيم الصناعات الريفية النسيج اليدوي - الحصر الناعمة – تفصيل الملابس ... إلخ.<br />
<br />
وفي زيارة للمدن فقد لمست أن في كل مدينة محل كبير في أهم مكان بها لبيع الصناعات اليدوية – شغل الفضة – شغل النحاس – شغل الخشب – شغل الإبرة – الملاب والمفارش – شغل الزجاج – لعب الأطفال ... إلخ.<br />
<br />
أما الناحية الأخرى فتمشل الصناعات المتوسطة والصناعات الثقيلة.<br />
<br />
وعند استعراض الصناعة في مصر وسوريا أجد أن الوضع مشوش. فنظراً للمبالغة في الدعاية والإعلان فإن أي مشروع يعتبر مشروعاً كبيراً، ومن الضرورى أن نقسم صناعاتنا إلى:<br />
<br />
صناعة ريفية، صناعة يدوية، صناعة صغيرة، صناعة متوسطة، صناعة ثقيلة كما أن تطبيق طريقة INDUSTRY ESTATE لها فائدة كبرى – إذ أن جمع الصناعات الصغيرة في مراكز مع إعطائها التسهيلات سيفيد الصناعة إذ أن الصناعة الصغيرة تحتاج إلى رأس مال صغير ويمكن لإنتاجها أن يكفي الاستهلاك المحلي والتصدير، وقد رأيت في مصنع البسكليت الصغير كيف أنهم يصدرون لمصر ـ كما رأيت مصنع لآلات الورش صغير ولكن إنتاجه جيد، ونحن نتكلم عن مصنع البسكليت منذ خمس سنوات بدون نتيجة.<br />
<br />
ما هي الصناعات الصغيرة اللازمة.<br />
<br />
يجب عمل خطة لإنشائها.<br />
<br />
يجب عمل عدة مراكز للصناعة الصغيرة، واحد في الاهرة، واحد في الإسماعيلية، وأي مكان مناسب آخر.<br />
<br />
لقد رأيت صناعة المسامير في غزنه صغيرة ـ وهذا مشروع سنتكلم عنه على إثر صناعة جديدة، وكذلك أدوات المائدة.... إلخ.<br />
<br />
وقد تكلمنا كثيراً بطريقة يضخم المشروع ـ رأيت أيضاً صناعة عربات السكة الحديد البضاعة والركوب.<br />
<br />
في الهند والباكستان ـ في الباكستان المصنع تابع للسكة الحديد.<br />
<br />
رأيت في الباكستان كيف أن مصنع عربات السكة الحديد يشمل أفران لصهر الحديد الخردة واستخدامه، والحديد الزهر.<br />
<br />
رأيت في الباكستان الترسانة، وكيف أنها تنتج بجانب السفن بوابات القناطر وبعض قطع الكراكات، ويمكن لترانة بورسعيد أن تنتج بوابات القناطر... إلخ.<br />
<br />
رأيت في الباكستان مصنع في لاهور ينتج آلات الورش ـ وماكينات الديزل للري والكهرباء ـ والخزن الحديدية – وماكينات الخياطة – ويصدر إلى الخارج بما في ذلك سوريا، وبحيث أن هذا المصنع به أيضاً أفران لصهر الحديد والخردة ومسابك.... إلخ.<br />
<br />
بالنسبة لصناعتنا يجب ألا نكون لأنفسنا صورة واحدة عن ما حققناه بدون مبالغة ثم نقرر بعد ذلك ما يمكن عمله.<br />
<br />
وأرى أن تقتصر وزارة الصناعة على التخطيط ومتابعة التنفيذ ولا تندمج في العمليات التنفيذية فهذا ما يدعو الآن إلى أن تكون الصورة مشوشة حيث أن وزارة الصناعة أصبحت طرفاً في منازعات ـ وواجب وزارة الصناعة أن تكون لها الولاية على الخاص والعام ـ ويجب أن تتساوى المؤسسات جميعاً أمام وزارة الصناعة، بمعنى أن مؤسسة بنك مصر تتساوى مع المؤسسة الاقتصادة ومع مؤسسات عبود ومؤسسة الخمس سنوات والمصانع الحربية.<br />
<br />
أما عن وجود وزارة الصناعة في تنفيذ مشروع الخمس سنوات فإن أثره واضح في المنازعات والمزايدات.<br />
<br />
'''المطلوب :'''<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي نفذت؟<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي أعلن عنها ولم تنفذ ـ بورسعيد.<br />
<br />
- الإقلال من التهويل والدعاية.<br />
<br />
- تقسيم الصناعات إلى ثقيلة ومتوسطة وصغيرة ـ وتجميع الصغيرة في INDUSTRY ESTATE. سواء تابعة للمؤسسة أو لبنك مصر، وذلك لإنتاج أكبر عدد من المنتجات برؤوس أموال صغيرة ـ ثم توزيع الصناعات المتوسطة والثقيلة على المؤسسات الحكومية أو الخاصة ـ على أن يكون لكل مؤسسة حكومية أو خاصة برنامج لخمس سنوات.<br />
<br />
أولاً: برنامج ينبى على أساسه مشروع الخمس سنوات، ثم برنامج نهائي لتنفيذ مشروع السنوات الخمس بعد إقراره ـ ويجب أن يشمل ذلك التجارة أو توزيع المنتجات وفتح أسواق جديدة ـ ويجب أن تصدر كل صناعة 10% من إنتاجها ولو دعي الأمر إلى إعطاء إعانة لها – فمثلا في الباكستان يستوردون كل عام حوالي 400 ألف طن PIC IRON ويمكن أن نفتح سوق هناك.<br />
<br />
كما يجب حصر الصناعات في بلدنا حصراً حقيقياً – على أساس الصناعة وعلى المحافظة – ويجب إعطاء أولوية لعمليات التوسع في الصناعات القائمة بدلا من تكوين شركات جديدة ذات رأس مال جديد.<br />
<br />
===مذكرة: " نظام الوصاية "===<br />
<br />
'''مجلس الدولة '''<br />
<br />
'''قسم الرأي مجتمعاً'''<br />
<br />
'''حضرة وكيل مجلس الدولة لقسمي الرأي والتشريع ومستشار الرأي لرياسة مجلس الوزراء وديواني المحاسبة والموظفين'''<br />
<br />
إيماءً إلى الكتاب الوارد إليكم من حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 30 من يوليو سنة 1952 يبلغكم أنه على أثر نزول الملك السابق عن العرش وتركه مظروفاً مختوماً بأسماء الأوصياء أصبح من المتعين حتى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم الدستورية أن يوافق البرلمان على تعيينهم وأن يؤدوا اليمين أمامـه في حين أن مجلس النواب منحل ويطلب منكم الرأي فيما إذا كان الدستور قد واجه هذه الحالة مثلما واجه حالة وفاة الملك في المادة 52 وإن كان لم يواجهها بحيث يتعين إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب فهل يمكن ـ تفسيراً للمادة التي يمارس فيها مجلس الوزراء سلطات الملك ـ التفكير في نظام لوصاية وقتية على العرش تنتقل إليها هذه السلطات.<br />
<br />
ولما رأيتم من عرض الأمر على قسم الرأي مجتمعاً ودعوتي لحضور اجتماعه بالنظر إلى أهمية المسائل المطلوب الرأي فيها قد عرضت طلب الرأي الوارد إليكم على القسم لنظره في جلسة خاصة مستعجلة عقدت يوم 31 من يوليو سنة 1952 وفيها انتهى القسم بإجماع تسعة أصوات ضد صوت واحد إلى ما يأتي:'''<br />
<br />
إذا تقصينا الأسباب التي تزول بها ولاية الملك، '''وجدناها تنحصر في أسباب ثلاثة:'''<br />
<br />
وفاة الملك، وإصابته بمرض عقلي، ونزوله على العرش أو تنحيته عنه.<br />
<br />
وقد عرض الدستور للسبب الأول، وهو وفاة الملك، في نص المادة 52 أنه "إثر وفاة الملك يجتمع المجلسان بحكم القانون في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفـاة. فإذا كان مجلس النواب منحلاً وكان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه". <br />
<br />
وعرض الأمر الملكي لصادر في 13 من إبريل سنة 1922 للسبب الثاني، وهو إصابة الملك بمرض عقلي. فتنص المادة 12 على أنه إذا تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي، فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يدعو البرلمان في الحال إلى الاجتماع. فإذا ثبت قيام ذلك المرض بطريقة قاطعة. قرر البرلمان انتهاء ولاية ملكه فتنتقل إلى صاحب الحق فيها من بعد بحسب أحكام أمرنا هذا. ولم يرد أي نص لا في الدستور ولا في الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 عن السبب الثالث وهو نزول الملك عن العرش.<br />
<br />
ولا يمكن القول بأن السكوت عن هذا السبب الأخير إنما هو سكوت من النادر اكتفاء بذكر الغالب فإن الدستور لم يسكن عن حالة خلو العرش بل نص عليها في المادتين 53 و 54 وفي حالة أكثر ندرة من حالة النزول عن العرش. ولا يمكن القول كذلك بأن هذا السكوت كان عن كياسة ولباقة. فالسكوت عن حالة النزول عن العرش لم يكن إذن مراعاة لأحد الاعتبارين السالفي الذكر. بل يرجع السكوت فيما يظهر إلى أن الدستور لم ير أن يعرض لنزول الملك عن العرش لأن هذا النزول يقع عادة أثر ثورة او انقلاب وليس من الحكمة تنظيم الثورة أو الانقلاب فلكل منهما ملابسات خاصة هي التي تسيطر عليه وتنظمه.<br />
<br />
فإذا ما تقرر أن حالة النزول عن العرش مسكوت عنها ولم يواجهها الدستور كما واجه حالة الوفاة. بقي البحث عنها ولم يواجهها الدستور كما واجه حالة الوفاة. بالرغم من أن لكل حالة من هاتين الحالتين ملابساتها ــ إذ النزول عن العرش أمر استثنائي يخرج عن الأوضاع المألوفة أما وفاة الملك فأمر طبيعي مألوف.<br />
<br />
إن الأحكام التي أوردها الدستور في حالة وفاة الملك فيما يتعلق بانعقاد البرلمان قسمان قسم يتفق مع أصول الدستور وقسم يعتبر استثناء من هذه الأصول.<br />
<br />
فقد أوجبت المادة 52 من الدستور أن يجتمع المجلسان بحكم القانون على أثر وفاة الملك في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفاة. وهذا الحكم يتفق مع أصل من أصول الدستور هو وجوب اجتماع البرلمان متى كان موجوداً عند وقوع حدث خطير. ومن ثم فلا مانع من قياس حالة النزول عن العرش على حالة الوفاة فيما هو أصل من أصول الدستور والقول بأن البرلمان متى كان موجوداُ بمجلسيه جب أن يجتمع في مدة عشرة أيام من تاريخ إعلان النزول عن العرش.<br />
<br />
ولكن المادة 52 لم تقتصر على هذا الحكم بل تضمنت حكماً آخر لا شك في أنه حكم استثنائي محض إذ أوجبت اجتماع البرلمان في نفس الميعاد لو كان مجلس النواب منحلاً متى كان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر. فيعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه. وعودة مجلس منحل إلى الوجود بتعارض مع طبائع الأشياء. ويخل بقاعدة عامة معروفة هي القاعدة التي تقضي بأن الساقط لا يعود. هذا إلى أن أصول الدستور المصري صريحة أن مجلس النواب لا يعود إلى العمل إذا انحل وإذا عاد فإن عودته إنما تكون في حالات استثنائية محضة ويكفي للتثبت من ذلك مقارنة المادة 114 من الدستور بالمادة 89. إذ تنص المادة 114 على أن "تجرى الانتخابات العامة لتجديد مجلس النواب في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة نيابته وفي حالة عدم إمكان إجراء الانتخابات في الميعاد المذكور فإن مدة نيابة المجلس القديم تمتد إلى حين الانتخابات المذكرة". وتنص المادة 89 على أن "الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين وعلى تحديد ميعاد لاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب". <br />
<br />
ويتضح من المقارنة بين هذين النصين أن حالة تجديد مجلس النواب تختلف عن حالة حله فيما إذا لم يمكن إجراء الانتخابات الجديدة في الميعاد الذي نص عليه الدستور. ففي حالة التجديد تمتد نيابة المجلس القدي إلى حين الميعاد الذي نص عليه الدستور الجديد. أما في حالة الحل فلم ينص الدستور على أن المجلس المنحل يعود إلى العمل. ومن ثم وجب القول بأن الأصل في الدستور المصري أن مجلس النواب إذا انحل فلا يجوز ان يبعث من جديد.<br />
<br />
ما لم يوجد نص خاص يقضي بعودته إلى العمل في حالة بذاتها فعند ذلك يعود المجلس المنحل في هذه الحالة المنصوص عليها بالذات دون غيرها من الحالات. وقد نص الدستور فعلا في حالتين اثنتين على أن مجلس النواب المنحل يعود إلى العمل هما حالة وفاة الملك في المادة 52 وحالة خلو العرش في المادة 54. فيجب قصر هذا الحكم الاستثنائي المحض على هاتين الحالتين. ولا يجوز إذن في حالة تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي أن يدعي مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع لأن المادة 12 من الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 لم تورد نصاً يقضي بعودة المجلس المنحل إلى العمل. ويترتب على ذلك أيضاً في حالة نزول الملك عن العرش أنه ما دام الدستور لم ينص على عودة المجلس المنحل إلى العمل بل ما دام لم يتعرض لهذه الحالة أصلا فلا يجوز أن يعود مجلس النواب إذا كان منحلاً إلى العمل، والقول بغير ذلك وبجواز عودة المجلس المنحل إلى العمل في حالة النزول عن العرش قياساً على حالتي الوفاة وخلو العرش قول غير جائز إذ القياس لا يكون على حكم استثنائي محض كما تقدم القول فالاستثناء لا يقاس عليه. بل أن القياس على الاستثناء هنا إنما هو إضافة لاستثناء آخر والإضافة على الدستور تنقيح فيه ولا يجوز تنقيح الدستور إلا بالطريق الذي نص عليه الدستور.<br />
<br />
أما تعيين الهيئة التي تمارس سلطات الملك الدستورية عقب نزول الملك عن العرش فلم يرد فيه نص دستوري إذ أن المادة 55 من الدستور التي تولى مجلس الوزراء هذه السلطات إلى أن يتولاها الخلف أو أوصياء العرش مقصورة على حالة الوفاة. ولكن هذا النص ليس إلا تطبيقاً لنظرية الضرورة. فالضرورة تحتم عقب وفاة الملك أن توجد هيئة تمارس سلطات الملك الدستورية إلى أن يتمكن من انتقلت إليه ولاية الملك أو أوصياؤه إذا كان قاصراً من استيفاء الشروط الدستورية الواجبة لممارسة هذه السلطات. وليس يوجد أصلح من مجلس الوزراء، الذي يتولى الملك سلطته. بواسطته كما تقضي المادة 48 من الدستور، تعيين هيئة تمارس هذه السلطات، ومن ثم نصت المادة 55 من الدستور على هذا الحكم كتطبيق لنظرية الضرورة كما تقدم القول. <br />
<br />
فإذا عرضت صورة أخرى من صور الضرورة، هي صورة نزول الملك عن العرش، أمكن تطبيق النظرية على النحو الذي طبقت به في الصورة الأولى. ومن ثم تكون ممارسة مجلس الوزراء لسلطات الملك الدستورية عقب نزول الملك عن العرش إنما هو تطبيق مباشر لنظرية الضرورة على النحو الذي طبقت به في المادة 55 من الدستور.<br />
<br />
لم يبق إذن ـ بعد أن تبين أنه لا تجوز دعوة مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع في حالة النزول عن العرش ـ إلا المبادرة إلى إجراء الانتخابات العامة بمجرد التمكن من إجراء هذه الانتخابات وأرادت أن تتخفف من السلطات الاستثنائية التي تمارسها في الوقت الحاضر فلا يبقى مجلس الوزراء يمارس سلطات الملك الدتورية إلا أقصر وقت ممكن، حصراً للضرورة في أضيق حدودها. فإنه لا يوجد مانع قانوني من إيجاد نظام لوصاية مؤقتة تنتقل إليها من مجلس الوزراء ممارسة سلطات الملك الدستورية إلى أن تتولى هيئة الوصاية الدائمة هذه السلطات.<br />
<br />
والسبيل إلى ذلك هو سن هذا النظام المؤقت عن طريق التشريع بمقتضى المادة 41 من الستور وإلحاق هذا النظام بنظام الوصاية الدائمة الوارد في الأمر الملكي الصادر في 13 منإبريل سنة 1922. ولا يعتبر هذ التشريع تعديلاً في الدتور لأنه غنما يستكمل أحكام الوصاية الدائمة. والدستور بمقتضى المادة 32 لم يلحق بنصوصه من أحكام الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل نة 1922 إلا الأحكام الخاصة بوراثة العرش أي انتقال ولاية الملك من سلف إلى خلف ولا يمكن اعتبار أحكام الوصاية الدائمة ولا أحكام الوصايا المؤقتة داخلة في هذا النطاق. فهي إذن أحكام قابلة للاستكمال والإضافة عن طريق التشريع العادي.<br />
<br />
ويمكن أن يتقرر نظام الوصاية المؤتة باستصدار تشريع يضيف إلى نصوص الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 نصاً جديداً يكون هو المادة 11 مكرراً '''ويجري على الوجه الآتي:'''<br />
<br />
"في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال ولاية الملك إلى خلف قاصر، يجوز لمجلس الوزراء، إذا كان مجلس النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة وصاية مؤقتة للعرش من ثلاثة يختارهم من بين الطبقات المنصوص عليها في المادة 10 تتوافر فيهم الشروط المبينة فيها".<br />
<br />
"وتتولى هيئة الوصاية المؤقتة، بعد أن حلف اليمين أمام مجلس الوزراء، سلطة الملك إلى أن تتولاها هيئة الوصاية الدائمة وفقاً لأحكام المواد الثلاث السابقة ولأحكام المادة 51 من الدستور".<br />
<br />
'''وتفضلوا بقبول وافر التحية'''<br />
<br />
'''أول أغسطس سنة 1952'''<br />
<br />
'''رئيس مجلس الدولة'''<br />
<br />
'''(عبد الرازق أحمد السنهوري)'''<br />
<br />
<br />
===خطاب وقرار التأميم===<br />
<br />
'''أممنا قناة السويس من أجل كرامتنا'''<br />
<br />
'''ألقي بالإسكندرية في 26 يوليو سنة 1956'''<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونقاتل للتخلص من آثار الماضي البغيض وآثار الاستعمار الذي استبد بنا قروناً طويلة .. وآثار الاستغلال الأجنبي والداخلي. ونحن نستقبل العيد الخامس أمضى قوة وأشد إيماناً، لقد اتحدنا وسرنا وكافحنا وقاتلنا وانتصرنا واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل. اليوم أيها المواطنون بعد سنوات أربع من الثورة نعتمد على الله وعلى عزيمتنا وعلى قوتنا من أجل تحديد الأهداف التي جاهد من أجلها الآباء. نتجه إلى المستقبل ونحن نشعر أننا سننتصر بعون انتصارات متتابعة، انتصارات متوالية، من أجل تثبيت العزة، ومن أجل إقامة دولة مستقلة استقلالاً حقيقياً لا استقلالاً زائفاً. استقلالاً سياسياً واستقلالاً اقتصادياً.<br />
<br />
حين نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته فليس من السهل أبداً أن نبني أنفسنا في وسط الأطماع الدولية والاستغلال الدولي والمؤامرات الدولية.<br />
<br />
أمامنا معارك طويلة لنعيش أحراراً كرماء أعزاء. واليوم وجدنا الفرصة ووضعنا أساس العزة والحرية والكرامة. من أجل حرية الإنسان ومن أجل رفاهية الإنسان ولابد أن نجد الفرصة لنشر هذه المبادئ. نقاوم الاستعمار، وأعوان الاستعمار أمامنا أيام طويلة مستمر من أجل كرامة هذا الوطن هذه المعارك لم تنته ولن تنتهي. ويجب أن نكون على حذر وحيطة من ألاعيب المستعمرين وأعوان المستعمرين.<br />
<br />
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا وأن يضعف عروبتنا وأن يفرق بيننا فخلق صنيعة الاستعمار. ففي اليومين الماضيين استشهد اثنان من أحلص أبناء مصر انكرا ذاتيهما وكانا يكافحان في سبيل تحقيق غرض كبير.<br />
<br />
في سبيل تحقيق المبادئ والمثل العليا من أجلكم ومن أجل العربي. كان كل واحد منها يؤمن بمصريته وعروبته فكان يقدم روحه فداء لهذه المبادئ.<br />
<br />
استشهد اثنان من أعز أبناء الوطن استشهد مصطفى حافظ الذي آل على نفسه إنشاء جيش فلسطين فهل تاه عنه الاستعمار وهل سكتت عنه إسرائيل لقد اغتيل مصطفى بأخس أنواع الغدر والخداع.<br />
<br />
إن جميع المصريين كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ أمام صلاح مصطفى أخوكم .. أخي الذي قام معي في 23 يوليو قام يجاهد من أجل مصر ووهب روحه ودمه في سبيل مصر وفي سبيل مبادئكم ومثلكم كان يؤمن أنه وهب روحه ونفسه ودمه في سبيل الوطن العربي فإن كانوا اغتالوا صلاح مصطفى وقتلوا صلاح مصطفى بأبشع أساليب الغدر والخيانة التي كانوا يتبعونها قبل سنة 1948 فإن العصابات التي تحولت إلى دولة تتحول اليوم ثانية إلى عصابات وهذا يبشر بالخير إذ عادت إلى ما قبل 48. إن يوم النصر لقريب وإذا كانوا يعتقدون أنهم لن يجدوا في مصر أمثال هذا الفرد فهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبثوا الرعب في نفوس الأمة العربية فإنهم واهمون فكلنا نعمل من أجل المبادئ العليا كلنا نعمل من أجل قوميتنا كلنا نعمل من أجل عروبتنا كلنا سنجاهد كلنا سنكافح.<br />
<br />
هذه أيها المواطنون هي المعركة التي نخوضها الآن معركة ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وأساليب الاستعمار ضد إسرائيبل صنيعة الاستعمار ليقضي على قوميتنا كما قضى على فلسطين. كلنا سندافع عن حريتنا وعروبتنا حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
إن القومية العربية تتقدم، ستنتصر، إنها تسير إلى الأمام وهي تعرف طريقها وتعرف سبيلها. إنها تعرف من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها وأن قوتها في قوميتها وأنا اليوم اتجه إلى إخوان لنا. في سوريا .. سوريا العزيزة .. سوريا الشقيقة .. لقد قرروا أن يتحدوا معكم اتحاداً سليماً عزيزاً كريماً لندعم سوياً مبادئ الكرامة ولنرسي سوياً القومية العربية والوحدة العربية. نرحب بكم أيها الأخوة متحدين بلداً واحداً، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً، لنرسي مبادئ الكرامة الحقيقية استقلالاً سياسياً حقيقياً. واستقلالا اقتصادياً حقيقياً.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
منذ أعلنت مصر سياستها الحرة المستقلة وبدأ العالم ينظر إلى مصر ويعمل لها حساباً، فإن الذين كانوا لا يعتدون بنا في الماضي أصبحوا اليوم يعملون لنا حساباً بدأوا يعملون لنا للعرب والقومية ألف حساب .. كنا في الماضي نتطلع على مكاتبهم، مكاتب المندوب السامي .. وبعد إعلان مبادئنا وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية، متحدة من أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار والطغيان والتحكم والسيطرة والاستغلال أصبحوا يعملون لنا حساباً ويعرفون أننا دولة لها قيمتها.<br />
<br />
ونمت مصر في المجال الدولي، وكبرت قيمة الأمة العربية في المجال الدولي، وعظمت. وعلى هذا الأساس كان مؤتمر بريوني وسافرت لأجتمع بالرئيس تيتو رئيس جمهورية يوغسلافياوالرئيس نهرو رئيس وزراء الهند. الاثنين اللذين أعلنا سياسة عدم الانحياز السياسة الحرة المستقلة. وأنا ذاهب إلى بريوني بيوغوسلافيا لمست صداقة الشعب اليوغسلافي للشعب المصري، وسافرت إلى بريوني وبدأنا نبحث ونتبادل الرأي في المشاكل العالمية وانتهى المؤتمر، انتصار كبير للسياسة التي تتبعها مصر وهي سياسة عدم الانحياز.<br />
<br />
وأعلنت في المجالات الدولية أن مؤتمر بريوني قرر أن يتبع مبادئ باندونج العشرة وقال في القرار الذي صدر أن رؤساء الحكومات الثلاثة ـ يوغوسلافيا والهند ومصر ـ استعرضوا التطورات الدولية ولاحظوا باغتباط أن سياسة بلادهم قد ساهمت في تخفيف حدة التوتر الدولي.<br />
<br />
وناقش المؤتمر وسائل إنماء العلاقات بين الأمم على أسس المساواة، كما جاء في قرارات باندونج الذي عقد في العام الماضي فقد أصدر قرارات واتخذ مبادئ: المساواة، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، واحترام سيادة الأمم، وسلامة أراضيها، والاعتراف بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، كبيرها وصغيرها، والامتناع عن أي تدخل في الشئون الداخلية لأية دولة، والامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى بحجة الدفاع لكي تخدم مصالحها.<br />
<br />
هذه هي المبادئ التي أقرها مؤتمر باندونج والتي أعلن مؤتمر بريوني تمسكه بها وأعلن أن هذه المبادئ يجب أن تكون أساس العلاقة بين الدول.<br />
<br />
ثم تكلم مؤتمر بريوني عن الشرق الأوسط ووافق على وجهة النظر العربية زعيماً الهند ويوغسلافيا وقررا أنه يجب البحث في المشاكل العربية على أساس حرية الشعوب التي يعنيها الأمر.<br />
<br />
وأعلن مؤتمر بريوني أن الموقف في فلسطين على وجه الخصوص يعد خطراً على السلام، ويؤيد أعضاء المؤتمر قرار مؤتمر باندونج الخاص بتأييد حقوق الشعب العربي في فلسطين وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.<br />
وتكلم مؤتمر بريوني عن مشكلة الجزائر التي تعد مشكلة عربية والتي تتطلب اهتماماً عاجلاً بمطالب الجزائر لدعم السلام في الهذه المنطقة من العالم.<br />
<br />
ونظراً لإيمان الرؤساء الثلاثة بأن السيطرة والاستعمار يتسببان في الإضرار بالحاكمين معاً، فإنهم يعبرون عن إيمانهم برغبة الشعب الجزائري في نيل استقلاله. وأيد المؤتمر المفاوضات التي تهدف إلى حل سلمي لمشكلة الجزائر على أنه يجب ألا يقف هذا في طريق الاعتراف بتحقيق حرية الجزائر وإيجاد حل عادل وسلمي وبخاصة وقف أعمال العنف. وبهذا خرجنا من المؤتمر بتأييد لوجهة النظر العربية وتكلم المؤتمر في مشكلة ألمانيا في أوروبا ومشكلة الصين في آسيا ومشكلة فلسطين والجزائر وهي التي تهمنا كأمة عربية.<br />
<br />
وكانت وجهة نظر الرئيسين تيتو ونهرو تتمشى مع وجهة النظر العربية التي استطاعت أن تأخذ لها حصناً آخر وتفاوض وجودها.<br />
<br />
هذا ما حدث في مؤتمر بريوني.<br />
<br />
ومصر منذ قامت الثورة كانت تجاهد لنقل قضاياها وقضايا العروبة إلى طريق غير طريق الاستجداء غير طريق الاستعمار لقد كنا ندرك منذ عام 1952 وقبلها أن الاستقلال الاقتصادي السليم يقف ضد مؤامرات المستعمرين والمستغلين الطامعين، كنا نعمل من أجل إجلاء الإنجليز المحتلين بوسائل مختلفة. بالقوة واللين والعنف والمفاوضات. وكان عزمنا على أن نحقق لمصر الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي. وألا يرفرف على أرض مصر إلا علم مصر، كنا نسعى إلى ذلك منذ اليوم الأول الذي قامت فيه الثورة. وانتهى الاستعمار ولم يستطع الاحتلال أن يبقى في مصر بين المواطنين فلم يجد من يتعاون معه أو يسنده.<br />
<br />
فسلم الاستعمار وجلت عن مصر آخر قوة من قوات الاحتلال التي دخلت بلادنا عام 1882 وكانوا قبل ذلك قد انهزموا وضربوا في كفر الدوار، ولم يستطيعوا إكمال غزوهم وحملاتهم، عندما خرج لهم أحمد عرابي، فانسحبوا والتجئوا إلى الخيانة، واستطاعوا الدخول، بواسطة أعوانهم، عن طريق قتال السويس بواسطة الخونة، هزمناهم عـام 1882 وفي 1807 عند حملة فريزر، هزمها أهل رشيد المدنيون .. هزمنا بريطانيا مرتين. ولكن الإنجليز اتبعوا معنا أساليب الغدر والخديعة واستطاعوا احتلالنا بذلك، ووقفت الثورة إلى أن ترفع في سماء مصر علم مصر وحدها، وأن يبقى بين ربوع قيادة مصرية واحدة، وتحقق هدفاً كبيراً من أهداف مصر، ولكننا لم نهمل أبداً العمل من أجل الاستقلال الاقتصادي، لأننا نؤمن أن الاستقلال اقتصادي مكمل للاستقلال السياسي، وإن التحكم الاقتصادي يستخدم في الضغط والتوجيه، وعملنا على زيادة الإنتاج ونجحنا في هذا الاتجاه، لأننا نعتمد على أنفسنا وعزمنا وقوتنا. استطعنا زيادة الدخل القومي من سنة 52 غلى 54 إلى ما يقرب من 16 % ومن 1954 حتى 1956 زاد زيادة أخرى. لأننا كنا نعمل في نفس الوقت من أجل الاستقلال الاقتصادي.<br />
<br />
وفي أيام الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسي، اتجهنا إلى العالم وقلنا إن مصر ستسالم من يسالمها وتمد يدها للجميع، أن سياسة مصر تنبع من مصر، لا من لندن ولا من واشنطن ولا من موسكو، وقلنا أننا مستعدون للتعاون مع الجميع ولكن ليس على حساب كرامتنا أو استقلالنا.<br />
<br />
هذا الذي قلته يوم 29 يونيه الماضي وقلته منذ قامت الثورة وسأقول لكم كل شيء لتكونوا على بينة.<br />
منذ قيام الثورة بدأت بريطانيا وأمريكا تتصلان بنا، من أجل محالفات واتفاقات ولكننا قلنا إننا لا نستطيع التحايف، إلا في حلف واحد، وهو حلف الدول العربية وقلت لهم كل هذا، هل سيكون لمصر رأي على بريطانيا؟ .. هل يحقق التحالف بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة إلا التبعية .. لا نقبل أبداً أن نكون أذيالاً، أو تابعين .. كان جنرال روبرتسون موجوداً وطلب منا عقد محالفة مدتها خمس وعشرون سنة، ولكننا رفضنا؛ وما قلناه سنة 52 في جميع محاضر المحادثات هو ما نقوله اليوم.<br />
<br />
بدأنا نتكلم عن تمويل الجيش المصري بالسلاح، مع استعدادنا لدفع ثمن السلاح فرفضوا إلا إذا وقعنا ميثاق الأمن المتبادل ومعناه أن تأتي أمريكية لا يكون لعبد الحكيم عامر فيها رأي. قلنا إن لنا تجارب كبيرة بهذا الخصوص، وكان للبعثة العسكرية البريطانية هدم معنويات الجيش المصري، لذلك كان لدينا مركب نقص من ناحية البعثات العسكرية، كان غرضنا أن يكون للجيش المصري شخصيته المستقلة ولذلك قالوا لي في سنة 1952 أنهم مستعدون لتزويدنا بالسلاح، ولكن عادت بعثتنا خالية الوفاض.<br />
<br />
أن ما نقوله اليوم ليس بجديد، قلناه في أول يوم من أيام الثورة وبدأ بعدهذا كفاحنا في القتال كفاح وهب فيه الفدائيون أرواحهم وقاتلوا وكافحوا واستطاعوا أن يجعلوا القوة البريطانية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وعن القنال، إن الجنود المجهولين الذين خرجوا من بينكم وبذلوا أرواحهم أعجزوا الثمانين ألف بريطاني عن الدفاع عن أنفسهم، وهذا هو السبب الحقيقي في جلائهم، خرجت بريطانيا من مصر لأنها أدركت أن شعب مصر أبى أن تكون لغيره قيادة في مصر، هذا هو السبب الحقيقي وليست المفاوضات أو المحادثات.<br />
<br />
كانت معركة مريرة طويلة ولكنها لم تنته فالاستعمار له أشكال مختلفة والاستعمار اليوم يتمثل في أعوان الاستعمار الخونة، الاستعمار يتلوَّن، وعلينا مقاومته بجميع أنواعه المقنعة تحت تكتل الأعوان والتحالفات والاتفاقات.<br />
<br />
وبدأ الاستعمار يعمل ليضع يده على الدول العربية دولة دولة فقاومنا، وكان الوعي العربي والقومية العربية قد اشتعلت وتيقظت فلم يستطع الاستعمار تحقيق أغراضه فانتصرت القومية العربية وهزم الاستعمار شر هزيمة ـ هزم في الأدن حينما أراد تمبلر أن يجبر الأردن المكون من مليون ونصف على الخضوع ولكن الجنرال تمبلر هرب من الأردن . فقد آمنت القومية العربية بحقها في الحياة فانتصرت ولم يستطع الاستعمار تحقيق أي غرض من أغراضه ولم يستطع حلف بغداد أن يصنع شيئاً بل وقف وتجمد بفضل الرأي العام العربي والقومية العربية.<br />
<br />
دخلنا في معارك في الداخل والخارج عاون الاستعمار فرنسا في تونس ومراكش والجزائر وانتقلت قوات حلف الأطلنطي لتقاتل في الجزائر .. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد كذلك الدول التي عملت ميثاق الأمم المتحدة وتقرير المصير كل هذا نسوه أو تناسوه وبدأوا يقاومون القومية العربية في الجزائر، كل هذه القوى تقاتل عشرة ملايين جزائري ولكن القومية العربية في الجزائر بأسلحتهم البسيطة المحدودة مقاومة القوات المدججة بالدبابات وكافة الأسلحة. الأسلحة المعدة لروسيا لم تستطع الوقوف في وجه الجزائر.<br />
<br />
وهذ معناه اشتعال القومية العربية وشعورها بكيانها وحقها في الحياة، هذه المعارك التي نخوضها ـ معركة الأردن والجزائر ومقاومة الأحلاف كلها ـ معاركنا! بمصائرنا جميعاً مرتبطة في الأردن والسودان، مصير كل واحد .. مصر الجميع .. يريد الاستعمار أن نكون تابعين وحين يأمر نلبي الأمر. <br />
<br />
هناك دول كثيرة لا داعي لذكرها حتى لا نعمل أزمات دبلوماسية. الدول التي تتلقى الأوامر وتنفذ الأوامر لا تؤمن بوطنها وإنما بالسفراء والمندوبين الساميين. يريدوننا أن نكون مثلهم ولكن هذا لن يكون، فلم تقم الثورة وثورة سنة 1919 وما بعدها لكي نتلقى أوامر الاستعمار. يريدوننا أن نسمع أوامرهم بخصوص إسرائيل التي يقولون إنها موجودة بحكم الواقع .. ويقولون إن عرب فلسطين ندفع لهم شيئاً من المال ولكننا نعتز بعروبتنا وأرضنا. وهي لا تقدر بمال. يريدوننا أن نسلم لإسرائيل بكل شيء ونهمل فلسطين وننكر لها ولأخواتنا في شمال أفريقيا، وأن نوافق كما وافق مجلس الأمن على المذابح؛ يريدون منا أن ننفذ السياسة التي تملى.<br />
<br />
ولكن مصر أبت وأرادت إلا أن تكون لها شخصيتها المستقلة فمنع عنا السلاح وسلحت إسرائيل وأصبحت خطراً يهدد .. وقالت بريطانيا نحن مستعدون لتسليحكم ولكن على شرط أن يسكت عبد الناصر في باندونج. ودعونا ننفذ خطتنا في الأحلاف. أصبح التسليح إذن أداة لتقييدنا وتقييد حريتنا. ولكننا لسنا على استعداد لدفع الثمن، شخصيتنا ومبادئنا. وبهذا لم نستطع الحصول على أي شيء من السلاح. لا بالثمن ولا بالمجان.<br />
<br />
استطعنا بعد ذلك أن نحصل على السلاح من روسيا لا من تشيكوسلوفاكيا. ووافقت روسيا على إمدادنا بالأسلحة. وتمت صفقة الأسلحة فحصلت ضجة، وقالوا إنه سلاح شيوعي ولكنني أعرف أن السلاح هنا سلاح مصر وبدأت صحافتهم تقيم ضجة .. ما سببها؟ "قالوا إن لديهم خطة. وهي حفظ التوازن بين الدول العربية وإسرائيل". طيارة للدول العربية كلها وأخرى لإسرائيل لحفظ التوازن! من ذا الذي أقامكم أوصياء علينا لحفظ التوازن؟ نحن لا نقبل وصاية أحد. ولكنه الاحتكار للسلاح الذي كانوا يتحكمون به فينا.<br />
<br />
فلما استطعنا تحطيم هذا الاحتكار انهارت كل خططهم، لم يستطع الاستعمار التحكم عن طريق منع الأسلحة، من ذا الذي أوجد إسرائيل في هذه المنطقة؟ من كان مسئولاً عن الانتداب على فلسطين؟ بريطانيا!<br />
<br />
وعد بلفور ... بريطانيا مسئولة عنه ... كانت بريطانيا تعلم أن داخل فلسطين جيش مسلح يستعد للاستيلاء على فلسطين .. ومع ذلك وهي تعلم هذا تركت فلسطين .. ماذا كانت تهدف إليه بريطانيا وأمريكا؟ كانتا تهدفان إلى شيء واحد، وهو القضاء على قوميتنا.<br />
<br />
إنهم يعرفون أنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي .. هذه القوة يجب أن يعمل لها حساب لأول مرة في التاريخ. إذن يقضون على فلسطين قضاء كاملاً.<br />
<br />
ويحل اليهود محل أهلها. إبادة قومية للجنس. عملية إبادة كان الغرض منها إبادة القومية العربية كلها! وكان الصهيونيون يعلنون أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات! يقولون في برلمانهم عن حرب مقدسة فالعملية إبادة العرب وقضاء على الجنس.<br />
<br />
وكان لابد من السلاح للدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون لاجئين، فحصلنا على السلاح وتعاقدنا عليه. وأحب أن أقول إن الحصول عليه كان دون أي قيد ولا شرط، مجرد دفع الثمن وأصبحت الأسلحة ملكاً لنا.<br />
<br />
وأرسلت أمريكا مستر آلان مندوباً لها يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية. وكان المفروض أن يقابلني، وقالت الأنباء إنه يحمل تهديداً لمصر!<br />
<br />
واتصل بي أحد الرسميين الأمريكيين لمقابلتي وقال إنه متأسف للحالة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين. ونصحني بأن أقبل الرسالة بأعصاب هادئة. فقلت كيف أقبلها وفيها جرح للعزة المصرية؟ فقال لن يترتب عليها أي أثر عملي فهي مجرد رسالة.<br />
<br />
فقلت إني لست رئيس وزارة محترف ولكني رئيس وزارة عن طريق ثورة ولن أتردد إذا حضر مندوبكم وتكلم كلمة .. سأطرده! هذا كلام رسمي وسأعلن للشعب أنكم أردتم إهانة عزته وكرامته .. وسنقاتل جميعاً لآخر قطرة من دمي. فهددوا بقطع المعونة. فقلت سأعلن قطعها. ونحن لم نتلق دروساً في السياسة.<br />
<br />
فقد قمنا بثورة وسنحافظ عليها. كان ذك في أكتوبر ثم عاد وقابلني وقال إنه أبلغ مستر آلان هذا الكلام .. وهو في حيرة لأنه لو حضر سيطرد وإذا أبلغ ذلك لدالاس؟ فسوف يطرده. فما هو الموقف، فقلت له إني لا أعرف إلا أنه إذا حضرإلي فسأطرده. جاء لنا مستر آلان ولم يفتح فمه بكلمة .. واستمع إلى وجهة النظر المصرية وأسرد لكم وجهة نظر أمريكا بإيجاز. إنهم يعتقدون أننا سياسيون محترفون ولكن مصر استطاعت أن تحافظ على كرامتها وعزتها.<br />
<br />
قامت الضجة في كل مكان بشأن الأسلحة فكنت أرى العجب والشتائم في الجرائد الإنجليزية والأمريكية .. كانوا يشتموننا لأننا تخلصنا من السلاسل واستطعنا أن نحرر بلدنا وندعم قوتنا ونقرر سياسة مستقلة.<br />
<br />
هذه هي ضجة الأسلحة وصفقة الأسلحة.<br />
<br />
كنت أتكلم وأنا مطمئن أشعر بالقوة .. لماذا؟ لأني أشعر أنني الشعب جميعه 23 مليوناً كلهم سيكافحون في سبيل الاستقلال لآخر قطرة من دمائهم، لم أكن أتكلم بقوة جمال عبد الناصر ولكن كنت متأكداً أن كل أبناء مصر سيكافحون لآخر قطرة من دمائهم .. لا حزبية ولا خلافات .. إننا نحن جميعاً كتلة وطنية وراء أهداف الثورة.<br />
<br />
كنت أتكلم بشجاعة وكنت أشعر أن الشعب كافح وناضل على مر الأيام ومستعد لأن يكافح. شعب متحد وشعب قوي.<br />
<br />
شعب رأى لأول مرة علم بلده يرتفع وهو مستعد لأن يضحي كما ضحى صلاح مصطفى ومصطفى حافظ.<br />
<br />
كنت آخر كلمة قالها صلاح مصطفى (الحمد لله بلغوهم في مصر يخلو بالهم) لقد أشعر أن 22 مليون صلاح مصطفي يقفون ورائي. هذا الدفع الذي كان يعطيني القوة وهذا هو ما جعلني أقول لمندوب أمريكا أنني سأطرده لأن الشعيد يريد ذبك. وهو مستعد أن يكافح لآخر قطرة من دمه في سبيل حريته. انتهت قصة المفاوضات والأحلاف.<br />
<br />
ثم انتهت قصة السلاح وبدأت قصة السد العالي.<br />
<br />
في سنة 53 قمنا بعمل خطة للتنمية الإنتاجية لزيادة الدخل القومي بسرعة مضاعفة لأننا نزيد كل عام نصف مليون ومستوى المعيشة عندنا يعتبر متوسطاً وأمامنا عمليتان: أن نرفع مستوى المعيشة. وأن نحافظ على الدخل.<br />
<br />
فزيادة مستوى المعيشة يحتاج إلى زيادة الدخل لذلك اتجهنا إلى مياه النيل لنستفيد منها.<br />
<br />
وكان قد قدم لنا مشروع السد العالي في 1952. وكان قد قدم لنا منذ عام 1942 ووضعناه موضع الدراسة وقابلتنا عقبة التمويل. وتبين أن المشروع صالح وينتهي بعد 10 سنوات. وبدأنا نقابل عقبة التمويل فليس لدينا المال الكافي لدفع نفقات المشروع التي تبلغ من 800 إلى ألف مليون دولاء تدفع على عشر سنوات، في سنة 1953 اتصلنا بالبنك الدولي وطلبنا منه ونحن من المشتركين فيها المساهمة في التمويل.<br />
<br />
وقال إن فيه عقبات فهناك الإنجليز وإسرائيل فعندما تنهون خلافكم معهما نستطيع تمويل المشروع، وليش عندم نظام برلماني فنطلب منكم عمل استفتاء على هذا المشروع.<br />
<br />
وفهمنا من هذا الكلام أننا لن ننال مساعدة البنك فقررنا الاعتماد على أنفسنا وعلى شركات الصناعة.<br />
واتصلنا بالشركات الألمانية فقالوا أنهم على استعداد لإعطائنا 5 ملايين جنيه. ثم اتفقت مع الشركات الألمانية والفرنسية والإنجليزية فقالوا إن كل شركة مستعدة لإعطائنا 5 ملايين جنيه على أساس قرض متوسط الأجل.<br />
<br />
وسافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير مالية إنجلترا.<br />
<br />
وقالوا له إنهم مستعدون ـ أي الشركات الثلاثة ـ لرفع القرض إلى 45 مليون جنيه ونكمله نحن من العملة المصرية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس فقال الأمريكيون إنهم قرروا لمصر 40 مليون دولار معونة .. وكان كلاماً على ورق.<br />
<br />
وقالوا نستطيع تمويل هذه المعونة إلى السد العالي، ورجع الإنجليز في كلامهم وقالوا خذوا القرض من البنك الدولي ونحن نعطيكم مليون جنيه والأمريكان يعطون حوالي 20 مليون جنيه. والبنك الدولي قال إنه مستعد أن يعطينا 200 مليون دولار بعد 5 سنوات ونحن نصرف خلالها 300 مليون دولار.<br />
<br />
وبدأوا على هذا الأساس يشترطون الشروط فقامت المحادثات في سبتمبر على مليون دولار بعد خمس سنوات على أقساط ثم وضع في خطابه شروطاً يجب أن تتبعها مصر لكي تنال هذا القرض وشروط القرض نتفاوض عليها من وقت لآخر .. '''ثم قال البنك إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية:'''<br />
<br />
1- يطمئن البنك إلى أن العملات الأجنبية المطلوبة التي سننالها من المنح الإنجليزية والأمريكية لا تنقطع.<br />
<br />
2- يجب أن يتفاهم البنك مع الحكومة المصرية ويتفق معها من وقت لآخر حول برنامج الاستثمار أي وصاية من البنك الدولي على الحكومة المصرية.<br />
<br />
3- حول الحاجة إلى ضبط المصروفات العامة للدولة.<br />
<br />
وبعد ذلك لا تتحمل الحكومة المصرية أي دين خارجي وكذا لا نوقع اتفاقات دفع كإنفاق الأسلحة مع روسيا وتتفاهم مصر مع البنك أولاً قبل الاتفاق على أي مشروع.<br />
<br />
ثم طلب البنك أن إدارة المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك.<br />
<br />
وقال البنك إن اتفاقات البنك خاضعة لإعادة النظر فيها إذا حدث ما يستدعي ذلك وأرسلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية مذكرتين والبنك أرسل الخطاب لكل واحد فيها يحمل معنى المذكرة الأخرى، وأصبحت العملية مفهومة وظهر أن هناك فخاً منصوباً للسيطرة على استقلالنا الاقتصادي.<br />
<br />
هذا الكلام رفض رفضاً باتاً، وقلت أننا لا يمكن أن نبيع أنفسنا بـ 70 مليون دولار معونة، وتكلمنا مع الأمريكان وسألناهم هل مثل هذه الشروط تعمل مع الإعانات التي تعطى لإسرائيل؟<br />
<br />
وقلنا إن هذا الكلام يتنافى مع استقلالنا. وقارنّا بين موقف العرب وموقف إسرائيل والمساعدات التي تمنحها أمريكا للطرفين فالهبة السنوية التي تعطيها أمريكا لإسرائيل من 30 إلى 50 مليون دولاء، والمساعدة الفنية تبلغ سنوياً من 6 إلى 14 مليون دولاء. وفائض المواد الغذائية التي تهديها أمريكا لإسرائيل قيمتها 7 ملاييت دولار، ورؤوس الأموال الأمريكية التي تعمل في إسرائيل 214 مليون دولار.<br />
<br />
في 12 – 7 – 55 أعطى بنك أمريكا قرضاً لإسرائيل قدره 30 مليون دولار، كما جمع اليهود في أمريكا 3 آلاف مليون دولار، وتبرعات 164 مليون دولاء ومجموع التعويضات الألمانية 3500 مليون دولار، تدفع كل سنة منها جزءاً بضائع وسفناً ومصانع.<br />
<br />
تبرعات يهود أمريكا لإسرائيل خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 65 مليون دور ونحن نعرف أن إسرائيل ربيبة أمريكا ولا تستطيع أن تعيش من غير المعونة.<br />
<br />
وتكلمنا مع ممثلي أمريكا، وقلنا لهم إنه في فترة خمس سنوات سيصرف على السد العالي 370 مليون دولار تدفع مصر 300 مليون وتدفع أمريكا 70، والمشروع الذي سيتكلف بلون دولاء سندفع منه 730 مليون أولاً. وكيف يمكن لي أن أنفذ الشروط التي أملاها على البنك الدولي؟ وقلنا لهم إن لنا تجربة في ذلك، وسبق أن وقعنا في هذا الاستغلال، وحضر "كرومر" وبقى في مصر.<br />
<br />
وفي هذه الأيام حضر السفير الروسي، وقال إن روسيا مستعدة للاشتراك في تمويل السد العالي. وكان ذلك بعد شهر ديسمبر، فقلت له إننا نتكلم مع البنك الدولي، وتأجل الكلام في التفاصيل.<br />
<br />
وعرف الأمريكان أن هناك عرضاً روسياً، فوصل إلى مصر في فبراير الماضي، مدير البنك الدولي، وأرسل خطاباً يطلب فيه دعوته إلى الحضور إلى مصر.<br />
<br />
وبدأت المفاوضات معه في شهر فبراير وحينما قابلته، قلت له بصراحة، إن عندنا عقدة من ناحية القروض والفوائد، ولا يمكن فصلها عن السياسة، لأننا رحنا شحصية الاحتلال بسبب القروض. فلن نقبل أي مال يمس سيادتنا، وقلت له إن إشرافكم على ميزانيتنا لن يصلحها، وأمامنا دولة في شمالنا أقوى مل، فأنتم تشرفون على اقتصادياتها ومع ذلك فاقتصادها منهار. وتقرير البنك يسلم بسلامة الاقتصاد المصري. وكان مفروضاً أن نبدأ في يونيو الماضي المشروع، وعلى ذلك أبلغت مدير البنك أننا لن نبدأ في المشروع إنه يجب علينا أن نحل مشكلة الماء بين مصر والسوادن، ثم يوقع البنك معنا الاتفاق، ولكنه لم يضمن أن تدفع أمريكا وإنجلترا لنا أكثر من مبلغ الـ 70 مليون دولار التي وعدنا بها.<br />
<br />
وظهر الفخ .. أي نأخذ السبعين مليون دولار، ونبدأ في المشروع، ونصرف المال ثم نعود فنطلب من البنك مبلغ الـ 200 مليون دولار، فيعرض البنك شروطاً، ويبقى علينا أن نقبل شروط البنك، أو يتوقف المشروع ونكون أضعنا 300 مليون دولار هباء!<br />
<br />
ومعنى ذلك أن يرسل لنا البنك من يجلس مكان وزير المالية .. وآخر يجلس مكان وزير التجارة .. وآخر يجلس مكاني أنا.<br />
<br />
هذا هو الفخ الذي ظهر. فقررنا ألا نبدأ في السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان الشقيق، ورفض قبول شروط البنك الدولي، وأصدرنا الأمر بإيقاف العمل، حتى لا ندخل في مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويسيطر علينا اقتصادياً، بعد فشله سياسياً وأبلغنا ذلك لمدير البنك الدولي، فقال إنه مستعد لتعديل الشروط فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائي مماثلاً للكتاب الذي يبعثه إلينا، فرفض توقيع الاتفاق.<br />
<br />
كانت هناك خدعة لنقع في براثنهم .. يتحكمون فينا عندما تستنزف أموالنا، دون أن نأخذ أي نتيجة، فقررن ألا نبدأ في السد إلا بعد أن نعلم كيف يمول السد ونعرف كيف ينتهي ولذلك أوقفنا كل العمل في فبراير، وأرسل إلينا مدير البنك خطاباً لا قيمة له، قال إنه يدفع 200 مليون دولار بعد حل مشكلة الماء.<br />
<br />
ولم يكن في الخطاب ما يمس سيادتنا فقبلناه، ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة الأمريكية والبريطانية. وفيها ما يمس سيادتنا. ففي فبراير أبلغ السفيران الأمريكي والبريطاني عدم موافقتنا على هذه المذكرات وراحت المذكرتان للحكومتين الأمريكية والبريطانية، وطبعاً لم يجيء أي رد. في 29 فبراير كان الكلام أن بريطانيا تريد التوسط بيننا وبين السودان. فجاء سلوين لويد وقابلني في منزلي. وعرض معاونته لحل مشاكل المياه بيننا وبين السودان، فقلت له أن تصرفاتكم تدل على أنكم تعقدون المسائل بجرائدكم وإذاعتكم تثير السودان ضد السد العالي فمحطة الإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدني والصحف تذيع تعليقات للوقيعة بيننا وبين السودان وسفارتكم في الخرطوم تجمع كل ذلك وتطبعه في كتاب وتوزعه على السودانيين. <br />
<br />
ومعنى هذا خلق عداء بين مصر والسودان، فكيف يستقيم هذا مع عرضك لأن تكون وسيطاً بين مصر والسودان؟<br />
<br />
كان الواضح أن الإنجليز يحاولون بث روح الكراهية في إخواننا السودانيين ويهمه أن ينفذوا لإثارة أحدنا ضد الآخر. وفي نفس الوقت وقف اللورد كيلرن، وأخذ يسب مصر .. كيف نعاونها ونساعدها وهي تنادي بالتحرير، فلا يجب منحها 5 مليون جنيه، وكلام آخر في منتهى البذاءة من اللورد كيلرن، وهو معروف.<br />
<br />
وفي يوم 14 مارس قابلت السفير البريطاني في المنزل، وقلت له إننا شعب عاطفي، فالكلمة الحلوة أفضل من مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بــ 15 مليون دولار، ولا نقبل كلام كيلرن، ولم نرد المعونة حتى لا يكون ردنا يعتبر إهانة، ونحن لسنا دولة غنية جداً، ولكننا نستطيع توفير 5 مليون جنيه ولو "دقينا زلط أو كسرنا طوب" فنحن قبلنا المعونة منعاً من أن يقال أن مصر ترفض علاة حسنة معكم، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فسنرفض المعونة.<br />
<br />
وسار الحل على هذا، ثم لم ترد الحكومتان الأمريكية والبريطانية على المذكرتين.<br />
<br />
ثم طرد جلوب من الأردن، وضُرب سويد لوي بالطوب في البحرين، وقيل إن هذا نتيجة مصر، وبدأت حملة شنيعة من أول مارس ضد مصر في الصحف البريطانية، لدرجة أن رجلاً اسمه فريزر، قال لابد من بناء سد في كينيا يمنع الماء عن مصر، وهذا يدل على جنون هؤلاء الناس، وقالوا إننا نهددهم في البترول ولكني قلت إنه ليس لنا أي دخل في المصالح المشروعة ولكننا نقاوم ما يسمونه بالنفوذ، لا يمكن أن نكون منطقة نفوذ لأحد، مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا اعتراض عليها.<br />
<br />
زيارة وزير خارجية روسيا مسيو شبيلوف إلى مصر، وفي نفس الوقت بعث مدير البنك أنه يريد المجيء فقلت له تفضل.<br />
<br />
وحدثت محادثت بيننا وبين شبيلوف الذي عرض مساعدة روسيا لمصر في جميع الميادين، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل، وقال إن ذلك سيكون دون قيد ولا شرط، وعلينا أن نطلب منهم، وقال إنهم لا يريدون مواداً خاماً، وقال أيضاً إنهم يريدون أن يوفقوا بيننا وبين الدولة الغربية. وأن روسيا يهمها أن يسود السلام بيننا وبين الدول الغربية.<br />
<br />
فالروس يعملون الآن على كسر حدة التوتر في العالم، ويهمهم أن تكون السياسة بين مصر والغرب طيبة، فشكرته وأجلت الكلامف ي التفاصيل لحين زيارتي في شهر أغسطس.<br />
<br />
وفي ثاني يوم وصل مدير البنك الدولي وقابلني في البيت في الساعة العاشرة وأكد أن البنك عند وعده الذي قاله لي في شهر فبراير، وأنه مصمم على تمويل المشروع، وأن الحكومتين البريطانية والأمريكية عند هذا الوعد، وقلت إننا أيضاً عند كلتنا.<br />
<br />
هذا ما حدث حتى حوال 20 يونيو الماضي وقال سفيرنا في أمريكا أن دالاس قال له إن الأمريكان يعتقدون أننا لا نريد أن يمولوا المشروع، فقلت له إننا نريد أن نتكلم ونتفاوض لتمويل المشروع عاد أحمد حسين إلى واشنطون على أن يقابل دالاس، ويطلب إرسال الرد على المذكرات التي بعثناها، وبعد يومين أعلنت الحكومة بيانها، وقد قلت رأيي فيه أول أمس.<br />
<br />
وفي بيان أمريكا حاولوا إثارة أثيوبيا وأوغندا، لأنه يهمهم أن تختلف الدول في هذه المنطة فنلجأ إلى مساعدة أمريكا، فيحصل التحكم في هذه المنطقة. ولقد أبلغتهم اننا لا نريد وساطتهم مع السودان لتفاهمنا مع إخواننا السودانيين فإسماعيل الأزهري كان على استعداد للتفاهم معنا، وكذلك ميرغني حمزة تكلم معي، ولم يكن هناك شد وجذب، ولم يكن هناك خلاف. ولما جاء عباد خليل رئيس الوزارة السودانية الحالي، كانت روحه طيبة جداً، فلا داعي إذن لتدخل وتوسط الأمريكان والإنجليز.<br />
<br />
ولكن وزارة الخارجية الأمريكية تقرر مصالح السودان ومصر .. ولا أدري كيف أن أمريكا تتدخل في صالح البلدين، فمصر والسودان مرتبطان ببعضهما البعض البعض منذ بدء الخليقة، ولا يمكن أن تصير دولة منهما إلى أمريكا الشمالية أو الجنوبية. ولكن حب الوصاية والتحكم والسيطرة وخلق المنازعات هي التي فرضت عليهم ذلك.<br />
<br />
وقال البيان أن التطورات التي شهدتها الشهور السبعة غير ملائمة لتنفيذ المشروع. فما هذه التطورات؟ هل هي اقتصادية أو سياسية؟<br />
<br />
وفي البيان الأمريكي أيضاً شيء غريب فوزير الخارجية الأمريكي يخاطب الشعب المصري، أي أن هذا ضد جمال عبد الناصر فقط؟<br />
<br />
ما هي التطورات؟ إنهم يشككون في الاقتصاد المصري مع أن الإنتاج المصري دُعـِّـم وزاد.<br />
<br />
ويقول كتاب الإحصاء الإحصاء السنوي للأمم المتحدة أن مجموع الدخل القومي المصري قد زاد من 748 مليون جنيه عام 1952 إلى 780 مليون جنيه عام 1953 ثم إلى 868 مليوناً عام 1954، أي أننا نعمل وننتج، وثروتنا تزيد ووضعنا الاقتصادي في تحسن مستمر فدخلنا القومي بلغ 748 مليون جنيه عام 1952، وفي عام 1954 أصبح 868 مليونا. أي أن الدخل زاد 120 مليون جنيه في سنتين.<br />
<br />
وزاد مجموع الدخل الزراعي في عام 1954 – 1955 بمقدار 38 مليون جنيه، بنسبة 15% فقد بلغ 420 مليون جنيه بعد أن كان 382 مليون جنيه.<br />
<br />
وزاد الإنتاج الوزراعي من 123% عام 1952 إلى 131% عام 1954 وهذه الأرقام من نفس الكتاب الإحصائي الذي أصدرته الأمم المتحدة.<br />
<br />
وفي عام 1955 سجل الإنتاج الصناعي تقدماً كبيراً إذ تراوحت نسبة الزيادة في فروعه المختلفة بين 15% و 25% وقد تكلمت عن هذا في الكلمة التي ألقيتها في أول يونيو في مؤتمر التعاونين.<br />
<br />
وقد بلغت الزيادة أقصاها في إنتاج الحديد والزهر فبلغت الصادرات المصرية في المدة من أول يناير إلى آخر يونيه عام 1956 ـ 91 مليون جنيه أي بزيادة قدرها 21 مليون جنيه. إلى آخر البيانات الاقتصادية المعروفة والتي نشرت في الميزانية.<br />
<br />
ما هي التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية؟ إنهم يحاولون أن يبينوا أنها اقتصادية .. التطورات هي تطورات استقلالية .. تطورات حرية .. تطورات عزة وكرامة .. التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية أننا بنينا سداً من العزة والكرامة، سداً للحرية والاستقلال ضد الأطماع .. التطورات التي حدثت وأننا قد صممنا أن نقوي جيشنا ونسلحه .. صممنا أن تكون لن شخصية مستقلة .. صممنا أن تكون لنا حرية مستقلة.<br />
<br />
والغرض ـ بالطبع ـ من هذا الإجراء الذي أعلن يوم 20 يوليو ـ وأنني سأتكلم عن الحكومة الأمريكية لا عن الحكومة البريطانية، لأن الحكومة البريطانية أعلنت في اليوم التالي لإعلان الحكومة الأمريكية بعدأن وصلها الخطاب الأمريكي، والبنك الدولي أعلن بالطبع بعد بريطانيا بعد أن وصلته تعليمات من أمريكا ..<br />
مصر ولهذا فسأتكلم عن أمريكا في هذا الموضوع .. ما الغرض من هذا؟ .. إنهم يعاقبون مصر لأنها رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية .. مصر نادت بالسلام وتحقيق حقوق الإنسان.<br />
<br />
مصر نادت بالمبادئ والتي كتبوها في ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ونسوها .. هذه هي المبادئ التي ننادي بها اليوم .. الحرية وحق تقرير المصير والقضاء على الاستعمار وعدم الانحياز والتعايش السلمي والحياد الإيجابي والتعاون مع جميع الدول، نعادي من يعادينا، ونسالم من يسالمنا .. هذه هي المبادئ التي تنادي بها مصر.<br />
فكيف نقول هذا ولا نسمع كلام الكونجرس الأمريكي ولا نأخذ الأوامر من هناك؟<br />
<br />
ومنذ شهر ونصف شهر وقف أحد أعضاء الكونجرس وقال كيف تتبع مصر هذه المبادئ ولا تقعطوا عنها المعونة التي تؤخذ منا؟. وهذا معناه غرور وتحكم في الشعوب.<br />
<br />
ونحن قد رفضنا قبول هذا التحكم وهذه السيطرة. إنهم يعاقبوننا على هذا بالسبعين مليون دولار التي كانوا سيعطونها لنا على خمس سنوات!<br />
<br />
إننا نعمل مشروع تنمية ونريد أن ننمي الإنتاج ونرفعغ مستواه وهم يقولون في جرائدهم إننا نفعل هذا ليعرف الشعب المصري أن ناصر ضده، فيضغط عليه الشعب المصري لكي يسمع كلام أمريكا.<br />
<br />
هذا ما يقولونه في جرائدهم، ولا يعرفون أن الشعب المصري غير موافق على هذا الكلام الذي تذكرونه.<br />
وحينما وصل بلاك وهو مدير البنك الدولي .. وبدأ يتكلم معي في تمويل السد العالي، قال إننا بنك دولي ولسنا بنكاً سياسياً، وليس لي شأن بأمريكا مطلقاً، فأنا مستقل أقول الرأي الذي أؤمن به.<br />
<br />
وقلت له كيف يكون مجلس الإدارة ممثلاً لدول ولا يكون بنكاً سياسياً .. بالطع تعتبر بنكاً سياسياً فمجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية السائرة في فلك أمريكا.<br />
<br />
وابتدأت أنظر إلى مستر بلاك وهو جالس على الكرسي وكنت أتخيل أنني أجلس أمام فرديناند دليسبس.<br />
عاد بي تفكيري إلى الكلام الذي كنا نقراه ففي عام 1854 وصل إلى مصر فرديناند دليسبس وذهب إلى محمد سعيد باشا ـ الخديوي ـ وجلس بجانبه وقال له نريد أن نحفر قناة السويس وهذا المشروع سيفيدك فائدة لا حد لها .. فهو مشروع ضخم وسيعود على مصر بالكثير.<br />
<br />
وعندما كان بلاك يسترسل في كلامه معي، كنت أحس بالعقد الموجودة في الكلام الذي يقوله ويعود بي التفكير إلى فرديناند دليسبس.<br />
<br />
ثم قلت له نحن عندنا عقدة من هذه الموضوعات ونحن لا نريد أن نرى كرومة في مصر مرة ثانية ليحكمنا.<br />
عمل في الماضي قرضاً وفوائد على القروض وكانت النتيجة أن احتلت بلدنا فأرجوك أن تضع هذا الاعتبار في نفسك وفي كلامك معي، فنحن عندنا عقدة من دليسبس. ومن كرومر عندنا عقدة من الاحتلال السياسي عن طريق الاقتصادي هذه هي الصورة التي صورت لي .. صورة دليسبس حينما وصل إلى مصر .. وصل دليسبس إلى مصر في 7 ديسمبر عام 1954، وصل إلى الإسكندرية وبدأ يعمل في حذر وخديعة .. وفي 30 نوفمبر عام 1954 وبعد أن اتصل دليسبس بالخديوي محمد سعيد، حصل على امتياز النال، '''وفي صدر هذا الامتياز الذي منحه سعيد لدليسبس قال الآتي:'''<br />
<br />
حيث أن صديقنا مسيو فرديناند دليسبس قد لفت نظرنا إل الفوائد التي قد تعود على مصر من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر ، بواسطة طريق ملاحي للبواخر، أخبرنا بالفوائد التي تعود على مصر وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال فقد قبلت الفكرة التي عرضها علينا وأعطيناه بموجب هذا تفويضاً خاصاً بإنشاء وإدارة شركة لحفر ناة السويس واستغلال القناة بين البحرين.<br />
<br />
وكان هذا الكلام عام 1854، وفي عام 1856 أي منذ مائة عام صدر فرمان بتكوين الشركة وأخذت مصر من الشركة 44% من الأسهم والتزمت بالتزامات لدليسبس .. شركة دليسبس شركة خاصة ليس لها علاقة بحكومات ولا احتلال ولا استعمار!! دليسبس قال للخديوي أنا صديقك وقد جئت لأفيدك وأعمل قناة بين البحرين تستفيد منها.<br />
<br />
تكونت شركة قناة السويس واشتركت مصر بـ 44% من الأسهم ـ وتعهدت مصر بأن تورد العمال الذين سيحفرون القناة بأرواحهم وجماجمهم ودمائهم . دفعنا 8 مليون جنيه .. وبعد ذلك ولأجل أن يتنازل دليسبس عن بعض الامتيازات كنا ندفع له أيضاً.<br />
<br />
وكان المفروض أن نأخذ أيضاً 15% من أرباح الشركة زيادة على أرباح أسمهنا وتنازلنا عن 15% من الأرباح .. وبعد أن كانت القنال محفورة لمصر كما قال دليسبس للخديوي أصبحت مصر ملكية للقناة.<br />
وفي الاتفاق الذي عقد في 22 فبراير 1966، جاء في المادة 16 أنه بما أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مصرية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها، وإلى الآن لم تخضع الشركة لقوانين البلاد ولا لعرفها لأنها تعتبر نفسها دولة داخل الدولة.<br />
<br />
والمنازعات التي تنشأ في مصر بين الشركة وبين الأفراد من أية جنسية تختص المحاكم المصرية بالفصل فيها تبعاً للأوضاع التي تقررها قوانين البلاد وعاداتها. وتختص المحاكم المصرية في المنازعا التي قد تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة ويقضى فيها طبقاً للقوانين المصرية.<br />
<br />
ونتيجة الكلام الذي قاله دليسبس للخديوي عام 1856، ونتيجة الصداقة والديون .. تمَّ احتلال مصر عام 1882.<br />
<br />
واستدانت مصر بسبب هذا الموضوع .. فماذا فعلت؟ اضطرت مصر في عهد إسماعيل إلى بيع نصيبها من الأسهم وقدره 44% من أسهم الشركة .. وفوراً أرسلت إنجلترا تشتري نصيب مصر من الأسهم في الشركة .. اشترتها بأربعة ملايين جنيه. وبعد ذلك تنازل إسماعيل عن الأرباح التي كان يأخذها للشركة وقدرها 5% نظير تنازلها عن بعض الامتيازات التي أعطيت لها فاضطر بعد أن اشترت إنجلترا الـ 44% من الأسهم بأربعة ملايين جنيه .. أن يدفع لإنجلترا سنويا 5% نظير الأرباح التي كان قد تنازل عنها، فدفع لها أربعة ملايين جنيه أي أن بريطانيا أخذت نصيب مصر من الأسهم وقدره 44% بدون مقابل.<br />
<br />
هذا هو ما حدث في القرن الماضي. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة ثانية ويعود إلى الخداع والتضليل؟ وهل يكون التحكم الاقتصادي سبباً في القضاء على حريتنا السياسية؟ .. كلا .. لا يمكن أن يعود التاريخ مرة أخرى ونحن اليوم نقضي على آثار الماضي البغيض التي تسبب فيها المستعمرون بالخداع والتضليل.<br />
<br />
واليوم فإن قناة السويس التي مات من أبنائها في حفرها 120 ألفاً .. حفروها بالسخرة ودفعنا في تأسيسها 8 مليون جنيه .. قناة السويس التي أصبحت دولة داخل الدولة .. والتي أذلت الوزراء والوزارات .. هذه القناة قناة مصر، شركة مساهمة مصرية اغتصبت بريطانيا منا حقنا فيها وهو الـ 44 في المائة من أسهم الشركة .. وما زالت بريطانيا من وقت افتتاح القنال حتى الآن تأخذ فوائد مقابل هذه الأسهم والدول كلها تأخذ فوائد والمساهمون فيها يأخذون فوائد .. ودولة داخل الدولة وشركة مساهمة مصرية!<br />
<br />
وبلغ دخل شركة قناة السويس في عام 1955 ـ 35 مليون جنيه أي مائة مليون دولار ونأخذ نحن الذين مات من أبنائنا 120 ألفاً أثناء حفرها مليون جنيه فقط أي 3 مليون دولار!.<br />
<br />
شركة قناة السويس التي قامت كما قال فرمان من أجل مصلحة مصر ومن أجل منفعة مصر!.<br />
<br />
هل تعلمون مقدار المساعدة التي ستعطيها لنا أمريكا وإنجلترا في خمة سنوات؟<br />
<br />
70 مليون دولار .. وهل تعلمون من الذي يأخذ المائة مليون دولار وهي دخل الشركة السنوي؟ هم الذين يأخذونها بالطبع.<br />
<br />
وليس عيباً أن أكون فقيراً وأقترض لكي أبني بلدي، أو أحاول أن أجد ماعدة لجل بلدي .. ولكن العيب هو أن أمتص دماء الشعوب .. وأمتص حقوق الشعوب.<br />
<br />
إننا لن نكرر الماضي بل سنقضي على الماضي .. سنقضي على الماضي بأن نستعيد حقوقنا في قناة السويس .. هذه الأموال أموالنا .. وهذه القناة ملك لمصر لأنها شركة مساهمة مصرية.<br />
<br />
حفرت قناة السويسة بواسطة أبناء مصر، ومات 120 ألف مصري في حفرها .. شركة قناة السويس الموجودة الآن في باريس شركة مغتصبة .. اغتصبت امتيازاتنا. وعندما جاء دليسبس إلى مصر كان مجيئه يشبه مجيء بلاك إلى مصر للتحدث معي.<br />
<br />
والتاريخ لن يعيد نفسه، بل على العكس سنبني السد العالي وسنحصل على حقوقنا المغتصبة .. سنبني السد العالي كما نريد .. وسنصمم على هذا 35 مليون جنيه كل سنة تأخذها شركة القناة .. فلتأخذها مصر .. مائة مليون دولار كل سنة تحصلها شركة القناة لمصلحة مصر .. فلنحق هذا الكلام وتحصل مصر على المائة مليون دولار لمنفعة مصر أيضاً.<br />
<br />
ولهذا فإننا اليوم أيها المواطنون حينما نبني السد العالي، فإنما نبني أيضاً سد العزة والحرية والكرامة ونقضي على سدود الذل والهوان.<br />
<br />
وتعلن ـ مصر كلها ـ جبهة واحدة أنها كتلة وطنية متكاتفة متحدة .. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها .. كل واحد من أبنائها سيكون مثل صلاح مصطفى ومثل مصطفى حافظ .. كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا في سبيل بنا بلدنا، وفي سبيل بناء مصر .. لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر، وسنعتمد على سواعدنا وعلى دمائنا ونحن أغنياء، لقد كنا متهاونين في حقوقنا ونحن نستردها ـ معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة فخطوة .... سنبني مصر لتكون قوية .. وسنبني مصر لتكون عزيزة.<br />
<br />
'''ولهذا وقعت اليوم،، ووافقت الحكومة على القانون الآتي:'''<br />
<br />
'''قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس'''<br />
<br />
'''باسم الأمة :'''<br />
<br />
'''رئيس الجمهورية :'''<br />
<br />
مادة 1- تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس ـ شركة مساهمة مصرية ـ وينتقل إى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل جميع الهيئات القائمة حالياً على إدارتها.<br />
<br />
ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها مقدره بحسب الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس ويتم دفع هذا التعويض بعد استلام الدولة لجميع أملاك وممتلكات الشركة المؤممة.<br />
<br />
مادة 2- تتولى إدارة مرفق المرور في قناة الويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتلحق بوزارة التجارة ـ يصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.<br />
<br />
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامي، ويكون للهيئة ميزانية مستقلة يتبع في وضعها القواعد المعمول بها حالياً في المشروعات التجارية. وتبدأ السنة المالية في آخر يونيو من كل عام. وتعتمد الميزانية والحساب الختامي في كام بقرار من رئيس الجمهورية.<br />
<br />
تبدأ النة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا القانون وتنتهي في آخر يونيو عام 1957. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قرارتها أو للقيام بما تعهد به إليه من أعمال. كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية للاستعانة بها في البحوث والدراسات.<br />
<br />
يمثل الهيئة رئيسها أمام الجهات القضائية والحكومية وغيرها وينوب عنها في معاملته مع الغير.<br />
<br />
مادة 3- تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها في مصر وفي الخارج ويحظر على البنوك والهيئات والأفرا التصرف في تلك الأموال بأي وجه من الوجوه .. أو صرف أي مبالغ أو تأدية أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 4- تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار في أداء أعمالهم ولا يجوز لأي منهم ترك عمله أو التخلي عنه بأي وجه من الوجوه أو لأي سبب من الأسباب إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 5- كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازي ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة، وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن فضلاً عن حرمانه من أي حق في المكافأة أو المعاش أو التعويض.<br />
<br />
مادة 6- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويكون له قوة القانون ويعمل به من تاريخ نشره ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.<br />
<br />
'''أيها المواطنون:'''<br />
إننا لن نمكن منا المستعمرين أو المستبدين .. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى .. إننا قد اتجهنا قدما إلى الأمام لنبني مصر بناء قوياً متيناً .. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسي واستقلال اقتصادي .. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومي .. من أجل مجموع هذا الشعب .. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكننا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت لنهدم آثار الماضي .. آثار الاستبداد .. آثار الاستعباد والاستغلال والسيطرة .. إنما نتجه إلى الماضي لنقضي على جميع آثاره.<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون، وقد عادت الحقوق إلى أصحابها .. حقوقنا في قناة السويس .. عادت إلينا بعد مائة سنة .. اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقي من صروح السيادة ـ ونحقق البناء الحقيقي من أبنية العزة والكرامة. وقد كانت قناة السويس دولة في داخل الدولة شركة مساهمة مصرية. ولكنها تعتمد على المؤامرات الأجنبية وتعتمد على الاستعمار وأعوانه.<br />
<br />
بنيت قناة السويس من أجل مصر ومن أجل منفعة مصر ولكن كانت قناة السويس منبعاً لاستغلال واستنزاف المال وكما قلت لكم منذ قليل .. ليس عيباً في أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدي، ولكن العيب هو امتصاص الدماء .. لقد كانوا يمتصون الدماء .. يمتصون حقوقنا ويأخذونها.<br />
<br />
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق أقول باسم شعب مصر إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ .. سنحافظ على هذه الحقوق. <br />
<br />
ودونها أرواحنا ودماؤنا .. إننا سنحافظ على هذه الحقوق، لننا نعوض ما فات .. إننا حينما نبني اليوم صرح العزة والكرامة نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يكتمل إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة .. وقد كانت قناة السويس صرحاً من صروح الاستبداد وصرحاً من صروح الاغتصاب .. وصرحاً من صروح الذل.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون أممت قناة السويس ونشر هذا القرار في الجريدة الرسمية فعلاً وأصبح هذا القرار أمراً واقعاً.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون نقول هذه أموالنا ردت إلينا .. هذه حقوقنا التي كنا نسكت عليها، عادت إلينا.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون ودخل قناة السويس 35 مليون جنيه، أي مائة مليون دولار في السنة، أي خمسمائة مليون دولار في خمس نوات .. فلم ننظر إلى الـ 79 مليون دولار، قيمة المعونة الأمريكية؟<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون بعرقنا ودموعنا وأرواح شهدائنا وجماجم الذين ماتوا عام 1856، منذ مائة عام أثناء السخرة. نستطيع أن ننمي هذا البلد وسنعمل وننتج ونزيد في الإنتاج برغم كل هذه المؤامرات كل هذا الكلام. إنني كلما صدر من واشنطن كلام سأقول: موتوا بغيظكم.<br />
<br />
سنبني الصناعة في مصر وسننافسهم فهم لا يريدون أن نكون دولة صناعية حتى تروج منتجاتهم وتجد لها سوقاً عندنا.<br />
<br />
إنني لم أرَ أبداً معونة أمريكية متجهة إلى التصنيع لأن اتجاهها إلى التصنيع سيترتب عليها منافستنا لهم .. ولكن المعونة الأمريكية تتجه دوماً إلى الاستغلال.<br />
<br />
ونحن في الأربع سنوات الماضية ونحن نستقبل العام الخامس للثورة، كما قلت في أول كلامي نشعر بأننا أصلب عوداً وأشد عزماً وأشد قوة وإيماناً .. واليوم ونحن نستقبل العام الخامس للثورة وكما طرد فاروق في 26 يوليو عام 1952 تخرج اليوم قناة السويس، في نفس اليوم نشعر أننا حققنا عزة حقيقية، فلن تكون سيادة في مصر إلا لأبناء مصر ولشعب مصر.<br />
<br />
وسنتجه قدماً إلى الأمام .. متحدين متكاتفين .. شعب واحد يؤمن بنفه ويؤمن بوطنه ويؤمن بقوته .. شعب واحد .. كتلة واحدة متراصة نحو البناء ونحو التصنيع ونحو الإنشاء وضد أعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار، نف ضد الغدر والعدوان .. ونقف ضد الاستعمار الذي آل على نفسه أن يعمل ويزحف زحفاً حثيثاً.<br />
<br />
إننا بهذا أيها المواطنون سنستطيع أن نحقق الكثير وسنشعر بالعزة والكرامة. وسنشعر بأننا نبني وطننا بناء حقيقياً كما نريد .. نبني ما نريد ونعمل ما نريد .. ليس لنا شريك.<br />
<br />
وإننا اليوم حينما نسترد الحقوق المغتصبة والحقوق المسلوبة إنما نتجه إلى القوة وكل عام سنزداد قوة على قوة وبعون الله نكون أقوياء في العام القادم وقد ازداد إنتاجنا وعملنا ومصانعنا.<br />
<br />
الآن وأنا أتكلم أليكم يقوم أخوة لكم من أبناء مصر، ليديروا شركة القناة ويقومون بعمل شركة القناة .. الآن في هذا الوقت يتسلمون شركة القناة .. شركة القنال المصرية لا شركة القنال الأجنبية .. قاموا ليتسلموا شركة القنال ومرافقها ويديروا الملاحة في القناة .. القناة التي تقع في أرض مصر، والتي تخترق أرض مصر والتي هي جزء من مصر وملك لمصر، نقوم الآن بهذا العمل لنعوض ما فات ولنعوض عن الماضي ولنبني صروحاً جديدة للعزة والكرامة.<br />
<br />
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82_%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88&diff=643710مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو2012-02-23T09:12:16Z<p>Helmy: أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو</font></font></center>''' '''بقلم: د.مصطفى عبد الغني...'</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د.مصطفى عبد الغني'''<br />
<br />
'''الإهداء إلى الشعب العربي ذكرى لزمن عربي آت'''<br />
<br />
==بدلاً من المقدمة==<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
سؤال يطرح أسئلة أخرى ..<br />
<br />
وإجابة تستعيد إجابات كثيرة.<br />
<br />
لنسأل ونحاول الإجابة ..<br />
<br />
ـ لماذا عبد الناصر الآن؟<br />
<br />
ـ أو لماذا نتذكره الآن أكثر (وهل نسيناه؟)؟<br />
<br />
ـ ولماذا نستعيد الآن قضاياه ومشروعه الثوري (وهل غابت حقاً؟) ؟<br />
<br />
'''أو لنكن أكثر حيدة ونسأل من جديد:'''<br />
<br />
ـ هل نحاول إعادة تقييمه..؟ ولنسأل بحيدة أكثر:<br />
<br />
ـ ما هي حقيقة بحثنا عن رد الاعتبار لعبد الناصر الآن بعد أن سهدت أجيال كثيرة تغييبه أو إغفاله؟<br />
وينفرط عقد الأسئلة ..<br />
<br />
ـ ما هو موقفه من رفاقه ومثقفيه؟<br />
<br />
ـ وهل كان ـ كما يردد عن جهل أو حقد ـ وراء عمليات (التعذيب) فى السجون مع مختلفيه؟<br />
<br />
ـ وما هى حقيقة الديموقراطية فى عصره؟<br />
<br />
ـ ثم ما هى طبيعة الخلاف بين الثورة والقانون؟<br />
<br />
ـ ولماذا اتجه إلى حركات التحرر العالمية ـ والعربية منها ـ سواء بالتأييد المطلق، أو التأييد العسكرى؟<br />
<br />
ـ ولماذا كان وراء تجسيد فكرة الوحدة العربية؟<br />
<br />
ثم يدفعنا الماضى إلى الحاضر من جديد، ونعود إلى طرح السؤال لماذا نتذكره ويدفعنا السؤال إلى إعادة طرح الأسئلة البدهية؟<br />
<br />
ـ لماذا يطرح فكره فى زمن الاجتياح الإسرائيلى و (السور الواقى) بين المثقفين وترفع صوره عبر الشوارع العربية؟ وتردد شعاراته عبر البحث عن مواجهة القوة..؟<br />
<br />
ـ ثم ما هو موقفه من عديد من القضايا عبر (مشروعه) الذى رحنا منذ أكثر من ربع قرن ـ عقب رحيله ـ بعثرته أو بيعه مع ما بعنا وبعثرنا أو ضيعنا..؟<br />
<br />
أسئلة عديدة تطرح علينا الآن، ونحاول كما حاول غيرنا كثيراَ ـ محاولة الإجابة بعد نصف قرن من ثورة يوليو.<br />
أو بشكل أدق: محاولة لرد اعتبار لثورة يوليو ..<br />
<br />
والأن الأسئلة كثيرة؛ تظل الإجابات كثيرة، فلنحاول الإجابة إذن عبر ملاحظة أو سبب واحد؛ سبب بدهى نعيشه جميعاَ الآن؛ ليس مضى نصف قرن على ثورة يوليو وحسب، وإنما الدعوة (للمقاومة) ضد صلف ومذابح الإسرائيليين الآن فى جنين وأخواتها ..<br />
<br />
إنه رد الفعل (المقاومة) ضد العنصرية الصهيونية ـ الأمريكية اليوم فى وقت مازالت الحكومات العربية غائبة .. فى الوقت الذى كانت القوات الإسرائيلية تعصف بكل شئ فى جنين ونابلس وطولكرم .. إلى آخر المدن العربية، لم تتحرك فى بلاد العرب إلا الشعوب خلال الشارع العربى ومظاهراته التى استعلت لفترة طويلة .. حين كانت طائرات الأباتشى تصب نيرانها على العزل من أعلى والبلدوزرات والدبابات زنة 80 طناَ تهرس العزل من أسفل وتحاصر كنيسة المهد ويطلق عليها النيران .. فى هذا الوقت رأيت مسيرة ضخمة تخرج فى ميدان التحرير فى القاهرة وأمام السفارة الأمريكية تحمل اللافتات ضد التتار الصهيونى وفى الوقت نفسه تعلو بين أيديها صورة عبد الناصر، فى حين أننى رأيت فى نهاية المسيرة فتاة عربية تحمل يافطة كتب عليها عبارة مؤسية "هش.. سكون.. العرب نائمون" ..<br />
<br />
وقتها لم أسأل نفسى: لماذا صورة عبد الناصر فى هذا الوقت وفى هذه المسيرة؟<br />
<br />
لم أبحث عن إجابة، فقد كانت الإجابة تطوى فى القلوب، إنه ـ عبد الناصر، حتى ولو كانت الصورة تظل الرمز على المقاومة ..<br />
<br />
الرمز على المشروع الدى تبناه عبد الناصر ورحل شهيداَ من أجله.<br />
<br />
إنه الرمز الباقى فى هذه الفقرة العصيبة من تاريخنا ..<br />
<br />
إنه الرمز/الواقع الذى نتأمل فيه أكثر.<br />
<br />
إنه رد الأعتبار إذن الذى نسعى إليه الآن ..<br />
<br />
وبادئ ذو بدء؛ لابد أن نضع فى حسباننا وتصورنا ـ ونحن نكررها دائماَ، إننا نبحث عن إعادة اعتبار لجمال عبد الناصر ..<br />
هذه هى الحقيقة الغائبة الحاضرة دائما.<br />
وهو ما نسعى إلى بعضه الآن.<br />
والعودة إلى السبب البدهى، فإن الأحداث الجارية، خاصة بعد الاجتياح الإسرائيلى للأرض الفلسطينية 29 مارس الماضى وعملية غزو العراق التى كانت تنقل عبر الهواء مباشرة وتشاهد عبرها الأسلحة الأنجلو أمريكية تحصد أرواح العراقيين بين شامت وساكت وشاجب..!!، أثارت فينا، أو دفعت بالشارع العربى ـ دعك من المثقف ـ الأثر الكبير الذى تركه عبد الناصر أو الزمن السحيق (هل هو سحيق حقاَ..؟) والذى مازال يدفعا الآن ـ وكأننا بعد قرون من منتصف القرن الماضى ـ لاستدعاء عبد الناصر، ربما كانت الإجابة العفوية الصادقة، ألأنه صاحب شعار القوة، نقصد شعاره الذى بعث فينا جميعاَ نبض الحياة عشية 1976 أن:<br />
“ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.<br />
<br />
'''بيد أن هذا يدفعنا إلى سؤال أكثر مرارة:'''<br />
<br />
وهل كان الواقع حولنا وبنا يشى بغير ذلك؟<br />
<br />
هل كان ما تفعله إسرائيل فى الحرب العالمية الأولى ـ 1984 أو الثانية 1956 ـ أو الثالثة 1976 ـ ثم الرابعة والخامسة 1973 و 1982.. وما عرفناه عبر الممارسات الدموية ضد أطفال الانتفاضة الأولى أو الثانية.. غير كاف لئلا ننسى هذا الشعار؟<br />
<br />
لعله من الأوفق أن نقول أن الشعار ظل بيننا، لم يغب أبداَ، وإنما جعل الاجتياح الإسرائيلى والعمليات الاستشهادية والمقاومة المجيدة فى جنين قد جعلتنا نراه اكثر.<br />
<br />
الواقع المر على الأرض هناك، وهنا، دفعنا لنرى أكثر.<br />
<br />
أو دفعنا لنرى أكثر وكأننا كنا نياماَ ..<br />
<br />
هل هى مصادفة أن تبدأ الأنتفاضة الثانية فى 28 سبتمبر منذ قرابة عامين (28 سبتمبر كانت تاريخ رحيل عبد الناصر) ؟<br />
<br />
هل مصادفة ألا يعقد أى مؤتمر عربى الآن منذ الاجتياح الإسرائيلى 29 مارس دون أن يكون “الإلهام الحقيقى للزخم الذى حدث فى هذا المؤتمر ـ أو ذاك ـ تعبيراَ عما يحدث فى الشارع العربى هو ثورة يوليو وأفكارها ومبادئها وشعاراتها” بل (كما ردد البعض فى ندوة “رامتان” أخيراَ) زعيمها جمال عبد الناصر..؟<br />
<br />
فضلاَ عما أحدثته هذه الثورة داخل المصريين من تجسيد الوعى القومى العربى وقد كان قيل ذلك وحتى توقيع بروتوكول اسكندرية 1944 لجامعة الدول العربية.<br />
<br />
ولهذا، ولغيره، نقول: إنه سبب بدهى أن نتذكر عبد الناصر الذى غابت دولته وراء (هزيمة) 1967، نقول دولته وبقى مشروعه الثورى الحضارى المقاوم الأول حتى الآن ..<br />
<br />
بيد أن مشروعه الفكرى المقاوم لابد أن يتحدد بشكل أكثر فى الحاضر.<br />
<br />
إننا حين نتذكر مشروع عبد الناصر الآن لابد أن نضعه فى سياقه. وبعيداَ عن الأسئلة التى يرفضها التاريخ والتى تبدأ دائماَ بعلامة التمنى: (لو) ..<br />
<br />
ـ لو كان عبد الناصر بيننا الآن فكيف كنا سنقاوم القوى العنصرية الغريبة فى إسرائيل؟<br />
<br />
ـ لوكان عبد الناصر بيننا فكيف كنا سنقاوم التحالف الأمريكى البريطانى لاغتصاب العرا ونهب ثرواته.<br />
<br />
ـ لو كان عبد الناصر بيننا كيف كان العم سام يستطيع الجلوس على عرش الشرق الأةسط فى الخليج وبلاد ما بين النهرين..!!<br />
<br />
الإجابة بالقوة طبعاَ، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. كما ردد كثيراَ.<br />
<br />
'''ونعيد طرح السؤال:'''<br />
<br />
ـ وعبد الناصر ليس بيننا الآن فكيف سنقاوم..؟<br />
<br />
الإجابة بالقطع نؤكد: بالقوة.<br />
<br />
ـ ولا يلبث الواقع أن يضيف ويلفت النظر بعنف:<br />
<br />
ولكن القوة تغيرت.<br />
<br />
إن القوة الآن تحددت أكثر فى السياسات التكنولوجية والفجوة الرقمية الهائلة التى أصبحت بيننا، ولم نصبح نحن بينها.<br />
<br />
أصبح العالم الغربى يتقدم عنا كثيراَ فى هذه القوة ليست القوة فى حد ذاتها، وإنما القوة بمجموعها حين يكتمل مشروع جمال عبد الناصر فنرى القوة ضرورة تلاشى الفجوة الرقمية القائمة بين الأقطار العربية، والبحث عن طريقة مثلى سريعة لامتلاك هذه القوة.<br />
<br />
لتضييق هذه الفجوة المهنية خلال فترة زمنية ضئيلة جداَ لحجم المخاطرة الضخمة التى تواجهنا.<br />
لا تواجهنا نحن فقط فى الأرض المحتلة.<br />
<br />
عبر أهلنا واطفالنا الذين يقتلون أو يسجنون يومياَ.<br />
<br />
وإنما، عبر أقطارنا العربية التى تواجه ـ أمام القوة فى القطاعات الغربية والعنصرية ـ تكنولوجيا رقمية متقدمة عنا كثيراَ..<br />
<br />
وبدهى أن القوة هنا تمضى على ثلاث مستويات.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية.<br />
<br />
الصناعة التكنولوجية العربية عبر (استراتيجية) جديدة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، يكون علينا أن نعيد ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن غياب القوة الآن يعنى غياب مشروع عبد الناصر.<br />
<br />
وغياب عبد الناصر يعنى غياب التنسيق الواجب بين الدول العربية فى الصناعة التكنولوجيا، ومن ثم التقصير فى التأهب السريع فى مجال تطور التقنية، خاصة أنها تؤثر الآن ليس فى مجال حياة المواطنين فحسب، أو فى مجال سيطرة العولمة الاقتصادية والثقافية، وإنما ـ فى هذا السياق ـ فى مجال (القوة) ـ بما فيها العسكرية ـ لمواجهة القوة المضادة.<br />
<br />
إن غياب عبد الناصر، يعنى، تماهى الشعوب العربية فى غياهب العولمة الأمريكية بعد (عسكرة العولمة) وتحولنا من مقاومين للأمركة إلى تابعين لبوش الثانى ..إن واضعى السياسات فى عالمنا العربى اليوم يجب أن ينتبهوا أولاَ إلى أن القوة هى السبيل الوحيد لاسترداد الحق.<br />
<br />
وأن القوة تغيرت نوعيتها بعد نصف قرن على ثورة يوليو.<br />
<br />
وأن القوة يجب أن تمضى فى تفعيل الدور العربى وليعبر كل قطر فى الوسائل التجارية أو القياسات العالمية أو شركات الإنترنت .. إلى غير ذلك، وإنما بالإضافة إلى ذلك كله القوة التى تتمثل فى النهوض بقطاع التكنولوجيا الرقمية ليمكن مواجهة القوة الأخرى المضادة.<br />
<br />
وفى غيبة القوة لن نستطيع أن نسترد ما أخذ بالقوة.<br />
<br />
وبغير القوة لن نستطيع ان نتمثل الأية الكريمة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و ..} إلى آخر ما تحثنا الأديان السماوية.<br />
<br />
'''لكن يعود إلينا السؤال من جديد:'''<br />
<br />
لماذا رد الاعتبار الآن؟<br />
<br />
يعود السؤال وتطل علينا إجابة آحرى..<br />
<br />
إنها الشهادة الغائبة بعد ثورة يوليو بنصف قرن..<br />
<br />
وبعد رحيل عبد الناصر بأكثر من ثلث قرن.<br />
<br />
لماذا نتذكر هذا كله الآن..؟<br />
<br />
لنقترب من إجابة آخرى من جديد.<br />
<br />
"ـ.. كان كل ما كان يضايقنى .. أن القدر قد أتاح لأناس كثيرين أن تتكلم ووالدى لم يتح له الكلام .. و .. (و) .."<br />
<br />
كان هذا ما جاء على لسان هدى عبد الناصر بالحرف الواحد فى حوار معها على الشاشة الزرقاء قبل فتة ليت بالقريبة، ورددته بعض الصحف فى صيف 2002.<br />
<br />
وكان هذا أكثر ما كان يؤرقنى كتلميذ فى مدرسة التاريخ، رددته كثيراَ بين نفسى، وكتبته أكثر من مرة، وقلته فى أوقات كثيرة لعل آخرها الندوة التى أقيمت بالأهرام منذ أكثر من عام حول (الوثائق) ونشرها "الأهرام الدولى".<br />
<br />
كان سؤال هذه الندوة ـ وكانت د. هدى بيننا ـ أين وثائق الثورة؟<br />
<br />
'''وعدت أردد بشكل أكثر دقة فى هذا المقام:'''<br />
<br />
ـ أين شهادة الرئيس عبد الناصر؟ أين شهادة أهم من عاصر ثورة يوليو ـ على الإطلاق..؟<br />
<br />
إن الجميع قالوا أفكارهم وشهاداتهم عن ثورة يوليو ـ الأعداء والأصدقاء ـ كتاب المذكرات وكتاب الذكريات ـ المؤرخون والهواة والمتربحين وحتى الفنانات ـ وغيرهم كثيرين.<br />
<br />
(أضفت بأسى) إلا واحداَ هو جمال عبد الناصر بنفسه.<br />
<br />
إن حياة عبد الناصر ـ التى هى أحداث مصر: واقعها ومصائرها طيلة الخمسينات والستينات غائبة إلى حد بعيد.<br />
<br />
ومشروع عبد الناصر الذى رحل من أجله غائب ويغيب يالتقادم.<br />
<br />
رغم الكثير مما قيل فيه وعنه ..<br />
<br />
حاضر إلى حد بعيد .. رغم القليل مما يقال فيه وعنه.<br />
<br />
وإذا كنا قد استمعنا إلى الكثيرين.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف البريطانى قد فتح أمامنا.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الأمريكى تعرفنا عليه.<br />
<br />
وإذا كان الأرشيف الروسى أفرج عن الكثير (وبريما كوف ضمن بعضها الآن فى آخر كتاب له).<br />
<br />
وإذا كان القاضى والدانى تحدث كثيراَ عن الأحداث والمواقف والشخصيات.. إلى آخر ما يصنع حركة التاريخ ويحكم عليها .. إذن، أين هى شهادة جمال عبد الناصر..؟<br />
<br />
ثم كانت فرصة (حلقة نقاشية) أخيراَ أقامتها د. هدى عبد الناصر وحضرها عدد كبير من القوميين والناصريين والشهود من عصر عبد الناصر ـ فى أغلبهم ـ ووجدتنى، أنتظر الجميع حتى يدلون بشهاداتهم ثم أسأل السؤال الذى حيرنى طويلاَ بعد أن رحل عبد الناصر فجأة فى سبتمبر 1970، سألت، وأنا أوجه السؤال إلى إبنة الزعيم:<br />
<br />
ـ سمعنا شهادات كثيرة جداَ، ولم نعرف شهادة أهم شخصية فى ثورة يوليو؛ جمال عبد الناصر .. <br />
<br />
لقد قرأت كثيراَ وعرفت ـ وكنت أحد شهود هذه الفترة ـ أن عبد الناصر كان صريحاَ إلى أبعد الحدود، وأنه كان ـ فى الوقت نفسه ـ واعياَ للمرحلة التى يعيشها إلى أبعد حدود، ومن هنا، فإنه ما كاد ينهى لقاءه مع شخصية سياسية كبيرة أو دبلوماسى كبير إلا وكان أول ما يفعله أن يمضى؛ يجلس مباشرة إلى مكتبه ويكتب ـ بعد اللقاء مباشرة ـ كل ما دار، بالحرف والنص. <br />
<br />
كان واعياَ للتاريخ. <br />
<br />
وواعياَ لدوره الحيوى فى التاريخ. <br />
<br />
فأين ـ عدت إلى سؤالى قبل أن أتحول إلى غيره ـ .. فأين هذه الشهادة؟<br />
<br />
شهادة عبد الناصر؟<br />
<br />
'''تحدثت ابنة عبد الناصر وبمرارة شديدة قالت بالحرف:'''<br />
<br />
"شهادة عبد الناصر، إنها فى محاضر الجلسات التى كان يحضرها فى مجلس الوزراء وفى الاتحاد الاشتراكى وفى المباحث .. إلخ".<br />
من هنا ـ أضافت ـ كان اهتمامى بنشر محاضر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى وقد حصلت عليها بالمصادفة. <br />
<br />
وسوف تنشر ناقصة جلستين بعد أن يأست من تعاون البعض معى (!!) <br />
<br />
أما عن محاضر الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى التى نشرها البعض، والذى يقول فيها أنه أستطاع الحصول عليها حين أعطاها له فى يده أنور السادات وقال له أنشرها .. هنا؛ أنا لا أعرف؛ هل مانشر هو النصوص الحقيقية بغض النظر عن تعليقاته الخاصة؟ هل فى النصوص الحقيقية؟ هل حذف منها شئ ـ مثلاَ ـ الإجابة: لا أعرف؟ لماذا؟ سألت أجابت ـ لأننى ببساطة لا أستطيع الوصول إلى النسخة الأصلية لها بدار الوثائق المصرية ولا بأى مكان آخر .<br />
<br />
أمر آخر يحيرنى كثيراَ .. أضافت فى حيرة شديدة ومع ذلك أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها جمال عبد الناصر وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنفيذية العليا؟ <br />
<br />
أين هذه الجلسات؟ إن هناك محاضر وجلسات عثرت عليها بالمصادفة .. وجدته عنده فى مكتبه ـ أى فى مكتب الرئيس ـ لكن يظل السؤال قائماَ، مادمنا لم نعثر إلا على بعض المحاضر ، ، أين باقى محاضر مجلس الوزراء التى كان يحضرها؟ فالمعروف أن عبد الناصر كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء خاصة فى فترات الأزمات ـ مثلاَ ـ باللجنة التنفيذية العليا .<br />
<br />
'''ومع ذلك، نعود لنسأل:'''<br />
<br />
ـ أين محاضر مجلس الوزراء التى كان يرأسها جمال عبد الناصر وقت الأزمات؟ وأيضاَ أين محاضر اللجنة التنقيذية العليا؟<br />
<br />
كان جمال عبد الناصر يسجل جميع المباحثات، وكلها كانت محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات .<br />
<br />
عبد الناصر "عمره ماعمل مباحثات تحت الشجرة" كل شئ مسجل وموجود، وأنا أجزم بذلك. وقد عملت فى سكرتارية الرئيس للمعلومات الفترة من سنة 1967 إلى 1970 .. وبالتالى فأنا على دراية بما كان موجوداَ.<br />
<br />
إذن، كان جمال عبد الناصر موجوداَ فى كل الأجتماعات التى كان يحضرها على جميع مستويات الدولة. <br />
<br />
وجمال عبد الناصر يؤكد مشرعه ويسجله فى كل الاجتماعات التى يحضرها على جميع المستويات. <br />
<br />
لماذا؟ <br />
<br />
ـ لأن ياسته كانت واحدة فى العلن والسر، لم يكن هناك أى شئ مخفى أو شبه علنى، لا، كانت هناك فقط أشياء لا تعلن لدواعى الأمن، لكنها موجودة ومكتوبة ومدونة فى هذه المحاضر .. كل شئ كان موجوداَ وموثوقاَ ولهذا أريد أن أصل إلى هذه المحاضر بأية طريقة. <br />
<br />
تنتهى شجون ابنة عبد الناصر ولا ينتهى البحث عن شهادته. <br />
<br />
ولا تنتهى هذه المحاولة منا هنا، والآن، لمحاولة رد الاعتبار لعبد الناصر بعد نصف قرن من يام ثورة يوليو وأكثر من ثلث قرن على رحيله. <br />
<br />
المحاولة رغم غياب الوثائق، وغياب الحافز الفردى فى وقت يتعرض فيه عبد الناصر أهم رموز ثورة يوليو لنزاع الخلط والخطأ والؤامرة أما الخلط، فهو لغياب المصادر والوثائق. <br />
<br />
والخطأ لغياب الحيدة والوعى. <br />
<br />
والؤامرة، لأن العنصرية الغريبة / الإسرائيلية تبذل كل جهد لغياب الوجه الوطنى العربى المقاوم لجمال عبد الناصر. <br />
<br />
وإنما ماذا نفعل ـ فى ضوء التاريخ ـ لنعرف ماذا سيحدث فى المستقبل؟ <br />
<br />
أصبح الماضى ـ فيما نرى ـ هو الدافع الكبير لتحريك الفكر (المضارع) وإدراك (الوعى) الحاضر من أجل امتلاك الإدارة (بالمستقبل). <br />
<br />
ولأن عبد الناصر جزء من خيوط الماضى؛ فإنه ـ فى ضوء المضارع ـ يظل نسيجاَ حياَ من مصادر الوعى بالحاضر، ومن ثم، الوعى (بمشروعه) هو الوعى باكتمال النيج فى امتداد المستقبل. <br />
<br />
'''عبد الناصر مازال بيننا:'''<br />
<br />
ورغم أن هذه المحاولة ليست الأولى (أنظر إلى كتابنا: المثقفون وعبد الناصر، الطبعة الثانية، دار غريب 2000) .. فإننا حاولنا هنا أن نستعيد الوعى بعبد الناصر عبر عدد من القضايا الحية، وأذكر أن كل فصوله كانت ـ فى الأصل ـ أبحاثاَ ومجالاَ لمطارحات بين كاتب هذه السطور وبين عدد كبير من الجماهير العربية ـ ليس المثقفين فقط ـ فقط طرحت أغلب هذه الأبحاث بين باريس ومدريد، كما بعضها الآخر بين تونس والأردن والقاهرة .. إلخ.<br />
<br />
وفى جميع الحالات استفدت عن عبد الناصر العربى (ولي المصرى فقط) .. وأقول العربى، لأن عبد الناصر كان واعياَ للعبد العربى وعياَ حاداَ رغم الهزائم التى شارك فيها العدو والصديق وأعترف أننى استفدت كثيراَ بهذه المطارحات والحوارات سواء مع (شهود) عصر عبد الناصر قبل ربع قرن، أو الجماهير العربية خارج مصر وداخلها. <br />
<br />
كما يجب أن أعترف أننى وإن اجتهدت طويلاَ للحصول على الوثيقة لتأكيد دور ثورة يوليو، فقط نجحت كثيراَ فى الحصول على كثير من الشهادات ـ المصادر الحية ـ ومن شتى التيارات، وهى شهادات ـ كما نرى ـ غاب بعضها، ومازال البعض الآن بيننا وقد أرجأنا بنشر الشهادات، على أهميتها، للجزء التالى .. استكمل فيه عملية رد الاعتبار فى ضوء الشهادات الحية.<br />
<br />
أما عن المنهج الذى اتفدت به ـ فضلاَ عن السطور السابقة ـ فقد كان المنهج التاريخى والموضوعى خاصة، والوثائ بوجه أخص؛ ثم هذه المصادر الحية عبر (محاضر نقاش) موثقة ومسجلة.<br />
<br />
خاصة أننى أحاول أن أستعيد "مشروع" عبد الناصر/ ثورة يوليو فى عصر العولمة .. أى بعد نصف قرن من رحيله، ومن ثم، تحررت من حجاب المعاصرة وإن لم أستطيع أن أتخلص منه تماماَ.<br />
<br />
حاولت ذلك عبر عديد من القضايا المعلقة: أهل الثقة وأهل الخبرة؟؟ ، قضية الديمقراطية، والتعذيب، العلاقة بين القانون والثورة، حقيقة تأميم القناة؛ قناة السويس .. إلى غير هذا من أصداء غامضة رغم مضى نصف قرن على ثورة يوليو. <br />
<br />
وفى جميع الحالات فإننى أقول ـ كما قلت ـ منذ قرابة ربع قرن ـ أننى سعيت كثيراَ إلى الحيدة فى الكتابة عن ثورة يوليو خاصة وعن عبد الناصر على وجه أخص، غير أنه "مع يقينى أن الحيدة محض وهم فى العلوم الإنسانية، فإننى أزعم أننى جهدت أن أكون محايداَ بالدرجة الأولى" كما أقول دائماَ.<br />
<br />
ولكننى مازلت أسأل نفسى ـ كما فعلت من قبل ـ هل امتلكت ـ بالفعل ـ ادعاء بالحيدة المطلقة؟ أسأل ومازلت أجيب أننى أزعم أننى أحرص على الحيدة، ولكن، أية حيدة عصر الغرب الأمريكى الامبريالى الشرس الآن الذى يحاول أن يطوى دافعاَ تاريخياَ قوياَ بالقضاء على القاومة العربية سواء فى نابلس أو البحرين أو القاهرة أو الدار البيضاء.<br />
<br />
الذى يريد الآن القضاء على مشروع ثورة 1952 ورمزها الحى فى ضمائرنا لا أريد أن أستطرد أكثر فى مؤامرة الغرب و "عسكرة العالم" عقب 11 سبتمبر، وإنما أرد أو سعيت لرد اعتبار عبد الناصر الذى وجدناه لدى أبنائنا فى الشوارع العربية، وفى بعض الفضائيات غير المدجنة .. وفى بعض وسائل الإعلام التى تركت (صورة) عبد الناصر، وربما ترديد (مشروعه) كتنفيس للجماهير العربية التى افتقدت فى عصر المهانة شعار رفع "الرأس" الذى دعا إليه عبد الناصر منذ نصف قرن أو ينيف.<br />
<br />
بقى أن نوجه الشكر الخالص إلى د. هدى عبد الناصر، التى أبدت الرغبات فى مراحعة النص، وأفادتنا ببعض الملاحظات المهمة وامدتنا ببعض الوثائق الغائبة فى هذا الصدد. <br />
<br />
وبعد، هذه المحاولة لإعادة اعتبار لثورة يوليو ومشروع "عبد الناصر" الذى مازال صالحاَ لاشتعادته عبر شروط الحاضر لتجسيد (الفعل) الذى يجب أن ينتقل بنا إلى المستقبل.. <br />
<br />
وآخر دعوانا أن الحمد لله،،<br />
<br />
'''مصطفى عبد الغنى'''<br />
<br />
'''القاهرة 2004'''<br />
<br />
==القسم الأول: دراسة==<br />
<br />
===الفصل الأول: عبد الناصر وقضية الولاء===<br />
<br />
فى البدء كان الولاء.<br />
<br />
فى البدء كان التباين والخلاف بين عبد الناصر والمثقفين، أو بدا أنه التباين بين الطرفين، الأول بحكم ما يمتلكه من سلطة ثورية والآخر بما يعرفه من سلطة ثقافية، ومن هنا، ارتبطت العلاقة بين الطرفين بطلب الولاء.<br />
<br />
كانت واو العطف هنا فى علاقة الثورة (و) المثقف علاقة بدهية، المثقف هنا اسم معطوف على عبد الناصر، ومن ثم، فإن كايهما شئ واحد، فتصبح أطراف المعادلة متساوية.<br />
<br />
فعبد الناصر كان رمزاَ (للسلطة الثورة) أى صاحب القوة، الذى يتعرض لمعارضة قوة كثيرة فى الداخل والخارج، ويسعى لمواجهتها بجبهة واحدة.<br />
<br />
والآخر ـ المثقف ـ كان رمزاَ ( لسلطة ثقافية) أى صاحب كلمة وإن تكن مجردة من أسباب القوة العملية فإنها تسعى لتأكيد سلطة الكلمة وأهميتها دون التنبه لخطورة الغرب ضدنا حينئذ.<br />
<br />
ولما كان صاحب القوة أكثر فعالية.<br />
<br />
ولما كان صاحب الثقافة أقل فعالية.<br />
<br />
فإن العلاقة بين متساويين لم تكن متساوية لم تكن لتشير إلى متعادلين، فقط، اللهم إلا فى الحجج التى يسوقها الاخر، وهى أيضاَ، تخضع كغيرها ـ لقانون القوة؛ ومن ثم نشأ الصراع.<br />
<br />
كان الصراع هو عنوان العلاقة بين سلتطين.<br />
<br />
وكان حسم هذا الصراع مرهوناَ بقناعات بكل طرف وآليات تطوره فى الواقع العربى فى النصف القرن الأخير من القرن العشرين، '''ومن هنا، فإن التعرف على طبيعة هذا الصراع تمر بنا عبر عدة مشاهد:'''<br />
<br />
فلنتمهل قبل كل شئ عند وعى عبد الناصر للمثقفين قبل أن نصل للعلاقة بينهما عبر هذه المشاه. <br />
<br />
====تمهيد : المثقف : المفهوم والدور====<br />
<br />
ترتبط صورة المثقف عند عبد الناصر بالنظام أو محدد من خلال منظوره العام.<br />
<br />
فما هو المثقف عند عبد الناصر؟<br />
<br />
من الملاحظ أن عبد الناصر منذ منتصف الخمسينات أو قبل ذلك بقليل، حين يد للجماهير حكومة الثورة ويربط بينها وبين الدولة. فيرى أنها تمثل رمزاَ عاماَ لكل الفئات والرموز العاملة فى ذلك الوقت المبكر فهى تسمى (حكومة المثقفين) والطلاب وأهل الرأى. إذ كانت "حلم هؤلاء المثقفين، كتبوا لها وخطبوا وهى مشغولة البال بأداة الحكم "وفى منتصف الستينات كان يرى أن (طليعة المثقفين) هم الذين يقودوا " العمل والإنتاج والكفاح" فى إطار الدولة القديمة.<br />
<br />
ومراجعة خطب الرئيس عبد الناصر وتصريحاته طيلة الخمسينات والستينات تؤكد أكثر على أن مفهومه بالنسبة إلى المثقفين لم يكن ليزيد على أهم فئة فاعية تضيف إلى قوة الدولة وقوداَ وتعمل خلالها وهو ما يفسر تعريفه للمثقف خاصة فى الفترة المبكرة من قيام ثورة 1952.<br />
<br />
وهنا تحدد مفهوم عبد الناصر للمثقفين.<br />
<br />
كان المثقف عنده هو من "من يكدح ذهنياَ ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، سواء كان مهندساَ فى الصحراء أو عالم الذرة أو عاملاَ نقابياَ أو كاتباَ أو طبيباَ أو باحثاض أو فناناَ أو أستاذاَ أو طالباَ،إن هذه العناصر الكثيرة رغم الرابطة الوحيدة التى يمثلها وصف المثقفين لا تمثل مظلة واحدة لأن المثقفين ضمن تحالف قوة الشعب العاملة ليوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة".<br />
<br />
وفى هذا الإطار، الثقفون هم القوة التابعة، نستطيع أن نتمهل عند كثير من صفات المثقفين، فالمثقف عنده هو غير المتعلم وإنما هو أكثر وعياَ وفعالية بجانب الدولة وهو (المثقف الاجتماعى)، و (المثقف الثورى) و( المثقف الملتزم) و (المثق الطليعة) و(المثقف المحلل) ويتبلور المعنى أكثر مع الوقت فيضيف إلى الثنائية بين المثقف والمتعلم ثنائية السلفى والتغريبى وثنائية البيروقراطى والثورى، ثم تتسع الدائرة أكثر لديه حين يشير فى أكثر من موضوع إلى (المثقف الملتزم) فيضيف إلى المثقف الواع بقضايا المجتمع وعياَ آخر على المستوى الومى والدولى. <br />
<br />
ويتبلور المفهوم والدور أكثر فى الستينات.<br />
<br />
إنه ففى الستينات ـ وقد تحدد الدور أكثر ـ يراه قوة فى التحالف الشعبى وفى نفس الوقت قوة فى فهم أصول اليادة الوطنية وتحقيق الوحدة العربية. ومن هنا "فإن المثقف المتكامل عند عبد الناصر هو الذى يدرك حقائق الوحدة القومية والتطور الدولى بد إدراكه وفهمه لقضايا التنمية وإدارة المجتمع وطريقة مواجهة تناقضاته مرحلة التحول".<br />
<br />
كان يقول أن المثقفين يمكن أن يتفرقوا فى ماقف ذاتية وطبقية، لكنه يستدرك دائماَ فى أكثر من مناسبة ـ بأنه "يجمعهم دور طليعى" فعال.<br />
<br />
إنهم ليوا طبقة خارج المجتمع أو متميزة فيه، وإنما هم ضمن تحالف قوى الشعب العاملمة.<br />
إنهم "ليسوا طبقة وإنما هم على وحه الدقة قوة".<br />
<br />
ولنا أن نتوقف هنا طويلاَ، لنتأمل فى لفظه (ضمن) أى داخل تيار التغير الثورى وليس خارجاَ عنه بأيه حال.<br />
إن المثقف ـ بوضوح شديد ـ قوة (ضمن) قوى أخرى كبيرة يمثل حاصلها نموذج الدولة التى تحارب على جبهات شتى داخلية وخارجية.<br />
<br />
'''معنى هذا كله أن عبد الناصر انطلق فى موقف من المثقف من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ إن المثقف يمثلون (قوة) ضمن التنظيم الشعبى (الوطنى) وليس خارجاَ عنه أو متخذاَ منه موقف المعارضة.<br />
<br />
ـ إن المثقف هو الذى يدرك الوعى الاجتماعى وليس عبر (تنظيم) اجتماعى معاد.<br />
<br />
ـ إن المثقفين هم أقرب إلى العربى منه إلى الوعى الشعبى الضيق.<br />
<br />
ـ إن المثقف لا ينتمى بالولاء لفترة وإنما خلال أطر الدولة وتنظيماتها.<br />
<br />
إن المثقف لا يقود الجماهير ضد القيادة وإنما هو (المثقف الثورى) أى الوسيط بين القيادة الحاكمة الجماهير الشعبية.<br />
<br />
إنه أقرب إلى (المثقف العضوى) ـ كما نعرفه عند جرامشى منه من المثقف (التقليدى) ويجب أن نشدد هنا على القول أن عبد الناصر كان يؤثر أن يكون المثقفون (من شتى ألوان الطيف) كادراَ واحداَ داخل منظومة الكفاح الداخلى والخارجى، ومن ثم، فإن الطابع العملى لديه كان يواجه ـ من الناحية الأخرى ـ شيئاَ من التوجه الماغير بحكم تكوين المثقف ووعيه فى هذه الفترة.<br />
<br />
كان المطلوب من المثقف فى هذه الفترة ( الولاء) حين كانت قيادة عبد الناصر تحشد جميع القوى ضد الأخطار الداخلية والخارجية.<br />
<br />
وكانت مواقف المثقفين الخارحين من الفترة الليبرالية تعدد بين عديد من المواقف والأنماط.<br />
<br />
فى أول قيام الثورة بدا أن (التأييد) المطلق للمثقفين هو السائد فى العلاقة بين الثورة والمثقف، لكن مع أزمة 1954 تعددت المواقف، فأضيف إلى المثقف المؤيد ـ الذى بدا العديد من رموزه تتراجع ـ المثقف المتمرد والمتردد والمثقف الصامت.<br />
<br />
ومع توالى الأحداث وقرب النخبة السياسية من النخبة العسكرية بدأت كثير من المواف تتراجع وتتحول إلى أنماط مغايرة فى وقت كان النظام يحرص ـ لتأمين نظامه ـ على قيمة الولاء فى المقام الأول.<br />
<br />
ولأن موقف الثورة تواقف مع البعض، فإنه تعارض مع البعض الآخر، ومن هنا، كان علينا أن نشهد فترات متباينة فى التاريخ فى علاقة عبد الناصر مع المثقفين.<br />
<br />
وهى فترات أخذت صور العلاقة بينهما شكل الصراع لضمان قيمة (الولاء) فى فترة توالى المخاطر على النظام المصرى ومحاولة النيل منه. <br />
<br />
====المشهد الأول : قضية الولاء====<br />
<br />
بدهى أنه لايكمن أن نتحدث عن علاة عبد الناصر بالمثقفين دون أن نعثر ـ خاصة منذ باية الخمسينات ـ على نخبتين: العسكرية والثقافية.<br />
<br />
الأولى نخبة قيادية، والأخرى (تابعة) لها.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة التبعية بينهما تستمد قيمتها من عنصر (الولاء) و (الأمن) السياسى.<br />
<br />
ولأن الثورة كانت تريد نأمين نفسها فى السنوات الأولى، فقد كانت قضية (الولاء) ـ كما أسلفنا، هى أهم القضايا التى أنجبت قضايا أخرى، أهمها ما يسمى (بأهل الثقة وأهل الخبرة) وبدهر أن التفضيل لأهل الثقة يعنى التضحية بأهل الكفاءة.<br />
<br />
ومن البدهى هنا أن الولاء كانت تعنى مصطلحات كثيرة ترددت فى هذه الفترة من مثل (التعاون) أو (أهل الثقة) ، وهو ما نفهم معه أن النخبة من ذوى التوجه الفكرى مثل قسماَ تابعاَ تم تجنيده من بيروقراطية الدولة على أساس مهنى وتمثيلى وليس على أساس انتماء سياسى مستل (أى انتماء حزبى مستقل)، وعلاقته بالنخبة الياسية أو مؤهلاته الأولى كانت (الولاء).<br />
<br />
والذى يراجع هذه الفترة يلاحظ أنه فى حين بدا (التعاون) مرهوناَ ببدايات قيام الثورة لإبداء حسن النية بدا أكثر صعوبة بعد أزمة 1954 بوجه خاص ووصلت إلى قمتها مع حرب السويس 1956 '''وهى الفترة التى تمخضت عن سمتين هامتين:'''<br />
<br />
ـ نهاية الفترة الليبرالية.<br />
<br />
ـ تحول النظام إلى شرعية خاصة بعد انتهاء الحرب.<br />
<br />
ومع تشديد يد السلطة العسكرية على النظام بدا التشديد أكثر على قيمة (الولاء) وتفضيله، خاصة، أن عبد الناصر وجد نفسه ـ على الأقل عقب أزمة 54 ـ وسط معاد أو محافظة بالنسبة لخط العهد الجديد وهو مازاد الهوة بين العسكريين والمدنيين.<br />
<br />
بين عبد الناصر ـ الذى أصبح الآن رئيساَ متوجاَ بانتصاره فى حرب السويس ـ والمثقفين المعادين للثورة فى جملتهم خاصة أن الصراع أيديولوجياَ كان قد وصل إلى مناطق خطيرة مع عدد كبير من الليبراليين الإخوان واليسار الماركسى.<br />
<br />
وهو ما انعكس فى إثار العسكريين أكثر من المثقفين، وإثار فئة التكنوقراط والكوادر الفنية أكثر من ذوى الاتجاه الإنسانى والسياسى.<br />
<br />
وعبوراَفوق مظاهر كثيرة لقيمة (الولاء) وأثرها، سوف نتمهل عند بعض النماذج من المؤسسات لنرى إلى أين أتجه عبد الناصر فى تعامله مع المثقفين لحماية النظام.<br />
<br />
'''ويمكن تأكيد هذا العامل ( الولاء) عبر إجازه فى عدة نقاط دالة كالتالى:'''<br />
<br />
ـ كان الولاء ـ كما أشرنا ـ الباعث الرئيسى فى اختيار المثقفين خاصة فى تشكيل الوزارات، وهو ما تأكد منذ أول تشكيل وزارى للثورة إذ يلاحظ أنه فى وزارة 7 سبتمبر 1952 تم تشكيلها من عدد سبق انتماء بعضهم إلى الحزب الوطنى الجديد. وكان الباعث الرئيسى أن هذا الحزب لم يشارك فى أى تنظيم سياسى قبل الثورة كما لم يكن له أنصار تخيف.<br />
<br />
الحكام الجدد، وكان يرأسه فتحى رضوان المثقف الذى تربطه بعبد الناصر علاقات وثيقة فضلاَ أنه شارك فيه.<br />
<br />
اثنان من الإخوان المسلمين ممن كانا قد رشحا من المرشد العام دون الرجوع غلى كتب الإرشاد.<br />
<br />
ـ مع اختفاء المثقفين الذى ارتبطوا بأحزاب شعبية أو أفكار يمكن أن تعادى النظام الجديد، يلاحظ أن معظم من تولوا الوزارة فى الخمسينات (كما نلاحظ من الجدول) كانوا من المتخصصين وليسوا من السياسيين بأية حال أو ممن لم يمارسوا العمل السياسى قبل الثورة.<br />
<br />
ـ وهنا يمكن أن نلاحظ أثر الاطراد العكسى بين النقص المستمر فى التخصصات القانونية والإسنانية من عام 1952 والاطراد المستمر فى التخصصات التكنولوجية والعلوم، ويلاحظ دو كجيمان هنا أن نسبة المثقفين من ذوى التخصصات الإنستنية انكمشت، فبد أن كانت 18,8% فى سبتمبرانخفصت إلى حد التلاشى تماماَ علم 1964.<br />
<br />
ـ كان هذا يعنى أن اختيار المثقفين فى المناصب الرسمية يخضع لتدقيق شديد: وعلى سبيل المثال نجد أنه من تولى وزارة الثقافة والإرشاد القومى اثنان من المثقفين: فتحى رضوان وحسنين هيكل كانوا ينتمون إلى النظام بصلة تعاطف بل وعلاقات وثيقة بعبد الناصر نسفه. <br />
<br />
كان تأمين النظام أهم ما يهم عبد الناصر فى تلك المرحلة لمواجهة أية من المشاكل الخارجية والداخلية. <br />
<br />
فيقومون بدورهم كما هو تصور عبد الناصر داخل التنظيم الرسمى وليس ضده بأية حال.<br />
<br />
ـ هذا يفسر إذن ابتعاد عبد الناصر عن المثقفين ممن لهم خلفية سياسية أو يعملون فى المجال السياسى، ومن هنا، ظل الاعتماد على أولئك من أصحاب فكر المستقبل والنخبة المدنية ممن لا يشكلون قاعدة مستقلة عن السلطة المركزية.<br />
<br />
لقد بدا أن العلاقة بين عبد الناصر والتكنوقراط أكثر منها بين عبد الناصر والمثقفين الذين لا يرضون عن قيم الانتماء للنظام والعمل فى ركابه.<br />
<br />
ـ وعلى هذا النحو، بدا الاعتماد أكثر على العسكريين إلى جانب استبدال المثقفين التقليديين بنوع آخر من التكنوقراط ممن يضمن ولاءهم ـ على الأقل ـ بالتحييد أو عدم العمل بالسياسة التى تتعارض مع توجهات النظام مما بدا معه أن وجود المدنيين فى التشكيلات الوزارية الخاصة.<br />
<br />
وهذا يعنى ما سبق أن رددناه كثيراَ من أن المعيار الوحيد ـ للوزراء ـ على سبيل المثال ـ كان خضع اقيمة (الولاء الساسيى)، ومن هنا ، كان من الطبيعى أن نلاحظ أن العدد الحقيقى للوزراء من المدنيين كان قليلاَ جداَ بل أقل من عددهم المثبت فى الجدول الخاص بالوزراء ومما جاء فى الإحصاءات الرسمية وهو ما وجدناه أيضاَ فى كثير من مؤسسات الدولة كالنظام والجهاز التشريعى والنشاطات الاقتصادية ومجلس الوزراء والوزراء بل وفى الصحافة أيضاَ. <br />
<br />
ومع أن هذه النسبة تراجعت قليلاَ بعد هزيمة 1967، فإن النبة التابعة للنظام المدينة للولاء، التى لا تنتمى لأى تيار سياسى مستقل أو تتبع (تنظيماَ) سياسياَ مهما يكن تعاطفه مع النظام، وهو ما ستلقى به أكثر حين نترب من عبد الناصر الذى دعا المثقفين ـ بوضوح وصراحة شديدتين ـ أن يستعدوا عن أى تنظيم أو أى ولاء مغاير ليلعبوا دوراَ إيجابياَ.<br />
<br />
وفى التعامل مع المثقفين استخدم معهم أكثر من وسيلة: إما رفض أى تنظيم معارض وإما محاولة استقطابهم بشروط الولاء أو السيطرة على مؤسساته ومجالسه النيابة لحمايتها من المعارضينله وسوف نتوقف عند الجانب الأول: رفض أى تنظيم معارض وتطويعه.<br />
<br />
إنه دعاهم ـ فى الغالب ـ ليقوموا بدور تبشيرى لتأكيد أفكارهم، خاصة؛ التيار اليسارى.<br />
<br />
====المشهد الثانى : سان بيترز====<br />
<br />
كانت خشية عبد الناصر من أصحاب التنظيمات خارج الإطار الرسمى للدولة أكثر ما يجسد خوفه من العقائديين، وهو ما يظل يردده مرة بعد مرة.<br />
<br />
وكما كان يردده بالنسبة لجماعة الإخوان والمنتمين لهم من ذوى التوجه الفكرى، كذلك ظل يردده بالنسبة للشيوعيين إما بزجهم إلى السجون أو إزاحتهم عن كافة المناصب اولئك الشيوعيين، ومن شهادة لطاهر عبد الحكيم نقرأ أن عبد الناصر سعى إلى "إزاحة هؤلاء الشيوعيين من كافة التشكيلات والتنظيمات والمؤسسات ذات الطابع الجماهيرى، فمن فصل ما يرب إلى مائة من الصحفيين والشيوعيين والديموقراطين من جريدة الجمهورية والمجلات التى تصدر عنها، إلى فصل الطلبة الشيوعيين والديموقراطين من الجامعة إلى تحريم الوظائف العامة على الشيوعيين".<br />
<br />
كانت سياسة الولاء لا تفيد فى التعامل مع الماركسيين كنتظيم أو إطارات مؤسسية ـ على سبيل المثال ـ ومن ثم، فقد اتخدم معهم سياسة عنيفة لأنهم كانوا عقائدين يسعون ـ فى رأيه ـ إلى النظام وليس إلى تغيير بعض الأفكار أو العمل تحت إمرة (الحكومة المصرية) فى هذا الوقت، وقد سجلت الفترة بين عانى 1958 ـ 1964 موقفاَ عنيفاَ من عبد الناصر ضد هذه الكوادر فى محاولة استمالتها إلى سياسة الولاء.<br />
<br />
كانت هذه هى الفترة التى التقى فيها أنور السادات ـ بناء على تعليمات جمال عبد الناصر ـ عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى عام 1958 لإرغامه على حل الحزب الشيوعى المصرى، فى هذا اللقاء بين مندوب عبد الناصر بمندوب الشيوعيين المصريين '''قال أنور السادات لمحمود العالم بصراحة شديدة:'''<br />
<br />
ـ عاملين تنظيم ليه؟<br />
<br />
تنظيم يعنى سلطة، احنا عملنا تنظيم الضباط الأحرار وأخذنا السلطة، أنتم تصرون على أن تبقوا بالحزب الشيوعى ليه وهو تنظيم، يعنى عايزين سلطة يا محمود.<br />
<br />
وحين أبدى الأتاذ محمود أمين العالم رغبة شديدة فى (التعاون) مع النظام "محتفظين بمنبرنا المستقل، رفض هذا النظام وتم القبض على على جميع الكوادر السياسية الشيوعية والإخوان الذى تمثل محاولة قريبة الشبه بتلك فى فترة مبكرة من إنشاء هيئة التحرير، وقد ظل النظام لسنوات بعدها ـ كما يقول طاهر عبد الحكيم ـ معادياَ لفكرة وجود تنظيم سياسى مستقل عنه، ومن هنا، كان الضغط المستمر والمتصاعد من أجل حل الحزب الشيوعى المصرى.<br />
<br />
كان من الواضح أن عبد الناصر حريصاَ أشد الحرص على أن يكون المعارضين (تابعين) للتنظيم الرسمى، وأنه لا مجال هناك للصراع بين التنظيم الرسمى وأى تنظيم آخر ـ يسارى أو إسلامى ـ لقد اتخذ موقفاَ عنيفاَ من اليسار لأنه رفض حل الحزب والانضمام للاتحاد الاشتراكى.<br />
<br />
واتخذ موفاَ عنيفاَ من الإخوان لأنهم رفضوا ـ قبل ذلك ـ الانظمام إلى هيئة التحرير.<br />
<br />
لقد كان المثفون فرادى ـ مهما عارضوا ـ غير خطرين، أما حين يقوموا بدور مناقض من داخل تنطيمات معادية فهنا الخطر الذى يخشى منه عبد الناصر.<br />
<br />
كان يدعو إلى الولاء ليتعامل مع المثقفين.<br />
<br />
وهنا ثمة مفارقة تؤكد هذا، فكثير من المقبوض عليهم داخل السجون كانوا يعلنون (الولاء) لعبد الناصر، لكنهم مع ذلك لم يفرج عنهم، أو ـ حتى ـ تحسن معاملتهم ـ '''يفسر هذا محمد سيد أحمد مندهشاَ:'''<br />
<br />
(ـ .. لأننا لم نكن ندين "بالولاء" لتنظيم عبد الناصر الرسمى أو لنظامه، لقد كان عبد الناصر يريد منا ـ بوضوح شديد ـ حل التنظيم، حل الخطر المنظم المخيف كما كان يراه .. ).<br />
<br />
والغريب أنه ـ حتى ـ بعد أن تم حل الحزب وخرجوا من السجن كانت الخشية منهم قائمة، كان عبد الناصر يؤثر أن يظلموا بعيداَ عن العمل السياسى بأية حال، وهو ما ترجمه موقفه منهم بعد خروجهم حين لم يعمل منهم الكثير، كما لم ينضم منهم للتنظيم الرسمى الكثير.<br />
<br />
كان الأمر لا يخلوا من تخوف لدى النظام القائم.<br />
<br />
وقد كان اللقاء الأخير الذى تم بين عبد الناصر والمثقفين فى عام 1969 دافعاَ لتبرير هذا الموقف وداعياَ إليه.<br />
<br />
لقد استبدل عبد الناصر بمفهوم الولاء مفهوماَ مرادفاَ له فى المعنى مؤكداَ له فى القيمة.<br />
<br />
ففى حين اشتكى فيه اليساريون بأنه يجرى تمييز عنيف ضدهم فى الاتحاد الاشتراكى ليسقطوهم حين طلب منهم أن يظلوا بعيداَ عن التأثير السياسى، ففى هذا اللقاء طلب عبد الناصر منهم الابتعاد عن العمل السياسى إلى التبشير بأفكارهم الاشتراكية وإن كانت على طريقة القديس سان بيترز.<br />
<br />
والمعروف أن سان بيترز قضى الجزء الأخير من حياته مبشراَ بالمسيحية، مكتفياَ بالتبشير دون اللجوء إلى التنظيم العقيدى أو العنف بأية حال، وربما كان عبد الناصر ـ كما يذهب أحد الحاضرين أن دور سانت بيتر اقتصر على الصلب، ولما كان هو مؤسس الكنيسة الكاثوليكية الذى صلب فى روما بالفعل، فيبدوا أن عبد الناصر ـ كما لاحظ لويس عوض طلب من الشيوعيين أن يلاقوا مصير هذا الديس الذى طلب منهم الصلب من أجل آلامهم.<br />
<br />
ويضيف أحد الحاضرين حينئذ عبارة عبد الناصر بشكل قريب من هذا، '''يقول أبو سيف يوسف إن عبد الناصر قال لهم:'''<br />
<br />
ـ يجب أن تكونوا مثل سان بيتر، أى بشروا بالاشتراكية. أى ـ بمعنى أدق ـ ابعدوا عن السلطة.<br />
<br />
ويبدو أن عبد الناصر كان يريد تحقيق الاشتراكية بدء من أول الستينات ولكن لم يكن ليريد أن يشاركه معه اولئك الذين يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام، فحاول أن يحقق الاشتراكية (بدون اشتراكين)، اولئك الذين كانوا فى السجون إبان محاولات عبد الناصر الدؤوبة لتحيق العدل الاجتماعى وتأكيد قيمة المثقف ولكن داخل النظام لا خارجه.<br />
<br />
إنه الولاء الذى يطالب به ثانية من أجل التفرغ، لم يكن يريد للتناقضات الداخلية أن تستنفد جهوده للمعارك الخارجية بأية ثمن .. وهناك سؤال طرح فى هذا اللقاء يحمل معنى دالاَ، '''فقد كان أول ما سأل عبد الناصر عنه فى هذا اللقاء، هذا السؤال:'''<br />
<br />
ـ من تقدم للانتخابات النيابية هذه الفترة؟<br />
<br />
لستمع عبد الناصر قليلاَ لمن قال: نعم، غير ان أبو سيف يوسف قال وحده : لا، لم أتقدم للانتخابات.<br />
<br />
'''فقال عبد الناصر بما يجب تجيله لأهميته هنا:'''<br />
<br />
ـ اللى اتقدموا غلطانين وأبو يوسف صح..<br />
<br />
ـ من حقكم أن تبشروا بالاشتراكية مثل القديس بطرس، لكن غير مسموح لكم أن تتقدموا أو تستندوا للجماهير ضدى.<br />
<br />
ومهما يكن من درجة الاختلاف حول موقف عبد الناصر، فإن إيثاره لقيمة (الولاء) أو دعوته (للتبشير) هنا، إنما كان وراءها مفهوم آخر، لا يمكن فهمه إلا فى عصر جمال عبد الناصر، وهو أن المعارك التى دخلتها مصر بقيادة عبد الناصر فى الخمسينات والستينات كانت تحتاج إلى وحدة فى القصد، لم يكن هناك مكان ـ أى مكان ـ لإفرازات عقيدية أو أيديولوجية ـ ولم يكن هناك وسيلة للتحدث عن الديموقراطية فى وقت كان ينبغى توحيد الجهود لمعركة شاملة.<br />
<br />
التنوع أو الاختلاف هنا لن يفيد أمام عدو متحد لا يوزع الولاء فيه أكثر من مكان فى الجبهة الرئيسية.<br />
<br />
ويبدوا أن الاشتراكيين أنفسهم أدركوا هذا فى الفترة الأخيرة لوجود عبد الناصر بيننا.<br />
<br />
ويبقى أن نتنبه نحن ـ لآن ـ لهذا الدرس فى الصراع الدائر الذى يجب ألا يكون بيننا، ولكن بيننا وبين الغرب.<br />
<br />
'''وبعد، بقيت عدة إشارات لا بد من العودة إليها:'''<br />
<br />
ـ لم يكن عبد الناصر ليترك المثقفين المعادين له لتهديد النظام، وكما اتخذ مواقف عنيفة من بعض المثقفين الذين كانوا مستقلين، ولكن من ذوى الاتجاه السياسى المعارض (مثل إحسان عبد القدوس)، فإن موقفه كان أشد قسوة من اولئك الذين انتموا إلى تنظيمات عقيدية أو اشتراكية وبوحه خاص من الماركسيين المنظمين.<br />
<br />
(وعرفنا من هؤلاء فى سوريا ـ فترة الوحدة ـ البعثيون، والقوميون الاجتماعيون.<br />
<br />
كان عبد الناصر يرى أن النظام الجديد هو الذى يمثل (المثقف)، وعلى المثقف الواعى ـ وقد وضع تعريفات كثيرة له كما رأينا ـ هو الذى ينضم إلى الحكومة القائمة التى يمكن أن تسمى حكومة الثورة أو الحكومة المثقفة، وكثيراَ ماردد فى خطبة هذه العبارة الدالة "إن حكومة الثورة هى حكومة الأمة بطبقاتها جميعاَ".<br />
<br />
وهذا هو ماشكل (المرجعية) الفعلية لعبد الناصر فى تعامله مع المثقفين.<br />
<br />
كان (الولاء) أهم ما يحرص عليه فى التعامل مع أولئك المثقفين.<br />
<br />
ـ إن استخدام الولاء فى السنوات الأولى كان ـ بوجه خاص ـ لحماية النظام، وإن تداخلت معه عوامل أخرى فيما بعد، غير أن الحرص على النظام كان المحل الأول لحمايته من أعداء كثيرين، كانوا ـ فى أغلبهم، ينتمون إلى قوة منظمة فى الداخل والخارج.<br />
<br />
كان يرى أن المعركة مع العملاء الداخلين أو الخارجين إنما يستلزم توحيد الجهود، وأياَ كانت المسميات من إفرازات أيديولوجية أو معارضة، فإن العدو المتربص بنا يستوجب منا الحيطة، فلا نتوزع هنا وهناك بمسميات أو تيارات مختلفة، وإنما يكون (الاستقطاب) لمواجه عدو شرس خطر أمامنا.<br />
<br />
ـ إن عبد الناصر لم يكن ليعادى أحداَ على المستوى الفردى، وإنما كان أى مثقف ينتمى إلى مؤسسة (كالجامعة) أو تنظيمات (كالتنظيمات الإخزانية أو الماركية) ممن يمكن أن يمثلوا خطراَ على النظام.<br />
<br />
ولدينا أمثلة كثيرة لمثقفين عبروا عن آرائهم ضد النظام لم يتخذ ضدهم عبد الناصر أى إجراء، وعلى سبيل المثال كان العقاد يهاجم عبد الناصر فى بيته وجلساته الخاصة، وكان الحكيم قد كتب أكثر من مسرحية تهاجم النظام وهو وهو ما فعله بشكل أكثر قسوة نجيب محفوظ .. إلخ.<br />
<br />
ـ يرتبط بهذا أن النظام كان حريصاَ ألا يستعين بمثقفين من ذوى الماضى السياسى المغاير أو السياسى المختلف لحماية النظام، والدليل على هذا أن التشكيلات الورازية لو تضم غير كفاءات إدارية وتنفيذية عالية، من المثقفين الذين لا يحملون أى ماضى سياى أو فكرى مستقل، وعدا كل من حلمى مراد وعبد العزيز كامل نلتقى بأسماء مثل عزيزة صدقى وسيد مرعى وعبد العزيز حجازى، وحين أخرج حلمى مراد من الوزارة عين بدلاَ منه محمد حسين هيكل.<br />
<br />
وهو ما يبدو معه غلبة فئة التكنوقراط أكثر من المثقفين (المسيسين) أو من الشيوعيين أو أياَ من أعضاء التنظيمات السياسية المعادية سابقاَ رغم خروجهم من السجون.<br />
<br />
كان (الولاء) فى بداية الخمسينات هو أكثر ما حرص عليه عبد الناصر فى معركته فى الداخل والخارج، وهو ما يمكن أن نفسر به كثيراَ من معاركه مع المثقفين بشكل فردى أو جماعى، سواء أطلقنا كلمة (الولاء) أو (التعاون) أو (التبشير).<br />
<br />
كان هدف الرئيس مجابهة العدو بجبهة قوية متراصة.<br />
<br />
هو الدرس الذى لم يستفد منه المثقفون الآن، حيث تعدد، مواقف المثقفين بين أنماط شتى ومن مرجعيات شتى حيث تحول عصر العولمة إلى مصطلحات وتوجيهات شتى حيث نتعرف على مصطلحات جديدة مدمرة: كأن نتحدث عن مثقف السلام أو التطبيع أو ضروة التمويل أو البحث عن حقوق الأقليات .. إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأمانا الآن فى الوطن العربى، كما فى الغرب كله نماذج حادة شتى لهذا التصنيف؟؟ والغادر المخيف.<br />
<br />
===الفصل الثانى: عبد الناصر وقضية التعذيب===<br />
<br />
لا يمكن أن ننزع ظاهرة من سياقها..حدثت نفى فى هذا الشهر ونحن نسمع إثارة قضية حقوق الإنسان ـ ضمن قضايا كثيرة عن الثورة ـ .. أصوات غاضبة، مشهورة فى أغلبها مشحونة بالغضب، تتحدث عن إنجازات الثورة، وأصوات أخرى خافتة ممرورة تتحدث عن المصير الذى لاقاه النثقف وخاصة حين مورس ضده (التعذيب) وأصبح المثقفون فى سجون عبد الناصر يلاقون الإعانات لسنوات عرفوا فيها الكثير من صنوف التعذيب وأنواعه العديدة التى وجدناه فى أدبيات السجون فى هذه الفترة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو وجدنا أنفسنا فى زمن تفرق فيه الجميع بين صورتين مؤيد لثورة يوليو، ومعارض لها.<br />
مؤيد لإجراءات زعيم الثورة.<br />
<br />
معارض له.<br />
<br />
محللين للظاهرة فى الإطار الأشمل للدولة الاستبدادية فى الشرق، وأشكال قمعها المتوارث بحيدة تجهد أن تكون علمية.<br />
<br />
وتصل درحة التأييد أو المعارضة ـ وما بينهما ـ إلى حالة تشبه (النوستالوجيا). نرى فيها ندابات ومغنيين ووجوه قديمة نعرفها ووجوه جديدة لا نعرفها مع تقدم السن وقلة المعرفة.<br />
<br />
وفى جميع الحالات نعيش كثيراَ من قضايا الثورة فى مناخ غريب، ولا أمس من أن تعتقد الندوات وتقام المؤتمرات، ويمضى الشهر الحزين مردداَ من ورائه أنه لا المعارضون ولا المؤيدون يعرفون حركة التاريخ جيدا، فقط حجاب المعاصرة هو الذى يسدل على التاريخ فيغيب أهم ما فيه ويزيد من كثافته تصفيق المتفرجيت واستياء المغرضين.<br />
<br />
وقبل أن نصل إلى إحدى الظواهر المثارة فى هذه الحقبة، ثمة ملاحظات أولية لابد من الإشارة إليها قبل كل شئ.<br />
<br />
'''ملاحظات أولية :'''<br />
<br />
لايمكن أن نتحدث عن انتهاك انتهاك لحقوق اإنسان فى الإطار الكبير له من حيث علاقة الثورة بخصومها دون أن نشير إلى ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
وبداية، فإن ظاهرة (التعذيب) أهم ظوافر حقوق الإنسان محرمة كل التحريم فى الوعى الإنسانى، وهى، على المستوى البشرى لا يمكن تبريرها تحت أى ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها فى سياقها يصبح خروجاَ على الحكم الخاطئ فى مباراة ارتضى جميع الأطراف فيها حكماَ من الخارج.<br />
<br />
ومن هنا، فإن القضية مرفوضة تحت أية دفوع فى محكمة التاريخ أو فى الواقع خارج التاريخ حيث نعيش جميعاَ المعاصرة، ونتعامل مع مفردات الحياة الراهنة، ومن هنا، يجب أن نذكر فى هذا السياق مكانة هذه الظاهرة فى القانون الدولى وبصفة خاصة فى الإعلام العالمى لحقوق الإنسان الذى ينص فى مادته الخامسة على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإطاحة بكرامته".<br />
<br />
ونستطيع فى هذا السياق أيضاَ ذكر عشرات من تقارير مجلس الأمم المتحدة للوصاية وعديداَ من القواعد النموذجية التى أقيمت تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المسجون السياسى وكثيراَ من المؤتمرات التى عقدت منذ عام 1955 حين أقيم أول مؤتمر للأمم المتحدة لحماية السجناء وحتى آخر مؤتمر عقد العام الماضى فقط تحت رعاية الأمم المتحدة أيضاَ تركيزاَ على ما حدث فى البوسنة.<br />
<br />
وقبل كل هذا فإن الأديان كلها لا تبرر أى تعذيب، كما أنها ضد امتهان كرامة الإنسان وآدميته.<br />
وإن كان يخرج عن سياقنا الآن أنه مع أول مؤتمر حتى آخر مؤتمر لم يتغير شئ، غير أن مبادئ الإنسانية تظل هى القاسم المشترك التى لا بد من التنبه إليه والتمسك به بصفتنا بشراَ فى النهاية.<br />
<br />
إن حقيقة رفض التعذيب والبرهنة عليه فى رفض (آلياته) عبر المؤسسات الدولية والأديان السماوية، هى الملاحظة الأولى، فهى ما يلاحظ من أن هذه الحقيقة تصطدم لدى الإنسان بكثير من النوازع النوازع البشرية، فنحن لا نستطيع أن نمنع أنفسنا فى هذا السياق من مشاعر شتى، خاصة، ونحن ما زلنا نعيش بشكل ما فترة حكم عبد الناصر بالسلب أو الإجابية ـ كما أسلفنا ـ وهو ما يسلمنا، مع هذا، أو رغم هذا، إلى شئ من الحيرة عند الحكم على ظاهرة ما زلنا فى معظمها من شهودها بشكل ما.<br />
<br />
نقول هذا بشكل أكثر بساطة.<br />
<br />
إن ظاهرة (تعذيب) عبد الناصر لخصومه ما زالت أكثر الظواهر المحيرة.<br />
<br />
هذه الحيرة تنعكس فى ردود الفعل الحادة التى ما زلنا نصطدم بها.<br />
<br />
فالبعض ما زال يرفض أن يردد أن التعذيب يمثل السمة الرئيسية فى عبد الناصر، وأنه راح يضيع كل إنجازات الثورة التى ظلت سنوات طويلة تعمل وتحارب من أجلها وأن صاحب هذا الرأى يرى أن الدولة كانت مطالبة بالحفاظ على نظامها، وأن خصوم الثورة كانوا يستطيعون ـ لو تركوا طلقاء، بأسم الحرية ـ أن يهتبلوا الفرصة ليقضوا على الثورة، وهاجس الخوف من المثقفين وتنظيماتهم نجدها فى كثير من مواقف عبد الناصر.<br />
<br />
وتصريحاته، يقول جمال عبد الناصر ـ على سبيل المثال ـ فى اجتماعات اللجنة التحضيرية المنعقدة عام 1962 مخاطباَ خالد محمد خالد وهو يطالبه بالديموقراطية والحرية.<br />
<br />
"ـ يوجد شيوعيون طلقاء، وأنت تعرف ذلك، وأنا أعرف ذلك، وكل الناس يعرفون أنه يوجد ماركسيون خارج السجن .. فالحزب الشيوعى المصرى يأكذ تعليمات من "صوفيا"، وقياداته موجودة فى صوفيا، ويأكذ تعليمات من بلغاريا، كيف أقول عن هؤلاء الناس أنهم وطنيون، وآمن لهم أن يتصدوا قيادة هذا الشعب .. إلخ".<br />
وهو ما يقوله مرة أخرى.<br />
<br />
"ـ إن أى واحد يتلقى تعليمات من الخارج اعتبره غير أمين على بلده، وأنا متأكد بكل أسف أنهم يأخذون تعليمات من الخارج".<br />
<br />
وكانت هذه هى الفترة التى قال فيها إلهام سيف النصر فى معتقل أبو زعبل : " .. بعد إيقاف التعذيب مباشرة، حضرت لجان طبية للكشف على بعض المعتقلين، وكان السبب فى حضورها .. و .. والدور العظيم الذى لعبته الدول الاشتراكية فى المناداة بالإفراج عنا وإيقاف التعذيب".<br />
<br />
إنها الحيرة المزمنة فى قضية لها أطراف كثيرة.<br />
<br />
وهذه الحيرة لم تنجم عن نقض المادة أو ندرة الشهود، وربما لكثرة المادة وأصوات الشهود التى تحدث ضوضاء أكثر مما تحسم فى القضية، خاصة وأن كثيرين ممن هبطوا إلى سجون عبد الناصر أدلوا بدلوهم فى هذه القضية حسب مواقفهم وانتماءاتهم .<br />
<br />
وفى هذا يمكن أن نذكر بعد هذه الأسماء: عبد العظيم أنيس، لويس عوض، إسماعيل صبرى عبد الله، طاهر عبد الحكيم، محمود أمين العالم، فتحى عبد الفتاح، خليل قاسم، إلهام سيف النصر، صلاح حافظ، مصطفى طيبة، محمود السعدنى، محمد سيد أحمد، عبد الستار الطويلة، صنع الله إبراهيم وكثير من الشعراء فؤاد حداد وزكى مراد وكمال عمار .. وغيرهم.<br />
<br />
وهذه الحيرة، التى ندين فيها فى نهاية الأمر التعدى أياَ كانت مبرراته، تصيبنى، على المستوى الشخصى بحيرة مضاعفة.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى الملاحظة الثالثة.<br />
<br />
أعرف أننى ظللت لسنوات حائراَ، ما أكاد أصل إلى رأى وأستريح إليه حتى يفاجئنى آخر، فيزلزل كيانى، وأعاود من جديد رحلة البحث والشك، وما كاد يصلنى الشك إلى اليقين مرة أخرى حتى أعاود رحلة الشك من جديد.<br />
<br />
ويفسر هذه الحيرة التى وقعت أسيراَ لها لسنوات، أننى أنتمى إلى هذه الفترة بحكم تكوينى الفكرى، والفترة الزمنية التى عشتها صبياَ فى إنجازات الثورة وشاباَ أشهد انتصارات الخمسينات، طالباَ بمدارس عبد الناصر وجندياَ بالجيس المصرى فى هزائم الستينات من هذا القرن. محبطاَ من انفصال 61 منتشياَ بإنجازات الثورة الاجتماعية ومنهزماَ فى هزيمة 1967 منطوياَ على نفسى عازفاَ عن أى مشاركة ـ حتى ـ بالقول قترة غير قصيرة فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وهو ما يفسر كيف حملت أوراقى طيلة السبعينات لأجلس أمام عدد كبير من المثقفين باحثاَ عن درجة علمية أو للوصول إلى حقيقة تاريخية، وقد كنت كل مرة أستخدم جهاز التسجيل أو أقرأ وثيقة فى سياق مغاير أجهد أن أتأمل وأن أكون محايداَ.<br />
<br />
التقيت بمن عرف سجون عبد الناصر أو لم يعرفها، لكننى التقيت أكثر بخصوم عبد الناصر من نزلاء سجون الثورة، علنى أتفهم الطرف الأخر، وأقترب من دفوعه فى قضية (التعذيب).<br />
<br />
وظللت لسنوات رحلة البحث عن الحقيقة.<br />
<br />
غير أن الحقيقة ظلت ـ بالنسبة إلى ـ باب ضخماَ مفتاحه السؤال ومن هنا ، كان على، وأنا أضع فى الاعتبار كل ما قيل عن الظروف الأمنية، وحماية الدولة من أعدائها، والبحث عن أمن لتحقيق الدولة لإنجازاتها .. إلخ ظل بجانب هذا كله سؤال أكثر تطوراَ يلح على، '''ولم يتوقف أبداَ:'''<br />
<br />
هل كان يعرف عبد الناصر بهذا التعذيب؟<br />
<br />
'''وهنا أصل إلى السؤال التالى:'''<br />
<br />
هل كان يعلم؟<br />
<br />
هل كان عبد الناصر يعلم؟<br />
<br />
هذا سؤال ..<br />
<br />
ثم وهل كان عبد الناصر يأمر بالتعذيب؟<br />
<br />
وهذا سؤال آخر..<br />
<br />
إن الكثيرين لم يخفوا أن عبد الناصر كان يعلم بالتعذيب، ولكن لي بالحجم الذى تم تصويره به، غير أن خصوم عب الناصر أكدوا أنه كان يأمر به فىتعمد يقصد منه الإساء إلى عبد الناصر قبل أن يحاولوا وقوع التعذيب أو تفسيره فى سياق بناء الدولة منذ عصر محمد على حتى اليوم، وعلى سبيل المثال فإن أحد خصوم عبد الناصر أثناء الوحدة بين مصر وسوريا ـ وهو أكرم حورانى ـ راح يتذكر فى أحد الصحف العربية (فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله) أن عبد الناصر كان يأمر نائبه فى حكومة الوحدة ـ عبد الحكيم السراج ـ بسجن الشيوعيين وتعذيبهم .. (و) .. إنه بعد أن اطلع عبد الناصر على صور التعذيب فإنه عبد الناصر قد أظهر عدم اطلاعه على هذه الأمور".<br />
<br />
وكأننا ملزمون بتصديق أحد ألد أعداء عبد الناصر فى فترة الانفصال وما بعدها بعد رحيل عبد الناصر.<br />
معنى هذا ـ لو صدقنا خصومه، وهم الآن كثيرون ـ أن عبد الناصر كان يعرف بالتعذيب، وكان يأمر به، غير أن التهمة ـ مثل أية تهمة كبيرة تصل إلى حد الجناية ـ تحتاج إلى دفوع أكثر لتأكيدها أو لنفيها. وما يتوفر لنا الآ أكثر دفوع خصوم عبد الناصر، خاصة الذين كانوا ضيوفاَ فى سجونه لسنوات.<br />
وهو ما نتمهل عنده أكثر.<br />
<br />
ترى، ماذا يقول خصوم عبد الناصر فى سجونه؟<br />
<br />
وماذا يقول عبد الناصر نفسه؟<br />
<br />
لنتوقف عند الطرف الأول.<br />
<br />
فحين واجهنا أمين هويدى حول التعذيب، وأشار واجماَ يسئل عبد الناصر، لم يلبث أن أضاف فيما يشبه النفى عن مسؤلية النظام الناصرى.<br />
<br />
"ـ إن أى إنسان من أبناء الثورة ضد التعذيب الجدى والمعنوى".<br />
<br />
وهو ما يشير إلى رفض التعذيب من هذا الجانب.<br />
<br />
ولكن ما هو موقف الخصوم؟<br />
<br />
منذ سنوات، كنت قد سألت أحد خصوم الثورة من الإخوان عن مألة التعذيب.<br />
<br />
ـ هل كان عبد الناصر يعلم..؟<br />
<br />
'''فأجاب بدون تردد:'''<br />
<br />
ـ قطعاَ .. لا يمكن إنكار ذلك.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملامسات كثيرة فنحن بين رأيين.<br />
<br />
أحدهما يؤكد أن النظام كان يعلم ويمارس التعذيب.<br />
<br />
ولآخر، كان ينفى، فعبد الناصر لم يأمر به، ولم يكن ـ على الآقل ـ ليعلم حجم هذا النعذيب.<br />
لنستمع إلى الحيثيات قبل أن نصل إلى الحكم الآخير.<br />
<br />
ـ راح البعض يؤكد أن عبد الناصر كان يعرف التعذيب، بل كان ـ أى التعذيب ـ أحد أشكال الضغط علينا ، '''وأسأل محمود أمين العالم:'''<br />
<br />
ـ الضغط ، لأى شئ؟ ويجيب:<br />
<br />
ـ من أجل الحل.<br />
<br />
ـ والحل ـ حل الحزب الشيوعى ـ كانت له أساليب كثيرة يحددها المناضل الماركسى.<br />
<br />
ـ الحل بالتعذب.<br />
<br />
ـ الحل بالسجن.<br />
<br />
ـ الحل بالإغراءات.<br />
<br />
ـ ويرى محمد سيد أحمد الذى عرف تعذيب الشيوعيين فى سجن أبو زعبل، أن التعذيب كان من أجل الملاء، كان عبد الناصر يطلب الولاء قبل كل شئ، وكان هذا يتأثر بالمواقف بين القاهرة وبغداد أو القاهرة وموسكو،المهم هنا أن محمد سيد أحمد يرى أن النظام كان يمارس التعذيب.<br />
<br />
ونترك اليسار لنتمهل عند اليمين.<br />
<br />
فى التيار الإسلامى راح أحمد رائف يطرح السؤال فى الزنزانة رقم 210 (كتابه البوابة السوداء) :<br />
<br />
ـ "وهل كان عبد الناصر يعرف ما يدور فى أروقة السجون وظلام الزنازين؟" ويجيب بسرعة.<br />
<br />
ـ " .. نعم يعرف والأدلة على ذلك كثيرة والشواهد متعددة لا يستطيع تجاهلها".<br />
<br />
وما يقوله رائف يقوله أكثر الإخوان المسلمين مثل كتابات الشيخ محمد الغزالى ومذكرات زينب الغزالى .. إلخ.<br />
وتتأكد هذه المعرفة من أقرب الشهود للنظام، يقول الأتاذ هيكل (من كتاب حسنين كروم، عبد الناصر المفترى عليه،) : "عبد الناصر يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب".<br />
<br />
وهنا نصل إلى إجابة السؤال الأول، نعم، عبد الناصر كان يعرف بالتعذيب، لكن يبقى السؤال الآخر، وهل كان (يأمر)بالتعذيب؟<br />
<br />
والفارق واضح بين أن يعرف عبد الناصر ويصمت، أو يتعمد، فيأمر؟<br />
<br />
وبغض النظر عن حجة البعض أنه كان يدافع عن نظامه، وتجربته الثورية، الت لو وضعت فى يد أحد خصومه لما فعل أقل ما فعل، بغض النظر عن هذا، سوف نحاول أن نجيب عن السؤال الآخر: <br />
<br />
هل كان يأمر، وكيف، ولماذا..؟<br />
<br />
وهنا ننطلق إلى نفس الهدف ولكن نغير الطريق.<br />
<br />
وكيلا نقع فى محظور الدفاع عن عبد الناصر، فإننا نكرر ثانية ـ ما سبق أن أشرنا إليه ـ من أن عبد الناصر كان يعرف ـ بشكل ما ـ أن هناك نوعاَ ما من العنف والتعذيب ضد معتقليه فى السجون، لكنه ـ بالطع ـ لم يكن ليعلم درجته.<br />
<br />
كما أنه لم يعرف عنه أنه أصدر أوامر محددة بإجراء التعذيب أو ممارسته بالشكل البشع الذى عرفناه به.<br />
<br />
كان يعرف أن هناك معاملة تصل إلى درجة التعذيب، لكنه لم يكن ليدرك القيض على المعارضين داخل السجون فى دولة شمولية، لم تعرف المؤسسات الديموراطية كما يجب،ويمارس رئيسها الحكم بديكتاتورية .. إن هذا كله يمكن أن يؤدى إلى أنواع من التعذيب البشع الذى أودى مرة بشهدى عطية (مريض القلب) ومرة أخرى بعديد من شهداء الإخوان، بل بولغ أحياناَ فى معاملة عبد الناصر لمعتقليه وسجنهم إلى درجة أن عبد المنعم الشرقاوى يزعم أنه علق من ساقيه، وأن عيوناَ أليكترونية كانت مصرعة بجدران السجون.<br />
<br />
وهنا يختلط الواقع بالخيال.<br />
<br />
وفى الوقت نفسه يفسر غلو البعض فى وصف تعذيب عبد الناصر، فى حين أن البعض الآخر ـ من مؤيديه ـ يرفضون هذا الرأى، ويذهبون إلى الرفض إلى درجة نفى التعذيب كلية.<br />
<br />
وهناك أكثر من حادثة نختار منها حادثة معينة تؤكد أن عبد الناصر لم يأمر بالتعذيب كما صوره البعض (قط)، فالمعروف أنه أثناء نظر قضية الحزب الشيوعى المصرى (وكان المتهم فيها كل من د. فؤاد مرسى ود. إسماعيل صبرى عبد الله).<br />
<br />
وأثناء تواجد المتهمين فى المحكمة فوجئ الجميع أن إسماعيل صبرى رفض الدفاع، وام هو بنفسه ليقدم دفاعاَ قانونياَ جديداَ أمام المحكمة، فى هذا (الدفاع السياسى) راح السجين يشير إلى الأسباب التى جعلت اليسار يدخل السجون، ةما هى أباب اختلافه مع عبد الناصر، وكيف أن اختلاف التوجهات ـ كما أشار ـ هى السبب فى الخلاف بين أعضاء الحزب الشيوعى وبين عبد الناصر رغم اتفاقهما فيما بعد فى التوجه إلى المجتمع واعتناق الاشتراكية وإن كانت ألوان الطيف تحدد لنا ألوان كثيرة من الاشتراكية فى ذلك الوقت.<br />
<br />
وكان الدفاع المجيد الطويل الذى يدلل فيه صاحبه بما يقول بعشرات الأمثلة والمجتازءات والأحداث التى لا تتوفر إلا لباحث يقطع حياته فى مكتبه ليكتب مثل هذا الدفاع الضخم .. كان هذا دافاَ لرجال المخابرات لإرساله لعبد الناصر بتقارير قدمت له، مشفوعة فى نهاية كل تقرير أن الشيوعيين (المساجين) قالوا كل شئ، وبتأن، وبدون تخوف أو تردد، فاندهش عبد الناصر لهذا، '''وقال بسرعة:'''<br />
<br />
"ـ النا دى نازلة فى لوكاندة".<br />
<br />
وهذه الحادثة التى ذكرها لى د. إسماعيل صبرى عبد الله ـ فى محضر نقاش ـ كان دافعاَ ليلقى جمال عبد الناصر كلمته التى فهم منها أنه لا بد من التعامل معهم بقسوة أكثر من ذلك، لأن هذه الحرية التى تمتعوا بها للتعبير عما يريدون خلال دفاع منظم لا تتفق مع حياة سجين سياسى، وأضاف د. إسماعيل أن درجة العزاب زات بعد ذلك مع تشديد كبير على منع الأوراق والأقلام والاتصالات الداخلية أو الخارجية، وكان هذا محل دهشة الدكتور لويس عوض فى ذلك الوقت، ففى لقاء شخصى معه، أشار إلى أنه كان معتقلاَ فى معتقل الفيوم وكان الاعتقال كما يقول يتم (باحترامنا)، وهنا يضيف د. لويس عوض.<br />
<br />
ـ أنه حينما انتقلنا من الفيوم إلى "أبى زعبل" تعذبنا عذاباَ شديداَ لا طاقة لبشر به.<br />
<br />
وكانت هذه الفترة هى التى شهدت دفاع المعتل السياسى إسماعيل صبرى، والتى علق فيها عبد الناصر عما تم فى المحكمة، وبناء على ذلك، تحولت المعاملة اليومية الطبيعية فى الجون إلى (تعذيب) شديد.<br />
<br />
ربما كان يعرف عبد الناصر بعض ألوان التعذيب فى سجونه، لكنه بالقطع لم يأمر به، ولم يحث عليه بالشكل الذى تم به بالفعل: لقد تحول المعتقل من عزل السجناء، وإعطائهم أرقام، وإساءة معاملتهم، إلى قطع الأحجار والضرب المبرح والتعذيب لدرجة الموت، وهو ما يعود إلى جهاز الدولة أكثر من أوامر عبد الناصر، ولأبى سيف يوسف تعليق مهم هنا عما حدث من تعذيب، يؤكد: "الدولة حين تقع تحت سلطة بيروقراطية .. وتبدو فى حالة جديدة من حالاتها .. تبدو كجهاز لا قلب له، كل ما تنزل الأوامر تزيد درجة".<br />
<br />
'''وأقاطع أبو سيف يوسف:'''<br />
<br />
ـ هل نفسر بهذا ملابسات قتل شهدى عطية؟<br />
<br />
'''يجيب السجين السياسى السابق:'''<br />
<br />
ـ لا ليس إلى هذه الدرجة .. لا تنسى أن شهدى عطية كان مريضاَ بالقلب وإن كان هذا لم يمنع من التعامل معه بقسوة، كغيره، كما أن عبد الناصر حين علم بموت شهدى عطية ـ وكان فى أحدى دول شرق أوروبا الشيوعية غضب بشدة، وأمر بوقف (كل) عمليات التعذيب السياسى.<br />
<br />
وعبوراَ فوق ملابسات وأحداث كثيرة، فنحن نعلم أن شهدى عطية الشافعى ـ وهو مثقف تقدمى كبير ـ توفى فى 15/6/1960 فى ليمان أبو زعبل تحت وطأة التعذيب، وحين عرف عبد الناصر ـ وكان فى رحلة للكتلة الشرقية ـ غضب كثيراَ، وحين عاد إلى القاهرة "ثار كما لم يثر من قبل" كما يقول الأستاذ هيكل وقام على الفور بفصل مدير السجن من عمله وتم إتخاذ إجراءات محاكمة المسئول بأمر عبد الناصر<br />
<br />
ونعود إلى ما كنا فيه فنستعيد ما قاله أبو سيف يوسف ـ من محضر نقاش أجرى معه ـ ملخصاَ الأمر كله أن المسئول كان يبدى عبارة أو يلقى أمراَ بالتشديد على المسجون السياسى، لكن كانت هذه العبارة أو ذلك الأمر يتحول، كلما هبط كورس التنفيذ ـ إلى أمر صريح بالتعذيب.<br />
<br />
كان عبد الناصر يعرف بالتعذيب، نعم، لكن ليس بالشكل البشع الدى يقال عنه، والذى ما زالت ترتفع الأصوات فى عديد من الصحف القومية أو المعارضة لإظهار عبد الناصر بصورة الحكم المتعطش للدماء العنيف إلى درجة الأمر بالتعذيب حتى الموت، كما أن جملة الأحداث الداخلية والعربية والخارجية تدعو إلى هذا الواقع وتدفع إليه.<br />
<br />
مكان التعذيب موجوداَ ومعروفاَ فى عصر عبد الناصر، يقول هيكل (الحسنين كروم أن "عبد الناصر يعلم بها. إنى سمعت بحدوث تعذيب واعتقالات آلاف الأشخاص فكتبت مامحاَ لذلك فى الأهرام، وكانت النتيجة أن غضب شمس بدران وقاطعنى".<br />
<br />
'''ويقول شمس بدران:'''<br />
<br />
"ـ أول للقضاء المصرى والرأى العام. أننى أتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما وقع فيما يسمى بالتعذيب فى القضايا التى شرفت على التحقيق فيها، وكان الهدف مصلحة عليا".<br />
<br />
وما قاله هيكل وشمس بدران قاله صلاح نصر فى التحقيقات التى أجريت معه أو فى كتبه التى نشرها، مؤكداَ أن ما حدث كان للدفاع عن القضايا القومية وكان ضرورة للدفاع عن التجربة الوطنية فضلاَ عن أن هذا ألوب معروف فى كوادر المخابرات العالمية.<br />
<br />
وعود على بدء، أن يكون عبد الناصر قد علم بالتعذيب، الإجابة بنعم، لكن أن يكون قد أمر به أو حرض عليه، فإن هذا ـ بحيدة كاملة ـ لا يتفق مع روايات الشهود واء داخل سجون عبد الناصر أو خارجها وإلا فليفسر لنا البعض ثورة عبد الناصر العنيفة عقب قتل شهدى عطية، وكيف تعامل عبد الناصر بغضب عات مع المسئولين، وخاصة، مأمور السجن الذى عذب فيه وقتل شهدى عطية.<br />
<br />
لقد آن الأوان لنظر إلى (تعذيب) عبد الناصر فى إطار بناء الدولة العصرية، وأيضاَ، فى إطار عيوب الدولة الاستبدادية وويلاتها.<br />
<br />
وكما كان يمكن أن نذهب إلى ما ذهب إليه خصوم عبد الناصر من موقف عبد الناصر من التعذيب، كذلك، يمكن التدليل على العكس، من خصومه أيضاَ.<br />
<br />
وهو ما يصل بنا إلى شهادة أهم هؤلاء الخصوم، خاصة، إذا كان هذا الخصم قد عاش مع ممارسات الثورة بشكل عبنى، بل ودخل تجربة السجن ـ كما سنرى .<br />
<br />
====الشهادة : الجامعة والثورة====<br />
<br />
كان المحامى الشهير والذى رحل فى الفترة الماضية. أحد شهود الفترة الناصرية، وأحد أبناء الجامعة الذين دخلوا فى صدام مع رجال الثورة، ورغم أن عبد المنعم الشرقاوى ـ هو شقيق الأديب عبد الرحمن ـ كان قد اتهم النظام فى الستينات بسجنه وتعذيبه، فإن نيابة أمن الدولة العليا رفضت هذا الاتهام/ التعذيب ـ بعد تحقيق طويل استغرق الفترة بين 14 ـ 20 يوليو 1966.<br />
<br />
وما حدث فى منتصف الستينيات لم يكن لينفصل عما حدث فى بداية الخمسينات عقب قيام الثورة، ففى السنوات الأولى كان الصراع حاداَ بين فئات المثقفين ـ ومن بينها الجامعة ـ وبين مجلس قيادة الثورة، فى الوقت الذى كان فيه عبد المنعم الشرقاوى سكرتير عام هيئة التدريس بجامعة القاهرة، ومن ثم، انسحب موقفه من الثورة، وموقف الثورة من الجامعة منذ فترة مبكرة، على العلاقة بينهما فيما بعد.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن هذه الشهادة ـ التى نقرأها من العالم الآخر ـ أدلى بها صاحبها قبيل رحيله بفترة بسيطة (وهى مكتوبة ومسجلة) ، وهى تحاول أن تعيد تركيب صورة هذه العلاقة بين الجامعة والثورة.<br />
<br />
كنت قد حدثته عن موقف الجامعة إبان قيام ثورة يوليو، كيف كان.<br />
<br />
فأكد أنه، وقد كان سكرتير هيئة التدريس بجامعة القاهرة، كان أول ما فعله أن قام بدعوة عدد من أساتذة الجامعة إلى منزله (الدكاترة سعيد النجار، محمد حسن الجمل، توفيق الشاوى، أمين صندوق الجامعة .. إلخ) وكان هذا فى مساء 25 يوليو، وكتبنا هنا بياناَ نؤيد الثورة وطالبنا فيه بالحرية والديموقراطية، وحين تم كتابة البيان، أوصلته بنفسى إلى باب الإذاعة، وقال لى الضابط المسئول هناك، أن هذا البيان هو ما كانت تنتظره الثورة. كان البيان مكتوباَ بأسم أساتذة جامعة القاهرة، ليس بيان تأييد فقط، وإنما بيان تأييد مشروط ويمكن العودة إلى هذا النص فى جريدتى المصرى والأهرام يوم 26 يوليو.<br />
<br />
وهذا موقف يشهد للجامعة، خاصة، وأن الملك كان فى الاهرة.<br />
<br />
وقد استمرت علاقاتنا بالدولة فى ذلك الوقت على أحسن وجه، وكنا نجتمع بشكل مستمر مع كمال الدين حسين، وكان هو المختص فى ذلك الوقت بالاتصال بالجامعة، وأذكر أنه طلب منا تغيير اللائحة (بناء على رأينا) ، وبالفعل تم تغيير لائحة الجامعة، وكان فيها الدكاترة حلمى مراد وعبد العظيم أنيس وعبد الرحمن بدوى ولأدلل أكثر على علاقتنا الطيبة بالثورة، أذكر أننى عينت فى عام 1953 عضواَ فى لجنة إصلاح التعليم الجامعى التى رأسها على ماهر فى ذلك الوقت، وكان من أعضائها ـ فيما أذكر ـ لطفى السيد والدكتور السنهورى.<br />
وقد قدمت اللجنة تقريرها لإصلاح التعليم الجامعى.<br />
<br />
ولكنك متهم بأنك كنت فى لجنة التطهير التى شكلتها الثورة، وقات بأخراج العديد من أساتذة الجامعة، '''سألت، وأجاب:'''<br />
<br />
التطهير كان ظاهرة يمكن أن تجدها فى عديد م الهيئات فى هذا الوقت، ولم تكن قائمة من أجلى أنا، ففى نهاية 1952 أرادت الثورة القيام (بالتطهير) ـ وهذا لفظ فرض علينا ـ وكنت أنا فى اللجنة، لجنة تطهير الجامعة ـ كما كان يطلق عليها ـ وكان معى فى اللجنة جامعيون ممتازون مثل الدكتور عبد الله الكاتب ووالأستاذ همام محمد محمود، وكنت أنا ثالثهم، وكان رئيس اللجنة محمد حسنين رئيس النيابة، وصحيح أن اللجنة قامت بناء على طلب الثورة، لكن قيامها الفعلى كان بناء على انتخاب جرى بين الجامعيين من أساتذة طبيقاَ لقانون التطهير، وقد قمنا بالفعل بما طلب منا، وكانت ضمن طلباتنا انتخاب مدير الجامعة من بين أساتذة الجامعات.<br />
<br />
ولكن هذه اللجنة متهمة بالانحياز إلى الثورة، وبإجراء التطهير من بين الأساتذة.<br />
<br />
أستطيع أن اقول لك أننا لم نطبق قانون التطهير بإخراج الأساتذة من الجامعة إلا على أثنين فقط، وكانوا من جامعة القاهرة وبوجه خاص من كلية الآداب لأسباب لا أريد الخوض فيها.<br />
<br />
إذا كان الأمر كذلك، من العلاقة بين الجامعة والثورة أول قيامها فكيف بدأ الخلاف؟<br />
<br />
.. بدأ الخلاف فى فبراير حين دعانا كمال الدين حسين للاجتماع فى مجلس قيادة الثورة، وبالفعل، اجتمع معنا وطلب منا بياناَ لتأييد الثورة، كنا نجتمع مع كمال الدين حسين باستمرار، وفى كل مرة نعالج قضية من قضايا العلاقة بين الثورة والجامعة، كان الخلاف الأول بيننا وبين الثورة قد انتهى بالقبض على عدد ممن كانوا فى اجتماع بالجامعة وكان من بينهم توفيق الشاوى .. ثم فصل هؤلاء، وكان الواضح أن السبب فى فصلهم أنهم من الإخوان الذين قبض على عدد كبير منهم فى ذلك الوقت.<br />
<br />
القضية أننى أنا كنت صاحب فكرة هذا الاجتماع الذى قبض فيه على الأساتذة، ومن هنا كان غضبى كيف يذهب بعض الأساتذة إلى سجن الأجانب على أثر دعوتى للاجتماع، ذهبت إلى وزير المعارف وقد كان عباس عمار وقابلت فتحى رضوان، وأظهرت غضبى الشديد وانتهى الأمر بالإفراج عنهم.<br />
<br />
بيد أن الانشقاق الأكبر الذى حدث بين الثورة والجامعة كان تحديداَ فى أزمة مارس 1954، فقد أصدرنا ضمن المثقفين الآخرين (الطلبة والمحامين .. إلخ) عدة بيانات تؤيد الديموقراطية وتطالب بالحريات، ولم نكن نعرف أن قرارت 25 مارس كانت مناورة، ومن هنا، أصدرنا بيانات أيدنا فيها هذه القرارات التى تعيد الجيش إلى الثكنات و .. إلى آخر هذه القرارات، وهنا، استنتج الضابط أننا ضدهم، وقد زاد الأمر سوءاَ أنه قد صدرت بعض القوانين للجامعة بموافقة د/ إسماعيل القبانى، فاعترضنا عليها، فألغيت، وهو ما زاد حجم الغضب ضدنا.<br />
<br />
لم يشهد مارس بداية الخلافات فقط، وإنما استمرت الأسباب أكثر فيما بعد أليس كذلك؟<br />
<br />
نعم ـ أضاف سكرتير نادى هئية التدريس ـ فى 5 إبريل تحديداَ جاءت رسالة من سكرتير عام الجامعة، قال فيها أن جمال عبد الناصر يريد الاجتماع بأعضاء مجلس الإدارة، اجتمعنا بالأساتذة قبل الاجتماع الذى حدد لنا الساعة الثانية عشر ظهراَ، كان هناك اعتراض عام من الذهاب لدى الأساتذة وتخوف من نيات الثورة تجاه الجامعة.<br />
<br />
لم أجد بداَ من الذهاب، دعيت الأساتذة (وكانوا قرابة ثلاثين أستاذاَ) إلى مجلس الجامعة، كان عن كل كلية 3 أساتذة و2 أستاذ مساعد و1 مدرس.<br />
<br />
كان هناك اتجاه اتجاه عام بألا نذهب إلى هذا ااجتماع، رفضت هذا الموقف وأصررت أن نذهب، ونقول ما نريد لا أن نرفض ولا يعرف أحد ما نريد، وفى حين وافق البعض على أن نذهب واشترط ألا يعلن عن هذا الاجتماع، وفى هذا الوقت، فوجئت بالدكتور حسام سكرتير الجامعة يهمس بأذنى عبد الناصر يأمر أن يكون الاجتماع فى منزله وليس بمجلس الوزراء كما كان قد قيل لنا من قبل، اعترض البعض، وحين جاء وقت أخذ الأصوات جاءت الأصوات 14 مع الرأى الذى يؤيد الذهاب فيه إلى بيت عبد الناصر ضد 13 رفضوا.<br />
<br />
كان المثقفون فى ذلك الوقت حرصين على كرامتهم ومواقفهم.<br />
<br />
المهم، ذهبنا إلى منزل عبد الناصر، وهناك جلسنا من الساعة الثانية عشر ظهراَ حتى الثالثة، جلس عبد الناصر فى مواجهتنا، '''وقال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
ـ "لقد قمنا بالثورة قبل ميعادها، ولم يكن لنا أى برنامج، واعتمدنا على أن تقوم الجامعة بعمل برنامج لنا، ولكن يبدو أن الجامعة ضدنا، وبها أساتذة لديهم ميول كثيرة ضدنا .. مش كده ولا إيه يا شرقاوى".<br />
<br />
'''فوجئت بالسؤال :'''<br />
<br />
فأجبت : نحن لسنا ضد الثورة، ونحن أسهمنا فى الثورة، والجامعة كانت ضد فاروق، وحين جاء فاروق إلى الجامعة منذ سنتين فى عيد العلم لم يقابله أستاذ واحد ولم يجد أحداَ فى صالة الاجتماعات، بل قمنا بحرق صورة فاروق، والأكثر من هذا رفضنا إعطاء هدية لفاروق ـ كغيرنا ـ بمناسبة زواجه.<br />
<br />
على أية حال نحن لسنا مختلفين مع الثورةربما كان الخلاف فى الوسيلة إنما الغاية واحدة.<br />
<br />
قال عبد الناصر بحيدة أكثر: الكلام ده كلام روز اليوسف، كلام إحسان عبد القدوس وأخوك عبد الرحمن، ويبدو أن عبد الناصر كان يريد الإيقاع بينى وبين الأساتذة، على أية حال، '''اعتدل وقال بلهجة عنيفة:'''<br />
<br />
"ـ شوف بقى، أنا يهمنى الجيش، وأنا هنا لا أعرف النوم من يومين، لماذا، لأنه حدث انقلابين فى يومين فقط، عايز ترجع لى يا شرقاوى العهد الماضى".<br />
<br />
ودارت الاتهامات فى هذا اللقاء بين العسكر والجامعة، العسكر يقولون أن الأساتذة يحرضون الطلبة، ويدفعون بهم إلى المظاهرات والهتافات، والأاتذة ينفون ، ويقولون ربما كانت وسيلتكم أفضل، المهم التجربة.<br />
<br />
لم يمض وقت طويل ـ عاد الشرقاوى ـ أنا وفوجئت بقرار الفصل، فصل حوالى خمسين أستاذاَ جامعياَ منهم لويس عوض وعبد العظيم أنيس وتوفيق الشاوى وأمين بدر .. إلخ، فضلاَ عن نقل العديد من الأساتذة، وراحوا لإرضاء من بقى من الجامعين فأصدروا لائحة كنا قد طلبنا بها، وأضافوا ـ كإغرائات ـ استثناءات لبعض أساتذة الجامعة مثل كامل مرسى (ونحن نتذكر أن كامل مرسى كان أحد رجال صدقى عام 1946 وجئ به رغم خروجه على المعاش).<br />
<br />
وبدأت قضية أهل الثقة وأهل الخبرة.<br />
<br />
لكن قضية أهل الثقة ـ كانت لحماية الثورة قبل أن تكون ضد المثقفين، سألت وأجاب مثقف بدت شهادته منحازة ضد الثورة : بالعودة إلى السنوات الأولى لقيام الثورة، أثناء أزمة مارس تحديداَ، أذكر أنه حين سأل البعض جمال عبد الناصر لماذا توليتم السلطة بدل المدنيين ؟ '''أجاب عبد الناصر:'''<br />
<br />
"ـ كنا نضع ضابطاَ فى كل وزارة، ومع الوقت كنا نلاحظ أن الضابط هو الذى يحكم، لأن المدنيين لا يريدون أن يحكوا، وأن يتحملوا مسئولية، ففكرنا، بدلاَ من ترك المدنى لاتخاز قرار، ثم نقوم بإلغائه، فكرنا فى أن نحكم نحن، خاصة فى السنوات الأولى، فوضع عسكرى فى كل موقع، لم يكن فقط لتمثيل الثورة، وإنما ـ أيضاَ ـ لهد آخر، فقد لاحظنا أن العسكرى فقط هو الذى ينصاع للأوامر فيلبى ما يراد منه، ففى فترة كنا متأهبين لإقامة التنمية وخطط خمسية واتخاذ قرارات سياسية واجتماعية .. إلى آخر قرارات الثورة الاجتماعية والسياسية والإدارية الهامة، كنا نحتاج إلى الضبط والربط وليس إلى الأخذ والرد".<br />
<br />
ثم هل تعرف أننى سجنت وبرأت دون سبب واضح؟<br />
<br />
أجبته بنفس السرعة: "لا التحقيق أشار إلى علاقتك بالإخوان" فعاد ليقول بسرعة "كل ما وجدوه من أدلة على هذا بعض أسماء الإخوان فى نوتة التليفون، كان توفيق الشاوى وعبد الحكيم عابدين، أحدهما عرفته فى مصر والآخر فى لبنان، وكل منهما كانت تربطه بى علاقات عادية فقط.".<br />
<br />
لكن هل تعرف أننى سجنت وعذبت؟ أجبته وأنا أقرأ حكم المحكمة العسكرية "المحكمة لم تقتنع بصحة ما قرره الدكتور الشرقاوى من وقوع تعذيب جسيم عليه أثناء استجوابه فى المخابرات العامة وقضت ببراءة المتهمين فى القضية".<br />
<br />
صمت الصوت، وعدت أحدث نفسى: ربما كانت قضية التعذيب غير صحيحة، خاصة، أن الحكم صدر إبان حكم عبد الناصر، كما أن الدكتور الشرقاوى لم يرفع قضية بعد رحيل عبد الناصر كما فعل آخرون.<br />
<br />
<br />
<br />
====(نموذج) عن يوسف صديق====<br />
<br />
كل مرة يذكر فيها أمامنا مفهوم حقوق الإنسان في معرض الحديث عن سلبيات ثورة يوليو، ويذكر معه ظاهرة التعذيب.<br />
<br />
تعذيب المعارضين لها المختلفين معها.<br />
<br />
وهي ظاهرة من أكثر الظواهر التي يقف إليها أعداء ثورة يوليو مباشرة متهمين إياها بتعذيب الإنسان، وهو ما ساد بين المثقفين المنتمين بشكل خاص إلى تيارات أيديولوجية في الفترة الناصرية.<br />
<br />
وبادئ ذي بدء فلا بأس من أن نكرر ما قلناه سابقاً وأصيح بدهياً من أن ظاهرة (التعذيب) أهم ظواهر حقوق الإنسان ومحرمة كل التحريم في الوعي الإنساني، وهي على المستوى البشري لا يمكن تبريرها تحت أي ستار، فتبرير الظاهرة دون تأكيد وجودها في سياقها يصبح خروجاً على الحكم الخاطئ.<br />
<br />
ومن هنا فالتعذيب تحت أية مسميات مرفوض مرفوض مرفوض.<br />
<br />
بيد أن العودة إلى السياق.<br />
<br />
والعودة إلى الملابسات ثم العودة إلى وثائق التاريخ وشهودها من الأحياء (المصادر الحية).<br />
<br />
.. هذا وغيره يمكن أن ينير لنا أكثر نهاية النفق.<br />
<br />
'''ونعود لنسأل بشكل مباشر:'''<br />
<br />
ـ هل تم تعذيب (يوسف صديق) كما رددت وكالات الأنباء الغربية؟<br />
<br />
وكان راديو صوفيا قد أشاع في بداية الستينات أنه يعيش وراء أسوار عالية وأنه يعذب ويجلد داخل السجن ويجلد ويصرخ ويستغيث وما من مغيث ويصيح وما من سامع.<br />
<br />
ويزيد من أهمية الظاهرة وخصوصيتها هنا أن يوسق صديق لم يكن أحد هؤلاء المثقفين ممن أضيروا وعذبوا من شتى الاتجاهات والأحزاب، فرغم انتمائه إلى الحزب الشيوعي (حدتو) منذ نهاية الأربعينات كان ولأنه للحس القومي والعربي أعلى من أي ولاء، فضلاً عن أنه كان من أول الضباط وأكبرهم رتبة (قائمقام) من الذين شاركوا في إنجاح الثورة.<br />
<br />
أضف إلى هذا ـ وهو مرتبط بتكوينه ـ أنه كان إنساناً جريئاً، لا يتردد في قول ما يريده، ولا يتبدد يقينه في أمر إلا ويقوم على إنجازه مباشرة، ثابت في الحق، قوي في التعبير.<br />
<br />
ففي الوقت الذي كانت شخصية جمال عبد الناصر تميل إلى المناورة والعمل في هدوء كانت شخصية يوسف صديق تميل إلى العمل المباشر ومواجهة الخصم والتصرف بشكل تلقائي.<br />
<br />
وهو ما أسلمه، ولما يمض على قيام ثورة يوليو قرابة سنتين، إلى التصرف العنيف ضد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مواقف كثيرة.<br />
<br />
وسوف نختار منها موقفين.<br />
<br />
وبعيداً عن الاستطراد الطويل، ففي أول خلاف بين مجلس قيادة الثورة وضباط المدفعية، وهو خلاف كان ضباط المدفعية يدعون فيه إلى أن يكون تمثيل الجيش في مجلس قيادة الثورة عن طريق الانتخاب .. لم يجد يوسف صديق أمامه إلا الانتفاض بعنف ليقدم استقالته.<br />
<br />
كان مجلس قيادة الثورة قد دخل في نفق الخلافات الحادة بين الضباط في شتى الأسلحة، ولما بدا أن ضباط المدفعية يتخذون موقفاً مغايراً استقر الرأي بين ضباط الثورة فيما بينهم على استخدام العنف.<br />
<br />
وبحركة مفاجئة تم اعتقال ضباط المدفعية من الثائرين وعددهم يصل إلى 35 ضابطاً في 15 يناير 1953، وقد أودعوا سجن الأجانب برتبهم وملابسهم العسكرية، الأمر الذي لم يسبق له نظير في تاريخ العسكرية المصرية تحت القيادة المصرية.<br />
<br />
وعبثاً حاول محمد نجيب وقد كان رئيساً للجمهورية في ذلك الوقت أن يستبدل بالسجن (ميس) الجيش رفض مجلس قيادة الثورة، وقرر اتخاذ موفاً عنيفاً كيلا يتحرك زملاؤهم، وكي يكونوا عبرة لغيرهم.<br />
<br />
وقد كان هذا التصرف كفيلاً بتفجير الغضب لدى عدد كبير من الضباط وفي عدد كبير من الأسلحة.<br />
<br />
ففي سلاح المشاة ـ على سبيل المثال ـ استقال القائمقام يوسف صديق ومن مجلس قيادة الثورة وأصر على استقالته رغم محاولات البعض إثنائه.<br />
<br />
رفض يوسق صديق أن يتعامل مع الضباط والجنود في سلاحه بعد الثورة بمنطق آخر.<br />
<br />
وكان صلباً حاداً في اتخاذ الموقف، فتذكر مصادر هذه الفترة صفات ديموقراطية أخرى اتسمت بها شخصية هذا الضابط، '''يقول محمد نجيب:'''<br />
<br />
(كان يوسف صديق شديد الوضوح في معارضته لقانون تنظيم الأحزاب، ولضرب الوفد على غير أساس ديموقراطي.<br />
<br />
وكان يدعو للتمسك بالدستور. ودعوة البرلمان للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية. كما أنه كان شديد الثورة والرفض لاعتقال الزعماء السياسيين دون اتهام، وطالب كثيراً بإلغاء الرقابة على الصحف وتكوين اتحاد عام للعمال. وكان حديث يوسف إلى المجلس يستهويني لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة. ولم يكن مثل جمال سالم تتدفق ألفاظه قبل أفكاره. ولكن يوسف صديق كان يقف دائماً في الأقلية، لا يجد معه أصواتاً تشكل الأغلبيةً، وكثيراً ما اتفقت معه في الرأي، وكثيراً ما تغلب علينا الرأي المضاد). <br />
<br />
وكان موقفه واضحاً أشد الوضوح في قضية تمثيل الجيش في مجلس القيادة عن طريق الانتخابات كان يوسف صديق ـ كما لاحظ عبد العظيم رمضان في كتابه عن أزمة مارس ـ في هذا يبدو موقفه الديموقراطي، حين سأله أحد الأعضاء عما إذا كان يضمن لنفسه النجاح في الانتخابات، '''أجاب يوسف صديق قائلاً:'''<br />
<br />
ـ هذا لا يهم، إنما المهم هو الانتخاب ـ والمعروف أنه في أزمة إعدام خميس والبقري من عمال كفر الدوار كان يوف صديق (إلى جانب جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين ممن اعترضوا على هذا الإعدام.<br />
<br />
كان يوسف صديق من الذين إذا رأوا في شيء أنه صواب يتمسكون به تمسكاً تاماً إلى درجة أنه حين قرر أن يقدم اتقالته قدمها غير سامع لتوسلات محمد نجيب قائلاً:<br />
<br />
ــ أنا لا يمكن أن أرتبط مع مجموعة لا أوافق على سياستها.<br />
<br />
ــ وحين حاول عبد الناصر التعويض عن هذا وفي الوقت نفه إرضاءه بتعيينه سفيراً للهند رفض، وتردد بعض المصادر أنه واجه عبد الناصر مواجهة عنيفة في ذلك الوقت.<br />
<br />
وعلى هذا، فبعد أن قدم استقالته دخ في مسلسل استمر طويلاً من الاستبعاد فالنفي فتحديد الإقامة فالسجن دون أن تثنيه أية وسيلة عن القرار الذي كان يراه صالحاً.<br />
<br />
كان عنيفاً في الحق.<br />
<br />
غير مداور أو مناور. صريحاً أكثر ما تكون الصراحة.<br />
<br />
ولهذا كله، ولغيره، كـان لابد أن يكون في موقف مواجه للضباط الآخرين وهم يتحلقون ـ في أغلبهم ـ حول عبد الناصر، ويؤثر أن يقف ــ كما لاحظ محمد نجيب ــ في جانب الأقلية التي كان يرى أنها على حق.<br />
<br />
هذا هو الموقف الأول، أما الموقف الآخر، بعدذلك تحدد في خروجه إبان الصراع العنيف على السلطة بمطالب كتبها في شجاعة نادرة وقدمها لمحمد نجيب (وقد كان رئيساً للجمهورية) معدداً فيها فيها ما يجب أن يفعله الضباط الأحرار بعد نجاح الثورة، منتهياً إلى أحد حلين، أحدهما: دعوة البرلمان المنحل ليتولى حقوقه الشرعية، أما الآخر، فهو تأليف وزارة ائتلافية تمثل التيارات السياسية المختلفة القائمة فعلاً في البلاد .. إلى غير ذلك منتهياً بعبارات عنيفة.<br />
<br />
وقد نشرت هذه الرسالة حينئذ في جريدة المصري في 24 مارس 1954.<br />
<br />
ومن هنا، ظل يوسف صديق في طيلة حياته صلباً نبيلاً.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى ما شاع بشكل كبير في الكتلة الشرقية وخرج من وكالات الأنباء والإذاعات هناك.<br />
ذهب إلى أكثر من مسئول وانتهى الأمر به إلى محمد حسنين هيكل في ذلك الوقت، '''وما كاد يجلس إليه حتى قام شأنه دائماً حين يغضب وقال:'''<br />
<br />
ــ سوف أذهب الآن بنفسي إلى سفارة بلغاريا، لأقول لهم صراحة أن هذا الكلام الذي تردده إذاعاتهم لا يضر بنا قدر ضرره بهم .<br />
<br />
وخرج غاضباً، فلم يكن ليعاني من العذاب وإنما من ابتعاده من القيادة أو المناصب أو المشاركة في الحم، وهي كلها مناطق حساسة آثر عبد الناصر أن يبعد عنها هذا الرجل الجريء.<br />
<br />
ذهب إلى سفارة بلغاريا، دلف بسرعة سأل عن السفير، لم يجده، وجد سكرتير السفارة، صاح فيه أن كل ما يقال ليس له نصيب من الصحة، وأن حكاية (التعذيب) هذه غير صحيحة، '''أجاب سكرتير السفير:'''<br />
<br />
أنه لا يستطيع أن يتحمل مسئولية نقل كلام إليه شفوياً ـ إلى حكومته.<br />
<br />
أخذ يوسف صديق ورقة '''وجلس أمام المسئول البلغاري ليكتب فيها بالحرف الواحد هذه الرسالة:'''<br />
<br />
(السيد المحترم القائم بأعمال السفارة البلغارية بالقاهرة<br />
<br />
بعد الاحترام<br />
<br />
مقدمه القائمقام "ح" يوسف منصور صديق" عضو مجلس الثورة السابق، '''أعرض الآتي:'''<br />
<br />
دأبت إذاعة صوفيا في الأيام الأخيرة على ترددي اسمي في إذاعاتها في أخبار ليس لها ظل من الحقيقة.<br />
<br />
فهي تزعم أنني معتقل وأنني ألاقي التعذيب في المعتقل ــ وتردد ذلك في مناسبات متعددة الأمر الذي دعاين للحضور بنفسي إليكم لتأكيد عدم صحة هذه الأخبار.<br />
<br />
ولما كـان ترديد مثل هذه الإذاعات لا يفيد شعب بلغاريا ولا شعب الجمهورية العربة المتحدة فإنني قد أتيت لسيادتكم راجياً وضع حد لهذه الإذاعات البعيدة عن الحقيقة والتي من شأنها أن تعكر الجو بين شعبين صديقين يعملان معاً في معسكر السلام.<br />
<br />
وأنني أرجو أن تقبلو تحياتي وشكري.<br />
<br />
قائمقام أ.يوسف منصور صديق <br />
<br />
وتنتهي رسالة يوسف صديق، غاضباً من القوى الخارجية التي تريد الإيقاع بأبناء الوطن الواحد وغن حمل في الوقت نفسه غضباً آخر، هو نبل الفرسان ووعيهم.<br />
<br />
===الفصل الثالث:إشكالية الديمقراطية وثورة يوليو===<br />
<br />
====أهمية البحث ====<br />
<br />
لا يمكن أن نتحدث عن "إشكالية الديمقراطية في الفترة الناصرية" دون أن نؤكد على أهميتها الآن، فرغم مضي أكثر من نصف قرن على تجربة عبد الناصر، وغياب (حلم الديمقراطية في الربع قرن الأخير .. فإن التوجه إلى الديموقراطية مهما تكن ممارساتها أو سلبياتها تسعى للخروج بنا من الماضي إلى وعي المضارع للوصول من ثم إلى أفق المستقبل .<br />
<br />
فالمعروف أننا ل يمكن أن نحوّل التجربة إلى وعي معاصر لنا دون البحث عن علامات يمكن أن تُعيننا على فهم طبيعة الحضور والغياب في السعي إلى حياة سياسية مثالية .<br />
<br />
بيد أننا قبل أن نصل إلى التجربة / الإشكالية هنا لابد لنا من أن نتمهل عند بعض الملاحظات التي تشير إلى المنهج الذي سعينا إليه هنا لفهم هذه التجربة وتجاوزها.<br />
<br />
====المنهج====<br />
<br />
'''المنهج الذي نمضي به يتكون من عدة مداخل تستمد مشروعيتها من عدة ملاحظات:'''<br />
<br />
ـ أهمها ما جاء في شكل (محضر نقاش) أو شهادات قمت بتسجيلها وتحريرها في الفترة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبقيت في حوزتي ـ التسجيل والتحرير _ بعد أن رحل أغلب أصحابها.<br />
<br />
وقد تعاملت معها كنموذج Paradingm, Type لممارسة الديمقراطية والتعامل معها بالسلب أو بالإيجاب .. وقد ركزت بشكل خاص على العلاقة بين المثقف والنظام لكن في إطار النموذج لا خارجه.<br />
<br />
- وبدهي أن طبيعة هذه العلاقة بين النظام ومثقفيه (الشهادات) الدالة على الإشكالية التي نحن بصددها هنا، وهي إشكالية خاصة، جاءت نتيجة لمد تاريخي بعينه، فالفترة التي أعقبت ثورة 1952 تميت بالعلاقة بين المثقفين والنظام العسكري، تلك النظم التي دعمت نمطاً خاصاً بها اتجه في الغالب إلى الواحدية ـ لا التعددية ـ وتعامل مع الأحداث الواقعية ـ وليس المثال في الحياة السياسية والاجتماعية، ومن ثم طرأت علاقة من نوع خاص تحدد الإشكالية التي نحن بصددها.<br />
<br />
كان الرصد، إذن، حول (العلاقة) لا المثال، جدلية هذه العلاقة في الواقع وليس فيما يجب أن يكون ..<br />
- تلمست عدة مداخل أخرى كالمدخل التاريخي Historical approach لدراسة الأحداث الماضية في إطار زمني عبر الشهادات التي بين أيدينا تبعاً للفترة الزمنية مجال البحث، ومنها أيضاً البعد الموضوعي في دراسة الظاهرة ما يوفر لي قدر كبير من الوعي بالظاهرة في إطار جهدت فيه أن أكون محايداً، ومنها كذلك، تحديد المفهوم Concept في الفترة الزمنية مجال البحث بشكل خاص قبل أن أجاوزها إلى غيرها.<br />
<br />
- لا يمكن أن نفصل (إشكالية الديموقراطية) هنا في الفترة الناصرية عن أسئلة الإشكالية في بدايات الألفية الثالثة، فتجربة الخمسينات والستينات يجب ألا تكون غائبة عن أسئلة اليوم، وعصر النظام الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة في القرن الماضي يختلف ـ وإن يكن في الظاهر ـ عن عصر العولمة الآن، فالواقع يحمل الكثير من المتغيرات، لكنه يحمل ـ بالقطع ـ الكثير من التشابه في عالمنا العربي حيث الأنظمة العسكرية مازالت توم بأدوارها في تأكيد طبيعة السلطة وآليات الحكم في البلاد العربية.<br />
<br />
- إن الجديد هذه المرة أن أسئلة الديموقراطية في الفترة الناصرية لم تعد لتطرح من زاوية المنظور السائد، وإنما أصبحت تطرح من محاولة الإجابة عن السؤال (كيف) إلى ما يجب أن ننتهي إليه (لماذا)، وهو ما نسعى إليه عبر المنهج العلمي.<br />
<br />
'''وإذا كانت الإشكالة معلقة منذ منتصف القرن، فإنها الآن أقرب إلى التحديد أكثر حين نضعها على النحو التالي:'''<br />
<br />
هل للديمقراطية مستقبل في البلاد العربية؟ وما هو مصير الديموقراطية التي نتعامل معها؟<br />
<br />
هل غابت الديموقراطية العربية المأمولة؟<br />
<br />
هل ليت حتفها أم لا تزال تنتظر إجابة واحدة لمسائلات متعددة؟<br />
<br />
'''فلنترك هذه الأسئلة الأخيرة لنتمهل ـ أكثر ـ عند السؤا الأول:'''<br />
<br />
كيف نرى (إشكالية الديموقراطية) في الفترة الناصرية؟ ..<br />
<br />
'''أولاً : عن الديموقراطية :'''<br />
<br />
الديموقراطية قيمة من بين أهم القيم التي تشمل الجوانب السياسية والاجتماعية في وقت واحد، وهي الوقت الذي تمثل فيه مفهوماً عالمياً ومن أقدم العصور، فإنها ـ تتحدد ـ بالنسبة لنا في العصر الحديث ـ بشكل أكثر تحديداً وضرورة، وفي ظل التباينات العديدة في المفاهيم التي تمنحها هذه القيمة، فإننا نستطيع تجاوز المعاني المتعلقة بالتباين الحضاري والديني إلى واقعنا العربي لئلا تغيب بعض الخطوط العامة للديموقراطية كما نريدها.<br />
<br />
وعبوراً فوق مفاهيم عديدة للديموقراطية، فإن التعبير عنها عندنا يتحدد في البنية السياسية ثم البنية الاجتماعية والثقافية .. ويستخدم للدلالة على نظم الحكم التي تتمتع بقدر ملحوظ من الشعبية خاصة في الشكل الجمهوري.<br />
<br />
ويتطور المفهوم الحديث أكثر خاصة في العالم الثالث حيث يرتبط بحق تقرير المصير بعد معارك الاستقلال، فبعد حصول الدول المستعمرة على استقلالها أعلنت نفسها نظماً ديموقراطية. وربطت ذلك بمضامين اجتماعية واقتصادية. ومعظم دول العالم الثالث "تعتبر أن هذه الجوانب الاجتماعية والاقتصادية أبلغ دليل على تبنيها نظماً ديموقراطية رغم أنها لا تأخذ بالمضامين السياسية القائمة على التعدد الحزبي ولا بالبرلمان النيابي صاحب الدور الإيجابي ولا بالحريات السياسية .<br />
<br />
وتمنح الديموقراطية في العالم العربي خاصة مفاهيم أو عناصر ترتبط بالواقع الجغرافي أكثر يحددها د. برهان غليون على أنها تتعدد فيما يلي:<br />
<br />
- سيادة القانون.<br />
<br />
- ظهور أطر ومؤسسات سياسية.<br />
<br />
- السيادة الشعبية.<br />
<br />
- الحرية الفردية.<br />
<br />
فالديموقراطية بعكس ما هو شائع عنها تماماً لا تُعني بالحرية السياسية الشكلية بصورة جوهرية ولكنها تعني مشاركة في جميع القرارات العمومية، أي السياسة، التي لا تتم من دون الحرية الفردية. فهذه الحرية هي الشرط الضروري لوجودها وتشغيل جميع عناصرها الأخرى. فلا يمكن تحقيق مبادئ السيادة الشعبية ولا الدولة القانونية ولا المؤسسة الموضوعية، وضمان اشتغالها جميعاً خارج جو الحرية الذي يتيح لجميع الأفراد ممارسة المراقبة والمحاسبة على أصحاب المناصب السياسية في الوقت نفسه.<br />
<br />
وإذا كان للديموقراطية شروطاً معينة، فإنها لدينا في الأقطار العربية تتخذ منحاً خاصة، وفي النظم العسكرية العربية على وجه أخص؛ وهنا تتخذ الديموقراطية (إشكالية) خاصة بها عندنا .<br />
<br />
فالتجربة الناصرية كانت لها مع الديموقراطية، في ظروف الخمسينات والستينات في مصر، سمة خاصة، حيث التبست التجربة بعديد من الظروف المحيطة بها سواء في بطء حركة المجتمع في اللحاق بالعالم ومن ثم افتقاد شروط المجتمع المدني أو مواجهة الاستعمار الذي كان جاثماً ما يزال على صدر البلاد، واتخاذ سمة الحكم المركزي شكل خاص في ضوء شيوع أفكار جديدة نتيجة للحركة العسكرية التي قامت ومن ثم مجابهة هذا العالم الجديد بنظامه الليبرالي السابق على عام 1952 وانعدام التعاون بينهما بشكل هادئ.<br />
<br />
ويلاحظ ـ كما سنرى ـ أن التجربة الديموقراطية في ظل وجود المجتمع الجديد عانى من الناحية التنظيمية الطبيعية التي تحتمها الظروف الجديدة من محاولة الهيمنة على كل دولاب الحركة الإدارية والوظيفية والخشية من الحزبية أو النظام البرلماني السابق، ثم تأكيد هذه المركزية التي تتبلور عن "أوليجاركية" لا مناص أمامها من تفضيل سمات معينة عن غيرها في إدارة المجتمع، وما يرتبط بالفترة الناصرية أو النهج الناصري خاصة أنه ـ أي النظام الناصري ـ "بحكم دوره البارز في هذا المجال، إن ما تمتعت به ثورة يوليو 1952 من تأييد شعبي كاسح ـ ربما لم يتيسر لغيرها ـ لم تستطع قيادة الثورة أن تصبه في كيان سياسي منظم، ولعلها لم تشأ أو على الأل لم تهتم بذلك".<br />
<br />
ويرجح البعض أنا استغنت عن ذلك بما سيطرت عليه من مقدرات جهاز الدولة، إدارة وأمناً وإعلاماً، واستخدمت كل ذلك، مع التأييد الشعبي غير المنظم، فضلاً عن نقاط الضعف في الحياة الحزبية، وذلك في تصفية الأحزاب، ولعل هذا النجاح قد أكد لديها منطق الاستغناء عن التنظيم الشعبي، أو على الأقل عدم الاهتمام به كعنصر ضروري للبقاء.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن التجربة الناصرية في الديموقراطية التبست كثيراً في هذه الفترة خاصة أنها لم تكن قد تجسدت عبر ممارسات وصور سياسية ودستورية ثابتة، بل إن تطورها عبر سياسة التجربة أو الخطأ والصواب أثرت أكثر في تأكيد مركزية السلطة وارتباطها بالأطر المؤسسية الخاصة بها أكثر من (المثال) في التجربة الديموقراطية، وخاصة، في علاقاتها باثنين:<br />
<br />
- عبر القوى السياسية التي كانت سابقة عليها من أحزاب ومؤسسات وسياسيين.<br />
<br />
- عبر موقف القوى الثقافية أو المثقفين الذين يمثلوا إسهاماً واعياً (بالشهادة) هنا.<br />
<br />
وهو ما يقترب بنا أكثر من هذه الإشكالية في علاقة النظام الجديد بمثقفيه خاصة وهو ما نحاول رصده في هذه (الشهادات).<br />
<br />
'''ثانياً : قراءة "نقدية":'''<br />
<br />
إشكالية الديموقراطية تتحدد عبر عدد من الممارسات التي تمثل قيماً تعبر عن الديموقراطية المفقودة أو الديموقراطية المأمولة في آن معاً .<br />
<br />
'''وهي في الحالتين ترددت في عديد من شهادات المثقفين عبر مفردات كثيرة نختار منها الآتي:'''<br />
<br />
'''(1) أهل الثقة وأهل الخبرة:'''<br />
<br />
إن رصد العلاقة بين النظام ومثقفيه في الخمسينات والستينات يرينا أن النخبة الحاكمة في الفترة الناصرية كانت تحرص في ممارستها السياسية على (أهل الثقة) أكثر من (أهل الخبرة)، على أن تكون طبيعة العلاقة بينهما هي علاقة الولاء و(الأمن السياسي) في المقام الأول.<br />
<br />
ولطبيعة الدور الذي كان يطلب من أهل الخبرة، فإن دورهم لم يتعد قط درجة (التعاون) مع النظام، وبرصد العلاقة بين الطرفين نستطيع أن نلحظ أن الهوة اتسعت بينهما بعد أزمة مارس 1954 بوجه خاص وتصل قمتها بعد حرب السويس عام 1956 (نهاية الفترة الليبرالية).<br />
<br />
إن د. إبراهيم بيومي مدكور. وقد كان من كبار السياسيين والمثقفين قبل ثورة يوليو وشارك في بعض لجانها عقب الثورة مباشرة أكد أن النظام السياسي للفترة الناصرية حاول الاستفادة من المدنيين من أصحاب الخبرة بإشراكهم معه، غير أن التعويل الأول كان لصاحب الثقة، '''قال من حوار طويل معه:'''<br />
<br />
(كان عدم الثقة بين الثورة وأهل الخبرة؛ بل إنني سمعت بأذني (جمال عبد الناصر) يقول إن الاقتصاديين يقولون كذا، وأنا أقول بالقطيعة واقعة لا محالة بين المدنيين والعسكريين، بين سياسيي قبل الثورة ومثقفيها والثوار من أبناء العهد الجديد وخبرائهم؛ من وقتها رفضت أن أشارك في السياسة، وانسحبت إلى المجمع اللغوي).<br />
<br />
كان من الواضح أن ثورة يوليو حاولت الإفادة من خبراء أو فنيين الفترة السابقة فور قيامها بطريقتها الخاصة، ومراجعة المذكرات المرفوعة في ذلك الوقت ترينا أن وزير المعارف ـ وكان إسماعيل القبَّاني ـ يختار أسماء لجنة دراسة نظم التعليم الجامعي من بين أفرادها لطفي السيد وعبد الرازق السنهوري وإبراهيم مدكور وشفيق غربال ومحمد عوض محمد ومحمد خلف الله وعباس رضوان .. وغيرهم ممن حاولت الثورة الاستفادة منهم، لكنها ـ مع مضي الوقت ـ آثرت الاستفادة أكثر بأهل الثقة من حكومة الثورة.<br />
<br />
وإذا كانت الفترة الناصرية في البدايات تجنبت أهل الخبرة ـ ولدى العلمانيين من الفترة الليبرالية السابقة ـ فإنها آثرت هذا، وأصرت عليه أكثر في السنوات التالية خاصة لدى رموز التيار اليساري، وربما كان الخلاف الرئيسي بين النظام والمثقفين في هذه الفترة يعود إلى المثقف الأيديولوجي كأهل اليسار حتى لو كانوا من أهل الخبرة عن النظام، حتى وإن كان عبد الناصر يميل بشكل شخصي إلى بعض أفكارهم، غير أن اللعبة السياسية كانت تحتم عليه أن يكون حريصاً ألا ينتموا إلى التنظيم الرسمي، فإذا انتموا بعد أن خرجوا من السجون، فكان بشكل فردي وبشروط محددة، أهمها أن يبتعدوا عن العمل (ككادر) ضد النظام القائم؛ إن أبو سيف يوسف في شهادته يؤكد هذا ويكرره لأكثر من مرة مع تغيير الألفاظ لا المعاني، '''إنه يقول على سبيل المثال بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(كان عبد الناصر مستعداً لأن يتعاون مع الماركسيين في حدود أن يلتزموا بدور معين لا يتجاوزونه وهو أن يكونوا دعاةً ومبشرين بالاشتراكية).<br />
<br />
وعلى أن يبتعدوا عن لعبة التواجد في مؤسسات السلطة المختلفة وفي موضع آخر، إن عبد الناصر قال للاشتراكيين حين جاءوا إليه شاكين من أنه يجري تمييزاً عنيفاً ضدهم في الاتحاد الاشتراكي بعد أن أصبحوا أعضاءً في حزب الثورة فُرادى وكانوا قد خرجوا من السجون بعد حل الحزب الذين انتموا إليه، قال من حديث طويل:<br />
(يجب أن تكونوا كسانت بيتر، أي بشروا بالاشتراكية، أي ابعدوا عن السعي إلى السلطة وبشروا بالاشتراكية).<br />
<br />
'''وفي شهادة د. إسماعيل صبري عبد الله كان يردد هذا طويلاً معي، ومما قال:'''<br />
<br />
(عبد الناصر كان يتعامل معنا كماركسيين، وكان يودُّ أن يستوعب في الجهاز الطليعي كل رموزنا الفاعلة وإن يكن بشكل فردي .. و ... وأذكر أن عبد الناصر في حوار معنا قال: الناس التي تعمل بالسياسة خايفين منكم، بيقولوا لو أننا فتحنا الباب هاتكلوا التنظيم السياسي . وضحها بهذه الصراحة والوضوح، وقال أنتم صنعتم التبشير بالاشتراكية مثل القديس سانت بيتر).<br />
<br />
ويسهب حول إيثار عبد الناصر والمحيطين به (أهل الثقة) ممن لم يكن التيار اليساري ينتمي إليهم، '''وهو هنا يسجل هذا الحوار:'''<br />
<br />
'''(قال عبد الناصر لأبي سيف يوسف) :'''<br />
<br />
- وأنت يا أبو سيف، اترشحت فين؟<br />
<br />
- لم أترشح.<br />
<br />
- والله جدع.<br />
<br />
وهو ما يعني أن عبد الناصر كان حريصاً على ألا يزج باليسار إلى (أهل الثقة) مهما تكن كفاءتهم حرصاً على النظام الذي ينتمي إليه، وهو ما يعني أن عبد الناصر كان مهتماً بأهل الثقة، لكنه في الوقت نفسه لم يكن ليترك لهم الحبل على الغارب، وإنما كان يتعامل معهم انطلاقاً من اللعبة السياسية أن يكون النظام حريصاً على رموزه الواعين لسياسته؛ الموقف الواضح من خلال الشهادات يشير إلى اتخاذ هذا الموقف الرافض لكل العناصر السياسية التي تنتمي للعنصر السابق من يسار وإخوان ووفديين ويساريين.. إلخ<br />
<br />
واياً كان اسم هذا الموقف الذي يتخذه النظام، فقد كان الهدف في النهاية يؤدي ـ كما يردد إسماعيل صبري عبد الله:<br />
<br />
(الموقف هو الحرص على آليات السلطة وافتقاد الديموقراطية..)<br />
<br />
بل إن محمد سيد أحمد يـؤكد أن عبد الناصر كان قد اقترب من الشيوعيين لسنوات لكن على مستوى الفكر (لا كادر قط)، ولا بأس أن يكون الشيوعيون هنا عنصر (إثراء وتصحيح) ـ على حد قوله ـ لكن ما كان يهمه قبل أي شيء كما يضيف محمد سيد أحمد هنا هو:<br />
<br />
(مسألة الولاء، قضية عبد الناصر كانت هي الانتماء السياسي، كان يعتقد أن انتمائنا إليه كان يثري النظام والتنظيم الرسمي، لكن أن ننضم فرادى بدون تنظيم، ولذلك حين دخلنا "التنظيم الطليعي" كنا قد حلننا التنظيم الشيوعي، وربما كان عبد الناصر هنا يشير إلى أن يكون للشيوعيين تنظيم سري، لكن أن ينتهي عند سامي شرف، أي ـ بشكل ادق ـ كان الولاء هو الذي يحدد السلوك السياسي له).<br />
<br />
(الأكثر من هذا أن فكرة "أهل الثقة وأهل الخبرة" كانت هي الضية المحورية في العلاقة بين النظام والمثقفين حينئذ).<br />
<br />
مُسهباً كثيراً حول هذا التوجه.<br />
<br />
وقد يكون لويس عوض أكثر من عبر عن هذا التوجه لعبد الناصر، فبعد أن أشار لعديد من السلبيات التي تحسب لعبد الناصر أضاف (اقتلعت الثورة الناصرية، بحل كافة التنظيمات السياسية، وتحريم كافة التجمعات المنظمة، وتجريم كافة التجمعات غير المنظمة، وإقامة حياتنا السياسية على مبدأ تحالف قوى الشعب العاملة داخل وعاء واحد تسيطر عليه الدولة هو هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، اقتلعت الثورة الناصرية حق الأفراد في التفكير السياسي وحريتهم في العمل السياسي، وبعد أن جردت الثورة المصريين من حقوقهم السياسية وعزلت الشعب المصري برمته عزلاً سياسياً إلا من سار في مسيرتها بالولاء الشخصي و..) غير أن ذلك كله يمكن تفهمه حين نتفهم موقف النظم العسكرية في بلد كمصر بنظام الحزب الواحد أو الهيئة الواحدة وراقبت أفرادها أو تحمست (لأهل الثقة) فيهم لكن لهدف أساسي حرصت عليه والأخطار تحيق بها، هذا الهدف يكون محاولة استكمال الهدف الثوري، هدف الإصلاح الثوري السريع الحاسم.<br />
<br />
كانت القضية هي (أهل الثقة وأهل الخبرة) لكن مضمونها الأكثر دقة كان يشير إلى الولاء أكثر منه إلى إيثار الخبرة هنا وهناك .. والتأني في الإصلاح السياسي لمواجهة القوى السياسية المعادية في الداخل ـ الليبراليين السابقين ـ أو في الخارج ـ الإنجليز ثم التحدي الصهيوني وراءه المساندة الرأسمالية الأمريكية .. بيد أن هذا يظل له ـ مع التقادم ـ ثمناً لابد من دفعه.<br />
<br />
'''(2) حرية التعبير :'''<br />
<br />
ترددت في شهادات المثقفين أيضاً قضية التعبير، وهي إن تكن قد ارتبطت بقضية الولاء بشكل ما، فإنها تحددت أكثر في منح قدر كبير من حرية التعبير في التجربة السياسية في الفترة الناصرية، ومن يرصد لكتابات هذه الفترة يلحظ إطلاق هذه الحرية في القضايا التي لا تطوي فكراً وأيديولوجيا مغايرة للنظام، أي المثقف الذي لا ينتمي بوضوح لأي انتماء سياسي مضاد للنظام القائم، كأن ينتمي للأجهزة التي تهاجم النظام بشكل مباشر، وفي صدد حديثه عن الحالات التي كان يحرص النظام فيها على المحافظة على السلطة؛ وقد كان أهم هذه السبل تجريد أعداء النظام أو (الشرعية الثورية) من أسلحة كثيرة لعل من أهمها عند عبد الناصر سلاح (الصحافة).<br />
<br />
رأينا كيف أن عبد الناصر لم يكن ليطبق حرية الرأي التي تعتمد على أيديولوجية مناهضة له خارجة عن الولاء و(الأمن) السياي خاصة في تياراتها الليبرالية أو الدينية أو الشيوعية؛ وعبوراً فوق ملابسات بلغت درجة كبيرة انطلاقاً من رؤية النظام الناصري نفسه، وتحت مظلته. ومن هذا المنطلق بدت حرية التعبير السياسي تمضي في تيار (الولاء) ولا تنهض ضده .. وهنا توالت شهادات كثيرة.<br />
<br />
ونحن نعلم أن عبد الناصر رفض مصادرة كتاب (الديموقراطية أبداً) لخالد محمد خالد، ورغم الخلاف الذي كان يبدو بين خالد محمد خالد والنظام، فإن هذا الأخير لم يتردد أن يذكر بالثناء هذه الدرجة من حرية التعبير التي جاءت إليه لأكثر من مرة ومن أعلى سلطة في النظام، '''إنه يدلي بهذا في شهادته منذ البداية عقب أحداث الفترة الأولى من مجيء الثورة، يقول:'''<br />
<br />
(كان أول ما فعلته، أن أغلقت غرفتي على نفسي بالمنزل، واستعنت بالله جاهداً كي أنجز في أقرب وقت كتاب "الديموقراطية أبداً".<br />
<br />
وبالفعل، أنجزت هذا الكتاب في عشرين يوماً فقط.<br />
<br />
كنت أرى بوضوح أنني في صراع مع الثورة التي بدأت عهدها المجيد ـ كما يطلع عليها ـ بالديكتاتورية؛ وقلت في هذا الكتاب ما أريده صراحة حول الديموقراطية:<br />
<br />
كيف غابت عن حياتنا؟<br />
<br />
ولماذا حدث ما حدث؟<br />
<br />
وانتظرت ما سيحدث، فإذا بي أمام نشر الكتاب، وعلمت ـ فيما بعد ـ أن بعض الضباط بادروا بالفعل بمصادرة الكتاب، غير أن عبد الناصر رفض المصادرة..)<br />
<br />
كان التعبير السياسي لا غبار عليه مادام لا ينطلق من كادر سياسي أو موقف أيديولوجي وما يقال عن تأكيد الحرية السياسية للتيار الإسلامي، يقال كذلك لبقية التيارات.<br />
<br />
ففي شهادة لإسماعيل صبري عبد الله، ذكر ولأكثر من مرة، أنه لم يكن ليعاني من الحرية في التعبير السياسي بأية حال: (حين خرجنا من السجن وبدأنا نكتب في مجلة "الطليعة" كانت هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى نقد Critique، وقد كنت أكتب في حرية مطلقة وأعبر عن نفسي بغير قيود، وقد لاحظنا أن الكثيرين يسألوننا لماذا يترككم النظام تكتبون بهذا الوضوح وتلك الحرية).<br />
<br />
ويفسر السجين اليساري (السابق) أنه بعد الخروج من السجن لم ننتم لتنظيم ضد النظام القائم كما أننا حرصنا من ناحيتنا بدقة ألا ندخل في صراع الشلل السياسية حول عبد الناصر).<br />
<br />
وهو ما يردده بشكل ما محمد سيد أحمد في شهادة أخرى، فحين وضعت أمامه السؤال: راح يجيب بوضوح:<br />
(هل توفرت حرية التعبير السياسي ـ بعد حل التنظيم ـ كماركسيين مصريين؟<br />
<br />
- طيلة حياتي لم أشعر قط بالقيد وأنا أكتب في الصحف ــ كالأهرام مثلا ــ كنت أمنح حرية الكتابة تماماً، الشيء الوحيد الذي عانيت فيه من الكتابة بوضوح كان قضية (الصراع العربي الإسرائيلي)؛ وكان السبب أن الحديث الصريح يترتب عليه التزام أو موقف و.. كتبت الكثير عن عيوب الديموقراطية وعيوب الاشتراكية وإن كانت الرسالة تتوجه للطليعة أو للمثقف الواعي لما أريد..).<br />
<br />
معنى هذا أن عبد الناصر لم يهتم بالمثقف على صعيد الكلام النظري العام، غير أنه راح يوجه بعنف شديد الذين انتموا إلى تنظيمات أو أحزاب انطلاقاً من توجههم الخطر.<br />
<br />
وحتى بعد أن خرج الشيوعيين من السجون كان عبد الناصر يترك لهم حرية التعبير لكن لا يترك لهم حرية العمل السياسي وإن يكن بشكل فردي او جماعي، والتعبير عن هذا بالكتابة في الصحف.<br />
<br />
غير أن المثقف من ذوي التيار العقيدي كان يرتبط باللعبة الدولية، ومن ثم، كان يضاف إلى محظور الانتماء لكادر سياسي داخلي الميل إلى لعبة السياسة الخارجية، ومن ثم، ينتفي إطار حرية التعبير السياسي، ويكتفي عبد الناصر بمرجعيته في العلاقة مع المثقفين في (الولاء) .<br />
<br />
بيد أننا نحن هنا نشير إلى أن حرية التعبير كانت لها حدود معينة؛ فمن الشائع لدى البعض أنه لم يعتقل صحفي او مثقف يعمل بالكتابة خلال حكم عبد الناصر، كما لم يضيق عبد الناصر الخناق على صاحب (رأي) مجرد، ومن اعتقل في الفترة الناصرية كان يعود في تفسيرة إلى نشاطات غير صحفية.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإننا يمكن القول أن عبد الناصر لم يكن ليسمح لأحد قط، في جميع الحالات، أن يعبر بما يسيء إلى النظام من منطق خارجي (أعداء الأمة العربية) أو من الداخل (عبر كوادر وتنظيمات معادية)، وفي النهاية، كان حريصاً على أن تكون (جبهة النضال الداخلي) في صراعه مع الأعداء في الخارج أو الداخل .. جبهة متينة صلبة .<br />
<br />
فلم تكن المعركة لتسمح بالصراع في وجود صراع مصيري بين الأمة وأعدائها الكثيرين.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ الديموقراطية الاجتماعية.<br />
<br />
وهو ما ننتبه إليه أكثر حين يتحول الاهتمام من حرية التعبير السياسي إلى حرية التعبير الاجتماعي ـ الديموقراطية الاجتماعية.<br />
<br />
ولا نستطيع أن نتحدث هنا عن الشهادات التي تتحدث حول الحرية السياسية دون أن نتمهل أكثر عند الحرية الاجتماعية، فمراجعة شهادات العديد من معاصري هذه الحقبة من المثقفين أو السياسيين نرى أن الديموقراطية كانت هي الحرية السياسية أما الاشتراكية فكانت الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بينهما ولا يمكننا الحديث طويلاً عن الجانب الاجتماعي وكيفية تحقيقه لدى شعوبنا دون التنبُّـه إلى الخبرة السياسية في التعامل مع الديموقراطية.<br />
<br />
'''ننقل هنا شهادة أمين هويدي التي تناثرت في أكثر من مقالة أو كتاب فيما بعد، يقول:'''<br />
<br />
(إن الحرية السياسية في الديموقراطية ليست نقلاً عن واجهات دستورية موضوعة كذلك فالحرية الاجتماعية أي الاشتراكية ليست تطبيقاً جامداً لنظريات وتجارب الآخرين ولا نزاع في أن النظام السياسي في الدولة هو انعكاس مباشر للشئون الاقتصادية السائدة فيها وتعبير حقيقي دقيق عن طبيعة المصالح التي تتحكم في اقتصادها فإذا كان الإقطاع هو القوة الاقتصادية التي تتحكم في دولةٍ ما فإنه لا شك في أن الحرية السياسية فيها سوف تقتصر على الإقطاعيين فما دام هؤلاء يتحكمون في المصالح الاقتصادية فإنهم سوف تكون لديهم القدرة على فرض الشكل السياسي للدولة).<br />
<br />
إن العلاقة بين السياسي والاقتصادي علاقة جدلية لا يمكن الفص بينها في القضية الديموقراطية، وهو ما ننبه إليه عدد كبير من مثقفينا من شتى التيارات، يقول إسماعيل صبري عبد الله عن فترة تطور الحزب الشيوعي المصري قبل ثورة 1952 وبعده، '''في شهادته:'''<br />
<br />
(كان عندنا في الأصل القضية الوطنية واستقلال مصر هي البداية والنهاية في الكفاح ضد المستعمر، أما البعد الاقتصادي الذي نما لدينا وتعمق فينا، هو البعد الجديد الذي تطور في ذلك الوقت ..<br />
<br />
'''إن هذا البعد الأخير للديموقراطية أعطى لنا بعدين:'''<br />
<br />
'''البعد الأول :''' أن الاستعمار ليس ظاهرة سياسية فقط، وإنما ـ أيضاً ـ ظاهرة اقتصادية في الأساس الأول ..كنا نقول وقتها أن الجلاء عن مصر لابد أن يكون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.<br />
<br />
كنا نقول هذا ولم نكن لنعرف ــ كما تؤطر فكرنا الآن ــ أن مفهوم (التنمية المستقلة) هو من أهم واجبات الوعي الديموقراطي، حتى بعد أن استقلت بلادنا.<br />
<br />
بيد أننا ابتداء من البعد الاقتصادي اكتشفنا أن تشابك المصالح بين الفئات "البرجوازية الكبيرة المصرية والمحتلين" وقد كان القصر في ذلك الوقت البعيد يعرف منا كراهية شديدة لأنه يقوم في سياسته على الاستبداد السياسي، ولأنه معاد للوفد السياسي، ومع الاختلاف بين القصر والأحزاب من آن لآخر، تعمق لدينا في هذا الوقت البعيد الجانب السياسي دون التنبه إلى القدر الكافي للجانب الاجتماعي.<br />
<br />
غير أننا حين عرفنا العلاقة الأكيدة في الوعي بالديموقراطية، ونقصد بها الجانب الاقتصادي، أدركنا، إلى أي مدى يمكن أن يكون الاقتصادي والاجتماعي من ضرورات الوعي بالديموقراطية.<br />
<br />
إلا أننا، أدركنا تماماً ذلك ونحن نتحدث عن الطبقة البرجوازية الكبيرة التي كانت تتحالف مع الاستعمار ويعتمد عليها من آن لآخر، ويستدعيها.<br />
<br />
وابتداء من اليقين الذي تولانا، فقد عرفنا أن الاستعمار كان في الأساس بلاء اقتصادي، لقد بحثنا وتوصلنا جيداً عمن يستفيد من الاستعمار، وتعرفنا على العامل الاقتصادي.<br />
<br />
ومن هذا المنطلق كانت تحالفاتنا قبل الثورة نحن الماركسيين مع الوفد .. كان هناك الوعي الاجتماعي ينمو ويتطور داخلنا.<br />
<br />
وعبوراً فوق أحداث كثيرة في النضال الوطني في الأربعينات، كان لدينا الوعي إبّان المظاهرات أن نتجه إلى العمــال ــ لا إلى صر عابدين فقط ــ كـان الوعي الاجتماعي بدأ يتطور في أعماقنا .. ومن هنا، لاحظنا أن عناصر ماركسية نشطة كانت تتحرك بين العمال بوعي اجتماعي واقتصادي، ومن هنا، ظهرت الفكرة الجبهوية في مصر "جبهة مصر" وهي اللجنة الوطنية للطلبة والعمال الذي كـان لها سكتيرين عاملين: فؤاد محيي الدين وحسن كاظم.<br />
<br />
كان الاتجاه نحو الجماهير والعمال لا الملك.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، توصل التنظيم الجبهوي إلى أهمية العامل الاجتماعي الاقتصادي، وهو ما تطور معنا أكثر في الخمسينات والستينات حين أدركنا أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في بناء الديموقراطية).<br />
<br />
بل إن شهادة إسلامي واع مثل خالد محمد خالد كانت تؤكد النضج الشديد في الربط بين السياي والاجتماعي في البحث عن الديموقراطية .<br />
<br />
ورغم أن الجانب السياسي أكثر ما يلحظ في كتاباته، فإن الجانب الاقتصادي تسلل رويداً رويداً إلى هذه الكتابات، إنه يقول: أمّــا الرئيس عبد الناصر في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية عام 1961، '''وهو ما أكــده لنا في شهادة خاصة:'''<br />
<br />
(..إن النظام السياسي والاقتصادي مرتبطان أجل إنهما مرتبطان. ونحن حين نقول النظام الاشتراكي. إنما نعلن ذلك لنقسم طريقنا تماماً كما نقول: حرية الكلمة، حرية التصرف، حرية الملكية، حرية التجارة .. كل ذلك مسميات لشيء واحد هو الحرية.<br />
<br />
إن الاشتراكية والديموقراطية شيء واحد، لأن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، بل يؤثر فيها ويحركها كما قال سيادة الرئيس، وهذا ما يدعوني إلى ان أحفز في نفسي الإيمان بالديمقراطية..).<br />
<br />
وهو مــا كرره كثيراً عدد كبير من المثقفين حينئذ من شتى التيارات، وأكــده عبد الناصر كثيراً قبل هذا وبعده.<br />
<br />
'''ملاحظات أخيرة :'''<br />
<br />
وبعد، هذه أمثلة من الشهادات حاولنا خلالها الإجابة عن السؤال (كيف؟) حول واقع (إشكالية الديموقراطية) في هذه الحقبة في الخمسينات والستينات .<br />
<br />
والسؤال (كيف؟) يصل بنا لا محالة إلى (لماذا؟) وما يرتبط به من الوعي بالماضي وصولاً إلى فهم الحاضر للوصول، من ثم، إلى إرهاصات المستقبل والعمل له؛ فإذا كان الإدراك القيمي للديموقراطية يعني أن النظام الديموقراطي يجب أن يتحدد بتمثيل الأغلبية عبر مؤات ودساتير واستفتاء حر فضلاً عن ضرورة السماح بحرية التعبير السياسي وترشيد الواقع الاجتماعي .. وما إلى ذلك، فإن القضية تظل في حالة التمهل عند فهم الماضي (لماذا؟) التأمل عبر الوعي بالحاضر للوصول ــ كما أشرنا ــ إلى الإجابة عن تصور ديموقراطي مثالي للمستقبل.<br />
<br />
'''وعلى هذا النحو، لابد من العودة لهذه الإشكالية في الفترة الناصرية ونحن أمام هذا الواقع الذي ولد أزمات لابد من التمهل عندها أكثر:'''<br />
<br />
'''(1) أزمة الواقع :'''<br />
<br />
"فقد تحددت الفترة الناصرية بسمات معينة كان على رأسها الشخصية الكارزمية للزعيم، وتحولت الديموقراطية إلى (إشكالية) مع الأخطار الداخلية في مواجهة الاستعمار وتحدي الصهيونية فضلاً عن وراثة نظام سابق لم يجد النظام الجديد أمـامه سوى الاصطدام به كفساد الأحزاب وشتات من القوى المتصارعة إلى غير ذلك.<br />
<br />
وأما هذه التحديات التي واجهت النظام في الخمسينات كان لابد أن تتماهى شخصية الحاكم مع الإرادة الشعبية خاصة في دولة مركزية كمصر. تلعب فيها الظاهرة المركزية دوراً كبيراً ينسحب فيها السلطات التنفيذية ويفسرها المجتمع الأبوي وما ينجم عنه من السيطرة على رأس النظام، هذا وغيره يرينا أن شخص الحاكم متداخل في وعي جهاز السلطة وفي وعي الجماهير، مع شخصية الدولة، ولهذا فإن الولاء السياسي يظل في المقام الأول، ولاء لشخص الحاكم الأعلى، والخلاف مع شخص هذا الحاكم، الذي تطلق عليه كثير من الأنظمة القيادة السياسية تجهيلاً لحقيقته وتلاعباً بالمصطلحات والألفاظ في أمــر لا يحتمل التلاعب، هذا الخلاف يصنف على أنه خلافٌ مع الدولة ونقص في الولاء".<br />
<br />
ومهما يكن من تبريرنا لنظام يوليو، فمما لا شك فيه أنه حال دون قيام مؤسسات سياسية وأحزاب كان يمكن أن تلعب ــ مع التطور ــ دوراً ما في التخلق الديموقراطي.<br />
<br />
لم يكن دراسة الواقع يحمل لنا هذا فقط، وإنمـا أكـد شهادات هذه الفترة من المثقفين خاصة.<br />
<br />
'''(2) أزمة الحرية :'''<br />
<br />
وما يقال عن قضية الولاء يقال عن أزمة الحرية السياسية، فالتعبير السياسي أصبح ـ بالتبعية ـ تابعاً لنتائج الكارزمية والظروف المحيطة بالبلاد، فقد بدت قضية الحرية تابعة للمركزية.<br />
<br />
ولا نريد أن نُسهب هنا كثيراً، غير أنه من المؤكد الآن أن حرية التعبير السياسي لم تمض دائماً في الطريق الديموقراطي، فرغم أننا وجدنا صوراً كثيرة لجرع التعبير السياسي؛ كما شهدنا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في بداية الستينات عبر الكثير من المثقفين، ووجدنا كذلك في عديد من نشر الروايات والأعمال الأدبية التي تفتقد النظام وإن يكن تحت مظلة النظام، فإن رصد التجربة يرينا أن كثيراً من صور التقييد السياسي في هذا المجال نالت الكثيرين في الممارسة، وقد وصلت إلى درجة الحبس في حالة مصر بالنسبة للصحفيين ومضت إلى حالة الرقابة اللاحقة على المطبوعات، وهو ما وجدناه في حركة التنظيم السياي والنقابات المهنية والعمالية .<br />
<br />
الأكثر من هذا إن حرية التعبير ضاقت خاصة لدى المثقفينن الأيديولوجيين مع الوقت، فمع أننا نلاحظ في الحقبة الأخيرة أن ثمة حالات تمارس وجودها من خلال الديموقراطية في بعض الأقطار العربية (كما نرى في بعض الأقطار المغارية) فإن المجال كان متسعاً أيضاً للحديث عن التضييق في حرية التعبير بل وممارسة التعذيب وعدم احترام القضاء أو تنفيذ أحكامه .. إلخ.<br />
<br />
إنها أزمة الحرية التي مثلت أحد وجوه الفترة الناصرية، والتي مازلنا نعاني منها حتى الآن .<br />
<br />
'''(3) أزمة المجتمع :'''<br />
<br />
وكما لم تمارس الحرية السياسية في أكثر من جانب بالقدر المفروض، كذلك استبدل أو عُمق فرضياتها بالقدر الكافي للديموقراطية الاجتماعية، فرُحنا نسمع عن مجتمع الكفاية والعدل، ورُحنا نلاحظ تركيزاً كبيراً ومستمراً في خطابات الرئيس عبد الناصر عن ضرورة اختيار طريق العدل الاجتماعي قبل أن نبحث عن الطريق السياسي في الديموقراطية، ورحنا نلاحظ التطور عبر المؤسسات الاقتصادية (الإصلاح الزراعي 1952 وتأميم قناة السويس 1956 والمشاريع الأنجلوفرنسية 1957 .. إلخ).<br />
<br />
إن ممارسات الدولة ـ مهما تكن المركزية ـ لم تكن لتسمح بنظام ليبرالي يعمق الديموقراطية، وخاصة وقد "أضافت المفاهيم والأساليب التي حكمت التطورات الاقتصادية والاجتماعية أوضاعاً مؤسسية جديدة تكاملت مع النسق السابق وصبت في رصيد سلطة الرئاسة".<br />
<br />
إن النظام تشكل في الخمسينات وفق اعتبارات المناخ القائم الذي كان يهدد الواقع العربي بالتحديات الخارجية والداخلية، وهو ما يفسر كيف اكتسبت ظروف الفترة الناصرية مشروعيتها السياسية، بل وتلاحم الأمة حولها.<br />
<br />
'''(4) أزمة المثقفيــن :'''<br />
<br />
لا يمكن أن نوجه النقد فقط للنظم السياسية، وإنما أيضاً للمثقفين، فشهادات المثقفين أنفسهم كانت تشير إلى أننا لا يمكن أن نعفي أغلبهم من حالة (انفصام) مع النظام، بل مع مواطنيهم.<br />
<br />
إننا في الفترة الناصرية لم نفقد هذا التقصير لدى المثقفين خاصة من معاناتهم من قضايا كالولاء أو التركيز على الأيديولوجية المحددة لهذا المثقف أو ذاك، خاصة، وأن المثقفين كانوا خارجين من الفترة السابقة لثورة يوليو ــ الفترة الليبرالية ــ ولم يحسموا مواقفهم بعد من التطورات التي قد تطرأ على المجتمع.<br />
<br />
لقد رأينا توزيع مثقفي اليسار بين الرفض والتأييد عقب قيام الثورة، وحينما احتدمت الأزمة بين محمد نجيب وبقية الضباط الأحرار كان اليسار على حد تعبير أو سيف يوسف "متوزعا على منظمات عديدة .. (و) .. لم يكن لدى المثقفين "الديموقراطيين" على اختلاف تياراتهم مشروع يوحد (أو يرفع التناقض) بين قضية التغيير الاجتماعي و"الصيغة الليبرالية" التي تخدمها أو تصادر عليها".<br />
<br />
'''(5) أزمة العولمة :'''<br />
<br />
ويبدو أن (إشكالية الديموقراطية) مازالت تلقي بشباكها في عصر العولمة مع تغيير المناخ وزيادة وطأة الآليات الجديدة في عصر (عولمة العسكرة) خاصة في المجال الاقتصادي، فمن الملاحظ أننا بين عدد كبير من النخبة الثقافية بوجه خاص تتكامل مع آليات العولمة بازدواجية لابد من التنبه إليها حيث يندمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي الكلي ليؤدي دوراً مرسوماً ومحدداً له عبر هذه القلة من المثقفين التي "تعيش في وضع مالي متميز من كل النواحي وتقوم بتعليم أولادها في مدارس وجامعات أجنبية عادةً ـ أمريكية ـ هي التي تستفيد من مظاهر الديموقراطية السياسية، فإن الغالبية العظمى من الشعب وبسبب ضغط ظروف المعيشة لا يفكرون مطلقاً في مظاهر هذه الليبرالية السياسية خاصة أن الوعي بها متدن جداً.<br />
<br />
الأمر الذي يعني ــ كما يلاحظ أكثر من مثقف ـ أن ممارسة الديموقراطية هُنا ستكون مقصورة على النخبة وأولادهم.<br />
<br />
وهذا له مخاطر كبيرة، فإلى جانب العودة ـ مستقبلاً ـ إلى نظام سياسي تتحدد فيه القيم الديموقراطية الواعية في عصر العولمة للحفاظ على الدولة والوعي بمقدراتنا الاقتصادية خاصة، فإذا بنا نفقد ـ مع الدخول في منظومة ـ ومما يعيد بنا الفترة الناصرية مع تزايد (إشكالية الديموقراطية) التي تتخذ الآن أبعاداً أكثر سوءاً وأقل وعياً بالتطورات العالمية بعد عاصفة مانهاتن بوجه خاص.<br />
<br />
===الفصل الرابع: الثورة والقانون / عبد الناصر والسنهوري===<br />
<br />
ما هي طبيعة العلاقة بين الثورة والقانون؟<br />
<br />
'''في هذا الإطار نعيد طرح السؤال عبر أسئلة أخرى:'''<br />
<br />
كيف تجسدت العلاقة بين رموز الثورة وأهم رموز القانون حينئذ؟<br />
<br />
وهل حرضت الثورة على الاعتداء على السنهوري؟<br />
<br />
وكيف يمكن الحكم على مواقف الثورة في هذه الفترة المضطربة في تاريخنا الطويل؟<br />
<br />
هذه الأسئلة الحائرة طرحت أكثر من مرة على مدى نصف قرن، ورغم تعدد طرحها، وتباين الإجابات حولها، فإننا لم نجد إجابة واحدة مانعة لها كما يقول المناطقة؟<br />
<br />
ورغم أننا، في السعي إلى إجابات كثيرة، مازلنا نفتقد الوثيقة أو نعاني من حجب المعاصرة في هذه الفترة، فإن نصف قرن بعد كافياً ليقدم لنا بعض ما يؤكد هذا الفرض أو ينفيه.<br />
<br />
وهو ما نحاول الإجابة عنه الآن.<br />
<br />
لقد كانت مصر تحيا الفترة السابقة على ثورة يوليو حالة من الغضب والفوران؛ ولم تكن مواقف الثورة وتداعياتها المتسارعة غير تعبير عن هذه الفترة.<br />
<br />
وقد كانت العلاقة بين الثورة والقانون ـ بالتبعة ـ غير جزء دال من هذه الفترة.<br />
<br />
وقد مرت العلاقة بين الثورة والقانون فى الخمينات فى عدة دوائر تحددت معها العلاقة فى نهاية هذه الفترة من التعاون إلى الصدام إلى التخبط والاعتداء .<br />
<br />
وكان الاعتداء على السنهورى يعنى تداخل حركة الدوائر فى مركز واحد.<br />
<br />
====دائرة التعاون====<br />
<br />
ومن هنا، كان أول فعل للسنهورى ـ كغيره ـ فور قيام الثورة مسايرتها والتعاون معها، ولم يكن هذا الموقف مشيناَ، وإنما لجأ إليه الكثير من المثقفين والسياسيين الواعين بقصد التمهل لتفهم مواقف الثورة واتجاهاتها، فضلا عن أن قيام مسئول كبير مثل السنهوري بالتعاون مع الثورة كان بقصد أن يحتويها أو يردها إلى الطيق الصحيح إذا شطت، وهو عمل في حد ذاته ـ في وقته ـ يمكن النظر إليه بكثير من التقدير.<br />
<br />
لقد كان السنهوري يعرف بحدته ورصانته طيلة الأربعينات خاصة، وهي الصفات التي عرف بها حين كان وزيراً مسئولاً في عدة وزارات (وزيراً للمعارف العمومية (وزارة النقراشي 1945 ـ 1946 / والثانية 1946 ـ 1948) ثم وزيراً للأوقاف في وزارة إبراهيم عبد الهادي 1948 ــ 1949) ورئيساً لمجلس الدولة (من أوائل عام 1949)، أو بين زملائه وعارفيه، أو على صفحات الصحف برسومها القاسية وأعمدتها الجادة.<br />
<br />
من هنا، كان لقاؤه مع شباب الثورة والعمل معهم .. إماناً بهم أول الأمر، وترويضاً لجموحهم فيما بعد، ولم يكن خضوعاً لإرادتهم بأية حال، ومن يعرف شخصية السنهوري جيداً يؤيد هذا الرأي ولا يرجعه ـ كما يردد البعض ـ إلى انتصاره للحزب السعدي الذي كان منتمياً إليه ضد الوفد.<br />
<br />
وحتى على فرض أن السنهوري لم يستطع أن يروض من جنوح هؤلاء هؤلاء الشباب وغلوائهم لصراعاتهم المتباينة، فإنه سعى بهذا الموقف إلى أن يعد مصالحة بين القانون والثورة.<br />
<br />
وإذا كان بعض المثقفين يتهمون النهوري اليوم بأنه أيد الثورة تأييداً مطلقاً أو ذهب إليها ساعياً فإن دارس هذه الفترة يلاحظ أن الثورة فور قيامها سعت إليهم هرولة في أول الأمر، وقرارات هذه الفترة وإعلامها وقراراتها كانت عود إلى رأي المثقفين.<br />
<br />
إذن، فالتعاون مع الثورة أول عهدها لم يكن عيباً يمكن أن نشير إليه أو نلوم صاحبه عليه.<br />
<br />
نقول هذا لعديد من الكتاب والمؤرخين الذين راحلوا يلومون السنهوري في أول قيام الثورة إلى (التعاون) معها أو مسايرتها في كثير من الأمور، فالتعاون لم يكن بالنسبة لمثقف مثل السنهوري ضرورة اقتضتها ظروف هذه الفترة وتغييراتها، ولم يكن ليستطيع رجل مثل السنهوري أن يكن غير ما كانه.<br />
<br />
كان السنهوري يسعى ـ عبر ما يمثله من القانون ـ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.<br />
<br />
وكانت الثورة ــ بصراعاتها وتكوين أصحابها ــ ماضية في طريق محفوف بالمخاطر والمصاعب. وكان لابد أن يعقب المسايرة التعاون فالتأييد المحسوب، والدخول في جدلية الحركة المستمرة في السنتين الأوليتين قبل أن تعصف بالمثقف رياح الصراعات التي هبت على الثورة بشكل عنيف.<br />
<br />
فلنتمهل أكثر عند بعض صور هذا الاتفاق قبل أن نصل إلى صور الافتراق.<br />
<br />
كان علي السنهوري رئيس أعلى هيئة استشارية أن يتهاون مع النظام الجديد في وقت كانت (الحركة المباركة) ــ كما أطلق عليها فور قيامها .. أن تحاول التهاون مع المثقفين أو الإفادة منهم.<br />
<br />
من أمثلة هذا التعاون أن السنهوري كان أول من اشترك في صياغة وثيقة تنازل الملك عن العرش يوم رحيل الملك عن البلاد، وما كاد الملك يرحل عن البلاد في 26 يوليو 1952 حتى راح يهم بشكل فاعل في تشكيل مجلس الوصاية على العرض.<br />
<br />
والحاصل أن حل مشكلة الوصاية على ملك صغير يقتضي أن يجتمع البرلمان بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان وفاة الملك؛ فإذا كان مجلس النواب منحلاً، وكان ميعاد انعقاد المجلس الجديد يجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل رغم مرسوم حله، وذلك حتى يؤدي الملك الجديد ـ إن كان يافعاً ـ سن الرشد، أو يؤدي أوصياء العرش إن كان قاصراً اليمين الدستورية أمام البرلمان بمجلسيه.<br />
<br />
وهنا اختلفت وجهات النظر حول قضية الوصاية وعلى وجه التحديد حول وجوب دعوة البرلمان للانعقاد خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان التنازل عن العرش لاختيار الأوصياء على العرش وتمكينهم من أداء اليمين الدستورية ليمارسوا صلاحيتهم.<br />
<br />
وبالتباين في الآراء: هل يستعجل دعوة البرلمان .. أم يتم الاستغناء عن ذلك؟<br />
<br />
المهم هنا أنه اتفت كلمة مجلس الوزراء وقادة حركة الجيش بزعامة محمد نجيب على عرض المشكلة الدستورية على مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة لاستطلاع وجهة نظرهم والنزول عليها.<br />
<br />
واجتمع السنهوري مع أعضاء المجلس، ووافق الجميع ــ عدا د. وحيد رأفت ــ على عدم جوار دعوى مجلس النواب المنحل في حالة نزول الملك عن العرش، ويجب إجراء انتخابات جديدة.<br />
<br />
وبدلاً من هذا اقترح قسم الرأي بالمجلس أيضاً طالما أن الانتخابات ستأخذ وقتاً غير قصير، فالحل يمكن أن يكون في إيجاد نظام للوصاية المؤقتة، وهو ما يستدعي إضافة مادة إلى الأمر الملكي رقم 52 لسنة 1932 تنص على أنه في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى حـالة خاصة، يجوز لمجلس النواب إذا كـان مجل النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة للعرض من ثلاثة تتولى بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولى هي هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
تقول وثائق هذه الفترة أنه "اقترح السنهوي نصاً جديداً يعالج خصيصاً هذه الحالـة .. حالة نزول الملك عن العرش وانتقال وصاية الملك إلى صفة خاصة، وفي وقت يكون فيه مجلس النواب منحلاً .. وتم بهذا استبعاد دعوة هذا البرلمان إلى الانعقاد كما كان يقتضيه الدستور القائم لو قيست حالة تنازل الملك عن العرش حـالة وفاته، إذن فإن جاء مجلس الوزراء إذا كـان مجلس النواب منحلاً أن يؤلف هيئة وصاية مؤتة للعرش يختارهم .. (و) .. تتولى هيئة الوصاية بعد حلف اليمين أمام مجلس الوزراء سلطة الملك إلى أن تتولااها هيئة الوصاية الدائمة.<br />
<br />
وإذن، ابتدع الوصاية المؤقتة بالوصاية الدائمة.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، أمكن تجنب دعوة البرلمان الوفدي للانعقاد.<br />
<br />
'''وهنا، يثار سؤال:'''<br />
<br />
لماذا آثر السنهوري ـ عبر أكبر مؤسسة دستورية ــ هذا الموقف؟<br />
<br />
الإجابة ـ في رأيي ـ أن السنهوي حاول أن يجني البلاء غلواء الثورة، وكان يميل أن يأتي إلى الشبان بنوع من الإصلاح الراديكالي بحيث يتواءم فيه مع غلواء العهد الجديد وليس بالضرورة الصدام معهم.<br />
<br />
كان القانون متمثلاً في السنهوري يسعى للتصالح مع الثورة وترويضها بدلاً من الصدام الذي يمكن أن يخرجه من الساحة فيترك الأمور على غاربها.<br />
<br />
ونحن هنا لا ندافع عن السنهوي أو ندفع عنه تهمة (عدائه للوفد) التي كانت برأي البعض وراء اتخاذ هذا الموقف، فلا يمكن أن يكون موقفه القديم من الوفد ، وهو موقف مخالف ـ هو وحده، وراء (التعاون) الذي أظهره في هذا الشأن، وإذا كان يقال ذلك على إطلاقه علي سليمان حافظ، الذي تؤكد المصادر التاريخية أنه "لم يكن يخفي كرهه لمصطفى النحاس رئيس الوفد وبطانته"، فإننا لا نستطيع أن نول مثل ذلك على السنهوري، فلم تكن واعي النكاية بالوفد وحدها وراء هذا الأمر، كما لم يكن ليحمل ما يدفع به القضاء على الحياة الحزبية تماماً، بدليل أنه كان أول من دعاء للبقاء على الأحزاب، كما أن آخر مقالاته في الصحف كانت تدعو إلى عودة الأحزاب، ويؤكد هذا د. وحيد رأفت أنه كان أكثر من غيره لوماً للدكتور السنهوي، فرغم تصريحه أو اعترافه بعد ذلك بإلقاء اللوم على السنهوري، فإنه نفى أن يكون موقفه من الوفد هو السبب الوحيد وراء جعل "حلف يمين الأوصياء المؤقتين أمام مجلس الوزراء بينما يؤدي الأوصياء الدائمون تلك اليمين الدستورية أمام مجلس البرلمان مجتمعين حسب نص المادة 52 من دستور 1932 "أو" وراء تجنيب دعوة البرلمان الوفدي للانعقاد".<br />
<br />
وعلى هذا راح السنهوري يسعى للتعاون ــ التأييد بالضرورة ـ مع الضباط، فبعد إعداد وثيقة التنازل والإفتاء بعدم دعوى البرلمان راح يوافق على قانون الإصلاح الزراعي ويشترك فيه، كما لم يتردد في ترشيح رئيس الوزراء من بين العسكريين مؤثراً على نفسه، بل ويشترك في إصدار تقرير اللجنة الخماسية لبحث نظم الحكم ثم يوحي بإعلان الجمهورية، بل لا يتردد في الاتصال بالإخوان لإصلاح ذات البين مع ضباط الثورة، ومن وراء ظهر الضباط يوم 26 مارس 1954.<br />
<br />
ولأن طبيعة الأشياء أن يخلف الخلاف الاختلاف، فقد دخلت علاقة السنهوري بالضباط في دائرة أخرى، إنها دائرة محكمة كان يحتم فيها الصدام.<br />
<br />
====دائرة الصدام====<br />
<br />
رغم أن البقاء مع الثورة كان يمثل اتجاهاً يصل إلى أقصاه .. فإن طبيعة السنهوري القانونية كانت تحول بينه وبين أن يتحول إلى (أداة) في يد النظام الجديد.<br />
<br />
كان القانون بالنسبة إليه هو أقصى ما يطمح إليه ويتمسك به.<br />
<br />
ولم يكن التعاون مع النظام الجديد ليـحول بينه وبين تقديم تنازلات لقناعاته القانونية، ومن ثم، كان لابد أن يحدث الخلاف في هذه الفترة المضطربة.<br />
<br />
وقبل أن نشير إلى درجة الخلاف لابد وأن نشير إلى أن هه الفترة بين عامي 1952 ــ 1954 ؛ كانت مرحلة تتصارع فيها أضداد كثيرة ومتباينة: الأحزاب القديمة وصلت إلى مفترق الطرق والثورة وصلت إلى قبضة التغيير / القوى القديمة لا تملك السلطة والقوى الجديدة لا تفلتها / القوى البريطانية تجهد للبقاء والولايات المتحدة الأمريكية تسعى لمنطق الإزاحة / مفاهيم الديموقراطية تتناقص / قوى الصراع تتحول بين قديم وجديد .. وبالإجمال كانت هناك قوتان تتصارعان ..إرادتان متصادمتان.<br />
<br />
كان لابد أن تتصاعد حركة الدراما لأقصاها إلى نقطة الصدام.ولأن الاتفاق مع قوى ون أخرى في ذلك الوقت كان مستحيلاً، ولأن السنهوري جهد أن يروض القوى الجديدة ويستعير من القوى القديمة أفكارها المثالية في الحرية والديموقراطية، ولأنه حاول أن يتفادى الغلو والعنف إلى التغيير والإصلاح ولأن قضية السنهوري الرئيسية أن يحول الثورة إلى القانون. أو كان حلمه أن يمضي مع الثورة الفتية التي تخول القانون بمنطق يخلو من الغلو والعنف.<br />
<br />
لهذا كان لابد أن يحدث الصدام.<br />
<br />
ورغم ما كان يبدو من نقاط اتفاق بين السنهوري ورموز النظام الجديد، فقد بدا مؤكداً نقاط الافتراق..؛ وقد ظهرت دواعي الافتراق منذ فترة مبكرة بين الدكتور عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة وبعض رموز النظام، وكيف أن الدكتور السنهوري سوف يتخلى عن منصبه.<br />
<br />
توالت الإشاعات إلى مواقف غامضة ــ وهي كثيرة ــ نظراً لطبيعة المرحلة وتشابكها ـ كأن يستقيل السنهوري ــ فجأة ــ من عضوية اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بعد انضمامه لها وتحمسه الشديد إليها أول الأمر.<br />
ومع ذلك، لا يقال شيء أو تفسير مقنع لهذا.<br />
<br />
وتتعدد الخلافات وتتحدد مع مضي الوقت، وتتصاعد درجات الصراع بين الثورة والقانون .. وتتعدد مشاهد الصراع أكثر.<br />
<br />
ــ كان السنهوري حريصاً أشد الحرص على أن يقنن كل ممارسات الثورة وإجراءاتها في إطــار (قانون) أو (قرار) كيلا تغيب المشروعية، وتستقم الأمور بعيداً عن الارتجالية والتخبط ويلحظ أن من كان يجرؤ أن يسلك مسلكاً غير معبد من رجال الثورة، لم يكن ليتردد إزاءه في اللوم، كان كثيراً ما يقول أن هذا خروجاً عن المبادئ الستة والتي كان يطيب له أن يسميها (عقد الثورة).<br />
<br />
كان يقول هذا للجميع دون أي تردد وكان يقال هذا باسم القانون دون تردد.<br />
<br />
- حرص السنهوري على الدعوة إلى إعادة الأحزاب القديمة على العكس مما هو شائع .. وخاصة، في الأيام الأولى من قيام الثورة، وحتى الأيام الأخيرة من شهر مارس عام 1954 .. فمن الثابت أنه راح يعارض مشروع قانون لتطهير الأحزاب السياسية تقدم به سليمان حافظ ـ وزير الداخلية في ذلك الوقت ـ بدعوى "أن العرف الدستوري لتنظيم الأحزاب هو ترك الأمر لها".<br />
<br />
- غير أنه تحت إلحاح وزير الداخلية وإقناعه لضباط مجلس قيادة الثورة، وافق على مضض، وإن كان أضاف شرطاً يقول فيه "على ألا تتدخل الإدارة إلا عند الاقتضاء لتحقيق أغراض القانون، وإنما سيكون تدخلها تحت رقابة مباشرة من القضاء بمجلس الدولة".<br />
<br />
القانون مازال يغالب.<br />
<br />
ــ حين انتهت قرارات لجنة نظام الحكم والسلطة التنفيذية والتشريعية حينئذ بأن يكون تأليف البرلمان من مجلسين، وأن يترك تحديد عدد أعضاء كل من المجلسين إلى لجنة قانون الانتخاب .. '''راح السنهوري يدعو إلى ضرورة تأليف مجلس الشيوخ من ثلاث عناصر :'''<br />
<br />
أ- التعيين والكفايات.<br />
<br />
ب- الانتخابات للمصالح الاقتصادية.<br />
<br />
ج- الانتخاب لمجلس البلدية ومجالس المديريات.<br />
<br />
ومازال القانون يغالب.<br />
<br />
ــ في أزمة مارس 1954 بين نجيب وعبد الناصر، والذي راح يعود فيها إلى حياة ديموقراطية أو يتظاهر بهذا .. فإن السنهوري حـاول استعادة أحد أوجه الحياة الدستورية على غير رغبة النظام.<br />
<br />
لقد اقترح ــ بصراحة شديدة ــ على الضباط إعادة دستور 1923 فوراً لأنه يشعر بالقلق؛ فإن هذا الحل مازال القانون يغالب.<br />
<br />
وتضاف إلى أسباب الخلاف أسباب أخرى خلّفتها أحداث الاعتداء على السنهوري بين يومي 26_29 مارس فلنشر إلى الاعتداء خطفاً قبل أن نرقب تغيير مشاهد الصراعبين القانون والثورة .. بين السنهوري والنظام الجديد.<br />
<br />
نشرت أخبار اليوم صبيحة يوم الاعتداء خبراً كاذباً مؤداه أن السنهوري تولى رئاسة الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وأن الجمعية على وشك إصدار قرار ضد مجلس الثورة وضد الإجراءات التي اتخذها المجلس فيما يتعلق بالحريات.<br />
<br />
والرواية التي تشير إلى الاعتداء على السنهوري ـ كما جاءت في المراجع الموثوق بها ــ تبدأ من مظاهرة مديرة تقوم من مبنى هيئة التحرير، مكونة من عمال مديرية التحرير وضباط وجنود البوليس الحربي تحت قيادة حسين عرفة قائد المباحث العسكرية وعدد آخر من قادة البوليس الحربي مع قوات الحرس الوطني ومنظمات الشباب.<br />
<br />
'''ونفضل أن ننقل الأحداث بعيون د. السنهوري نفسه هنا:'''<br />
<br />
(ـ.. اتصل بي تليفونياً الدكتور حسن بغدادي ــ وزير التجارة والصناعة ــ وسألني عما نشر في جريدة "الأخبار" فأظهرت له ارتياحي لهذا السؤال لأنه أتاح لي فرصة في توضيح الحقيقة للمسئولين، وأفضيت له بالغرض من الاجتماع على الوجه السابق ذكره، وأضفت أنني أستحسن أن يقوم هو بإبلاغ من يراه من المسئولين عن حقيقة الأمر، فأجاب أن البكباشي جمال عبد الناصر بجانبه وهو يتحدث بالتليفون فطلبت منه أن يحدثني البكباشي جمال عبد الناصر، وأعدت له ما ذكرته للدكتور البغدادي، وعلم على هذا الوجه بحقيقة اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الدولة، وانتهى الحديث التليفوني وكان أهم مصدر علم منه بخبر المظاهرة ضابطاً عرفت فيما بعد أنه الصاغ حسين عرفة ــ وكيل البوليس الحربي ــ فقد دخل علي في غرفتي في الساعة الثانية عشرة والربع وقد ارتسمت على وجهه علامات غير طبيعية من الانزعاج.<br />
<br />
وقال أن هناك مظاهرة عدائية قادمة إلى مجلس الدولة وقد أتيت لأخطرك بها، ولو قال لي وقت ذاك أن المتظاهرين كانوا ينادون بعبارات علمت فيما بعد أنها "الموت للسنهوري ــ الموت للخائن ــ نريد رأس السنهوري"، ثم علمت أيضاً أن الهتافات كانت تقرن اسمي باسم علي ماهر، لو علمت بكل هذا، وكــان الضابط حسين عرفة يعرفه ــ لأيقنت تماماً أنني سوف لا أواجه مظاهرة من الشجاعة البقاء لمواجهتها، بل سأواجه عصابة من السفاكين، من التهور البقاء أعزل لملاقاتها، ولكني على وجه اليقين دبرت الأمر على وجه آخر وأخبرني الضابط حسين عرفة أن رأيه إزاء هذا أن أبقى في مكتبي حتى يقدم المتظاهرون، وعند ذلك أخرج إليهم وأتحدث بحقيقة الأمر فينصرفون .. ويضيف (حسين عرفة) أني علمت أن المتظاهرين إذا حضروا إلى المــركز ولم يجدوك فيه فسيتعقبونك في كل مكان حتى في المنزل فمن الأفضل البقاء في المكتب لملاقاتهم .. في نحو الساعة الواحدة بعد الظهر أدركت المظاهرة المجلس .. وعلمت أن الضابط حسين عرفة أمر بفتح الباب الخارجي للمجلس وكان مقفلاً ــ وقادني بيده إلى خارج الغرفة، وما كدت أخطو خطوة نحو السلم حتى شعرت بأن بعض المتظاهرين يجذبني من الخلف، وأن آخرين يدفعونني إلى الأمام، وذلك كله قبل أن أصل إلى المكان الذي كنت أقدر أن أخاطب فيه المتظاهرين، فهنا علمت أن الأمر ليس مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين بل أمر اعتداء مبيت، وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعاً إلى الحديقة، وتوالى الاعتداء على رأسي وكنت أدفعه بيدي فجرحت الرأس واليدان، ورأيت أحد المتظاهرين ومعه حديدة طويلة يصوبها إلى عيني..، واستطعت بعد وقت غير قصير الاتصال بالبكباشي جمال عبد الناصر، وقلت له أن عندي المتظاهرون يريدون قتلي، فأجاب أن الأعصاب متوترة، وقلت له أن يحضر بنفسه، وكررت هذا الطلب فقال سأحضر، وأقفلت التليفون وبقيت مدة نصف ساعة حتى حضر الصاغ صلاح سالم..، وقد سمعت إشاعات كثيرة أن ممن اعتدى علي في المجلس صولات جيش مرتدين ملابس بلدية، ولعل الذي أخبرني بهذه الإشاعة الأستاذ محمود لطفي السكرتير العام للمجلس، ومما سمعته أيضاً من الإشاعات أن الصاغ صلاح سالم خرج إلى المتظاهرين ليقول لهم كيف تعتدون على السنهوري وهو ليس بخائن، قالوا له ولماذا إذن أسلمتموه لنا للاعتداء عليه..؟.<br />
<br />
ومما سبق يتضح أن المظاهرة كانت مدبرة من جهة ما، وأنها سارت في طريقها لا تنوي على شيء حتى وصلت إلى مجلس الدولة على أثر خبر ملفق، وأكد لي البعض أن هذا الخبر جاء من وزارة الداخلية، وأنه لم يكن ليستطيع أحد أن يرفض طلباً من الداخلية، فإن الداخلية في هذا الوقت كانت هي مجلس قيادة الثورة كما هو معروف .<br />
<br />
والواقع أن ما حدث كان تدبيراً، وهو تدبير قوي متعمد، لا خبطات عشوائية ــ فمقولة أن الجمعية العمومية كانت على وشك الانعقاد قولاً كاذباً، فإن دعوتها في هذا اليوم لم يكن لإصدار أي قرار وإنما كان بدعوى لترشيح مستشار لمحكمة القضاء الإداري بدلاً من آخر، كما أن الجمعية لم تكن قد انعقدت بعد، ولم يحن الموعد المقرر لانعقادها، وإنما كان السنهوري في ذلك الوقت يرأس مداولة الدائرة الأولى لمحكمة القضاء الإداري.<br />
وهنا نصل إلى تماس الدوائر وتداخلها إلى مركز واحد، يعني مركز الاعتداء.<br />
<br />
اعتداء الثورة على القانون حيث سادت سمة الاضطراب ونحن نسأل عن أهم الرموز القانونية حينئذ د. السنهوري:<br />
<br />
من اعتدى على رئيس مجلس الدولة في هذه الفترة؟<br />
<br />
وعبوراً فوق اجتهادات كثيرة، فأنا لا أريد طرح قضية الاعتداء على الدكتور السنهوري بهدف الإجابة عن السؤال الظاهر:<br />
<br />
ــ أي فريق اعتدى عليه: هيئة التحرير أم الحرس الوطني أم منظمات الشباب؟<br />
<br />
وإنما أحاول أن أجيب ــ بل هذا ــ عن سؤال آخر هو:<br />
<br />
ــ هل كان وراء الاعتداء على السنهوري قصد مدبر بالفعل؟ وإذا كان كذلك، فهل كان عبد الناصر وراء ذلك، أو ـ على الأقل ــ يعلم ذلك؟<br />
<br />
ــ أم أن الاعتداء على القانون من رموز الثورة كان يصب في فعل الصف الثاني من الضباط الأحرار حيث كان يتصرف من تلقاء نفسه دون العودة إلى جمال عبد الناصر؟<br />
<br />
بشكل مباشر، وأكثر وضوحاً، فإنني أميل إلى الرأي الأخير.<br />
<br />
لقد انتىه الصراع بين الثورة والقانون بغلبة الثورة وإن يكن تحت إلحاح الفترة وتأمين أصحاب الشرعية الجديدة في الشارع المصري.<br />
<br />
لقد انتهى الصراع بين الثورة والقانون إلى غلبة النظام والاعتداء على أعلى سلطة دستورية في البلاد وهنا نقترب أكثر من تداخل الدوائر إلى نقطة المركز.<br />
<br />
====دائرة الاعتداء ====<br />
<br />
الواضح من ملابسات الأحداث في ذلك الوقت أن السنهوري رئيس مجلس الدولة كان يتمتع بمكانة فريدة، دفعت بالكثيرين في أوقات كثيرة إلى أن يعرضوا عليه رئاسة الوزراء (على سبيل المثال: محمد نجيب، سليمان حافظ..)<br />
ورأى البعض أنه سعى منذ فترة مبكرة إلى أن يتخذ موقفاً محدداً لا مع محمد نجيب ولا مع جمال عبد الناصر، هذا هو الموف المتحرر من أية ضغوط وإغراءات معاصرة.<br />
<br />
وفي جميع الحالات، فإن مكانة السنهوري المتميزة، فضلاً عما يتمتع به من استقلالية حددت حياد القانون إلى حد كبير مثلت عليه الخطر الكبير.<br />
<br />
بيد أن الخطر الحقيقي أنه خشي منه، لكل هذه الحالات أن تكون له أغراض في السلطة، أو أنه يمثل خطاً مــا في فترة الاضطراب بين من ينادون بالديموقراطية مع محمد نجيب أو الداعين ــ في الوقت نفسه ــ إلى عودة الضباط إلى الثكنات.<br />
<br />
ومن ها، تتحدد أكثر مسئولية الصف الثاني من الضباط.<br />
<br />
ولا يخلو من معنى هنا أن المظاهرات التي بدأت في نهاية مارس تهتف ضد السنهوري كانت تردد ما يفهم منه أنه جرؤ على مؤازرة محمد نجيب وتشجيعه على التعجيل بدعوة جمعية وطنية تأسيسية منتخبة لإقرار مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين، وإنها الفترة الاستثنائية القائمة منذ فجر 23 يوليو 1952 .. وهو ما يدفعنا للإسهاب أكثر.<br />
<br />
والواضح من ملابسات الأحادث أن العلاقة بين السنهوري وبقية الضباط ــ بما فيهم محمد نجيب ـ كانت في أول الأمر ودية، غير أنه مع مضي الوقت، وكشف الأحداث عن كثير من المخبوء من مطامع .. دفع بالسنهوري إلى الانحياز إلى محمد نجيب الذي كان يدعو في صراعه مع الضباط إلى الديموقراطية.<br />
<br />
لقد كان محمد نجيب ــ على الأقل في الظاهر ــ يدافع عن الجبهة الديموقراطية، بدليل دفاعه عن الأحزاب والدعوة إلى إعادة دستور 1932 في فترة من الفترات، كما أن كتابات السنهوري بالأهرام قبل الاعتداء مباشرة كانت تشير إلى الديموقراطية وعودة الأحزاب بأية شكل.<br />
<br />
وهذا الانحياز لم يمنع السنهوري من أن يلوم نجيب في "المرحلة الأخيرة" على حد قول سليمان حافظ، ومع ذلك فإن وعي السنهوري وحنكته القانونية تنفي الموافقة على رأي سليمان حافظ بانحيازه إلى نجيب. ويزيد من ملابسات الموقف ان البعض كان يعتقد أن السنهوري يستطيع بالتحالف مع أكثر من جهة من الانفراد بالحكم ومن السيطرة عليه، خاصة وأن محمد نجيب كان قد رشحه لرئاسة الوزارة المدنية، ومحمد نجيب كان الخصم الوحيد حينئذ، كما كان السنهوري دائم الترشيح من جهات أخرى سياسية ومناوئة للنظام لمناصب أخرى، خاصة أن السنهوري في ذلك الوقت كان قد بلغ من الشهرة حداً كبيراً لاسيما وأن استفتاء أجرى قبل الثورة مباشرة أجمعت فيه الآراء على أن الوزارة التي تحتاج إليها البلاد (النموذجية) إنما يمثل فيها السنهوري (وزير العدل).<br />
<br />
نصل من هذا كله إلى أن حادث الاعتداء على السنهوري هو حادث مدبر: إن اضطرابات هذه الفترة إذن تحيلنا إلى عديد من الأطراف التي يمكن أن تكون وراء هذا الاعتداء: ربما كان أحد ضباط الصف الثاني من الضباط، أو ربما للتخبط العشوائي من الجهات الكثيرة التي كانت تعمل لأطراف كثيرة حينئذ. وفي هذا السياق، يشير خصوم عبد الناصر أنه كان وراء هذا الاعتداء.<br />
<br />
إن ثمة إشارات عامة تشير ــ ضمن ما تشير ــ إلى عبد الناصر، لكنها لا تمتلك الحجة والمنطق .<br />
<br />
إن أمامنا شهادات لكثير من شهود هذه الفترة سواء أكانوا بعيداً عن مجلس قيادة الثورة أو قريباً منه من زملاء عبد الناصر، وعلى سبيل المثال فإن عبد اللطيف البغدادي يشير إلى أن عبد الناصر اعترف بأنه هو الذي دبر أحداث انفجارات يوم 20 مارس قبل هذا بقليل لإشعار الناس بفقدان الأمن إذا عادت الحياة الديموقراطية، الأكثر من هذا أنه بسؤال خالد محيي الدين عن أحداث اضطرابات العمال المؤيدة للثورة في 26/29 مارس الفترة التي اعتدي فيها على السنهوري قال: <br />
<br />
ــ أخبرني عبد الناصر أنها تكلفت أربعة آلاف جنيه.<br />
<br />
ويشير سياق الأحداث كذلك أن السنهوري كان قد أجرى اتصالاً تليفونياً بعبد الناصر حين علم أن جماعة معادية في طريقها إلى مجلس الدولة، وأخبر عبد الناصر تليفونياً قبل وصول هذه الجماعة طالباً منه ــ كوزير داخلية حينئذ ــ اتخاذ التدابير الكفيلة بوضح حد للاعتداء عليه.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الأصابع لا تشير ــ بوضوح ــ إلى أن عبد الناصر كان وراء الاعتداء.<br />
<br />
إن مراجعة الأحداث بحيدة كاملة ترينا أن عبد الناصر ما كان ليستطيع ــ في هذه الفترة المضطربة ــ الاعتداء على السنهوري، كما أنه لم يكن صاحب مصلحة مباشرة في هذا الاعتداء .<br />
<br />
ومع هذا، أو رغم هذا، إذا كان عبد الناصر بريئاً من هذا الاتهام، فهل كان ـ على الأقل ـ يعلم بتوقيت المؤامرة، ولم يكن ليتحرك لوقفها.<br />
<br />
وحتى إذا كان متهماً، فإننا لا يمكن أن نصدق أن أحداً من رجال الصف الثاني ـ وقد كان بالقطع وراء ما حدث ـ قادراً على إبلاغ عبد الناصر لما سيفعله مع غيره، وإنما خرجت جموعهم في اضطرابات عامة، لأهداف عامة أو خاصة، ليست من بينها ـ بالقطع ـ الاعتداء على رئيس مجلس الدولة. وبشكل أدق ليس من بينها قط الاعتداء على رئيس مجلس الدولة بإيعاز من عبد الناصر.<br />
<br />
ويمكن أن يقال هنا أن عبد الناصر لم يكن ليعلم بهذا، ولو علم ما كان باستطاعته وسط كل هذه الفوضى وذلك الاضطراب أن يفعل شيئاً لمنعه أو وقفه .<br />
<br />
إن روايات هذه الفترة متضاربة إلى حد بعيد، ففي حين تشير الأحداث أنه "في 12 إبريل نوقش ـ في مجلس القيادة ـ إصدار قرار مجلس الثورة بحرمان كل شخص من تولي الوظائف .. وأن الغرض منه هو التخلص من السنهوري من مجلس الدولة بطريق غير مباشر"، في حين أن عبد الناصر في أكثر من مرة بعد ذلك حين عرض القانون أمامه وذكر السنهوري على أنه سيطبق على السنهوري امتعض عبد الناصر لم يعلق.<br />
<br />
ونصل من هذا كله إلى أنه أسفر عن هذا القانون ـ بالفعل ـ أن حرم السنهوري من تولي الوظائف العامة أياً كانت الوظيفة، وانتهت العلاقة بين القانون والثورة بانتصار الشرعية الثورية التي كان السنهوري أول من نادى بها، فوقع تحت عجلاتها.<br />
<br />
'''ومهما يكن، يتبقى أن نوجز هذا كله بعدة ملاحظات:'''<br />
- إن السنهوري كان ابن طبقته المتوسطة، وابن عصره، وفي حين كان ابن الطبقة المتوسطة يدافع عن العلمانية من دستور وحرية وديموقراطية، فإنه كان حريصاً على جانبها التشريعي، ومن ثم، كان لابد أن تختلط الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية التي روج لها .<br />
<br />
ومن ثم، انتهى التعاون إلى الصدام بين السلطتين.<br />
<br />
ولأن الفترة كانت فترة اضطراب، فقد سقطت السلطة الأولى أمام السلطة الثورية.<br />
<br />
كان الزمن يدخل بنا إلى الشمولية بعيداً عن الشرعية.<br />
<br />
وهي شمولية اقتضت التطورات في الخمسينات أن يعمل بها لتحسم كثيراً من القضايا المعلقة من الفترة السابقة.<br />
- يمضي في هذا الاتجاه أن اتجاه السنهوري قبل الثورة كان اتجاها فكرياً أكثر منه حزبياً، ومن ثم، لم يستطع أن يظل (كادراً) في أي حزب، وإنما غلب انتماؤه القانوني ـ فيما بعد ـ للفكر الليبرالي أكثر من الحزب والانتماء الشمولي.<br />
<br />
الاتجاه الليبرالي بق الاتجاه الحزبي.<br />
<br />
والاتجاه الليبرالي حاول اللحاق بالأفكار الديموقراطية والحزبية إلى النظام الجديد، غير أن طبيعة المرحلة لم تمكنه من تأكيد فكره السياسي، ومن ثم، خر صريعاً أمام ضباب الفترة وشموليتها.<br />
<br />
- يلاحظ أن القانون سعى للتعاون مع الثورة ومسايرتها.<br />
<br />
وكان الهدف ـ وإن بداً غريبا ـ فقد كان نبيلاً.<br />
<br />
أن ينجح في جر قاطرة الثورة إلى الفكر السياسي المعتدل.<br />
<br />
غير أن (أبو القانون المدني المصري) لم يستطع أن يلعب دوره الرائد في زمن كانت الحروب تدور باسم الديموقراطية والليبرالية وحب، كما أن عداءه زاد حنقهم حين أجرى استفتاء بإحدى المجلات المصرية حول أقوى رجل في مصر، فجاء ترتيبه الثاني.<br />
<br />
ولم يكن هذا كله مطلوباً في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الثورة: لا القانون الذي تناول الديموقراطية، ولا الرجل القوي في زمن كان الصراع يعلو فيه بين رجال أقوياء سعوا إلى السلطة.<br />
<br />
وقبل هذا كله في مناخ مضطرب لم يستطع القانون أن يثبت أقدامه فيه.<br />
<br />
- كان الصراع بين السنهوري والضباط الأحرار هو صراع بين القانون والثورة.<br />
<br />
- لقد جهد القانون ليحول الثورة إلى الحكم بوسائل، غير راديكالية، غير أنه في محاولته للتعاون مع الثورة طوراً ومسايرتها طوراً آخر وقع تحت عجلات هذه الثورة.<br />
<br />
- لقد حاول أن يتواءم مع آليات النظام في حركته الثورية ليؤكد ذاته، في حين أن القانون ــ مهما التمس القيم الديموقراطية أو الفردية ــ يمكن أن يلعب دوراً معوقاً، ومن هنا كان عبث التعاون بين القانون والثورة مؤكداً.<br />
<br />
باختصار، بدا أن الصراع بين القانون والثورة في بداية الخمسينات هو صراع غير متكافئ. القانون بصرامته لم يكن ليجدي مع الثورة بشرعيتها الجديدة والمسايرة للقانون مع الثورة ــ وسط كل هذا الاضطراب ــ كان قميناً أن يسقط بصاحبه تحت العجلات، وإن لم يسع أحد إلى دفعه أو النيل منه .<br />
<br />
فقد استبدلت الثورة راديكالية المناخ السائد بالشرعية الثورية، ولم تكن في حاجة إلى شرعية أخرى تحول بين حركتها الفاعلة ــ بقوة ــ إلى التعبير، الجذري العنيف.<br />
<br />
وهو حال الثورات في أول قيامها، دائماً.<br />
<br />
===الفصل الخامس: عبد الناصر وتأميم القناة===<br />
<br />
هل أخطأ عبد الناصر في تأميم قناة السويس؟<br />
<br />
هذا سؤال من أسئلة عديدة مازالت تطرح ـ بعنف ـ على العقل العربي رغم مضي كل هذه السنوات على تأميم القناة وما أعقبها من العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر بسبب ــ وهو السبب الأول الظاهر لتأميم القناة ـ والسؤال الذي يطرح هذا بسوء نية أو حتى ـ بحسن نية ـ لعدم فهم الظواهر التاريخية يعود إلى اتهام عبد الناصر بأن مبادرته إلى تأميم القناة إنما كان مبعثها سبب واهٍ، أو بتقدير يعوزه الوعي وهو ما يعود بنا إلى الأسئلة السقيمة المعادة أو المرتفعة فوق رؤوسنا كصخرة برومثيوس .<br />
<br />
هل حقاً تسرع عبد الناصر؟ يرددون .. أم هو ـ يرددون أكثر ـ بحثه عن (بروباجندا) تتيح له كاريزما أكبر؟!! ولم تكن هذه الأسئلة الرافضة لموقف عبد الناصر تطرح من أقلام عادية، وإنما كان وراءها أصوات يتمتع أصحابها بحيثية سياسية عالية، وأحياناً بحيثية أدبية وثقافية عالية أكثر.<br />
<br />
ـ ولماذا لم ينتظر عبد الناصر حتى ينتهي أجل الاتفاقية بين مصر وبريطانيا بعد ذلك لسنوات قليلة؟ ماذا لو..)..؟<br />
<br />
وهو ما نحاول هنا، بعد مضي نصف قرن على ثورة يوليو الإجابة عنه لنحاول ..<br />
<br />
إن مراجعة قصة حفر القناة والتضحيات التي عاناها المصريون في سبيلها ترينا أنها كانت في المقام الأول مصرية بحكم الجهود البشرية التي بذلت فيها التضحيات التي دفعتها البلاد من أبنائها.<br />
<br />
بل إن التفكير في حفرها المرة الأولى لم تكن عن فكرة فرنسية أو غربية كما يردد؛ فالتاريخ يؤكد أنها حفرت مرات في عصر سيتي الأول 1310 ونخاو عـام 610 ق.م. ودارا الأول عـام 510 ق.م إلى غـير ذلك مما يشير إلى أن المرة التي تم فيها احتكار حفرها في العصر الحديث من ديلسبس (30 نوفمبر 1854) الذي كان يشق قناة السويس لم يكن الأول في دوره "لشق برزخ السويس واستخدام طريق صالح للملاحة الكبرى" إلى غير ذلك من مواد فــرمان الامتياز الأول قرب منتصف القرن التاسع عشر.<br />
<br />
وتوالت الفرمانات والاتفاقيات الدولية التالية (يناير 1856، فبراير 1866). وغيرها مما يشير إلى بدهيات أن القناة وإن جاء بفرمانها الفرنسي ديلسبس وتوالت اتفاقات وضمانات الدول الكبرى وفي مقدمتها (بريطانيا العظمى) ـ كما هو واضح في اتفاقية 1888 عقب الاحتلال الإنجليزي لمصر، فإنها كانت في الأساس الأول مصرية واء في الفكرة أو التنفيذ رغم الأطماع الغربية التي كانت تقترن بها.<br />
وكان تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس عبد الناصر في 26 يوليو فاتحة الغضب الذي أعلنته الدول الغربة، خاصة إنجلترا (بريطانيا العظمى) وعرفنا استنكارات كثيرة في العواصم البريطانية لأن مصر أردات تأميم منشأة ملاحية خالصة في أرضها.<br />
<br />
ويذكر شهود عام 1956 في مصر أن عدداً كبيراً من الحكومات الغربية عمدت إلى ضغوط اقتصادية بتجميد أموال الشركة المنحلة بعد إعلان التأميم بل وتجميد الأرصدة الإسترلينية التي لمصر على إنجلترا، كما وضعت تحت الرقابة جميع رؤوس الأموال المصرية .<br />
<br />
الأكثر من هذا أنه بدأت كل من فرنسا وإنجلترا تلوح وتهدد باستخدام القوة لإرغام مصر على التراجع .. وما إلى ذلك مما انتهى إلى عدة مداولات وتهديدات ضد مصر أسفرت جميعها عن العدوان الثلاثي الذي صدمت إزاءه مصر وإن عانت الكثير من العدوان الحربي من دول غربية قوية وربيبتها إسرائيل، لكنها خرجت من هذا كله بالانتصار عقب إثبات مصر وجودها على الأرض أولاً ثم تدخل بعض الدول الكبرى ثانياً .<br />
<br />
على أن الأمر الذي انتهى مشرفاً لمصر، بدأ يستغل، ليس في هذه الفترة فقط، بل ومنذ تأميم القناة في 26 يوليو 1956 حتى اليوم.<br />
<br />
كان ما ردد أن الحكومة المصرية خاصة، وجمال عبد الناصر بوجه أخص قد تسرع في تأميم القناة، وأنه لو كانت تمهل في التأميم لكان الامتياز الذي حصل عليه الغرب بإدارة القناة وتحمل مسئوليتها بموجب مرسوم الحفر حتى عام 1968. قد انتهى وعادت القناة إلى أصحابها بدون عدوان أو حروب (واعجب ما شئت).<br />
<br />
كان ما تسرع به أعداء الثورة المصرية خاصة، أنه لو كان عبد الناصر انتظر قليلاً لكان امتياز القناة قد انتهى في نهاية الستينيات وما كانت البلاد في حاجة لدمار أو عدوان كبدها الكثير من الخسائر.<br />
<br />
والواقع أن حقائق التاريخ ودروس النهب الاستعماري وإداراته الاستعمارية على الشرق يشير إلى العكس من ذلك تماماً.<br />
<br />
إن دراسة (الحالة) ـ بالنسبة لقناة السويس ـ ودراسة الاستراتيجية الغربية في مواجهة الإرادات الوطنية ترينا أن الإنجليز ما كانوا يتركون قناة السويس بأية صورة سواء عام 1968 ــ بموجب مرسوم الحفر والإدارة ــ أو بعد ذلك.<br />
<br />
والغريب في الأمر أن من لام الثورة على اتخاذ قرار التأميم لم يكن غربياً فقط، وإنما العديد من المصريين والعرب أيضاً.<br />
<br />
ودراسة التاريخ ترينا ـ خلال الوثائق ـ والمبادرات الاستعمارية ـ أن الغرب لم يكن ليترك قناة الويس بأية حال وتحت أي اتفاق.<br />
<br />
نكرر أن الغرب لم يكن ليترك قناة السويس قط، وانظروا إلى الاتفاقات التي مازالت جارية حتى الآن على جبل طارق بين الإنجليز وإسبانيا.<br />
<br />
إن مصالح الغرب هي الشيء الوحيد الذي كانت تخصص له القرارات المهمة في الغرب. أو هي القرارات المستلهمة من المصالح الغربية التي نجد أحسن الأمثلة لها فيما يجري في العالم اليوم.<br />
<br />
وتأمل هذه الأقوال التي كانت ترى خطأ موقف عبد الناصر في التأميم إنما كانت تطوي كراهية خاصة للشعب المصري، بل إنها تزيد الآن ـ وتابعوا معي الحملات الضارية على عبد الناصر!!.. ـ كانت تطوي التحامل على عبد الناصر لأنه اتخذ مثل هذا القرار الوطني الشجاع بعد دراسة وتأن ووعي شديدين .. ولم نكن في حاجة لعديد من الخبراء والمثقفين المحايدين ليؤكدوا لنا بالحرف الواحد أن قناة السويس وقاعدة قناة السويس جزء من شيء مركب واحد والذي يدعي أن الإنجليز كان يمكن أن يتركوا القاعدة والقناة بدون تأميم واهم كثيراً والواقع أن مراجعة قصة النهب الغربي لمقدرات الأمم يرينا أن هذا الحكم خاطئ تماماً، ونستطيع أن نشير إلى عدد كبير ممن برهنوا على ذلك ـ وفي مقدمتهم الأستاذ هيكل ــ بموقف إنجلترا من جبل طارق كقاعدة بحرية مثل قناة السويس كانت تصب في مصالح الإمبراطورية الإنجليزية وتؤكد سيطرتها على إمبراطوريتها الاستعمارية .. يقول الأستاذ في بساطة حتى هذه اللحظة إنجلترا موجودة في جبل طارق لأن البحر المتوسط هو عقدة كل اتصالات الإمبراطورية، وليس مسموحاً باللعب فيه / وبعد تأميم قناة السويس نجد أن الإنجليز اضطروا إلى الانسحاب شرقاً بعد السويس .. هل نحن من السذاجة أن نرى أن القوى الاستعمارية يمكن أن تفرط ـ ببساطة، وتحت مسميات قانونية ــ في مثل مركز استراتيجي كقناة السويس أو موقع استراتيجي كجبل طارق..؟<br />
<br />
هل هو الخطأ في الحساب أو ضغينة على زعيم الثورة عبد الناصر؟<br />
<br />
لنترك الأسئلة ولنذكر للقارئ الكريم ــ وليس لأعداء ثورة يوليو ــ أن من يعود إلى الوثائق البريطانية في هذه الفترة ـ وهي بين أيدينا ـ يستطيع أن يتأكد أن الإنجليز لم يكونوا مستعدين لترك قناة الويس بأية حال خاصة بعد انتهاء الامتياز الذي حصلت عليه من الحكومة المصرية قرب نهاية الستينات إذ تكثر في هذه الوثائق التعبير عن ضرورة (التدويل) للقناة بعد الفترة المسموح بها سياسياً؛ كما كان يتردد الكثير من التصريحات السرية عبر المراسلات الخاصة بأنه يمكن فصل (قناة السويس) عن مصر نهائياً .<br />
<br />
إن الوثائق البريطانية التي بين أيدينا تؤكد أن إنجلترا لم تكن لتترك قناة السويس تحت أية ذريعة وتحت أي معاهدة تسمح بهذا، وهي الوثائق التي تقع في النصف الأول من عقد الخمسينات من القرن العشرين إن هذه الوثائق (وهي مرفقة هنا...) تشير لأكثر من مرة إلى ضرورة مواصلة سيطرة بريطانيا على القناة بأية وسيلة بل وتشير الوثائق ـ لأول مرة ـ إلى التوجه الإنجليزي لإشراك القوة الإمبريالية الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على منطقة قناة السويس.<br />
<br />
ونتمهل عند وثيقة واحدة وتسمى (خطة برملي bramly ) ولأهميتها نكتفي هنا بوضعها بين يدي القرئ ليرى نيات الغرب الاستعماري في التأكيد على القبضة الحديدية التي يزمع وضع قناة السويس فيها '''وهذه هي الخطة:'''<br />
<br />
====خطة برملي لتدويل قناة السويس 1951 ـ 1952====<br />
<br />
'''أولاً :''' خطاب مكتب الخارجية البريطانية في مصر إلى رئاسة الوزراء البريطانية المؤرخ في 9 نوفمبر 1951<br />
<br />
'''السيدرئيس الوزراء:'''<br />
<br />
هذا تقريرنا الموجز بشأن الخطة المقدة من الكولونيل برملي المقترحة حول (ضرورة عزل سيناء كإقليم بريطاني وتحريك القادة البريطانية في مصر إلى منطقة سيناء).<br />
<br />
إننا نرى أن حكومة صاحب الجلالة ليس لها أي حق شرعي في إدّعاء أن سيناء بريطانية.<br />
<br />
وكذلك لا يمكن بأية حال تحريك القاعدة العسكرية البريطانية إلى شرق القناة نظراً إلى التكلفة الباهظة لهذا الاقتراح ولذلك نوصي بالتفاوض مع الحكومة المصرية بشأن عقد اتفاقية دفاع مشترك بعدها ربما تكون خطة برملي جديرة بالمتابعة.<br />
<br />
9/11/ 1951<br />
<br />
'''ثانيــــاً :''' الخطاب الموجه من رئاسة الوزراء للرد على خطة برملي المؤرخ في 6 ديسمبر 1951<br />
إنه في خطابكم الموجه إلينا في 9 نوفمبر بشأن خطة (برملي) المشيرة إلى اعتبار سيناء كإقليم بريطاني أو تدويلها فإننا بعد مشاورات وجدنا أن تلك السياسة غير عملية ولا نملك المبررات لادّعاء ملكية بريطانيا لشبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
ومن الحكمة الأخذ بتوصية مستشارن القانوني في مكتب وزارة الخارجية والتي ترى (ضرورة وضع سيناء تحت السيطرة المصرية) وهو الأفضل بلا شك.<br />
<br />
أما مسألة فصل سيناء واعتبارها إقليماً بريطانياً فعبر ثلاثين عاما وبالأحرى منذ الحكم العثماني فلم يحدث أن اقترحت أي حكومة بريطانية هذا المطلب.<br />
<br />
ومن وجهة نظرنا فإننا نرى أن خطة برملي تعود إلى رأيه الشخصي وتأكيد لهذا ما جاء في الرد على سؤال طرحه السيد (فتزاوي ماكلين) بمجلس العموم بجلسة 21 فبراير الماضي.<br />
<br />
'''ثالثاً :''' وفي الخطاب الموجه من مكتب الخارجية البريطانية في 3 ديمبر 1951<br />
<br />
'''عزيزي (كولفيل)'''<br />
<br />
بق لكم مراسة السيد (إيفلين شوكبورج) في 19 نوفمبر الماضي مستفسراً عن خطة الكولونيل جينجز برملي بشأن سيناء وهذا تقرير واف عن الخطة قام بإعداده مكتب الخارجية البريطانية في مصر.<br />
<br />
نود أن نشير بداية إلى أن الكولونيل برملي المدير السابق لإقليم سيناء من قبل الحكومة البريطانية قد عرض فكرة عزل سيناء عن مصر ومعاملتها كإقليم بريطاني وألحّ كثيراً على تنفيذ خطته وقد تراسل مع السفارة البريطانية ومكتب الخارجية مباشرة وكذلك كتب إلى جهات بريطانية سياسية عديدة في هذا الشأن وعلى رأسها أعضاء بارزين في مجلس العموم من ضمنهم (فتزاوي ماكلين) الذي طرح القضية في شك سؤال على المجلس بجلسة 21 فبراير 1951.<br />
<br />
.. وبما أن هذه القضية أصبحت موضع نقاش وبحث يموله مكتب الخارجية والخبراء القانونيين فقد توصلنا إلى نتائج هامة بهذا الشأن تتلخص في الآتي.<br />
<br />
(1) في اتفاقية 1841 بشأن الحدود الأربعة لشبه جزيرة سيناء والمثبتة بالخرائط بهذا التوصيف (سيناء تقع جنوب وشرق خط رفح السويس وجنوب وغرب خط رفح العقبة) هذه الحدود لم تكن ضمن الأقاليم التي ورثها الخديوي.<br />
<br />
والحقيقة أنها وقعت تحت إدارته دون أن تخول له السلطة من (الباب العالي) بهذا الشأن.<br />
<br />
(2) في 1892 كفل الباب العالي للخديوي سلطة إدارة شبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
ولكن تلك السلطة لم تكن لورثة الخديوي ومن هنا يمكننا القول أن حق الخديوي الشرعي في إدارة سيناء يختلف كلياً عن حقه الشرعي في إدارة مصر كلياً.<br />
<br />
(3) إن تركيا فقدت حقها الشرعي في إرث أو إدارة شبه جزيرة سيناء طبقاً لمعاهدة لوزان.<br />
<br />
(4) إن استمرار مصر في إدارة شبه جزيرة سيناء طبقاً للاتفاقية المبرمة من قبل ومحاولة انتزاع سيناء من سيطرتها بالقوة واعتبارها إقليماً بريطانياً فإنه طبقاً لرأي المستشار القانوني البريطاني الذي أكد أنه إذا لم تكن سيناء مصرية فسوف تكون منطقة معزولة.<br />
<br />
كما إن بريطانيا إذا حاولت ذلك ستلجأ مصر إلى المحكمة الدولية لتدافع عن الحق المصري ومن المحتمل أن يكون قرار المحكمة في صالحها.<br />
<br />
وللاطلاع على مزيد ممن التفاصيل فقد أرسلنا إلى قسم الأبحاث بحزب المحافظين مذكرة دبلوماسية توضح المكانة التاريخية لسيناء والوضع القانوني للإقليم.<br />
<br />
ولذلك نرى أن الحلّ الوحيد يتلخص في إقامة قواعد عسكرية بريطانية في منطقة قناة السويس فإن فشلنا في ذلك الأمر فعلينا أن ننتظر تحقق الاحتمال الآخر وهو بعيد المنال والذي يتلخص في إمكانية تنازل المصريين عن شبه جزيرة سيناء لنوري باشا رئيس وزراء العراق وإذا لم تكن هناك تسوية لهذه القضية فإنه من الصعوبة بمكان محاولة نقل القوات البريطانية وبناء قاعدة عسكرية على الضفة الشرفية للقناة لأن التكلفة ستكون بلا شك باهظة جداً.<br />
<br />
وملخص ذلك إنه ليس من الحكمة عزل سيناء وادعاء أنها إقليم بريطاني في الوقت الحاضر. <br />
والجدير بالاهتمام العمل على إمكانية بناء قاعدة عسكرية صغيرة شرق القناة وتأسيس هيئة (بريطانية مصرية) للسيطرة على سيناء.<br />
<br />
لاحتمال أن تطلب الحكومة المصرية مستقبلاً التفاوض مع بريطانيا من أجل عقد اتفاقية دفاع مشترك.<br />
<br />
'''رابعــــاً :'''وفي الخطاب الموجه إلى مكتب وزارة الخارجية في 19 نوفمبر 1951.<br />
<br />
'''السيد سكبرج:'''<br />
<br />
لقد لكم نسخة من (مذكرات سيناء) التي تتضمن خطة الكولونيل برملي والتي تقترح مدى إمكانية فصل وعزل منطقة السويس وسيناء عن مصر ووعهما تحت وصاية الأمم المتحدة والتي اطلع عليها رئيس الوزراء بمعرفة السيد (ليوإميري) وقد أثارت الخطة اهمامه وطالب بإعداد تقرير شامل عنها يقوم به مكتب الخارجية البريطاني ونأمل لا يزعج ذلك السيد إيدن ونطمح أن يرغب في قراءتها والاطلاع عليها.<br />
<br />
'''شيكبرج'''<br />
<br />
'''مكتب الخارجية 19 ـ نوفمبر 1951'''<br />
<br />
'''خامـســـــاً :''' وفي الخطاب الموجه إلى (وينستون تشرشل) في 12 نوفمبر 1951 جاء الآتي:<br />
<br />
'''عزيزي وينستون:'''<br />
<br />
أذكر حضرتكم أنه قبل الانتخابات الأخيرة قد كتبت إليكم مذكرة دبلوماسية بشأن عزل منطقة السويس وسيناء عن مصر والتوصية بوضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.<br />
<br />
وقد اطلعت ــ مصادفة ــ على خطة الكولونيل برملي المدير البريطاني السابق لسيناء والتي أوضحت أن الجزء الأكبر من شبه جزيرة سيناء إضافة غلى عدة أميال من الضفة الشرقية من الضفة الشرقية للقناة لم يكن إقليماً مصرياً بشكل مؤكد.<br />
<br />
والحقيقة المحتملة أن منطقة سيناء والقناة ليست سوى جزء من إقليم كبير تنازل عند الحلفاء لتركيا بعد الحرب العالمية الأولى وإذا كانت تدار من قبل الحكومة المصرية ولذلك نرى أن القانون والمنطق يخولان وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة.<br />
<br />
وأخيراً أوضح أنني اقتنعت كثيراً بما ورد في خطابك ليلة الجمعة الماضية وأتمنى لك حظاً سعيداً في مهمتك الصعبة الملقاة على عاتقكم ولا أريد إجابة.<br />
<br />
'''المخلص لك'''<br />
<br />
'''ليوإميري'''<br />
<br />
====مذكرات المدير السابق لسيناء الكولونيل جينجز برملي====<br />
<br />
'''أغسطس 1951'''<br />
<br />
في 1841 تم ترسيم الحدود بواسطة اتفاقية بين تركيا ومصر في عهد محمد علي والتي اعتبرت الحد الشرقي لمصر هو الحد القديم الذي تم تخطيطه في عهد الدولة الرومانية العظمى طبقاً للخريطة القديمة التي أعيد طباعتها سنة 1927.<br />
<br />
وبعد أن تم تنصيب محمد علي والياً على مصر طلب تصريحا من تركيا يخول له إنشاء نقطة شرطة حدودية في (نــخل) وظلت هذه النقطة تشرف على أمن سيناء شمالاً وجنوباً والعمل على استتباب الأمن وحماية السائحين والزائرين وخاصة على طريق الحج بالنسبة لقاصدي مكة.<br />
<br />
وفي 1892 تولى عباس باشا ولاية مصر وفكر في إلغاء نقطة الشرطة الحدودية في (نخل) ولكن المندوب السامي (اللورد كرومر) أصرّ من جانبه على وجود قوات لحرس الحدود في (نخل).<br />
<br />
بل أصر على إعلان ولاية عباس باشا على مصر دون انتظار صدور فرمان تركي يخول له الولاية أو يشير إلى وجود قوات في نخل وبعد مباحثات مطولة خرج الفرمان التركي مماثلاً لذلك الفرمان الذي صدر بشأن ولاية (توفيق باشا) والد عباس.<br />
<br />
'''الورقة البيضاء ــ مصر 1906'''<br />
<br />
وفي 1906 قررت تركيا أن تتولى الإشراف على مقاطعة جنوب سيناء ونشر قوات حدودية فيها رغم أن طريق الحج لم يعد مستخدما بكثرة ولم تعد القوافل الصحراوية تجوبه واستبدلت به البواخر القاصدة ميناء جدة ومع ذلك فقد أشـار اللورد كرومر إلى عباس بضرورة مطالبة تركيا بجنوب سيناء ولكن الخديوي عباس رفض نصيحة كرومر وأعلن أنها ليت ضمن الحدود المصرية واحتج بأن هذه المقاطعة ــ جنوب سيناء ــ لم يتضمنها الفرمان التركي الذي كان مرفقاً بخريطة مصر.<br />
<br />
ولكن اللورد كرومر أشار إلى أنه سوف تنشب الحرب أو ستكون إعلان حرب إذا تقدمت القوات التركية إلى سيناء وتولت أمر حمايتها وادّعت أن لها الحق والوجود في جنوب سيناء باعتبارها مقاطعة تركية.<br />
<br />
وبعد ذلك تعرضت تركيا إلى ضغوط سياسية كثيرة مما اضطرها إلى الموافقة على رسم خط الحدود من رفح إلى العقبة كحد إداري لمصر ولكن احتفظت لنفسها بحق السيطرة على جنوب سيناء.<br />
<br />
'''ملحوظـــة :'''<br />
<br />
إن تداعي الأحداث وارتفاع حدة التوتر بين مصر وتركيا بشأن الفرمان التركي الخاص بادعاء تركيا الحق في شبه جزيرة سيناء قد بدأت تهدأ بعد صدور الفرمان التركي والسماح برسم الحدود.<br />
<br />
ولكن اللورد كرومر قد أشار إلى أن الخريطة المرفقة بالفرمان قد فقدت وأن الخريطة الموجودة لدى المصريين قد ضاعت.<br />
<br />
وعندما أعاد زيور باشا طبع الخريطة الملحقة بالاتفاقية المصرية الإيطالية قال نادماً (يجب أن نندم على اليوم الذي سُمح فيه بذلك).<br />
<br />
وفي 1926 طلب اللورد ليود من بريطانيا اتفاقية 1906 ــ والتي ما زال المصريون يتمسكون بها ــ رفض الإنجليز ذلك المطلب وأشـاروا إلى أنها أضحت غير سارية المفعول وفي 1918 خضعت كل المستعمرات التركية حتى الحدود الآسيوية ومن ضمنها جنوب سيناء إلى سلطة المندوب السامي.<br />
<br />
وفي 1927 وطبقاً لشروط معاهدة لوزان تخلّت تركيا عن كافة مستعمراتها وتم تسيمها ما عدا جنوب سيناء ولكن إنجلترا لم تطالب بجنوب سيناء على الرغم من أنها ورثت منها أحقية السيطرة طبقاً لشروط معاهدة 1906 وأصبحت سيناء اليوم طبقاً للشئون والأعراف الدولية (أرض لا صاحب لها) وأن مصر قد دُعيت لإدارتها ولبريطانيا الحق الآن في الادعاء بأن شيه جزيرة سيناء إقليم بريطاني.<br />
<br />
هذا هو الوضع القائم الآن ولا أفهم الأسباب التي تمنع مكتب الخارجية والسفارة البريطانية من المطالبة والادعاء بأحقية إنجلترا في شبه جزيرة سيناء وأنا أعتقد وبلا شك أن لنا ـ بريطانيا ـ حق المطالبــة بها والسيطرة عليها والآن الظروف مواتية لذلك ولو كانت مصر صاحبة حق في سيناء ما طلبت التصريح لها من تركيا بدخول جنوب يناء عندما كان جنوب سيناء تحت السيطرة التركية.<br />
<br />
ولو أن السفارة البريطانية ومكتب الخارجية في مصر لديه أسباب وجيهة تؤكد أحقية المصريين بجنوب يناء ما استطاع القائمون على الشئون الدولية إطلاق مصطلح (أرض لا صاحب لها) على شبه جزيرة سيناء.<br />
<br />
وأنا قد أتفق مع وجهة نظر مكتب الخارجية في اعتبار سيناء مصرية ولكن منطقة (جنوب سيناء) ذات وضع خاص وذات أهمية وقيمة استراتيجية لبريطانيا واليهود يشجعون ذلك لأنهم يعرفون أن مصر لي لها حق المطالبة بجنوب سيناء وليس لها الحق في فرض نفوذها على منطقة القناة بدعوى حمايتها.<br />
<br />
ولذلك أقترح على حكومة بريطانيا حـلاً للوضع القائم أن تعرض على المصريين التخلي عن جنوب يناء مقابل تعويضهم عن فترة إدارتها منذ 1906.<br />
<br />
هناك نقطة حيوية تجعل (جنوب سيناء) له فائدة استراتيجية لبريطانيا.<br />
<br />
وثمة أميال خمسة من قناة السويس لا تقع ضمن الحدود المصرية.<br />
<br />
ومن هنا سيكون موقف بريطانيا قوياً وخاصة عند محاولة نقل (مجلس إدارة قناة السويس) من السويس إلى بور توفيق وبناءً على ما تقدم نعتقد أن (بريطانيا إذا حركت قواتها العسكرية إلى بور توفيق للمشاركة في الدفاع عن القناة) ستعتبر مصر أن القوات الأجنبية (البريطانية) لم يعد لها وجود في التراب الوطني المصري.<br />
<br />
ومن هنا سوف يمكن موقف بريطانيا قوياً وخاصة حول التساؤلات المتتالية عن مجموعة السفن التي تستخدم القناة.<br />
<br />
ومستقبلاً تتحول بور توفيق إلى مركز تجاري دولي بمساعدة حكومات التحالف التي ستقدم قروضاً ميسرة للشركات التجارية العاملة وهو ما لا تقدمه مصر.<br />
<br />
وقد وردت إلينا معلومات استخباراتية أن مصر ستعزل بور توفيق وتقطع عنها المياه وتوقف دخول العمال إلى هناك.<br />
<br />
وبناء على ذلك نقترح إمكانية الاعتماد على الودان كمورّد للعمالة داخل بور توفيق .. أما عن المياه فيمكننا مدّ جنودنا بالمياه الجوفية من سيناء.<br />
<br />
ويمكن استغلال الدعاية المضادة لإظهار مصر بالوحشية والترويج بمحاولاتها طع المياه عن شعبها وتحاول عزله.<br />
وخطة مصر في عزل بور توفيق لن تنجح لأن مصر تعتقد – بل وتعي – تماماً أنها تعتمد علينا كخطوط حماية من يعود إسرائيل ولأغراض أخرى.<br />
<br />
وأنا أعتقد أن الخطوة التي يجب أن تُتخذ الآن : هو الترويج إعلامياً وسياسياً لفكرة ( أن خط جنوب رفح هو الحد الفاصل لسيطرة مصر ) لأنه منذ بداية التاريخ وجنوب سيناء تعتبر عربيـّـة وعلينا أن نروج لخطتنا ونحاول طرحه ومناقشته دولياً وإعلامياً للضغط على مصر حتى تسعى للتوقيع على اتفاقية حدودية معنا.<br />
<br />
إن هدفنا الحقيقي هو احتلال جنوب سيناء لا مناشة عملية إعمارها.<br />
<br />
ولعل المناقشات الموسعة ستظر مشكلة جديدة حول ملكية خليج تيران والجزر الواقعة نطاقه ويُخشى أن تدفع مصر بقواتها العسكرية عاجلاً أو آجلاً إلى هذا الخليج مما يوقع السفن البريطانية في مرمى نيران المدفعية المصرية المتجهة من وإلى العقبة.<br />
<br />
===الفصل السادس: عبد الناصـر السياسي، المثقف===<br />
<br />
هل السياسي يجب أن يكون مثقفاً؟<br />
<br />
<br />
نعيد طرح السؤال، في هذا الشهر بشكل مباشر:'''<br />
<br />
- هل كان عبد الناصر مثقفاً؟<br />
<br />
وعبوراً فوق 482 موقعاً احتفالياً في هذه الأيام ــ بتعبير وزير الثقافة ــ تشهد مصر احتفاء واحتفالات بذكرى مرور 50 سنة على ثورة يوليو عام 2002.<br />
<br />
وعبوراً فوق عديد من الاحتفالات المشابهة في عديد من أقطار العالم العربي.<br />
<br />
ثم عبوراً فوق هذه الكتابات الغربية التي زادت هذا الشهر حتى وصفتها بعض المواقع الإليكترونية إنها نوعاُ من النوستالجيا (الحنين) الذي يبديه العديد من الكتاب الغربيين عن عبد الناصر (العروبي) في عصر الإسلام السياسي والاضطرابات الغامضة في العالم العربي.<br />
<br />
نقول عبوراً فوق كل هذا؛ فإن التوقف عند (وعي) عبد الناصر كسياسي يمتلك قدراً هائلاً من وعي المثقف يلفت النظر إزاء كل هذه الندوات والتحليلات والكتابات المكثفة والمراجعات المتباينة في ردود أفعالها ثم إزاء ما يمثله عبد الناصر ومشروعه الفكري من قيمة مازالت بيننا حتى اليوم.<br />
<br />
ومع ما يثيره الاحتفال بذكرى يوليو من قضايا إشكالية، قد نعود إليها مرة أخرى، فإن أكثر ما يلفت النظر في وعي زعيم مثل جمال عبد الناصر هو أنه لم يكن سياسياً وحسب، وإنما سياسي جمع إلى التكوين السياسي الوعي الثقافي، حتى إننا نتطيع أن نعيد طرح السؤال الذي نعرف إجابته جيداً الآن:<br />
<br />
هل كان مثقفاً حقاً؟ فنجد الإجابة أمامنا بغير جهد كبير.<br />
<br />
فلنحاول الإجابة معاً، ونفكر بصوت عال؛ هل....؟<br />
<br />
على المستوى الشخصي، فقد لمست هذا الوعي الثقافي، ليس بين أوراقي الدراسية وحسب، وإنما بين الجماهير العريضة في أنحاء العالم العربي، بل وبين الجماهير العربية والتي تعيش بشكل أو بآخر في الغرب؛ بل وفي السياسيين والمثقفين أنفسهم ممن شهدوا هذه الفترة وعرفوا عبد الناصر عن قرب .<br />
<br />
ولأضرب مثالاً واحداً، فأذكر أنني كنت في إحدى العواصم الغربية، وعقب إلقاء كلمتي عن عبد الناصر والتي أسهبت فيها عن الوعي الثقافي الفائق له، روعت أن عدداً كبيراً من الحاضرين ـ وأغلبهم من الشباب العربي المغتربين ـ راحوا يلفتون نظري إلى أن عبد الناصر كان مثقفاً.<br />
<br />
ألم أقل هذا؟ حدثت نفسي، ومع ذلك يبدو أنني في حاجة ماسة لأعيد ما قلته، فأستبدل بالكلام الذي يلقيه المحاضرون بالورق الذي بين أيدي؛ لم تفتني الدلالة ورحت أدلل من جديد على وعي عبد الناصر الفائق بدور المثقف حتى أنه لا يكف عن إيراد وعي المثقفين في خطبه الكثيرة وقيمهم على أن يكون هذا الوعي وهذه القيمة تمارس (ضمن تحالف قوى الشعب العاملة .. لأن المثقفين ليسوا طبقة وإنما هم على وجه الدقة قوة).<br />
<br />
ورحت أسهب ـ أكثر ـ في ضرب الأمثلة من الخطب المتناثرة لعشرين عاماً ووثائق مركز الدراسات السياية والاستراتيجية بالأهرام (يناير 1967 ـ ديسمبر 1968)؛ وأكثر ما لفت نظري كما أشرت، أنني رغم إشارتي إلى وعي عبد الناصر بالمثقفين ومصادر وعيه الشخصي (كمثقف)، فإن القاعة راحت تكرر، وكأنها لم تسمع منذ قليل، أن عبد الناصر كان مثقفاً، وكأنها تريد التأكيد على هذه الحقيقة .<br />
<br />
بل رحت أورد لأدلل ـ في قضية لا تحتاج لدلالة أو برهان ـ من كتابات معاصريه أن أحد رفاقه خالد محيي الدين ـ على سبيل المثال ـ لم يكن ليمل من التأكيد في كتابه الأخير أن عبد الناصر كان:<br />
<br />
"قارئاً ممتازاً سواء قبل الثورة أو بعدها، وحتى بعد أن أصبح حاكماً متعدد المسئوليات كان يولي مسألة المعرفة اهتماماً خاصاً. وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف".<br />
<br />
وإبان استعداده للسفر إلى أوروبا، في كل مرة، '''يجد رغبة عبد الناصر الوحيدة في المعرفة فيضيف:'''<br />
<br />
" ــ و.. طلب مني أن أرسل له كل ما أعتقد أنه مفيد من كتب ومجلات ولعل شغفه بالقراءة هو الذي جعله يهتم بمسألة المعلومات، وكان عبد الناصر لا يتخذ أي قرار إلا بناء على معلومات وكان يهتم دوماً بالمعلومات ليس فقط من أجل تحقيق إمكانية اتخذ قرار صحيح، وإنما من أجل التعرف على من يتعامل معهم تعاملاً وثيقاً ودقيقاً".<br />
<br />
والمعروف أن هيئة الاستعلامات كانت أهم هذه الأجهزة التي تحددت مهمتها الأولى في إطلاع عبد الناصر على أحدث ما يصدر في العالم، فكانت ترصد ما ينشر وتحصره بل وتترجم له ما تترجم وتلخص ما يجب تلخيصه.<br />
<br />
وفي مكتبة دار الوثائق حتى اليوم أعداد كبيرة من الكتب المهمة المترجمة لعبد الناصر خصيصاً.<br />
<br />
ولعل معاصري عبد الناصر كانوا أكثر ما لاحظوا النهم الشديد عند عبد الناصر للمعرفة والقراءة المتواصلة وتدوين ملاحظاته في أوراق عامة أو خاصة، وكتاب جورج فوشيه المعروف (عبد الناصر وجيله) يرينا أن الكاتب حين ذهب إلى الكلية الحربية ليراجع قائمة ما قرأ عبد الناصر وجد أن دائرته امتدت إلى آفاق بعيدة خاصة حين راجع كشوف الاستعارة في السنوات الدراسية.<br />
<br />
والأكثر من هذا لفتاً للنظر أوراقه الخاصة وأحلامه التي حرص على تدوين أغلبها ونشر بعضها بالأهرام ترينا حرصه الشديد على تدوين العديد من خطبه، والتعبير عن أفكاره الخاصة بيده في الخمسينيات والستينيات .. وقد كان اهتمامه قد جاوز الواقع إلى الأحلام البعيدة التي كان يختلط فيها الوعي الجاد ومحاولة الإفادة من المشروعات المعاصرة له خاصة تجربتي الهند وباكستان، فهو يتحدث عن ولعه بإنشاء العديد من المشروعات الثقافية بالقاهرة والإسكندرية، ويصل إلى الأحياء الشعبية ليدون عنها أفكاراً حميمة ثم يصل من الأحياء الشعبية إلى عواصم المديريات وعواصم المراكز، بل يخصص صفحات كاملة لإعادة إعمار القرى وإدخال الكهرباء وإنشاء السينما التي يمكن أن تتحول إلى مسرح في الوقت المناسب، بل يولي عناية خـاصة بالأزهر، ويمكن أن نلاحظ اهتمام عبد الناصر منذ فترة مبكرة بالأزهر كصرح ديني عملاق في مصر يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في التثقيف والتنوير والإصلاح ليس في مصر وحسب بل وفي عديد من المناطق الإسلامية البعيدة عنا وهو ما يحتاج إلى دراسة خاصة عن وعي عبد الناصر عبر الكتابة المدونة، ففيها الكثير من وعيه السياسي / الثقافي الذي لا يمكن إنكاره، والذي يحتاج إلى عناية خاصة لأهميته.<br />
<br />
وهذا الوعي المثقف لدى الزعيم، يشهد به أنصاره أو أعداءه على السواء .<br />
<br />
لقد ظللت قرابة خمس سنوات أستمع وأسجل وأكتب (كل) ما سمعته من (شهود) عبد الناصر ـ أثناء كتابة أطروحة عن يوليو ـ وفي كل مرة كنت ألاحظ أن المثقفين / الشهود من شتى المواقع ـ لا يترددون في أن يؤكدوا على أن عبد الناصر كان يمتلك وعياً فائقاً يجاوز به رؤية السياسي وفعله مجراد رؤية المثقف وذكاء المفكر.<br />
<br />
من ذلك، كان الحوار الطويل مع أحد أهم رموز اليسار في الفترة الناصرية في حوار حول عبد الناصر الذي عانى منه اليسار كما عانى هو أيضاً من اليسار، '''ووجدتني أسأل المثقف اليساري فجأة:'''<br />
<br />
- وهل كان عبد الناصر فيما ترى مثقفاً؟<br />
<br />
وقبض أبو سيف يوسف ـ المناضل اليساري المعروف ـ '''قلمه وراح يكتب بالحرف الواحد:'''<br />
<br />
(ــ كان عبد الناصر قارئاً جيداً، حين تجلس معه تحس أنه ليس مجرد قارئ عادي وإنما قارئ متمرس، يعرف جيداً الاشتراكية، اقرأ ـ مثلا ـ محاضرة في اللجنة الوحدوية تكتشف على الفور أن لديه دراية عالية عن الاشتراكية.<br />
<br />
كان أول ما يقرأه صباحاً مجلة (الطليعة) .. وعلى فكرة. لم يكن عبد الناصر يقرأ (الطليعة) ليعرف منها اليسار، كان عبد الناصر يعرف اليسار جيداً).<br />
<br />
- وسألت المثقف اليسار السؤال نفسه، فراح يقول لي خالد محمد خالد ــ رحمه الله ــ أي عبد الناصر ــ كان يشتري، قبل الثورة، نسخاً كثيرة له من جيبه الخاص من كتاب (مواطنون لا رعايا) ويقوم بتوزيعه بنفسه على زملاءه، وقد كــان يفعل ذلك مع كتب أخرى لكتاب آخرين.<br />
<br />
بل إن خالد محمد خالد أسهب أكثر في أن عبد الناصر بعد الثورة ظل مستمراً في قراءة الكتب، ومستمراً في مناقشة أصحابها، بل إنه ــ وهذا مسجل في إدارة الرقابة ــ أن عبد الناصر أفرج شخصياً عن كتب خالد محمد خالد كانت في طريقها إلى المصادرة أو صودرت بالفعل، وهو ما أكده عبد الناصر نفسه لصاحب هذه الكتب في اجتماع على الهواء في اللجنة المركزية في بداية الستينيات (ونعتذر عن إيراد النص لطوله).<br />
<br />
- أيضاً راح المثقف الليبرالي يؤكد على هذا، فقد أسهب إحسان عبد القدوس لأكثر من مرة على وعيه السياسي والذي "يكن احتراماً بالغاً للمثقفين" والذي ـ يشير إلى صورة عبد الناصر بعد أن رحل ـ:<br />
<br />
".. كان يقرأ كثيراً، ويرغب دائماً في الحصول على كتب، ويطلب مني عناوين محددة، وكان يأخذ مني الكثير، وفي كل مرة يجد معي كتاباً ويجدني أقرأ كان يسألني على الفور: ماذا أقرأ، وفي حالات كثيرة أثناء الحديث الفطري معه كان يسأل بعمق أو يغيب عنا بعمق، وهو ما يبرر حين يحس بهذا فيعتذر مردداً من أنه كان يفكر فيما يقرأ".<br />
<br />
نحن لا نريد أن ندلل ـ بعد هذا كله على أن عبد الناصر كان سياسياً مثقفاً، أو سياسياً واعياً ـ أكثر من كثير من السياسيين ـ بما يحدث حوله، ومراجعة مواقفه وخطبه يرينا أنه يريد أن يقدم حكومة الثورة فيربط بينها وبين الدولة فهي (حكومة المثقفين) ــ هكذا ــ ، ومراجعة خطبه في الخمسينيات والستينيات تؤكد أكثر على مفهومه بالنسبة للمثقفين.<br />
<br />
ولدينا عشرات المراجع التي تؤكد على وعي السياي / المثقف بشكل يلفت النظر كثيراً.<br />
<br />
إن عبد الناصر كان مثقفاً كبيراً بقدر ما كان سياسياً كبيراً.<br />
<br />
هل يحتاج هذا لسؤال...؟<br />
<br />
===الفصل السابع: الوعي الخائن والمثقف===<br />
<br />
يحار المرء أين يضع صاحب هذه الحلقات التي تنشر في إحدى الصحف العربية التي تصدر من لندن .<br />
<br />
'''نحن أمام تفسيرين لهجومه الأرعن على مصر والمصريين الذين فتحوا له صدورهم من 15 عاماً:'''<br />
<br />
هل نضع "بعد الاستغراق في القراءة" في حالة غياب الوعي بحكم الن، أو ما يسمى في خبرة التحليل النفي بغواية العقل أو تغييبه أو غيابه mindedness absent وهو ما يفسر إذا أحسنا النية بعدم الانتباه لجوانب الموف الذي يعتبره الآخرون ذا الأهمية الكبرى، وهي غفلة يكون صاحباً مجبولاً عليها. أم نضعه "وهذه هي الحالة الأخرى" في خانة حضور الوعي بحكم التعمد، أو ما يسمى في خبرة التحليل السياسي أيضاً "بحكم الانتهازية التي يظل أهم وجوهها هنا العمالة، وهو ما يفسر "إذا دققنا النظر فيما ينشر حتى الآن بخداع الآخرين في مصر" سياسيين ومثقفين "لقرابة خمسة عشر عاماً قضاها في مصر، وفي هذه الحالة الأخيرة فنحن الآن أما سمات سلبية هي "بخلاف اللف والدوران" تكون بوضوح شديد العمالة.<br />
<br />
ونحب أن نلفت النظر هنا إلى أن هاتين الحالتين لا تتنافران فيمكن أن يكون الإنسان "في فترة زمنية متقدمة" قد ناله الوهن العقلي، وفي نفس الوقت يكون قد جاء من معسكر العمالة الصريحة، مما يشير بعد مراجعة ما ينشره إلى أنه صحفي نال منه الصدق وفي الوقت نفسه نال هو من الموقف العربي ..'''وعلى هذا النحو، فنحن أمام حالتين :'''<br />
<br />
"غياب الوعي المتعمد"<br />
<br />
"حضور الوعي الخائن"<br />
<br />
لنتوقف عند غياب الوعي قبل أن نصل إلى نقيضه ..وهما سمتان "كما أشرنا" يتوافران في ناصر الدين النشاشيبي فيما ينشره بعنوان (سنوات مصر).<br />
<br />
وقبل أن نستطرد أكثر يمكن أن نكرر أن غياب الوعي هنا يكون متعمداً، ولا يكون بالضرورة (حالة) سيكولوجية .. ومن ثم فإن غياب الوعي يكون داعياً إلى النيل من كثيرين ممن عرفتهم مصر في بداية القرن العشرين حتى نهايته.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر اتهام أو قل عبر موقف واحد من مواقف الصحفي الذي آوته مصر وأعطته أكثر مما أعطى في بلد آخر بعد مجيئه من القدس ماراً بعدد من الدول الأخرى.<br />
<br />
وليكن الموقف هنا إغفال الصهاينة بالعمد أو التأكيد.<br />
<br />
وسوف نشير إلى هذا عبر شهادات النشاشيبي التي تكفي وحدها للبرهنة على غياب الوعي الذي هو غياب الإنصاف والتحليل الصحيح للأمور. أو غياب الوعي، الذي هو نقيض العداء والادعاء معاً.<br />
<br />
فمن الغريب أن نسمع من الحلقة الأولى من النشاشيبي أن قضية فلسطين ليست معروفة لدى تسعين في المائة من شعب مصر.<br />
<br />
فهل كان ما يحدث في فلسطين غائباً عن الوعي في مصر في هذا الوقت. الإجابة بالنفي بالطبع.<br />
<br />
فقد كانت الكثير من الأحداث تشير إلى ما كان يفعله الصهاينة في فلسطين في الأرض المحتلة كان معروفاً وكان يردد في الصحف بشكل مكرر، وجاءت نكبة 1948 لتؤكد هذا الوعي الذي تجسد أكثر في كل أنحاء مصر، فلم يكن ليخلو بين في هذا الوقت دون ان يكون فيه محارب أو شهيد أو موتور بشكل ما مما يحدث في فلسطين .. رغم أن ما كان يدبر لليهود في بداية الأمر بقي طي الكتمان.<br />
<br />
إن الواقع في مصر وفي العالم كله لم يكن ليوحي بأن اليهود "الذين يعيشون في الأقطار العربية على الأقل" يمكن أن يكونوا مثل هؤلاء الصهاينة الذين يتكاثرون في فلسطين، كانوا يفعلون هذا بمساعدة إنجليزية.<br />
<br />
لم يكن يدرك المواطنون العرب في أنحاء العالم العربي أن الآلة التي تحرك وجود الصهاينة في فلسطين كان وراءها تقف العقول اليهودية هناك كان هربرت صموئيل المندوب السامي الأول، والأدون نمورمان بنويش النائب والمستشار القضائي للمندوب، ومن ورائهما (الوكالة اليهودية) التي ورد ذكرها في هذا الوقت في صك الانتداب.<br />
<br />
بل إن التاريخ يذكر وعد بلفور نفسه على لسان اللورد ارثي بلفور وزير الخارجية الإنجليزي إلى روتشيلد اليهودي في 2 نوفمبر 1917 بقي طي الكتمان لفترة من الزمان .<br />
<br />
ومراجعة تاريخ هذه الفترة ترينا أن الأحداث في فلسطين كانت تجري بمساعدة الإنجليز، ويزيد اليهود "على سبيل المثال" في سنوات قليلة من 35000 إلى 103000 وتضاعفت مساحة الأرض التي بيعت إلى اليهود بشكل يلفت النظر .. غير أن هذا كله كان خارج الوطن.<br />
<br />
كانت تمضي المؤتمرات الفلسطينية، وتدور المعارك ضد اليهود، وتدخل القضية إلى الأمم المتحدة وتخرج منها.<br />
كان الجميع يعرف ما يحدث خارج كل قطر، لكن داخل كل قطر عربي، كـان اليهود يعيشون مع أبناء أوطانهم، يتمتعون بحق (المواطنة) يصبح كل منهم مسئولون كبار "حتى أصبح منهم وزير" ويمتلكون اقتصاديات كثيرة هنا وهناك، وتنتشر صحفهم وإعلامهم، لكن كل هذا كان يجري في إطار الوطن، فالأديان الثلاثة في مصر "على سبيل المثال" كان أصحابها يتمتعون بقدر كبير من التواؤم والاحترام.<br />
<br />
كل هذا كان يحدث حتى حرب 1948 والعرب من شعب مصر يعرفونه جيداً، لكنهم يفرقون كثيراً بين ما يحدث خارج الوطن حين كان يغضب الفلسطينيون من قرار التقسيم فتدمر المباني والمخافر وتفجر الأنابيب وتنسف الجسور حتى تقوم الحرب .. وبين أبنا وطنهم من اليهود الذين لم يبدوا "على الأقل في النصف الأول من القرن العشرين" أي تأييد لليهود في فلسطين التي تحتل، ويعلن استقلال (احتلال) عصابات من الصهاينة فيها.<br />
<br />
كان ثمة يقين لدى أبناء الشعب أن اليهود المصريين هم مواطنون (بحق المواطنة) من الدرجة الأولى كما المسيحي والمسلم، ولم تكن العقيدة لتحول بين الانتماء لمصر في المقام الأول (وإن ظهر بعد ذلك عديداً من العناصر والتنظيمات السياسية الشيوعية وغير الشيوعية كانت تعمل لصالح إسرائيل).<br />
<br />
وهو ما يفسر أن المثقفين المصريين أنفسهم لم يكونوا ليتخذوا مواقف عدائية من اليهود.<br />
<br />
لم تكن درجة العداء ضد اليهود "كأصحاب رسالة سماوية" قد وجدت من يغذيها حين بدأت أطماع الصهيونية تكشف عن نفسها وهو ما يفسر به (ويبرر) أيضاً موقف العديد من زعماء مصر أو المثقفين الذين اتهمهم بالتجاوب مع الصهاينة.<br />
<br />
إنه مرة أخرى غياب الوعي الذي بدا متعمداً من النشاشيبي في اتهامه للمثقفين المصريين خاصة.<br />
<br />
وهو اتهام كرره أكثر من مرة بشكل يوحي بأنه متعمد، وليس عن عدم تبين للحقيقة أو الواقع أو الأحداث، ونضطر هنا إلى اثبات ادعاء الصحفي الذي تعمد أن يفقد وعيه، يقول عن المثقفين والسياسيين المصريين أنهم كانوا غير إيجابيين إزاء ما يحدث في فلسطين، وإنهم كانوا أكثر إلى الخيانة منه إلى حسن الظن أو فهماً واضحاً لطبيعة العصر وأنهم .. إلخ.<br />
<br />
إنهم يتهم لطفي اليد بأنه كان يذهب لكي يحضر الاحتفال بوضع حجر الأا لمبنى الجامعة العربية على جبل سكوبس في القدس عام 1923 !! وكان لطفي السيد يتعمد أن يفعل ذلك في وقت "كما أشرنا" لم يكن ليخطر على بال أحد أن ما يحدث كان بوازع من الصهاينة، فضلاً عن أن دوره هنا اتسم بالرحابة التي كانت توليها المواطنة في مصر في بدايات القرن العشرين، الأكثر من ذلك، وهو ما لم يعلمه النشاشيبي أنه كان يذهب بشكل رسمي لتأكيد الدور المصري الوطني الخلاق وهو دور يحسب لمصر التي لم تعرف العنصرية التي يتحدثون عنها الآن في دير بان.<br />
الأكثر من هذا أنه راح يطعن في وطنية زعماء وطنيين كبار مثل إسماعيل صدقي وعلي الشمسي بل وسعد زغلول ومصطفى النحاس، ويطعن في تاريخهم الوطني بشوفونيه (شامية) أو مقدسية أو نرجسية لا نعرف مبرراً لها اليوم غير غياب هذا الوعي الذي يتعمده صاحبه.<br />
<br />
الأكثر من ذلك، أنه يقفز إلى الاتهامات الصريحة ضد عدد من المثقفين المصريين وفي مقدمتهم مثقف مصري واع مثل طه حسين فيظل يغمز عنه ويهاجمه في أكثر من حلقة، فعميد الأدب العربي لا يجد منبراً ليتحدث في عن : آثار اليهود في الأندلس سوى النادي اليهودي في الإسكندرية .. ويغلو في تطرفه واتهامه (ويكاد المريب أن يقول خذوني كما نرى..) إلى أنه يشير بالريبة إلى أن طه حسين بعد أن ألقى محاضرته، فإنه ترك نشر النص إلى جريدة الشمس .. لسان حال الطائفة اليهودية. ثم أن طه حين أشير إليه بإساءة بالغة مرات كثيرة طيلة نشر هذه الحقات خاصة حين كان عميد الأدب العربي مسئولاً عن جريدة (الجمهورية) في الخمسينات.<br />
<br />
ولا نكون في حاجة هنا لنذكر المواقف العديدة الوطني لمثقف واع كطه حسين الذي أصبح مسئولاً عن مجلة (الكاتب) التي يمولها الأخوة هراري، دون أن تظهر في أي منها، داخل المجلة أو خارجها ما يشير إلى أنه تخلى عن وعيه الوطني.<br />
<br />
فلم يكن الوعي الوطني يشير إلى ضرورة التعاون مع اليهود، وإنما كان يعني "بوضوح يفتقده الكثيرون الآن بحن نية أو بسوء نية" أن المثقف يتعامل مع اليهود الوطنيين وليس مع الصهاينة الذين يستخدمون العقيدة في السياسة، والذين أصبحوا يمتلكون قبضة أمريكا ليحاربوا بها معاركهم في الوطن العربي .<br />
<br />
ولا نكاد ننهي هذه السطور دون أن نعود إلى نصيحة أنطون الجميل رئيس تحرير الأهرام للنشاشيبي ففي كل مرة كان هذا الأخير يظهر الكثير من (الوقاحة) "وهي صفة أطلقها على نفسه" كان يستدعيه وينهره، ويذكر أنه يتدعيه إلى مكتبه ليلقي عليه درساً طويلاً في التزام الحياد (والتمسك بفضيلة الترفع عن الذم والشتيمة) ومن ذلك، أنه خاطبه طويلاً في مكتبه في إحدى المرات ليقول في نهاية كلامه الكثير هذه العبارة: (قد يصفق لك البعض إن أنت ألحقت الأذى بالبعض، ولكن الأذى الذي تلحقه بنفك يفوق كل أذى).<br />
<br />
لقد رحل أنطون الجميل ولم ينتفع بنصيحته النشاشيبي. رحل أنطون الجميل، وبقي غياب وعي النشاشيبي، أو تغييبه.<br />
<br />
====ثورة يوليو .. الوعي الخائن ====<br />
<br />
وإذا كنا تعرّفنا في المرة الماضية إلى غياب الوعي أو تغييبه (على طريقة الحكيم رحمه الله..) قد بقي أن نرى الوجه الآخر؛ المريب .. لتفسير ما يكتبه النشاشيبي في الصحيفة العربية التي تنشر حلقاته .. فإذا كان الوجه الأول هو وجه الكشف عن غياب الوعي المتعمد (المتعمد) للإساءة للدور المصري والنيل منه (وهي سمة أصبحت لدى الكثير من إخواننا العرب الآن خارج مصر)، فإن الوجه الآخر الآن، هو الوجه الأكثر وعياً، وهو لفرط وعيه أو لنقل (وقاحته) وهي صفة يستخدمها صاحبها منذ الحلقة الأولى ليس غير تفسير واحد هو الريب فيما يقول.<br />
<br />
الريب الذي يصل إلى درجة الجزم بهذا الدور المريب حقيقة لا مجازاً .. سواء في تغيير أسلوب الهجوم على مصر وعبد الناصر أو في كشف نفسه بشكل مباشر في هذه العلاقة المريبة بينه وبين الجهة المضادة التي بعمل لها.<br />
هكذا، بغير زياة أو نقصان.<br />
<br />
إن غياب الوعي هناك يساوي حضور الوعي بما يفعل هنا.<br />
<br />
وكي لا نتهم بالإفراط أو الإسراف، لنتمهل عند بعض ما يكتبه النشاشيبي عن (سنوات في مصر) .<br />
<br />
'''ورغم أن سنواته التي قضاها في مصر وتزخر بضروب الهجوم عليها:'''<br />
<br />
المسئولين والمثقفين.<br />
<br />
ورغم أن أقل ما يقال عنه في هذا الصدد هو غياب الوفاء، فإننا نستطيع أن نترجم هذا كله إلى موجة عاتية من موجات الانحياز للعدو الذي كان يحاول النيل من مصر: مكانتها وتأثيرها .. ومن عبد الناصر: وعيه ودوره.<br />
<br />
وهو دور يلعبه كيفما يبدو صاحبه حتى الآن.<br />
<br />
ورغم أن الهجوم على عبد الناصر الآن أصبح النغمة السائدة لدى الكثيرين، فإنها تعكس هنا طبيعة (الدور) الذي اكتشفناه فيه بعد أن لعب هذا الدور جيداً هنا ثم فارقنا إلى حيث يكمل دوره جيداً خارج مصر .. ولنرى صورة من صور مواقفه من عبد الناصر قبل أن نصل إلى علاقته المريبة (بل الأكيدة) بالإسرائيليين والأمريكيين.<br />
<br />
إن اتهاماته لعبد الناصر وهي في أغلبها الاتهامات التي كانت توجه إليه من أعدائه إنه في الحلقة الأولى وبعد انتهاء حصار الفالوجا على عبد الناصر وزملائه، يقول بالحرف .. (انتهت مأساة أو جريمة حرب فلسطين. ورأى الناس في القاهرة الاستقبال النكتة الذي أعده فاروق لأبطال الفالوجا وأبطال غزة وأبطال أسدود وعلى رأسهم الضبع الأسود والضيع الأبيض والضبع الذي بلا لون! ورأيت أنواعا من المهازل اليومية..) هذه تلاحظ دلالة هذه اللهجة ونحن نثبت هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها هذه الفقرة بغير تعليق عليها لنشير إلى دلالة حضور الوعي بهذه الصورة التي أرادها صاحبها سواء قبل ثورة يوليو أو بعد أن جاء عبد الناصر أو بعد أن ذهب عبد الناصر إنه يتهم عبد الناصر وبعد ذلك بأنه لم يهتم بغير زعامته، فالمسئول الأول في دنيا القاهرة التفت إلى تركيز زعامته في العالم الخارجي، إلى جانب نهرو وتيتو ونكروما وكيندي، وأقطاب العالم، وترك الجبهة الداخلية..(!!) وعلامات التعجب من عندنا.<br />
<br />
وردد في مرة أخرى بأنه لم يهتم بغير تحقيق العدالة الاجتماعية أو في شعار العدالة الاجتماعية والقيام بدور استبدادي لتثبيت زعامته، يقول متسائلاً .. (وهل كان ضرورياً الإصرار على إلغاء كل حزب سياسي من أحزاب مصر وسوريا إكراماً للثورة أو مشتقاتها وهل كان ضرورياً أن تداس الديموقراطية بالأقدام وتترك الساحات أمام الأجهزة الأمنية وحدها كي تحكم وتعتقل وتسجن وتشرد دون أي رقابة من الشعب، وهل كان من الضروري أن يقبل جمال عبد الناصر بمبادرة روجرز في عام 1970).<br />
<br />
ويسهب أكثر في أحكام غير دقيقة بالواقع التاريخي، أو عبر الوثيقة، أو تحديداً خلال الرأي المنصف لما كان يحدث خاصة أنه كان شاهداً على ما كان يحدث، بل شاهد أكثر حساسية من غيره فقد جاء من القدس وعاش في أكثر من قطر عربي حتى استقر بفضل عبد الناصر وحمايته في القاهرة لسنوات طويلة، ثم ها هو يقول الآن أشياء مثل التي كانت تقولها دوماً أجهزة مخابراتية ضد عبد الناصر وفترة حكمه!!<br />
<br />
إن قبول عبد الناصر تحديداً لمبادرة روجرز لها في التاريخ ما يبررها، فقد كان من اللازم أن يقبلها عبد الناصر الذي كان في مهمة في الاتحاد السوفيتي حينئذ لإنقاذ مصر من ويلات التدفق بكل أنواع الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، ومحاولة إنقاذ الداخل الذي كانت تتسلل إليه إسرائيل في أبو زعبل وبحر البقر .. إلى غير ذلك مما يعرفه المؤرخ جيداً، الذي ليس مكانه الإسهاب هنا .<br />
<br />
وليس لوم النشاشيبي أو عجبه الآن إلا حلقة من حلقات الكراهية التي تسببت في هزيمة النظام الناصري نفسه في الستينيات؛ فقد كان أعداء عبد الناصر في الداخل أخطر وأبقى رغم أنهم في الخارج كانوا يتحينون الفرص للإيقاع به منذ بدايات الستينيات (منذ حرب اليمن..).<br />
<br />
بل إن زعامة عبد الناصر (العربية موقف الشعب العربي في مصر) أيضاً كان موضع شك من الرجل الذي كان يعيش بيننا؛ إنه حين يصف موجة العروبة التي زحفت إلى مصر في عهد عبد الناصر يقول .. '''ونؤثر أن ننقل هنا كلماته:'''<br />
<br />
(كان عبد الناصر يدفع للعرب ثمن زعامته عليهم، وثم تأييدهم له. وثمن ولائهم لمصر).!<br />
<br />
وبعد أن يشير إلى هذه الموجة في عهد الملك فاروق قبل ذلك الذي كان يسعى للخلافة يهبط بهجومه المريب على الجماهير وعلى المثقفين سواء بسواء، وهو في هجومه، وإن بدا ناقصاً للوعي أو او متشبعها بالجهل لهذه المرحلة، فإنه (وهذا أقرب إلى التفسير) كان هو الدور الذي رسم له والذي راح يعبر عنه، وظل يعبر عنه بعد أن خرج من مصر منذ ثلث قرن حتى الآن.<br />
<br />
انظر إليه، يعود ليربط ربطاً عشوائياً مريباً بين الفهم المقصود للجماهير أو المثقفين حينئذ حيث يضيف:<br />
(لم تكن تلك الموجات في رأي العروبة، متجاوية مع كل ما كان يتمناه الشارع المصري .. بأغلبيته، ولم يكن طه حسين، وحده، يحمل تلك الآراء المعروفة عن مستقبل الثقافة في مصر ولا إسماعيل صديق باشا .. إياه .. ولا الدكتور عزمي ولا..).<br />
<br />
ويعدد أماء كثيرة ليؤكد حقيقة مغرضة يريد أن ينفذ إليها ومنها ليؤكد عبث عروبة مصر واتجاهها في ذلك الوقت .<br />
<br />
ومع ذلك، أو رغم ذلك فقد نجد النشاشيبي أن يخدع عبد الناصر نفسه وكما سنرى الذي قال عنه في الحلقة التاسعة تحديداً إنه (لولا رضى الله ورحمته، وقلب عبد الناصر ومحبته، لما عدمت محرراً أو كاتباً أو موظفاً أو زميلاً يفرغ رصاص مسده في صدري..).<br />
<br />
لقد لعب الدور جيداً، واستطاع أن يكسب كل القلوب حوله لتحقيق الهدف الذي جاء إليه ومن أجله في مصر وهو ما يتبدى أكثر في علاقاته الوثيقة والحميمة (والموظفة) جيداً مع الصهاينة والأمريكان في ذلك الوقت.<br />
<br />
إنه يمارس هذا الدور بأكثر من طريقة: إما أنه يستخدم أسلوب النقل عن الآخرين، وإما ينقل لنا ما يريده بشكل مباشر من المصادر المعادية لأمتنا العربية أو إنه كثيراً ما يردد أحداثاً خطيرة (تصب بالطبع في التيار المضاد للأمة العربية) خلال السما ع والنقل عن الآخرين، فكثيراً ما يقول (سمعت عن..) أو قال لي صديقي إنه (سماع عن المبعوث الأمريكي روبرت أندرسون..) وعرفت أن ابن جوريون يصرح بأن .. (و) قيل لي في واشنطن بلسان رجال الخارجية الأمريكية ورجال البيت الأبيض بأن .. بل لا يتردد في أن يقول لنا بضمير المتكلم (التقيت مع السفير الإسرائيلي موشيه ساسون ثاني سفير لإسرائيل في مصر..) ويطيل في حلقات كاملة وينقل عنه ما يريد نقله.<br />
<br />
وما يقوله عن ساسون (صديقه!!) يقوله عن موشي ديان الذي التقى به أيضاً.<br />
<br />
ويعجب المرء ويتساءل مع البعض هنا سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل موشي ديان في مكتبه بتل أبيب في الحادية عشرة مساء، وأن يتشاور معه في عدة قضايا حساسة لا يمكن إثارتها مع شخص لا تربطه صلة سابقة مع الإسرائيليين ولا يعرف موشي ديان معرفة شخصية!! بل ويسمح له وحده بالدخول إلى مكتب ليفي أشكول برئاسة الوزارة الإسرائيلية (وكان رئيساً للوزراء حينئذ) ليتحدث معه في قضايا سياسية على جانب كبير من الخطورة، ورغم تحذيره من أن رئيس الوزراء مريض بالقلب فإن لقاءه به طال لأكثر من ساعة .. وطال قضايا في غاية الخطورة.<br />
<br />
الأكثر من هذا أننا نفهم قرب نهاية الحلقات أنه كان يكتب (مذكراته) عما كان يحدث في مصر، فهل كانت مذكرات حقا .<br />
<br />
يسأل المرء وهو يتابع رواياته التي يفترض معها أن قارئه يغفل التاريخ ويغفل دلالة الأحداث أو الشخصيات التي كانت تتحالف من أجل هزيمة الجبهة العربية، إنه يتحدث عن هذه (المذكرات) حين يقول في براءة مقيتة أو يسأل بشكل يبدو فيه حائراً أو متحيراً: (ولا أدري كيف وصلت تلك المذكرات إلى الخارج، حتى أن البروفيسور برنارد لويس، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة برنستون الأمريكية..) وهو يفترض في هذا أننا لا نعرف أن برنارد لويس أشهر مستشرق يهودي يلعب أدواراً كثيرة ضدنا، وأنه رأى برنارد مازال يلعب أدواره الصهيونية بالاتفاق مع الدولة الصهيونية في خطورة لا تمر هكذا على القارئ اللبيب فضلاً عن المتابع للأحداث من المثقفين والباحثين.<br />
<br />
لقد كـان محل ثقة موشي ديان إلى حد بعيد، وكانت علاقاتـه بأشكول وساسون وغيرهم من الإسرائيليين تستعصي على الفهم، لكننا الآن خلال اعترافاته بنفسه ندرك أن لها دلالات كثيرة تؤكد أنه لعب دوراً مريباً في هذا الوقت إلى درجة أن البعض مازال يسأل عن سر العلاقة التي سمحت له بأن يقابل وزير الدفاع الإسرائيلي بمكتبه بتل أبيب (أحمد حمروش) ودفعت بآخر بأن يسأل سؤالاً له إجابة أيضاً: هل كان النشاشيبي جاسوساً على عبد الناصر وعلى المجتمع المصري طيلة السنوات التي قضاها في القاهرة. وعندما انتهى من مهمته سافر إلى القدس والتقى مع رؤسائه ديان وأشكول (وائل الإبراشي) ويقول قريباً من هذا وائل قنديل .. وغيرهم كثيرون ممن وعوا أن حضور الوعي كان من الوضوح بحيث يعبر عن نفسه بهذا الدور الذي لعبه ضد الأمة العربية ومع أعدائها .. إن حضور الوعي الطاغي هنا ليس له غير تفسير واحد نعرفه جميعاً ..<br />
<br />
'''يقول الكاتب في الجزء 24'''<br />
<br />
فهل يجوز يا معلمي الكبير أن يترك تحديد العلاقة بين أكبر دولة عربية "مصر" وأكبر دولة في العالم "أمريكا" إلى حفنة من الجواسيس الهواة من أمثال مايلز كوبلاند، وإيفلاند، وكيم روزفلت، وإيجلبرجر ..<br />
<br />
===الفصل الثامن: أصداء غائبة===<br />
<br />
عبد الناصر .. رومانسي أم ثائر ؟!<br />
<br />
هل كان عبد الناصر رومانسياً؟<br />
<br />
هذا ؤال يلح على المدقق في حياة عبد الناصر الأولى ـ بل الثورة وبعدها.<br />
<br />
هل كان عبد الناصر ثورياً؟<br />
<br />
سؤال آخر يحاول أن يفرض نفسه حين تمضي السنوات بعبد الناصر إلى حقبة بعيدة من ثورة يوليو.<br />
<br />
'''وهو ما يضعنا في دائرة الحيرة؛ أو في دائرة السؤال الذي نجده في العنوان:'''<br />
<br />
عبد الناصر رومانسي أم ثائر؟<br />
<br />
ويظل السؤال معلقاً، ليس مع مراجعة مواقف عبد الناصر وخطبه فقط، وإنما ـ أيضاً ـ مع ملاحظة بعض كتابات معاصريه من المثقفين، حين كانوا ينظرون إليه من بعيد ويرددون الكثير عن هذه الرومانسية أو يتهمونه، وكانوا جميعاً يعودون إلى موافه الكثيرة أو كتاباته المتناثرة هنا وهناك.<br />
<br />
غير أن الوثيقة التي يمكن الاقتراب بها من حافة السؤال كانت دائما كتابه (فلسفة الثورة) الذي نشر قرب منتصف الخمسينيات من هذا القرن.<br />
<br />
ورغم أننا نستطيع أن نضيف إلى (فلسفة الثورة) كثيراً من الوثائق الأخرى مثل (الميثاق) أو (بيان 30 مارس) وخطب عبد الناصر وتحولاته وممارساته في هذا الاتجاه، فإن التوقف عند (فلسفة الثورة) له أهمية تفوق غيرها، فهي تحمل الملامح الأولى المكتوبة للفكر الرومانسي والذي لن يلبث أن يتحول من الحلم إلى الواقع عبر الممارسات التجريبية في السنوات التالية حتى نهاية الستينات.<br />
<br />
فضلاً عن أن التمهل عند (فلسفة الثورة) كان يعني ـ منذ البداية ـ أن الفكرة العربية تعني تصعيد إنجازاتها من مصر منذ البداية، فعلى الرغم من أن أفكار القومية العربية وتنظيراتها الأولى كانت تعرف في المشرق خاصة مع ظهور حزب البعث، فإن (فلسفة الثورة) كانت تعني تحول هذه الفكرة وتجسيدها في الوطن / الإقليم (مصر).<br />
<br />
فعبد الناصر فيما يبدو في الفترة الأولى من الخمسينيات كان يجد أن الدور المصري هو الدور الأول في إنجاز عملية الوحدة، وهذا قدرها ومصيرها.<br />
<br />
كماهو قدر البطل صاحب الدور ومصيره.<br />
<br />
وفي هذا نستطيع أن نشير ـ عرضاً ـ إلى العديد من كتابات خالد محمد خالد وفتحي غانم ولويس عوض .. وغيرهم، غير أن أهم الكتابات التي تلقي بأضواء ساطعة على المرحلة الأساسية في حياته، والتي نستطيع أن نتعرف فيها أكثر أو نقترب من هذا السؤال يظل هذا الكتيب صغير الحجم كبير القيمة (فلسفة الثورة) لجمال عبد الناصر. وربما كان لوي عوض أقرب هؤلاء إلى التحليل لشخصية جمال عبد الناصر في ذلك الوقت، او إلى (الدور) الذي اقتنع عبد الناصر نفسه أن الدور الذي يجب أن يضطلع به.<br />
<br />
كان عبد الناصر في الفترات الأولى التي نضج فيها وعيه وتهيأ ليلعب دوره في الحياة العامة إنه كثير الشرود، كثير التفكير في الواقع حوله، وفي فلسفة الثورة التي كتبت في مرحلة قريبة من قيام الثورة يلاحظ أنه لم تفارقه هذه السمة "الشرود المستمر"، وهو يذكر هذا بوضوح شديد حين يذكر أنه وهو جالس شارداً في إحدى المرات مع أفكاره ألحت عليه قصة مشهورة للشاعر الإيطالي بيرانديللو، وأطلق عليها هذا الاسم (ست شخصيات تبحث عن ممثلين).<br />
<br />
وهنا نلاحظ دلالة تغيير اسم المسرحية وعنوانها الأصلي (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) ويلتقط لويس عوض هذا الخطأ غير المقصود، موجهاً تفسيره إلى ما أسماه (الخطأ والنسيان الفرويدي) لم تحمله هذه العبارة من معنى أن عبد الناصر كان يسعى إلى دور البطولة ولي المؤلف.<br />
<br />
أو بدور البطولة التي تقوم بصنع الأحداث، أو إعادة صياغتها كما تحددها صياغة أفكاره الآتية من هذا الشرود (الفرويدي) الذي يحمل معان لم يكن ليقصد الكاتب الاعتراف بها، بينما تجيء على اللان على شكل إسقاط غير مقصود.<br />
<br />
إن العبارة الخاطئة تحمل دلالة صحيحة في معناها الخفي.<br />
<br />
وسوف نذكر عبارة عبد الناصر قبل أن نعود إلى وضعها في سياقها العام، يقول عبد الناصر في كتابه (فلسفة الثورة. ص ص 69، 70) بعد أن يتحدث عن الدوائر الفاعلة في المنطقة العربية:<br />
<br />
"إن ظروف التاريخ مليئة بالأبطال الذين صنعوا لأنفسهم أدواراً بطولية مجيدة قاموا بها في ظروف حاسمة على مسرحه.<br />
<br />
وأن ظروف التاريخ أيضاً مليئة بأدوار البطولة المجيدة التي نجد بعض الأبطال الذين يقومون بها على مسرحه، ولست أدري لماذا يخيل إلي دائماً أن في هذه المنطقة التي نعيش فيها دوراً هائماً على وجهه يبحث عن البطل الذي يقوم به، ثم لست أدري لماذا يحيل إليّ أن هذا الدور الذ أرهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا قد استقر به المطاف متعباً منهك القوى على حدود بلادنا يشير إلينا أن نتحرك، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه فإن أحداً غيرنا لا يستطيع القيام به.<br />
<br />
وأبادر هنا فأقول أن الدور ليس دور زعامة، إنما هو دور تفاعل وتجاوب مع كل هذه العوامل، يكون من شأنه تفجير الطاقة الهائلة الكامنة في كل اتجاه من الاتجاهات المحيطة بها. ويكون من شأنه تجربة لخلق قوة كبيرة في هذه المنطقة ترفع من شأن نفسها وتقوم بدور إيجابي في بناء مستقبل البشر".<br />
<br />
ويعود بعدها عبد الناصر ليستطرد حول دوائره والدور الذي يتحدث عنه أو يبحث عنه في اللاشعور.<br />
<br />
====الخروج من الميثولوجيا====<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نرى كيف تخرج الرومانسية مع مرور الأحداث وتراميها وتحديها لكثير من العوائق التي تأتي من الشمال .. من الحلم المكبوت في اللاوعي إلى الواقع، تخرج من الذات إلى المجتمع.<br />
<br />
كانت هذه الرومانسية تقترب من المجتمع العربي بقدر ما تبتعد عن الفرد لدى عبد الناصر.<br />
<br />
ورغم أن شخصيته منذ فترة مبكرة غلب عليها ح غامض بالحزن والحيرة فضلاً عن الغضب مع تطور الأحداث كما رأينا في حرب 48 وبعدها (هناك رصد واف لفكرة القومية العربية في هذا الإطار لدى (مادلين نصر) في كتابها عن عبد الناصر .. فإن هذه الشخصية لم تستطع أن تظل في إطار الفردية المطلقة، إذ سرعان ما تنحو إلى الفعل في فترة محددة، يكون التقاطع فيها بين العام والخاص دافعاً لمغادرة الذات إلى المجتمع كما رأينا بالفعل (نستطيع رصد هذا الخروج في الأدب خاصة سواء في الغرب في القرن الثامن عشر أو في مصر مع عشرينات هذا القرن..).<br />
<br />
وهنا، يكون القائد قد خرج من إطار الميثولوجيا الفكرية إلى التطور العملي، وبدت الفكرة الرومانسية في حالة تجسيد مع الفكر العملي، وبدأ السياسي يتماهى مع الاجتماعي.<br />
<br />
إن فترة التحول من الفكر الرومانسي إلى الفكر الثوري نجده لديه منذ فترة مبكرة في كثير من المواضع في هذه (الفلسفة..)، إن أحد أفراد القوة المحاربة التي كانت تمثل معه قوى (مجلس قيادة الثورة فيما بعد) اقترب من عبد الناصر أثناء الحصار للفالوجة، '''وقال له في نبرة عميقة وفي عينيه نظرة أعمق:'''<br />
<br />
(لقد قال لي: اسمع..، إن ميدان الجهاد الأكبر هو مصر).<br />
<br />
وهنا يستطرد عبد الناصر أكثر أنه لم يجد في فلسطين الأفـراد الذين يمكن أن يشاركوه في الكفاح والتصدي للقوى الإسرائيلية وإنما أيضاً التقى "بالأفكار التي أنارت أمامه السبيل".<br />
<br />
وهو يعني أن هذه الفترة كانت الرومانسية مازالت تسيطر على فكره، وإن كانت تعمل ـ جنباً إلى جنب ـ على تحويل هذا الحلم إلى واقع، أو كان يسير الحلم جنباً إلى جنب بجانب الواقع، فما كان يحدث في فلسطين نبه القائد إلى أنه "ما كان يحدث في مصر، والمهم، كيف يمكن تحويل الحلم ـ قبل أن يتخثر ـ إلى واقع، ولكن هنا، في الدولة الإقليم مصر، حيث يمكن ـ بعد القضاء على الأعداء الداخلين ـ إلى رأس حربة ضد القوى المعادية ليمكن تحقيق الوعد العربي بالوحدة.<br />
<br />
على أن مراجعة التطور الذي كان يحدث في دخيلة عبد الناصر كان يشير أن الأمر لم يستمر طويلاً في الحديث عن الواقع وحسب، وإنما كان لابد من الخروج عن السؤال القوي الطاغي على كل ما عداه لقسوته (كيف)، كيف يحدث كل ما حولنا، إلى سؤال آخر، هو (لماذا) .<br />
<br />
لماذا يحدث هذا كله دون أن نتحرك.<br />
<br />
الحركة كانت هي الدافع الجديد وراء كل ما حدث طيلة الخمسينات.<br />
<br />
إن (فلسفة الثورة) تزخر بالغضب والسخط، ولكنها ـ أيضاً ـ تنذر بكيفية الخروج من هذا كله. <br />
<br />
الوسيلة للخروج كانت هي الشاغل في المرحلة التالية أو نتيجة لها.<br />
<br />
والجغرافيا هنا كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوسيلة.<br />
<br />
تظل الوسيلة هي الشغل الشاغل لعبد الناصر في إطار هذا الواقع لكي يتم الانفلات منه.<br />
<br />
كانت الوسيلة هي كيفية الخروج من معنى (الانقلاب) ــ بعد 23 يوليو إلى الوعي (بالثورة).<br />
<br />
وكانت الوسيلة هي كيفية الخروج من الحلم الذي عاش فيه طويلاً إلى تجسيده في أحد ـ وأهم ـ دوائر التغيير التي شغلته في (فلسفة الثورة) وهي الدائرة العربية.<br />
<br />
بل كانت الوسيلة من الجموح، بحيث أنها أرادت أن يحدث التغيير بسرعة بعد تحويل الحلم إلى واقع بقيام ثورة يوليو، وربما كان هو الباعث الرئيسي لسخط عبد الناصر على الجماهير في هذه الفترة.<br />
<br />
فبمجرد أن قامت ثورة يوليو كانت ينتظر عبد الناصر الجماهير لتجسيد الوسيلة، وسيلة التغيير، لكنه، لم يجد ـ كما تحدث ـ '''هذه الجماهير تحوطه لتحول الحلم إلى واقع آخر فاجأه، يقول:'''<br />
<br />
"ــ فاجأني الواقع بعد يوليو 23 يوليو.<br />
<br />
قامت الطليعة بمهمتها واقتحمت سور الطغيان، وخلعت الطاغية ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة الهدف الكبير.<br />
<br />
وطال انتظارها.. (و) .. ولكن ما بُـعد الحقيقة عن الخيال.<br />
<br />
لم يتنبه القائد أن الجماهير كانت في حاجة للتنظيم وإلى منح الفرصة للظهور وكان الخيال عند عبد الناصر غير هذا الواقع، فالجماهير العربية في مصر ـ مثل أي جماهير عربية في الأقطار الأخرى ـ يحول بينها وبين التعبير مئات الأشياء، ثم أنها تحتاج لمن ينبهها أكثر إلى وسيلة التغيير، ولمن يشحذ إرادتها أكثر، ويجلي بصيرتها أكثر، فقد كانت سنوات الطغيان والاستعمار طويلة بما يكفي لإحداث الصدمة النفسية لدى الجماهير.<br />
<br />
كان الحلم الرومانسي أقوى من الواقع وأبعد عنه إلى حد ما.<br />
<br />
====المعركة الحقيقيـة====<br />
<br />
بيد أن عبد الناصر سرعان ما عاد إلى الحقيقة، ليكتشف ذلك. لقد اكتشف أن معركته ليست أن يبحث عن الجماهير، فهي سوف تتحرك معه أبى أم رفض، وإنما تظل المعركة ضد هذه القوى الداخلية الطاغية، التي تحول بينه وبين نمو أحلامنا بعيداً عن أن تتحول ـ بفعل الطغيان ـ إلى كابوس مدمر.<br />
<br />
اكتشف هذا أكثر، حيث لاحظ أن هذه القوى المعادية للثورة في الداخل أو الخارج كانت تسعى للقضاء على حلم القائد / الجماهير.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، اكتشف عبد الناصر أن الوسيلة هي الطريق إلى ما يريد، إنه يستهل الجزء الثاني من (فلسفة الثورة) '''بهذين السؤالين:'''<br />
<br />
ولكن ما الذي نريد أن نصنعه..؟<br />
<br />
وما هو الطريق إليه..؟<br />
<br />
ويؤكد أن كان يعرف الإجابة عن السؤال الأول أما الإجابة عن السؤال الثاني "طريقنا الذي نريد" فأنا أعترف أنها تغيرت في خيالي كما لم يتغير شيء آخر.<br />
<br />
لقد اكتشف عبد الناصر أن العمل الإيجابي للخروج من أسر الحلم هو الطريق الوحيد للوصول إلى غايته.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، نكتشف أن أكثر الطرق وعياً كان قد توصل غليها في الخمسينيات، أو أن الطريق إلى الرومانسية قد تخلله أو سار معه طريق العمل المنظم للجماهير ـ ومع ـ الجماهير العربية.<br />
<br />
لقد كان امتزاج الرومانسية بالوسيلة هو الطريق الذي مهد لتجسيد القومية العربية في الخمسينات.<br />
<br />
إن عبد الناصر بعد أن يتحدث عن هذا الدور الذي يبحث عن بطل، يستعيد في القسم الثالث ـ وهو دائم استعادة الحلم ـ كيف تبلور فكره منذ كان طالباً في الكلية الحربية لدروس التاريخ التي كانت تؤكد الوعي العربي إزاء الحملات الصليبية (الغربية) المضادة، ثم بدأ الفهم يتضح أكثر وهو طالب في كلية أركان الحرب في فلسطين، ثم بدأت الفكرة تصل إلى أقصاها حين توصل إبان الحرب في فلسطين إلى أن القوة، والقوة العربية وحدها هي التي تستطيع أن تكون اللغة ـ الوحيدة في هذا العالم ـ التي يفهمها العدو وتأكد هذا من مدفعية أحمد عبد العزيز ونضال فوزي القاوقجي، كما يذكر تجربة كان لها الأثر الكبير في تأكيد الوعي القومي وتحويل الأسطورة إلى واقع، فهو حين يذكر سراً من أسرار فلسطين (يذكر في قرب منتصف الخمسينيات، لاحظ الموقع الجغرافي)، '''ويسرده على هذا النحو :'''<br />
<br />
"كان البعض وضع خطة جريئة للقيام بعمل حاسم "وعربي" ضد القوات الإسرائيلية".<br />
<br />
(كانت الخطوط البارزة في تلك الخطة هي أن قوات التحرير العربية لا تملك طيراناً يساعدها في المعركة ويرجح النصر إلى كفتها، ولو أنها حصلت على معونة من الجو بضرب مراكز فوق ميدان العملية، لكان ذلك عاملاً فاصلاً، ولكن من أين لقوات التحرير العربية بالطيران لتحقيق هذا الحلم).<br />
<br />
====البطل الملحمي====<br />
<br />
بقية الخطة أن يقوم سلاح الطيران المصري بمهمته لو كان بمساعدة المطارات السورية، كان لابد أن يشارك العرب في خطة واحدة.<br />
<br />
ورغم أنه لم يقيض لهذه الخطة أن تتم، فإنها تشير إلى هذا الوعي المتطور لدى البطل العربي في مصرب، وعثوره على الوسلية التي سيطورها أكثر فيما بعد في الخمسينات لتحويل الرومانسية إلى واقع حين أصبح خاصة بعد مارس 1954 ــ هو القائد / البطل الملحمي المنتظر.<br />
<br />
ثمة إشارات كثيرة كانت تؤكد نمو الوعي العربي عبر (الوسيلة) الفعالة، كان يتأثر لما يحدث للفلسطينيين اللاجئين الممزقين عبر الخيام، أو يكاد يبكي ويسهر للصباح لمرأى طفل تحت براثن الحصار فتخرج إلى الخطر أمام سياط الجوع تبحث عن لقمة عيش .. إلخ.<br />
<br />
غير أن المهم، أن عبد الناصر في الخمسينات كان قد حول (الحلم) الرومانسي إلى (وسيلة) فعاجل لتحقيق الوحدة العربية.<br />
<br />
لقد تحول عبد الناصر من بطل درامي "إلى بطل ملحمي، أو إذا جاز لنا استخدام مجازه، غدا الشارع الذي يروي سيرة مصر على ربابته، بدلاً من أن يحركه كالدمية على مسرحه" على حد تعبير لويس عوض.<br />
<br />
كان على البطل الملحمي الآن أن يقوم بدوره بعد أن توصل إلى (الوسيلة) لذلك فقد بدأ بالفعل يوالي تحقيق انتصاراته على المستوى العربي، ويصعد الثورات العربية ضد المحتل الأوروبي، بيد أنه عبر ذلك النضال المستمر لتعبئة الشارع العربي وتحرير الأوطان العربية لم يتنبه أنه دخل في منطقة الخطر، منطقة المصالح الأمريكية.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، بدأت سلسلة من المعارك من أجل القومية العربية مع العدو الأمريكي ثمن عبد الناصر ثمنها كثيراً.<br />
<br />
====ثمن الثورة العربية====<br />
<br />
كان على جمال عبد الناصر أن يحول حلمه إلى حقيقة، فبدأ الصراع الكبير مع الغرب يأخذ أبعاده المعروفة بتأميم القناة ومبادئ 61/62 وتأميم القطاع الأجنبي والإقطاعي الداخلي وحاول أن يحول مبادئه الستة التي أعلنها صبيحة قيام الثورة، وتحويلها لتأكيد الوجود الوطني المصري، ومن ثم العربي، ثم بدأت متاعبه الحقيقية لا مع الغرب الأوروبي ولكن مع الغرب الأمريكي.<br />
<br />
وقد حدث هذا عقب عدوان 1856 مباشرة (بانفصال سوريا) وبدأ دوره الإيجابي في (الحرب الأهلية اللبنانية) وحرب اليمن، ثم كانت هزيمة 1967 وأعقب ذلك حرب الاستنزاف التي شارك فيها عدد كبير من الأقطار العربة التي تأثرت بجهود عبد الناصر العربية.<br />
<br />
على أنه بمجيء الهزيمة (1967) حتى كان عبد الناصر قد أدرك أن وسيلته الفعالة لتحدي الغرب ــ والأمريكي خاصة ــ توشك أن تأخذ شكلاً جديداً، ومن ثم، فإنه راح يغير استراتيجية المواجهة بعد حدوث العديد من الأحداث التي اعترضت مركبته العربية في المحيط الكبير.<br />
<br />
نقول تغيير استراتيجية المواجهة؛ لا تغييبها.<br />
<br />
لقد انتهى الآن عصر الرومانسية وبدأ عصر الواقع الحقيقي.<br />
<br />
لقد خرج عبد الناصر (بوسيلته الفعالة) الواعية عبر المركب العربي إلى التحديات التي أودت به إلى الهزيمة.<br />
<br />
وهو ما يقال معه، أن الحلم الذي تحول إلى حقيقة لم يستطع أن يكتمل إلى نهايته كان عبد الناصر قد عبر من زمن بعيد عصر الرومانسية الثورية إلى الثورية العربية الفعالة.<br />
<br />
وكان عبد الناصر قد اجتهد طويلاً لتظل الراية العربية مرتفعة قدر ما يستطيع، ودفع الكثير من أجل هذا، من أموال مصر وأبنائها، ثم من سنوات عمره التي أراقها وأنفاسه القليلة؛ انطلاقاً من حقيقة مؤداها "أن العمق الاستراتيجي العربي لمصر يحميها في مواجهة الصهيونية التوسعية.."، ومن ثمَّ، فإن حصاد السعي إلى الوحدة مع سوريا ــ على سبيل المثال ـ أو مرارة الانفصال؛ لم يرتد به إلى موقف مغاير رغم صدمة هزيمة 1967 وإحباطها .. وهو ما يطرح ـ بالتبعية ـ أسئلة بدهية.<br />
<br />
هل انتهى الثائر مع هزيمة 1967؟<br />
<br />
هل غاب البطل في الظلال وما لبث أن سقط على خشبة المسرح؟؟.<br />
<br />
المسرح العربي الكبير المليء بالجثث العربية الأخرى.<br />
<br />
وهل أسدل الستار على نهاية الثائر؟.<br />
<br />
ثم هل راح الجمهور العربي يؤكد (بصورة الكورس) أن البطل الملحمي سقط لكي يبعث من جديد، كما ايزوري في الأسطورة العربية القديمة؟<br />
<br />
باختصار لم نعد في حاجة لنسأل : هل كان عبد الناصر رومانسياً أو ثورياً؟<br />
<br />
إنما الإجابة التي أحكمها التاريخ أنه بدا بطلاً ملحمياً ننتظره جميعاً.<br />
<br />
لم يرحل أو رحل وسيعود ثانية، فالواقع العربي اليوم ينتظر عبد الناصر الثوري، الذي يستطيع أن يقف في وجه محاولات الغرب الأمريكي الوقح والمتفجر كراهية لنا، وفي حاجة لمن يقف في وجه الرأسمالية البشعة المتوحشة التي تعى إلى فرض إرادتها على الواقع العربي عبر الأسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات.<br />
<br />
والإعلام المجتمعي الآتي إلينا من الغرب في عصر العولمة (=الأمريكي) البغيض، وانتهى ثورياً عربياً واعياً.<br />
رحل الثائر لكننا مازلنا ننتظره ليقوم بالدور الذي حدثنا عنه في أحلامه / أحلامنا الأولى، وغضبه / غضبنا الذي كان.<br />
<br />
بعيداً عن الثرثرة .. قريباً من الثورةِ !<br />
<br />
وبعيداً عن ثرثرة الورق التي تنهض في آن لآخر لتقييم عبد الناصر وثورة يوليو .. هذه محاولة لإعادة النظر في الناصرية وهي ـ أي الناصرية ـ في الأصل تعبير عن اتجاه سياسي عملي تجريبي أكثر منها تعبيراً عن (دوجما) بعينها.<br />
<br />
الكتاب لا يسعى مثل كثير من كتابات هذه الأيام إلى تصفية حسابات أو اتجاه يعمق رأي بعينه وإنما يتنبه وهو يتحدث عن (الناصرية والسلام) ـ تحرير عبد الحليم قنديل ومشاركة عدد كبير من مثقفينا ـ إلى أن العنوان فرضه وصول الرأسمالية الشرية إلى ذروتها في نهاية القرن العشرين .<br />
<br />
وبهذا المعنى، فإن الناصرية التي يعاد النظر فيها الآن بمنطق نهاية القرن العشرين، تسعى إلى التنبه لما أصبحنا فيه وقد سقطت الكتلة الشرقية وتهاوى سور برلين وزاد الحديث عن (العولمة..) وآليات النظام العالمي الجديد خاصة فيما يعقب هذا من عسكرة العولمة إبان 11 سبتمبر وبعدها.<br />
<br />
إن الناصرية في الخمسينات والستينات تحدت الغرب الذي كان يريد السيطرة على مقدراتنا واتجهت نحو التنمية والتأميم والتحول الاجتماعي والتنظيم الاقتصادي كما ساعدت قوى التحرر العربي ودخلت في حروب داخلية وخارجية كثيرة لئلا يترك الغرب يجوس بين ديارنا.<br />
<br />
والناصرية كتجربة متطورة يمكن أن تسعى الآن إلى هذا الهدف لو أحسنا قراءتها في ضوء نهاية هذا القرن.<br />
<br />
وبمراقبة سياسة أهل العولمة الآن وأدبياتها نعثر على يقين يتلخص في تأكيد سيادة العالم الغرب على أهل الجنوب في كتاب "هنتنجتون" الأخير عن (صراع الحضارات) نراه يرصد لأطروحة "فوكوياما" مؤيداً ما فيها من انتهاء الحرب الباردة وانتهاء الصراعالكبير في السياسة الكونية وظهور عالم جديد هو عالم (الأمركــة) في حين يرى "فوكوياما" أن "نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديموقراطية العربية على مستوى العالم كشكل نهائي".<br />
<br />
إن "هنتنجتون" يؤكد في أكثر من موضع على انتهاء حرب الأفكار "فالديموقراطية الليبرالية الشاملة قد انتصرت" وحين يصل إلى عبارة "فوكوياما" أن صراع الأفكار انتهى وبدأ صراع آخر اقتصادي وفني نراه يعلق على "فوكوياما" بأنه ينهي كلامه بأسف قائلاً أن "ذلك سيكون مضجراً".<br />
<br />
وكان "فوكوياما" ـ وراء "هنتنجتون" ـ يريد أن يقنعنا أن حرب الأفكار كانت خيراً من الهيمنة التي تتخذ أبعاداً سياسية واقتصادية ومعرفية الآن لتحويل العالم إلى (سوق) للغرب الأمريكي.<br />
<br />
وعلى هذا النحو، فإن الناصرية الآن ـ إذا أحسن قراءتها ـ يمكن أن تكون فاعلة في زمن يتم تدويل الرأسمالية فيه بالشركات الاقتصادية متعددة الجنسيات. وتدويل الثقافة والحضارة والرؤية الغربية عبر شركات إعلامية عابرة للقارات، وهناك عدد صغير من هذه الشركات (خمس عشرة شركة) تتحكم في كافة المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية والإعلانية في العالم. بل إن أربع وكالات أنباء رأسمالية وهي (رويتر – اسوشيتد برس – يونايتد برس – فرانس برس) تحتكر فيما بينها 80% من إجمالي تدفق المعلومات الدولية، وتكرس هذه الوكالات من أنبائها لدول الشمال. <br />
<br />
وتتصدر وكالات ومؤسسات الأنباء التابعة للولايات المتحدة مجمل وسائل الهيمنة الثقافية والإعلامية في العالم، وتسيطر على 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التليفزيونية، و90% من إجمالي الأخبار المصورة و82% من إنتاج المعدات الإعلامية والإليكترونية و90% من المعلومات المخزنة ـ المعطيات ـ في الحاسوبات الأليكترونية .. وغير بعيد هنا حين أعلن ـ في بعض الصحف الغربية ـ أن جميع أجهزة الكومبيوتر الأمريكية فيها أجهزة حساسة في غاية الضآلة تابعة للمخابرات الغربية، تتحكم في أكثر آليات العولمة شراسة. <br />
<br />
وهو ما يشير في النهاية إلى أن السياسة الأمريكية ـ بوجه خاص ـ أصبحت الآن تسعى (باقتصاد السوق) للسيطرة على مقدراتنا العريبة و(باقتصاد المعرفة) على مقدراتنا العلمية والإليكترونية .. إلى آخر هذه المنظومة الغربية التي تريد القضاء على شعوب الجنوب ليمكنها السيطرة على عالم تحرك فيه الدمى كما تشاء دون عنف أو مواجهة رجل من نوع عبد الناصر.<br />
<br />
ومن يراجع سياسات الشمال وأدبياته في السبعينات ـ بعد رحيل الزعيم ـ يعرف أن الناصرية إذا أحسنا قراءتها يمكن أن تكون فاعلة ويعرف أن السياسات الأمريكية المخابراتية ـ كما أوكد في وقتها ـ لن تسمح بعودة عبد الناصر مرة أخرى والقضاء لا يكون الآن على الرمز وحده وإنما يتسلل إلى الواقع نفسه.<br />
<br />
وهو يعزز هذه الاجتهادات التي بين أيدينا لنشير ـ فيما يشبه التأكيد ـ على أن السياسة العملية لعبد الناصر في مواجهتها للعالم حوله لم تكن لتتعارض مع أية عقيدة ومن هنا، نجد كتابنا يعود بنا إلى قضايا هامة في الإشارة لتجربة عبد الناصر وفكره.<br />
<br />
من هذا هل الناصرية تتعارض مع الإسلام؟<br />
<br />
وهي قضايا نضطر للعودة إليها لبداهتها في هذه الأيام التي مازالت الناصرية تهاجم من بين أهلها.<br />
<br />
والنظر إلى بعض ثوابت الناصرية يمكن أن نعثر فيها على بعض الملاحظات البدهية أيضاً كما يوردها عبد الحليم قنديل، وسوف نشير إلى بعضها بشكل ريع: فالأيديولوجية الناصرية هي أيديولوجية مساواتية، تؤمن مع الكفاية الإنتاجية بعدالة التوزيع وتكافؤ الفرص، وتؤمن بقيمة العمل كحق وواجب، ومصدر للسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية. فالمساواة في الإسلام حرة وقيمة مقدسة، والمساواة لا تعني "المثلية" بل تعني أن تتساوى الفرص كأساس مقبل للثواب أو العقاب في الدنيا والآخرة، كما كان عبد الناصر دائماً يقول دائماً والإسلام لا يعترف بأي ثروة أو جاه لا يكون مصدره العمل أو الميراث ويحرم الاستغلال والربا تحريماً قاطعاً .. والمساواة قيمة لعبت أبلغ الأدوار في التاريخ الإسلامي ويذهب في هذا "ليونارد بايندر" إلى أن مبدأ المساواة الإسلامي تجسد في رغبة عبد الناصر بإنشاء مجتمع سياسي موحد، واستعاضته عن نظرية الحسم الدموي لصراع الطبقات في الماركسية بمبدأ المساواة، وهو ما يفيد في دعم وحدة الشعب ضد الإمبريالية ويوجد الطبقات الحضرية والريفية وصغار الملاك.<br />
<br />
ثم إن الناصرية أيديولوجية شعبية، ليست أيديولوجية فئة أو طبقة بذاتها (قرأنا أول أمس من يتهم الناصرية بأنها طبقية)، إنها أيديولوجية أغلبية الشعب الحالمة بالمساواة والوحدة، أيديولوجيا الشعب المهاجر إلى المثال منشود، ناصرية تنحاز للكثرة الكادحة ضد القلة المسيطرة و..إلخ.<br />
<br />
بيد أن أهم القضايا هنا تتحدد في علاقة عبد الناصر بالوحدة العربية.<br />
<br />
وهي قضية تزداد أهميتها الآن في عصر الكتب الضخمة القومية أو غير القومية التي تحاول أن تؤثِّر بالإيجاب ـ لصالحها ـ (في الاقتصاد العالمي والأدوات المعرفية الصاعدة) فما موقف الناصرية من هذه القضية.<br />
<br />
إن الأيديولوجية الناصرية توحيدية، والتوحيد القومي ـ يتفق في هذا كل من عبد الحليم قنديل ومحمد عمارة وعدد كبير من أصحاب الإسهام في هذا الكتاب ـ هي الوجه الآخر للتوحيد الديني.<br />
<br />
إن هذا الرأي يتفق فيه عدد كبير من المشاركين في هذا الكتاب نذكر منهم عبد الحليم قنديل ومحمد عمارة، كما يمكن أن نضيف إليهم مع تعدد الزوايا أحمد صدقي الدجاني وطارق البشري ومجدي رياض وعلي مبروك وأحمد بن بله وقاسم عبده قاسم .. وغيرهم.<br />
<br />
لقد كانت وثنية الجاهلية تجد رموزها في تعدد آلهة القبائل، وجاء التوحيد الديني ليوحد هوية القبائل والشعوب المستعربة ويدمجها في أمة ودولة، ومن هنا كانت "العروة الوثقى" بين التوحيد الديني والتوحيد القومي، وبلغ من ارتباط التوحيد القومي بالديني حداً اعتبرت معه وحدة الدولة حقاً تقتضيه فريضة الزكاة الدينية، ومن ثم كان قتال خلافة أبي بكر لمن ارتدوا عن وحدة الدولة القومية رغم إيمانهم بأصول الدين.<br />
<br />
فضلاً عن أن للناصرية عدد من الأقلية الإسلامية ـ كما يحددها عابد الجابري ـ هي الله والإنسان والطبيعة ونظرة ونظرة الناصرية إلى الله هي النظرة المستقرة إسلامياً ذات الطابع التوحيدي بلا شبهة، الناصرية تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسالاته، أما الطبيعة فإنها محكومة بسنن تتبدل، والمجتمع بتطور قوانينه وصراعاته "التي لا يمكن إنكارها" وكل شيء يبدأ بالإنسان قائد التطور التاريخي والاجتماعي والعمل الإنساني هو المناخ الوحيد للتقدم، وكل ما يعيق إرادة الإنسان، ويحد من فاعلية دوره، مواقف غير إنسانية وغير أخلاقية وجب على الإنسان التصدي لها كما يقول جمال عبد الناصر.<br />
<br />
وإذا كـان عبد الناصر تنبه كثيراً في كتابه المبكر (فلسفة الثورة) إلى الدائرة العربية، فإنه لم يغفل معها الدائرة الإسلامية، على اعتبار أن الدوائر الثلاثة ـ الثالثة الأفريقية ـ يمكن أن تمثل (بيان) الثورة في سنواتها الأولى.<br />
<br />
ومن هنا، فإن الدائرة الإسلامية كانت تحت لديه مكانة ملحوظة.<br />
<br />
فمن الملفت للنظر أن الحضارة الإسلامية الآن في عصر العولمة أكثر ما تستحوذ على فكر أصحاب العولمة.<br />
<br />
ويلاحظ هنتنجتون ـ منذ البداية ـ أن الصراع القادم بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى (وفي مقدمتها الإسلام) لن يكون أيديولوجياً أو اقتصادياً، بل سيكون ثقافياً، يفصل فكرته أكثر حين يقول أنه بعد الحرب الباردة سوف يتم الصراع بين حضارات تنتمي إلى كيانات ثقافية مختلفة، وسوف يكون هذا الصراع عند خط جديد "هو الآن الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب الإسلامية والأرثوذكسية من ناحية أخرى. العلاقات الاجتماعية والعادات والنظرات الشاملة للحياة تختلف تماماً.. " إلى آخر تأكيده لهذه الخلافات العميقة التي ستكون ـ في المستقبل ـ وها نحن في مستقبل الغرب أو نهاية التاريخ كما يرى ـ في الحد الفاصل بين هذه الحضارة العربية ونظيرتها الإسلامية.<br />
<br />
لا نريد أن نلخص كتاب هنتنجتون عن صراع حضارة الغرب التي هي الآن الحضارة الأمريكية في الشمال و(إعادة صنع النظام العالمي) ــ وهو العنوان الثاني في كتابه، ولكي أصل إلى ما نريده تأكيده هو أن العولمة الآن تفرض رسم خريطةيستخدم فيها كل التاريخ وكل الجغرافيا لانتصار حضارة الغرب على غيرها وذلك في غيبة الدولة الوطنية التي عرفناها مع عبد الناصر والحكومة القوية التي تستطيع مجابهة الشركات متعددة الجنسيات وآليات العولمة..إلخ.<br />
<br />
والعودة إلى الناصرية، سوف تذكرنا باهتمام عبد الناصر الكبير بالعقيدة ـ كأحد وأهم أدوات الصراع ضد الغرب ـ منذ فترة مبكرة، وبهذا، فإن المطلوب هنا لا يكون باختلاق الصراع كما يحاولون هم ذلك، ولكن أن يصل الوعي إلى أقصاه حين ننتبه إلى أن خريطة إدارة الأزمات التي يضعها الغرب إنما يريد خلالها القضاء على حضارتنا باستخدام الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وهو ما نلاحظ التنبه إليه في فلسفة الثورة منذ فترة مبكرة عند عبد الناصر والذي اختزل كل المحاولات ؟؟؟ سواء في دعوة حسن البنا (عصبة إسلامية) أو مالك بن نبي في (الكومنولث الإسلامي) أو ما كان قد دعا إليه عبد الرحمن الكواكبي في بداية القرن.<br />
<br />
وهو ما يعود بنا إلى تفسير عديد من المعارك التي خاضها عبد الناصر مع بعض الحكام الرجعيين سواء من العرب أو الإسلاميين أو هذه العشائر والقبائل التي من الداخل أو القوى الشرسة في الغرب ضد العولمة قبل أن تظهر العولمة.<br />
<br />
وقبل أن نعرف ثرثرة الورق في نهاية القرن.<br />
<br />
====بين الماضي والمضــارع====<br />
<br />
أيضاً كان السيناريو الذي سينتهي إليه ما حدث في اليمن الآن : الوحدة، الانفصال، الاستنزاف (الأرجح هو الأخير) .. فمن المؤكد أنه سيخلف في الوجدان العربي دوياً عميقاً.<br />
<br />
وهي آثار حاول جمال عبد الناصر منذ نيف وثلاثين عاماً أن يتحاشاها حين أعلنت الحركة الانفصالية في سوريا (28 سبتمبر 1961)، ففي هذه التجربة الدامية حاول عبد الناصر أن يخفف من آثار ما حدث بألا يقع في خطأ مثل الذي ارتكبه من دعا إلى الانفصال وحاول تنفيذه بقوة السلاح .<br />
<br />
نفس الحدث أو قريب منه حدث في عالمنا العربي لأكثر من مرة، ومع ذلك، لم نستفد به مرة واحدة، وكان التاريخ حسب المقولة الخاطئة يكرر نفسه، في كل مرة، بنفس الأسباب ونفس النتائج ..إنه الحدث بين الماضي القائم "والمضارع المستمر" ..<br />
<br />
لقد أعلنت الوحدة بين اليمنين ـ الشمالي والجنوبي ـ بنفس الشكل الذي أعلنت فيه الوحدة بين القطرين ـ الشمالي والجنوبي، مصر وسوريا ـ، وفي الحالتين انتهت كما بدأت، غير أن النهاية رسمت في كل تجربة خطأ مغايراً لغيره، من حيث تطور الأحداث وتفاقمها، وبعيداً عن خلفيات الوحدة اليمنية والملابسات التي أجهضتها في النهاية، وكلنا نعرفها الآن، فإن الوحدة المصرية ـ السورية، وطريقة إجهاضها تحتاج أكثر للتذكر، ليتأكد لنا أن الوحدة لا تتم بمعزل من الشعوب ولا تفصم بمعزل عن الشعوب (مـا هو الفارق بين علي صالح، وحيدر الكزيري؟) وإنما لابد وأن تتم بوعي الشعوب الذي لابد وأن يسبقه التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الاقتصادي والثقافي قبل أن تنتهي إلى التطور الدستوري ..<br />
وهذه بدهية تحمل لنا مشهدين اثنين: الأول في وحدة اليوم، والآخر في وحدة الأمس؛ الأول تمثل في رفض أن تكون سوريا الأمس هي (يمن اليوم)، والآخر تمثل في رفض الزعيم العربي اليوم ألا تكون سوريا الأمس هي يمن اليوم، إن اليمن الجنوبي الآن نراها: مستشفيات تكتظ بالجرحى، وتحتاج إلى أطباء، وأدوية، وبيوت تحترق ومدارس ومباني تهدم، ومياه تنقطع، وأوبئة تنتشر، والقصف حتى في المستشفيات والمطارات لا ينقطع، الصواريخ تحط يومياً على أحياء كالمنصورة والقاهرة والشيخ عثمان، ويمتد المشهد ليحمل يومياً الدمار لمحطات توليد الكهرباء وحرائق وانفجارات وقتلى وجرحى ودمــار، ويظهر في الصورة علي صالح ليختفي ويحل محله بسرعة متشددين عسكريين يساندهم تجمع من النواب يرفض وقف إطلاق النار أو وساطة عربية أو غربية، وتستمر المذبحة في عدن وحضرموت والمطار الرئيسي والمكلا..إلخ.<br />
<br />
ونبتعد قليلاً عن المشهد المعاصر، لنعود إلى مشهد الأمس يعلن في سوريا الانفصال، فيغضب عبد الناصر ويرفض ويصيح في إذاعة القاهرة (.. واجب أن نمنع هذه الجريمة)، وعلى الفور تصدر أوامر عبد الناصر لإرسال قوات إلى سوريا للقضاء على الحركة الانفصالية، ولكن يدرك فجأة أن ما يمكن أن يحدث يمكن أن يكون ضد الوحدة نفسها، ولنترك لعبد الناصر يقول في اليوم التالي للانفصال (29 سبتمبر) '''بحكمة وحنكة شديدتين:'''<br />
<br />
(أصدرت الأوامر بنقل لوائين من المظلات إلى اللاذقية .. أُصدرت الأوامر إلى القوات البحرية لتتحرك .. وأصدرت الأوامر بمصادرة كل سفننا واستخدامها في نقل القوات / وكان الموقف يستدعي التفكير .. هل يُسفك دم العربي بالعربي؟ فأصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بأن تعود جميع الطائرات التي كانت متجهة إلى اللاذقية .. أما الآخرين أدّيْنا لهم أمر بالرجوع .. وأصدرت الأوامر للقوات التي نزلت اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة وبأن تقدم نفسها وتسلم نفسها..)<br />
<br />
قال عبد الناصر بعد ذلك بقليل أن الوحدة يجب أن تكون اقتصادية أولاً، وثقافية، أولاً، قبل أن تكون عسكرية أو (دستورية .. وأدرك أن التعامل مع الانفصال بالعنف يمكن أن يكون ضد فكرة القومية العربية في ذاتها.<br />
<br />
ونعود إلى المشهد المعاصر لنكتشف أنه مقطوع الصلة بمشهد الأمس، ونكتشف أن العالم تغير، ولكننا لم نتغير قط، تفكك الاتحاد السوفيتي بفعل الحرص على الوحدة (بالعنف)، وتوحدت القارة الأوروبية بفعل الحرص على الوحدة (بالفكر)، الأو استخدم السلاح والآخر (الاقتصاد)، الأو جنى سوء فهمه للواقع، والآخر سيجني ثمار فطنته في الواقع .<br />
<br />
أعلم أن العالم تغير حولنا، لكن أعلم أيضاً أننا لم نتغير بعد بدليل أننا نعرف، ونعيش، مازلنا في "المضارع المستمر".<br />
<br />
إذا ذهبت لزيارة السد العالي، وتوقفت أمام تمثال ضخم لزهرة اللوتس، ونظرت إلى الجزء الأعلى فيه ستجد شيئاً مروعاً، ثمة حفر أسود لصورة جمال عبد الناصر باللون الأسود وقد أعيد الحفر عليها بلون أسود قان صورة الرئيس السادات تسأل ولا تعرف، وإذا عرفت لا تفهم .. وإذا فهمت فلابد لك من أن تكون قد عدت إلى الشمال قليلاً، لمدينة طيبة (الأقصر) وتتجول بين جدرانها ومعابدها ومقابرها البحرية لابد لك من أن تتوقف عند طريق الكباش بمعبد الكرنك، وتعرف ـ والعهدة على الحفر والخراب ـ أن رمسيس الثاني قد اغتصب الكباش من ملك قبله يرجح أنه حور محب الذي شيد البيلون الثاني الذي ينتهي به طريق الكباش الأصلي.<br />
<br />
فيما بعد، نعرف أيضاً، أن كاهناً جاء جاء ومحـا بدوره ـ طمعاً في السلطة المجد ـ اسم رمسيس الثاني من على الكباش ونقش اسمه بدلاً منه ولا تكون في حاجة شديدة لتدرك أن رؤوس الكباش القائمة أعلى رقبة الحيوان انتزعت من مكانها رأس آخر لملك آخر يحمل سمات أخرى تنتقل في كثير من المعابد أو بين القصور القديمة، لتدرك، أن حتشبسون أممت ما قبلها من الآثار، ومحت الكثير من أسمائها، واستبدلت به اسمها وأمجادها تعود إلى معبد الأقصر، تمر فيه، فتجد على اليمين هيكلاً شيدته حتشبسوت وأمامه صف من الأعمدة الرشيقة من الجرانيت الوردي يمثل كل عمود منها حزمة من سيقان البردي تمضي قليلاً لتكتشف ـ أيضاً ـ أن تحتمس الثالث قد محى اسم حتشبسوت من على الأعمدة وسجل اسمه بدلاً منها تحدق أكثر، فتكتشف أن رمسيس الثاني، نفسه، بقوته وجبروته، لم يتردد في محو اسم حتشبسوت ليضع اسمه هو مكانها فإذا مضيت إلى الجدار الشرقي قليلاً، ستجد خرطوشة منقوشة باسم حور محب الذي اغتصب البهو باسمه، فقد كان نفس البهو هو الذي يقدم فيه الملك رمسيس الثاني البخور والقرابين المقدسة.<br />
<br />
ثم جاء أمنحتب الثالث ليسطو ويدمر ويمحو آثار الجميع.<br />
<br />
هدم هيكل أبيه!!.<br />
<br />
ثم هدم هيكل تحتمس الثاني!!.<br />
<br />
كما هدم معبد حتشبسوت!!.<br />
<br />
واستخدم آثار كل هؤلاء لبناء معابده وقصوره .. إلخ.<br />
<br />
ثم يجيء الابن إخناتون، ليدمر الكثير، ويمحو الكثير، ونستطيع أن نميز ببساطة في معبد الكرنك كيف أحدث إخناتون ـ او رجاله ـ كشطاً لعديد من أسماء آمون من داخل الخراطيش الملكية .. ثم يجيء كهنة آمون ـ فيما بعد ـ ليقوموا تحت إمرة زوج ابنته بمحو الكثير من آثار الشاب الذي يدعو لإله جديد وتقاليد جديدة ..<br />
وتتوالى سور المحو أو الحفر أو التخريب في كل العصور الفرعونية حتى يجيء أبسماتيك الثاني في نهايات العصر الفرعوني ليمحو الكثير من آثار الملوك السابقين، ويسجل اسمه هو، وتتوالى موجات الغزاة والملوك حتى ليعجب المرء أن يجد في معبد واحد (هو معبد الأقصر) آثار تخريب أو استبدال لكثير من الملوك بدءاً من ملوك الأسر الأولى إلى حرائق الفرس، وتماثيل الإسكندر الأكبر المحفورة، وأشكال بطليموس الرابع المفروضة، وتتوالى آثار من كنيسة وجامع و.. إلخ.<br />
<br />
وتعود إلى الرمز الزهري المنصوب أمامك لتجد الحفر على زهرة اللوتس أمامك يتكرر، وكأنه يريد أن يمحو عصر عبد الناصر.<br />
<br />
ونعود غلى سؤال يلح عليك: ماذا تبقى من جمال عبد الناصر ؟<br />
<br />
ليس الشاهد بالقطع؛ وإنما "المشروع" .. المشروع الوطني.<br />
<br />
====حين يتحول المهادن إلى بطل====<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير!! .<br />
<br />
لا يكفي هذا التفسير لموقف فتحي غانم الغاضب من ثورة يوليو حتى نرى في كتابه الذي صدر نقداً موضوعياً لثورة يوليو ولزعيمها الراحل في مثل هذه الأيام من ربع قرن، وإنما هي طبيعة المثقف المصري، الذي يتحول فيه إلى (نمط) معين من أنماط المثقفين، وهو نمط يتغير دوماً ـ لدى الأغلبية ـ من عصر لعصر، وفي كل مرة يحاول المثقف القفز من عقدة الذنب إلى تبريرها، وفي ؟؟ هذا التبرير كثيراً ما يغير الأحداث ويبدل الزوارق، ويتحول المثقف المهادن إلى (بطل) في زمن آخر.<br />
<br />
وليس هذا وقفاً على كاتب كبير مثل فتحي غانم في كتابه (معركة بين الدولة والمثقفين)، وإنما ـ أيضاً ـ على عدد كبير من المثقفين الذين كانوا نجوماً في عصر عبد الناصر، حتى إذا ما انقضت السنوات بعد رحيله، وخفت نجم الزعيم وقوته ودولته حتى عادوا ليملئوا عن بطولاتهم ومصادرهم ومواقفهم الشجاعة.<br />
<br />
إنهم يحاربون طواحين الماضي بسيف "دون كيشوتي"، في غيبة رموز هذا الماضي ومصادر قوته.<br />
<br />
ومما يؤكدعلى هذا في حالتنا أن فتحي غانم هو يحاول إعادة تركيب الأحداث (كما يريد) لا يجد وثائق أو مواقف محددة يستطيع التدليل بها، فيقع في محظور الخلط، وتصبح حالة إنتاج الذاكرة تزييفاً لوقائع في غيبة أصحابها أو شاهدي العيان عليها والأخطر من هذا كله، أنها تكتب لأجيال جديدة لم تعرف هذا العصر، ولم تختبر فيه طبيعة النمط أو ذاك من أنماط مثقفينا التي تغيرت وتبدلت كثيراً.<br />
<br />
إن الكاتب لا يتوقف عن سرد أحداث ـ كأنه عاشها وحده ـ مبرراً كثيراً من المواقف ـ نشرت لأول مرة في جريدة أسبوعية لقارئ محدد ومتعجل ـ، مستغرقاً في الحكي عن حالات التعذيب المريعة، بالتعميم، ودون مسئولية لإحداثها قط، كما يزعم أن له دور بطولي اقتضاه أن يحكي عنه الآن، كذلك يزعم أن الأمن كان أقوى من الثقافة والمثقفين، وهو زعم، لا ننكره ـ ولكنه يجيء هنا في معرض تبرير مواقف المثقفين وحسب.<br />
<br />
وهو بعد ذلك كله، يزعم أنه شهد عدداً من الأحداث كان بريئاً منها، وفي أحسن الحالات لم يأخذ غير دور المتفرج فقط، وعلى سبيل المثال، فإن المثال الأخير يتوقف بنا حينما قرر عبد الناصر تأميم الصحافة أو السيطرة الكاملة على الصحافة).<br />
<br />
ويزعم فتحي غانم هنا أن هذا القرار ـ قرار تأميم وتنظيم الصحافة ـ كان مفاجأة بالنسبة له، متجاهلاً وإنه كان أحد رجالات العصر، عرف كثيراً من الأحداث أو الرارات قبل وقوعها، ببساطة ـ ليقوم بدور الممهد والمبرر لكثير منها، وفي حالة تأميم الصحافة، فقد ذكر أنه عرف موجات التأميم الكبرى من علي صبري، وفي الوقت نفسه يزعم ـ لا نعلم كيف ؟ ـ أنه لم يكن لديه أي تصور لما حدث من تأميم الصحافة في 24 مايو 1960 حين قرر عبد الناصر تأميم الصحافة.<br />
<br />
إن صاحب (الرجل الذي فقد ظله) يرسم لنا صورة كيف استدعاه مساعد سامي شرف صباح هذا الحادث وذلك أثناء تناوله لفطوره (الليدو) بنادي الجزيرة (!!) ويبلغه، بشكل درامي، أراد أن يضيف إليه مشاهد من الإرهاب ـ كيف تقرر حضوره لاجتماع قرره عبد الناصر، مع بقية الصحفيين.<br />
<br />
ويزعم هنا الكاتب الكبير أنه أسرع إلى الاجتماع المفاجئ، وكأنه أراد أن يقول لنا أنه لم يكن ليعلم بالسبب الذي استدعي من اجله، وكأنه أراد أن ينسينا أنه كان أحد الأدوات التي استعان به النظام ممهداً لقرار التأميم.<br />
<br />
والواقع أن فتحي غانم كان قد عرف اتجاه الريح مبكراً من علي صبري ـ أو من غيره ـ. بل كان عليماً بالمقالات التي يكتبها علي صبري في ذلك الوقت بإيحاء من السلطة العليا لتغيير كثير من المواقف والأحداث، ولا نغالي إذا قلنا أن فتحي غانم كان مهيئاً مع غيره من السادة المسئولين الكبار ليلعب دوره المنتظر منه ليمهد لقرار عبد الناصر لتأميم الصحافة.<br />
<br />
ويبدو أن عدداً ليس بالقليل من رؤساء التحرير في ذلك الوقت كانوا قد عقدوا صفقة خفية بينهم وبين النظام خاصة، ليلعبوا دوراً في التمهيد لهذا القرار. بدليل أن رؤساء التحرير بعد تنظيم الصحافة الذي أجري في المرة الأولى أثناء وجود الاتحاد القومي ظلت أسماؤهم في مقدمة الأسماء التي حصلت على أكبر قدر من النفوذ في صحفهم، ولم ينتقص من نفوذها السابق شيئاً، ومن هؤلاء ظل إحسان عبد القدوس في روز اليوسف مضافاً إليه فتحي غانم كما هو.<br />
<br />
ولا يعني هذا أن كل المثقفين شاركوا مبكراً في التمهيد لهذا القرار، وإنما كان السبب لدى البعض ـ كإحسان عبد القدوس ـ ظروف مادية اضطر إليها فطفق يدعو إلى التأميم، لكن ذلك لم يكن بمعزل عن التنبه إلى اتجاه الريح، غير أن هذا التنبه لما تريده السلطة دفع بالبعض أن يدعو إلى تأميم السلطة فيكون ملكياً أكثر من الملكيين، حتى أن عبد الناصر ـ كما أكد لي إحسان عبد القدوس ـ أخذ مقالة لإحسان ووقع عليها أمر بالتأميم بما يدل للعلاقة بين المثقف والسلطة وطبيعتها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ويتسق مع هذا الكثير من مواقف المثقفين الآخرين وفي مقدمتهم فتحي غانم نفسه.<br />
<br />
لا يعني هذا أننا ندافع عن قبضة الأمن في الفترة الناصرية، ولكننا لا ندافع عن تخاذل كثير من المثقفين الذين أصبحوا في موقف المهادنين والمؤيدين بدون تردد، متنقلين بين المكاتب الفاخرة والمناصب العالية، والنوادي التي كانت ماتزال مفتوحة لأولاد الباشوات والطبقة السوبر الجديدة.. إلخ.<br />
<br />
ومن أجل هذا ارتاح عديد من المثقفين إلى توجهات النظام وتأييده بشكل مسرف، تحول إلى شكل آخر ـ في نظام آخر ـ إذ أصبحنا الآن أمام من يزعم أن هناك معركة كانت تدار بين الدولة والمثقفين (لاحظ الإجمال في التحدث عن المثقفين)، وأن هؤلاء المثقفين، خاصة من كان منهم في مناصب رفيعة، واضطروا تحت الضغط الديكتاتوري إلى اتخذ مواقف لم يرضوا عنها في ذلك الوقت.<br />
<br />
ينتهي كتاب فتحي غانم ولا نخلص من سؤال: هل كانت المعركة حقاً بين المثقفين (على إطلاقهم) والدولة؟<br />
أم كانت بين عدد من المثقفين حرصوا على مكاسبهم فهادنوا وعرفوا الصمت الجميل حتى إذا ما جاء زمن آخر نزعوا أقنعة التأييد إلى أقنعة البطولة، ورجعوا إلى حيث يريد المثقف أن يكون دائماً؟ ..<br />
<br />
أسئلة لا تحتاج للإجابة عنها ..كما لا تحتاج إلى الواقع ليتحول هذا المثقف من المهادن؟ بعد الفترة الناصرية إلى أبطال..؟ أليس كذلك؟<br />
<br />
الولاء .. نموذج أخطاء كثيرة نقرأها كل يوم، ونعرفها وهي تمضي فوقنا، كالسحاب، دون أن نأبه غن كان هذا السحاب قد يمطر، أم أنه من قبيل السراب الذي يتشوف إليه الساري في الصحراء.<br />
<br />
من هذه الأخطاء ما زعمه لنا أحد الزملاء (غير المحترمين) في كتاب صدر أخيراً عن دار بالقدس المحتلة، وهاجم فيه أغلب الصحفيين المصريين، ولم ينس، في صحيفة الدفاع عن الحقيقة، أن ينال من صديقه الوحيد الذي دافع عنه أثناء ذهابه إلى القدس في نهاية الستينيات، لقد قال عن أحمد بهاء الدين بالحرف الواحد أنه (هاجم الناصرية لحساب السادات بعد موت عبد الناصر) جاء هذا في معرض نقد كل المثفين المصريين.<br />
<br />
فهل فعل المثقف هذا؟ ، وهل هاجم بهاء الدين عبد الناصر بعد رحيله؟<br />
<br />
وكيلا تكون إجابتنا من قبيل الدفاع وحسب، فإننا نشدد هنا على أمرين اثنين، أحدهما، أن عددا كبيراً من الصحفيين المصريين الذين عاشوا في عهد عبد الانصر و(أكلوا خبزه) ارتدوا بالفعل بعد رحيله منهم توفيق الحكيم ويوسف إدريس وصالح جودت وفكري أباظة وإبراهيم الورداني وممدوح رضا وفتحي غانم .. إلخ غير أن الواقع اختلف بالنسبة إلى أحمد بهاء الدين ـ وهنا يبدأ الأمر الآخر ـ أن بهاء لم يكن هو المثقف الذي يؤيد ثم يرتد، بل نستطيع القول بأن بهاء ظل، وحتى مرضه الأخير ـ شفاه الله ـ يدافع عن عبد الناصر، ولم يعرف عنه هجوماً على الزعيم رغم ما كلفه هذا كثيراً، حين كان الهجوم شجاعة وتصفية حسابات إبان حكم السادات.<br />
<br />
وأقصى ما نستطيع قوله أن بهاء كان مسايراً لنظام عبد الناصر دون خوف وإنما عن اقتناع تام مؤداه أن ثورة الزعيم شهدت ـ منذ سنواتها الأولى ـ إنجازات ثورية (لنذكر: إلغاء الألقاب، التحول إلى الجمهورية، محرابة الفساد والسعي للتطهير، تمليك الفلاحين للأرض باسم الإصلاح الزراعي، مؤتمر باندونج، الموقف الوطني إزاء الغرب، صفقة السلاح، رفع راية الكرامة القومية، صمود 1956، اتحاد مصر وسوريا، ازدهار القومية العربية، تأميم قناة السويس، بدء مشروعات التصنيع..إلخ) والمعروف أن بهاء شارك ـ بالفعل ـ في النظام فسافر في اللجنة المصرية للتضامن الآسيوي – الأفريقي لتساهم مصر في حركة التحرر الوطني في قارتي أفريقيا وآسيا عام 1957 ليمثل مصر في تهنئة نكروما بانتصارات أفريقيا، بل كان من أول الصحفيين الذين سافروا إلى سوريا إبان الوحدة، وأكثرهم نشاطاً مطوفاً في سوريا من حمص إلى حماه إلى حلب إلى جبل العرب (الدروز) إلى الحسكة. إلى غير ذلك من الجهود التي ام بها ـ عن طيب خاطر وناعة ـ وسافر إلى أكرا بعد سنتين، ليمثل النظام. بل كان أكثر الكُتَّاب دفاعاً عن عبد الناصر بعد هزيمة 1967 وتأكيداً للمعركة إبان مظاهرات الطلبة واستنكار الأحكام الهزيلة على المسئولين وغياب الديموقراطية .. نستطيع أن نقول أن ذلك كان من قبيل الدفاع عن عبد الانصر، رغم أن هذا البيان في هذا الوقت أغضب عبد الناصر نفسه، فقد كان الزعيم يتخوف من أي مظاهرات أو لجاجات؟؟ نقابية في وقت كان يتأهب فيه لإعادة النظام لمواجهة إسرائيل من جديد.<br />
<br />
والواقع أن ذلك كله لا يكفي للدفاع عن بهاء (يهمنا الدفاع عن الحقيقة أولاً) وربما كان مسئولاً عنه لدى البعض أن بهاء ذهب في تأييد النظام إلى درجة أنه رأى النظام لم يقبض على صاحب رأي، وأن من قبض عليهم كانوا (كوادر) تنظيمية أو حزبية.<br />
<br />
كان بهاء الدين يرى أن الذين يقبض عليهم في عصر عبد الناصر كانوا من ذوي الانتماء التنظيمي وكان الانتماء الصحفي غير الانتماء التنظيمي.<br />
<br />
بيد أن هذا القول مردود عليه أن النظام في أكثر من مرة دفع ببعض أصحاب الرأي في السجون دون أن يكونوا من ذوي الانتماء السياسي، إذ كان (الولاء) أكثرما يحرص عليه من أصحاب الثقة، وهي أخطاء يمكن أن تذوب في إنجازات الثورة الوطنية التي ارتكبت من الأخطاء في مرحلة (التجربة) مما لا يمكن أن يحول كل إنجازاتها إلى سلبيات.<br />
<br />
كان بهاء مسايراً للنظام، نعم، ولكن ليس عن مهادنة، وإنما عن اقتناع ولم يكن من أصحاب (مسك العصا من النص) قط، ففي معرض التفسير النفسي لبهاء يمكن القول أنه كان ذا طبيعة هادئة تقترب من الانطواء، وتقتنع بما تراه صواباً، وهو ما حدث من تأييده للثورة في سنوات الانتصارات، أما حين أصبحت الهزيمة واقعاً عقب هزيمة 1967، فإن الطبيعة الهادئة يمكن أن تتحول إلى تمرد، قام به بهاء الدين من داخل (نقابة الصحفيين) وكان مستعداً لتقبل نتائجه كاملاً.<br />
<br />
إذن، فإن بهاء الدين حين أيد عبد الناصر عام 1967 كان صادقاً مع نفسه، وحين هاجمه عام 1968 كان صادقاً مع نفسه أيضاً، فتكوين بهاء هو المسئول عن المواقف التي اتخذها، مما ينفي عنه تهمة الهجوم على عبد الناصر بعد رحيله كما يزعم أحد الزملاء المحترمين.<br />
<br />
==القسم الثاني: وثائق==<br />
<br />
===قاعة اجتماعات===<br />
<br />
مسرح في القاهرة<br />
<br />
'''دور سينما في القاهرة:'''<br />
<br />
- استديو مصر يبني دار سينما في القاهرة ـ أو أكثر.<br />
<br />
- استديو مصر يقوم بالإنتاج والتوزيع في مصر وجميع أنحاء العالم.<br />
<br />
- بحث حالة استوديو مصر كلها ـ خطة استوديو مصر لخمس نوات.<br />
<br />
'''- خطة لكل شركة في المؤسسة الاقتصادية:'''<br />
<br />
بنك مصر.<br />
<br />
الخمس سنوات.<br />
<br />
المصناع الحربية.<br />
<br />
بالإضافة إلى خطة لكل منها: للمؤسة ـ لبنك مصر ـ للخمس سنوات ـ للمصانع الحربية بالنسبة للمشروعات الجديدة.<br />
<br />
'''مشروع الخمس سنوات :'''<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الصناعي.<br />
<br />
- الزيادة في الإنتاج الزراعي.<br />
<br />
- الزيادة في الرقعة الزراعية.<br />
<br />
- الزيادة في الدخل القومي.<br />
<br />
- الزيادة في السكان.<br />
<br />
- الزيادة في التصدير.<br />
<br />
وزارة الشئون البلدية والقروية :<br />
<br />
1- الإسكان وبرامجه – في المدن.<br />
<br />
2- الإسكان وبرامجه – في الريف.<br />
<br />
3- الاهتمام بالقاهرة حتى القناطر الخيرية، وحتى حلوان من ناحية نظافة الأحياء الفقيرة.<br />
<br />
ولو دعي الأمر إلى زيادة عمال النظافة وتقسيمها إلى أقسام أو مناطق ومتابعة المسئوليات.<br />
<br />
- الاهتمام بحلوان وإنعاس حقيقة الحياة فيها ـ إنعاش الجزء القريب من النيل <br />
<br />
ـ عمل كورنيش ومساكن – المياه المعدنية استخدامها على طريقة سوتش في روسيا <br />
<br />
– بحث حالة المنطقة من القاهرة إلى حلوان ـ المعصرة ـ طرة .. إلخ ـ نقل السجن والاستفادة من المنطقة بحي المعادي أو عمل مؤسسة جديدة لمنطقة ـ طره ـ لتخطيطها ... إلخ. ومن المنطقة من طره إلى حلوان .. من النيل إلى الجبل.<br />
<br />
- بحث حالة المنطقة من شبرا إلى القناطر على النيل ـ كوبري شبرا، سوق القناطر سينقل ويصلح الطريق إلى القناطر.<br />
<br />
- حالة العزب من القبة إلى كوبري شبرا:<br />
<br />
نادي – استاد رياضي.<br />
<br />
مبنى الاتحاد القومي ـ الاهتمام بنظافة عواصم المراكز ـ لا مانع من زيادة عمال النظافة ـ هذا يزيد عدد العمال ـ أدكو مثلا في منتهى القذارة – رشيد – أبو قير – قليوب ... إلخ.<br />
<br />
- دراسة مشروع Community Center بالهند.<br />
<br />
بحث فكرة فصل الشئون البلدية عن الشئون القروية.<br />
<br />
الشئون البلدية للمدن فقط.<br />
<br />
الشئون القروية تشمل كل ما يتعلق بالقروية.<br />
<br />
- Community Center.<br />
<br />
- الوحدات المجمعة.<br />
<br />
- كل ما يختص بالقرية في وزارة الشئون الاجتماعية والشئون القروية.<br />
<br />
دار للسينما لتكون مسرح.<br />
<br />
===القرى ===<br />
<br />
- مشروع لإعادة بناء القرى في عشرين عاماً.<br />
<br />
- البدء بالقرى المحيطة بالقاهرة ـ والمحيطة بالإسكندرية ـ وأسوان ـ الأقصر. يمكن إعطاء القرى إعانة لذلك من الحكومة.<br />
<br />
- مسكن القرية ـ كيف يتكون على أن يكون أرخص ما يمكن.<br />
<br />
- مشروع لتوصيل الكهرباء إلى القرى كل قرية قريبة من مصدر كهرباء تصلها الكهرباء.<br />
<br />
- نظافة القرية.<br />
<br />
- ساحة شعبية بالقرية.<br />
<br />
- مبنى للاتحاد القومي.<br />
<br />
- ناد للقرية.<br />
<br />
- سينما للقرية في القرى الكبيرة.<br />
<br />
- الاعتماد على المدارس في القرية لتكون نواة للنشاط الثقافي ودار للكتب وجامعة شعبية ومتحف.<br />
وكذلك الاعتماد على الوحدات المجمعة.<br />
<br />
===التأمين الصحي وبحثه ودراسته ===<br />
<br />
عام: بحث علاقة وزارة الشئون البلدية أو المجال البلدية بالمستشفيات العامة.<br />
<br />
===آسيا وأفريقيا ===<br />
<br />
- يجب الاهتمام بآسيا وأفريقيا من ناحيتين:<br />
<br />
أ- التضامن الآسيوي الأفريقي.<br />
<br />
ب- الاستفادة من العناصر الإسلامية في بلاد آسيا وأفريقيا بطريقة غير مثيرة للأديان الأخرى.<br />
<br />
- مكتب لآسيا وأفريقيا في رئاسة الجمهورية يبحث كيفية توثيق العلاقات مع الحكومات والشعوب ـ القوة العفوية؛ أي التأييد الشعبي لنا، ويبحث التبادل التجاري والثقافي مع دول آيا وأفريقيا - ويفتح سياستنا بالنسبة للإذاعة ويتصل اتصالات شخصية.<br />
<br />
===أما الناحية الإسلامية===<br />
<br />
- الاتصال بجمعية العلماء بالهند.<br />
<br />
- الاتصال بالجمعيات الإسلامية الأخرى، والشخصيات الإسلامية ودعوتها لزيارة الجمهورية العربية.<br />
<br />
- واستمرار إرسال مناوبين من طرفنا لزيارة هذه البلاد من الفكر الإسلامي أو الأزهر أو الشبان المسلمين.<br />
<br />
===الأزهــــــر ===<br />
<br />
- يجب إعادة النظر في برامج الأزهر بسرعة. وقد لمست في جامعة .... كيف تحولت إلى جامعة بها كليات مختلفة لدراسة الهندسة وعلم النفس، ويمكن أن تنشأ في الأزهر كليات جديدة للهندسة والعلوم والتجارة والحقوق ـ يقتضي الدخول فيها على من درس في الأزهر ـ والمسلمين من جميع أنحاء العالم على أن يكون بها أيضاً كليات للشريعة الإسلامية والفقه واللغة العربية واللغات الشرقية.<br />
<br />
حيث أن الأزهر فقد قيمته كلية في العالم إذ أن أي شخص سيتعلم في الأزهر لا يعمل إلا مقرئاً ولا يجد أي عمل آخر.<br />
<br />
- يمكن أن تشمل الدراسة في الهندسة الديانة الإسلامية بجانب الهندسة.<br />
<br />
والديانة الإسلامية بجانب العلوم ـ وهذا يستدعي أن تتشعب البرامج في الدراسة الابتدائية والثانوية بالأزهر لتكون مشابهة للدراسة في المدراس الابتدائية والثانوية العادية مع دراسة الدين الإسلامي بالتفصيل واعتباره علماً أساسياً.<br />
<br />
- كذلك بالنبة للملابس ـ هناك نقطة هامة وهي أن لبس المشايخ يدعو في آسيا للخرية وقال سفيرنا في إندونيسيا أن هذا اللبس يدعو غلى شل كل فكره؛ لأن الأطفال يسيرون خلف الشيخ على أنه مخة ـ فيجب بحث فكرة لبس جديد. بدله وعليها تكون مثلا ..........<br />
<br />
'''- ويجب أن يتم علاج الأزهر في أسرع وقت:'''<br />
<br />
شيخ الجامع الأزهر.<br />
<br />
مدير الجامعة الأزهرية.<br />
<br />
على أن يبدأ تطبيق البرامج الجديدة من أول العام القادم.<br />
<br />
ويجب أن نلاحظ أن مدرسة البابا لا تقتصر على تدريس الدين فقط، بل تحاول بكل وسيلة جذب الناس.<br />
<br />
- زراعة أكبر مساحة من الحدائق والأشجار.<br />
<br />
- زراعة منطقة الدراسة وجبل المقطم وباب الوزير.<br />
<br />
===الإسكندرية===<br />
<br />
الأحياء الشعبية – الأنفوشي – رأس التين – غيط العنب – كرموز - ... إلخ – الإسكان ـ متحف فرعوني كبير للتحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المديريات ===<br />
<br />
- الاهتمام بتجميلها ـ حدائق ـ كورنيش النيل ـ إسكان ـ حديقة الحيوانات تبدأ في حديقة كبيرة.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
- سينما درجة أولى تصلح مسرح.<br />
<br />
- الاهتمام بتخطيط المدينة.<br />
<br />
- متحف توضع فيه التحف الكبيرة.<br />
<br />
===عواصم المراكز ===<br />
<br />
- يجب أن تدخلها الكهرباء جمعاً، يجب أن تخطط المدينة.<br />
<br />
- الاهتمام بالحدائق – كورنيش إذا كانت على النيل.<br />
<br />
- الإسكان.<br />
<br />
- دار للكتب.<br />
<br />
===جمعيات الصداقة===<br />
<br />
لاحظت في الهند أثر جمعيات الصداقة في توثيق العلاقات، وفي نفس الوقت في التنظيم الداخلي إذ أن هذه الجمعيات سواء كانت للصداقة أو لأغرض أخرى فإنها تخدم السياسة الخارجية للهند:<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الهندية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الهندية الإفريقية.<br />
<br />
- جمعية التضامن الأسيوية الأفريقية ... إلخ.<br />
<br />
ويجب أن نعتمد على الكتب من اتصالاتنا على جمعيات الصداقة سواء في بلدنا أو في البلاد الأخرى ـ حيث أن حرية العمل تكون مفتوحة أمامها ـ على أن تكون لهذه الجمعيات شخصية ـ وتضم عدداً من الأعضاء ـ على أن يكون للرئيس شخصية تمكنه من العمل. أما الوزراء فليس عندهم الوقت الكافي لذلك.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الهندية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الباكتسانية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الإندونيسية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية يلان.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الملايو.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الصين.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية بورما.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية كمبوديا.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية اليابانية.<br />
<br />
- جمعية الصداقة العربية الفلبين.<br />
<br />
وتقوم جمعيات الصداقة بالعمل بالاتفاق مع سفراؤنا في هذه البلاد على تكوين جمعيات صداقات عربية فيها، ولا مانع من أن تكون الجمعية العربية تجمع كل البلاد العربية.<br />
<br />
وتقوم أيضاً بدعوة الشخصيات المختلفة والصحفيين من هذه البلاد. واستضافتها ثم تقوم بتبادل الزيارات مع جمعيات الصداقة الأخرى.<br />
<br />
وتقوم عن طريق اتصالاتها بتعريف البلد بسياستنا ونشاطنا والعمل على تطوير بلدنا.<br />
<br />
ويمكن لكل هذ الجمعيات أن تنسق العمل بينها .<br />
<br />
وكذلك بالنسبة لإفريقيا .. جمعية الصداقة العربية غانا، غينيا، ليبيريا، الحبشة، الصومال، الكاميرون.<br />
ولا مانع من جمعيات مع الدول الأخرى التي تكافح في سبيل استقلالها.<br />
<br />
كذلك يبحث إنشاء جمعيات صداقة مع بعض الدول الأوروبية على أن تنشأ جمعيات صداقة في البلاد الأوروبية:<br />
<br />
جمعية ألمانية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية صداقة عربية في بون مثلا.<br />
<br />
جمعية عربية يونانية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية يونانية عربية في أثينا.<br />
<br />
جمعية عربية إيطالية في القاهرة.<br />
<br />
جمعية إيطالية عربية في روما.<br />
<br />
كذلك بالنسبة لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.<br />
<br />
===الصناعة===<br />
<br />
كان أهم شيء لمسته أثناء زيارتي للهند هذا العام هو الاهتمام بالصناعات الصغيرة وتشجيعها، ولو كانت ذات رأس مال خاص، وذلك بتكوين مراكز صناعيةINDUSTRY ESTATE على أن تساعد الدولة أصحاب الصناعات الصغيرة إلى أبعد مدى ـ بناء العنابر اللازمة لكل صناعة بطريقة تجمع الصناعات الصغيرة ـ وإعطاء الأرض والبناء بتسهيلات ثم توفير الكهرباء والنقل والخدمات وفي المركز القري من دلهي وجدت صناعة الراديو في عنبر صغير، وكذلك صناعة التروس، والغسالات، والعجلات (البسكليت). وصناعات أخرى كثيرة ـ لعب الأطفال. <br />
<br />
كل صناعة في عنبر صغير – صناعة الموتورات – صناعة المحولات العوازل ... إلخ.<br />
<br />
وقد رأيت في أحد المراكز – في دلهي – أكثر من عشرين صناعة في هذا المركز، كل صناعة تعتمد على مبنى صغير.<br />
<br />
والشيء الآخر الذي لمسته هو الصناعات الريفية ـ والصناعات اليدوية، والاهتمام بها، ففي زيارتي لإحدى القرى لمست تنظيم الصناعات الريفية النسيج اليدوي - الحصر الناعمة – تفصيل الملابس ... إلخ.<br />
<br />
وفي زيارة للمدن فقد لمست أن في كل مدينة محل كبير في أهم مكان بها لبيع الصناعات اليدوية – شغل الفضة – شغل النحاس – شغل الخشب – شغل الإبرة – الملاب والمفارش – شغل الزجاج – لعب الأطفال ... إلخ.<br />
<br />
أما الناحية الأخرى فتمشل الصناعات المتوسطة والصناعات الثقيلة.<br />
<br />
وعند استعراض الصناعة في مصر وسوريا أجد أن الوضع مشوش. فنظراً للمبالغة في الدعاية والإعلان فإن أي مشروع يعتبر مشروعاً كبيراً، ومن الضرورى أن نقسم صناعاتنا إلى:<br />
<br />
صناعة ريفية، صناعة يدوية، صناعة صغيرة، صناعة متوسطة، صناعة ثقيلة كما أن تطبيق طريقة INDUSTRY ESTATE لها فائدة كبرى – إذ أن جمع الصناعات الصغيرة في مراكز مع إعطائها التسهيلات سيفيد الصناعة إذ أن الصناعة الصغيرة تحتاج إلى رأس مال صغير ويمكن لإنتاجها أن يكفي الاستهلاك المحلي والتصدير، وقد رأيت في مصنع البسكليت الصغير كيف أنهم يصدرون لمصر ـ كما رأيت مصنع لآلات الورش صغير ولكن إنتاجه جيد، ونحن نتكلم عن مصنع البسكليت منذ خمس سنوات بدون نتيجة.<br />
<br />
ما هي الصناعات الصغيرة اللازمة.<br />
<br />
يجب عمل خطة لإنشائها.<br />
<br />
يجب عمل عدة مراكز للصناعة الصغيرة، واحد في الاهرة، واحد في الإسماعيلية، وأي مكان مناسب آخر.<br />
<br />
لقد رأيت صناعة المسامير في غزنه صغيرة ـ وهذا مشروع سنتكلم عنه على إثر صناعة جديدة، وكذلك أدوات المائدة.... إلخ.<br />
<br />
وقد تكلمنا كثيراً بطريقة يضخم المشروع ـ رأيت أيضاً صناعة عربات السكة الحديد البضاعة والركوب.<br />
<br />
في الهند والباكستان ـ في الباكستان المصنع تابع للسكة الحديد.<br />
<br />
رأيت في الباكستان كيف أن مصنع عربات السكة الحديد يشمل أفران لصهر الحديد الخردة واستخدامه، والحديد الزهر.<br />
<br />
رأيت في الباكستان الترسانة، وكيف أنها تنتج بجانب السفن بوابات القناطر وبعض قطع الكراكات، ويمكن لترانة بورسعيد أن تنتج بوابات القناطر... إلخ.<br />
<br />
رأيت في الباكستان مصنع في لاهور ينتج آلات الورش ـ وماكينات الديزل للري والكهرباء ـ والخزن الحديدية – وماكينات الخياطة – ويصدر إلى الخارج بما في ذلك سوريا، وبحيث أن هذا المصنع به أيضاً أفران لصهر الحديد والخردة ومسابك.... إلخ.<br />
<br />
بالنسبة لصناعتنا يجب ألا نكون لأنفسنا صورة واحدة عن ما حققناه بدون مبالغة ثم نقرر بعد ذلك ما يمكن عمله.<br />
<br />
وأرى أن تقتصر وزارة الصناعة على التخطيط ومتابعة التنفيذ ولا تندمج في العمليات التنفيذية فهذا ما يدعو الآن إلى أن تكون الصورة مشوشة حيث أن وزارة الصناعة أصبحت طرفاً في منازعات ـ وواجب وزارة الصناعة أن تكون لها الولاية على الخاص والعام ـ ويجب أن تتساوى المؤسسات جميعاً أمام وزارة الصناعة، بمعنى أن مؤسسة بنك مصر تتساوى مع المؤسسة الاقتصادة ومع مؤسسات عبود ومؤسسة الخمس سنوات والمصانع الحربية.<br />
<br />
أما عن وجود وزارة الصناعة في تنفيذ مشروع الخمس سنوات فإن أثره واضح في المنازعات والمزايدات.<br />
<br />
'''المطلوب :'''<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي نفذت؟<br />
<br />
- ما هي الصناعات التي أعلن عنها ولم تنفذ ـ بورسعيد.<br />
<br />
- الإقلال من التهويل والدعاية.<br />
<br />
- تقسيم الصناعات إلى ثقيلة ومتوسطة وصغيرة ـ وتجميع الصغيرة في INDUSTRY ESTATE. سواء تابعة للمؤسسة أو لبنك مصر، وذلك لإنتاج أكبر عدد من المنتجات برؤوس أموال صغيرة ـ ثم توزيع الصناعات المتوسطة والثقيلة على المؤسسات الحكومية أو الخاصة ـ على أن يكون لكل مؤسسة حكومية أو خاصة برنامج لخمس سنوات.<br />
<br />
أولاً: برنامج ينبى على أساسه مشروع الخمس سنوات، ثم برنامج نهائي لتنفيذ مشروع السنوات الخمس بعد إقراره ـ ويجب أن يشمل ذلك التجارة أو توزيع المنتجات وفتح أسواق جديدة ـ ويجب أن تصدر كل صناعة 10% من إنتاجها ولو دعي الأمر إلى إعطاء إعانة لها – فمثلا في الباكستان يستوردون كل عام حوالي 400 ألف طن PIC IRON ويمكن أن نفتح سوق هناك.<br />
<br />
كما يجب حصر الصناعات في بلدنا حصراً حقيقياً – على أساس الصناعة وعلى المحافظة – ويجب إعطاء أولوية لعمليات التوسع في الصناعات القائمة بدلا من تكوين شركات جديدة ذات رأس مال جديد.<br />
<br />
===مذكرة: " نظام الوصاية "===<br />
<br />
'''مجلس الدولة '''<br />
<br />
'''قسم الرأي مجتمعاً'''<br />
<br />
'''حضرة وكيل مجلس الدولة لقسمي الرأي والتشريع ومستشار الرأي لرياسة مجلس الوزراء وديواني المحاسبة والموظفين'''<br />
<br />
إيماءً إلى الكتاب الوارد إليكم من حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 30 من يوليو سنة 1952 يبلغكم أنه على أثر نزول الملك السابق عن العرش وتركه مظروفاً مختوماً بأسماء الأوصياء أصبح من المتعين حتى يباشر هؤلاء الأوصياء سلطتهم الدستورية أن يوافق البرلمان على تعيينهم وأن يؤدوا اليمين أمامـه في حين أن مجلس النواب منحل ويطلب منكم الرأي فيما إذا كان الدستور قد واجه هذه الحالة مثلما واجه حالة وفاة الملك في المادة 52 وإن كان لم يواجهها بحيث يتعين إجراء انتخابات جديدة لمجلس النواب فهل يمكن ـ تفسيراً للمادة التي يمارس فيها مجلس الوزراء سلطات الملك ـ التفكير في نظام لوصاية وقتية على العرش تنتقل إليها هذه السلطات.<br />
<br />
ولما رأيتم من عرض الأمر على قسم الرأي مجتمعاً ودعوتي لحضور اجتماعه بالنظر إلى أهمية المسائل المطلوب الرأي فيها قد عرضت طلب الرأي الوارد إليكم على القسم لنظره في جلسة خاصة مستعجلة عقدت يوم 31 من يوليو سنة 1952 وفيها انتهى القسم بإجماع تسعة أصوات ضد صوت واحد إلى ما يأتي:'''<br />
<br />
إذا تقصينا الأسباب التي تزول بها ولاية الملك، '''وجدناها تنحصر في أسباب ثلاثة:'''<br />
<br />
وفاة الملك، وإصابته بمرض عقلي، ونزوله على العرش أو تنحيته عنه.<br />
<br />
وقد عرض الدستور للسبب الأول، وهو وفاة الملك، في نص المادة 52 أنه "إثر وفاة الملك يجتمع المجلسان بحكم القانون في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفـاة. فإذا كان مجلس النواب منحلاً وكان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر، فإن المجلس القديم يعود للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه". <br />
<br />
وعرض الأمر الملكي لصادر في 13 من إبريل سنة 1922 للسبب الثاني، وهو إصابة الملك بمرض عقلي. فتنص المادة 12 على أنه إذا تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي، فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك أن يدعو البرلمان في الحال إلى الاجتماع. فإذا ثبت قيام ذلك المرض بطريقة قاطعة. قرر البرلمان انتهاء ولاية ملكه فتنتقل إلى صاحب الحق فيها من بعد بحسب أحكام أمرنا هذا. ولم يرد أي نص لا في الدستور ولا في الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 عن السبب الثالث وهو نزول الملك عن العرش.<br />
<br />
ولا يمكن القول بأن السكوت عن هذا السبب الأخير إنما هو سكوت من النادر اكتفاء بذكر الغالب فإن الدستور لم يسكن عن حالة خلو العرش بل نص عليها في المادتين 53 و 54 وفي حالة أكثر ندرة من حالة النزول عن العرش. ولا يمكن القول كذلك بأن هذا السكوت كان عن كياسة ولباقة. فالسكوت عن حالة النزول عن العرش لم يكن إذن مراعاة لأحد الاعتبارين السالفي الذكر. بل يرجع السكوت فيما يظهر إلى أن الدستور لم ير أن يعرض لنزول الملك عن العرش لأن هذا النزول يقع عادة أثر ثورة او انقلاب وليس من الحكمة تنظيم الثورة أو الانقلاب فلكل منهما ملابسات خاصة هي التي تسيطر عليه وتنظمه.<br />
<br />
فإذا ما تقرر أن حالة النزول عن العرش مسكوت عنها ولم يواجهها الدستور كما واجه حالة الوفاة. بقي البحث عنها ولم يواجهها الدستور كما واجه حالة الوفاة. بالرغم من أن لكل حالة من هاتين الحالتين ملابساتها ــ إذ النزول عن العرش أمر استثنائي يخرج عن الأوضاع المألوفة أما وفاة الملك فأمر طبيعي مألوف.<br />
<br />
إن الأحكام التي أوردها الدستور في حالة وفاة الملك فيما يتعلق بانعقاد البرلمان قسمان قسم يتفق مع أصول الدستور وقسم يعتبر استثناء من هذه الأصول.<br />
<br />
فقد أوجبت المادة 52 من الدستور أن يجتمع المجلسان بحكم القانون على أثر وفاة الملك في مدى عشرة أيام من تاريخ إعلان الوفاة. وهذا الحكم يتفق مع أصل من أصول الدستور هو وجوب اجتماع البرلمان متى كان موجوداً عند وقوع حدث خطير. ومن ثم فلا مانع من قياس حالة النزول عن العرش على حالة الوفاة فيما هو أصل من أصول الدستور والقول بأن البرلمان متى كان موجوداُ بمجلسيه جب أن يجتمع في مدة عشرة أيام من تاريخ إعلان النزول عن العرش.<br />
<br />
ولكن المادة 52 لم تقتصر على هذا الحكم بل تضمنت حكماً آخر لا شك في أنه حكم استثنائي محض إذ أوجبت اجتماع البرلمان في نفس الميعاد لو كان مجلس النواب منحلاً متى كان الميعاد المعين في أمر الحل للاجتماع يتجاوز اليوم العاشر. فيعود المجلس المنحل للعمل حتى يجتمع المجلس الذي يخلفه. وعودة مجلس منحل إلى الوجود بتعارض مع طبائع الأشياء. ويخل بقاعدة عامة معروفة هي القاعدة التي تقضي بأن الساقط لا يعود. هذا إلى أن أصول الدستور المصري صريحة أن مجلس النواب لا يعود إلى العمل إذا انحل وإذا عاد فإن عودته إنما تكون في حالات استثنائية محضة ويكفي للتثبت من ذلك مقارنة المادة 114 من الدستور بالمادة 89. إذ تنص المادة 114 على أن "تجرى الانتخابات العامة لتجديد مجلس النواب في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة نيابته وفي حالة عدم إمكان إجراء الانتخابات في الميعاد المذكور فإن مدة نيابة المجلس القديم تمتد إلى حين الانتخابات المذكرة". وتنص المادة 89 على أن "الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين وعلى تحديد ميعاد لاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب". <br />
<br />
ويتضح من المقارنة بين هذين النصين أن حالة تجديد مجلس النواب تختلف عن حالة حله فيما إذا لم يمكن إجراء الانتخابات الجديدة في الميعاد الذي نص عليه الدستور. ففي حالة التجديد تمتد نيابة المجلس القدي إلى حين الميعاد الذي نص عليه الدستور الجديد. أما في حالة الحل فلم ينص الدستور على أن المجلس المنحل يعود إلى العمل. ومن ثم وجب القول بأن الأصل في الدستور المصري أن مجلس النواب إذا انحل فلا يجوز ان يبعث من جديد.<br />
<br />
ما لم يوجد نص خاص يقضي بعودته إلى العمل في حالة بذاتها فعند ذلك يعود المجلس المنحل في هذه الحالة المنصوص عليها بالذات دون غيرها من الحالات. وقد نص الدستور فعلا في حالتين اثنتين على أن مجلس النواب المنحل يعود إلى العمل هما حالة وفاة الملك في المادة 52 وحالة خلو العرش في المادة 54. فيجب قصر هذا الحكم الاستثنائي المحض على هاتين الحالتين. ولا يجوز إذن في حالة تعذر الحكم على من له ولاية الملك بسبب مرض عقلي أن يدعي مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع لأن المادة 12 من الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 لم تورد نصاً يقضي بعودة المجلس المنحل إلى العمل. ويترتب على ذلك أيضاً في حالة نزول الملك عن العرش أنه ما دام الدستور لم ينص على عودة المجلس المنحل إلى العمل بل ما دام لم يتعرض لهذه الحالة أصلا فلا يجوز أن يعود مجلس النواب إذا كان منحلاً إلى العمل، والقول بغير ذلك وبجواز عودة المجلس المنحل إلى العمل في حالة النزول عن العرش قياساً على حالتي الوفاة وخلو العرش قول غير جائز إذ القياس لا يكون على حكم استثنائي محض كما تقدم القول فالاستثناء لا يقاس عليه. بل أن القياس على الاستثناء هنا إنما هو إضافة لاستثناء آخر والإضافة على الدستور تنقيح فيه ولا يجوز تنقيح الدستور إلا بالطريق الذي نص عليه الدستور.<br />
<br />
أما تعيين الهيئة التي تمارس سلطات الملك الدستورية عقب نزول الملك عن العرش فلم يرد فيه نص دستوري إذ أن المادة 55 من الدستور التي تولى مجلس الوزراء هذه السلطات إلى أن يتولاها الخلف أو أوصياء العرش مقصورة على حالة الوفاة. ولكن هذا النص ليس إلا تطبيقاً لنظرية الضرورة. فالضرورة تحتم عقب وفاة الملك أن توجد هيئة تمارس سلطات الملك الدستورية إلى أن يتمكن من انتقلت إليه ولاية الملك أو أوصياؤه إذا كان قاصراً من استيفاء الشروط الدستورية الواجبة لممارسة هذه السلطات. وليس يوجد أصلح من مجلس الوزراء، الذي يتولى الملك سلطته. بواسطته كما تقضي المادة 48 من الدستور، تعيين هيئة تمارس هذه السلطات، ومن ثم نصت المادة 55 من الدستور على هذا الحكم كتطبيق لنظرية الضرورة كما تقدم القول. <br />
<br />
فإذا عرضت صورة أخرى من صور الضرورة، هي صورة نزول الملك عن العرش، أمكن تطبيق النظرية على النحو الذي طبقت به في الصورة الأولى. ومن ثم تكون ممارسة مجلس الوزراء لسلطات الملك الدستورية عقب نزول الملك عن العرش إنما هو تطبيق مباشر لنظرية الضرورة على النحو الذي طبقت به في المادة 55 من الدستور.<br />
<br />
لم يبق إذن ـ بعد أن تبين أنه لا تجوز دعوة مجلس النواب المنحل إلى الاجتماع في حالة النزول عن العرش ـ إلا المبادرة إلى إجراء الانتخابات العامة بمجرد التمكن من إجراء هذه الانتخابات وأرادت أن تتخفف من السلطات الاستثنائية التي تمارسها في الوقت الحاضر فلا يبقى مجلس الوزراء يمارس سلطات الملك الدتورية إلا أقصر وقت ممكن، حصراً للضرورة في أضيق حدودها. فإنه لا يوجد مانع قانوني من إيجاد نظام لوصاية مؤقتة تنتقل إليها من مجلس الوزراء ممارسة سلطات الملك الدستورية إلى أن تتولى هيئة الوصاية الدائمة هذه السلطات.<br />
<br />
والسبيل إلى ذلك هو سن هذا النظام المؤقت عن طريق التشريع بمقتضى المادة 41 من الستور وإلحاق هذا النظام بنظام الوصاية الدائمة الوارد في الأمر الملكي الصادر في 13 منإبريل سنة 1922. ولا يعتبر هذ التشريع تعديلاً في الدتور لأنه غنما يستكمل أحكام الوصاية الدائمة. والدستور بمقتضى المادة 32 لم يلحق بنصوصه من أحكام الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل نة 1922 إلا الأحكام الخاصة بوراثة العرش أي انتقال ولاية الملك من سلف إلى خلف ولا يمكن اعتبار أحكام الوصاية الدائمة ولا أحكام الوصايا المؤقتة داخلة في هذا النطاق. فهي إذن أحكام قابلة للاستكمال والإضافة عن طريق التشريع العادي.<br />
<br />
ويمكن أن يتقرر نظام الوصاية المؤتة باستصدار تشريع يضيف إلى نصوص الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 نصاً جديداً يكون هو المادة 11 مكرراً '''ويجري على الوجه الآتي:'''<br />
<br />
"في حالة نزول الملك عن العرش وانتقال ولاية الملك إلى خلف قاصر، يجوز لمجلس الوزراء، إذا كان مجلس النواب منحلاً، أن يؤلف هيئة وصاية مؤقتة للعرش من ثلاثة يختارهم من بين الطبقات المنصوص عليها في المادة 10 تتوافر فيهم الشروط المبينة فيها".<br />
<br />
"وتتولى هيئة الوصاية المؤقتة، بعد أن حلف اليمين أمام مجلس الوزراء، سلطة الملك إلى أن تتولاها هيئة الوصاية الدائمة وفقاً لأحكام المواد الثلاث السابقة ولأحكام المادة 51 من الدستور".<br />
<br />
'''وتفضلوا بقبول وافر التحية'''<br />
<br />
'''أول أغسطس سنة 1952'''<br />
<br />
'''رئيس مجلس الدولة'''<br />
<br />
'''(عبد الرازق أحمد السنهوري)'''<br />
<br />
<br />
===خطاب وقرار التأميم===<br />
<br />
'''أممنا قناة السويس من أجل كرامتنا'''<br />
<br />
'''ألقي بالإسكندرية في 26 يوليو سنة 1956'''<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونقاتل للتخلص من آثار الماضي البغيض وآثار الاستعمار الذي استبد بنا قروناً طويلة .. وآثار الاستغلال الأجنبي والداخلي. ونحن نستقبل العيد الخامس أمضى قوة وأشد إيماناً، لقد اتحدنا وسرنا وكافحنا وقاتلنا وانتصرنا واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل. اليوم أيها المواطنون بعد سنوات أربع من الثورة نعتمد على الله وعلى عزيمتنا وعلى قوتنا من أجل تحديد الأهداف التي جاهد من أجلها الآباء. نتجه إلى المستقبل ونحن نشعر أننا سننتصر بعون انتصارات متتابعة، انتصارات متوالية، من أجل تثبيت العزة، ومن أجل إقامة دولة مستقلة استقلالاً حقيقياً لا استقلالاً زائفاً. استقلالاً سياسياً واستقلالاً اقتصادياً.<br />
<br />
حين نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته فليس من السهل أبداً أن نبني أنفسنا في وسط الأطماع الدولية والاستغلال الدولي والمؤامرات الدولية.<br />
<br />
أمامنا معارك طويلة لنعيش أحراراً كرماء أعزاء. واليوم وجدنا الفرصة ووضعنا أساس العزة والحرية والكرامة. من أجل حرية الإنسان ومن أجل رفاهية الإنسان ولابد أن نجد الفرصة لنشر هذه المبادئ. نقاوم الاستعمار، وأعوان الاستعمار أمامنا أيام طويلة مستمر من أجل كرامة هذا الوطن هذه المعارك لم تنته ولن تنتهي. ويجب أن نكون على حذر وحيطة من ألاعيب المستعمرين وأعوان المستعمرين.<br />
<br />
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا وأن يضعف عروبتنا وأن يفرق بيننا فخلق صنيعة الاستعمار. ففي اليومين الماضيين استشهد اثنان من أحلص أبناء مصر انكرا ذاتيهما وكانا يكافحان في سبيل تحقيق غرض كبير.<br />
<br />
في سبيل تحقيق المبادئ والمثل العليا من أجلكم ومن أجل العربي. كان كل واحد منها يؤمن بمصريته وعروبته فكان يقدم روحه فداء لهذه المبادئ.<br />
<br />
استشهد اثنان من أعز أبناء الوطن استشهد مصطفى حافظ الذي آل على نفسه إنشاء جيش فلسطين فهل تاه عنه الاستعمار وهل سكتت عنه إسرائيل لقد اغتيل مصطفى بأخس أنواع الغدر والخداع.<br />
<br />
إن جميع المصريين كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ أمام صلاح مصطفى أخوكم .. أخي الذي قام معي في 23 يوليو قام يجاهد من أجل مصر ووهب روحه ودمه في سبيل مصر وفي سبيل مبادئكم ومثلكم كان يؤمن أنه وهب روحه ونفسه ودمه في سبيل الوطن العربي فإن كانوا اغتالوا صلاح مصطفى وقتلوا صلاح مصطفى بأبشع أساليب الغدر والخيانة التي كانوا يتبعونها قبل سنة 1948 فإن العصابات التي تحولت إلى دولة تتحول اليوم ثانية إلى عصابات وهذا يبشر بالخير إذ عادت إلى ما قبل 48. إن يوم النصر لقريب وإذا كانوا يعتقدون أنهم لن يجدوا في مصر أمثال هذا الفرد فهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبثوا الرعب في نفوس الأمة العربية فإنهم واهمون فكلنا نعمل من أجل المبادئ العليا كلنا نعمل من أجل قوميتنا كلنا نعمل من أجل عروبتنا كلنا سنجاهد كلنا سنكافح.<br />
<br />
هذه أيها المواطنون هي المعركة التي نخوضها الآن معركة ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وأساليب الاستعمار ضد إسرائيبل صنيعة الاستعمار ليقضي على قوميتنا كما قضى على فلسطين. كلنا سندافع عن حريتنا وعروبتنا حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
إن القومية العربية تتقدم، ستنتصر، إنها تسير إلى الأمام وهي تعرف طريقها وتعرف سبيلها. إنها تعرف من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها وأن قوتها في قوميتها وأنا اليوم اتجه إلى إخوان لنا. في سوريا .. سوريا العزيزة .. سوريا الشقيقة .. لقد قرروا أن يتحدوا معكم اتحاداً سليماً عزيزاً كريماً لندعم سوياً مبادئ الكرامة ولنرسي سوياً القومية العربية والوحدة العربية. نرحب بكم أيها الأخوة متحدين بلداً واحداً، وقلباً واحداً، ورجلاً واحداً، لنرسي مبادئ الكرامة الحقيقية استقلالاً سياسياً حقيقياً. واستقلالا اقتصادياً حقيقياً.<br />
<br />
'''أيها المواطنون :'''<br />
<br />
منذ أعلنت مصر سياستها الحرة المستقلة وبدأ العالم ينظر إلى مصر ويعمل لها حساباً، فإن الذين كانوا لا يعتدون بنا في الماضي أصبحوا اليوم يعملون لنا حساباً بدأوا يعملون لنا للعرب والقومية ألف حساب .. كنا في الماضي نتطلع على مكاتبهم، مكاتب المندوب السامي .. وبعد إعلان مبادئنا وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية، متحدة من أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار والطغيان والتحكم والسيطرة والاستغلال أصبحوا يعملون لنا حساباً ويعرفون أننا دولة لها قيمتها.<br />
<br />
ونمت مصر في المجال الدولي، وكبرت قيمة الأمة العربية في المجال الدولي، وعظمت. وعلى هذا الأساس كان مؤتمر بريوني وسافرت لأجتمع بالرئيس تيتو رئيس جمهورية يوغسلافياوالرئيس نهرو رئيس وزراء الهند. الاثنين اللذين أعلنا سياسة عدم الانحياز السياسة الحرة المستقلة. وأنا ذاهب إلى بريوني بيوغوسلافيا لمست صداقة الشعب اليوغسلافي للشعب المصري، وسافرت إلى بريوني وبدأنا نبحث ونتبادل الرأي في المشاكل العالمية وانتهى المؤتمر، انتصار كبير للسياسة التي تتبعها مصر وهي سياسة عدم الانحياز.<br />
<br />
وأعلنت في المجالات الدولية أن مؤتمر بريوني قرر أن يتبع مبادئ باندونج العشرة وقال في القرار الذي صدر أن رؤساء الحكومات الثلاثة ـ يوغوسلافيا والهند ومصر ـ استعرضوا التطورات الدولية ولاحظوا باغتباط أن سياسة بلادهم قد ساهمت في تخفيف حدة التوتر الدولي.<br />
<br />
وناقش المؤتمر وسائل إنماء العلاقات بين الأمم على أسس المساواة، كما جاء في قرارات باندونج الذي عقد في العام الماضي فقد أصدر قرارات واتخذ مبادئ: المساواة، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، واحترام سيادة الأمم، وسلامة أراضيها، والاعتراف بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، كبيرها وصغيرها، والامتناع عن أي تدخل في الشئون الداخلية لأية دولة، والامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى بحجة الدفاع لكي تخدم مصالحها.<br />
<br />
هذه هي المبادئ التي أقرها مؤتمر باندونج والتي أعلن مؤتمر بريوني تمسكه بها وأعلن أن هذه المبادئ يجب أن تكون أساس العلاقة بين الدول.<br />
<br />
ثم تكلم مؤتمر بريوني عن الشرق الأوسط ووافق على وجهة النظر العربية زعيماً الهند ويوغسلافيا وقررا أنه يجب البحث في المشاكل العربية على أساس حرية الشعوب التي يعنيها الأمر.<br />
<br />
وأعلن مؤتمر بريوني أن الموقف في فلسطين على وجه الخصوص يعد خطراً على السلام، ويؤيد أعضاء المؤتمر قرار مؤتمر باندونج الخاص بتأييد حقوق الشعب العربي في فلسطين وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.<br />
وتكلم مؤتمر بريوني عن مشكلة الجزائر التي تعد مشكلة عربية والتي تتطلب اهتماماً عاجلاً بمطالب الجزائر لدعم السلام في الهذه المنطقة من العالم.<br />
<br />
ونظراً لإيمان الرؤساء الثلاثة بأن السيطرة والاستعمار يتسببان في الإضرار بالحاكمين معاً، فإنهم يعبرون عن إيمانهم برغبة الشعب الجزائري في نيل استقلاله. وأيد المؤتمر المفاوضات التي تهدف إلى حل سلمي لمشكلة الجزائر على أنه يجب ألا يقف هذا في طريق الاعتراف بتحقيق حرية الجزائر وإيجاد حل عادل وسلمي وبخاصة وقف أعمال العنف. وبهذا خرجنا من المؤتمر بتأييد لوجهة النظر العربية وتكلم المؤتمر في مشكلة ألمانيا في أوروبا ومشكلة الصين في آسيا ومشكلة فلسطين والجزائر وهي التي تهمنا كأمة عربية.<br />
<br />
وكانت وجهة نظر الرئيسين تيتو ونهرو تتمشى مع وجهة النظر العربية التي استطاعت أن تأخذ لها حصناً آخر وتفاوض وجودها.<br />
<br />
هذا ما حدث في مؤتمر بريوني.<br />
<br />
ومصر منذ قامت الثورة كانت تجاهد لنقل قضاياها وقضايا العروبة إلى طريق غير طريق الاستجداء غير طريق الاستعمار لقد كنا ندرك منذ عام 1952 وقبلها أن الاستقلال الاقتصادي السليم يقف ضد مؤامرات المستعمرين والمستغلين الطامعين، كنا نعمل من أجل إجلاء الإنجليز المحتلين بوسائل مختلفة. بالقوة واللين والعنف والمفاوضات. وكان عزمنا على أن نحقق لمصر الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي. وألا يرفرف على أرض مصر إلا علم مصر، كنا نسعى إلى ذلك منذ اليوم الأول الذي قامت فيه الثورة. وانتهى الاستعمار ولم يستطع الاحتلال أن يبقى في مصر بين المواطنين فلم يجد من يتعاون معه أو يسنده.<br />
<br />
فسلم الاستعمار وجلت عن مصر آخر قوة من قوات الاحتلال التي دخلت بلادنا عام 1882 وكانوا قبل ذلك قد انهزموا وضربوا في كفر الدوار، ولم يستطيعوا إكمال غزوهم وحملاتهم، عندما خرج لهم أحمد عرابي، فانسحبوا والتجئوا إلى الخيانة، واستطاعوا الدخول، بواسطة أعوانهم، عن طريق قتال السويس بواسطة الخونة، هزمناهم عـام 1882 وفي 1807 عند حملة فريزر، هزمها أهل رشيد المدنيون .. هزمنا بريطانيا مرتين. ولكن الإنجليز اتبعوا معنا أساليب الغدر والخديعة واستطاعوا احتلالنا بذلك، ووقفت الثورة إلى أن ترفع في سماء مصر علم مصر وحدها، وأن يبقى بين ربوع قيادة مصرية واحدة، وتحقق هدفاً كبيراً من أهداف مصر، ولكننا لم نهمل أبداً العمل من أجل الاستقلال الاقتصادي، لأننا نؤمن أن الاستقلال اقتصادي مكمل للاستقلال السياسي، وإن التحكم الاقتصادي يستخدم في الضغط والتوجيه، وعملنا على زيادة الإنتاج ونجحنا في هذا الاتجاه، لأننا نعتمد على أنفسنا وعزمنا وقوتنا. استطعنا زيادة الدخل القومي من سنة 52 غلى 54 إلى ما يقرب من 16 % ومن 1954 حتى 1956 زاد زيادة أخرى. لأننا كنا نعمل في نفس الوقت من أجل الاستقلال الاقتصادي.<br />
<br />
وفي أيام الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسي، اتجهنا إلى العالم وقلنا إن مصر ستسالم من يسالمها وتمد يدها للجميع، أن سياسة مصر تنبع من مصر، لا من لندن ولا من واشنطن ولا من موسكو، وقلنا أننا مستعدون للتعاون مع الجميع ولكن ليس على حساب كرامتنا أو استقلالنا.<br />
<br />
هذا الذي قلته يوم 29 يونيه الماضي وقلته منذ قامت الثورة وسأقول لكم كل شيء لتكونوا على بينة.<br />
منذ قيام الثورة بدأت بريطانيا وأمريكا تتصلان بنا، من أجل محالفات واتفاقات ولكننا قلنا إننا لا نستطيع التحايف، إلا في حلف واحد، وهو حلف الدول العربية وقلت لهم كل هذا، هل سيكون لمصر رأي على بريطانيا؟ .. هل يحقق التحالف بين دولة كبيرة وأخرى صغيرة إلا التبعية .. لا نقبل أبداً أن نكون أذيالاً، أو تابعين .. كان جنرال روبرتسون موجوداً وطلب منا عقد محالفة مدتها خمس وعشرون سنة، ولكننا رفضنا؛ وما قلناه سنة 52 في جميع محاضر المحادثات هو ما نقوله اليوم.<br />
<br />
بدأنا نتكلم عن تمويل الجيش المصري بالسلاح، مع استعدادنا لدفع ثمن السلاح فرفضوا إلا إذا وقعنا ميثاق الأمن المتبادل ومعناه أن تأتي أمريكية لا يكون لعبد الحكيم عامر فيها رأي. قلنا إن لنا تجارب كبيرة بهذا الخصوص، وكان للبعثة العسكرية البريطانية هدم معنويات الجيش المصري، لذلك كان لدينا مركب نقص من ناحية البعثات العسكرية، كان غرضنا أن يكون للجيش المصري شخصيته المستقلة ولذلك قالوا لي في سنة 1952 أنهم مستعدون لتزويدنا بالسلاح، ولكن عادت بعثتنا خالية الوفاض.<br />
<br />
أن ما نقوله اليوم ليس بجديد، قلناه في أول يوم من أيام الثورة وبدأ بعدهذا كفاحنا في القتال كفاح وهب فيه الفدائيون أرواحهم وقاتلوا وكافحوا واستطاعوا أن يجعلوا القوة البريطانية غير قادرة على الدفاع عن نفسها وعن القنال، إن الجنود المجهولين الذين خرجوا من بينكم وبذلوا أرواحهم أعجزوا الثمانين ألف بريطاني عن الدفاع عن أنفسهم، وهذا هو السبب الحقيقي في جلائهم، خرجت بريطانيا من مصر لأنها أدركت أن شعب مصر أبى أن تكون لغيره قيادة في مصر، هذا هو السبب الحقيقي وليست المفاوضات أو المحادثات.<br />
<br />
كانت معركة مريرة طويلة ولكنها لم تنته فالاستعمار له أشكال مختلفة والاستعمار اليوم يتمثل في أعوان الاستعمار الخونة، الاستعمار يتلوَّن، وعلينا مقاومته بجميع أنواعه المقنعة تحت تكتل الأعوان والتحالفات والاتفاقات.<br />
<br />
وبدأ الاستعمار يعمل ليضع يده على الدول العربية دولة دولة فقاومنا، وكان الوعي العربي والقومية العربية قد اشتعلت وتيقظت فلم يستطع الاستعمار تحقيق أغراضه فانتصرت القومية العربية وهزم الاستعمار شر هزيمة ـ هزم في الأدن حينما أراد تمبلر أن يجبر الأردن المكون من مليون ونصف على الخضوع ولكن الجنرال تمبلر هرب من الأردن . فقد آمنت القومية العربية بحقها في الحياة فانتصرت ولم يستطع الاستعمار تحقيق أي غرض من أغراضه ولم يستطع حلف بغداد أن يصنع شيئاً بل وقف وتجمد بفضل الرأي العام العربي والقومية العربية.<br />
<br />
دخلنا في معارك في الداخل والخارج عاون الاستعمار فرنسا في تونس ومراكش والجزائر وانتقلت قوات حلف الأطلنطي لتقاتل في الجزائر .. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد كذلك الدول التي عملت ميثاق الأمم المتحدة وتقرير المصير كل هذا نسوه أو تناسوه وبدأوا يقاومون القومية العربية في الجزائر، كل هذه القوى تقاتل عشرة ملايين جزائري ولكن القومية العربية في الجزائر بأسلحتهم البسيطة المحدودة مقاومة القوات المدججة بالدبابات وكافة الأسلحة. الأسلحة المعدة لروسيا لم تستطع الوقوف في وجه الجزائر.<br />
<br />
وهذ معناه اشتعال القومية العربية وشعورها بكيانها وحقها في الحياة، هذه المعارك التي نخوضها ـ معركة الأردن والجزائر ومقاومة الأحلاف كلها ـ معاركنا! بمصائرنا جميعاً مرتبطة في الأردن والسودان، مصير كل واحد .. مصر الجميع .. يريد الاستعمار أن نكون تابعين وحين يأمر نلبي الأمر. <br />
<br />
هناك دول كثيرة لا داعي لذكرها حتى لا نعمل أزمات دبلوماسية. الدول التي تتلقى الأوامر وتنفذ الأوامر لا تؤمن بوطنها وإنما بالسفراء والمندوبين الساميين. يريدوننا أن نكون مثلهم ولكن هذا لن يكون، فلم تقم الثورة وثورة سنة 1919 وما بعدها لكي نتلقى أوامر الاستعمار. يريدوننا أن نسمع أوامرهم بخصوص إسرائيل التي يقولون إنها موجودة بحكم الواقع .. ويقولون إن عرب فلسطين ندفع لهم شيئاً من المال ولكننا نعتز بعروبتنا وأرضنا. وهي لا تقدر بمال. يريدوننا أن نسلم لإسرائيل بكل شيء ونهمل فلسطين وننكر لها ولأخواتنا في شمال أفريقيا، وأن نوافق كما وافق مجلس الأمن على المذابح؛ يريدون منا أن ننفذ السياسة التي تملى.<br />
<br />
ولكن مصر أبت وأرادت إلا أن تكون لها شخصيتها المستقلة فمنع عنا السلاح وسلحت إسرائيل وأصبحت خطراً يهدد .. وقالت بريطانيا نحن مستعدون لتسليحكم ولكن على شرط أن يسكت عبد الناصر في باندونج. ودعونا ننفذ خطتنا في الأحلاف. أصبح التسليح إذن أداة لتقييدنا وتقييد حريتنا. ولكننا لسنا على استعداد لدفع الثمن، شخصيتنا ومبادئنا. وبهذا لم نستطع الحصول على أي شيء من السلاح. لا بالثمن ولا بالمجان.<br />
<br />
استطعنا بعد ذلك أن نحصل على السلاح من روسيا لا من تشيكوسلوفاكيا. ووافقت روسيا على إمدادنا بالأسلحة. وتمت صفقة الأسلحة فحصلت ضجة، وقالوا إنه سلاح شيوعي ولكنني أعرف أن السلاح هنا سلاح مصر وبدأت صحافتهم تقيم ضجة .. ما سببها؟ "قالوا إن لديهم خطة. وهي حفظ التوازن بين الدول العربية وإسرائيل". طيارة للدول العربية كلها وأخرى لإسرائيل لحفظ التوازن! من ذا الذي أقامكم أوصياء علينا لحفظ التوازن؟ نحن لا نقبل وصاية أحد. ولكنه الاحتكار للسلاح الذي كانوا يتحكمون به فينا.<br />
<br />
فلما استطعنا تحطيم هذا الاحتكار انهارت كل خططهم، لم يستطع الاستعمار التحكم عن طريق منع الأسلحة، من ذا الذي أوجد إسرائيل في هذه المنطقة؟ من كان مسئولاً عن الانتداب على فلسطين؟ بريطانيا!<br />
<br />
وعد بلفور ... بريطانيا مسئولة عنه ... كانت بريطانيا تعلم أن داخل فلسطين جيش مسلح يستعد للاستيلاء على فلسطين .. ومع ذلك وهي تعلم هذا تركت فلسطين .. ماذا كانت تهدف إليه بريطانيا وأمريكا؟ كانتا تهدفان إلى شيء واحد، وهو القضاء على قوميتنا.<br />
<br />
إنهم يعرفون أنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي .. هذه القوة يجب أن يعمل لها حساب لأول مرة في التاريخ. إذن يقضون على فلسطين قضاء كاملاً.<br />
<br />
ويحل اليهود محل أهلها. إبادة قومية للجنس. عملية إبادة كان الغرض منها إبادة القومية العربية كلها! وكان الصهيونيون يعلنون أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات! يقولون في برلمانهم عن حرب مقدسة فالعملية إبادة العرب وقضاء على الجنس.<br />
<br />
وكان لابد من السلاح للدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون لاجئين، فحصلنا على السلاح وتعاقدنا عليه. وأحب أن أقول إن الحصول عليه كان دون أي قيد ولا شرط، مجرد دفع الثمن وأصبحت الأسلحة ملكاً لنا.<br />
<br />
وأرسلت أمريكا مستر آلان مندوباً لها يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية. وكان المفروض أن يقابلني، وقالت الأنباء إنه يحمل تهديداً لمصر!<br />
<br />
واتصل بي أحد الرسميين الأمريكيين لمقابلتي وقال إنه متأسف للحالة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين. ونصحني بأن أقبل الرسالة بأعصاب هادئة. فقلت كيف أقبلها وفيها جرح للعزة المصرية؟ فقال لن يترتب عليها أي أثر عملي فهي مجرد رسالة.<br />
<br />
فقلت إني لست رئيس وزارة محترف ولكني رئيس وزارة عن طريق ثورة ولن أتردد إذا حضر مندوبكم وتكلم كلمة .. سأطرده! هذا كلام رسمي وسأعلن للشعب أنكم أردتم إهانة عزته وكرامته .. وسنقاتل جميعاً لآخر قطرة من دمي. فهددوا بقطع المعونة. فقلت سأعلن قطعها. ونحن لم نتلق دروساً في السياسة.<br />
<br />
فقد قمنا بثورة وسنحافظ عليها. كان ذك في أكتوبر ثم عاد وقابلني وقال إنه أبلغ مستر آلان هذا الكلام .. وهو في حيرة لأنه لو حضر سيطرد وإذا أبلغ ذلك لدالاس؟ فسوف يطرده. فما هو الموقف، فقلت له إني لا أعرف إلا أنه إذا حضرإلي فسأطرده. جاء لنا مستر آلان ولم يفتح فمه بكلمة .. واستمع إلى وجهة النظر المصرية وأسرد لكم وجهة نظر أمريكا بإيجاز. إنهم يعتقدون أننا سياسيون محترفون ولكن مصر استطاعت أن تحافظ على كرامتها وعزتها.<br />
<br />
قامت الضجة في كل مكان بشأن الأسلحة فكنت أرى العجب والشتائم في الجرائد الإنجليزية والأمريكية .. كانوا يشتموننا لأننا تخلصنا من السلاسل واستطعنا أن نحرر بلدنا وندعم قوتنا ونقرر سياسة مستقلة.<br />
<br />
هذه هي ضجة الأسلحة وصفقة الأسلحة.<br />
<br />
كنت أتكلم وأنا مطمئن أشعر بالقوة .. لماذا؟ لأني أشعر أنني الشعب جميعه 23 مليوناً كلهم سيكافحون في سبيل الاستقلال لآخر قطرة من دمائهم، لم أكن أتكلم بقوة جمال عبد الناصر ولكن كنت متأكداً أن كل أبناء مصر سيكافحون لآخر قطرة من دمائهم .. لا حزبية ولا خلافات .. إننا نحن جميعاً كتلة وطنية وراء أهداف الثورة.<br />
<br />
كنت أتكلم بشجاعة وكنت أشعر أن الشعب كافح وناضل على مر الأيام ومستعد لأن يكافح. شعب متحد وشعب قوي.<br />
<br />
شعب رأى لأول مرة علم بلده يرتفع وهو مستعد لأن يضحي كما ضحى صلاح مصطفى ومصطفى حافظ.<br />
<br />
كنت آخر كلمة قالها صلاح مصطفى (الحمد لله بلغوهم في مصر يخلو بالهم) لقد أشعر أن 22 مليون صلاح مصطفي يقفون ورائي. هذا الدفع الذي كان يعطيني القوة وهذا هو ما جعلني أقول لمندوب أمريكا أنني سأطرده لأن الشعيد يريد ذبك. وهو مستعد أن يكافح لآخر قطرة من دمه في سبيل حريته. انتهت قصة المفاوضات والأحلاف.<br />
<br />
ثم انتهت قصة السلاح وبدأت قصة السد العالي.<br />
<br />
في سنة 53 قمنا بعمل خطة للتنمية الإنتاجية لزيادة الدخل القومي بسرعة مضاعفة لأننا نزيد كل عام نصف مليون ومستوى المعيشة عندنا يعتبر متوسطاً وأمامنا عمليتان: أن نرفع مستوى المعيشة. وأن نحافظ على الدخل.<br />
<br />
فزيادة مستوى المعيشة يحتاج إلى زيادة الدخل لذلك اتجهنا إلى مياه النيل لنستفيد منها.<br />
<br />
وكان قد قدم لنا مشروع السد العالي في 1952. وكان قد قدم لنا منذ عام 1942 ووضعناه موضع الدراسة وقابلتنا عقبة التمويل. وتبين أن المشروع صالح وينتهي بعد 10 سنوات. وبدأنا نقابل عقبة التمويل فليس لدينا المال الكافي لدفع نفقات المشروع التي تبلغ من 800 إلى ألف مليون دولاء تدفع على عشر سنوات، في سنة 1953 اتصلنا بالبنك الدولي وطلبنا منه ونحن من المشتركين فيها المساهمة في التمويل.<br />
<br />
وقال إن فيه عقبات فهناك الإنجليز وإسرائيل فعندما تنهون خلافكم معهما نستطيع تمويل المشروع، وليش عندم نظام برلماني فنطلب منكم عمل استفتاء على هذا المشروع.<br />
<br />
وفهمنا من هذا الكلام أننا لن ننال مساعدة البنك فقررنا الاعتماد على أنفسنا وعلى شركات الصناعة.<br />
واتصلنا بالشركات الألمانية فقالوا أنهم على استعداد لإعطائنا 5 ملايين جنيه. ثم اتفقت مع الشركات الألمانية والفرنسية والإنجليزية فقالوا إن كل شركة مستعدة لإعطائنا 5 ملايين جنيه على أساس قرض متوسط الأجل.<br />
<br />
وسافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير مالية إنجلترا.<br />
<br />
وقالوا له إنهم مستعدون ـ أي الشركات الثلاثة ـ لرفع القرض إلى 45 مليون جنيه ونكمله نحن من العملة المصرية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس فقال الأمريكيون إنهم قرروا لمصر 40 مليون دولار معونة .. وكان كلاماً على ورق.<br />
<br />
وقالوا نستطيع تمويل هذه المعونة إلى السد العالي، ورجع الإنجليز في كلامهم وقالوا خذوا القرض من البنك الدولي ونحن نعطيكم مليون جنيه والأمريكان يعطون حوالي 20 مليون جنيه. والبنك الدولي قال إنه مستعد أن يعطينا 200 مليون دولار بعد 5 سنوات ونحن نصرف خلالها 300 مليون دولار.<br />
<br />
وبدأوا على هذا الأساس يشترطون الشروط فقامت المحادثات في سبتمبر على مليون دولار بعد خمس سنوات على أقساط ثم وضع في خطابه شروطاً يجب أن تتبعها مصر لكي تنال هذا القرض وشروط القرض نتفاوض عليها من وقت لآخر .. '''ثم قال البنك إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية:'''<br />
<br />
1- يطمئن البنك إلى أن العملات الأجنبية المطلوبة التي سننالها من المنح الإنجليزية والأمريكية لا تنقطع.<br />
<br />
2- يجب أن يتفاهم البنك مع الحكومة المصرية ويتفق معها من وقت لآخر حول برنامج الاستثمار أي وصاية من البنك الدولي على الحكومة المصرية.<br />
<br />
3- حول الحاجة إلى ضبط المصروفات العامة للدولة.<br />
<br />
وبعد ذلك لا تتحمل الحكومة المصرية أي دين خارجي وكذا لا نوقع اتفاقات دفع كإنفاق الأسلحة مع روسيا وتتفاهم مصر مع البنك أولاً قبل الاتفاق على أي مشروع.<br />
<br />
ثم طلب البنك أن إدارة المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك.<br />
<br />
وقال البنك إن اتفاقات البنك خاضعة لإعادة النظر فيها إذا حدث ما يستدعي ذلك وأرسلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية مذكرتين والبنك أرسل الخطاب لكل واحد فيها يحمل معنى المذكرة الأخرى، وأصبحت العملية مفهومة وظهر أن هناك فخاً منصوباً للسيطرة على استقلالنا الاقتصادي.<br />
<br />
هذا الكلام رفض رفضاً باتاً، وقلت أننا لا يمكن أن نبيع أنفسنا بـ 70 مليون دولار معونة، وتكلمنا مع الأمريكان وسألناهم هل مثل هذه الشروط تعمل مع الإعانات التي تعطى لإسرائيل؟<br />
<br />
وقلنا إن هذا الكلام يتنافى مع استقلالنا. وقارنّا بين موقف العرب وموقف إسرائيل والمساعدات التي تمنحها أمريكا للطرفين فالهبة السنوية التي تعطيها أمريكا لإسرائيل من 30 إلى 50 مليون دولاء، والمساعدة الفنية تبلغ سنوياً من 6 إلى 14 مليون دولاء. وفائض المواد الغذائية التي تهديها أمريكا لإسرائيل قيمتها 7 ملاييت دولار، ورؤوس الأموال الأمريكية التي تعمل في إسرائيل 214 مليون دولار.<br />
<br />
في 12 – 7 – 55 أعطى بنك أمريكا قرضاً لإسرائيل قدره 30 مليون دولار، كما جمع اليهود في أمريكا 3 آلاف مليون دولار، وتبرعات 164 مليون دولاء ومجموع التعويضات الألمانية 3500 مليون دولار، تدفع كل سنة منها جزءاً بضائع وسفناً ومصانع.<br />
<br />
تبرعات يهود أمريكا لإسرائيل خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام 65 مليون دور ونحن نعرف أن إسرائيل ربيبة أمريكا ولا تستطيع أن تعيش من غير المعونة.<br />
<br />
وتكلمنا مع ممثلي أمريكا، وقلنا لهم إنه في فترة خمس سنوات سيصرف على السد العالي 370 مليون دولار تدفع مصر 300 مليون وتدفع أمريكا 70، والمشروع الذي سيتكلف بلون دولاء سندفع منه 730 مليون أولاً. وكيف يمكن لي أن أنفذ الشروط التي أملاها على البنك الدولي؟ وقلنا لهم إن لنا تجربة في ذلك، وسبق أن وقعنا في هذا الاستغلال، وحضر "كرومر" وبقى في مصر.<br />
<br />
وفي هذه الأيام حضر السفير الروسي، وقال إن روسيا مستعدة للاشتراك في تمويل السد العالي. وكان ذلك بعد شهر ديسمبر، فقلت له إننا نتكلم مع البنك الدولي، وتأجل الكلام في التفاصيل.<br />
<br />
وعرف الأمريكان أن هناك عرضاً روسياً، فوصل إلى مصر في فبراير الماضي، مدير البنك الدولي، وأرسل خطاباً يطلب فيه دعوته إلى الحضور إلى مصر.<br />
<br />
وبدأت المفاوضات معه في شهر فبراير وحينما قابلته، قلت له بصراحة، إن عندنا عقدة من ناحية القروض والفوائد، ولا يمكن فصلها عن السياسة، لأننا رحنا شحصية الاحتلال بسبب القروض. فلن نقبل أي مال يمس سيادتنا، وقلت له إن إشرافكم على ميزانيتنا لن يصلحها، وأمامنا دولة في شمالنا أقوى مل، فأنتم تشرفون على اقتصادياتها ومع ذلك فاقتصادها منهار. وتقرير البنك يسلم بسلامة الاقتصاد المصري. وكان مفروضاً أن نبدأ في يونيو الماضي المشروع، وعلى ذلك أبلغت مدير البنك أننا لن نبدأ في المشروع إنه يجب علينا أن نحل مشكلة الماء بين مصر والسوادن، ثم يوقع البنك معنا الاتفاق، ولكنه لم يضمن أن تدفع أمريكا وإنجلترا لنا أكثر من مبلغ الـ 70 مليون دولار التي وعدنا بها.<br />
<br />
وظهر الفخ .. أي نأخذ السبعين مليون دولار، ونبدأ في المشروع، ونصرف المال ثم نعود فنطلب من البنك مبلغ الـ 200 مليون دولار، فيعرض البنك شروطاً، ويبقى علينا أن نقبل شروط البنك، أو يتوقف المشروع ونكون أضعنا 300 مليون دولار هباء!<br />
<br />
ومعنى ذلك أن يرسل لنا البنك من يجلس مكان وزير المالية .. وآخر يجلس مكان وزير التجارة .. وآخر يجلس مكاني أنا.<br />
<br />
هذا هو الفخ الذي ظهر. فقررنا ألا نبدأ في السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان الشقيق، ورفض قبول شروط البنك الدولي، وأصدرنا الأمر بإيقاف العمل، حتى لا ندخل في مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويسيطر علينا اقتصادياً، بعد فشله سياسياً وأبلغنا ذلك لمدير البنك الدولي، فقال إنه مستعد لتعديل الشروط فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائي مماثلاً للكتاب الذي يبعثه إلينا، فرفض توقيع الاتفاق.<br />
<br />
كانت هناك خدعة لنقع في براثنهم .. يتحكمون فينا عندما تستنزف أموالنا، دون أن نأخذ أي نتيجة، فقررن ألا نبدأ في السد إلا بعد أن نعلم كيف يمول السد ونعرف كيف ينتهي ولذلك أوقفنا كل العمل في فبراير، وأرسل إلينا مدير البنك خطاباً لا قيمة له، قال إنه يدفع 200 مليون دولار بعد حل مشكلة الماء.<br />
<br />
ولم يكن في الخطاب ما يمس سيادتنا فقبلناه، ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة الأمريكية والبريطانية. وفيها ما يمس سيادتنا. ففي فبراير أبلغ السفيران الأمريكي والبريطاني عدم موافقتنا على هذه المذكرات وراحت المذكرتان للحكومتين الأمريكية والبريطانية، وطبعاً لم يجيء أي رد. في 29 فبراير كان الكلام أن بريطانيا تريد التوسط بيننا وبين السودان. فجاء سلوين لويد وقابلني في منزلي. وعرض معاونته لحل مشاكل المياه بيننا وبين السودان، فقلت له أن تصرفاتكم تدل على أنكم تعقدون المسائل بجرائدكم وإذاعتكم تثير السودان ضد السد العالي فمحطة الإذاعة البريطانية ومحطة الشرق الأدني والصحف تذيع تعليقات للوقيعة بيننا وبين السودان وسفارتكم في الخرطوم تجمع كل ذلك وتطبعه في كتاب وتوزعه على السودانيين. <br />
<br />
ومعنى هذا خلق عداء بين مصر والسودان، فكيف يستقيم هذا مع عرضك لأن تكون وسيطاً بين مصر والسودان؟<br />
<br />
كان الواضح أن الإنجليز يحاولون بث روح الكراهية في إخواننا السودانيين ويهمه أن ينفذوا لإثارة أحدنا ضد الآخر. وفي نفس الوقت وقف اللورد كيلرن، وأخذ يسب مصر .. كيف نعاونها ونساعدها وهي تنادي بالتحرير، فلا يجب منحها 5 مليون جنيه، وكلام آخر في منتهى البذاءة من اللورد كيلرن، وهو معروف.<br />
<br />
وفي يوم 14 مارس قابلت السفير البريطاني في المنزل، وقلت له إننا شعب عاطفي، فالكلمة الحلوة أفضل من مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بــ 15 مليون دولار، ولا نقبل كلام كيلرن، ولم نرد المعونة حتى لا يكون ردنا يعتبر إهانة، ونحن لسنا دولة غنية جداً، ولكننا نستطيع توفير 5 مليون جنيه ولو "دقينا زلط أو كسرنا طوب" فنحن قبلنا المعونة منعاً من أن يقال أن مصر ترفض علاة حسنة معكم، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فسنرفض المعونة.<br />
<br />
وسار الحل على هذا، ثم لم ترد الحكومتان الأمريكية والبريطانية على المذكرتين.<br />
<br />
ثم طرد جلوب من الأردن، وضُرب سويد لوي بالطوب في البحرين، وقيل إن هذا نتيجة مصر، وبدأت حملة شنيعة من أول مارس ضد مصر في الصحف البريطانية، لدرجة أن رجلاً اسمه فريزر، قال لابد من بناء سد في كينيا يمنع الماء عن مصر، وهذا يدل على جنون هؤلاء الناس، وقالوا إننا نهددهم في البترول ولكني قلت إنه ليس لنا أي دخل في المصالح المشروعة ولكننا نقاوم ما يسمونه بالنفوذ، لا يمكن أن نكون منطقة نفوذ لأحد، مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا اعتراض عليها.<br />
<br />
زيارة وزير خارجية روسيا مسيو شبيلوف إلى مصر، وفي نفس الوقت بعث مدير البنك أنه يريد المجيء فقلت له تفضل.<br />
<br />
وحدثت محادثت بيننا وبين شبيلوف الذي عرض مساعدة روسيا لمصر في جميع الميادين، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل، وقال إن ذلك سيكون دون قيد ولا شرط، وعلينا أن نطلب منهم، وقال إنهم لا يريدون مواداً خاماً، وقال أيضاً إنهم يريدون أن يوفقوا بيننا وبين الدولة الغربية. وأن روسيا يهمها أن يسود السلام بيننا وبين الدول الغربية.<br />
<br />
فالروس يعملون الآن على كسر حدة التوتر في العالم، ويهمهم أن تكون السياسة بين مصر والغرب طيبة، فشكرته وأجلت الكلامف ي التفاصيل لحين زيارتي في شهر أغسطس.<br />
<br />
وفي ثاني يوم وصل مدير البنك الدولي وقابلني في البيت في الساعة العاشرة وأكد أن البنك عند وعده الذي قاله لي في شهر فبراير، وأنه مصمم على تمويل المشروع، وأن الحكومتين البريطانية والأمريكية عند هذا الوعد، وقلت إننا أيضاً عند كلتنا.<br />
<br />
هذا ما حدث حتى حوال 20 يونيو الماضي وقال سفيرنا في أمريكا أن دالاس قال له إن الأمريكان يعتقدون أننا لا نريد أن يمولوا المشروع، فقلت له إننا نريد أن نتكلم ونتفاوض لتمويل المشروع عاد أحمد حسين إلى واشنطون على أن يقابل دالاس، ويطلب إرسال الرد على المذكرات التي بعثناها، وبعد يومين أعلنت الحكومة بيانها، وقد قلت رأيي فيه أول أمس.<br />
<br />
وفي بيان أمريكا حاولوا إثارة أثيوبيا وأوغندا، لأنه يهمهم أن تختلف الدول في هذه المنطة فنلجأ إلى مساعدة أمريكا، فيحصل التحكم في هذه المنطقة. ولقد أبلغتهم اننا لا نريد وساطتهم مع السودان لتفاهمنا مع إخواننا السودانيين فإسماعيل الأزهري كان على استعداد للتفاهم معنا، وكذلك ميرغني حمزة تكلم معي، ولم يكن هناك شد وجذب، ولم يكن هناك خلاف. ولما جاء عباد خليل رئيس الوزارة السودانية الحالي، كانت روحه طيبة جداً، فلا داعي إذن لتدخل وتوسط الأمريكان والإنجليز.<br />
<br />
ولكن وزارة الخارجية الأمريكية تقرر مصالح السودان ومصر .. ولا أدري كيف أن أمريكا تتدخل في صالح البلدين، فمصر والسودان مرتبطان ببعضهما البعض البعض منذ بدء الخليقة، ولا يمكن أن تصير دولة منهما إلى أمريكا الشمالية أو الجنوبية. ولكن حب الوصاية والتحكم والسيطرة وخلق المنازعات هي التي فرضت عليهم ذلك.<br />
<br />
وقال البيان أن التطورات التي شهدتها الشهور السبعة غير ملائمة لتنفيذ المشروع. فما هذه التطورات؟ هل هي اقتصادية أو سياسية؟<br />
<br />
وفي البيان الأمريكي أيضاً شيء غريب فوزير الخارجية الأمريكي يخاطب الشعب المصري، أي أن هذا ضد جمال عبد الناصر فقط؟<br />
<br />
ما هي التطورات؟ إنهم يشككون في الاقتصاد المصري مع أن الإنتاج المصري دُعـِّـم وزاد.<br />
<br />
ويقول كتاب الإحصاء الإحصاء السنوي للأمم المتحدة أن مجموع الدخل القومي المصري قد زاد من 748 مليون جنيه عام 1952 إلى 780 مليون جنيه عام 1953 ثم إلى 868 مليوناً عام 1954، أي أننا نعمل وننتج، وثروتنا تزيد ووضعنا الاقتصادي في تحسن مستمر فدخلنا القومي بلغ 748 مليون جنيه عام 1952، وفي عام 1954 أصبح 868 مليونا. أي أن الدخل زاد 120 مليون جنيه في سنتين.<br />
<br />
وزاد مجموع الدخل الزراعي في عام 1954 – 1955 بمقدار 38 مليون جنيه، بنسبة 15% فقد بلغ 420 مليون جنيه بعد أن كان 382 مليون جنيه.<br />
<br />
وزاد الإنتاج الوزراعي من 123% عام 1952 إلى 131% عام 1954 وهذه الأرقام من نفس الكتاب الإحصائي الذي أصدرته الأمم المتحدة.<br />
<br />
وفي عام 1955 سجل الإنتاج الصناعي تقدماً كبيراً إذ تراوحت نسبة الزيادة في فروعه المختلفة بين 15% و 25% وقد تكلمت عن هذا في الكلمة التي ألقيتها في أول يونيو في مؤتمر التعاونين.<br />
<br />
وقد بلغت الزيادة أقصاها في إنتاج الحديد والزهر فبلغت الصادرات المصرية في المدة من أول يناير إلى آخر يونيه عام 1956 ـ 91 مليون جنيه أي بزيادة قدرها 21 مليون جنيه. إلى آخر البيانات الاقتصادية المعروفة والتي نشرت في الميزانية.<br />
<br />
ما هي التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية؟ إنهم يحاولون أن يبينوا أنها اقتصادية .. التطورات هي تطورات استقلالية .. تطورات حرية .. تطورات عزة وكرامة .. التطورات التي حدثت في السبعة شهور الماضية أننا بنينا سداً من العزة والكرامة، سداً للحرية والاستقلال ضد الأطماع .. التطورات التي حدثت وأننا قد صممنا أن نقوي جيشنا ونسلحه .. صممنا أن تكون لن شخصية مستقلة .. صممنا أن تكون لنا حرية مستقلة.<br />
<br />
والغرض ـ بالطبع ـ من هذا الإجراء الذي أعلن يوم 20 يوليو ـ وأنني سأتكلم عن الحكومة الأمريكية لا عن الحكومة البريطانية، لأن الحكومة البريطانية أعلنت في اليوم التالي لإعلان الحكومة الأمريكية بعدأن وصلها الخطاب الأمريكي، والبنك الدولي أعلن بالطبع بعد بريطانيا بعد أن وصلته تعليمات من أمريكا ..<br />
مصر ولهذا فسأتكلم عن أمريكا في هذا الموضوع .. ما الغرض من هذا؟ .. إنهم يعاقبون مصر لأنها رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية .. مصر نادت بالسلام وتحقيق حقوق الإنسان.<br />
<br />
مصر نادت بالمبادئ والتي كتبوها في ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ونسوها .. هذه هي المبادئ التي ننادي بها اليوم .. الحرية وحق تقرير المصير والقضاء على الاستعمار وعدم الانحياز والتعايش السلمي والحياد الإيجابي والتعاون مع جميع الدول، نعادي من يعادينا، ونسالم من يسالمنا .. هذه هي المبادئ التي تنادي بها مصر.<br />
فكيف نقول هذا ولا نسمع كلام الكونجرس الأمريكي ولا نأخذ الأوامر من هناك؟<br />
<br />
ومنذ شهر ونصف شهر وقف أحد أعضاء الكونجرس وقال كيف تتبع مصر هذه المبادئ ولا تقعطوا عنها المعونة التي تؤخذ منا؟. وهذا معناه غرور وتحكم في الشعوب.<br />
<br />
ونحن قد رفضنا قبول هذا التحكم وهذه السيطرة. إنهم يعاقبوننا على هذا بالسبعين مليون دولار التي كانوا سيعطونها لنا على خمس سنوات!<br />
<br />
إننا نعمل مشروع تنمية ونريد أن ننمي الإنتاج ونرفعغ مستواه وهم يقولون في جرائدهم إننا نفعل هذا ليعرف الشعب المصري أن ناصر ضده، فيضغط عليه الشعب المصري لكي يسمع كلام أمريكا.<br />
<br />
هذا ما يقولونه في جرائدهم، ولا يعرفون أن الشعب المصري غير موافق على هذا الكلام الذي تذكرونه.<br />
وحينما وصل بلاك وهو مدير البنك الدولي .. وبدأ يتكلم معي في تمويل السد العالي، قال إننا بنك دولي ولسنا بنكاً سياسياً، وليس لي شأن بأمريكا مطلقاً، فأنا مستقل أقول الرأي الذي أؤمن به.<br />
<br />
وقلت له كيف يكون مجلس الإدارة ممثلاً لدول ولا يكون بنكاً سياسياً .. بالطع تعتبر بنكاً سياسياً فمجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية السائرة في فلك أمريكا.<br />
<br />
وابتدأت أنظر إلى مستر بلاك وهو جالس على الكرسي وكنت أتخيل أنني أجلس أمام فرديناند دليسبس.<br />
عاد بي تفكيري إلى الكلام الذي كنا نقراه ففي عام 1854 وصل إلى مصر فرديناند دليسبس وذهب إلى محمد سعيد باشا ـ الخديوي ـ وجلس بجانبه وقال له نريد أن نحفر قناة السويس وهذا المشروع سيفيدك فائدة لا حد لها .. فهو مشروع ضخم وسيعود على مصر بالكثير.<br />
<br />
وعندما كان بلاك يسترسل في كلامه معي، كنت أحس بالعقد الموجودة في الكلام الذي يقوله ويعود بي التفكير إلى فرديناند دليسبس.<br />
<br />
ثم قلت له نحن عندنا عقدة من هذه الموضوعات ونحن لا نريد أن نرى كرومة في مصر مرة ثانية ليحكمنا.<br />
عمل في الماضي قرضاً وفوائد على القروض وكانت النتيجة أن احتلت بلدنا فأرجوك أن تضع هذا الاعتبار في نفسك وفي كلامك معي، فنحن عندنا عقدة من دليسبس. ومن كرومر عندنا عقدة من الاحتلال السياسي عن طريق الاقتصادي هذه هي الصورة التي صورت لي .. صورة دليسبس حينما وصل إلى مصر .. وصل دليسبس إلى مصر في 7 ديسمبر عام 1954، وصل إلى الإسكندرية وبدأ يعمل في حذر وخديعة .. وفي 30 نوفمبر عام 1954 وبعد أن اتصل دليسبس بالخديوي محمد سعيد، حصل على امتياز النال، '''وفي صدر هذا الامتياز الذي منحه سعيد لدليسبس قال الآتي:'''<br />
<br />
حيث أن صديقنا مسيو فرديناند دليسبس قد لفت نظرنا إل الفوائد التي قد تعود على مصر من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر ، بواسطة طريق ملاحي للبواخر، أخبرنا بالفوائد التي تعود على مصر وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال فقد قبلت الفكرة التي عرضها علينا وأعطيناه بموجب هذا تفويضاً خاصاً بإنشاء وإدارة شركة لحفر ناة السويس واستغلال القناة بين البحرين.<br />
<br />
وكان هذا الكلام عام 1854، وفي عام 1856 أي منذ مائة عام صدر فرمان بتكوين الشركة وأخذت مصر من الشركة 44% من الأسهم والتزمت بالتزامات لدليسبس .. شركة دليسبس شركة خاصة ليس لها علاقة بحكومات ولا احتلال ولا استعمار!! دليسبس قال للخديوي أنا صديقك وقد جئت لأفيدك وأعمل قناة بين البحرين تستفيد منها.<br />
<br />
تكونت شركة قناة السويس واشتركت مصر بـ 44% من الأسهم ـ وتعهدت مصر بأن تورد العمال الذين سيحفرون القناة بأرواحهم وجماجمهم ودمائهم . دفعنا 8 مليون جنيه .. وبعد ذلك ولأجل أن يتنازل دليسبس عن بعض الامتيازات كنا ندفع له أيضاً.<br />
<br />
وكان المفروض أن نأخذ أيضاً 15% من أرباح الشركة زيادة على أرباح أسمهنا وتنازلنا عن 15% من الأرباح .. وبعد أن كانت القنال محفورة لمصر كما قال دليسبس للخديوي أصبحت مصر ملكية للقناة.<br />
وفي الاتفاق الذي عقد في 22 فبراير 1966، جاء في المادة 16 أنه بما أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مصرية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها، وإلى الآن لم تخضع الشركة لقوانين البلاد ولا لعرفها لأنها تعتبر نفسها دولة داخل الدولة.<br />
<br />
والمنازعات التي تنشأ في مصر بين الشركة وبين الأفراد من أية جنسية تختص المحاكم المصرية بالفصل فيها تبعاً للأوضاع التي تقررها قوانين البلاد وعاداتها. وتختص المحاكم المصرية في المنازعا التي قد تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة ويقضى فيها طبقاً للقوانين المصرية.<br />
<br />
ونتيجة الكلام الذي قاله دليسبس للخديوي عام 1856، ونتيجة الصداقة والديون .. تمَّ احتلال مصر عام 1882.<br />
<br />
واستدانت مصر بسبب هذا الموضوع .. فماذا فعلت؟ اضطرت مصر في عهد إسماعيل إلى بيع نصيبها من الأسهم وقدره 44% من أسهم الشركة .. وفوراً أرسلت إنجلترا تشتري نصيب مصر من الأسهم في الشركة .. اشترتها بأربعة ملايين جنيه. وبعد ذلك تنازل إسماعيل عن الأرباح التي كان يأخذها للشركة وقدرها 5% نظير تنازلها عن بعض الامتيازات التي أعطيت لها فاضطر بعد أن اشترت إنجلترا الـ 44% من الأسهم بأربعة ملايين جنيه .. أن يدفع لإنجلترا سنويا 5% نظير الأرباح التي كان قد تنازل عنها، فدفع لها أربعة ملايين جنيه أي أن بريطانيا أخذت نصيب مصر من الأسهم وقدره 44% بدون مقابل.<br />
<br />
هذا هو ما حدث في القرن الماضي. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة ثانية ويعود إلى الخداع والتضليل؟ وهل يكون التحكم الاقتصادي سبباً في القضاء على حريتنا السياسية؟ .. كلا .. لا يمكن أن يعود التاريخ مرة أخرى ونحن اليوم نقضي على آثار الماضي البغيض التي تسبب فيها المستعمرون بالخداع والتضليل.<br />
<br />
واليوم فإن قناة السويس التي مات من أبنائها في حفرها 120 ألفاً .. حفروها بالسخرة ودفعنا في تأسيسها 8 مليون جنيه .. قناة السويس التي أصبحت دولة داخل الدولة .. والتي أذلت الوزراء والوزارات .. هذه القناة قناة مصر، شركة مساهمة مصرية اغتصبت بريطانيا منا حقنا فيها وهو الـ 44 في المائة من أسهم الشركة .. وما زالت بريطانيا من وقت افتتاح القنال حتى الآن تأخذ فوائد مقابل هذه الأسهم والدول كلها تأخذ فوائد والمساهمون فيها يأخذون فوائد .. ودولة داخل الدولة وشركة مساهمة مصرية!<br />
<br />
وبلغ دخل شركة قناة السويس في عام 1955 ـ 35 مليون جنيه أي مائة مليون دولار ونأخذ نحن الذين مات من أبنائنا 120 ألفاً أثناء حفرها مليون جنيه فقط أي 3 مليون دولار!.<br />
<br />
شركة قناة السويس التي قامت كما قال فرمان من أجل مصلحة مصر ومن أجل منفعة مصر!.<br />
<br />
هل تعلمون مقدار المساعدة التي ستعطيها لنا أمريكا وإنجلترا في خمة سنوات؟<br />
<br />
70 مليون دولار .. وهل تعلمون من الذي يأخذ المائة مليون دولار وهي دخل الشركة السنوي؟ هم الذين يأخذونها بالطبع.<br />
<br />
وليس عيباً أن أكون فقيراً وأقترض لكي أبني بلدي، أو أحاول أن أجد ماعدة لجل بلدي .. ولكن العيب هو أن أمتص دماء الشعوب .. وأمتص حقوق الشعوب.<br />
<br />
إننا لن نكرر الماضي بل سنقضي على الماضي .. سنقضي على الماضي بأن نستعيد حقوقنا في قناة السويس .. هذه الأموال أموالنا .. وهذه القناة ملك لمصر لأنها شركة مساهمة مصرية.<br />
<br />
حفرت قناة السويسة بواسطة أبناء مصر، ومات 120 ألف مصري في حفرها .. شركة قناة السويس الموجودة الآن في باريس شركة مغتصبة .. اغتصبت امتيازاتنا. وعندما جاء دليسبس إلى مصر كان مجيئه يشبه مجيء بلاك إلى مصر للتحدث معي.<br />
<br />
والتاريخ لن يعيد نفسه، بل على العكس سنبني السد العالي وسنحصل على حقوقنا المغتصبة .. سنبني السد العالي كما نريد .. وسنصمم على هذا 35 مليون جنيه كل سنة تأخذها شركة القناة .. فلتأخذها مصر .. مائة مليون دولار كل سنة تحصلها شركة القناة لمصلحة مصر .. فلنحق هذا الكلام وتحصل مصر على المائة مليون دولار لمنفعة مصر أيضاً.<br />
<br />
ولهذا فإننا اليوم أيها المواطنون حينما نبني السد العالي، فإنما نبني أيضاً سد العزة والحرية والكرامة ونقضي على سدود الذل والهوان.<br />
<br />
وتعلن ـ مصر كلها ـ جبهة واحدة أنها كتلة وطنية متكاتفة متحدة .. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها .. كل واحد من أبنائها سيكون مثل صلاح مصطفى ومثل مصطفى حافظ .. كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا في سبيل بنا بلدنا، وفي سبيل بناء مصر .. لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر، وسنعتمد على سواعدنا وعلى دمائنا ونحن أغنياء، لقد كنا متهاونين في حقوقنا ونحن نستردها ـ معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة فخطوة .... سنبني مصر لتكون قوية .. وسنبني مصر لتكون عزيزة.<br />
<br />
'''ولهذا وقعت اليوم،، ووافقت الحكومة على القانون الآتي:'''<br />
<br />
'''قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس'''<br />
<br />
'''باسم الأمة :'''<br />
<br />
'''رئيس الجمهورية :'''<br />
<br />
مادة 1- تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس ـ شركة مساهمة مصرية ـ وينتقل إى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل جميع الهيئات القائمة حالياً على إدارتها.<br />
<br />
ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها مقدره بحسب الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس ويتم دفع هذا التعويض بعد استلام الدولة لجميع أملاك وممتلكات الشركة المؤممة.<br />
<br />
مادة 2- تتولى إدارة مرفق المرور في قناة الويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتلحق بوزارة التجارة ـ يصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية ويكون لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.<br />
<br />
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامي، ويكون للهيئة ميزانية مستقلة يتبع في وضعها القواعد المعمول بها حالياً في المشروعات التجارية. وتبدأ السنة المالية في آخر يونيو من كل عام. وتعتمد الميزانية والحساب الختامي في كام بقرار من رئيس الجمهورية.<br />
<br />
تبدأ النة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا القانون وتنتهي في آخر يونيو عام 1957. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قرارتها أو للقيام بما تعهد به إليه من أعمال. كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية للاستعانة بها في البحوث والدراسات.<br />
<br />
يمثل الهيئة رئيسها أمام الجهات القضائية والحكومية وغيرها وينوب عنها في معاملته مع الغير.<br />
<br />
مادة 3- تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها في مصر وفي الخارج ويحظر على البنوك والهيئات والأفرا التصرف في تلك الأموال بأي وجه من الوجوه .. أو صرف أي مبالغ أو تأدية أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 4- تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار في أداء أعمالهم ولا يجوز لأي منهم ترك عمله أو التخلي عنه بأي وجه من الوجوه أو لأي سبب من الأسباب إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية.<br />
<br />
مادة 5- كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازي ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة، وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن فضلاً عن حرمانه من أي حق في المكافأة أو المعاش أو التعويض.<br />
<br />
مادة 6- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويكون له قوة القانون ويعمل به من تاريخ نشره ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.<br />
<br />
'''أيها المواطنون:'''<br />
إننا لن نمكن منا المستعمرين أو المستبدين .. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى .. إننا قد اتجهنا قدما إلى الأمام لنبني مصر بناء قوياً متيناً .. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسي واستقلال اقتصادي .. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومي .. من أجل مجموع هذا الشعب .. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكننا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت لنهدم آثار الماضي .. آثار الاستبداد .. آثار الاستعباد والاستغلال والسيطرة .. إنما نتجه إلى الماضي لنقضي على جميع آثاره.<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون، وقد عادت الحقوق إلى أصحابها .. حقوقنا في قناة السويس .. عادت إلينا بعد مائة سنة .. اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقي من صروح السيادة ـ ونحقق البناء الحقيقي من أبنية العزة والكرامة. وقد كانت قناة السويس دولة في داخل الدولة شركة مساهمة مصرية. ولكنها تعتمد على المؤامرات الأجنبية وتعتمد على الاستعمار وأعوانه.<br />
<br />
بنيت قناة السويس من أجل مصر ومن أجل منفعة مصر ولكن كانت قناة السويس منبعاً لاستغلال واستنزاف المال وكما قلت لكم منذ قليل .. ليس عيباً في أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدي، ولكن العيب هو امتصاص الدماء .. لقد كانوا يمتصون الدماء .. يمتصون حقوقنا ويأخذونها.<br />
<br />
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق أقول باسم شعب مصر إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ .. سنحافظ على هذه الحقوق. <br />
<br />
ودونها أرواحنا ودماؤنا .. إننا سنحافظ على هذه الحقوق، لننا نعوض ما فات .. إننا حينما نبني اليوم صرح العزة والكرامة نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يكتمل إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة .. وقد كانت قناة السويس صرحاً من صروح الاستبداد وصرحاً من صروح الاغتصاب .. وصرحاً من صروح الذل.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون أممت قناة السويس ونشر هذا القرار في الجريدة الرسمية فعلاً وأصبح هذا القرار أمراً واقعاً.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون نقول هذه أموالنا ردت إلينا .. هذه حقوقنا التي كنا نسكت عليها، عادت إلينا.<br />
<br />
اليوم أيها المواطنون ودخل قناة السويس 35 مليون جنيه، أي مائة مليون دولار في السنة، أي خمسمائة مليون دولار في خمس نوات .. فلم ننظر إلى الـ 79 مليون دولار، قيمة المعونة الأمريكية؟<br />
<br />
واليوم أيها المواطنون بعرقنا ودموعنا وأرواح شهدائنا وجماجم الذين ماتوا عام 1856، منذ مائة عام أثناء السخرة. نستطيع أن ننمي هذا البلد وسنعمل وننتج ونزيد في الإنتاج برغم كل هذه المؤامرات كل هذا الكلام. إنني كلما صدر من واشنطن كلام سأقول: موتوا بغيظكم.<br />
<br />
سنبني الصناعة في مصر وسننافسهم فهم لا يريدون أن نكون دولة صناعية حتى تروج منتجاتهم وتجد لها سوقاً عندنا.<br />
<br />
إنني لم أرَ أبداً معونة أمريكية متجهة إلى التصنيع لأن اتجاهها إلى التصنيع سيترتب عليها منافستنا لهم .. ولكن المعونة الأمريكية تتجه دوماً إلى الاستغلال.<br />
<br />
ونحن في الأربع سنوات الماضية ونحن نستقبل العام الخامس للثورة، كما قلت في أول كلامي نشعر بأننا أصلب عوداً وأشد عزماً وأشد قوة وإيماناً .. واليوم ونحن نستقبل العام الخامس للثورة وكما طرد فاروق في 26 يوليو عام 1952 تخرج اليوم قناة السويس، في نفس اليوم نشعر أننا حققنا عزة حقيقية، فلن تكون سيادة في مصر إلا لأبناء مصر ولشعب مصر.<br />
<br />
وسنتجه قدماً إلى الأمام .. متحدين متكاتفين .. شعب واحد يؤمن بنفه ويؤمن بوطنه ويؤمن بقوته .. شعب واحد .. كتلة واحدة متراصة نحو البناء ونحو التصنيع ونحو الإنشاء وضد أعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار، نف ضد الغدر والعدوان .. ونقف ضد الاستعمار الذي آل على نفسه أن يعمل ويزحف زحفاً حثيثاً.<br />
<br />
إننا بهذا أيها المواطنون سنستطيع أن نحقق الكثير وسنشعر بالعزة والكرامة. وسنشعر بأننا نبني وطننا بناء حقيقياً كما نريد .. نبني ما نريد ونعمل ما نريد .. ليس لنا شريك.<br />
<br />
وإننا اليوم حينما نسترد الحقوق المغتصبة والحقوق المسلوبة إنما نتجه إلى القوة وكل عام سنزداد قوة على قوة وبعون الله نكون أقوياء في العام القادم وقد ازداد إنتاجنا وعملنا ومصانعنا.<br />
<br />
الآن وأنا أتكلم أليكم يقوم أخوة لكم من أبناء مصر، ليديروا شركة القناة ويقومون بعمل شركة القناة .. الآن في هذا الوقت يتسلمون شركة القناة .. شركة القنال المصرية لا شركة القنال الأجنبية .. قاموا ليتسلموا شركة القنال ومرافقها ويديروا الملاحة في القناة .. القناة التي تقع في أرض مصر، والتي تخترق أرض مصر والتي هي جزء من مصر وملك لمصر، نقوم الآن بهذا العمل لنعوض ما فات ولنعوض عن الماضي ولنبني صروحاً جديدة للعزة والكرامة.<br />
<br />
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9_%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9&diff=643689ساحة حلمي الجديدة2012-02-23T06:02:19Z<p>Helmy: /* كتب جديدة 2012 */</p>
<hr />
<div>== كتب شهر 12 ==<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون باقة الإسلام وعطر الإيمان]]<br />
<br />
[[الشيخ محرم عارفي الداعية المجاهد]]<br />
<br />
[[صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك]]<br />
<br />
[[الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات]]<br />
<br />
[[اغتيال عبد الحكيم عامر]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون رؤية اشتراكية]]<br />
<br />
[[عبد الناصر الملف السري]]<br />
<br />
[[الحركة الإسلامية في السودان تاريخها وخطابها السياسي]]<br />
<br />
[[العلاقات المصرية البريطانية]]<br />
<br />
[[التيارات السياسية في مصر]]...................(كتاب مدشن من قبل ويحتاج لمراجعة ولينكات)<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
==كتب جديدة 2012==<br />
<br />
<br />
[[سيادة الشريعة الإسلامية في مصر]]<br />
<br />
[[عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971]]<br />
<br />
[[مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو]]<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9_%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9&diff=643687ساحة حلمي الجديدة2012-02-23T06:01:47Z<p>Helmy: /* كتب جديدة 2012 */</p>
<hr />
<div>== كتب شهر 12 ==<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون باقة الإسلام وعطر الإيمان]]<br />
<br />
[[الشيخ محرم عارفي الداعية المجاهد]]<br />
<br />
[[صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك]]<br />
<br />
[[الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات]]<br />
<br />
[[اغتيال عبد الحكيم عامر]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون رؤية اشتراكية]]<br />
<br />
[[عبد الناصر الملف السري]]<br />
<br />
[[الحركة الإسلامية في السودان تاريخها وخطابها السياسي]]<br />
<br />
[[العلاقات المصرية البريطانية]]<br />
<br />
[[التيارات السياسية في مصر]]...................(كتاب مدشن من قبل ويحتاج لمراجعة ولينكات)<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
==كتب جديدة 2012==<br />
<br />
<br />
[[سيادة الشريعة الإسلامية في مصر]]<br />
<br />
[[عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971]]<br />
<br />
<br />
[[مذكرات ووثائق سرية لثورة يوليو]]<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=643356عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-21T10:47:39Z<p>Helmy: /* التنظيم الطليعي السري */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. حمادة حسنى'''<br />
<br />
'''تقديم : د. هشام السلامونى'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في القرن – العشرين – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور حمادة حسنى – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة قناة السويس، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،بدستور 1956، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو 1956 ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على الدستور الثوري ) كانت الثورة قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات الثورة السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( هيئة التحرير)، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة الثورة، ومن ثم مع رئيس مجلس قيادة الثورة، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس مجلس قيادة الثورة ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل مجلس قيادة الثورة بالفعل)، وقد جاء دستور 1956 ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم الثورة( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل الثورة نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل الثورة – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام الأحزاب المصرية بدءا من العام 1907 والجمعية التشريعية في العام 1914، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في ثورة 1919 وما بعدها ، تحت قيادة حزب الوفد ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ 1924 إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل الثورة في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من ثورة يوليو- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات عبد الناصر، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا الديمقراطية ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي الديمقراطية ( حق الناس في إدارة شئونهم / الشورى / مصر للمصريين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( مصر للمصريين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة الإسلامية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن عبد الناصر لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات الثورة ( غير المعارضة لشهيرة للإخوان المسلمين، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية الثورة من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة 1967 ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 مارس بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة عبد الناصر، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني والثورة، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات الثورة السياسية، منذ أولها هيئة التحرير إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك جمال عبد الناصر أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ السادات في التنظيم الطليعي- المدافع عن الثورة ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في مايو 1971، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية الساداتية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في 2008 والمناضلون المصريون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من 1952 إلى 1955 ، وتمت شرعنته في دستور 1956 ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه بالدستور المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون المصريون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة المصرية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون جمال عبد الناصر تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها جمال عبد الناصر قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن جمال عبد الناصر قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع عبد الناصر في سيارته، وانتقد بشدة أداء هيئة التحرير، باكورة تنظيمات الثورة، وأن عبد الناصر قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن هيئة التحرير نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن عبد الناصر لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على الثورة ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات عبد الناصر في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد أحمد فؤاد لعبد الناصر ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ هيكل ، والسيد على صبري، وسكرتير عبد الناصر الشخصي السيد سامي شرف، وأحمد فؤاد( الماركسي ) نفسه، فكان رد جمال عبد الناصر، أن هيكل وعلى صبري من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد أحمد فؤاد أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم سيد قطب في اعترافاته ، من أن السيد زكريا محيى الدين قد عرض على أفراد من "الإخوان المسلمين" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و الإخوان المسلمين ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) عبد الناصر، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره عبد الله إمام عن حوار تم بينه وبين السيد سامي شرف ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور رشوان فهمي ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد سامي شرف يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو بالاتحاد الاشتراكي ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام 1959 ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد سامي شرف للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم عبد الناصر الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير جمال عبد الناصر وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات عبد الناصر السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة جمال عبد الناصر المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة جمال عبد الناصر ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن عبد الناصر لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات عبد الناصر لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات عبد الناصر، والذي ورد ذكره مع الاتحاد الاشتراكي العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له وعبد الناصر يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن سوريا ، وخلاف عبد الناصر المهدد لسلطته مع المشير عبد الحكيم عامر، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، وعبد الناصرالذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد عبد الناصر – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في الاتحاد الاشتراكي، وفى التنظيم الطليعي ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها عبد الناصر في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم التنظيم الطليعي . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة 1967 ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون التنظيم الطليعي ، عمد نظام عبد الناصر إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في فبراير 1968 ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، والديمقراطية ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان عبد الناصر هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر عبد الناصر خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي الثورة التي قامت في يوليو 952 "0<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله جمال عبد الناصر في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات " دار قباء، القاهرة 1999 ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان هيكل وسيد مرعى وعبد العزيز حجازي وسامي شرف مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو الدعوة والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال جمال عبد الناصر، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول جمال عبد الناصر في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس الدعوة والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن ثورة يوليو 952 ، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات جمال عبد الناصر محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات عبد الناصر عن تنظيمه الجديد فلقد كن الاتحاد الاشتراكي العربي يمارس الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات جمال عبد الناصر ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء الاتحاد الاشتراكي المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان عبد الناصر بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات الثورة المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد على صبري ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد السادات ( كثير من أعضاء التنظيم الطليعي أيدوا أنور السادات في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 مايو الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا جمال عبد الناصر في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء التنظيم الطليعي ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن شعراوي جمعة قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد على صبري أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات عبد الناصر غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة القاهرة للاتحاد الاشتراكي بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين القاهرة الذي قابلته كان السيد عبد المجيد فريد ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد شعرواى جمعة بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين للاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم الطليعي ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات الثورة ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات الثورة أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون جمال عبد الناصر لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس السادات الذي انتقد التنظيم الطليعي ، لغياب الديمقراطية فيه ، وبعد ذلك غيب هو الديمقراطية في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من حزب مصر المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من الاتحاد الاشتراكي ، وخلط ميزانيته – كجمال عبد الناصر – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة المصرية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين الحزب الوطني فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد جمال عبد الناصر أن يقود الثورة بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد السادات أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى الديمقراطية بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل المصريون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته بدستور 1956 ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية السادات. <br />
<br />
'''د. هشام السلامونى '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر التنظيم الطليعي أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتراكي حاول عبد الناصر فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين الاتحاد الاشتراكي وإنما قام على أكتاف من اختارهم عبد الناصر من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب محمد حسنين هيكل وعلى صبري وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم عبد الناصر في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء مجلس قيادة الثورة فعينه رئيسا للوزارة في 1962 ثم أمينا للاتحاد الاشتاركى أكتوبر 1965 وسامي شرف الذي جعله عبد الناصر بعد قيام الثورة بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من الإخوان المسلمين وشعراوي جمعة الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في التنظيم الطليعي للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتاركى وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم 1962 ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء التنظيم الطليعي فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن المصريين خارج مصر مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة 1967 حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد عبد الناصر وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل التنظيم الطليعي هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام 1964 وعلى رأسهم محمود أمين العالم ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم سمير حمزة ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام 1965 وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات التنظيم الطليعي يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول أحمد حمروش أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة مصرية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في مصر القديمة وإلا لما خلد المصريون الكاتب المصري . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب لشعراوي جمعة وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه الأحزاب تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا التنظيم الطليعي كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين وعبد الغفار شكر ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها مصر الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في مصر وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف المصريون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " فالتنظيم الطليعي كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين التنظيم الطليعي شعراوي جمعة وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى جمال عبد الناصر مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من عبد الناصر كل من ساما شرف وشعراوي جمعة خاصة بعد هزيمة 1967 وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع لسامي شرف كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال حسين الشافعي وسيد مرعى وعلى صبري وعزيز صدقي ولبيب شقير وضياء داود وأمين هايدى بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس السادات – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في الجيزة من وضع أجهزة التصنت به ، وكان شعراوي جمعة وسامي شرف أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف والدستور والقانون وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس السادات سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب المصري ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه السادات لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر سامي شرف وهكذا وجد أعضاء الجماعة – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس السادات على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب في 20 مايو 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام عبد الناصر لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان عبد الناصر يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن المصري ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين لمصر والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة 1967 فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة 1967 أما إسرائيل زلزالا هائلا هز مصر والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة 1967 كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام عبد الناصر وكان عبد الناصر يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن عبد الناصر قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في حرب يونيه 1967 بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة يونيه كما لو كانت حادث مصرع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب عبد الناصر يوم 9 يونيه المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار عبد الناصر في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير حرب أكتوبر وحرب يونيه 1968 بنسبة انتصارات أكتوبر إلى عبد الناصر وأن الخطة التي انتصر بها جيش أكتوبر وضعت في عهد عبد الناصر وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة السادات في حرب أكتوبر مع تبرير سياسة عبد الناصر في حرب يونيه مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر أكتوبر 1973 خائنا وقائد هزيمة يونيه 1967 بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص عبد الناصر الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في مصر لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور التنظيم الطليعي في أحداث مايو 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار يحيى الرفاعى على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق بالتنظيم الطليعي بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور هشام السلامونى على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات الثورة السياسية ===<br />
<br />
'''هيئة التحرير- الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتنتقل بها مصر ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة بمصر '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها الوفد ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت الثورة دستور 1923 الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت الثورة سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر دستور 1956 ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت ثورة 23 يوليو خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز الثورة ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في مجلس قيادة الثورة حتى صدر دستور 1956 ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن مصر في أكتوبر 1954 ثم تحقق الجلاء فعلا في يونيه من سنة 1956، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت الأحزاب ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام الثورة ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام الثورة ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد الأحزاب دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( هيئة التحرير 1953- 1961م) و( الاتحاد القومي 1957- 1962م) ثم الاتحاد الاشتراكي ( منذ 1962-1976م) فلم تكن هيئة التحرير سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما الاتحاد القومي فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من الاتحاد القومي أو الاتحاد الاشتراكي العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة الاتحاد القومي مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى الاتحاد القومي باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن الاتحاد الاشتراكي بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكي ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم الاتحاد الاشتراكي في عام 1962 م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى ديسمبر 1962م – عند الإعداد لقيام الاتحاد الاشتراكي – أعلن حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن عبد الناصر فتح باب الاشتراك في عضوية الاتحاد الاشتراكي ابتداء من أول يناير 1963 م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 يناير ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة الاتحاد الاشتراكي " من القمة إلى القاعدة في 1968م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان الاتحاد الاشتراكي ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في القاهرة والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به الاتحاد الاشتراكي ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية الاتحاد الاشتراكي – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( القانون 158 لسنة 1963 م معدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة 1961 م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر القانون 87 لسنة 1964م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية الاتحاد الاشتراكي وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960م والمعدل رقم 151 لسنة 1961 م وبرقم 54 لسنة 1963م كان يشترط عضوية الاتحاد القومي فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية الاتحاد الاشتراكي بالقانون 65 لسنة 1964م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل بالقانون 59 لسنة 1964م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن القانون شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا بالاتحاد الاشتراكي مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين الاتحاد الاشتراكي فقد أصدر وزير العمل – أنور سلامة – القرار رقم 35 لسنة 1964 م يستلزم عضوية الاتحاد الاشتراكي فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية الاتحاد الاشتراكي من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب الاتحاد الاشتراكي قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في الاتحاد الاشتراكي مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين الاتحاد الاشتراكي وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " ديكمجيان " عن 131 وزيرا مصريا شكلوا ( نخبة القوة ) بين 1952 و 1968م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل بالاتحاد الاشتراكي نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف الاتحاد الاشتراكي قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى الاتحاد الاشتراكي من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو الاتحاد الاشتراكي يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الممارسة الأولى لعمل الاتحاد الاشتراكي .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي للاتحاد الاشتراكي ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل الاتحاد الاشتراكي دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب ثورة يوليو والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى الاتحاد الاشتراكي وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور عبد الناصر أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في يوليه 1962م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في الاتحاد الاشتراكي " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية ولاتحاد الاشتراكي والشعب .. طيب عايزنى أسلم الاتحاد الاشتراكي لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم الاتحاد الاشتراكي ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي الثورة اللي قامت يوم 23 يوليو 952 1 " <br />
<br />
لقد نظر عبد الناصر ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الإصلاحات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة للمصريين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة الثورة بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " هيئة التحرير " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " الاتحاد القومي " ثم الاتحاد الاشتراكي ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها عبد الناصر .. " أن علينا أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكي". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا الاتحاد الاشتراكي عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل ممارساتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل هيكل الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل هيكل الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن ممارستهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب عبد الناصر على خصمه عبد الحكيم عامر شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة ممارسة العمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية الديمقراطية – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى للاتحاد الاشتراكي – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون الاتحاد الاشتراكي أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون الاتحاد الاشتراكي لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في الفترة 1962-1964 لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 نوفمبر 1966 خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي فقد كانت تضم في ديسمبر 1964 ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 مايو 1971. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات الاتحاد الاشتراكي فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات ديكمجيان كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير عبد الحكيم عامر في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( التنظيم الطليعي ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب 1967م وعلى رأس المؤسسة العسكرية عبد الحكيم عامر وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة يوليو هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على حزب الوفد الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة يوليو أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري مصر واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت مصر من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل الثورة أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية عبد الناصر جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
عبد الناصر – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط الديمقراطية التي سادت مصر قبل 1952 ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها مصر بعد ثورة 1919 فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف عبد الناصر من كافة القضايا الكبرى في حكم مصر، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون عبد الناصر ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين هيكل في سبتمبر 1974 ، ونشر في 1975 رفض هيكل وصف عبد الناصر بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما جمال عبد الناصر " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن عبد الناصر لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " عبد الناصر، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك هتلر وموسولينى وفرانكو وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، والديمقراطية شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن الديمقراطية مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم عبد الناصر بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة عبد الناصر ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" الديمقراطية " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم الديمقراطية.<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة لعبد الناصر الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء القانونيين والدستوريين – السنهوري ، فتحي رضوان ، سليمان حافظ – الذين أحاطوا بثوار يوليو بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على الديمقراطية بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي السري===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتاركى ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – الاتحاد الاشتراكي – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول جمال عبد الناصر الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس السادات أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على الاتحاد الاشتراكي ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن الديمقراطية السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع سوريا والعراق عام 1963 م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود الأحزاب والتعدد الحزبي ذكر عبد الناصر في جلسة 19 مارس 1963م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين التنظيم الطليعي طبقا لما أورده كل من أحمد حمروش وسامي شرف في يونيو 1963م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره على صبري ومحمد حسنين هيكل وأحمد فؤاد وسامي شرف. <br />
<br />
وكان من الطبيعي وجمال عبد الناصر بصدد إنشاء الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي وباعتباره كان رئيسا للاتحاد الاشتراكي أن يدعو حسين الشافعي أمين الاتحاد الاشتراكي إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة قديم. <br />
<br />
ويذكر أحمد فؤاد رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف 1963 " استدعاني عبد الناصر وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان عبد الناصر إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان أحمد فؤاد هو الشخص المناسب ولكي يضمن عبد الناصر أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات سامي شرف. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- جمال عبد الناصر رئيس الدولة ورئيس الاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
2- محمد حسنين هيكل مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( الاتحاد الاشتراكي )<br />
<br />
3- على صبري رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- أحمد فؤاد الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار المصري. <br />
<br />
5- سامي شرف رجل المخابرات وعين عبد الناصر. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها عبد الناصر كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر أحمد فؤاد من جمال عبد الناصر عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال عبد الناصر إن على صبري وهيكل هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عبد الناصر فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو بالاتحاد الاشتراكي كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل الاتحاد الاشتراكي في يوغسلافيا ، كما أرسل صلاح الدسوقي ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ القاهرة فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط عبد الناصر في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل عبد الناصر إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد عبد الناصر بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من على صبري وعباس رضوان بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل لسامي شرف قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب سامي شرف ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد المصري ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس عبد الناصر وأرسل باليد للأعضاء بواسطة محمد المصري ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث عبد الناصر عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية للاتحاد الاشتراكي بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل الاتحاد الاشتراكي على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف على صبري وعباس رضوان بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي على صبري وعباس رضوان بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية التنظيم الطليعي تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( على صبري ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – عبد المنعم القسيونى – عبد القادر حاتم – عبد المحسن أبو النور – محمد النبوي المهندس – أحمد توفيق البكري – عبد العزيز السيد – إبراهيم الشربينى – أحمد بهاء الدين – أحمد فهيم – سامي شرف ، ثم سمح لعلى صبري بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – كمال رمزي استينو – سامي شرف – محمد فائق – عبد المجيد فريد – عبد المجيد شديد – محمد أبو نار – عبد المعبود الجبيلى – عبد اللطيف بلطيه – على السيد – محمد على بشير – لبيب شقير – أحمد الخواجة - حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام عباس رضوان بتشكيل خلية من كل من – شعراوي جمعة – أحمد كمال أبو الفتوح – كمال الدين الحناوى – عبد العزيز كامل – محمود الجيار – أحمد عبده الشرباصى – الشيخ عبد الحليم محمود ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – حلمي السعيد – سعد زايد وشكل محمد حسنين هيكل خلية من محمد الخفيف – لطفي الخولى – عبد الرزاق حسن – إبراهيم سعد الدين – نوال المحلاوي. <br />
<br />
وكانت خلية أحمد فؤاد تضم أحمد حمروش – أحمد رفاعي – زكى مراد – فؤاد حبشي وفيما بعد فؤاد مرسى – عبد المعبود الجبلي – أحمد الرفاعى – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم حدتو والحزب الشيوعي المصري وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل الحزب الشيوعي المصري وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل محمود أمين العالم. <br />
<br />
وقام سامي شرف بتشكيل مجموعة كانت تضم ( محمد المصري – منير حافظ – أحمد شهيب – شوقي عبد الناصر – أحمد إبراهيم ( أمين الاتحاد الاشتراكي بمصر الجديدة – عبد العاطى نافع ( أمين المطرية ) مصطفى المستكاوى (أمين الزيتون ) أحمد كمال الحديد ( أمين الوايلى ) جمال هديت ( مدير نادي الشمس ) درويش محمد درويش – نبيل نجد – أحمد حمادة وقد شكل خالد محيى الدين خليته في جريدة الأخبار من رفعت السعيد – جمال بدوى – أمير العطار – السيد الجبرتي – مصطفى طيبه – أحمد طه. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء جمال بدوى ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا أحمد طه عن وجود تحركات إخوانية ويكتب جمال بدوى إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من شعراوي جمعة – أحمد كامل – محمد المصري – احمد حمروش – محمد عروق – يوسف عوض غزولى ويعاونهم كل من أسعد خليل وعادل الأشواح '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل الهيكل التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
شعراوي جمعة – سامي شرف – عبد المجيد شديد – حسنين كامل بهاء الدين – أمين عز الدين – محمد فائق – محمد المصري – أحمد كامل أحمد شهيب – عبد المعبود الجبيلى – محمد عروق – أمين هايدى – عبد المجيد فريد – أحمد حمروش – محمود أمين العالم – حلمي السعيد – يوسف عوض غزولى – على السيد على – ويعاون في أعمال الأمانة أسعد خليل وعادل الشواح . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة القاهرة تضم على صبري – أحمد فؤاد – شعراوي جمعة – عزت سلامة – لبيب شقير – محمد فائق – سامي شرف – سعد زايد – حلمي السعيد – عبد المجيد فريد – إبراهيم الشربينى – أحمد شهيب – أحمد فهيم – فتحي فوده – أمين عز الدين – أحمد بهاء الدين – محمد النبوي المهندس. <br />
<br />
وكانت لجنة التنظيم الطليعي في وزارة الخارجية مشكلة من حسين بلبل – سميح أنوار – يحيى عبد القادر – مراد غلب – عبد المنعم النجار – أحمد عصمت عبد المجيد – حمدي أبو زيد – مصطفى مختار – أحمد لطفي متولي – محمد فتحي الريب – أمين حامد هويدى – جمال شعير – أسامة الباز – عمرو موسى – محمد وفاء حجازي – أنور السكري – محمد عز الدين شرف – أحمد صدقي – أحمد بهي الدين – إبراهيم يسرى عبد الرحمن – فخري أحمد عثمان – أحمد مختار الجمال – بهجت إبراهيم الدسوقي – مصطفى الفقى – أمين يسرى – أحمد يسرى – مختار الحمزاوى – محب السمرة – مصطفى كامل مرتجى – محمد التابعي – إبراهيم ساما جاد على خشبة – محمود فوزي كامل – فتح الله الضلعي – حسن عبد الحق جاد الحق – محمد أو الغيط – فوزي محبوب – عادل مأمون – شرف الدين – محسن أمين خليفة – محمد عوض القوني – حسين كامل بهاء الدين – عبد المنعم عبد العزيز سعودي – خالد محمد الكومى – محمد زين العابدين الغبارى – عبد الله محمود عبد الله – مخلص قطب عيسى. <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء التنظيم الطليعي من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات المصرية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى سامي شرف قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى مصر فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – عبد المنعم النجار وأسامة الباز وحسام عيسى – وعلى السمان – وجمال شعير – ومصطفى الفقى – ومراد غالب – وأسامة الخولى ووفاء حجازي وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء التنظيم الطليعي في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( حسن طلعت - ممدوح سالم – زكى علاج – أنو الأعصر – عبد الوهاب نوفل – عز الدين عثمان – فاروق عبد الوهاب – أحمد سليم – محمد عبد الجود – محمد حسنين مدي – محمد محمود عبد الكريم – أحمد صالح داود – محمد نبوي إسماعيل – محمد مهدي البندري – حسين عوف – محمد سيف الدين خليفة – أحمد رشدي – سعد الشربينى – فؤاد علام – حسن أبو باشا – فاروق الحسنى – أمير واصف – مصطفى صادق – ألبير تادرس – حسن كامل ( محافظ البحر الأحمر ) – محمد رشاد حسن. <br />
<br />
ولجنة التنظيم الطليعي في مجلس الأمة شكلت من سيد مرعى – خالد محيى الدين – حمدي عبيد – كمال الدين الحناوى – أحمد فهيم – أحمد شهيب – إبراهيم شكري – نزيه أحمد أمين – أحمد فؤاد – ضياء الدين داود – لبيب شقير ( شعراوي جمعة ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام 1965 مجموعة خاصة جدا وبتكليف من عبد الناصر شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع لعبد الناصر شخصيا ويخطر شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( سامي شرف – شوقي عبد الناصر – منير حافظ – أحمد كامل – مصطفى المستكاوى – سنية الخولى – نوال عامر – عايدة حمدي - فوقية حين محمود – عزيز أحمد خطاب – أحمد حمادة – نبيل نجم – أحمد إبراهيم – درويش محمد درويش – جمال هديت – على زين العابدين صالح – حسين حسن على - حاتم صادق – محمد شهيب ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من توفيق عبد العزيز أحمد وعبد الحميد عوني. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من أسعد خليل مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين جمال عبد الناصر من خلال سامي شرف والتنظيم بقيادة على صبري ومن ثم شعراوي جمعة ) والسفير جمال شعير فؤاد كمال حسنين ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) عبد المجيد فريد ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) حسنى الحديدي ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان شعراوي جمعة مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء التنظيم الطليعي أيضا حسنين محمود – نوال عامر – فهيم صلاح غريب – عايدة حمدي – أحمد فؤاد حجر – سنية الخولى – فوقية أحمد على – محمد أحمد غانم – محمد أسعد راجح – محمد البدوي فؤاد – عبد الحليم منتصر – عبد الوهاب البرلسى – على سيد حمدي الحكيم – طلبة عبد العزيز مصطفى – محمد خلف الله أحمد – حسين خلاف – رفعت المحجوب – مصطفى كمال حلمي – عبد الجابر علام – محمود أبو عافية – حسن ناجى – أحمد محمد كامل صديق – محمد فؤاد حسن همام – فتحي فوده تادرس – صلاح زكى – عواطف الصحفي – عبد الحميد غازي – أحمد فؤاد محمود – حسين فهما – طلعت عزيز – فؤاد محي الدين – فردوس أحمد سعد – نعيم أبو طالب – كمال الشاذلي – سميرة الكيلانى – همت مصطفى – عبد اللطيف بلطيه – أحمد فتحي سرور – مصطفى كمال – إسماعيل الدفتار – الشيخ عبد الحليم محمود – حسن مأمون – عاطف صدقي – أحمد الشيخ علام – أحمد عز الدين هلال – فؤاد أبو زغلة – محمود شريف – عزيز حلمي – عبد الهادي قنديل – حمدي حرزا – عبد الجابر علام – صلاح حافظ – عبد العزيز حجازي – مشهور أحمد مشهور – يوسف إدريس – إبراهيم صقر – على صدقي – ناصف عبد الغفار خلاف – إسماعيل صبري عبد الله – على السمان – صلاح الدين حافظ ( الأهرام ) – عبد الهادي معوض – محمد البلتاجي – وجيه أبو بكر – محمود يونس – حلمي سلام – فنحى غانم – محمد أمين حماد – جلا ل عبد الحميد – على نور الدين – محمد أبو نصير – أحمد الخواجة – صلاح جاهين – أباظة – عمر الشريف – صدقا سليمان – حكمت أبو زيد – حمدي السيد – عبد الوهاب البشرى – صلاح هديت – حسين ذو الفقار صبري – محمد أمين – حلمي كامل – كمال هنرى أبادير – على زين العابدين – محمد عزت سلامة – محمود عبد السلام – محمد صفى الدين أبو العز – صالح محمد – حلمي مراد – أحمد مصطفى أحمد – حسين أحمد مصطفى – محمد بكر أحمد – محمد محمود الإمام – حسب الله الكفراوي – محمود أمين عبد الحافظ – محمد حمدي عاشور – حافظ بدوى – عبده سلام – حامد محمود – أمين السعد – كامل زهير – محمد راغب دويدار- أحمد أحمد العماوى – فريد محمود – فليب جلاب – نجاح عمر – حسن معاذ رميح – فؤاد عز الدين – محمد عودة – محمود المراغى – حسن محمود شهاب – حسين كامل – كامل مراد- عبد المولى عطية – محمد عزت عادل – محيى الدين أبو شادي – مفيد مصطفى بهاء الدين – أحمد سلامة – يسرى مصطفى – ميلاد حنا – أمينة شفيق – فاروق العشري – عبد الوهاب الحباك. <br />
<br />
ومن كليات جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية على سبيل المثال: عبد الجليل مصطفى بسيونى – السيد جمال الدين مجاهد – أبو شادي الروبى – نبيل يوسف خطار – يوسف محمد عبد الرحمن – على الجارم – حيدر أحمد سامح همام – كميل أدهم - منير عجيب زخارى – إبراهيم جميل بدران – أحمد عادل على – إبراهيم جاد – محمود عبد القادر – محمد توفيق الرخاوى – عبد المنعم على - عباس غالب – أحمد عبد المنعم فرج – محمد صفوت حسين – محمد عبد الوهاب غنددو –عبد الملك عودة – أحمد محمود محمد بدر – محمد فتح الله الخطيب – محمد زكى شافعي – محمد حسب الله – السيد أحمد نور – يحيى حامد هويدى – عبد اللطيف أحمد على – السيد محمد رجب – عمرو أمين محيى الدين – أحمد جعرة – سعيد شاهين – عبد المعطى أحمد شعراوي حراز – يوسف عبد المجيد فايد – العمان عبد المتعال – على القاضي – سامية أحمد – على أحمد إسماعيل – أحمد على مرسى أحمد – محمد مهران رشوان – محمد صبحي سليمان – محمد أمين البنهاوي – أحمد كراوية – محمد شريف عادل – يحيى مصطفى عبد الحكيم – حلمي محمد أبو الفتوح – شفيق إبراهيم بلبع – محمد سعد الدين – محمد محمود غراب – صبحي على محمود سعد – محمد فائق مصطفى هاشم – محمود دسوقي – عبد المنعم فولى طه – السيد مجاهد – عبد الرءوف أبو الحسن – عمر عبد الآخر – محمد طلعت قابيل – محمد محيى الدين نصرت – محمد منير إبراهيم – أحمد السيد رفعت أبو حسين – محمد عبد الغنى محمود – أسامة محمود رفعت – حسن حسنى سليم – محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى – محمد عبد الرحمن الهوارى – على العريان – حسن محمد إسماعيل – حامد عبد الحميد السنباؤى – أسامة أمين أحمد – محمد متولي – محمد الجمل – عاطف محمد عبيد – على عبد المجيد – شوقي حسين عبد الله – حسن فهمي السيد إمام – عبده سعيد – إبراهيم محمد السباعي – محمد شوقي عطا الله – على محمود – حلمي محمود نمر – عبد القادر إبراهيم حلمي – توفيق بلبع – علاء الدين نصر – صلاح الدين صدقي – على محمد عبد الحافظ السلمي – متولي بدوى على عامر – أحمد عبد الرحمن – محمد بدوى – محمد كمال جعفر – حامد طاهر حسنين – عبد الحكيم حسان الإمام – محمود محمد قاسم – تمام حسان – عمر السعيد محمد – محمد رفاعي – محمد عزت خيري – عبد القادر السيد منصور – عبد المجيد عبد الوهاب – إجلال حفني محمد شرف خاطر – محمد عبد الفتاح القصاص – ماهر إبراهيم الدسوقي – جابر بركات – محمد عبد المقصود النادي – معتزة عبد الرحمن سليمان – أحمد فتحي حسين – فوزي أمين فوزي – حامد متولي – محمد لطفي عبد الخالق – محمد عبد الواحد محمد – فوزي حسين عبد الودود يحيى – مفيد محمود شهاب – أكثم أمين الخولى – عاطف سرور – عائشة راتب عبد الرحمن – مأمون محمد سلامة – حامد نصر أبو زيد – محمد نجيب حسنى – جميل متولي الشرقاوي – عبد المنعم السعيد البدراوى – كمال الدين صدقي – محمود نصر – محمد كمال سليم – محمد على – محمد فتح الله علد العال – فتحي النواوى – عصام الجندي – سهير يوسف صالح – على الدين هلال – إسماعيل مسام الخطيب. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم عبد الغفار شكر- كمال القشيشى – نور الدين فهمي – محمود سعيد – إبراهيم الخولى – محمود عاشور- صلاح الشرنوبى – السيد الزيات – عزت عبد النبي – أحمد عبد الغفار المغازى – أحمد عمر – على الطحان – محمد هاشم العشيرى – هاشم حمود – رفعت السباعي – شلبي عرفة الشابورى – حمدي الطاهر – عباس ندراوى . وقد تم ضم هؤلاء إلى التنظيم الطليعي. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد على الدين هلال وما كتبه عبد النبو ضد حسين كامل بهاء الدين وما كتبه عبد الغفار شكر ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم عبد الغفار شكر اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل التنظيم الطليعي ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة سمير حمزة وكل من أحمد توفيق – صالح السمرة – عثمان عزام .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء التنظيم الطليعي نجد أن هناك مجموعات داخل التنظيم الطليعي كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر 1964 ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك محمد فائق في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل عبد الناصر وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم القاهرة إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- سعد زايد وعلى صبري مسئولان عن منطقة شمال القاهرة. <br />
<br />
- سامي شرف مسئول عن منطقة شرق القاهرة. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن منطقة جنوب القاهرة. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن منطقة غرب القاهرة. <br />
<br />
- النبوي إسماعيل ومن بعده كمال الحناوى – مسئول عن منطقة وسط القاهرة ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- محمد أحمد البلتاجي مسئول طليعة الاشتراكيين في الجيزة. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في البحيرة. <br />
<br />
- عبد الحميد خيرت مسئول طليعة الاشتراكيين في سوهاج. <br />
<br />
- فؤاد محيى الدين مسئول طليعة الاشتراكيين في القليوبية. <br />
<br />
- محمد المصري مسئول طليعة الاشتراكي في الدقهلية. <br />
<br />
- حمدي عاشور ثم ضياء داود مسئول طليعة الاشتراكيين في دمياط . <br />
<br />
- محمد حسنى رشدي مسئول طليعة الاشتراكيين في بور سعيد. <br />
<br />
- مشهور أحمد مشهور مسئول طليعة الاشتراكيين في الإسماعيلية. <br />
<br />
- مصطفى الجندي مسئول طليعة الاشتراكيين في الغربية. <br />
<br />
- كمال الشاذلي مسئول طليعة الاشتراكيين في المنوفية. <br />
<br />
- محمد رشدي دكرورى مسئول طليعة الاشتراكيين في المنيا. <br />
<br />
- محمد زكى علام مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- محمد إسماعيل معاذ مسئول طليعة الاشتراكيين في الوادي الجديد. <br />
<br />
- عواد خليل حسنين مسئول طليعة الاشتراكيين في سيناء. <br />
<br />
- شعبان محمد العتال مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- حسن ضياء سليمان مسئول طليعة الاشتراكيين في البحر الأحمر. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين الاتحاد الاشتاركى وكان لأمناء التنظيم الطليعي في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- حسين كامل بهاء الدين مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- أحمد الخواجة مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. حمدي السيد مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير عبد الحكيم عامر بخطوات التنظيم الطليعي من عبد الناصر ، فأمر شمس بدران بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر عن طريق شمس بدران . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة المصرية تحت مفهوم أمن الثورة داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء شمس بدران وعبد الحكيم عامر في هزيمة 1967م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون الاتحاد الاشتراكي لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول ن هذا التنظيم الصاغ شمس الدين بدران الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق محمد فوزي القائد العام للقوت المسلحة بعد يونيو 1967م ثم وزير الحربية بعد أمين هويدى ، والفريق محمود أحمد صادق رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد مايو 1971 م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها حامد محمود للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من جمال عبد الناصر في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة جمال عبد الناصر مباشرة " ،لكن سامي شرف يعلم بشكل واضح أن المشير عبد الحكيم عامر كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال لشمس بدران، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة لشعراوي جمعة عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل لشمس بدران مسئولية قيادة التنظيم الطليعي داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر أكتوبر 1964م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى شمس بدران ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة الجماعة مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث 1954م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع الإخوان المسلمين الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر سيد قطب في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن زكريا محيى الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الاتحاد الاشتراكي وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن زكريا محيى الدين أيضا زار المرشد العام حسن الهضيبى ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى لبعد الناصر بعيد العزيز كامل من السجن ، وقد كان عضوا بمكتب الإرشاد ، وقد تخلى عن الجماعة ، وتم تعيينه فى قسم الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي ، وقد أصبح عبد العزيز كامل فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جرت محاولة مشابهة مع زينب الغزالي داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام للاتحاد الاشتراكي تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت الثورة على الإفادة من ممثلي الإسلام السياسي من خارج الجماعة فخالد محمد خالد يذكر " جاء مجدي حسنين يفاتحني في أمر ، إن جمال عبد الناصر طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم عبد الناصر بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة خرشوف لمصر في مايو 1964 ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد عبد الناصر عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم لطفي الخولى رئيس تحير الطليعة ، وأمين عز الدين المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور إبراهيم سعد الدين عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم بالتنظيم الطليعي شعراوي جمعة وسامي شرف وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين المصريين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان سامي شرف يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين والطليعة العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج مصر من خلال أمانة الشئون العربية بالاتحاد الاشتراكي. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في القاهرة. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس عبد الناصر هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد الطليعة العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة الطليعة العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان فتحي الديب مسئول الطليعة العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في الطليعة العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح عبد الناصر في مؤتمر المبعوثين الذي عقد بالإسكندرية في أغسطس 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور التنظيم الطليعي يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن الثورة فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتراكي وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم الطليعة فضلا عن التقارير التي تقدم لعبد الناصر بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد أحمد حمروش كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من الاتحاد الاشتاركى وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء التنظيم الطليعي يرفعون تقاريرهم إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الطليعي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد التنظيم الطليعي في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام عبد الناصر دون أن يمارس أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية عبد الناصر التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في الاتحاد الاشتاركى وأمينا لأمانة التنظيم الطليعي ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم إسماعيل صدقي. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى عبد الناصر أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل الاتحاد الاشتراكي وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان شعراوي جمعة هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان شعراوي جمعة بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو محمد عروق واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان محمد عروق قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب شعرواى جمعة عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان بعبد الهادي ناصف وفاروق متولي. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين التنظيم الطليعي حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى على صبري أمانة الاتحاد الاشتاركى بعد حسين الشافعي ، وأصبح زكريا محيى الدين رئيسا ووزيرا للداخلية ن وشعراوي جمعة وزير دولة (1/10/1965م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد زكريا محيى الدين وخلفه صدقي سليمان كرئيس للوزارة ، وأصبح شعراوي جمعة وزيرا للداخلية ومحمد فائق للإعلام وأمين هويدى وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح التنظيم الطليعي جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها شعراوي جمعة وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل شعراوي جمعة ، إذا يمكن أن نعتبر عام 1965 م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل أحمد حمروش ، أمين عز الدين ، عبد المعبود الجبيلى ، محمود أمين العالم ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس جمال عبد الناصر من أمثال عبد المجيد فريد ، شعراوي جمعة ، أمين هويدى ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ( ساما شرف ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات الثورة. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى التنظيم الطليعي ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير سعيد طوسون بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : أنور أبو المجد ( ضابط شرطة متقاعد ) وصلاح عبد المعطى ، وشوقي عبد الناصر ( مدرس بالإسكندرية ) وحسنى أمين، وسلامة عثمان من المخابرات العامة ، ومحمود عبد الرحيم وعادل عبد الفتاح ، ومحمد الدجوى . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى شعراوي جمعة للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من سامي شرف – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف يوسف عوض غزولى بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه أنور أبو المجد وحسنى أمين ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : حامد شاكر حجاب وسالم حليمة من جهاز التنظيم والإدارة ، وعبد المنعم حمادة ومحمد رشوان وفاروق أبو زهرة ومحمد عبد الغنى وعادل الأشوح. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب شوقي عبد الناصر ، وانضم إليه فيما بعد سلامة عثمان _( ضابط مخابرات سابق ) ومحمود عبد المجيد ( من هيئة استعلامات ) وعادل حسين .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة الاتحاد الاشتراكي والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية عندما أبلغت عن تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، وكان يشرف على هذا المكتب أحمد كامل ومحمد المصري. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب محمد عروق ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام 1966 م كلف محمود أمين عالم بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة القاهرة الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة على صبري وعضوية الضباط السابقين: أحمد كامل ، وحلمي السعيد ، وشعراوي جمعة ، وسعد زايد ، ومحمد فائق ، وسامي شرف ، والدكتور عزت سلامة ، والدكتور لبيب شقير ، والدكتور إبراهيم الشربينى ، ثم أحمد بهاء الدين ، وممثلي العمال : أحمد فهيم وفتحي فودة. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في الاتحاد الاشتراكي وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان الاتحاد الاشتاركى في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور الطليعة لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين القاهرة ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر الهيكل التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتاركى بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان معظم أعضائها أعضاء بالتنظيم الطليعي . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق عبد الناصر وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة أحمد كامل أحد المسئولين ورفعها إلى سامي شرف "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة التنظيم الطليعي على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوارالتى قام بها التنظيم الطليعي هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، فقد ذكر الرئيس عبد الناصر أمام مؤتمر المبعوثين في أغسطس 1966م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة الإخوان المسلمين كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة الدقهلية .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث الاخوانى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى للإخوان بزعامة سيد قطب ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج سيد قطب من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى الإخوان الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد الإخوان إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات سيد قطب مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من الإخوان خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات الإخوان المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة الجماعة التي سبق حلها عام 1954م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين للإخوان والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء التنظيم الطليعي تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في الدقهلية والقاهرة ، وخلال الفترة من 12/10/1964م إلى 28/10/1965م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء التنظيم الطليعي المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة للإخوان كأفراد وجماعة في منتصف عام 1965م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود الاتحاد الاشتراكي وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول حسنى أمين في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر عام 1965م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية ، وكان أمينها محمد المصري ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء الطليعة وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من أمين عز الدين ، محمد عروق ، عبد المعبود الجبلي ، حسنى أمين ، وإن ذكرشعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 أكتوبر 1963م ، والأخير بتاريخ 16أبريل 1971م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 1963م يدور حول " العدوان المغربي على الجزائر وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث العراقي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/1963م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من ثورة يوليو ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 ديسمبر 1963م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد الجمهورية العربية المتحدة " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر الجمهورية العربية المتحدة في حرب اليمن ومساندة ثوار الجزائر ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على الجمهورية العربية المتحدة ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة اليمن وانتصار الجزائر في موقفها مع المغرب بمعاونة الجمهورية العربية المتحدة ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في العراق وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/1964م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح مجلس الأمة 26 مارس 1964م . وكذلك خطاب على صبري رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6أبريل 1964م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء الطليعة ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 يناير 1965م، ثم توقف الصدور حتى 2 أبريل ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في أبريل 1965م، ثم العدد (31) في 2 مايو ، ثم العدد (32) في 9 مايو . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعونتها " قال الرئيس عبد الناصر في خطابه في عيد النصر : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله البحر الأحمر يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على عبد الناصر أن يذكر أن كل رغيف يأكله مصري نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل مصري يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من الطليعة الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب الاتحاد الاشتراكي دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في الاتحاد الاشتراكي . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله الطليعة الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير الاتحاد الاشتراكي تحركا واعيا .. الاتحاد الاشتراكي تنقصه الطليعة السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 أبريل 1965م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه عبد الناصر إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز الديمقراطية ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول مايو " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول مايو .. وكيف أصبح أول مايو عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول مايو تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول مايو بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 مايو لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في مصر حققت ثورة 23 يوليو مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة الثورة الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن مصر سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في ممارسة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكي منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم الديمقراطية الليبرالية لفظته الثورة واستبدلت به الديمقراطية الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي – شقيق الكاتب المعروف عبد الرحمن الشرقاوي – قد تم القبض عليه في 14 يوليو 1966 مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين الهاربين خارج البلاد وفى 22 سبتمبر 1967مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس جمال عبد الناصر أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من صلاح نصر. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 مارس نشرة خاصة بتاريخ 31/3/1968م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 مارس " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 مارس 1968م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر الثورة المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 مارس هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة بالإخوان المسلمين ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان التنظيم الطليعي – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات الاتحاد الاشتراكي والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة 1967م تفرغ عبد الناصر تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة على صبري ، وكانت تضمن شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمد فائق وضياء الدين داود ولبيب شقير وعبد المجيد فريد. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في فبراير1968م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب عبد الناصر لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 مارس 1968م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات الثورة ويسارها الخاص المتمثل في التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على الاتحاد الاشتراكي العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – التنظيم الطليعي – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء الاتحاد الاشتراكي.<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي وأحداث مايو 1971===<br />
<br />
وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا لأنور السادات نعم على طريق عبد الناصر . وكانت المجموعة التي تحيط بعبد الناصر في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح أنور السادات وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح أنور السادات. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن على صبري هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى أنور السادات رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق عبد الناصر ، وكانت تلك رغبة على صبري ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة عبد الناصر كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار الثورة وسرعة اختيار خليفة لعبد الناصر ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح أنور السادات للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة يوليو 1952م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم جمال عبد الناصر واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على السادات . ونظر السادات أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد السادات. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن السادات صاحب خبرة من قبل الثورة كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة المصرية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب السادات الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى السادات حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث مايو ، والتي وصلت ذروتها بإقالة على صبري في 2 مايو ، فبدأت قيادات التنظيم الطليعي – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب السادات – تتحرك للعمل ضد السادات من خلال التنظيم الطليعي ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 مايو 1971م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12مايو ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب شعراوي جمعة في مقر الحكومة المركزية في مصر الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة عبد الناصر سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة السادات ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 مايو ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع شعراوي جمعة أمين التنظيم ووزير الداخلية ، وسامي شرف عضو الأمانة ومسئول جنوب القاهرة عن التنظيم الطليعي ، وسعد زايد مسئول شمال القاهرة ومحمد فائق غرب القاهرة ، وحلمي السعيد عضو الأمانة ومسئول شرق القاهرة ، وأحمد كامل رئيس المخابرات ، ومحمود أمين العالم عضو الأمانة ، ويوسف غاز ولى عضو الأمانة ، ومحمد عروق مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، وأحمد شهيب نائب رئيس شرق القاهرة. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب شعراوي جمعة الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين أنور السادات في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث على صبري كما كان يرجو السادات ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة على صبري قبل حضور روجرز ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد السادات له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة السادات في حل الاتحاد الاشتراكي ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا لعلى صبري ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن السادات سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح شعراوي جمعة أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل الاتحاد الاشتراكي وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة التنظيم الطليعي على ما دار ن حوار بين السادات وسيسكو اتفق الجميع على أن السادات لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل سعد زايد عن موقف الجيش ، فأجاب أحمد كامل بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن سامي شرف تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله السادات ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط السادات ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط الاتحاد الاشتراكي وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب محمود أمين العالم بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط أنور السادات الجديد. <br />
<br />
وقرر شعراوي جمعة تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من محمود أمين العالم ، محمد عروق ، يوسف غاز ولى ، عبد الهادي ناصف ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب السادات أمام الهيئة البرلمانية وخطاب محمود رياض عن نتائج زيارة روجرز لمصر . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب شعراوي جمعة ، مثل سامي شرف ومحمد فائق.<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم السادات – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا شعراوي جمعة لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 مايو ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب شعراوي جمعة . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في القاهرة وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن القاهرة ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور حسن خليفة. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى أنور السادات اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 مايو أقال السادات شعراوي جمعة ، وحل محله ممدوح سالم محافظ الاسكندرية حينئذ ومسئول التنظيم الطليعي بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم التنظيم الطليعي سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب السادات كانت غالبيتها من عناصر التنظيم الطليعي فقد كان عزيز صدقي وسيد مرعى وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في التنظيم الطليعي ، وكان في الطليعي أيضا محمد عبد السلام الزيات الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 مايو بدلا من محمد فائق عضوا بالتنظيم الطليعي. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة الدستورية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م وترشيح السادات لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في مصر أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر السادات وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من عبد الناصر وخطه وتحالفهم في الخارج – أن السادات هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة عبد الناصر الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 مايو ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل السادات في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد المصري السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب الديمقراطية وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح السادات البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز سيد مرعى لصالح السادات ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين هيكل أنه يفضل أن يكون مع السادات حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة مايو حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما السادات هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة مايو يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام السادات ، وهذا ما جعل السادات يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام السادات كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن السادات ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة الديمقراطية ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية الديمقراطية في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح السادات في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل الإخوان المسلمين ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب مايو والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وتخلص الرئيس السادات من كل رجال عبد الناصر تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال عبد الناصر بعد أحداث مايو 1971م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس أنور السادات ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال عبد الناصر وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها السادات كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم بالتنظيم الطليعي السري ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز بالتنظيم الطليعي ( والمتهم رقم 49) للرئيس أنور السادات وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/1971م وجاء فيه سيادة الرئيس محمد أنور السادات رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/1971م. <br />
<br />
وذكر أحمد شهيب تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية بمصر الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/1971م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت شعراوي جمعة وسامي شرف وسعد زايد محمد فائق وحلمي السعيد وأحمد كامل – محمود أمين العالم – ويوسف غزولى ومحمد عروق – وأحمد شهيب وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء لمصر ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – أحمد شهيب. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان سامي شرف في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل سامي شرف أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/1971م أمام الأستاذ محمود حلمي راغب رئيس النيابة بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 سبتمبر 1970 بوفاة المرحوم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس محمد أنور السادات من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس محمد أنور السادات لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس محمد أنور السادات خلفا للرئيس جمال عبد الناصر عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس أنور السادات وبتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر خلال الفترة من سبتمبر سنة 1969 حتى سبتمبر 1970 وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس أنور السادات وفى يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس أنور السادات إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس أنور السادات تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس أنور السادات يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي شعراوي جمعة وأمين هويدى في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء المصريين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد زكريا محيى الدين لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس أنور السادات حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس أنور السادات بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس جمال عبد الناصر هو الذي اختار بنفسه الرئيس أنور السادات امتداد طبيعي ومنطقي لخط جمال عبد الناصر ... '''واستطرد سامي شرف في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد أنور السادات والسيد على صبري على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر يناير سنة 1971 وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح قناة السويس واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس أنور السادات والسيد على صبري وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد على صبري علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد على صبري وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس على صبري بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد على صبري في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل سامي شرف حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين شعراوي جمعة لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة بشعراوي جمعة لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس جمال عبد الناصر بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ محمد أحمد بالإفراج عنه بالاتفاق مه شمس بدران في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد محمد أحمد ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس جمال عبد الناصر وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد شعراوي جمعة فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر جمال عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة 1970 المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر أعطى أمر لشعراوي جمعة ولأمين هويدى ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق محمد أحمد صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس جمال عبد الناصر واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس عبد الناصر وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة هدى عبد الناصر وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس أنور السادات وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال سامي شرف. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ أنور السادات أن السيد على صبري بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون فريد عبد الكريم مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر للسيد شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع فريد عبد الكريم لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في فريد عبد الكريم وهذا الرأي الخاص يطابق تماما شعراوي جمعة ورأيي شخصيا في فريد عبد الكريم وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا فريد عبد الكريم وفى إطار تنفيذ أمر السيد جمال عبد الناصر في متابعة فريد عبد الكريم دفع السيد شعراوي جمعة بمحمود السعدنى ليستدرجه ويكون مصدر معلومات لشعراوي جمعة عن فريد عبد الكريم واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس أنور السادات كان له نفس الرأي في فريد عبد الكريم .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة بفريد عبد الكريم أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب سامي شرف : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون فريد عبد الكريم فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن فريد عبد الكريم وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس أنور السادات في منزله يوم 13/5/1971 وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة بفريد عبد الكريم وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: فريد عبد الكريم ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع شعراوي جمعة المستميت عن اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب لحسن طلعت من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر شعراوي جمعة أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق زكريا محيى الدين وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز شعراوي جمعة فرصة حضور اللواء حسن طلعت أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى لحسن طلعت:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في أواخر سنة 1966 وعددهم عندما أقيل في 13 مايو سنة 1971؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة لحسن طلعت.<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة مايو 1971م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس السادات في يوليو في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي في 22 يوليو 1971م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة أغسطس 1974م التي طرحها الرئيس السادات لتطوير الاتحاد الاشتراكي وصفت التنظيم الطليعي " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات للاتحاد الاشتراكي ، وانعدمت الديمقراطية تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون الاتحاد الاشتراكي قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال الطليعة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية الاتحاد الاشتاركى العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات والأحزاب التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي لحزب التجمع منظمة الشباب والتنظيم الطليعي – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى عبد العزيز حجازي عضو التنظيم الطليعي ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي مارسته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين مارسوا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر شعراوي جمعة أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف على صبري في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا التنظيم الطليعي ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة التنظيم الطليعي في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو التنظيم الطليعي بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ الديمقراطية داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير بالثورة ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في البحيرة ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م وهو في لمهد ، وبعد عام 1967م لعب التنظيم الطليعي أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع عبد الناصر ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد الثورة هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين بالثورة ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي والقضاء===<br />
<br />
'''عبد الناصر والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام الثورة سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت الثورة تقريبا على ذات درجة الاستقلالية القانونية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام القانونية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام الثورة قد زادت من الضمانات القانونية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي 1954، 1955 وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت الثورة بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات الوفد السابقة والأحزاب الأخرى ، أو جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة الثورة ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن.<br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 يوليو إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم يمارسون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم القانونية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 فبراير سنة 1948م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق السنهوري على رأس المجلس عندما قامت الثورة ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة الثورة وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي 1954،1955، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب السنهوري في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في 1955 صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية القانونية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج السنهوري. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء القانوني لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات القرن العشرين، ومحمد لبيب عطية باشا وعبد الرحمن الطويل باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم القرن التاسع عشر نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في 1951 فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت الثورة انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين. <br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة 1967، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة 1967 أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة 1967 كسرت المشروع السياسي الذي كانت ثورة يوليو اعتمدته ومارست تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في فبراير 1968بما لم يكن مثله مسبوقا منذ 1954 واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها الثورة من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك ثورة 23 يوليو مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ الدستورية والقانونية التي بقى القانونيون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه القانوني والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات الإصلاح القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– الدعوة إلى إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها الثورة. وقيل وقتها إن انضمام القضاة للاتحاد الاشتراكي لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال القانون ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها الثورة والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير القانونية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء المصري من قبل 23 يوليه من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر القانوني وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان التنظيم الطليعي السري في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان التنظيم الطليعي منذ أواخر عام 1966م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي عبد الحميد الجندي الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/1965م في مجموعة شرق القاهرة برئاسة سامي شرف وأحمد شهيب. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي من قبل على صبري وشعراوي جمعة للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن محمد أبو نصير كان هو عين النظام على السنهوري في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام 1955م) . <br />
<br />
وقد بدأ محمد أبو نصير بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز وعادل يونس رئيس محكمة النقض والمستشار محمد الصادق مهدي ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال القانون ، ليكون شعبة تابعة للاتحاد الاشتاركى ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار محمد الصادق مهدي. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار ممتاز نصار وعادل يونس ووزير العدل عصام حسونة الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من محمد أبو نصير ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس عبد الناصر في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن شعراوي جمعة قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين بالثورة ، وكذلك فعل شمس بدران في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير عصام حسونة حتى تم استبعاده في 20 مارس 1968م ، وعين بدلا منه محمد أبو نصير الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت محمد أبو نصير مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار محمد الصادق مهدي والمستشار على شنب والمستشار عمر الشريف ورئيس المحكمة عبد الحميد الجندي ، ومن النيابة على نور الدين ، ومن قضايا الحكومة إبراهيم هايدى وعبد الحميد يونس ، وقد انضم بعد فترة المستشار على كامل مستشار الاتحاد الاشتراكي وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم بشعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر محمد عروق بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة بالتنظيم الطليعي وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم بسامي شرف فيما يرى عرضه على جمال عبد الناصر وقد سميت هذه المجموعة بالجماعة القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه الجماعة على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير محمد أبو نصير باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من عبد الناصر باعتبار على نور الدين مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها لشعراوي جمعة أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب جمال عبد الناصر وكان هذا التنظيم الطليعي يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي عبد الحميد الجندي ، ثم لحق به عبد الحميد يونس ، وعبد الحميد الجندي كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة جمال عبد الناصر.<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به محمد أبو نصير وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء الاتحاد الاشتراكي وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام محمد أبو نصير بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس جمال عبد الناصر. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار محمد إبراهيم أبو لعم قائلا " سيد الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب مصر وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد عبد الناصر وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة لعبد الناصر سنة .1968م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب على صبري الأمين العام للاتحاد الاشتراكي سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 مارس 1967م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في الاتحاد الاشتراكي أمر له دلالته – أوضح على صبري أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/1967 انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق القانون والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل والقانون في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/1967 يعيب على القانون ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/1967 قال أن القانون يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/1967 قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/1967 قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/1967 ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/1967 دعا إلى تفاعل رجال القضاء والقانون مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/1967 أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/1967 قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة والقانون وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام 1967 أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات مصر والتي استغلت ثورة 23 يوليو لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " سعد زايد " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت القانون أجازة " <br />
<br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في مصر أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق والقانون . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة القانونية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط مجدي حسنين – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور أحمد السمنى كضحية فقال جمال عبد الناصر " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار رياض لوقا وعضوية عبد الخالق فريد – أبن الزعيم محمد فريد – والمستشار جمال المرصفاوى ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر عبد الناصر خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير أمين سوكة الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في مارس 1969 أمام دائرة يرأسها المستشار سعيد كامل وقضية المستشار محمود عبد اللطيف – وهو الذي كان مشرفا على تربية عبد الناصر في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار حلمي قنديل والمستشار فؤاد الرشيدي ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها عبد الناصر بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة أمين سوكة (بره) <br />
<br />
2- قضاة محمود عبد اللطيف (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن عبد الناصر استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار محمود عبد اللطيف ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار عبد العزيز أبو خطوة وطلب المحامون ومنهم عبد العزيز الشوربجى تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح عبد العزيز الشوربجى نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك لمصر وقضاة مصر وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار عبد العزيز أبو خطوة رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط عبد الناصر غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى محمود عبد اللطيف في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل عبد الناصر موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار محمود عبد اللطيف بالسجن حتى موت عبد الناصر في 28/9/1970 – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان محمود عبد اللطيف صاحب فضل كبير على عبد الناصر في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر عبد الناصر بأصحاب الفضل عليه أما السفير أمين سوكة فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب على صبري إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من التنظيم الطليعي في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر السادات هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى الثورة المضادة وفلول الرجعية والإقطاع والأحزاب السابقة والإخوان ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة القانون ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21مارس 1969م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل محمد أبو نصير قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء التنظيم الطليعي ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة ممتاز نصار ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة ممتاز نصار بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون ممتاز نصار وشبل عبد المقصود وعبد الوهاب أبو سريع وعبد العليم الدهشان ومفتاح السعدي – رؤساء المحاكم والقضاة يحيى الرفاعى وجمال خفاجي وحسن غلاب وسليم عبد الله ومحمود بهي الدين عبد الله – أعضاء النيابة مقبل شاكر وكمال زعزوع وأحمد فؤاد عامر ومصطفى قرطام وحسن عابد.<br />
<br />
وبدأ تحريك التنظيم الطليعي في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 مارس 1969 م إلى 9 يوليو 1969 م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته الجماعة القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من التنظيم الطليعي لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس عبد الناصر، وكان يشرف عليها أنور السادات وبرئاسة على نور الدين النائب العام ، وعضوية كل من المستشار عمر الشريف وعلى كامل وكانت تجتمع بمكتب سامي شرف يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر سيد مرعى أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ولجمال عبد الناصر شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب عبد الناصر من محمد أبو نصير وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد شعراوي جمعة وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد عبد الناصر وضد القوانين الاشتراكية . وعقب عبد الناصر بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول سيد مرعى إنه كان واضحا أن عبد الناصر يصدق تماما بيانات أبو نصير وشعراوي جمعة . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن جمال عبد الناصر كلف محمد حسنين هيكل بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر سيد مرعى عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر محمد أبو نصير أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه محمد أبو نصير أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ هيكل جمال عبد الناصر وجهة نظر سيد مرعى كاملة ولكن عبد الناصر أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 أغسطس 1969م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة 1969م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 مارس 1969م.<br />
<br />
بتاريخ 31 أغسطس 1969 أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " الإصلاح القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار القانون رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات القانونية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية الثورة ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار القانون رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار القانون 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم القانون وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل الإصلاح القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق القانون وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق والدستور".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار القانون رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 مارس 1969 وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة 1967م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969 بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة 1969 بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/1969 أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة 1969 قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة 1969 وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/1969 وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم القانون". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 يبين أنه صدر بناء على القانون رقم 15 لسنة 1967 الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة يونيو سنة 1967 وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور 1964 الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم القانون قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة القانون ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من الدستور المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون " وفى المادة 156 على أن يبين القانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من القانون 0 فإن القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم القانون يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار يحيى الرفاعى على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة أحمد الخواجة عضو التنظيم الطليعي في الجيزة عقد أربعة اجتماعات في شهر سبتمبر 1969 أيام 12،13،18،29 سبتمبر 1969م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 أغسطس سنة 1969 وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد مصطفى كامل إسماعيل الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في 1969 ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في 1955 لم يذكر كثيرون ما حدث في 1955 عندما يتكلمون عن حدث 1969، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء المصري بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 يوليو فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث 1969 فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 يوليو ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار يحيى الرفاعى ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من السادات تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار على محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن شعراوي جمعة رفض ذلك مرتين – مرة السادات نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 مايو ، وأخبر السادات بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار يحيى الرفاعى في غضب ( في حديث له مع النائب العام على نور الدين في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل كمال عبد العزيز في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من أحمد الحضري المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى ألبير جريش الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام عبد الناصر كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها مصريا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد السادات للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال كمال عبد العزيز وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في مصر والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها عبد الناصر إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح ممتاز نصار بعد ذلك عضوا لامعا في مجلس الشعب وزعيما للمعارضة الوفدية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في مجلس الشعب ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما يحيى الرفاعى فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل عبد القادر حلمي وبكر شافع ومأمون الهضيبى وكمال عبد العزيز ، وعادل عيد وعلى عبد الرحيم وسليم عبد الله وجميل الزينى وحلمي قنديل وممتاز نصار وغيرهم من خيرة رجال القضاء في مصر علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال مصرا على دخول القضاة الاتحاد الاشتاركى . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/1970 تحدث المستشار محمد السيد الرفاعى عضو التنظيم الطليعي وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام للاتحاد الاشتراكي لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس عبد الناصر:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو القانون الجديد اتعمل في وقت عصام حسونة آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة 1952 حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة 1967 بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام صبري أبو علم .. ,أنا ما بقولوش الاتحاد الاشتراكي حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام الأحزاب السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في الاتحاد الاشتراكي لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل الثورة ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب عبد الناصر :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة 1968م لغاية منتصف 1969م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام الثورة وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة 1952م، وكان موضوع جدل وقلق من مجلس قيادة الثورة بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت للاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى الاتحاد القومي منذ الخمسينات ثم إلى الاتحاد الاشتراكي في مطلع الستينات من كان عضوا بالتنظيم الطليعي ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/1969م هو رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي كما يبدو من ظاهر أقوال عبد الناصر أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا الاتحاد الاشتراكي حزبا أو كما قال عبد الناصر أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى الاتحاد الاشتراكي ومن قبله الاتحاد القومي بل إلى التنظيم الطليعي السري ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام للاتحاد الاشتراكي هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول الاتحاد الاشتراكي ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل التنظيم الطليعي تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار على نور الدين النائب العام حتى أبريل 1970م.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء التنظيم الطليعي إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتاركى والوزير سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار عبد الحميد الجندي ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى سامي شرف ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة عبد الناصر.<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار على نور الدين والمستشار على كامل والمستشار عمر الشريف وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- أنر السادات – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة 1971 وبعد ذلك قدم المستشار عبد الحميد الجندي للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 1971 '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/1965 حتى 32/5/1971 '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية بسامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة 1971 أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام 1958 وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/1965 فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم مارس نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى سامي شرف وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام لعبد الناصر بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 حكم مجلس التأديب بعزل المستشار محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله الدستور ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 يناير 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 المقامة على المستشارين محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف ومحمد أحمد لطفي المستشار بمحكمة استئناف بني سويف وزهير أحمد دمرداش المستشار بمحكمة استئناف بني سويف بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/1971م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 أكتوبر سنة 1971م صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 85 لسنة 1971م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا القانون إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا القانون وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق القانون رقم 83 لسنة 1969 المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد السادات تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/1971 يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي يحيى الرفاعى( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار حافظ هريدى ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة 1969م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة 1969م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي يحيى الرفاعى إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو محمد سلامة بناء على طلب السادات بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار يحيى الرفاعى إلأى المستشار جمال المرصفاوى رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم السادات وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار يحيى الرفاعى إلى جريدة الأخبار وطلب من موسى صبري أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس السادات وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار يحيى الرفاعى المستشار فتحي نجيب إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار يحيى الرفاعى عمله واضطر السادات إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر القانون رقم 43 لسنة 1973 قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة 1969م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام القانون رقم 85 لسنة 1971م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في 1969 زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان المصريون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا مصر بعد الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1970م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير المصرية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس أنور السادات في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل 1970 وبعدها، نلحظ أن الرئيس عبد الناصر كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل 1970 تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الممارس ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد 1970 التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل الجماعة أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 يوليه والنظام الذى تلاه بعد 1970م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام جمال عبد الناصر لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد عبد الناصر يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب الإخوان جمال حشمت في أحد دوائر البحيرة. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=643355عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-21T10:44:40Z<p>Helmy: /* التنظيم الطليعي والقضاء */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. حمادة حسنى'''<br />
<br />
'''تقديم : د. هشام السلامونى'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في القرن – العشرين – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور حمادة حسنى – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة قناة السويس، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،بدستور 1956، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو 1956 ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على الدستور الثوري ) كانت الثورة قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات الثورة السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( هيئة التحرير)، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة الثورة، ومن ثم مع رئيس مجلس قيادة الثورة، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس مجلس قيادة الثورة ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل مجلس قيادة الثورة بالفعل)، وقد جاء دستور 1956 ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم الثورة( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل الثورة نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل الثورة – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام الأحزاب المصرية بدءا من العام 1907 والجمعية التشريعية في العام 1914، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في ثورة 1919 وما بعدها ، تحت قيادة حزب الوفد ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ 1924 إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل الثورة في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من ثورة يوليو- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات عبد الناصر، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا الديمقراطية ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي الديمقراطية ( حق الناس في إدارة شئونهم / الشورى / مصر للمصريين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( مصر للمصريين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة الإسلامية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن عبد الناصر لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات الثورة ( غير المعارضة لشهيرة للإخوان المسلمين، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية الثورة من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة 1967 ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 مارس بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة عبد الناصر، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني والثورة، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات الثورة السياسية، منذ أولها هيئة التحرير إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك جمال عبد الناصر أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ السادات في التنظيم الطليعي- المدافع عن الثورة ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في مايو 1971، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية الساداتية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في 2008 والمناضلون المصريون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من 1952 إلى 1955 ، وتمت شرعنته في دستور 1956 ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه بالدستور المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون المصريون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة المصرية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون جمال عبد الناصر تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها جمال عبد الناصر قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن جمال عبد الناصر قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع عبد الناصر في سيارته، وانتقد بشدة أداء هيئة التحرير، باكورة تنظيمات الثورة، وأن عبد الناصر قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن هيئة التحرير نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن عبد الناصر لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على الثورة ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات عبد الناصر في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد أحمد فؤاد لعبد الناصر ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ هيكل ، والسيد على صبري، وسكرتير عبد الناصر الشخصي السيد سامي شرف، وأحمد فؤاد( الماركسي ) نفسه، فكان رد جمال عبد الناصر، أن هيكل وعلى صبري من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد أحمد فؤاد أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم سيد قطب في اعترافاته ، من أن السيد زكريا محيى الدين قد عرض على أفراد من "الإخوان المسلمين" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و الإخوان المسلمين ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) عبد الناصر، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره عبد الله إمام عن حوار تم بينه وبين السيد سامي شرف ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور رشوان فهمي ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد سامي شرف يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو بالاتحاد الاشتراكي ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام 1959 ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد سامي شرف للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم عبد الناصر الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير جمال عبد الناصر وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات عبد الناصر السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة جمال عبد الناصر المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة جمال عبد الناصر ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن عبد الناصر لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات عبد الناصر لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات عبد الناصر، والذي ورد ذكره مع الاتحاد الاشتراكي العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له وعبد الناصر يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن سوريا ، وخلاف عبد الناصر المهدد لسلطته مع المشير عبد الحكيم عامر، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، وعبد الناصرالذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد عبد الناصر – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في الاتحاد الاشتراكي، وفى التنظيم الطليعي ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها عبد الناصر في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم التنظيم الطليعي . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة 1967 ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون التنظيم الطليعي ، عمد نظام عبد الناصر إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في فبراير 1968 ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، والديمقراطية ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان عبد الناصر هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر عبد الناصر خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي الثورة التي قامت في يوليو 952 "0<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله جمال عبد الناصر في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات " دار قباء، القاهرة 1999 ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان هيكل وسيد مرعى وعبد العزيز حجازي وسامي شرف مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو الدعوة والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال جمال عبد الناصر، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول جمال عبد الناصر في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس الدعوة والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن ثورة يوليو 952 ، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات جمال عبد الناصر محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات عبد الناصر عن تنظيمه الجديد فلقد كن الاتحاد الاشتراكي العربي يمارس الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات جمال عبد الناصر ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء الاتحاد الاشتراكي المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان عبد الناصر بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات الثورة المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد على صبري ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد السادات ( كثير من أعضاء التنظيم الطليعي أيدوا أنور السادات في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 مايو الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا جمال عبد الناصر في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء التنظيم الطليعي ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن شعراوي جمعة قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد على صبري أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات عبد الناصر غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة القاهرة للاتحاد الاشتراكي بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين القاهرة الذي قابلته كان السيد عبد المجيد فريد ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد شعرواى جمعة بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين للاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم الطليعي ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات الثورة ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات الثورة أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون جمال عبد الناصر لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس السادات الذي انتقد التنظيم الطليعي ، لغياب الديمقراطية فيه ، وبعد ذلك غيب هو الديمقراطية في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من حزب مصر المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من الاتحاد الاشتراكي ، وخلط ميزانيته – كجمال عبد الناصر – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة المصرية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين الحزب الوطني فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد جمال عبد الناصر أن يقود الثورة بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد السادات أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى الديمقراطية بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل المصريون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته بدستور 1956 ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية السادات. <br />
<br />
'''د. هشام السلامونى '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر التنظيم الطليعي أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتراكي حاول عبد الناصر فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين الاتحاد الاشتراكي وإنما قام على أكتاف من اختارهم عبد الناصر من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب محمد حسنين هيكل وعلى صبري وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم عبد الناصر في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء مجلس قيادة الثورة فعينه رئيسا للوزارة في 1962 ثم أمينا للاتحاد الاشتاركى أكتوبر 1965 وسامي شرف الذي جعله عبد الناصر بعد قيام الثورة بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من الإخوان المسلمين وشعراوي جمعة الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في التنظيم الطليعي للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتاركى وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم 1962 ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء التنظيم الطليعي فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن المصريين خارج مصر مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة 1967 حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد عبد الناصر وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل التنظيم الطليعي هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام 1964 وعلى رأسهم محمود أمين العالم ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم سمير حمزة ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام 1965 وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات التنظيم الطليعي يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول أحمد حمروش أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة مصرية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في مصر القديمة وإلا لما خلد المصريون الكاتب المصري . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب لشعراوي جمعة وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه الأحزاب تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا التنظيم الطليعي كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين وعبد الغفار شكر ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها مصر الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في مصر وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف المصريون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " فالتنظيم الطليعي كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين التنظيم الطليعي شعراوي جمعة وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى جمال عبد الناصر مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من عبد الناصر كل من ساما شرف وشعراوي جمعة خاصة بعد هزيمة 1967 وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع لسامي شرف كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال حسين الشافعي وسيد مرعى وعلى صبري وعزيز صدقي ولبيب شقير وضياء داود وأمين هايدى بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس السادات – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في الجيزة من وضع أجهزة التصنت به ، وكان شعراوي جمعة وسامي شرف أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف والدستور والقانون وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس السادات سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب المصري ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه السادات لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر سامي شرف وهكذا وجد أعضاء الجماعة – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس السادات على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب في 20 مايو 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام عبد الناصر لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان عبد الناصر يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن المصري ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين لمصر والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة 1967 فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة 1967 أما إسرائيل زلزالا هائلا هز مصر والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة 1967 كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام عبد الناصر وكان عبد الناصر يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن عبد الناصر قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في حرب يونيه 1967 بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة يونيه كما لو كانت حادث مصرع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب عبد الناصر يوم 9 يونيه المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار عبد الناصر في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير حرب أكتوبر وحرب يونيه 1968 بنسبة انتصارات أكتوبر إلى عبد الناصر وأن الخطة التي انتصر بها جيش أكتوبر وضعت في عهد عبد الناصر وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة السادات في حرب أكتوبر مع تبرير سياسة عبد الناصر في حرب يونيه مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر أكتوبر 1973 خائنا وقائد هزيمة يونيه 1967 بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص عبد الناصر الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في مصر لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور التنظيم الطليعي في أحداث مايو 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار يحيى الرفاعى على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق بالتنظيم الطليعي بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور هشام السلامونى على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات الثورة السياسية ===<br />
<br />
'''هيئة التحرير- الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتنتقل بها مصر ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة بمصر '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها الوفد ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت الثورة دستور 1923 الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت الثورة سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر دستور 1956 ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت ثورة 23 يوليو خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز الثورة ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في مجلس قيادة الثورة حتى صدر دستور 1956 ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن مصر في أكتوبر 1954 ثم تحقق الجلاء فعلا في يونيه من سنة 1956، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت الأحزاب ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام الثورة ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام الثورة ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد الأحزاب دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( هيئة التحرير 1953- 1961م) و( الاتحاد القومي 1957- 1962م) ثم الاتحاد الاشتراكي ( منذ 1962-1976م) فلم تكن هيئة التحرير سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما الاتحاد القومي فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من الاتحاد القومي أو الاتحاد الاشتراكي العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة الاتحاد القومي مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى الاتحاد القومي باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن الاتحاد الاشتراكي بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكي ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم الاتحاد الاشتراكي في عام 1962 م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى ديسمبر 1962م – عند الإعداد لقيام الاتحاد الاشتراكي – أعلن حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن عبد الناصر فتح باب الاشتراك في عضوية الاتحاد الاشتراكي ابتداء من أول يناير 1963 م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 يناير ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة الاتحاد الاشتراكي " من القمة إلى القاعدة في 1968م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان الاتحاد الاشتراكي ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في القاهرة والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به الاتحاد الاشتراكي ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية الاتحاد الاشتراكي – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( القانون 158 لسنة 1963 م معدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة 1961 م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر القانون 87 لسنة 1964م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية الاتحاد الاشتراكي وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960م والمعدل رقم 151 لسنة 1961 م وبرقم 54 لسنة 1963م كان يشترط عضوية الاتحاد القومي فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية الاتحاد الاشتراكي بالقانون 65 لسنة 1964م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل بالقانون 59 لسنة 1964م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن القانون شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا بالاتحاد الاشتراكي مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين الاتحاد الاشتراكي فقد أصدر وزير العمل – أنور سلامة – القرار رقم 35 لسنة 1964 م يستلزم عضوية الاتحاد الاشتراكي فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية الاتحاد الاشتراكي من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب الاتحاد الاشتراكي قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في الاتحاد الاشتراكي مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين الاتحاد الاشتراكي وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " ديكمجيان " عن 131 وزيرا مصريا شكلوا ( نخبة القوة ) بين 1952 و 1968م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل بالاتحاد الاشتراكي نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف الاتحاد الاشتراكي قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى الاتحاد الاشتراكي من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو الاتحاد الاشتراكي يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الممارسة الأولى لعمل الاتحاد الاشتراكي .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي للاتحاد الاشتراكي ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل الاتحاد الاشتراكي دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب ثورة يوليو والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى الاتحاد الاشتراكي وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور عبد الناصر أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في يوليه 1962م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في الاتحاد الاشتراكي " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية ولاتحاد الاشتراكي والشعب .. طيب عايزنى أسلم الاتحاد الاشتراكي لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم الاتحاد الاشتراكي ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي الثورة اللي قامت يوم 23 يوليو 952 1 " <br />
<br />
لقد نظر عبد الناصر ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الإصلاحات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة للمصريين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة الثورة بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " هيئة التحرير " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " الاتحاد القومي " ثم الاتحاد الاشتراكي ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها عبد الناصر .. " أن علينا أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكي". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا الاتحاد الاشتراكي عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل ممارساتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل هيكل الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل هيكل الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن ممارستهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب عبد الناصر على خصمه عبد الحكيم عامر شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة ممارسة العمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية الديمقراطية – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى للاتحاد الاشتراكي – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون الاتحاد الاشتراكي أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون الاتحاد الاشتراكي لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في الفترة 1962-1964 لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 نوفمبر 1966 خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي فقد كانت تضم في ديسمبر 1964 ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 مايو 1971. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات الاتحاد الاشتراكي فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات ديكمجيان كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير عبد الحكيم عامر في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( التنظيم الطليعي ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب 1967م وعلى رأس المؤسسة العسكرية عبد الحكيم عامر وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة يوليو هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على حزب الوفد الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة يوليو أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري مصر واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت مصر من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل الثورة أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية عبد الناصر جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
عبد الناصر – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط الديمقراطية التي سادت مصر قبل 1952 ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها مصر بعد ثورة 1919 فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف عبد الناصر من كافة القضايا الكبرى في حكم مصر، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون عبد الناصر ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين هيكل في سبتمبر 1974 ، ونشر في 1975 رفض هيكل وصف عبد الناصر بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما جمال عبد الناصر " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن عبد الناصر لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " عبد الناصر، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك هتلر وموسولينى وفرانكو وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، والديمقراطية شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن الديمقراطية مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم عبد الناصر بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة عبد الناصر ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" الديمقراطية " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم الديمقراطية.<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة لعبد الناصر الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء القانونيين والدستوريين – السنهوري ، فتحي رضوان ، سليمان حافظ – الذين أحاطوا بثوار يوليو بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على الديمقراطية بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي السري===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتاركى ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – الاتحاد الاشتراكي – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول جمال عبد الناصر الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس السادات أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على الاتحاد الاشتراكي ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن الديمقراطية السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع سوريا والعراق عام 1963 م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود الأحزاب والتعدد الحزبي ذكر عبد الناصر في جلسة 19 مارس 1963م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين التنظيم الطليعي طبقا لما أورده كل من أحمد حمروش وسامي شرف في يونيو 1963م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره على صبري ومحمد حسنين هيكل وأحمد فؤاد وسامي شرف. <br />
<br />
وكان من الطبيعي وجمال عبد الناصر بصدد إنشاء الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي وباعتباره كان رئيسا للاتحاد الاشتراكي أن يدعو حسين الشافعي أمين الاتحاد الاشتراكي إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة قديم. <br />
<br />
ويذكر أحمد فؤاد رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف 1963 " استدعاني عبد الناصر وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان عبد الناصر إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان أحمد فؤاد هو الشخص المناسب ولكي يضمن عبد الناصر أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات سامي شرف. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- جمال عبد الناصر رئيس الدولة ورئيس الاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
2- محمد حسنين هيكل مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( الاتحاد الاشتراكي )<br />
<br />
3- على صبري رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- أحمد فؤاد الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار المصري. <br />
<br />
5- سامي شرف رجل المخابرات وعين عبد الناصر. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها عبد الناصر كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر أحمد فؤاد من جمال عبد الناصر عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال عبد الناصر إن على صبري وهيكل هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عبد الناصر فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو بالاتحاد الاشتراكي كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل الاتحاد الاشتراكي في يوغسلافيا ، كما أرسل صلاح الدسوقي ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ القاهرة فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط عبد الناصر في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل عبد الناصر إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد عبد الناصر بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من على صبري وعباس رضوان بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل لسامي شرف قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب سامي شرف ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد المصري ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس عبد الناصر وأرسل باليد للأعضاء بواسطة محمد المصري ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث عبد الناصر عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية للاتحاد الاشتراكي بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل الاتحاد الاشتراكي على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف على صبري وعباس رضوان بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي على صبري وعباس رضوان بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية التنظيم الطليعي تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( على صبري ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – عبد المنعم القسيونى – عبد القادر حاتم – عبد المحسن أبو النور – محمد النبوي المهندس – أحمد توفيق البكري – عبد العزيز السيد – إبراهيم الشربينى – أحمد بهاء الدين – أحمد فهيم – سامي شرف ، ثم سمح لعلى صبري بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – كمال رمزي استينو – سامي شرف – محمد فائق – عبد المجيد فريد – عبد المجيد شديد – محمد أبو نار – عبد المعبود الجبيلى – عبد اللطيف بلطيه – على السيد – محمد على بشير – لبيب شقير – أحمد الخواجة - حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام عباس رضوان بتشكيل خلية من كل من – شعراوي جمعة – أحمد كمال أبو الفتوح – كمال الدين الحناوى – عبد العزيز كامل – محمود الجيار – أحمد عبده الشرباصى – الشيخ عبد الحليم محمود ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – حلمي السعيد – سعد زايد وشكل محمد حسنين هيكل خلية من محمد الخفيف – لطفي الخولى – عبد الرزاق حسن – إبراهيم سعد الدين – نوال المحلاوي. <br />
<br />
وكانت خلية أحمد فؤاد تضم أحمد حمروش – أحمد رفاعي – زكى مراد – فؤاد حبشي وفيما بعد فؤاد مرسى – عبد المعبود الجبلي – أحمد الرفاعى – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم حدتو والحزب الشيوعي المصري وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل الحزب الشيوعي المصري وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل محمود أمين العالم. <br />
<br />
وقام سامي شرف بتشكيل مجموعة كانت تضم ( محمد المصري – منير حافظ – أحمد شهيب – شوقي عبد الناصر – أحمد إبراهيم ( أمين الاتحاد الاشتراكي بمصر الجديدة – عبد العاطى نافع ( أمين المطرية ) مصطفى المستكاوى (أمين الزيتون ) أحمد كمال الحديد ( أمين الوايلى ) جمال هديت ( مدير نادي الشمس ) درويش محمد درويش – نبيل نجد – أحمد حمادة وقد شكل خالد محيى الدين خليته في جريدة الأخبار من رفعت السعيد – جمال بدوى – أمير العطار – السيد الجبرتي – مصطفى طيبه – أحمد طه. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء جمال بدوى ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا أحمد طه عن وجود تحركات إخوانية ويكتب جمال بدوى إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من شعراوي جمعة – أحمد كامل – محمد المصري – احمد حمروش – محمد عروق – يوسف عوض غزولى ويعاونهم كل من أسعد خليل وعادل الأشواح '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل الهيكل التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
شعراوي جمعة – سامي شرف – عبد المجيد شديد – حسنين كامل بهاء الدين – أمين عز الدين – محمد فائق – محمد المصري – أحمد كامل أحمد شهيب – عبد المعبود الجبيلى – محمد عروق – أمين هايدى – عبد المجيد فريد – أحمد حمروش – محمود أمين العالم – حلمي السعيد – يوسف عوض غزولى – على السيد على – ويعاون في أعمال الأمانة أسعد خليل وعادل الشواح . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة القاهرة تضم على صبري – أحمد فؤاد – شعراوي جمعة – عزت سلامة – لبيب شقير – محمد فائق – سامي شرف – سعد زايد – حلمي السعيد – عبد المجيد فريد – إبراهيم الشربينى – أحمد شهيب – أحمد فهيم – فتحي فوده – أمين عز الدين – أحمد بهاء الدين – محمد النبوي المهندس. <br />
<br />
وكانت لجنة التنظيم الطليعي في وزارة الخارجية مشكلة من حسين بلبل – سميح أنوار – يحيى عبد القادر – مراد غلب – عبد المنعم النجار – أحمد عصمت عبد المجيد – حمدي أبو زيد – مصطفى مختار – أحمد لطفي متولي – محمد فتحي الريب – أمين حامد هويدى – جمال شعير – أسامة الباز – عمرو موسى – محمد وفاء حجازي – أنور السكري – محمد عز الدين شرف – أحمد صدقي – أحمد بهي الدين – إبراهيم يسرى عبد الرحمن – فخري أحمد عثمان – أحمد مختار الجمال – بهجت إبراهيم الدسوقي – مصطفى الفقى – أمين يسرى – أحمد يسرى – مختار الحمزاوى – محب السمرة – مصطفى كامل مرتجى – محمد التابعي – إبراهيم ساما جاد على خشبة – محمود فوزي كامل – فتح الله الضلعي – حسن عبد الحق جاد الحق – محمد أو الغيط – فوزي محبوب – عادل مأمون – شرف الدين – محسن أمين خليفة – محمد عوض القوني – حسين كامل بهاء الدين – عبد المنعم عبد العزيز سعودي – خالد محمد الكومى – محمد زين العابدين الغبارى – عبد الله محمود عبد الله – مخلص قطب عيسى. <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء التنظيم الطليعي من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات المصرية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى سامي شرف قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى مصر فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – عبد المنعم النجار وأسامة الباز وحسام عيسى – وعلى السمان – وجمال شعير – ومصطفى الفقى – ومراد غالب – وأسامة الخولى ووفاء حجازي وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء التنظيم الطليعي في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( حسن طلعت - ممدوح سالم – زكى علاج – أنو الأعصر – عبد الوهاب نوفل – عز الدين عثمان – فاروق عبد الوهاب – أحمد سليم – محمد عبد الجود – محمد حسنين مدي – محمد محمود عبد الكريم – أحمد صالح داود – محمد نبوي إسماعيل – محمد مهدي البندري – حسين عوف – محمد سيف الدين خليفة – أحمد رشدي – سعد الشربينى – فؤاد علام – حسن أبو باشا – فاروق الحسنى – أمير واصف – مصطفى صادق – ألبير تادرس – حسن كامل ( محافظ البحر الأحمر ) – محمد رشاد حسن. <br />
<br />
ولجنة التنظيم الطليعي في مجلس الأمة شكلت من سيد مرعى – خالد محيى الدين – حمدي عبيد – كمال الدين الحناوى – أحمد فهيم – أحمد شهيب – إبراهيم شكري – نزيه أحمد أمين – أحمد فؤاد – ضياء الدين داود – لبيب شقير ( شعراوي جمعة ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام 1965 مجموعة خاصة جدا وبتكليف من عبد الناصر شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع لعبد الناصر شخصيا ويخطر شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( سامي شرف – شوقي عبد الناصر – منير حافظ – أحمد كامل – مصطفى المستكاوى – سنية الخولى – نوال عامر – عايدة حمدي - فوقية حين محمود – عزيز أحمد خطاب – أحمد حمادة – نبيل نجم – أحمد إبراهيم – درويش محمد درويش – جمال هديت – على زين العابدين صالح – حسين حسن على - حاتم صادق – محمد شهيب ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من توفيق عبد العزيز أحمد وعبد الحميد عوني. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من أسعد خليل مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين جمال عبد الناصر من خلال سامي شرف والتنظيم بقيادة على صبري ومن ثم شعراوي جمعة ) والسفير جمال شعير فؤاد كمال حسنين ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) عبد المجيد فريد ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) حسنى الحديدي ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان شعراوي جمعة مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء التنظيم الطليعي أيضا حسنين محمود – نوال عامر – فهيم صلاح غريب – عايدة حمدي – أحمد فؤاد حجر – سنية الخولى – فوقية أحمد على – محمد أحمد غانم – محمد أسعد راجح – محمد البدوي فؤاد – عبد الحليم منتصر – عبد الوهاب البرلسى – على سيد حمدي الحكيم – طلبة عبد العزيز مصطفى – محمد خلف الله أحمد – حسين خلاف – رفعت المحجوب – مصطفى كمال حلمي – عبد الجابر علام – محمود أبو عافية – حسن ناجى – أحمد محمد كامل صديق – محمد فؤاد حسن همام – فتحي فوده تادرس – صلاح زكى – عواطف الصحفي – عبد الحميد غازي – أحمد فؤاد محمود – حسين فهما – طلعت عزيز – فؤاد محي الدين – فردوس أحمد سعد – نعيم أبو طالب – كمال الشاذلي – سميرة الكيلانى – همت مصطفى – عبد اللطيف بلطيه – أحمد فتحي سرور – مصطفى كمال – إسماعيل الدفتار – الشيخ عبد الحليم محمود – حسن مأمون – عاطف صدقي – أحمد الشيخ علام – أحمد عز الدين هلال – فؤاد أبو زغلة – محمود شريف – عزيز حلمي – عبد الهادي قنديل – حمدي حرزا – عبد الجابر علام – صلاح حافظ – عبد العزيز حجازي – مشهور أحمد مشهور – يوسف إدريس – إبراهيم صقر – على صدقي – ناصف عبد الغفار خلاف – إسماعيل صبري عبد الله – على السمان – صلاح الدين حافظ ( الأهرام ) – عبد الهادي معوض – محمد البلتاجي – وجيه أبو بكر – محمود يونس – حلمي سلام – فنحى غانم – محمد أمين حماد – جلا ل عبد الحميد – على نور الدين – محمد أبو نصير – أحمد الخواجة – صلاح جاهين – أباظة – عمر الشريف – صدقا سليمان – حكمت أبو زيد – حمدي السيد – عبد الوهاب البشرى – صلاح هديت – حسين ذو الفقار صبري – محمد أمين – حلمي كامل – كمال هنرى أبادير – على زين العابدين – محمد عزت سلامة – محمود عبد السلام – محمد صفى الدين أبو العز – صالح محمد – حلمي مراد – أحمد مصطفى أحمد – حسين أحمد مصطفى – محمد بكر أحمد – محمد محمود الإمام – حسب الله الكفراوي – محمود أمين عبد الحافظ – محمد حمدي عاشور – حافظ بدوى – عبده سلام – حامد محمود – أمين السعد – كامل زهير – محمد راغب دويدار- أحمد أحمد العماوى – فريد محمود – فليب جلاب – نجاح عمر – حسن معاذ رميح – فؤاد عز الدين – محمد عودة – محمود المراغى – حسن محمود شهاب – حسين كامل – كامل مراد- عبد المولى عطية – محمد عزت عادل – محيى الدين أبو شادي – مفيد مصطفى بهاء الدين – أحمد سلامة – يسرى مصطفى – ميلاد حنا – أمينة شفيق – فاروق العشري – عبد الوهاب الحباك. <br />
<br />
ومن كليات جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية على سبيل المثال: عبد الجليل مصطفى بسيونى – السيد جمال الدين مجاهد – أبو شادي الروبى – نبيل يوسف خطار – يوسف محمد عبد الرحمن – على الجارم – حيدر أحمد سامح همام – كميل أدهم - منير عجيب زخارى – إبراهيم جميل بدران – أحمد عادل على – إبراهيم جاد – محمود عبد القادر – محمد توفيق الرخاوى – عبد المنعم على - عباس غالب – أحمد عبد المنعم فرج – محمد صفوت حسين – محمد عبد الوهاب غنددو –عبد الملك عودة – أحمد محمود محمد بدر – محمد فتح الله الخطيب – محمد زكى شافعي – محمد حسب الله – السيد أحمد نور – يحيى حامد هويدى – عبد اللطيف أحمد على – السيد محمد رجب – عمرو أمين محيى الدين – أحمد جعرة – سعيد شاهين – عبد المعطى أحمد شعراوي حراز – يوسف عبد المجيد فايد – العمان عبد المتعال – على القاضي – سامية أحمد – على أحمد إسماعيل – أحمد على مرسى أحمد – محمد مهران رشوان – محمد صبحي سليمان – محمد أمين البنهاوي – أحمد كراوية – محمد شريف عادل – يحيى مصطفى عبد الحكيم – حلمي محمد أبو الفتوح – شفيق إبراهيم بلبع – محمد سعد الدين – محمد محمود غراب – صبحي على محمود سعد – محمد فائق مصطفى هاشم – محمود دسوقي – عبد المنعم فولى طه – السيد مجاهد – عبد الرءوف أبو الحسن – عمر عبد الآخر – محمد طلعت قابيل – محمد محيى الدين نصرت – محمد منير إبراهيم – أحمد السيد رفعت أبو حسين – محمد عبد الغنى محمود – أسامة محمود رفعت – حسن حسنى سليم – محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى – محمد عبد الرحمن الهوارى – على العريان – حسن محمد إسماعيل – حامد عبد الحميد السنباؤى – أسامة أمين أحمد – محمد متولي – محمد الجمل – عاطف محمد عبيد – على عبد المجيد – شوقي حسين عبد الله – حسن فهمي السيد إمام – عبده سعيد – إبراهيم محمد السباعي – محمد شوقي عطا الله – على محمود – حلمي محمود نمر – عبد القادر إبراهيم حلمي – توفيق بلبع – علاء الدين نصر – صلاح الدين صدقي – على محمد عبد الحافظ السلمي – متولي بدوى على عامر – أحمد عبد الرحمن – محمد بدوى – محمد كمال جعفر – حامد طاهر حسنين – عبد الحكيم حسان الإمام – محمود محمد قاسم – تمام حسان – عمر السعيد محمد – محمد رفاعي – محمد عزت خيري – عبد القادر السيد منصور – عبد المجيد عبد الوهاب – إجلال حفني محمد شرف خاطر – محمد عبد الفتاح القصاص – ماهر إبراهيم الدسوقي – جابر بركات – محمد عبد المقصود النادي – معتزة عبد الرحمن سليمان – أحمد فتحي حسين – فوزي أمين فوزي – حامد متولي – محمد لطفي عبد الخالق – محمد عبد الواحد محمد – فوزي حسين عبد الودود يحيى – مفيد محمود شهاب – أكثم أمين الخولى – عاطف سرور – عائشة راتب عبد الرحمن – مأمون محمد سلامة – حامد نصر أبو زيد – محمد نجيب حسنى – جميل متولي الشرقاوي – عبد المنعم السعيد البدراوى – كمال الدين صدقي – محمود نصر – محمد كمال سليم – محمد على – محمد فتح الله علد العال – فتحي النواوى – عصام الجندي – سهير يوسف صالح – على الدين هلال – إسماعيل مسام الخطيب. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم عبد الغفار شكر- كمال القشيشى – نور الدين فهمي – محمود سعيد – إبراهيم الخولى – محمود عاشور- صلاح الشرنوبى – السيد الزيات – عزت عبد النبي – أحمد عبد الغفار المغازى – أحمد عمر – على الطحان – محمد هاشم العشيرى – هاشم حمود – رفعت السباعي – شلبي عرفة الشابورى – حمدي الطاهر – عباس ندراوى . وقد تم ضم هؤلاء إلى التنظيم الطليعي. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد على الدين هلال وما كتبه عبد النبو ضد حسين كامل بهاء الدين وما كتبه عبد الغفار شكر ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم عبد الغفار شكر اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل التنظيم الطليعي ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة سمير حمزة وكل من أحمد توفيق – صالح السمرة – عثمان عزام .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء التنظيم الطليعي نجد أن هناك مجموعات داخل التنظيم الطليعي كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر 1964 ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك محمد فائق في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل عبد الناصر وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم القاهرة إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- سعد زايد وعلى صبري مسئولان عن منطقة شمال القاهرة. <br />
<br />
- سامي شرف مسئول عن منطقة شرق القاهرة. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن منطقة جنوب القاهرة. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن منطقة غرب القاهرة. <br />
<br />
- النبوي إسماعيل ومن بعده كمال الحناوى – مسئول عن منطقة وسط القاهرة ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- محمد أحمد البلتاجي مسئول طليعة الاشتراكيين في الجيزة. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في البحيرة. <br />
<br />
- عبد الحميد خيرت مسئول طليعة الاشتراكيين في سوهاج. <br />
<br />
- فؤاد محيى الدين مسئول طليعة الاشتراكيين في القليوبية. <br />
<br />
- محمد المصري مسئول طليعة الاشتراكي في الدقهلية. <br />
<br />
- حمدي عاشور ثم ضياء داود مسئول طليعة الاشتراكيين في دمياط . <br />
<br />
- محمد حسنى رشدي مسئول طليعة الاشتراكيين في بور سعيد. <br />
<br />
- مشهور أحمد مشهور مسئول طليعة الاشتراكيين في الإسماعيلية. <br />
<br />
- مصطفى الجندي مسئول طليعة الاشتراكيين في الغربية. <br />
<br />
- كمال الشاذلي مسئول طليعة الاشتراكيين في المنوفية. <br />
<br />
- محمد رشدي دكرورى مسئول طليعة الاشتراكيين في المنيا. <br />
<br />
- محمد زكى علام مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- محمد إسماعيل معاذ مسئول طليعة الاشتراكيين في الوادي الجديد. <br />
<br />
- عواد خليل حسنين مسئول طليعة الاشتراكيين في سيناء. <br />
<br />
- شعبان محمد العتال مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- حسن ضياء سليمان مسئول طليعة الاشتراكيين في البحر الأحمر. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين الاتحاد الاشتاركى وكان لأمناء التنظيم الطليعي في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- حسين كامل بهاء الدين مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- أحمد الخواجة مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. حمدي السيد مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير عبد الحكيم عامر بخطوات التنظيم الطليعي من عبد الناصر ، فأمر شمس بدران بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر عن طريق شمس بدران . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة المصرية تحت مفهوم أمن الثورة داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء شمس بدران وعبد الحكيم عامر في هزيمة 1967م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون الاتحاد الاشتراكي لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول ن هذا التنظيم الصاغ شمس الدين بدران الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق محمد فوزي القائد العام للقوت المسلحة بعد يونيو 1967م ثم وزير الحربية بعد أمين هويدى ، والفريق محمود أحمد صادق رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد مايو 1971 م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها حامد محمود للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من جمال عبد الناصر في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة جمال عبد الناصر مباشرة " ،لكن سامي شرف يعلم بشكل واضح أن المشير عبد الحكيم عامر كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال لشمس بدران، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة لشعراوي جمعة عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل لشمس بدران مسئولية قيادة التنظيم الطليعي داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر أكتوبر 1964م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى شمس بدران ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة الجماعة مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث 1954م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع الإخوان المسلمين الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر سيد قطب في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن زكريا محيى الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الاتحاد الاشتراكي وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن زكريا محيى الدين أيضا زار المرشد العام حسن الهضيبى ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى لبعد الناصر بعيد العزيز كامل من السجن ، وقد كان عضوا بمكتب الإرشاد ، وقد تخلى عن الجماعة ، وتم تعيينه فى قسم الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي ، وقد أصبح عبد العزيز كامل فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جرت محاولة مشابهة مع زينب الغزالي داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام للاتحاد الاشتراكي تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت الثورة على الإفادة من ممثلي الإسلام السياسي من خارج الجماعة فخالد محمد خالد يذكر " جاء مجدي حسنين يفاتحني في أمر ، إن جمال عبد الناصر طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم عبد الناصر بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة خرشوف لمصر في مايو 1964 ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد عبد الناصر عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم لطفي الخولى رئيس تحير الطليعة ، وأمين عز الدين المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور إبراهيم سعد الدين عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم بالتنظيم الطليعي شعراوي جمعة وسامي شرف وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين المصريين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان سامي شرف يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين والطليعة العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج مصر من خلال أمانة الشئون العربية بالاتحاد الاشتراكي. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في القاهرة. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس عبد الناصر هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد الطليعة العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة الطليعة العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان فتحي الديب مسئول الطليعة العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في الطليعة العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح عبد الناصر في مؤتمر المبعوثين الذي عقد بالإسكندرية في أغسطس 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور التنظيم الطليعي يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن الثورة فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتراكي وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم الطليعة فضلا عن التقارير التي تقدم لعبد الناصر بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد أحمد حمروش كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من الاتحاد الاشتاركى وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء التنظيم الطليعي يرفعون تقاريرهم إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الطليعي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد التنظيم الطليعي في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام عبد الناصر دون أن يمارس أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية عبد الناصر التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في الاتحاد الاشتاركى وأمينا لأمانة التنظيم الطليعي ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم إسماعيل صدقي. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى عبد الناصر أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل الاتحاد الاشتراكي وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان شعراوي جمعة هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان شعراوي جمعة بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو محمد عروق واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان محمد عروق قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب شعرواى جمعة عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان بعبد الهادي ناصف وفاروق متولي. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين التنظيم الطليعي حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى على صبري أمانة الاتحاد الاشتاركى بعد حسين الشافعي ، وأصبح زكريا محيى الدين رئيسا ووزيرا للداخلية ن وشعراوي جمعة وزير دولة (1/10/1965م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد زكريا محيى الدين وخلفه صدقي سليمان كرئيس للوزارة ، وأصبح شعراوي جمعة وزيرا للداخلية ومحمد فائق للإعلام وأمين هويدى وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح التنظيم الطليعي جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها شعراوي جمعة وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل شعراوي جمعة ، إذا يمكن أن نعتبر عام 1965 م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل أحمد حمروش ، أمين عز الدين ، عبد المعبود الجبيلى ، محمود أمين العالم ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس جمال عبد الناصر من أمثال عبد المجيد فريد ، شعراوي جمعة ، أمين هويدى ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ( ساما شرف ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات الثورة. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى التنظيم الطليعي ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير سعيد طوسون بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : أنور أبو المجد ( ضابط شرطة متقاعد ) وصلاح عبد المعطى ، وشوقي عبد الناصر ( مدرس بالإسكندرية ) وحسنى أمين، وسلامة عثمان من المخابرات العامة ، ومحمود عبد الرحيم وعادل عبد الفتاح ، ومحمد الدجوى . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى شعراوي جمعة للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من سامي شرف – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف يوسف عوض غزولى بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه أنور أبو المجد وحسنى أمين ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : حامد شاكر حجاب وسالم حليمة من جهاز التنظيم والإدارة ، وعبد المنعم حمادة ومحمد رشوان وفاروق أبو زهرة ومحمد عبد الغنى وعادل الأشوح. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب شوقي عبد الناصر ، وانضم إليه فيما بعد سلامة عثمان _( ضابط مخابرات سابق ) ومحمود عبد المجيد ( من هيئة استعلامات ) وعادل حسين .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة الاتحاد الاشتراكي والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية عندما أبلغت عن تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، وكان يشرف على هذا المكتب أحمد كامل ومحمد المصري. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب محمد عروق ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام 1966 م كلف محمود أمين عالم بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة القاهرة الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة على صبري وعضوية الضباط السابقين: أحمد كامل ، وحلمي السعيد ، وشعراوي جمعة ، وسعد زايد ، ومحمد فائق ، وسامي شرف ، والدكتور عزت سلامة ، والدكتور لبيب شقير ، والدكتور إبراهيم الشربينى ، ثم أحمد بهاء الدين ، وممثلي العمال : أحمد فهيم وفتحي فودة. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في الاتحاد الاشتراكي وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان الاتحاد الاشتاركى في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور الطليعة لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين القاهرة ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر الهيكل التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتاركى بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان معظم أعضائها أعضاء بالتنظيم الطليعي . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق عبد الناصر وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة أحمد كامل أحد المسئولين ورفعها إلى سامي شرف "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة التنظيم الطليعي على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوارالتى قام بها التنظيم الطليعي هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، فقد ذكر الرئيس عبد الناصر أمام مؤتمر المبعوثين في أغسطس 1966م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة الإخوان المسلمين كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة الدقهلية .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث الاخوانى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى للإخوان بزعامة سيد قطب ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج سيد قطب من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى الإخوان الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد الإخوان إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات سيد قطب مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من الإخوان خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات الإخوان المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة الجماعة التي سبق حلها عام 1954م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين للإخوان والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء التنظيم الطليعي تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في الدقهلية والقاهرة ، وخلال الفترة من 12/10/1964م إلى 28/10/1965م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء التنظيم الطليعي المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة للإخوان كأفراد وجماعة في منتصف عام 1965م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود الاتحاد الاشتراكي وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول حسنى أمين في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر عام 1965م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية ، وكان أمينها محمد المصري ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء الطليعة وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من أمين عز الدين ، محمد عروق ، عبد المعبود الجبلي ، حسنى أمين ، وإن ذكرشعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 أكتوبر 1963م ، والأخير بتاريخ 16أبريل 1971م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 1963م يدور حول " العدوان المغربي على الجزائر وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث العراقي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/1963م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من ثورة يوليو ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 ديسمبر 1963م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد الجمهورية العربية المتحدة " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر الجمهورية العربية المتحدة في حرب اليمن ومساندة ثوار الجزائر ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على الجمهورية العربية المتحدة ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة اليمن وانتصار الجزائر في موقفها مع المغرب بمعاونة الجمهورية العربية المتحدة ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في العراق وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/1964م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح مجلس الأمة 26 مارس 1964م . وكذلك خطاب على صبري رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6أبريل 1964م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء الطليعة ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 يناير 1965م، ثم توقف الصدور حتى 2 أبريل ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في أبريل 1965م، ثم العدد (31) في 2 مايو ، ثم العدد (32) في 9 مايو . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعونتها " قال الرئيس عبد الناصر في خطابه في عيد النصر : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله البحر الأحمر يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على عبد الناصر أن يذكر أن كل رغيف يأكله مصري نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل مصري يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من الطليعة الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب الاتحاد الاشتراكي دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في الاتحاد الاشتراكي . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله الطليعة الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير الاتحاد الاشتراكي تحركا واعيا .. الاتحاد الاشتراكي تنقصه الطليعة السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 أبريل 1965م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه عبد الناصر إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز الديمقراطية ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول مايو " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول مايو .. وكيف أصبح أول مايو عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول مايو تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول مايو بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 مايو لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في مصر حققت ثورة 23 يوليو مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة الثورة الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن مصر سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في ممارسة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكي منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم الديمقراطية الليبرالية لفظته الثورة واستبدلت به الديمقراطية الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي – شقيق الكاتب المعروف عبد الرحمن الشرقاوي – قد تم القبض عليه في 14 يوليو 1966 مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين الهاربين خارج البلاد وفى 22 سبتمبر 1967مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس جمال عبد الناصر أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من صلاح نصر. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 مارس نشرة خاصة بتاريخ 31/3/1968م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 مارس " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 مارس 1968م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر الثورة المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 مارس هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة بالإخوان المسلمين ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان التنظيم الطليعي – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات الاتحاد الاشتراكي والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة 1967م تفرغ عبد الناصر تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة على صبري ، وكانت تضمن شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمد فائق وضياء الدين داود ولبيب شقير وعبد المجيد فريد. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في فبراير1968م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب عبد الناصر لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 مارس 1968م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات الثورة ويسارها الخاص المتمثل في التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على الاتحاد الاشتراكي العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – التنظيم الطليعي – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء الاتحاد الاشتراكي.<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي وأحداث مايو 1971===<br />
<br />
وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا لأنور السادات نعم على طريق عبد الناصر . وكانت المجموعة التي تحيط بعبد الناصر في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح أنور السادات وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح أنور السادات. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن على صبري هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى أنور السادات رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق عبد الناصر ، وكانت تلك رغبة على صبري ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة عبد الناصر كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار الثورة وسرعة اختيار خليفة لعبد الناصر ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح أنور السادات للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة يوليو 1952م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم جمال عبد الناصر واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على السادات . ونظر السادات أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد السادات. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن السادات صاحب خبرة من قبل الثورة كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة المصرية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب السادات الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى السادات حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث مايو ، والتي وصلت ذروتها بإقالة على صبري في 2 مايو ، فبدأت قيادات التنظيم الطليعي – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب السادات – تتحرك للعمل ضد السادات من خلال التنظيم الطليعي ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 مايو 1971م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12مايو ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب شعراوي جمعة في مقر الحكومة المركزية في مصر الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة عبد الناصر سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة السادات ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 مايو ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع شعراوي جمعة أمين التنظيم ووزير الداخلية ، وسامي شرف عضو الأمانة ومسئول جنوب القاهرة عن التنظيم الطليعي ، وسعد زايد مسئول شمال القاهرة ومحمد فائق غرب القاهرة ، وحلمي السعيد عضو الأمانة ومسئول شرق القاهرة ، وأحمد كامل رئيس المخابرات ، ومحمود أمين العالم عضو الأمانة ، ويوسف غاز ولى عضو الأمانة ، ومحمد عروق مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، وأحمد شهيب نائب رئيس شرق القاهرة. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب شعراوي جمعة الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين أنور السادات في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث على صبري كما كان يرجو السادات ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة على صبري قبل حضور روجرز ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد السادات له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة السادات في حل الاتحاد الاشتراكي ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا لعلى صبري ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن السادات سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح شعراوي جمعة أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل الاتحاد الاشتراكي وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة التنظيم الطليعي على ما دار ن حوار بين السادات وسيسكو اتفق الجميع على أن السادات لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل سعد زايد عن موقف الجيش ، فأجاب أحمد كامل بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن سامي شرف تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله السادات ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط السادات ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط الاتحاد الاشتراكي وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب محمود أمين العالم بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط أنور السادات الجديد. <br />
<br />
وقرر شعراوي جمعة تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من محمود أمين العالم ، محمد عروق ، يوسف غاز ولى ، عبد الهادي ناصف ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب السادات أمام الهيئة البرلمانية وخطاب محمود رياض عن نتائج زيارة روجرز لمصر . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب شعراوي جمعة ، مثل سامي شرف ومحمد فائق.<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم السادات – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا شعراوي جمعة لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 مايو ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب شعراوي جمعة . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في القاهرة وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن القاهرة ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور حسن خليفة. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى أنور السادات اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 مايو أقال السادات شعراوي جمعة ، وحل محله ممدوح سالم محافظ الاسكندرية حينئذ ومسئول التنظيم الطليعي بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم التنظيم الطليعي سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب السادات كانت غالبيتها من عناصر التنظيم الطليعي فقد كان عزيز صدقي وسيد مرعى وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في التنظيم الطليعي ، وكان في الطليعي أيضا محمد عبد السلام الزيات الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 مايو بدلا من محمد فائق عضوا بالتنظيم الطليعي. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة الدستورية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م وترشيح السادات لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في مصر أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر السادات وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من عبد الناصر وخطه وتحالفهم في الخارج – أن السادات هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة عبد الناصر الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 مايو ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل السادات في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد المصري السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب الديمقراطية وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح السادات البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز سيد مرعى لصالح السادات ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين هيكل أنه يفضل أن يكون مع السادات حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة مايو حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما السادات هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة مايو يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام السادات ، وهذا ما جعل السادات يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام السادات كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن السادات ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة الديمقراطية ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية الديمقراطية في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح السادات في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل الإخوان المسلمين ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب مايو والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وتخلص الرئيس السادات من كل رجال عبد الناصر تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال عبد الناصر بعد أحداث مايو 1971م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس أنور السادات ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال عبد الناصر وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها السادات كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم بالتنظيم الطليعي السري ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز بالتنظيم الطليعي ( والمتهم رقم 49) للرئيس أنور السادات وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/1971م وجاء فيه سيادة الرئيس محمد أنور السادات رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/1971م. <br />
<br />
وذكر أحمد شهيب تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية بمصر الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/1971م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت شعراوي جمعة وسامي شرف وسعد زايد محمد فائق وحلمي السعيد وأحمد كامل – محمود أمين العالم – ويوسف غزولى ومحمد عروق – وأحمد شهيب وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء لمصر ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – أحمد شهيب. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان سامي شرف في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل سامي شرف أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/1971م أمام الأستاذ محمود حلمي راغب رئيس النيابة بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 سبتمبر 1970 بوفاة المرحوم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس محمد أنور السادات من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس محمد أنور السادات لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس محمد أنور السادات خلفا للرئيس جمال عبد الناصر عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس أنور السادات وبتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر خلال الفترة من سبتمبر سنة 1969 حتى سبتمبر 1970 وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس أنور السادات وفى يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس أنور السادات إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس أنور السادات تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس أنور السادات يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي شعراوي جمعة وأمين هويدى في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء المصريين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد زكريا محيى الدين لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس أنور السادات حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس أنور السادات بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس جمال عبد الناصر هو الذي اختار بنفسه الرئيس أنور السادات امتداد طبيعي ومنطقي لخط جمال عبد الناصر ... '''واستطرد سامي شرف في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد أنور السادات والسيد على صبري على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر يناير سنة 1971 وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح قناة السويس واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس أنور السادات والسيد على صبري وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد على صبري علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد على صبري وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس على صبري بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد على صبري في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل سامي شرف حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين شعراوي جمعة لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة بشعراوي جمعة لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس جمال عبد الناصر بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ محمد أحمد بالإفراج عنه بالاتفاق مه شمس بدران في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد محمد أحمد ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس جمال عبد الناصر وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد شعراوي جمعة فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر جمال عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة 1970 المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر أعطى أمر لشعراوي جمعة ولأمين هويدى ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق محمد أحمد صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس جمال عبد الناصر واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس عبد الناصر وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة هدى عبد الناصر وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس أنور السادات وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال سامي شرف. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ أنور السادات أن السيد على صبري بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون فريد عبد الكريم مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر للسيد شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع فريد عبد الكريم لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في فريد عبد الكريم وهذا الرأي الخاص يطابق تماما شعراوي جمعة ورأيي شخصيا في فريد عبد الكريم وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا فريد عبد الكريم وفى إطار تنفيذ أمر السيد جمال عبد الناصر في متابعة فريد عبد الكريم دفع السيد شعراوي جمعة بمحمود السعدنى ليستدرجه ويكون مصدر معلومات لشعراوي جمعة عن فريد عبد الكريم واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس أنور السادات كان له نفس الرأي في فريد عبد الكريم .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة بفريد عبد الكريم أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب سامي شرف : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون فريد عبد الكريم فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن فريد عبد الكريم وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس أنور السادات في منزله يوم 13/5/1971 وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة بفريد عبد الكريم وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: فريد عبد الكريم ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع شعراوي جمعة المستميت عن اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب لحسن طلعت من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر شعراوي جمعة أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق زكريا محيى الدين وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز شعراوي جمعة فرصة حضور اللواء حسن طلعت أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى لحسن طلعت:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في أواخر سنة 1966 وعددهم عندما أقيل في 13 مايو سنة 1971؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة لحسن طلعت.<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة مايو 1971م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس السادات في يوليو في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي في 22 يوليو 1971م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة أغسطس 1974م التي طرحها الرئيس السادات لتطوير الاتحاد الاشتراكي وصفت التنظيم الطليعي " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات للاتحاد الاشتراكي ، وانعدمت الديمقراطية تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون الاتحاد الاشتراكي قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال الطليعة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية الاتحاد الاشتاركى العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات والأحزاب التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي لحزب التجمع منظمة الشباب والتنظيم الطليعي – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى عبد العزيز حجازي عضو التنظيم الطليعي ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي مارسته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين مارسوا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر شعراوي جمعة أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف على صبري في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا التنظيم الطليعي ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة التنظيم الطليعي في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو التنظيم الطليعي بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ الديمقراطية داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير بالثورة ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في البحيرة ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م وهو في لمهد ، وبعد عام 1967م لعب التنظيم الطليعي أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع عبد الناصر ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد الثورة هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين بالثورة ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي والقضاء===<br />
<br />
'''عبد الناصر والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام الثورة سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت الثورة تقريبا على ذات درجة الاستقلالية القانونية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام القانونية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام الثورة قد زادت من الضمانات القانونية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي 1954، 1955 وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت الثورة بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات الوفد السابقة والأحزاب الأخرى ، أو جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة الثورة ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن.<br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 يوليو إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم يمارسون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم القانونية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 فبراير سنة 1948م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق السنهوري على رأس المجلس عندما قامت الثورة ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة الثورة وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي 1954،1955، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب السنهوري في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في 1955 صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية القانونية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج السنهوري. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء القانوني لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات القرن العشرين، ومحمد لبيب عطية باشا وعبد الرحمن الطويل باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم القرن التاسع عشر نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في 1951 فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت الثورة انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين. <br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة 1967، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة 1967 أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة 1967 كسرت المشروع السياسي الذي كانت ثورة يوليو اعتمدته ومارست تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في فبراير 1968بما لم يكن مثله مسبوقا منذ 1954 واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها الثورة من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك ثورة 23 يوليو مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ الدستورية والقانونية التي بقى القانونيون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه القانوني والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات الإصلاح القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– الدعوة إلى إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها الثورة. وقيل وقتها إن انضمام القضاة للاتحاد الاشتراكي لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال القانون ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها الثورة والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير القانونية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء المصري من قبل 23 يوليه من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر القانوني وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان التنظيم الطليعي السري في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان التنظيم الطليعي منذ أواخر عام 1966م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي عبد الحميد الجندي الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/1965م في مجموعة شرق القاهرة برئاسة سامي شرف وأحمد شهيب. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي من قبل على صبري وشعراوي جمعة للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن محمد أبو نصير كان هو عين النظام على السنهوري في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام 1955م) . <br />
<br />
وقد بدأ محمد أبو نصير بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز وعادل يونس رئيس محكمة النقض والمستشار محمد الصادق مهدي ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال القانون ، ليكون شعبة تابعة للاتحاد الاشتاركى ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار محمد الصادق مهدي. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار ممتاز نصار وعادل يونس ووزير العدل عصام حسونة الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من محمد أبو نصير ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس عبد الناصر في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن شعراوي جمعة قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين بالثورة ، وكذلك فعل شمس بدران في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير عصام حسونة حتى تم استبعاده في 20 مارس 1968م ، وعين بدلا منه محمد أبو نصير الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت محمد أبو نصير مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار محمد الصادق مهدي والمستشار على شنب والمستشار عمر الشريف ورئيس المحكمة عبد الحميد الجندي ، ومن النيابة على نور الدين ، ومن قضايا الحكومة إبراهيم هايدى وعبد الحميد يونس ، وقد انضم بعد فترة المستشار على كامل مستشار الاتحاد الاشتراكي وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم بشعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر محمد عروق بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة بالتنظيم الطليعي وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم بسامي شرف فيما يرى عرضه على جمال عبد الناصر وقد سميت هذه المجموعة بالجماعة القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه الجماعة على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير محمد أبو نصير باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من عبد الناصر باعتبار على نور الدين مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها لشعراوي جمعة أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب جمال عبد الناصر وكان هذا التنظيم الطليعي يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي عبد الحميد الجندي ، ثم لحق به عبد الحميد يونس ، وعبد الحميد الجندي كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة جمال عبد الناصر.<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به محمد أبو نصير وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء الاتحاد الاشتراكي وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام محمد أبو نصير بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس جمال عبد الناصر. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار محمد إبراهيم أبو لعم قائلا " سيد الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب مصر وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد عبد الناصر وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة لعبد الناصر سنة .1968م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب على صبري الأمين العام للاتحاد الاشتراكي سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 مارس 1967م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في الاتحاد الاشتراكي أمر له دلالته – أوضح على صبري أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/1967 انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق القانون والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل والقانون في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/1967 يعيب على القانون ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/1967 قال أن القانون يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/1967 قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/1967 قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/1967 ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/1967 دعا إلى تفاعل رجال القضاء والقانون مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/1967 أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/1967 قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة والقانون وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام 1967 أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات مصر والتي استغلت ثورة 23 يوليو لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " سعد زايد " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت القانون أجازة " <br />
<br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في مصر أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق والقانون . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة القانونية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط مجدي حسنين – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور أحمد السمنى كضحية فقال جمال عبد الناصر " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار رياض لوقا وعضوية عبد الخالق فريد – أبن الزعيم محمد فريد – والمستشار جمال المرصفاوى ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر عبد الناصر خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير أمين سوكة الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في مارس 1969 أمام دائرة يرأسها المستشار سعيد كامل وقضية المستشار محمود عبد اللطيف – وهو الذي كان مشرفا على تربية عبد الناصر في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار حلمي قنديل والمستشار فؤاد الرشيدي ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها عبد الناصر بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة أمين سوكة (بره) <br />
<br />
2- قضاة محمود عبد اللطيف (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن عبد الناصر استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار محمود عبد اللطيف ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار عبد العزيز أبو خطوة وطلب المحامون ومنهم عبد العزيز الشوربجى تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح عبد العزيز الشوربجى نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك لمصر وقضاة مصر وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار عبد العزيز أبو خطوة رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط عبد الناصر غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى محمود عبد اللطيف في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل عبد الناصر موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار محمود عبد اللطيف بالسجن حتى موت عبد الناصر في 28/9/1970 – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان محمود عبد اللطيف صاحب فضل كبير على عبد الناصر في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر عبد الناصر بأصحاب الفضل عليه أما السفير أمين سوكة فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب على صبري إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من التنظيم الطليعي في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر السادات هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى الثورة المضادة وفلول الرجعية والإقطاع والأحزاب السابقة والإخوان ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة القانون ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21مارس 1969م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل محمد أبو نصير قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء التنظيم الطليعي ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة ممتاز نصار ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة ممتاز نصار بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون ممتاز نصار وشبل عبد المقصود وعبد الوهاب أبو سريع وعبد العليم الدهشان ومفتاح السعدي – رؤساء المحاكم والقضاة يحيى الرفاعى وجمال خفاجي وحسن غلاب وسليم عبد الله ومحمود بهي الدين عبد الله – أعضاء النيابة مقبل شاكر وكمال زعزوع وأحمد فؤاد عامر ومصطفى قرطام وحسن عابد.<br />
<br />
وبدأ تحريك التنظيم الطليعي في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 مارس 1969 م إلى 9 يوليو 1969 م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته الجماعة القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من التنظيم الطليعي لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس عبد الناصر، وكان يشرف عليها أنور السادات وبرئاسة على نور الدين النائب العام ، وعضوية كل من المستشار عمر الشريف وعلى كامل وكانت تجتمع بمكتب سامي شرف يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر سيد مرعى أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ولجمال عبد الناصر شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب عبد الناصر من محمد أبو نصير وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد شعراوي جمعة وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد عبد الناصر وضد القوانين الاشتراكية . وعقب عبد الناصر بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول سيد مرعى إنه كان واضحا أن عبد الناصر يصدق تماما بيانات أبو نصير وشعراوي جمعة . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن جمال عبد الناصر كلف محمد حسنين هيكل بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر سيد مرعى عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر محمد أبو نصير أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه محمد أبو نصير أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ هيكل جمال عبد الناصر وجهة نظر سيد مرعى كاملة ولكن عبد الناصر أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 أغسطس 1969م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة 1969م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 مارس 1969م.<br />
<br />
بتاريخ 31 أغسطس 1969 أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " الإصلاح القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار القانون رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات القانونية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية الثورة ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار القانون رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار القانون 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم القانون وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل الإصلاح القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق القانون وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق والدستور".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار القانون رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 مارس 1969 وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة 1967م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969 بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة 1969 بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/1969 أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة 1969 قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة 1969 وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/1969 وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم القانون". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 يبين أنه صدر بناء على القانون رقم 15 لسنة 1967 الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة يونيو سنة 1967 وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور 1964 الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم القانون قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة القانون ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من الدستور المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون " وفى المادة 156 على أن يبين القانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من القانون 0 فإن القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم القانون يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار يحيى الرفاعى على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة أحمد الخواجة عضو التنظيم الطليعي في الجيزة عقد أربعة اجتماعات في شهر سبتمبر 1969 أيام 12،13،18،29 سبتمبر 1969م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 أغسطس سنة 1969 وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد مصطفى كامل إسماعيل الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في 1969 ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في 1955 لم يذكر كثيرون ما حدث في 1955 عندما يتكلمون عن حدث 1969، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء المصري بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 يوليو فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث 1969 فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 يوليو ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار يحيى الرفاعى ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من السادات تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار على محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن شعراوي جمعة رفض ذلك مرتين – مرة السادات نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 مايو ، وأخبر السادات بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار يحيى الرفاعى في غضب ( في حديث له مع النائب العام على نور الدين في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل كمال عبد العزيز في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من أحمد الحضري المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى ألبير جريش الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام عبد الناصر كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها مصريا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد السادات للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال كمال عبد العزيز وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في مصر والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها عبد الناصر إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح ممتاز نصار بعد ذلك عضوا لامعا في مجلس الشعب وزعيما للمعارضة الوفدية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في مجلس الشعب ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما يحيى الرفاعى فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل عبد القادر حلمي وبكر شافع ومأمون الهضيبى وكمال عبد العزيز ، وعادل عيد وعلى عبد الرحيم وسليم عبد الله وجميل الزينى وحلمي قنديل وممتاز نصار وغيرهم من خيرة رجال القضاء في مصر علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال مصرا على دخول القضاة الاتحاد الاشتاركى . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/1970 تحدث المستشار محمد السيد الرفاعى عضو التنظيم الطليعي وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام للاتحاد الاشتراكي لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس عبد الناصر:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو القانون الجديد اتعمل في وقت عصام حسونة آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة 1952 حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة 1967 بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام صبري أبو علم .. ,أنا ما بقولوش الاتحاد الاشتراكي حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام الأحزاب السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في الاتحاد الاشتراكي لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل الثورة ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب عبد الناصر :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة 1968م لغاية منتصف 1969م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام الثورة وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة 1952م، وكان موضوع جدل وقلق من مجلس قيادة الثورة بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت للاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى الاتحاد القومي منذ الخمسينات ثم إلى الاتحاد الاشتراكي في مطلع الستينات من كان عضوا بالتنظيم الطليعي ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/1969م هو رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي كما يبدو من ظاهر أقوال عبد الناصر أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا الاتحاد الاشتراكي حزبا أو كما قال عبد الناصر أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى الاتحاد الاشتراكي ومن قبله الاتحاد القومي بل إلى التنظيم الطليعي السري ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام للاتحاد الاشتراكي هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول الاتحاد الاشتراكي ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل التنظيم الطليعي تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار على نور الدين النائب العام حتى أبريل 1970م.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء التنظيم الطليعي إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتاركى والوزير سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار عبد الحميد الجندي ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى سامي شرف ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة عبد الناصر.<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار على نور الدين والمستشار على كامل والمستشار عمر الشريف وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- أنر السادات – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة 1971 وبعد ذلك قدم المستشار عبد الحميد الجندي للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 1971 '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/1965 حتى 32/5/1971 '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية بسامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة 1971 أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام 1958 وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/1965 فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم مارس نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى سامي شرف وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام لعبد الناصر بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 حكم مجلس التأديب بعزل المستشار محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله الدستور ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 يناير 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 المقامة على المستشارين محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف ومحمد أحمد لطفي المستشار بمحكمة استئناف بني سويف وزهير أحمد دمرداش المستشار بمحكمة استئناف بني سويف بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/1971م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 أكتوبر سنة 1971م صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 85 لسنة 1971م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا القانون إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا القانون وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق القانون رقم 83 لسنة 1969 المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد السادات تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/1971 يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي يحيى الرفاعى( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار حافظ هريدى ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة 1969م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة 1969م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي يحيى الرفاعى إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو محمد سلامة بناء على طلب السادات بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار يحيى الرفاعى إلأى المستشار جمال المرصفاوى رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم السادات وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار يحيى الرفاعى إلى جريدة الأخبار وطلب من موسى صبري أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس السادات وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار يحيى الرفاعى المستشار فتحي نجيب إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار يحيى الرفاعى عمله واضطر السادات إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر القانون رقم 43 لسنة 1973 قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة 1969م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام القانون رقم 85 لسنة 1971م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في 1969 زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان المصريون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا مصر بعد الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1970م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير المصرية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس أنور السادات في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل 1970 وبعدها، نلحظ أن الرئيس عبد الناصر كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل 1970 تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الممارس ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد 1970 التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل الجماعة أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 يوليه والنظام الذى تلاه بعد 1970م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام جمال عبد الناصر لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد عبد الناصر يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب الإخوان جمال حشمت في أحد دوائر البحيرة. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A_1963-1971&diff=643354عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-19712012-02-21T10:21:24Z<p>Helmy: أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971</font></font></center>''' '''بقلم: د. حمادة ...'</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''بقلم: د. حمادة حسنى'''<br />
<br />
'''تقديم : د. هشام السلامونى'''<br />
<br />
'''الناشر : مكتبة بيروت'''<br />
<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في القرن – العشرين – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور حمادة حسنى – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة قناة السويس، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم. <br />
<br />
إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،بدستور 1956، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا . <br />
<br />
في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو 1956 ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على الدستور الثوري ) كانت الثورة قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات الثورة السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( هيئة التحرير)، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة الثورة، ومن ثم مع رئيس مجلس قيادة الثورة، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس مجلس قيادة الثورة ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل مجلس قيادة الثورة بالفعل)، وقد جاء دستور 1956 ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم الثورة( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. <br />
ولا يعنى هذا أن ما كان قبل الثورة نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل الثورة – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام الأحزاب المصرية بدءا من العام 1907 والجمعية التشريعية في العام 1914، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في ثورة 1919 وما بعدها ، تحت قيادة حزب الوفد ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ 1924 إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك. <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل الثورة في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من ثورة يوليو- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا . <br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات عبد الناصر، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا الديمقراطية ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي الديمقراطية ( حق الناس في إدارة شئونهم / الشورى / مصر للمصريين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( مصر للمصريين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة الإسلامية / الشرق / القومية العربية ).<br />
<br />
ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن عبد الناصر لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات الثورة ( غير المعارضة لشهيرة للإخوان المسلمين، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية الثورة من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة 1967 ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 مارس بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).<br />
<br />
والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة عبد الناصر، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني والثورة، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات الثورة السياسية، منذ أولها هيئة التحرير إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
لقد ترك جمال عبد الناصر أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ السادات في التنظيم الطليعي- المدافع عن الثورة ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في مايو 1971، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية الساداتية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في 2008 والمناضلون المصريون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من 1952 إلى 1955 ، وتمت شرعنته في دستور 1956 ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه بالدستور المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون المصريون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة المصرية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي. <br />
<br />
كون جمال عبد الناصر تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى . <br />
<br />
وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها جمال عبد الناصر قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن جمال عبد الناصر قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع عبد الناصر في سيارته، وانتقد بشدة أداء هيئة التحرير، باكورة تنظيمات الثورة، وأن عبد الناصر قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن هيئة التحرير نجحت فيما قامت من أجله. <br />
<br />
والحقيقة-في ظني- أن عبد الناصر لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على الثورة ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات عبد الناصر في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم. <br />
<br />
والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد أحمد فؤاد لعبد الناصر ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ هيكل ، والسيد على صبري، وسكرتير عبد الناصر الشخصي السيد سامي شرف، وأحمد فؤاد( الماركسي ) نفسه، فكان رد جمال عبد الناصر، أن هيكل وعلى صبري من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد أحمد فؤاد أن يحذو حذوهما. <br />
<br />
وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم سيد قطب في اعترافاته ، من أن السيد زكريا محيى الدين قد عرض على أفراد من "الإخوان المسلمين" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و الإخوان المسلمين ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) عبد الناصر، ومن لديهم استعداد للتحول. <br />
<br />
أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره عبد الله إمام عن حوار تم بينه وبين السيد سامي شرف ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور رشوان فهمي ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد سامي شرف يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو بالاتحاد الاشتراكي ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام 1959 ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام . <br />
<br />
وبغض النظر عن مدى فهم السيد سامي شرف للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم عبد الناصر الطليعي . <br />
<br />
ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير جمال عبد الناصر وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها . <br />
<br />
وقد فعلت تنظيمات عبد الناصر السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة جمال عبد الناصر المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة جمال عبد الناصر ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.<br />
<br />
وهكذا نخلص إلى أن عبد الناصر لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات عبد الناصر لمت كن حقيقية أو طبيعية . <br />
<br />
لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات عبد الناصر، والذي ورد ذكره مع الاتحاد الاشتراكي العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له وعبد الناصر يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن سوريا ، وخلاف عبد الناصر المهدد لسلطته مع المشير عبد الحكيم عامر، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، وعبد الناصرالذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد عبد الناصر – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في الاتحاد الاشتراكي، وفى التنظيم الطليعي ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها عبد الناصر في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم التنظيم الطليعي . <br />
<br />
ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة 1967 ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون التنظيم الطليعي ، عمد نظام عبد الناصر إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في فبراير 1968 ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، والديمقراطية ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية. <br />
<br />
كان عبد الناصر هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر عبد الناصر خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي الثورة التي قامت في يوليو 952 "0<br />
والآن نراجع معا دلالات ما قاله جمال عبد الناصر في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات " دار قباء، القاهرة 1999 ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان هيكل وسيد مرعى وعبد العزيز حجازي وسامي شرف مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو الدعوة والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال جمال عبد الناصر، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول جمال عبد الناصر في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.<br />
<br />
الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس الدعوة والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن ثورة يوليو 952 ، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات جمال عبد الناصر محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ). <br />
<br />
والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات عبد الناصر عن تنظيمه الجديد فلقد كن الاتحاد الاشتراكي العربي يمارس الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات جمال عبد الناصر ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء الاتحاد الاشتراكي المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) . <br />
<br />
نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان عبد الناصر بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات الثورة المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ). <br />
<br />
كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد على صبري ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. <br />
فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد السادات ( كثير من أعضاء التنظيم الطليعي أيدوا أنور السادات في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 مايو الشهيرة). <br />
<br />
وها نحن ذا قد رأينا جمال عبد الناصر في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء التنظيم الطليعي ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن شعراوي جمعة قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد على صبري أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات عبد الناصر غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة القاهرة للاتحاد الاشتراكي بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين القاهرة الذي قابلته كان السيد عبد المجيد فريد ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد شعرواى جمعة بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين للاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم الطليعي ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) . <br />
<br />
لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.<br />
<br />
ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات الثورة ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات الثورة أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير. <br />
<br />
والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .<br />
<br />
ولمن ينتقدون جمال عبد الناصر لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس السادات الذي انتقد التنظيم الطليعي ، لغياب الديمقراطية فيه ، وبعد ذلك غيب هو الديمقراطية في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من حزب مصر المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من الاتحاد الاشتراكي ، وخلط ميزانيته – كجمال عبد الناصر – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة المصرية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين الحزب الوطني فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد جمال عبد الناصر أن يقود الثورة بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد السادات أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى الديمقراطية بالمعادين للديمقراطية. <br />
<br />
ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل المصريون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته بدستور 1956 ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية السادات. <br />
<br />
'''د. هشام السلامونى '''<br />
<br />
==مقدمة== <br />
<br />
يعتبر التنظيم الطليعي أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتراكي حاول عبد الناصر فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .<br />
<br />
وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين الاتحاد الاشتراكي وإنما قام على أكتاف من اختارهم عبد الناصر من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب محمد حسنين هيكل وعلى صبري وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم عبد الناصر في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء مجلس قيادة الثورة فعينه رئيسا للوزارة في 1962 ثم أمينا للاتحاد الاشتاركى أكتوبر 1965 وسامي شرف الذي جعله عبد الناصر بعد قيام الثورة بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من الإخوان المسلمين وشعراوي جمعة الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي. <br />
<br />
وكانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في التنظيم الطليعي للاستفادة في مكان عمله. <br />
<br />
وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتاركى وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم 1962 ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء التنظيم الطليعي فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".<br />
<br />
فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن المصريين خارج مصر مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة 1967 حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .<br />
<br />
ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد عبد الناصر وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا . <br />
<br />
عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل التنظيم الطليعي هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام 1964 وعلى رأسهم محمود أمين العالم ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم سمير حمزة ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام 1965 وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة. <br />
<br />
والشيء المريب أن بعض كبار قيادات التنظيم الطليعي يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول أحمد حمروش أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".<br />
<br />
والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة مصرية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في مصر القديمة وإلا لما خلد المصريون الكاتب المصري . <br />
<br />
فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب لشعراوي جمعة وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه الأحزاب تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا التنظيم الطليعي كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين وعبد الغفار شكر ليس النموذج الوحيد. <br />
<br />
عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها مصر الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في مصر وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف المصريون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " فالتنظيم الطليعي كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة. <br />
<br />
فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين التنظيم الطليعي شعراوي جمعة وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى جمال عبد الناصر مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من عبد الناصر كل من ساما شرف وشعراوي جمعة خاصة بعد هزيمة 1967 وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع لسامي شرف كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال حسين الشافعي وسيد مرعى وعلى صبري وعزيز صدقي ولبيب شقير وضياء داود وأمين هايدى بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس السادات – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في الجيزة من وضع أجهزة التصنت به ، وكان شعراوي جمعة وسامي شرف أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف والدستور والقانون وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس السادات سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب المصري ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه السادات لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر سامي شرف وهكذا وجد أعضاء الجماعة – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس السادات على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب في 20 مايو 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده" <br />
<br />
فنظام عبد الناصر لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان عبد الناصر يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن المصري ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين لمصر والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة 1967 فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة 1967 أما إسرائيل زلزالا هائلا هز مصر والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة 1967 كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام عبد الناصر وكان عبد الناصر يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن عبد الناصر قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في حرب يونيه 1967 بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة يونيه كما لو كانت حادث مصرع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه . <br />
<br />
فخطاب عبد الناصر يوم 9 يونيه المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار عبد الناصر في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء. <br />
<br />
وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير حرب أكتوبر وحرب يونيه 1968 بنسبة انتصارات أكتوبر إلى عبد الناصر وأن الخطة التي انتصر بها جيش أكتوبر وضعت في عهد عبد الناصر وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة السادات في حرب أكتوبر مع تبرير سياسة عبد الناصر في حرب يونيه مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر أكتوبر 1973 خائنا وقائد هزيمة يونيه 1967 بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص عبد الناصر الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين. <br />
<br />
وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في مصر لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور التنظيم الطليعي في أحداث مايو 971 . <br />
<br />
وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار يحيى الرفاعى على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق بالتنظيم الطليعي بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه . <br />
<br />
يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور هشام السلامونى على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.<br />
<br />
==الفصل الأول==<br />
<br />
===تنظيمات الثورة السياسية ===<br />
<br />
'''هيئة التحرير- الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي :'''<br />
<br />
قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتنتقل بها مصر ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، '''القوة الأولى :''' هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، '''والقوة الثانية:''' هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة بمصر '''والقوة الثالثة :''' هي قوة الأمة ويمثلها الوفد ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت الثورة دستور 1923 الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت الثورة سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر دستور 1956 ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية. <br />
<br />
فلما جاءت ثورة 23 يوليو خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز الثورة ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في مجلس قيادة الثورة حتى صدر دستور 1956 ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن مصر في أكتوبر 1954 ثم تحقق الجلاء فعلا في يونيه من سنة 1956، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت الأحزاب ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام الثورة ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام الثورة ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية. <br />
<br />
وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد الأحزاب دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( هيئة التحرير 1953- 1961م) و( الاتحاد القومي 1957- 1962م) ثم الاتحاد الاشتراكي ( منذ 1962-1976م) فلم تكن هيئة التحرير سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار. <br />
<br />
أما الاتحاد القومي فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من الاتحاد القومي أو الاتحاد الاشتراكي العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة الاتحاد القومي مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى الاتحاد القومي باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن الاتحاد الاشتراكي بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة. <br />
<br />
وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكي ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم الاتحاد الاشتراكي في عام 1962 م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى ديسمبر 1962م – عند الإعداد لقيام الاتحاد الاشتراكي – أعلن حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن عبد الناصر فتح باب الاشتراك في عضوية الاتحاد الاشتراكي ابتداء من أول يناير 1963 م ولمدة عشرين يوما. <br />
<br />
ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 يناير ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن. <br />
<br />
ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة الاتحاد الاشتراكي " من القمة إلى القاعدة في 1968م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان الاتحاد الاشتراكي ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا . <br />
<br />
هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في القاهرة والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به الاتحاد الاشتراكي ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية الاتحاد الاشتراكي – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم. <br />
<br />
لقد صارت عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( القانون 158 لسنة 1963 م معدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة 1961 م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر القانون 87 لسنة 1964م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية الاتحاد الاشتراكي وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960م والمعدل رقم 151 لسنة 1961 م وبرقم 54 لسنة 1963م كان يشترط عضوية الاتحاد القومي فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية الاتحاد الاشتراكي بالقانون 65 لسنة 1964م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل بالقانون 59 لسنة 1964م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن القانون شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا بالاتحاد الاشتراكي مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد . <br />
<br />
وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين الاتحاد الاشتراكي فقد أصدر وزير العمل – أنور سلامة – القرار رقم 35 لسنة 1964 م يستلزم عضوية الاتحاد الاشتراكي فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .<br />
<br />
وبهذا تحولت عضوية الاتحاد الاشتراكي من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب الاتحاد الاشتراكي قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا . <br />
<br />
وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها. <br />
<br />
ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في الاتحاد الاشتراكي مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين الاتحاد الاشتراكي وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. <br />
ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " ديكمجيان " عن 131 وزيرا مصريا شكلوا ( نخبة القوة ) بين 1952 و 1968م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها. <br />
<br />
وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل بالاتحاد الاشتراكي نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف الاتحاد الاشتراكي قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى الاتحاد الاشتراكي من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري. <br />
<br />
إلى جانب ذلك كان عضو الاتحاد الاشتراكي يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الممارسة الأولى لعمل الاتحاد الاشتراكي .<br />
<br />
أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي للاتحاد الاشتراكي ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل الاتحاد الاشتراكي دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية. <br />
<br />
ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب ثورة يوليو والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية . <br />
<br />
النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام. <br />
<br />
هذه الزاوية يضحى الاتحاد الاشتراكي وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.<br />
<br />
وبالمثل ، لم يتصور عبد الناصر أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في يوليه 1962م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في الاتحاد الاشتراكي " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا . <br />
<br />
إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية ولاتحاد الاشتراكي والشعب .. طيب عايزنى أسلم الاتحاد الاشتراكي لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم الاتحاد الاشتراكي ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي الثورة اللي قامت يوم 23 يوليو 952 1 " <br />
<br />
لقد نظر عبد الناصر ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الإصلاحات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة للمصريين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به. <br />
<br />
وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة. <br />
<br />
على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل . <br />
<br />
لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام. <br />
<br />
والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات. <br />
<br />
وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. <br />
وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .<br />
<br />
وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته. <br />
<br />
ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ <br />
كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة الثورة بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .<br />
<br />
مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " هيئة التحرير " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل . <br />
<br />
كذلك وبنفس الأسلوب سرح " الاتحاد القومي " ثم الاتحاد الاشتراكي ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها عبد الناصر .. " أن علينا أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكي". <br />
<br />
إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا الاتحاد الاشتراكي عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل ممارساتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .<br />
<br />
ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل هيكل الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل هيكل الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن ممارستهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية. <br />
<br />
عموما فبعد أن تغلب عبد الناصر على خصمه عبد الحكيم عامر شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا. <br />
<br />
أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة ممارسة العمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان. <br />
<br />
كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .<br />
<br />
وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير. <br />
<br />
ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية الديمقراطية – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى للاتحاد الاشتراكي – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة . <br />
<br />
ولم يتضمن قانون الاتحاد الاشتراكي أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون الاتحاد الاشتراكي لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.<br />
<br />
كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا. <br />
<br />
ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في الفترة 1962-1964 لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 نوفمبر 1966 خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين. <br />
<br />
أما الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي فقد كانت تضم في ديسمبر 1964 ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا. <br />
<br />
ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 مايو 1971. <br />
<br />
والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم. <br />
<br />
أما هذه العناصر الأخرى من قيادات الاتحاد الاشتراكي فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات ديكمجيان كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة". <br />
<br />
على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير عبد الحكيم عامر في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( التنظيم الطليعي ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. <br />
وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب 1967م وعلى رأس المؤسسة العسكرية عبد الحكيم عامر وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.<br />
<br />
الخلاصة أن نخبة يوليو هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على حزب الوفد الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.<br />
<br />
وأحكمت نخبة يوليو أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري مصر واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .<br />
<br />
وهكذا حرمت مصر من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل الثورة أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك. <br />
<br />
يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه. <br />
<br />
هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية عبد الناصر جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .<br />
<br />
عبد الناصر – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط الديمقراطية التي سادت مصر قبل 1952 ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها مصر بعد ثورة 1919 فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف عبد الناصر من كافة القضايا الكبرى في حكم مصر، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى. <br />
<br />
الواقع أن الذين يحبون عبد الناصر ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين هيكل في سبتمبر 1974 ، ونشر في 1975 رفض هيكل وصف عبد الناصر بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما جمال عبد الناصر " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن عبد الناصر لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " عبد الناصر، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك هتلر وموسولينى وفرانكو وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء. <br />
<br />
ذلك كله شيء ، والديمقراطية شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن الديمقراطية مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم عبد الناصر بأنه كان حكما ديمقراطيا. <br />
<br />
كما أنه لم يكن هناك في نشأة عبد الناصر ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" الديمقراطية " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم الديمقراطية.<br />
<br />
وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة لعبد الناصر الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية. <br />
<br />
وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء القانونيين والدستوريين – السنهوري ، فتحي رضوان ، سليمان حافظ – الذين أحاطوا بثوار يوليو بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على الديمقراطية بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم . <br />
<br />
<br />
==الفصل الثاني==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي السري===<br />
<br />
على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتاركى ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – الاتحاد الاشتراكي – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول جمال عبد الناصر الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد. <br />
<br />
ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس السادات أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على الاتحاد الاشتراكي ككل. <br />
<br />
ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن الديمقراطية السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا. <br />
<br />
وفى خلال مباحثات الوحدة مع سوريا والعراق عام 1963 م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود الأحزاب والتعدد الحزبي ذكر عبد الناصر في جلسة 19 مارس 1963م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري". <br />
<br />
لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين التنظيم الطليعي طبقا لما أورده كل من أحمد حمروش وسامي شرف في يونيو 1963م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره على صبري ومحمد حسنين هيكل وأحمد فؤاد وسامي شرف. <br />
<br />
وكان من الطبيعي وجمال عبد الناصر بصدد إنشاء الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي وباعتباره كان رئيسا للاتحاد الاشتراكي أن يدعو حسين الشافعي أمين الاتحاد الاشتراكي إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة قديم. <br />
<br />
ويذكر أحمد فؤاد رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف 1963 " استدعاني عبد الناصر وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان عبد الناصر إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان أحمد فؤاد هو الشخص المناسب ولكي يضمن عبد الناصر أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات سامي شرف. <br />
<br />
'''وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:'''<br />
<br />
1- جمال عبد الناصر رئيس الدولة ورئيس الاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
2- محمد حسنين هيكل مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( الاتحاد الاشتراكي )<br />
<br />
3- على صبري رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي . <br />
<br />
4- أحمد فؤاد الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار المصري. <br />
<br />
5- سامي شرف رجل المخابرات وعين عبد الناصر. <br />
<br />
ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها عبد الناصر كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر أحمد فؤاد من جمال عبد الناصر عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال عبد الناصر إن على صبري وهيكل هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عبد الناصر فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو بالاتحاد الاشتراكي كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل الاتحاد الاشتراكي في يوغسلافيا ، كما أرسل صلاح الدسوقي ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ القاهرة فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية. <br />
<br />
منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط عبد الناصر في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير. <br />
<br />
وانتقل عبد الناصر إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".<br />
<br />
'''وبعد ذلك حدد عبد الناصر بعض النقاط بصفة مبدئية: '''<br />
<br />
- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم. <br />
<br />
- يكلف كل من على صبري وعباس رضوان بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده . <br />
<br />
- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة. <br />
<br />
- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل. <br />
<br />
وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل لسامي شرف قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي . <br />
<br />
وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب سامي شرف ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد المصري ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس عبد الناصر وأرسل باليد للأعضاء بواسطة محمد المصري ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني. <br />
<br />
وفى الاجتماع الثاني تحدث عبد الناصر عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية للاتحاد الاشتراكي بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل الاتحاد الاشتراكي على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس". <br />
<br />
وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف على صبري وعباس رضوان بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي على صبري وعباس رضوان بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية. <br />
<br />
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية التنظيم الطليعي تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية. <br />
<br />
ولقد بدأ ( على صبري ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – عبد المنعم القسيونى – عبد القادر حاتم – عبد المحسن أبو النور – محمد النبوي المهندس – أحمد توفيق البكري – عبد العزيز السيد – إبراهيم الشربينى – أحمد بهاء الدين – أحمد فهيم – سامي شرف ، ثم سمح لعلى صبري بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – كمال رمزي استينو – سامي شرف – محمد فائق – عبد المجيد فريد – عبد المجيد شديد – محمد أبو نار – عبد المعبود الجبيلى – عبد اللطيف بلطيه – على السيد – محمد على بشير – لبيب شقير – أحمد الخواجة - حسنى الحديدي. <br />
<br />
وقام عباس رضوان بتشكيل خلية من كل من – شعراوي جمعة – أحمد كمال أبو الفتوح – كمال الدين الحناوى – عبد العزيز كامل – محمود الجيار – أحمد عبده الشرباصى – الشيخ عبد الحليم محمود ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – حلمي السعيد – سعد زايد وشكل محمد حسنين هيكل خلية من محمد الخفيف – لطفي الخولى – عبد الرزاق حسن – إبراهيم سعد الدين – نوال المحلاوي. <br />
<br />
وكانت خلية أحمد فؤاد تضم أحمد حمروش – أحمد رفاعي – زكى مراد – فؤاد حبشي وفيما بعد فؤاد مرسى – عبد المعبود الجبلي – أحمد الرفاعى – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم حدتو والحزب الشيوعي المصري وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل الحزب الشيوعي المصري وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل محمود أمين العالم. <br />
<br />
وقام سامي شرف بتشكيل مجموعة كانت تضم ( محمد المصري – منير حافظ – أحمد شهيب – شوقي عبد الناصر – أحمد إبراهيم ( أمين الاتحاد الاشتراكي بمصر الجديدة – عبد العاطى نافع ( أمين المطرية ) مصطفى المستكاوى (أمين الزيتون ) أحمد كمال الحديد ( أمين الوايلى ) جمال هديت ( مدير نادي الشمس ) درويش محمد درويش – نبيل نجد – أحمد حمادة وقد شكل خالد محيى الدين خليته في جريدة الأخبار من رفعت السعيد – جمال بدوى – أمير العطار – السيد الجبرتي – مصطفى طيبه – أحمد طه. <br />
<br />
وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء جمال بدوى ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا أحمد طه عن وجود تحركات إخوانية ويكتب جمال بدوى إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من شعراوي جمعة – أحمد كامل – محمد المصري – احمد حمروش – محمد عروق – يوسف عوض غزولى ويعاونهم كل من أسعد خليل وعادل الأشواح '''وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل الهيكل التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:''' <br />
<br />
شعراوي جمعة – سامي شرف – عبد المجيد شديد – حسنين كامل بهاء الدين – أمين عز الدين – محمد فائق – محمد المصري – أحمد كامل أحمد شهيب – عبد المعبود الجبيلى – محمد عروق – أمين هايدى – عبد المجيد فريد – أحمد حمروش – محمود أمين العالم – حلمي السعيد – يوسف عوض غزولى – على السيد على – ويعاون في أعمال الأمانة أسعد خليل وعادل الشواح . <br />
<br />
كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة القاهرة تضم على صبري – أحمد فؤاد – شعراوي جمعة – عزت سلامة – لبيب شقير – محمد فائق – سامي شرف – سعد زايد – حلمي السعيد – عبد المجيد فريد – إبراهيم الشربينى – أحمد شهيب – أحمد فهيم – فتحي فوده – أمين عز الدين – أحمد بهاء الدين – محمد النبوي المهندس. <br />
<br />
وكانت لجنة التنظيم الطليعي في وزارة الخارجية مشكلة من حسين بلبل – سميح أنوار – يحيى عبد القادر – مراد غلب – عبد المنعم النجار – أحمد عصمت عبد المجيد – حمدي أبو زيد – مصطفى مختار – أحمد لطفي متولي – محمد فتحي الريب – أمين حامد هويدى – جمال شعير – أسامة الباز – عمرو موسى – محمد وفاء حجازي – أنور السكري – محمد عز الدين شرف – أحمد صدقي – أحمد بهي الدين – إبراهيم يسرى عبد الرحمن – فخري أحمد عثمان – أحمد مختار الجمال – بهجت إبراهيم الدسوقي – مصطفى الفقى – أمين يسرى – أحمد يسرى – مختار الحمزاوى – محب السمرة – مصطفى كامل مرتجى – محمد التابعي – إبراهيم ساما جاد على خشبة – محمود فوزي كامل – فتح الله الضلعي – حسن عبد الحق جاد الحق – محمد أو الغيط – فوزي محبوب – عادل مأمون – شرف الدين – محسن أمين خليفة – محمد عوض القوني – حسين كامل بهاء الدين – عبد المنعم عبد العزيز سعودي – خالد محمد الكومى – محمد زين العابدين الغبارى – عبد الله محمود عبد الله – مخلص قطب عيسى. <br />
<br />
وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء التنظيم الطليعي من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات المصرية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى سامي شرف قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى مصر فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.<br />
<br />
ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – عبد المنعم النجار وأسامة الباز وحسام عيسى – وعلى السمان – وجمال شعير – ومصطفى الفقى – ومراد غالب – وأسامة الخولى ووفاء حجازي وغيرهم. <br />
<br />
'''أما أعضاء التنظيم الطليعي في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:'''<br />
<br />
( حسن طلعت - ممدوح سالم – زكى علاج – أنو الأعصر – عبد الوهاب نوفل – عز الدين عثمان – فاروق عبد الوهاب – أحمد سليم – محمد عبد الجود – محمد حسنين مدي – محمد محمود عبد الكريم – أحمد صالح داود – محمد نبوي إسماعيل – محمد مهدي البندري – حسين عوف – محمد سيف الدين خليفة – أحمد رشدي – سعد الشربينى – فؤاد علام – حسن أبو باشا – فاروق الحسنى – أمير واصف – مصطفى صادق – ألبير تادرس – حسن كامل ( محافظ البحر الأحمر ) – محمد رشاد حسن. <br />
<br />
ولجنة التنظيم الطليعي في مجلس الأمة شكلت من سيد مرعى – خالد محيى الدين – حمدي عبيد – كمال الدين الحناوى – أحمد فهيم – أحمد شهيب – إبراهيم شكري – نزيه أحمد أمين – أحمد فؤاد – ضياء الدين داود – لبيب شقير ( شعراوي جمعة ) بصفته أمينا للتنظيم .<br />
<br />
كما شكلت في منتصف عام 1965 مجموعة خاصة جدا وبتكليف من عبد الناصر شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع لعبد الناصر شخصيا ويخطر شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( سامي شرف – شوقي عبد الناصر – منير حافظ – أحمد كامل – مصطفى المستكاوى – سنية الخولى – نوال عامر – عايدة حمدي - فوقية حين محمود – عزيز أحمد خطاب – أحمد حمادة – نبيل نجم – أحمد إبراهيم – درويش محمد درويش – جمال هديت – على زين العابدين صالح – حسين حسن على - حاتم صادق – محمد شهيب ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من توفيق عبد العزيز أحمد وعبد الحميد عوني. <br />
<br />
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من أسعد خليل مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين جمال عبد الناصر من خلال سامي شرف والتنظيم بقيادة على صبري ومن ثم شعراوي جمعة ) والسفير جمال شعير فؤاد كمال حسنين ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) عبد المجيد فريد ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) حسنى الحديدي ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان شعراوي جمعة مسئولا عن تلك المجموعة. <br />
<br />
ومن أعضاء التنظيم الطليعي أيضا حسنين محمود – نوال عامر – فهيم صلاح غريب – عايدة حمدي – أحمد فؤاد حجر – سنية الخولى – فوقية أحمد على – محمد أحمد غانم – محمد أسعد راجح – محمد البدوي فؤاد – عبد الحليم منتصر – عبد الوهاب البرلسى – على سيد حمدي الحكيم – طلبة عبد العزيز مصطفى – محمد خلف الله أحمد – حسين خلاف – رفعت المحجوب – مصطفى كمال حلمي – عبد الجابر علام – محمود أبو عافية – حسن ناجى – أحمد محمد كامل صديق – محمد فؤاد حسن همام – فتحي فوده تادرس – صلاح زكى – عواطف الصحفي – عبد الحميد غازي – أحمد فؤاد محمود – حسين فهما – طلعت عزيز – فؤاد محي الدين – فردوس أحمد سعد – نعيم أبو طالب – كمال الشاذلي – سميرة الكيلانى – همت مصطفى – عبد اللطيف بلطيه – أحمد فتحي سرور – مصطفى كمال – إسماعيل الدفتار – الشيخ عبد الحليم محمود – حسن مأمون – عاطف صدقي – أحمد الشيخ علام – أحمد عز الدين هلال – فؤاد أبو زغلة – محمود شريف – عزيز حلمي – عبد الهادي قنديل – حمدي حرزا – عبد الجابر علام – صلاح حافظ – عبد العزيز حجازي – مشهور أحمد مشهور – يوسف إدريس – إبراهيم صقر – على صدقي – ناصف عبد الغفار خلاف – إسماعيل صبري عبد الله – على السمان – صلاح الدين حافظ ( الأهرام ) – عبد الهادي معوض – محمد البلتاجي – وجيه أبو بكر – محمود يونس – حلمي سلام – فنحى غانم – محمد أمين حماد – جلا ل عبد الحميد – على نور الدين – محمد أبو نصير – أحمد الخواجة – صلاح جاهين – أباظة – عمر الشريف – صدقا سليمان – حكمت أبو زيد – حمدي السيد – عبد الوهاب البشرى – صلاح هديت – حسين ذو الفقار صبري – محمد أمين – حلمي كامل – كمال هنرى أبادير – على زين العابدين – محمد عزت سلامة – محمود عبد السلام – محمد صفى الدين أبو العز – صالح محمد – حلمي مراد – أحمد مصطفى أحمد – حسين أحمد مصطفى – محمد بكر أحمد – محمد محمود الإمام – حسب الله الكفراوي – محمود أمين عبد الحافظ – محمد حمدي عاشور – حافظ بدوى – عبده سلام – حامد محمود – أمين السعد – كامل زهير – محمد راغب دويدار- أحمد أحمد العماوى – فريد محمود – فليب جلاب – نجاح عمر – حسن معاذ رميح – فؤاد عز الدين – محمد عودة – محمود المراغى – حسن محمود شهاب – حسين كامل – كامل مراد- عبد المولى عطية – محمد عزت عادل – محيى الدين أبو شادي – مفيد مصطفى بهاء الدين – أحمد سلامة – يسرى مصطفى – ميلاد حنا – أمينة شفيق – فاروق العشري – عبد الوهاب الحباك. <br />
<br />
ومن كليات جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية على سبيل المثال: عبد الجليل مصطفى بسيونى – السيد جمال الدين مجاهد – أبو شادي الروبى – نبيل يوسف خطار – يوسف محمد عبد الرحمن – على الجارم – حيدر أحمد سامح همام – كميل أدهم - منير عجيب زخارى – إبراهيم جميل بدران – أحمد عادل على – إبراهيم جاد – محمود عبد القادر – محمد توفيق الرخاوى – عبد المنعم على - عباس غالب – أحمد عبد المنعم فرج – محمد صفوت حسين – محمد عبد الوهاب غنددو –عبد الملك عودة – أحمد محمود محمد بدر – محمد فتح الله الخطيب – محمد زكى شافعي – محمد حسب الله – السيد أحمد نور – يحيى حامد هويدى – عبد اللطيف أحمد على – السيد محمد رجب – عمرو أمين محيى الدين – أحمد جعرة – سعيد شاهين – عبد المعطى أحمد شعراوي حراز – يوسف عبد المجيد فايد – العمان عبد المتعال – على القاضي – سامية أحمد – على أحمد إسماعيل – أحمد على مرسى أحمد – محمد مهران رشوان – محمد صبحي سليمان – محمد أمين البنهاوي – أحمد كراوية – محمد شريف عادل – يحيى مصطفى عبد الحكيم – حلمي محمد أبو الفتوح – شفيق إبراهيم بلبع – محمد سعد الدين – محمد محمود غراب – صبحي على محمود سعد – محمد فائق مصطفى هاشم – محمود دسوقي – عبد المنعم فولى طه – السيد مجاهد – عبد الرءوف أبو الحسن – عمر عبد الآخر – محمد طلعت قابيل – محمد محيى الدين نصرت – محمد منير إبراهيم – أحمد السيد رفعت أبو حسين – محمد عبد الغنى محمود – أسامة محمود رفعت – حسن حسنى سليم – محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى – محمد عبد الرحمن الهوارى – على العريان – حسن محمد إسماعيل – حامد عبد الحميد السنباؤى – أسامة أمين أحمد – محمد متولي – محمد الجمل – عاطف محمد عبيد – على عبد المجيد – شوقي حسين عبد الله – حسن فهمي السيد إمام – عبده سعيد – إبراهيم محمد السباعي – محمد شوقي عطا الله – على محمود – حلمي محمود نمر – عبد القادر إبراهيم حلمي – توفيق بلبع – علاء الدين نصر – صلاح الدين صدقي – على محمد عبد الحافظ السلمي – متولي بدوى على عامر – أحمد عبد الرحمن – محمد بدوى – محمد كمال جعفر – حامد طاهر حسنين – عبد الحكيم حسان الإمام – محمود محمد قاسم – تمام حسان – عمر السعيد محمد – محمد رفاعي – محمد عزت خيري – عبد القادر السيد منصور – عبد المجيد عبد الوهاب – إجلال حفني محمد شرف خاطر – محمد عبد الفتاح القصاص – ماهر إبراهيم الدسوقي – جابر بركات – محمد عبد المقصود النادي – معتزة عبد الرحمن سليمان – أحمد فتحي حسين – فوزي أمين فوزي – حامد متولي – محمد لطفي عبد الخالق – محمد عبد الواحد محمد – فوزي حسين عبد الودود يحيى – مفيد محمود شهاب – أكثم أمين الخولى – عاطف سرور – عائشة راتب عبد الرحمن – مأمون محمد سلامة – حامد نصر أبو زيد – محمد نجيب حسنى – جميل متولي الشرقاوي – عبد المنعم السعيد البدراوى – كمال الدين صدقي – محمود نصر – محمد كمال سليم – محمد على – محمد فتح الله علد العال – فتحي النواوى – عصام الجندي – سهير يوسف صالح – على الدين هلال – إسماعيل مسام الخطيب. <br />
<br />
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم عبد الغفار شكر- كمال القشيشى – نور الدين فهمي – محمود سعيد – إبراهيم الخولى – محمود عاشور- صلاح الشرنوبى – السيد الزيات – عزت عبد النبي – أحمد عبد الغفار المغازى – أحمد عمر – على الطحان – محمد هاشم العشيرى – هاشم حمود – رفعت السباعي – شلبي عرفة الشابورى – حمدي الطاهر – عباس ندراوى . وقد تم ضم هؤلاء إلى التنظيم الطليعي. <br />
<br />
وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد على الدين هلال وما كتبه عبد النبو ضد حسين كامل بهاء الدين وما كتبه عبد الغفار شكر ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم عبد الغفار شكر اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل التنظيم الطليعي ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة سمير حمزة وكل من أحمد توفيق – صالح السمرة – عثمان عزام .. وغيرهم. <br />
<br />
وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء التنظيم الطليعي نجد أن هناك مجموعات داخل التنظيم الطليعي كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر 1964 ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب. <br />
<br />
وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك محمد فائق في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل عبد الناصر وعمل على الفصل بين المتهمين. <br />
<br />
'''وقد تم تقسيم القاهرة إلى خمس مناطق: '''<br />
<br />
- سعد زايد وعلى صبري مسئولان عن منطقة شمال القاهرة. <br />
<br />
- سامي شرف مسئول عن منطقة شرق القاهرة. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن منطقة جنوب القاهرة. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن منطقة غرب القاهرة. <br />
<br />
- النبوي إسماعيل ومن بعده كمال الحناوى – مسئول عن منطقة وسط القاهرة ، '''وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:'''<br />
<br />
- محمد أحمد البلتاجي مسئول طليعة الاشتراكيين في الجيزة. <br />
<br />
- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في البحيرة. <br />
<br />
- عبد الحميد خيرت مسئول طليعة الاشتراكيين في سوهاج. <br />
<br />
- فؤاد محيى الدين مسئول طليعة الاشتراكيين في القليوبية. <br />
<br />
- محمد المصري مسئول طليعة الاشتراكي في الدقهلية. <br />
<br />
- حمدي عاشور ثم ضياء داود مسئول طليعة الاشتراكيين في دمياط . <br />
<br />
- محمد حسنى رشدي مسئول طليعة الاشتراكيين في بور سعيد. <br />
<br />
- مشهور أحمد مشهور مسئول طليعة الاشتراكيين في الإسماعيلية. <br />
<br />
- مصطفى الجندي مسئول طليعة الاشتراكيين في الغربية. <br />
<br />
- كمال الشاذلي مسئول طليعة الاشتراكيين في المنوفية. <br />
<br />
- محمد رشدي دكرورى مسئول طليعة الاشتراكيين في المنيا. <br />
<br />
- محمد زكى علام مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا. <br />
<br />
- محمد إسماعيل معاذ مسئول طليعة الاشتراكيين في الوادي الجديد. <br />
<br />
- عواد خليل حسنين مسئول طليعة الاشتراكيين في سيناء. <br />
<br />
- شعبان محمد العتال مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح. <br />
<br />
- حسن ضياء سليمان مسئول طليعة الاشتراكيين في البحر الأحمر. <br />
<br />
وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين الاتحاد الاشتاركى وكان لأمناء التنظيم الطليعي في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك . <br />
<br />
- حسين كامل بهاء الدين مسئول عن الجامعات. <br />
<br />
- محمد فائق مسئول عن الإعلام. <br />
<br />
- أحمد الخواجة مسئول عن المحامين. <br />
<br />
- د. حمدي السيد مسئول عن الأطباء. <br />
<br />
- حلمي السعيد مسئول عن المهندسين. <br />
<br />
وقد علم المشير عبد الحكيم عامر بخطوات التنظيم الطليعي من عبد الناصر ، فأمر شمس بدران بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة . <br />
<br />
وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر عن طريق شمس بدران . <br />
<br />
وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة المصرية تحت مفهوم أمن الثورة داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم. <br />
<br />
ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء شمس بدران وعبد الحكيم عامر في هزيمة 1967م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها. <br />
<br />
فيذكر حمروش " إذا كان قانون الاتحاد الاشتراكي لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " . <br />
<br />
وكان المسئول ن هذا التنظيم الصاغ شمس الدين بدران الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة. <br />
<br />
ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق محمد فوزي القائد العام للقوت المسلحة بعد يونيو 1967م ثم وزير الحربية بعد أمين هويدى ، والفريق محمود أحمد صادق رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد مايو 1971 م . <br />
<br />
وفى رواية أدلى بها حامد محمود للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من جمال عبد الناصر في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة جمال عبد الناصر مباشرة " ،لكن سامي شرف يعلم بشكل واضح أن المشير عبد الحكيم عامر كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال لشمس بدران، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين . <br />
<br />
وفى إجابة لشعراوي جمعة عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ". <br />
<br />
وأيا كان الأمر فقد أوكل لشمس بدران مسئولية قيادة التنظيم الطليعي داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر أكتوبر 1964م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى شمس بدران ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.<br />
<br />
وفد ظل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة الجماعة مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث 1954م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع الإخوان المسلمين الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير . <br />
<br />
ويذكر سيد قطب في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن زكريا محيى الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الاتحاد الاشتراكي وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن زكريا محيى الدين أيضا زار المرشد العام حسن الهضيبى ليتحدث معه في هذا الأمر. <br />
<br />
وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى لبعد الناصر بعيد العزيز كامل من السجن ، وقد كان عضوا بمكتب الإرشاد ، وقد تخلى عن الجماعة ، وتم تعيينه فى قسم الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي ، وقد أصبح عبد العزيز كامل فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جرت محاولة مشابهة مع زينب الغزالي داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام للاتحاد الاشتراكي تحت ضغط شديد .<br />
<br />
وعملت الثورة على الإفادة من ممثلي الإسلام السياسي من خارج الجماعة فخالد محمد خالد يذكر " جاء مجدي حسنين يفاتحني في أمر ، إن جمال عبد الناصر طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ". <br />
<br />
أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم عبد الناصر بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة خرشوف لمصر في مايو 1964 ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد عبد الناصر عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم لطفي الخولى رئيس تحير الطليعة ، وأمين عز الدين المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور إبراهيم سعد الدين عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم بالتنظيم الطليعي شعراوي جمعة وسامي شرف وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين المصريين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان سامي شرف يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج. <br />
<br />
غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين والطليعة العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج مصر من خلال أمانة الشئون العربية بالاتحاد الاشتراكي. <br />
<br />
ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في القاهرة. <br />
<br />
كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس عبد الناصر هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد الطليعة العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة الطليعة العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان فتحي الديب مسئول الطليعة العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في الطليعة العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح عبد الناصر في مؤتمر المبعوثين الذي عقد بالإسكندرية في أغسطس 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه. <br />
<br />
ودور التنظيم الطليعي يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن الثورة فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتراكي وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم الطليعة فضلا عن التقارير التي تقدم لعبد الناصر بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد أحمد حمروش كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين. <br />
<br />
وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من الاتحاد الاشتاركى وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء التنظيم الطليعي يرفعون تقاريرهم إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الطليعي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد التنظيم الطليعي في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام عبد الناصر دون أن يمارس أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية عبد الناصر التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في الاتحاد الاشتاركى وأمينا لأمانة التنظيم الطليعي ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم إسماعيل صدقي. <br />
<br />
وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى عبد الناصر أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل الاتحاد الاشتراكي وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو. <br />
<br />
وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون. <br />
<br />
وكان شعراوي جمعة هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان شعراوي جمعة بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو محمد عروق واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان محمد عروق قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب شعرواى جمعة عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان بعبد الهادي ناصف وفاروق متولي. <br />
<br />
وخلال الفترة التي صاحبت تكوين التنظيم الطليعي حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى على صبري أمانة الاتحاد الاشتاركى بعد حسين الشافعي ، وأصبح زكريا محيى الدين رئيسا ووزيرا للداخلية ن وشعراوي جمعة وزير دولة (1/10/1965م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد زكريا محيى الدين وخلفه صدقي سليمان كرئيس للوزارة ، وأصبح شعراوي جمعة وزيرا للداخلية ومحمد فائق للإعلام وأمين هويدى وزيرا للدولة.<br />
<br />
وقد أصبح التنظيم الطليعي جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها شعراوي جمعة وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل شعراوي جمعة ، إذا يمكن أن نعتبر عام 1965 م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى. <br />
<br />
وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%. <br />
<br />
كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل أحمد حمروش ، أمين عز الدين ، عبد المعبود الجبيلى ، محمود أمين العالم ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس جمال عبد الناصر من أمثال عبد المجيد فريد ، شعراوي جمعة ، أمين هويدى ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد ( ساما شرف ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات الثورة. <br />
<br />
وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى التنظيم الطليعي ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.<br />
<br />
'''جدول رقم (1)'''<br />
<br />
'''الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي'''<br />
<br />
وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير سعيد طوسون بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : أنور أبو المجد ( ضابط شرطة متقاعد ) وصلاح عبد المعطى ، وشوقي عبد الناصر ( مدرس بالإسكندرية ) وحسنى أمين، وسلامة عثمان من المخابرات العامة ، ومحمود عبد الرحيم وعادل عبد الفتاح ، ومحمد الدجوى . <br />
<br />
وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى شعراوي جمعة للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من سامي شرف – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، '''وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي: '''<br />
<br />
'''مكتب الاتصال التنظيمي:'''<br />
<br />
يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف يوسف عوض غزولى بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه أنور أبو المجد وحسنى أمين ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : حامد شاكر حجاب وسالم حليمة من جهاز التنظيم والإدارة ، وعبد المنعم حمادة ومحمد رشوان وفاروق أبو زهرة ومحمد عبد الغنى وعادل الأشوح. <br />
<br />
'''مكتب المعلومات: '''<br />
<br />
وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب شوقي عبد الناصر ، وانضم إليه فيما بعد سلامة عثمان _( ضابط مخابرات سابق ) ومحمود عبد المجيد ( من هيئة استعلامات ) وعادل حسين .<br />
<br />
'''مكتب العمل السياسي:'''<br />
<br />
وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة الاتحاد الاشتراكي والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية عندما أبلغت عن تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، وكان يشرف على هذا المكتب أحمد كامل ومحمد المصري. <br />
<br />
ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب محمد عروق ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام 1966 م كلف محمود أمين عالم بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.<br />
<br />
وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة. <br />
<br />
وكانت لجنة القاهرة الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة على صبري وعضوية الضباط السابقين: أحمد كامل ، وحلمي السعيد ، وشعراوي جمعة ، وسعد زايد ، ومحمد فائق ، وسامي شرف ، والدكتور عزت سلامة ، والدكتور لبيب شقير ، والدكتور إبراهيم الشربينى ، ثم أحمد بهاء الدين ، وممثلي العمال : أحمد فهيم وفتحي فودة. <br />
<br />
ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.<br />
<br />
وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد". <br />
<br />
وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية. <br />
<br />
وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها. <br />
<br />
'''لجنة المركز أو القسم:'''<br />
<br />
وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز. <br />
<br />
'''لجنة المحافظة :'''<br />
<br />
وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل . <br />
<br />
'''اللجنة المركزية:'''<br />
<br />
وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل. <br />
<br />
'''العضوية:'''<br />
<br />
فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في الاتحاد الاشتراكي وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية . <br />
<br />
ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان الاتحاد الاشتاركى في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة. <br />
<br />
وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . <br />
فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " . <br />
<br />
ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة. <br />
<br />
كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل . <br />
<br />
كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور الطليعة لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير. <br />
<br />
وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح. <br />
<br />
أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم . <br />
<br />
وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين القاهرة ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية. <br />
<br />
أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى. <br />
<br />
ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر الهيكل التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس. <br />
<br />
وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية. <br />
<br />
وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.<br />
<br />
وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتاركى بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان معظم أعضائها أعضاء بالتنظيم الطليعي . <br />
<br />
ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق عبد الناصر وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة أحمد كامل أحد المسئولين ورفعها إلى سامي شرف "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة التنظيم الطليعي على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوارالتى قام بها التنظيم الطليعي هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، فقد ذكر الرئيس عبد الناصر أمام مؤتمر المبعوثين في أغسطس 1966م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة الإخوان المسلمين كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة الدقهلية .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية". <br />
<br />
فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث الاخوانى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى للإخوان بزعامة سيد قطب ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج سيد قطب من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى الإخوان الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .<br />
<br />
ولقد عاد الإخوان إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات سيد قطب مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة . <br />
<br />
وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من الإخوان خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات الإخوان المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة الجماعة التي سبق حلها عام 1954م . <br />
<br />
كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين للإخوان والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.<br />
<br />
وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء التنظيم الطليعي تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في الدقهلية والقاهرة ، وخلال الفترة من 12/10/1964م إلى 28/10/1965م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط . <br />
<br />
ومن خلال تقارير أعضاء التنظيم الطليعي المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة للإخوان كأفراد وجماعة في منتصف عام 1965م <br />
<br />
وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود الاتحاد الاشتراكي وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق. <br />
<br />
وفى ذلك يقول حسنى أمين في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر عام 1965م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية ، وكان أمينها محمد المصري ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم . <br />
<br />
وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء الطليعة وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من أمين عز الدين ، محمد عروق ، عبد المعبود الجبلي ، حسنى أمين ، وإن ذكرشعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".<br />
<br />
وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم. <br />
<br />
وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 أكتوبر 1963م ، والأخير بتاريخ 16أبريل 1971م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى . <br />
<br />
وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 1963م يدور حول " العدوان المغربي على الجزائر وموقفنا منه ". <br />
<br />
وعن العلاقات بحزب البعث العراقي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/1963م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من ثورة يوليو ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي". <br />
<br />
'''الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين : '''<br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 ديسمبر 1963م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد الجمهورية العربية المتحدة " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر الجمهورية العربية المتحدة في حرب اليمن ومساندة ثوار الجزائر ، '''وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي: '''<br />
<br />
1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على الجمهورية العربية المتحدة ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة اليمن وانتصار الجزائر في موقفها مع المغرب بمعاونة الجمهورية العربية المتحدة ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في العراق وبوادر البعث السوري. <br />
<br />
2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها. <br />
<br />
والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات. <br />
<br />
وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/1964م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح مجلس الأمة 26 مارس 1964م . وكذلك خطاب على صبري رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6أبريل 1964م. <br />
والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات. <br />
<br />
ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء الطليعة ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. <br />
<br />
وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 يناير 1965م، ثم توقف الصدور حتى 2 أبريل ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في أبريل 1965م، ثم العدد (31) في 2 مايو ، ثم العدد (32) في 9 مايو . <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعونتها " قال الرئيس عبد الناصر في خطابه في عيد النصر : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله البحر الأحمر يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"<br />
<br />
وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على عبد الناصر أن يذكر أن كل رغيف يأكله مصري نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل مصري يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام. <br />
<br />
وفى عدد آخر من الطليعة الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ". <br />
<br />
ثم سؤال عن السبب في عدم لعب الاتحاد الاشتراكي دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في الاتحاد الاشتراكي . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله الطليعة الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير الاتحاد الاشتراكي تحركا واعيا .. الاتحاد الاشتراكي تنقصه الطليعة السياسية المنظمة في كل المستويات ". <br />
<br />
ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 أبريل 1965م. <br />
<br />
وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه عبد الناصر إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز الديمقراطية ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية". <br />
<br />
أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول مايو " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول مايو .. وكيف أصبح أول مايو عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول مايو تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول مايو بمنجزات العمل الاشتراكي". <br />
<br />
أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية". <br />
<br />
وفى يوم 2 مايو لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في مصر حققت ثورة 23 يوليو مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة الثورة الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن مصر سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في ممارسة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح . <br />
<br />
وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكي منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص. <br />
<br />
وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم الديمقراطية الليبرالية لفظته الثورة واستبدلت به الديمقراطية الاشتراكية. <br />
<br />
وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي – شقيق الكاتب المعروف عبد الرحمن الشرقاوي – قد تم القبض عليه في 14 يوليو 1966 مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين الهاربين خارج البلاد وفى 22 سبتمبر 1967مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس جمال عبد الناصر أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من صلاح نصر. <br />
<br />
وبمناسبة صدور بيان 30 مارس نشرة خاصة بتاريخ 31/3/1968م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 مارس " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 مارس 1968م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر الثورة المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 مارس هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق". <br />
<br />
كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة بالإخوان المسلمين ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".<br />
<br />
كان التنظيم الطليعي – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات الاتحاد الاشتراكي والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية. <br />
<br />
وبعد هزيمة 1967م تفرغ عبد الناصر تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة على صبري ، وكانت تضمن شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمد فائق وضياء الدين داود ولبيب شقير وعبد المجيد فريد. <br />
<br />
واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في فبراير1968م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب عبد الناصر لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 مارس 1968م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة. <br />
<br />
وهكذا عجزت تنظيمات الثورة ويسارها الخاص المتمثل في التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية. <br />
<br />
أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على الاتحاد الاشتراكي العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب. <br />
<br />
واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – التنظيم الطليعي – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء الاتحاد الاشتراكي.<br />
<br />
==الفصل الثالث==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي وأحداث مايو 1971===<br />
<br />
وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا لأنور السادات نعم على طريق عبد الناصر . وكانت المجموعة التي تحيط بعبد الناصر في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح أنور السادات وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح أنور السادات. <br />
<br />
ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن على صبري هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى أنور السادات رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق عبد الناصر ، وكانت تلك رغبة على صبري ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه. <br />
<br />
ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة عبد الناصر كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار الثورة وسرعة اختيار خليفة لعبد الناصر ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح أنور السادات للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة يوليو 1952م".<br />
<br />
من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم جمال عبد الناصر واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير. <br />
<br />
ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على السادات . ونظر السادات أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد السادات. <br />
<br />
وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن السادات صاحب خبرة من قبل الثورة كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة المصرية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب السادات الجولة بقليل من الترتيبات . <br />
<br />
وما أن تولى السادات حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث مايو ، والتي وصلت ذروتها بإقالة على صبري في 2 مايو ، فبدأت قيادات التنظيم الطليعي – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب السادات – تتحرك للعمل ضد السادات من خلال التنظيم الطليعي ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 مايو 1971م. <br />
<br />
فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12مايو ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب شعراوي جمعة في مقر الحكومة المركزية في مصر الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة عبد الناصر سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة السادات ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 مايو ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها. <br />
<br />
حضر الاجتماع شعراوي جمعة أمين التنظيم ووزير الداخلية ، وسامي شرف عضو الأمانة ومسئول جنوب القاهرة عن التنظيم الطليعي ، وسعد زايد مسئول شمال القاهرة ومحمد فائق غرب القاهرة ، وحلمي السعيد عضو الأمانة ومسئول شرق القاهرة ، وأحمد كامل رئيس المخابرات ، ومحمود أمين العالم عضو الأمانة ، ويوسف غاز ولى عضو الأمانة ، ومحمد عروق مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، وأحمد شهيب نائب رئيس شرق القاهرة. <br />
<br />
وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب شعراوي جمعة الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. <br />
وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين أنور السادات في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث على صبري كما كان يرجو السادات ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة على صبري قبل حضور روجرز ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد السادات له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة السادات في حل الاتحاد الاشتراكي ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا لعلى صبري ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن السادات سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.<br />
<br />
وصارح شعراوي جمعة أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل الاتحاد الاشتراكي وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة. <br />
<br />
وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة التنظيم الطليعي على ما دار ن حوار بين السادات وسيسكو اتفق الجميع على أن السادات لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى . <br />
<br />
وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل سعد زايد عن موقف الجيش ، فأجاب أحمد كامل بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن سامي شرف تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله السادات ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط السادات ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط الاتحاد الاشتراكي وتحريكه مساندا لهذا الرأي. <br />
<br />
وطالب محمود أمين العالم بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط أنور السادات الجديد. <br />
<br />
وقرر شعراوي جمعة تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من محمود أمين العالم ، محمد عروق ، يوسف غاز ولى ، عبد الهادي ناصف ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب السادات أمام الهيئة البرلمانية وخطاب محمود رياض عن نتائج زيارة روجرز لمصر . <br />
<br />
وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب شعراوي جمعة ، مثل سامي شرف ومحمد فائق.<br />
<br />
وهكذا تذكر خصوم السادات – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا شعراوي جمعة لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 مايو ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب شعراوي جمعة . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في القاهرة وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن القاهرة ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور حسن خليفة. <br />
<br />
وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى أنور السادات اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار. <br />
<br />
ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 مايو أقال السادات شعراوي جمعة ، وحل محله ممدوح سالم محافظ الاسكندرية حينئذ ومسئول التنظيم الطليعي بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .<br />
<br />
وظل اسم التنظيم الطليعي سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب السادات كانت غالبيتها من عناصر التنظيم الطليعي فقد كان عزيز صدقي وسيد مرعى وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في التنظيم الطليعي ، وكان في الطليعي أيضا محمد عبد السلام الزيات الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 مايو بدلا من محمد فائق عضوا بالتنظيم الطليعي. <br />
<br />
بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة الدستورية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها. <br />
<br />
إن ما حدث منذ رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م وترشيح السادات لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في مصر أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر السادات وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من عبد الناصر وخطه وتحالفهم في الخارج – أن السادات هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة عبد الناصر الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 مايو ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل السادات في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد المصري السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب الديمقراطية وحتمية مواجهة مراكز القوى . <br />
<br />
إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح السادات البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز سيد مرعى لصالح السادات ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين هيكل أنه يفضل أن يكون مع السادات حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.<br />
<br />
ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة مايو حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما السادات هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة مايو يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام السادات ، وهذا ما جعل السادات يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام السادات كما كانت الصراعات بينهم كبيرة . <br />
<br />
وأخيرا تأكد أن السادات ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة الديمقراطية ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية الديمقراطية في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح السادات في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل الإخوان المسلمين ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب مايو والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وتخلص الرئيس السادات من كل رجال عبد الناصر تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال عبد الناصر بعد أحداث مايو 1971م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس أنور السادات ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال عبد الناصر وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها السادات كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم بالتنظيم الطليعي السري ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.<br />
<br />
فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر '''وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:''' <br />
<br />
'''أولا :''' الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز بالتنظيم الطليعي ( والمتهم رقم 49) للرئيس أنور السادات وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/1971م وجاء فيه سيادة الرئيس محمد أنور السادات رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/1971م. <br />
<br />
وذكر أحمد شهيب تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية بمصر الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/1971م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت شعراوي جمعة وسامي شرف وسعد زايد محمد فائق وحلمي السعيد وأحمد كامل – محمود أمين العالم – ويوسف غزولى ومحمد عروق – وأحمد شهيب وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء لمصر ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – أحمد شهيب. <br />
<br />
'''ثانيا :''' وكان سامي شرف في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .<br />
<br />
'''فقد استهل سامي شرف أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/1971م أمام الأستاذ محمود حلمي راغب رئيس النيابة بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة بالآتي:''' <br />
<br />
'''س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟ '''<br />
<br />
ج: تبدأ الأحداث منذ 28 سبتمبر 1970 بوفاة المرحوم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس محمد أنور السادات من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس محمد أنور السادات لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس محمد أنور السادات خلفا للرئيس جمال عبد الناصر عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس أنور السادات وبتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر خلال الفترة من سبتمبر سنة 1969 حتى سبتمبر 1970 وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس أنور السادات وفى يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس أنور السادات إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس أنور السادات تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس أنور السادات يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي شعراوي جمعة وأمين هويدى في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء المصريين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد زكريا محيى الدين لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس أنور السادات حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس أنور السادات بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس جمال عبد الناصر هو الذي اختار بنفسه الرئيس أنور السادات امتداد طبيعي ومنطقي لخط جمال عبد الناصر ... '''واستطرد سامي شرف في حديه إلى أن قال: '''<br />
<br />
وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد أنور السادات والسيد على صبري على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر يناير سنة 1971 وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح قناة السويس واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس أنور السادات والسيد على صبري وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد على صبري علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد على صبري وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس على صبري بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد على صبري في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة '''واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:''' <br />
<br />
'''وواصل سامي شرف حديثه إلى أن قال :''' ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين شعراوي جمعة لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة بشعراوي جمعة لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس جمال عبد الناصر بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ محمد أحمد بالإفراج عنه بالاتفاق مه شمس بدران في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد محمد أحمد ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس جمال عبد الناصر وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد شعراوي جمعة فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر جمال عبد الناصر والسادات . <br />
<br />
'''وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟'''<br />
<br />
'''أجاب :''' إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة 1970 المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر أعطى أمر لشعراوي جمعة ولأمين هويدى ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق محمد أحمد صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس جمال عبد الناصر واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس عبد الناصر وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة هدى عبد الناصر وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء. <br />
<br />
'''س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ؟ '''<br />
<br />
ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس أنور السادات وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال سامي شرف. <br />
<br />
'''س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟''' <br />
<br />
أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ أنور السادات أن السيد على صبري بيسب ويهلوس. <br />
<br />
'''وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟ '''<br />
<br />
أجاب : أيوة. <br />
<br />
'''س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟'''<br />
<br />
ج: تليفون فريد عبد الكريم مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر للسيد شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع فريد عبد الكريم لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في فريد عبد الكريم وهذا الرأي الخاص يطابق تماما شعراوي جمعة ورأيي شخصيا في فريد عبد الكريم وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا فريد عبد الكريم وفى إطار تنفيذ أمر السيد جمال عبد الناصر في متابعة فريد عبد الكريم دفع السيد شعراوي جمعة بمحمود السعدنى ليستدرجه ويكون مصدر معلومات لشعراوي جمعة عن فريد عبد الكريم واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس أنور السادات كان له نفس الرأي في فريد عبد الكريم .<br />
<br />
س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة بفريد عبد الكريم أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ <br />
أجاب سامي شرف : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون فريد عبد الكريم فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن فريد عبد الكريم وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس أنور السادات في منزله يوم 13/5/1971 وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة بفريد عبد الكريم وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .<br />
<br />
'''س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟'''<br />
<br />
ج: فريد عبد الكريم ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .<br />
<br />
ثالثا : على الرغم من دفاع شعراوي جمعة المستميت عن اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب لحسن طلعت من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر شعراوي جمعة أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق زكريا محيى الدين وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه. <br />
<br />
لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز شعراوي جمعة فرصة حضور اللواء حسن طلعت أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية '''وبسؤال المحامى لحسن طلعت:''' <br />
<br />
'''س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في أواخر سنة 1966 وعددهم عندما أقيل في 13 مايو سنة 1971؟''' <br />
<br />
'''أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية'''<br />
<br />
'''س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال: '''<br />
<br />
يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة لحسن طلعت.<br />
<br />
وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة مايو 1971م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس السادات في يوليو في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي في 22 يوليو 1971م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار". <br />
<br />
وفى ورقة أغسطس 1974م التي طرحها الرئيس السادات لتطوير الاتحاد الاشتراكي وصفت التنظيم الطليعي " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات للاتحاد الاشتراكي ، وانعدمت الديمقراطية تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.<br />
<br />
ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون الاتحاد الاشتراكي قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال الطليعة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".<br />
<br />
غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية الاتحاد الاشتاركى العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن. <br />
<br />
وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات والأحزاب التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي لحزب التجمع منظمة الشباب والتنظيم الطليعي – بل وأساليب العمل أيضا.<br />
<br />
ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى عبد العزيز حجازي عضو التنظيم الطليعي ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي مارسته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.<br />
<br />
ونجد عند الذين مارسوا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر شعراوي جمعة أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف على صبري في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا التنظيم الطليعي ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور". <br />
<br />
لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة التنظيم الطليعي في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.<br />
<br />
إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا. <br />
<br />
إن إحساس عضو التنظيم الطليعي بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير. <br />
<br />
إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ الديمقراطية داخل التنظيم . <br />
<br />
إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي. <br />
<br />
إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير بالثورة ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها. <br />
<br />
إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري. <br />
<br />
إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات. <br />
<br />
في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في البحيرة ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها. <br />
<br />
وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م وهو في لمهد ، وبعد عام 1967م لعب التنظيم الطليعي أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري. <br />
<br />
هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع عبد الناصر ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد الثورة هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.<br />
<br />
لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين بالثورة ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك. <br />
<br />
==الفصل الرابع==<br />
<br />
===التنظيم الطليعي والقضاء===<br />
<br />
'''عبد الناصر والقضاء:'''<br />
<br />
وبعد قيام الثورة سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، '''وذلك على الوجه التالي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' أبقت الثورة تقريبا على ذات درجة الاستقلالية القانونية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام القانونية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم. <br />
<br />
بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام الثورة قد زادت من الضمانات القانونية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي 1954، 1955 وخرج بها عدد محدود من القضاة. <br />
<br />
'''ثانيا:''' استطاعت الثورة بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.<br />
<br />
'''ثالثا:''' أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات الوفد السابقة والأحزاب الأخرى ، أو جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة الثورة ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين. <br />
<br />
وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن.<br />
<br />
كان أسلوب نظام 23 يوليو إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه. <br />
<br />
ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم يمارسون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم القانونية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل. <br />
<br />
ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 فبراير سنة 1948م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق السنهوري على رأس المجلس عندما قامت الثورة ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية. <br />
<br />
لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة الثورة وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي 1954،1955، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب السنهوري في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في 1955 صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية القانونية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج السنهوري. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى. <br />
<br />
وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن. <br />
<br />
كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء القانوني لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن. <br />
<br />
وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات القرن العشرين، ومحمد لبيب عطية باشا وعبد الرحمن الطويل باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم القرن التاسع عشر نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في 1951 فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت الثورة انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين. <br />
بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة 1967، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.<br />
<br />
لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة 1967 أضعفت هذا الرصيد. <br />
<br />
إن هزيمة 1967 كسرت المشروع السياسي الذي كانت ثورة يوليو اعتمدته ومارست تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في فبراير 1968بما لم يكن مثله مسبوقا منذ 1954 واهتزت الشرعية السياسية للنظام. <br />
<br />
وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها الثورة من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة. <br />
<br />
ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك ثورة 23 يوليو مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ الدستورية والقانونية التي بقى القانونيون يتثقفون بها. <br />
<br />
وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه القانوني والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه. <br />
<br />
لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات الإصلاح القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،'''وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :''' <br />
<br />
'''أولهما:''' بدأت – أو بعبارة أدق قويت– الدعوة إلى إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها الثورة. وقيل وقتها إن انضمام القضاة للاتحاد الاشتراكي لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد. <br />
<br />
'''وثانيهما:''' ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال القانون ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها الثورة والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير القانونية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.<br />
<br />
المهم أن فكرة إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء المصري من قبل 23 يوليه من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر القانوني وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية. <br />
<br />
وكان التنظيم الطليعي السري في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان التنظيم الطليعي منذ أواخر عام 1966م. <br />
وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي عبد الحميد الجندي الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/1965م في مجموعة شرق القاهرة برئاسة سامي شرف وأحمد شهيب. <br />
<br />
وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي من قبل على صبري وشعراوي جمعة للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن محمد أبو نصير كان هو عين النظام على السنهوري في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام 1955م) . <br />
<br />
وقد بدأ محمد أبو نصير بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز وعادل يونس رئيس محكمة النقض والمستشار محمد الصادق مهدي ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال القانون ، ليكون شعبة تابعة للاتحاد الاشتاركى ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار محمد الصادق مهدي. <br />
<br />
وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار ممتاز نصار وعادل يونس ووزير العدل عصام حسونة الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من محمد أبو نصير ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس عبد الناصر في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن شعراوي جمعة قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين بالثورة ، وكذلك فعل شمس بدران في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة. <br />
<br />
ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير عصام حسونة حتى تم استبعاده في 20 مارس 1968م ، وعين بدلا منه محمد أبو نصير الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت محمد أبو نصير مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار محمد الصادق مهدي والمستشار على شنب والمستشار عمر الشريف ورئيس المحكمة عبد الحميد الجندي ، ومن النيابة على نور الدين ، ومن قضايا الحكومة إبراهيم هايدى وعبد الحميد يونس ، وقد انضم بعد فترة المستشار على كامل مستشار الاتحاد الاشتراكي وآخرين. <br />
<br />
وكان التنظيم على اتصال دائم بشعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر محمد عروق بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة بالتنظيم الطليعي وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم بسامي شرف فيما يرى عرضه على جمال عبد الناصر وقد سميت هذه المجموعة بالجماعة القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه الجماعة على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء. <br />
<br />
وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير محمد أبو نصير باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من عبد الناصر باعتبار على نور الدين مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها لشعراوي جمعة أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب جمال عبد الناصر وكان هذا التنظيم الطليعي يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة. <br />
<br />
وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي عبد الحميد الجندي ، ثم لحق به عبد الحميد يونس ، وعبد الحميد الجندي كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة جمال عبد الناصر.<br />
<br />
صاحب ذلك نشاط علني قام به محمد أبو نصير وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة '''ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي: '''<br />
<br />
'''أولا:''' فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .<br />
<br />
'''ثانيا:''' ضم القضاة لتنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء. <br />
<br />
'''ثالثا:''' تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء الاتحاد الاشتراكي وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية. <br />
<br />
وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام محمد أبو نصير بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس جمال عبد الناصر. <br />
<br />
مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار محمد إبراهيم أبو لعم قائلا " سيد الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب مصر وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد عبد الناصر وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة لعبد الناصر سنة .1968م. <br />
<br />
وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب على صبري الأمين العام للاتحاد الاشتراكي سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 مارس 1967م.<br />
<br />
وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في الاتحاد الاشتراكي أمر له دلالته – أوضح على صبري أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة. <br />
<br />
ففي مقاله الأول يوم 18/3/1967 انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق القانون والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل والقانون في المجتمع. <br />
<br />
وفى مقاله الثاني يوم 19/3/1967 يعيب على القانون ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي. <br />
<br />
وفى مقاله الثالث يوم 20/3/1967 قال أن القانون يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها. <br />
<br />
وفى مقاله الرابع في 21/3/1967 قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.<br />
<br />
وفى مقاله الخامس يوم 22/3/1967 قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام . <br />
<br />
وفى مقاله السادس في 23/3/1967 ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. <br />
وفى مقاله السابع 24/3/1967 دعا إلى تفاعل رجال القضاء والقانون مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين . <br />
<br />
وفى مقاله الثامن 25/3/1967 أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. <br />
وفى مقاله التاسع يوم 26/3/1967 قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة. <br />
<br />
وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة والقانون وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها. <br />
<br />
'''وذلك للأسباب الآتية : '''<br />
<br />
1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام 1967 أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات مصر والتي استغلت ثورة 23 يوليو لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " سعد زايد " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت القانون أجازة " <br />
<br />
2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في مصر أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.<br />
<br />
3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.<br />
<br />
4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق والقانون . <br />
<br />
وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة القانونية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.<br />
<br />
كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط مجدي حسنين – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور أحمد السمنى كضحية فقال جمال عبد الناصر " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار رياض لوقا وعضوية عبد الخالق فريد – أبن الزعيم محمد فريد – والمستشار جمال المرصفاوى ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر عبد الناصر خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة. <br />
<br />
ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير أمين سوكة الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في مارس 1969 أمام دائرة يرأسها المستشار سعيد كامل وقضية المستشار محمود عبد اللطيف – وهو الذي كان مشرفا على تربية عبد الناصر في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار حلمي قنديل والمستشار فؤاد الرشيدي ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت '''ورقة كتبها عبد الناصر بخط يده بها العبارات الآتية: '''<br />
<br />
1- قضاة أمين سوكة (بره) <br />
<br />
2- قضاة محمود عبد اللطيف (بره) <br />
<br />
وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن عبد الناصر استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار محمود عبد اللطيف ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار عبد العزيز أبو خطوة وطلب المحامون ومنهم عبد العزيز الشوربجى تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح عبد العزيز الشوربجى نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك لمصر وقضاة مصر وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار عبد العزيز أبو خطوة رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .<br />
<br />
واستشاط عبد الناصر غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى محمود عبد اللطيف في السجن حتى الموت " <br />
<br />
ولم يقل عبد الناصر موت من ؟؟ .. <br />
<br />
وبالفعل بقى المستشار محمود عبد اللطيف بالسجن حتى موت عبد الناصر في 28/9/1970 – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان محمود عبد اللطيف صاحب فضل كبير على عبد الناصر في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر عبد الناصر بأصحاب الفضل عليه أما السفير أمين سوكة فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب على صبري إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من التنظيم الطليعي في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر السادات هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى الثورة المضادة وفلول الرجعية والإقطاع والأحزاب السابقة والإخوان ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة القانون ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.<br />
<br />
وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21مارس 1969م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.<br />
<br />
وكان وزير العدل محمد أبو نصير قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء التنظيم الطليعي ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة ممتاز نصار ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة ممتاز نصار بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون ممتاز نصار وشبل عبد المقصود وعبد الوهاب أبو سريع وعبد العليم الدهشان ومفتاح السعدي – رؤساء المحاكم والقضاة يحيى الرفاعى وجمال خفاجي وحسن غلاب وسليم عبد الله ومحمود بهي الدين عبد الله – أعضاء النيابة مقبل شاكر وكمال زعزوع وأحمد فؤاد عامر ومصطفى قرطام وحسن عابد.<br />
<br />
وبدأ تحريك التنظيم الطليعي في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة". <br />
<br />
سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 مارس 1969 م إلى 9 يوليو 1969 م عشر اجتماعات سرية.<br />
<br />
فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته الجماعة القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من التنظيم الطليعي لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس عبد الناصر، وكان يشرف عليها أنور السادات وبرئاسة على نور الدين النائب العام ، وعضوية كل من المستشار عمر الشريف وعلى كامل وكانت تجتمع بمكتب سامي شرف يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.<br />
<br />
ويذكر سيد مرعى أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ولجمال عبد الناصر شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب عبد الناصر من محمد أبو نصير وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد شعراوي جمعة وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد عبد الناصر وضد القوانين الاشتراكية . وعقب عبد الناصر بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي . <br />
<br />
ويقول سيد مرعى إنه كان واضحا أن عبد الناصر يصدق تماما بيانات أبو نصير وشعراوي جمعة . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن جمال عبد الناصر كلف محمد حسنين هيكل بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر سيد مرعى عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر محمد أبو نصير أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه محمد أبو نصير أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ هيكل جمال عبد الناصر وجهة نظر سيد مرعى كاملة ولكن عبد الناصر أصر على تنفيذ المذبحة.<br />
<br />
'''قوانين المذبحة :'''<br />
<br />
وفى 31 أغسطس 1969م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة 1969م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 مارس 1969م.<br />
<br />
بتاريخ 31 أغسطس 1969 أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " الإصلاح القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار القانون رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات القانونية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية الثورة ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقضى القرار الثاني بإصدار القانون رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا. <br />
<br />
وقضى القرار الثالث بإصدار القانون 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم القانون وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب '''وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:'''<br />
<br />
" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل الإصلاح القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق القانون وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق والدستور".<br />
<br />
وقضى القرار الرابع بإصدار القانون رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 مارس 1969 وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة 1967م. <br />
<br />
وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969 بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة 1969 بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/1969 أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة 1969 قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة 1969 وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/1969 وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم القانون". <br />
<br />
وحيث أنه بالرجوع إلى القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 يبين أنه صدر بناء على القانون رقم 15 لسنة 1967 الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة يونيو سنة 1967 وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور 1964 الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم القانون قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة القانون ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من الدستور المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون " وفى المادة 156 على أن يبين القانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من القانون 0 فإن القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم القانون يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار يحيى الرفاعى على قرارات العزل المشار إليها ) .<br />
<br />
ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة أحمد الخواجة عضو التنظيم الطليعي في الجيزة عقد أربعة اجتماعات في شهر سبتمبر 1969 أيام 12،13،18،29 سبتمبر 1969م.<br />
<br />
وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 أغسطس سنة 1969 وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد مصطفى كامل إسماعيل الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد . <br />
<br />
وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .<br />
<br />
هذه مذبحة القضاء جرت في 1969 ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في 1955 لم يذكر كثيرون ما حدث في 1955 عندما يتكلمون عن حدث 1969، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء المصري بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . <br />
والسبب الآخر أن إنجازات 23 يوليو فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث 1969 فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 يوليو ونظامها السياسي من بعد.<br />
<br />
ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار يحيى الرفاعى ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من السادات تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار على محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن شعراوي جمعة رفض ذلك مرتين – مرة السادات نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 مايو ، وأخبر السادات بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .<br />
<br />
وهدد المستشار يحيى الرفاعى في غضب ( في حديث له مع النائب العام على نور الدين في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل كمال عبد العزيز في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من أحمد الحضري المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى ألبير جريش الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام عبد الناصر كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر . <br />
<br />
وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها مصريا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد السادات للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال كمال عبد العزيز وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في مصر والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها عبد الناصر إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة.<br />
وأصبح ممتاز نصار بعد ذلك عضوا لامعا في مجلس الشعب وزعيما للمعارضة الوفدية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في مجلس الشعب ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية. <br />
<br />
أما يحيى الرفاعى فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .<br />
<br />
وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل عبد القادر حلمي وبكر شافع ومأمون الهضيبى وكمال عبد العزيز ، وعادل عيد وعلى عبد الرحيم وسليم عبد الله وجميل الزينى وحلمي قنديل وممتاز نصار وغيرهم من خيرة رجال القضاء في مصر علما وخلقا ووطنية .<br />
<br />
وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال مصرا على دخول القضاة الاتحاد الاشتاركى . <br />
<br />
ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/1970 تحدث المستشار محمد السيد الرفاعى عضو التنظيم الطليعي وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام للاتحاد الاشتراكي لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .<br />
<br />
فيجيب الرئيس عبد الناصر:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو القانون الجديد اتعمل في وقت عصام حسونة آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة 1952 حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة 1967 بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام صبري أبو علم .. ,أنا ما بقولوش الاتحاد الاشتراكي حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".<br />
<br />
ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام الأحزاب السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في الاتحاد الاشتراكي لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل الثورة ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه. <br />
<br />
فيجيب عبد الناصر :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة 1968م لغاية منتصف 1969م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".<br />
<br />
'''وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :'''<br />
<br />
'''أولا:''' أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام الثورة وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة 1952م، وكان موضوع جدل وقلق من مجلس قيادة الثورة بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".<br />
<br />
'''ثانيا:''' أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".<br />
<br />
'''ثالثا:''' أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .<br />
<br />
'''رابعا:''' أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت للاتحاد الاشتراكي . <br />
<br />
'''خامسا:''' أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.<br />
<br />
'''سادسا:''' أن من القضاة من انضم إلى الاتحاد القومي منذ الخمسينات ثم إلى الاتحاد الاشتراكي في مطلع الستينات من كان عضوا بالتنظيم الطليعي ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".<br />
<br />
والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/1969م هو رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي كما يبدو من ظاهر أقوال عبد الناصر أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها. <br />
<br />
سواء اعتبرنا الاتحاد الاشتراكي حزبا أو كما قال عبد الناصر أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى الاتحاد الاشتراكي ومن قبله الاتحاد القومي بل إلى التنظيم الطليعي السري ولجان المواطنين من أجل المعركة.<br />
<br />
لقد وصف عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام للاتحاد الاشتراكي هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس . <br />
<br />
عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول الاتحاد الاشتراكي ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل التنظيم الطليعي تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار على نور الدين النائب العام حتى أبريل 1970م.<br />
<br />
وبعد أحداث مايو 1971م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء التنظيم الطليعي إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.<br />
<br />
وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتاركى والوزير سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار عبد الحميد الجندي ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى سامي شرف ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة عبد الناصر.<br />
<br />
كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار على نور الدين والمستشار على كامل والمستشار عمر الشريف وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- أنر السادات – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة 1971 وبعد ذلك قدم المستشار عبد الحميد الجندي للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 1971 '''ذكر بها الآتي:'''<br />
<br />
ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/1965 حتى 32/5/1971 '''ارتكب الأمور الآتية : '''<br />
<br />
أولا : استغل صلته الشخصية بسامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة 1971 أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام 1958 وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/1965 فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين '''وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :''' <br />
<br />
1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .<br />
<br />
2- لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء . <br />
<br />
3- مجموعات الأصدقاء.<br />
<br />
ثم مارس نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى سامي شرف وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.<br />
<br />
وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام لعبد الناصر بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).<br />
<br />
وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 حكم مجلس التأديب بعزل المستشار محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"<br />
<br />
وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله الدستور ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".<br />
<br />
فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 يناير 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 المقامة على المستشارين محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف ومحمد أحمد لطفي المستشار بمحكمة استئناف بني سويف وزهير أحمد دمرداش المستشار بمحكمة استئناف بني سويف بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.<br />
<br />
وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/1971م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال. <br />
<br />
وعلى الجانب الآخر وفى 19 أكتوبر سنة 1971م صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 85 لسنة 1971م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا القانون إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا القانون وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق القانون رقم 83 لسنة 1969 المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية. <br />
<br />
وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد السادات تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/1971 يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق. <br />
<br />
وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي يحيى الرفاعى( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار حافظ هريدى ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة 1969م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة 1969م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.<br />
<br />
وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي يحيى الرفاعى إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو محمد سلامة بناء على طلب السادات بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار يحيى الرفاعى إلأى المستشار جمال المرصفاوى رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم السادات وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار يحيى الرفاعى إلى جريدة الأخبار وطلب من موسى صبري أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس السادات وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار يحيى الرفاعى المستشار فتحي نجيب إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.<br />
<br />
وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار يحيى الرفاعى عمله واضطر السادات إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر القانون رقم 43 لسنة 1973 قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة 1969م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام القانون رقم 85 لسنة 1971م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية. <br />
<br />
عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في 1969 زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان المصريون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا مصر بعد الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1970م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير المصرية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.<br />
<br />
كان ما فعله الرئيس أنور السادات في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام. <br />
<br />
ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل 1970 وبعدها، نلحظ أن الرئيس عبد الناصر كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل 1970 تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الممارس ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد 1970 التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي. <br />
<br />
ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل الجماعة أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.<br />
<br />
لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 يوليه والنظام الذى تلاه بعد 1970م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى. <br />
<br />
فمثلا كان نظام جمال عبد الناصر لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية. <br />
<br />
ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد عبد الناصر يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب الإخوان جمال حشمت في أحد دوائر البحيرة. <br />
<br />
فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_.._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9&diff=643342الداعية زينب الغزالي .. الجزء الرابع2012-02-21T09:56:10Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> الداعيه زينب الغزالي ..الجزء الرابع </center>'''<br />
<br />
<br />
== الداعيه زينب مع المحجبات وغير المحجبات ==<br />
<br />
كانت الداعية زينب الغزالي تحب المرأة المسلمة أماً وأختاً وزوجة وبنتاً.. كانت ترفق بها وتصبر على توجيهها وترد على أسئلتها واستفساراتها.. كانت ترى أن المرأة ركن أساسي في انطلاق الصحوة الإسلامية, وأن نهضة الأمة لا يمكن أن تتحقق بجناح واحد هو الرجل, وكانت ترى أن وظيفة المرأة الأساسية هي الزوجية والأمومة ورعاية شئون الأسرة, وترفض أن تكون ترساً في آلة العمل باسم المساواة بينها وبين أخيها الرجل, وترى أن الحضارة الحديثة أضرت بالمرأة أكثر مما أفادتها, حين أغرتها بالخروج إلى العمل غير المناسب لطبيعتها فأتعبتها, وأفسدت الأسرة والمجتمع..<br />
<br />
كانت تدعو إلى تقوية الإيمان في القلوب, وغرس معالم التوحيد في السلوك, وعندما كانت تلتقي بإحدى السيدات غير المحجبات, من اللاتي انجرفن إلى تقليد الغرب, لم تكن تسألها عن أسباب عدم ارتدائها الحجاب الشرعي, بل كانت تسألها عن إقامتها للصلاة وقراءتها للقرآن, وانتظامها في صلاة الفجر.. كانت تنظر إلى الجوهر والقلب أولاً, لأن صلاحهما هو صلاح للمظهر والجوارح ولو بعد حين.<br />
<br />
جاءتها في إحدى المرات سيدة, حاسرة الرأس, ومعها بناتها الثلاث, وكن في سن الشباب والنضج, وقالت لها سأحضر دروسك أنا وبناتي, ولكن بشرط عليك أن تعرفيه, وهو أننا لن نتحجب, ولن يرغمنا أحد على ارتداء الحجاب (!).. فقالت لها الداعية الذكية: أهلاً بك وببناتك لسماع كلام الله ورسوله, وأما الحجاب, فهذا قرارك أولاً وأخيراً, ومرت فترة من الزمن, ربما ستة أشهر, وجاءتها سيدة محجبة, وجلست بين يديها قائلة: لقد ضحكت علينا, لم نتفق على هذا!..<br />
<br />
لم تتذكر الحاجة زينب اللقاء الأول, فقالت لها: يا سيدتي أنا لم أرك من قبل, ولم أتفق معك على شيء, ولم أضحك على أحد, لماذا تقولين هذا الكلام؟!.. فقالت السيدة: أنا حضرت لزيارتك قبل حوالي ستة أشهر ومعي بناتي الثلاثة, واشترطت عليك أن نحضر دروسك الدينية بشرط ألا نرتدي الحجاب, وها نحن الأربعة قد ارتدينا الحجاب, بعد أن سبقني إليه بناتي, فهل تذكرتني؟!.. قالت نعم, وقبلت كلامك ساعتها, على أمل أن يشرح الله صدرك وصدر بناتك للحجاب, وقد حدث والحمد لله, فضحكت السيدة وشكرتها على جهدها وأسلوبها في الدعوة إلى الله وانصرفت.<br />
<br />
كانت تحب معالي الأمور, وتكره سفاسفها, وتتطلع إلى المرأة المسلمة الواعية التي تفكر في هموم الأمة وقضايا الوطن, وعندما كانت تجلس لتلقى درساً نسائياً, كانت تتحدث عن الأمة الإسلامية, وضرورة النهوض بها والخروج من هذا الواقع المؤلم, ودور المرأة المسلمة في ذلك, بداية من تعميق رؤيتها لقضايا الأمة, وتفاعلها معها, وانتهاءً بتربية أبنائها على هذه الرؤية, وتأهيلهم لخدمة دينهم وأمتهم.. كانت تكره أن تنشغل المرأة المسلمة بالأمور الهامشية والجدلية, وتتألم عندما تكثر الأسئلة عن حكم الاكتحال أو ترقيق الحواجب أو طلاء الأظافر وغيرها من أسئلة ينشغل بها البعض.<br />
<br />
وفى أثناء زيارتها للجزائر, دعيت لإلقاء محاضرة عامة, وقالوا لها إن المحاضرة ستكون على شرف رئيسة الاتحاد النسائي في الجزائر, وهى سيدة علمانية غير متدينة, وبالطبع لا ترتدي الحجاب الشرعي, قالوا لها ذلك خوفاً من رد فعلها السلبي, لكن الداعية الكبيرة اهتمت برئيسة الاتحاد النسائي, ولاطفتها في الحديث وتبادلتا الكلام والتعليقات, حتى تأثرت رئيسة الاتحاد, بل إنها وضعت "إيشارب" على رأسها احتراماً للداعية زينب الغزالي, ودهش الحاضرون, كيف استطاعت الحاجة زينب أن تؤثر فيها هكذا وبهذه السرعة؟!..<br />
<br />
ورغم انشغالها في العمل الدعوى, إلا أنها كانت كثيرة الصلاة والصيام, ولا يمر يوم إلا وتقرأ وردها اليومي ـ أكثر من ثلاثة أجزاء, ترتفع إلى عشرة في شهر رمضان من كل عام ـ وتتضرع إلى الله بالدعاء, كأنها تحمل ذنوب الدنيا كلها, وتبكي من شدة التأثر وهى واقفة بين يدي الله, وكانت تقول إن الداعية الذي يبحث عن القبول بين الناس, عليه أن يبحث عن القبول من الله أولاً, وأن يكون له علاقة خاصة بينه وبين ربه, فالأمر ليس بكثرة العلم أو بجمال التعبير أو بقوة الفصاحة, ولكنه بالقبول من الله سبحانه وتعالى.. كانت على يقين من انتشار الصحوة الإسلامية في مجال المرأة, وفى قدرتها على النهوض بالأمة.. رحمها الله رحمة واسعة<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%B0%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87&diff=643341الداعية زينب الغزالي في ذمة الله2012-02-21T09:56:07Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div><br />
== إنا لله وإنا إليه راجعون ==<br />
<br />
وفيت الداعية الإسلامية زينب الغزالي، أحد أركان العمل الإسلامي النسائي في الوطن العربي، اليوم الأربعاء 3-8-2005 في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاما بعد أن أمضت نحو 53 عاما في حقل الدعوة الإسلامية .<br />
<br />
رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وجزاها عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء.<br />
<br />
حين يخفت نضال الرجال.. تبرز أكثر قيمة نضال المرأة.. ويصبح دينا على كل من طالته ثمرات نضالها.. وساهم جهدها في إيصال الحق إليه.. أو دفع الأذى عنه أن يرد التحية بخير منها وزيادة.. وأن ينشر ملحمة جهادها إحقاقا للحق وتثبيتا للمجاهدين الجدد..<br />
<br />
.... وإذا كانت الرموز النسائية المتعددة الاتجاهات الفكرية والسياسية قد حظيت بالشهرة والانتشار سيما في النصف الأخير من القرن المنصرم، فمن الملاحظ أن هذا لا ينسحب على الرموز النسائية الإسلامية اللاتي لم يحظين بالانتشار الذي لمثيلاتهن من التيارات الأخرى ويكاد ينحصر ذكرهن وتأثيرهن على ذوات الانتماء الإسلامي فقط.. بخلاف الرموز النسائية العلمانية التي استطاعت الدوائر الإعلامية العربية والغربية إبرازهن وتسليط الأضواء عليهن كرموز عامة ونماذج تمثل المرأة العربية.. والحقيقة أنهن نماذج للتبعية الغربية والانسلاخ عن الذات.. ومن صفحات ذلك السجل المنسي نستقرئ سيرة امرأة أكدت أن الجهاد قدر يلقى على أكتاف النساء كما الرجال.. امرأة تجاوز جهادها مسألة تحرير الأنثى إلى مسألة تحرير الإنسان.<br />
<br />
<br />
== الطفولة التي عجز عنها الرجال!! ==<br />
<br />
ولدت زينب الغزالي الجبيلي في الثاني من يناير للعام 1917م بإحدى قرى محافظة البحيرة بمصر.. ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ونسب أمها إلى الحسن بن علي.. وكان جدها تاجرا شهيرا للقطن ووالدها من علماء الأزهر الشريف.. وقد أثرت تربيته الدينية أشد الأثر في زينب ورمت بجذورها في روحها حتى لكأننا نتلمس روح الأب الممتدة في جسد ابنته التي كان يناديها نسيبة تيمنا بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية.. التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي عليه الصلاة السلام في ساعة تراجع من حوله الناس.. وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله.. فكانت تقف وسط الدائرة.. تضرب يمينا وشمالا.. من الأمام والخلف.. ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة: واحدا.. فيقول لها اضربي ثانية.. فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة..!!!<br />
<br />
بعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك.. ولم يوافق أخوها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها.. وكان يقول لوالدته: إن زينب قد علمها والدها الجرأة، وألا تستمع إلا لصوتها ولعقلها.. ويكفيها ما تعلمته في القرية.. وكانت والدتها ترى أن عليها طاعة أخيها؛ لأنه بمثابة الوالد.. لكن الله قيض لها أخاها عليا وهو الأخ الثاني الذي رأى أن تعليمها سوف يقوم أفكارها ويصوب رؤيتها للأشياء والناس.. واقتنى لها الكتب.. وأهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة.. حفظت زينب أكثر مقاطعه.. لكنها لم تكتف بالكتب والقراءة الحرة.. فخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنا عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولدي موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة!!!.<br />
<br />
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا السيدة زينب الغزالي، ولقبي نسيبة بنت كعب المازنية.. فنظر إليها الرجل، وتصور أن بها مسا من الجن.. ثم سألها ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبة؟ فقصت عليه قصتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها وطلبت منه أن يَقْبلها طالبة في مدرسته.. وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها وعرف أسرتها.. وعرف جدها تاجر الأقطان المشهور ووالدها الأزهري المعروف.. وأعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها.. فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيد تعليمها ليسجلها في المدرسة.. وأجرى لها اختبارا في بعض الأسئلة.. فأجابته بكل ثقة.. ثم انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي... وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك.. فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان ومحمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر.. والشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر.. وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ<br />
<br />
<br />
== حفظوا الله فحفظهم في مماتهم!! ==<br />
<br />
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي ترأسه هدى شعراوي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، تمنت زينب أن تكون ضمن هذه البعثة، وتوجهت من فورها إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي التي تعاطفت معها ورثت لحالها وموقف أخيها المتزمت معها، وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وأظهرت ترحيبها بها وسعادتها بصيدها الثمين.. فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها رحمه الله.. وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن.. وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي.. وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها.. لكن الله أراد لها غير ذلك.<br />
<br />
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها.. كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملا.. ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزا وتأثيرا.. يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة.. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك.. وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير.. تنير له الدرب.. وتجنبه عثرات الطريق.. بعض الآباء يواصلون رعايتهم لأبنائهم حتى بعد وفاتهم.. ويرسلون نصائحهم وتوصياتهم من قبورهم البعيدة..!!!<br />
<br />
وسرعان ما عملت الرؤيا مفعولها.. فاعتذرت زينب عن عدم الذهاب للرحلة.. وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها.. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي.. وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت.. قالت لها: إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق.. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب.. واحتضنتها وهي تبكي.. لكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.<br />
<br />
<br />
== خياركم في الجاهلية..!! ==<br />
<br />
ظلت زينب تعمل كعضو بارز في الاتحاد رغم اعتراض بعض العضوات على خطابها الذي لا يخلو من نبرة إسلامية يرونها بعقولهن المضللة رمزا للرجعية والتخلف.. وظلت زينب تردد شعارات هدى شعراوي وتتبنى مشروعها لتنمية المرأة وإعدادها للنهوض بدورها الثقافي والاجتماعي.. ولعل للقهر والظلم الاجتماعي الذي تعرضت له زينب دورا كبيرا في تمردها على العادات البالية والمفاهيم الصدئة التي تتستر بعباءة الإسلام وهو منها براء.. فكانت زينب تتبنى مشروع هدى شعراوي من منطلق إسلامي وهو ما يمثل فخا لكثير من الفتيات.. حيث تغريهن شعارات التحرر البراقة التي تدغدغ طموحهن المكبوت زيفا باسم الدين.. بل إن زينب خاضت حربا فكرية ضروسا ضد الأزهر الذي تنبه لخطورة السم المدسوس في العسل.. وظلت تدافع عن القناعات التي كانت وقتها تؤمن بها بصدق وانبهار حقيقي... وأقام الأزهر العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية لدحض الحجة بالحجة وإبطال زيف المؤامرة الغربية على المرأة المسلمة.. وانتدبت هدى شعراوي ثلاث فتيات لتمثيل الاتحاد في هذه المنتديات هن: زينب الغزالي، وسيزا نبراوي، وحواء إدريس ابنة خال هدى شعراوي.<br />
<br />
وفي إحدى هذه اللقاءات أكد شيوخ الأزهر أن دعوة هدى شعراوي تريد الخروج بالمرأة المسلمة عن تعاليم دينها.. فقامت زينب تناضل عن هدى شعراوي ومشروعها لتنمية المرأة والنهوض بعقلها وفهمها.. بل إنها تصدت ذات يوم لعشرة من مشايخ الأزهر وانتصرت عليهم فلم يفلحوا في ردها عن رأي تؤمن به بصدق.. تماما كما لم يفلح الطغاة الذين اصطدمت بهم فيما بعد في ثني عزيمتها وقهر إرادتها.. فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام كما قال النبي الأكرم.. وذهب هؤلاء العلماء إلى ضرورة وقفها عن الخطابة وطلبوا من الشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد منعها من الوعظ.. لكنه كان بعيد النظر وغزير الحكمة حين قال لهم: لقد واجهت زينب عشرة من علماء الأزهر ولم يستطيعوا إقناعها، ونحن إذا أوقفناها عن الوعظ أنبأ ذلك عن فساد رأينا وصدق ما تدعيه لذا أرى مواجهتها..<br />
<br />
وقد انبرى الشيخ محمد النجار لمواجهة زينب بالحكمة والموعظة الحسنة.. فاستمع إليها وهي تدافع عن هدى شعراوي وجمعيتها وأهدافها النبيلة.. وقد لاحظ الشيخ قوة بيانها وفصاحتها.. وانتظر حتى انتهت من حديثها ثم تقدم منها برفق قائلا: هل تسمحين يا ابنتي أن أحدثك قليلا حول الدعوة الإسلامية؟ فأجابت طلبه المهذب وجلست تستمع إليه.. رفع الشيخ المبارك يديه إلى السماء سائلا ربه: اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى وبكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت أن تجعلها للإسلام إنك على كل شيء قدير.. أسألك بالقرآن أن تجعلها للإسلام.. وصل اللهم على سيدنا محمد..<br />
<br />
ولمحت زينب دموع الصدق التي رافقت دعاء الشيخ.. فتأثرت نفسها، وسألت الشيخ وهي تخفي دمعها: لماذا تعتقد أنني لست مع الله وأنا أصلي وأصوم وأقرأ القرآن، وسأحج بيت الله حين أستطيع.. كما أتمنى أن أستشهد في سبيل الله.. فقال الشيخ الحكيم: أحسبك كذلك.. واستمر يدعو لها ثم سألها: هل ستعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟.. فقالت: وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله.. لكنها عاهدته على نصرة الحق.. واستمرت علاقتها بالشيخ الذي علمها أمورا كانت تجهلها وأخرى كانت تخطئ فهمها..!!<br />
<br />
<br />
== قد ينعم الله بالبلوى وإن عمت!! ==<br />
<br />
تعرضت زينب بعد ذلك لحادث شكل نقطة التحول في حياتها.. فقد انفجر موقد الغاز بها وهي تعد الطعام بمنزلها، وطالت النار كل جسدها.. فلزمت فراشها بعد أن رفضت السفر للعلاج بالخارج خشية أن تتكشف أمام الأغراب.. وتردد عليها الطبيب لعلاجها في منزلها دون أن يبشر ببادرة أمل في الشفاء.. وكانت صحتها تسوء يوما بعد يوم.. حتى إنها سمعت صوت أخيها يهمس للأهل في القرية بأن الطبيب أعلمهم أنها ستموت، وكان يحرص ألا تسمعه زينب التي أقبلت على العبادة والتضرع إلى الله والتأهب للقائه.. فكانت تتيمم وتصلي لله: يا رب إذا كان ما وقع لي عقابا لانضمامي لجماعة هدى شعراوي فإنني قررت الاستقامة لوجهك الكريم.. وإن كان غضبك علي لأنني ارتديت القبعة فسأنزعها وسأرتدي حجابي.. وإني أعاهدك وأبايعك يا ربي إذا عاد جسمي كما كان عليه فسأقدم استقالتي من الاتحاد النسائي، وأؤسس جماعة لنشر الدعوة الإسلامية، وأدعو المسلمات إلى ما كانت عليه الصحابيات، وأعمل من أجل الدعوة وأجاهد في سبيلها ما استطعت..<br />
<br />
ويتقبل الله الكلمات الصادقات وتتنزل الرحمات.. ويذهل الجميع لمعجزة الشفاء الذي كان أملا بعيدا قبل أن تصعد دعوات زينب إلى السماء.. ومن الطريف أن الطبيب رفض أن يتقاضى أجرا على شفاء لم يصف له دواء!!! <br />
<br />
<br />
== زينب.. في ثوبها الجديد..!! ==<br />
<br />
أوفت زينب بعهدها لربها فور تمام شفائها.. وبدأت انطلاقتها الجديدة بخمار يتوج رأسها.. وإيمان يغمر قلبها.. واستقالت من الاتحاد النسائي.. نفذت زينب كما ينفذ الضوء عبر الثقوب الصدئة.. عابرا بطهره غياهب الظلام وضباب الشبهات إلى نور اليقين وصبح الحقيقة.. وحاولت هدى شعراوي أن تؤثر في قرار زينب، وقالت وهي تبكي: يا زينب كنت أريدك خليفتي من بعدي.. فقالت زينب: لقد اخترت واختار الله فأنا مع اختيار الله وسأظل ابنتك الوفية وسأذكر فضلك ومكارمك..<br />
<br />
وبالفعل لم تنقطع الصلة على المستوى الإنساني بين هدى وزينب، ولم تشك زينب في إيمان هدى شعراوي على الرغم من علمانية حركتها وموقفها من الحجاب، وظلت تذكرها بالخير وتقول إنها كانت تبر الفقراء وتساهم في أعمال الخير وتحج بيت الله.. وربما لا يعلم الكثيرون أن هدى عندما اشتد عليها المرض طلبت رؤية زينب فذهبت إليها ووافتها المنية وهي بجانبها وشاركت زينب في جنازتها.<br />
<br />
وهكذا مثلت زينب إجابة مبكرة لدعوات تحرير المرأة برؤية إسلامية.. وردا مفحما على كل التيارات التي حاولت ربط تخلف المرأة بالإسلام.. بل أثبتت الدور الدعوى للمرأة المسلمة وأن دورها الرسالي لم يتراجع.. فقد أسست جمعية السيدات المسلمات في عام 1937م.. وحصلت على التصريح من وزارة الأوقاف ولم يتجاوز عمرها الثمانية عشرة ربيعا.. وكان معها موافقة على إنشاء خمسة عشر مسجدا خرجت في وقت قصير الواعظات.. وأقامت الكثير من المساجد الأهلية.. وكانت تعقد 119 اجتماعا في السنة. وأصدرت مجلة لقيت ترحيبا واسعا... وخلال عقدين من الزمان جذبت خلقا كثيرا منها بعض قيادات الثورة.<br />
<br />
وقد زارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية وإلقاء المحاضرات الدينية، وأوضحت الكثير من المفاهيم حول فقه الدعوة إلى الله.. وأمضت في حقل الدعوة 53 -أكثر من نصف قرن- التقت خلالها بأبرز رجال الدعوة الإسلامية في ذلك الوقت، وتأثرت كثيرا بفكر الشيخ حسن البنا تأثرا أثمر عن ضم جمعيتها إلى جماعته.. ومما تجدر الإشارة إليه أن حركة الأخوات المسلمات شكلت كجماعة مستقلة من قبل زينب الغزالي قبل أن تنضم إلى جماعة الشيخ حسن البنا (الإخوان المسلمين) ما يبرهن على استقلال الفكر النسائي الإسلامي.. ومقدرته عن التعبير عن نفسه بنفسه دون وساطة الرجل.. ومما يؤسف له الآن أن تمثيل النساء في المؤسسات العاملة للإسلام بشتى اتجاهاتها لا يعدو أن يكون قسما للنساء لا يمثل النصف ولا يعتبر جزءا منها قدر ما يعد ملحقا إضافيا صغيرا يتسم بالتبعية وليس له الفعالية المطلوبة ولا يسمح له بأكثر من معالجة ما يسمونه قضايا النساء..!!!<br />
<br />
<br />
== زينب.. الصمود والرجولة!! ==<br />
<br />
لم يقتصر عمل الجمعية على أعمال الخير.. بل اتجهت للعمل السياسي الذي لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي.. فالسياسة تلقي بظلالها على العمل الثقافي والاجتماعي الخيري.. ولما كان هدف الجمعية الدفاع عن الإسلام والمطالبة بالشريعة ودعوة المسلمين إلى كتاب الله.. فقد اصطدمت مع جميع الأحزاب السياسية ومع السلطة الحاكمة.. وبلغ ذلك الصدام ذروته باعتقالها من منزلها في 20 أغسطس من عام 1965م إثر رفضها مقابلة جمال عبد الناصر.. حين قالت لرسول الرئيس بجرأتها المعهودة أنا لا أصافح يدا تلطخت بدم الشهيد عبد القادر عودة.. وقد تعرضت في السجن للتعذيب الشديد، لكن ذلك لم يكتم صوت حزبها الإسلامي المطالب بإعادة مبدأ الشورى في الحكم.. وقد سجلت زينب محنتها الأليمة في كتابها الشهير "أيام من حياتي" والذي يعد وثيقة تاريخية هامة لحقبة تاريخية مهمة من حياة الدعوة الإسلامية المعاصرة في الفترة ما بين (1964-1971م).. كما وثق فيه أسماء بعض رواد الدعوة الذين أسهموا في بقاء بعض التشريعات الإسلامية.. وللكتاب قيمته وأثره في الحركة الإسلامية.. وله كذلك قيمته الأدبية إذ يزخر بعبارات تشع بالإيحاء والتأثير.. تنم عن قلم أدبي مؤثر وحس مرهف.<br />
<br />
ولزينب الغزالي نظرة وأمل في مستقبل المرأة المسلمة.. وترى ضرورة أن تكون القيادة النسائية للمرأة المسلمة.. ولا عجب في ذلك فإن تطوير العالم الإسلامي وتحديثه يمر عبر المرأة والنهضة بالمجتمع تبدأ وتنتهي عندها..<br />
<br />
لقد حاول دعاة التحرير تضليل وعي المرأة بإشغالها بجسدها وأنوثتها وصراعها مع الرجل وإغفال القيم الاجتماعية والدينية.. إنهم يحاولون سرقة الجوهرة النادرة منذ سنوات.. لكنهم يفشلون.. فقد سحبت هذه الموجة الكثيرات، بينما رفضت زينب أن تبتلعها الأمواج الخبيثة التي تبدو وكأنها تبتسم لها وتداعبها، بينما تجرها إلى قاعها السحيق.. وتمسكت بالدين الإسلامي، ومنه انطلقت وبه حققت ذاتها، وأصبحت نموذجا بعد أن حطمت أساطيرهم.. وصنعت أسطورتها!!.<br />
<br />
اللهم أغفر لها وأرحمها وتجاوز عنها ...<br />
<br />
رحم الله أمنا الفاضله الحاجة زينب الغزالي ...<br />
<br />
فقد كانت شعلة الاسلام النيره فى زمان قل فيه المصلحون....<br />
<br />
لها كتاب أسمه أيام من حياتي .. هو سيره لحياتها فى الدعوه وما تعرضت له الدعوه فى مصر فى الخمسينات والستينات من محن ومضايقات أيام كان فيها الاسلام غريباً ...<br />
<br />
رحم الله أمنا الفاضله الحاجة زينب وأسكنها فسيح جناته<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_.._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3&diff=643340الداعية زينب الغزالي .. الجزء الخامس2012-02-21T09:55:59Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> الداعيه زينب الغزالي .. الجزء الخامس </center>'''<br />
<br />
<br />
== سعيها لتطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان ==<br />
<br />
في نوفمبر عام 1986م, سافرت الداعية الكبيرة زينب الغزالي إلى باكستان, للمشاركة في مؤتمر عالمي عن "السيرة النبوية", دعتها إليه السيدة الفاضلة نثار فاطمة الزهراء ـ رحمها الله ـ عضو البرلمان المركزي الباكستاني.. كانت سيدة فاضلة, تشتعل حماسة وحباً لدينها وأمتها الإسلامية.. حضرنا المؤتمر, وألقت فيه الداعية المجاهدة زينب الغزالي, محاضرة مهمة عن "دور المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي" وأدلت بالعديد من الحوارات الصحفية والإذاعية, وفى العام التالي ـ 1987 م .<br />
<br />
جاءتها الدعوة من نفس المؤتمر, ووصلت باكستان في أوائل ديسمبر, وقبل أن يبدأ المؤتمر أعماله بساعات, مرضت مرضاًَ شديداً, وارتفعت درجة حرارتها لما يقارب الأربعين درجة مئوية, وهمت بالاعتذار عن عدم الحضور, وقضت ليلتها وهى تتألم, ومع أنفاس الليل الأخيرة, اعترتها سنة من النوم, وإذ بها ترى رؤيا في منامها.. رأت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زارها, وقدم لها أوراقاً مكتوبة, بعد أن وقّع عليها, ثم استيقظت, لتشعر بارتياح بالغ وسعادة غامرة ونشاط ملحوظ.. لقد كانت تتمنى رؤية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم منذ فترة طويلة, وهاهو قد زارها في المنام.<br />
<br />
كانت رؤية الرسول الكريم كفيلة بأن تصعد بها إلى عنان السماء من الإحساس بالفرح والبهجة والسرور.. شعرت كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثها على المشاركة في المؤتمر, وأن تؤدى دورها فيه, بعد أن كان لمشاركتها في العام السابق, أطيب الأثر في نفوس المشاركين وأبناء الشعب الباكستاني, وبدأت بالفعل تشعر بالتحسن, واتصلت بي لتؤكد مشاركتها, وأنها تتحدث عن هذه الرؤية الكريمة, وبالفعل وصلت إلى قاعة المؤتمر, وعلمت أن الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق , سوف يحضر الجلسة الأولى, وحضر الرئيس, وجلست زينب الغزالي إلى جواره على المنصة, ثم تحدثت باللغة العربية بصوت قوى ونبرات عالية, صادرة من القلب.. قالت: إن باكستان قامت على الإسلام منذ تأسيسها, وستظل إن شاء الله مستمسكة بالإسلام, وأن العالم الإسلامي ينتظر منها الكثير.. ينتظر منها أن تطبق الشريعة الإسلامية, وأن تقف إلى جانب المجاهدين الأفغان.<br />
<br />
وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زارها في المنام , وأنه قدم لها أوراقاً بعد أن وقّع عليها , وأنها تفسر هذه الرؤيا على أنه صلى الله عليه وسلم, إنما جاء ليحث باكستان على تطبيق الشريعة الإسلامية, وأن توقيع الأوراق معناه إقرار القوانين , وطالبت الرئيس الباكستاني ـ الجالس إلى جوارها ـ بأن يبذل كل ما في وسعه لتطبيق الشريعة وتطبيق أحكام الإسلام, لأن الله سيحاسبه على هذه الأمانة, وسيقف بين يديه سبحانه , فماذا هو قائل؟!<br />
<br />
انتهت الداعية المجاهدة من كلمتها وسط ترحيب وتصفيق حار من جمهور المشاركات , وكانوا قرابة المائة , ثم تحدث الرئيس ضياء الحق فقال(بالإنجليزية): رغم أنني لا أعرف العربية كثيراً, إلا أنني فهمت معظم ما تقوله السيدة المجاهدة زينب الغزالي, وأنا أطلب منها أن تدعو لي, فإني ضعيف احتاج منها إلى الدعاء , وأضاف : إن تطبيق الشريعة هو أمل الشعب الباكستاني, ورغبة كل مسلم في هذا البلد , وأنا أريد أن يكون تطبيق الشريعة نابعاً من الناس أنفسهم , وليس مفروضاً عليهم بقوة القانون , وتساءل ـ أمام المؤتمر النسائي ـ هل تريدون منى أٌصدر قانوناً لارتداء الحجاب؟.. فتعالت الأصوات الرافضة, فقال: إذن مازال هناك صعوبات علينا أن نواجهها!<br />
<br />
تلقفت وسائل الإعلام ـ المقروءة والمسموعة والمرئية ـ الرؤيا التي رأتها زينب الغزالي, وانتشرت قصتها على أوسع نطاق, ونفدت نسخ كتابها "أيام من حياتي" المطبوع باللغة الأوردية ـ اللغة الأم في الباكستان ـ الذي كان قد ترجمها الشيخ الجليل خليل أحمد الحامدي مدير دار العروبة ـ رحمه الله ـ تحت عنوان "روداد قفس"أي "أيام السجن".<br />
<br />
شعرت الداعية المجاهدة ـ وهى تجلس بجوار رئيس الدولة ـ أنها تحمل أمانة التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأمانة الدعوة إلى الله وتطبيق الشريعة , وأنها أمام فرصة مهمة, قد لا تتاح بعد ذلك, لإعلان رغبة الأمة في الحكم بما أنزل الله, وها هي تعلنها ـ بكل قوة ورفق في نفس الوقت ـ لتسجل عند الله أولاً, وأمام التاريخ, صفحة من صفحاتها الخالدة.. رحمها الله<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_.._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A&diff=643339الداعية زينب الغزالي .. الجزء الثاني2012-02-21T09:55:54Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> الداعيه زينب الغزالي .... الجزء الثاني </center>'''<br />
<br />
<br />
== حكايات مع بيوت البغاء في مصر! ==<br />
<br />
هناك الكثير والكثير من المواقف والقضايا التي عاشتها الداعية الكبيرة السيدة زينب الغزالي رحمها الله؛ نحن في حاجة إلى أن نتأملها ونستفيد منها في حياتنا, وفى مجتمعاتنا.. ومنها هذه القصة.. فبعد أن تأسست جمعية "السيدات المسلمات" في ربيع الأول 1356 هـ ـ 1937 م, كجمعية إسلامية ثقافية اجتماعية, تهتم بصلاح المجتمع المسلم عموماً, والمرأة المسلمة خصوصاً, ذاع صيتها في أنحاء مصر, وبدأت الداعية الشابة زينب الغزالي رئيسة الجمعية, ومعها الواعظات, في إلقاء الدروس الدينية في المساجد, وممارسة الأنشطة الاجتماعية, وأقبل عليهن خلق كثير, من مختلف طبقات المجتمع المصري, وأصبح تأثير الجمعية ملحوظاً.<br />
<br />
وذات يوم, زارها أحد رجال القضاء في مقر الجمعية, وقدم لها الشكر, على جهودها الكريمة, في حل مشكلة شخصية كان يعانى منها, وقبل أن تعتريها الدهشة, أبلغها بأن مشكلته كانت مع زوجته, وأن الأمر بينهما تعقد حتى كان الحل هو الطلاق, وقبل فترة بدأت الأمور تتحسن بدرجة كبيرة, وأدرك أن السر في هذا التحسن يرجع إلى أن زوجته بدأت تواظب على حضور دروس الداعية زينب الغزالي, وبالتالي تغير الوضع إلى الأفضل, وأنه يشعر بالامتنان لها, ولذلك جاء ليشكرها بنفسه, على ما حققته لبيته وأسرته وحياته من سعادة واستقرار, وقبل أن يغادر, عرض على الداعية المخلصة عرضاً غريباً, وقبل أن تبدى فيه رأيها, طالبها بالتمهل والتفكير فيه أولاً..<br />
<br />
قال لها إن شقيقه يعمل طبيباً, ويدير مستشفى للأمراض الجلدية في القاهرة تسمى "الحوض المرصود" (لا تزال قائمة للآن في حي السيدة زينب وتعالج الأمراض الجلدية ), وهذه المستشفى ـ وقتها ـ كانت مخصصة لعلاج الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية في بيوت البغاء، التي كان مصرحاً بها في مصر في ذلك الوقت, حتى ألغاها البرلمان بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت المستشفى تؤوى النزيلات من هذه النوعية, ورأى القاضي المسلم أن هؤلاء المتمرغات في أوحال الرذيلة لهن حق عند زينب الغزالي! .<br />
<br />
إنه حق النصح والوعظ والتذكير, فلعل هناك من ينفتح قلبها للتوبة أو يمس الإيمان شغاف قلبها, أو تستمع إلى هاتف الإيمان فتتخلص من ذنوبها. وذكرها القاضي الواعي, بأنه فقد الأمل في حل مشكلته الخاصة, حتى ساعدته هي على الاستقرار والسعادة من جديد, وأن هؤلاء النزيلات في حاجة إليها أشد منه, وغادر القاضي على أمل أن تفكر الداعية الشابة في الموضوع, عسى الله أن يشرح صدرها..<br />
<br />
عرضت الداعية زينب الغزالي الأمر على مجلس إدارة الجمعية, لكن الغالبية رفضت الموضوع بدافع الحرج أو الحساسية أو أن هؤلاء لا أمل فيهن, وأن هناك من هن أولى ببذل الجهد, وأن هذا الموضوع ـ في النهاية ـ سيسيء إلى الجمعية.. لكن الداعية وجدت نفسها مشدودة إلى خوض هذه التجربة, وقالت لنفسها: مهما كانت رداءة هذا الوسط, فلماذا لا أسعى لتوصيل نور الله إليهن, ولماذا لا أساعدهن على التوبة, وبالفعل تحملت هي مسئولية القرار, وزارت المستشفى الذي كان يئن بساكنيه, وبدأت تلقى محاضرة أسبوعية, ترغّب في الإيمان وفى الجنة, وفيما عند الله للطائعين والمحبين, وترهب من النار ومن عذاب العصاة والمذنبين, وتفتح باب التوبة لمن عقدت العزم, وطالتها أنوار الهداية.<br />
<br />
وشيئاً فشيئاً, انجذبن إليها واطمأنت قلوبهن بين يديها, ولمسن فيها صورة الأم الحنون, والأخت المحبة, والصديقة المخلصة, والمسلمة الواعية , وبدأ الجميع ينتظر اللقاء الأسبوعي بلهفة, والذي تحول إلى ندوة, وبدأت التساؤلات: ماذا نفعل؟ وكيف نعيش بعد أن نبذنا الأهل ولا مورد رزق لنا, وهل سيقبلنا المجتمع, وهل لا زالت أمامنا فرصة للتوبة والحياة الكريمة, وهل هناك من يمد لنا يد العون؟..<br />
<br />
'''ولنا بقيه مع الداعيه زينب الغزالي ....'''<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_.._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB&diff=643338الداعية زينب الغزالي .. الجزء الثالث2012-02-21T09:55:50Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>الداعيه زينب الغزالي .... الجزء الثالث </center>'''<br />
<br />
<br />
== الفنانات التائبات ==<br />
<br />
في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات بدأت تنتشر ظاهرة "الفنانات التائبات", وبدأت أعداد منهن تزور الداعية الكبيرة زينب الغزالي, وعلى رأسهن السيدة "ياسمين الخيام" أو إفراج الحصري, وقصة الحاجة زينب مع ياسمين الخيام قديمة, فقد كانت علاقتها ببيت الشيخ الجليل, والعالم الكبير وشيخ المقارئ المصرية, الشيخ محمود خليل الحصري, علاقة وثيقة, أساسها الحب في الله والاحترام والاهتمام بأحوال الأمة, ونشأت "إفراج" ابنة شيخ المقارئ قريبة من الحاجة زينب على أساس هذه العلاقة الودود, وكانت لها مكانتها الخاصة في قلبها حتى دخلت السجن فيما عرف بقضية الإخوان عام 1965 م.<br />
<br />
وقبل أن تخرج الداعية المجاهدة من السجن في عام 1971 م , بعد أن أصدر الرئيس السادات قراراً بالعفو عن بقية مدة العقوبة , بناءً على تدخل الملك فيصل رحمه الله , رأت رؤيا.. رأت "إفراج الحصرى" تتأرجح في أرجوحة, وفسرت رؤياها بأن هذه بشارة بـ "الإفراج" عنها , وأن "إفراج الحصري" ستتعرض للتأرجح بين الصواب والخطأ فترة من الزمن, وتحققت الرؤيا بالفعل, وخرجت الداعية الكبيرة بعد أيام من السجن , وقررت أن تزور بيت الشيخ الحصري بمجرد أن يتيسر لها ذلك, ومرت سنوات قليلة , بدأت بعدها الحاجة " إفراج " في الدخول إلى الغناء من باب الإنشاد الديني, ثم تحولت إلى الغناء العاطفى, الذي تتمايل فيه يمنة ويسرة , وهى حاسرة الرأس! .. كان هذا التحول صدمة للشعور الديني والإسلامي العام, إذ كيف يقبل الناس من ابنة شيخ عموم المقارئ المصرية , وأكثر من خدموا القرآن الكريم من قرائه , أن تدخل مجال الغناء والطرب , وتتمايل أمام الناس وتتلقى كلمات المديح والإعجاب؟!<br />
<br />
امتنعت زينب الغزالي عن زيارة بيت الحصري, غضباً واحتجاجاً على غناء "إفراج" ولم يكن العالم الجليل يملك من الأمر شيئاً, فقد كانت ابنته متزوجة, وزوجها هو وليها, لكن "ياسمين" كانت تلجأ إلى الحاجة زينب, كلما مرت بحالة من القلق وتزايد مشاعر التمزق والوحشة.. كانت ترتمي في أحضانها وتبكى بكاءّ شديداً, وكلما شعرت بحاجتها إلى الارتواء من معين القرب من الله , أسرعت إلى "أمها" زينب الغزالي, حتى بدأت عملية التحول في داخلها من جديد, أو لنقل العودة إلى الأصل, وعندما اطمأنت تماماً , وقررت اعتزال الغناء نهائياً, ذهبت إلى الحاجة زينب لتشهد على قرارها, وبدأت مرحلة جديدة أكثر دفئاً في العلاقة بينهما.<br />
<br />
كانت الحاجة " إفراج " تشعر بمتعة خاصة عندما ترتمي في أحضان زينب الغزالي , كانت تلقى بمتاعبها وهمومها في هذا الصدر الحنون, الذي استقبلها كأحسن ما يكون الاستقبال , ومن هذه العلاقة الحميمة بدأت علاقة زينب الغزالي بالفنانات المعتزلات , ولأن الحاجة ياسمين سيدة ذكية وواعية , بدأت تستفيد من علاقاتها في الوسط الفني, لتزيد من القريبات إلى الله , وتذكرهن بحلاوة الإيمان وطمأنينة النفس في ظل طاعة الله..<br />
<br />
وعندما كانت تدرك , بذكائها الفطري والديني, أن الفنانة التي أمامها بحاجة إلى نموذج دعوى وديني قوى , يقوى من عزيمتها , ويشد من أزرها , كانت تصطحبها إلى زيارة الداعية الكبيرة بعد أن تكون قد أعطتها طرفاً من الحديث عن إيمانها وثباتها وإخلاصها وحبها لدينها , وفهمها الوسطى , فكانت هذه الزيارات بمثابة طوق النجاة من الضعف إلى القوة , ومن اليأس إلى الأمل , ومن الخوف إلى الاطمئنان برحابة الإيمان وعظمة الإسلام..<br />
<br />
كانت الداعية الكبيرة ترحب بهؤلاء الفنانات المعتزلات, وتذكر لهن أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن, وأن إخلاص التوبة يمكن أن يحول السيئات إلى حسنات , وأن الصدق مع الله يورث الطمأنينة في القلب والسكينة في النفس.. لم تكن الداعية المجاهدة تستخدم أسلوب الترهيب إلا نادراً, كانت تحب الترغيب والحديث عن رحمة الله بالإنسان, وكان هذا يفتح لها القلوب, ويهيئ لها النفوس.. رحمها الله رحمة واسعة.<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_..._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3&diff=643337الداعية زينب الغزالي ... الجزء السادس2012-02-21T09:55:49Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>زينب الغزالي .. الجزء السادس </center>'''<br />
<br />
<br />
== دورها في تعليم البنات في المملكة العربية السعودية ==<br />
<br />
الكاتب الصحفي الأستاذ بدر محمد بدر عمل سكرتيرا إعلاميا للداعية الإسلامية الحاجة زينب الغزالي رحمها الله لأكثر من خمسة عشر عاما، عرفها خلالها عن قرب، وهو شاهد على الكثير من مواقفها الدعوية.<br />
وفي هذه الحلقات يحدثنا بدر محمد بدر عن انطباعاته وشهادته على هذه المرحلة التي قضاها بالقرب من الداعية الكبيرة رحمها الله.<br />
<br />
كانت الداعية الإسلامية زينب الغزالي ـ رحمها الله ـ شديدة الإيمان بمبادئ الإسلام الحنيف, شديدة الثقة بقدرة هذا الدين العظيم على إقامة مجتمع إنساني أفضل, مجتمع تظلله معالم الإيمان والتوحيد, وتسيّره أصول الأخلاق والقيم, وكانت تدرك أن هذه المبادئ الجليلة في حاجة إلى الدعاة المخلصين, الذين يحملونها بصدق وإخلاص إلى المجتمع والناس, ويغرسونها بدأب وصبر في القلوب والنفوس والعقول, حتى تصبح سلوكاً عملياً حقيقياً, وهذه المبادئ في حاجة أيضاً إلى "سٌلطة" تفسح لهؤلاء الدعاة الطريق, وتيسر لهم الحركة, وتفتح لهم الأبواب.<br />
<br />
وتلفتت حولها, فوجدت المملكة العربية السعودية.. هذه الدولة الفتية, التي قامت على أسس الإسلام, وتأسست دعائمها على منهج التوحيد, فاهتمت بمتابعة جهود المملكة في خدمة الإسلام, وشجعها ذلك على أن تنتقل من مرحلة التمني إلى الحركة, وبدأت ترسل رسائل للملك سعود بن عبد العزيز, تستحثه فيها على استكمال تطبيق الشريعة في كافة الميادين, وتقترح عليه الأفكار والموضوعات التي ترى أنها تخدم الإسلام, ومنها إنشاء بنك إسلامي لا يتعامل بالربا, حتى يكون نموذجا لمبادئ الإسلام في التعاملات المالية, كان ذلك في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي قبل أن يسمع الناس عن فكرة البنوك الإسلامية!<br />
<br />
وعندما أصدرت مجلة "السيدات المسلمات" في عام 1951 م, شهرية ثم أسبوعية, كتبت فيها العديد من المقالات, التي عبرت فيها عن آمالها وأحلامها في دولة الإسلام, وظهر أول كتاب لها يحمل هذه الآمال والطموحات باسم "ملك وآمال شعب" والملك هو "سعود" رحمه الله, والشعب هو الشعب السعودي, وخلفه كل الشعوب الإسلامية, ورحب الملك "سعود" برسائلها ومقالاتها, وعندما زار مصر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي, زار المركز العام للسيدات المسلمات, ونشرت المجلة صورة الملك أثناء الزيارة على صدر غلافها, وعندما كانت تذهب بعثة السيدات المسلمات سنوياً إلى المملكة لأداء فريضة الحج, كانت الداعية "زينب الغزالي" تنزل في ضيافة المملكة, وساعدها هذا القرب من الملك على اقتراح مهم حملته إلى الحكومة السعودية, وهو إقرار مبدأ تعليم البنات, فحتى الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي, لم تكن الفتاة السعودية تتلقى تعليما دراسياً رسمياً من قبل الدولة, وبدأت الحكومة تدرس الاقتراح بجدية حتى تمت الموافقة على إنشاء إدارة لتعليم البنات تتبع وزارة المعارف, في أوائل الستينيات من القرن الماضي.<br />
<br />
وعندما كانت تذهب "زينب الغزالي" إلى المملكة, كانت تزور مدارس البنات وإدارتها, وتلتقي بطالباتها ومعلماتها وموجهاتها, وكانت تحث الجميع على الاجتهاد والمثابرة في تحصيل العلم, والالتزام بشعائر الإسلام العظيم, وكانت تبحث مشكلاتهن وتضع لها الحلول المناسبة من واقع خبرتها في العلوم الشرعية وفى المجال الاجتماعي.<br />
<br />
كانت "زينب الغزالي" رحمها الله تؤمن بأن نهضة الإسلام لن تقوم على أكتاف الرجال وحدهم, بل على أكتاف الرجال والنساء معاً, فإذا نجحت المرأة في أداء دورها ورسالتها, وحملت الأمانة بصدق وإخلاص, كان هذه إيذانا بنهضة الإسلام من جديد, وعودة الأمة إلى سابق عزتها ومجدها من جديد, والمرأة لن تنجح في ذلك إلا إذا تعلمت ودرست واجتهدت في تحصيل العلم, حتى تكون على بينه من مسئوليتها ومن مخططات أعداء أمتها.<br />
<br />
وعندما توفيت في أغسطس 2005, قال أحد تلامذتها, المهندس محمد الصروى ـ رحمه الله ـ في حفل تأبينها إن للداعية المجاهدة زينب الغزالي, فضل على كل فتاة سعودية تعلمت ودرست واجتهدت في طلب العلم.<br />
<br />
وبهذه المناسبة أدعو الأساتذة والمسئولين الذين حضروا وشاركوا في تلك الفترة, أن يدلوا بما يعرفونه, حتى نتعرف أكثر على دور الداعية الكبيرة زينب الغزالي في هذا الموضوع.<br />
الجزء السابع صورة من قريب<br />
<br />
عايشت الحاجة زينب الغزالي ما يزيد عن العشرين عاماً, وأشهد أنها كانت كلها لله, أحبته من أعماقها, وأحبت دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم, ما كان يشغلها عن هذا الحب شيء مما يشغل الناس, وما عملت لدنيا قط, وما ارتاحت ـ حتى وهى في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من عمرها ـ وهى تعلم أن دينها وأمتها في حاجة إلى جهدها وعطائها, وما استثقلت الأعباء الجسام, ولا أعطت الدنية في دينها , بل خرجت من السجن, بعد ست سنوات ذاقت فيها مرارة التعذيب والقهر, وهى أكثر قوة وحماسة, كانت شامخة شموخ الأبطال في كل مواقفها.<br />
<br />
عندما تنفق, تعطى عطاء من لا يخشى الفقر, المال عندها زائل, يقضى الله به الحاجات, فإذا أدى مهمته, فلا وزن له بعد ذلك, ولا يأخذ حيزاً من تفكيرها أو اهتمامها.. كانت تجد متعتها في الإنفاق والبذل والعطاء, وكأني بها تتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله بظله, يوم لا ظل إلا ظله، وأحدهم ".. رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".<br />
لم تكن تأخذ أي مقابل لجهدها في العمل الدعوى, فإذا كتبت مقالاً في صحيفة أو مجلة, وحُددت لها مكافأة على نشر المقال, كانت ترفض تسلمها, حتى أقنعتها بأن هذا حقها , ويمكنها أن تنفقه فيما ترى من أوجه الخير, فقبلت على مضض, ولم يكن يبيت عندها هذا المال أبداً, بل تنفقه كله في سبيل الله , وكانت تتساءل مستنكرة : كيف آخذ مقابل ما وفقني الله فيه لخدمة دينه ودعوته؟! .<br />
<br />
وبالرغم من أنها اشتهرت بقوة الشخصية وصلابة الموقف والصمود في وجه الظلم , إلا أنها مع ذلك , كانت شديدة الرفق, غزيرة الحنان, رقيقة المشاعر, تسيل دموعها أنهاراً, مع أي موقف إنساني مؤثر, تبكى بجوار صاحبة المشكلة وتربت على كتفيها, وتحنو على اليتيم والمسكين وذي الحاجة.. كان هناك شاب من الإسكندرية يمر بظروف نفسية معينة, يأتي إليها حاملاً في يده "تورتة" مؤكداً أنها "أمه" وأن "حسن البنا" أبوه !.. وقبل أن تعرف ظروفه, قالت له إنها لم تتزوج من الشيخ حسن البنا, كما أنها لم تنجب أولاداً أو بناتاً, وسرعان ما اكتشفت أن الشاب طالب الطب, من إحدى العائلات الكبيرة في الإسكندرية, وأنه يمر بظروف نفسية, فبدأت تحسن إليه وتكرم ضيافته, وتستقبله كل عام داعية الله أن يتم شفاءه, وكانت تطمئن عليه حتى يعود إلى مدينته.<br />
<br />
كانت زينب الغزالي شديدة التواضع, إذا دعت إلى طعام, قامت بنفسها على خدمة الضيوف, ولا تترك أحداً غيرها يقوم بهذه المهمة, وتسعد كثيراً بضيوفها وكانوا كثرة من كل أنحاء الدنيا.. من العرب وغير العرب.. من المسلمين وغير المسلمين, وكانت تجيد فن التعامل الإنساني مع الإعلاميين الغربيين, وتكرمهم أكثر, لأنها كانت تعلم أنها سفيرة للإسلام, تحب أن تظهره في أبهى صورة.<br />
<br />
وقبل أن تجلس إلى مائدة الطعام, كانت تسأل عن خدم البيت: السائق والشغالة والسفرجي والجنايني.. هل تناولوا الطعام أم لا؟ فإن تأخر قامت بنفسها لتقدمه لهم!<br />
<br />
كانت مولعة بحب القراءة, تقضى معظم نهارها وجزءاً من ليلها في المطالعة في مختلف فروع العلم الشرعي.. كانت تقرأ في التفسير والحديث والسيرة والفقه, مثلما كانت تقرأ في قضايا العمل الإسلامي المعاصر ومشكلات المسلمين, كما تقرأ في الأدب والسياسة والعلوم الإنسانية, وكانت تحرص على وجود الورق والقلم بجوارها دائماً, فالدافع للكتابة يمكن أن يأتي في أي لحظة, وعندما زارت إسلام آباد, زارت مسجد الملك فيصل رحمه الله, ورأت الكثير من فخامته وروعته ومظاهر الأبهة فيه, لكن خاطرة ألحت عليها فقالت: يوم كانت مساجدنا من جريد "النخل" حكمنا العالم!.. أي يوم كنا نهتم بالجوهر قبل المظهر, حكمنا العالم..<br />
<br />
كانت صاحبة مظهر جذاب, ثيابها بيضاء ناصعة, وهندامها متناسق, وذوقها رفيع , وغرفتها طاهرة معطرة, جعلت منها مسجداً صغيراً, يخلع المرء حذاءه قبل أن يدخل لأمر ضروري, فيجد الغرفة وقد رتبت ترتيباً بديعاً, ولا تستقبل فيها إلا صديقات معدودات تفيض من كرمها عليهن بالدخول إلى غرفتها الخاصة.. رحمها الله رحمة واسعة<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_.._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84&diff=643336الداعية زينب الغزالي .. الجزء الأول2012-02-21T09:55:43Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>الداعية زينب الغزالي ... الجزء الاول </center>'''<br />
<br />
<br />
== نسبها ونشأتها ==<br />
<br />
زينب محمد الغزالي الجبيلي، عربية الأصل، ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأما نسب أمها فينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما . وقد ولدت في ( كانون الثاني ) يناير 1917م ، ونشأت بين والدين ملتزمين بالإسلام ، وكان والدها - رحمه الله - من علماء الأزهر الشريف، وكان حريصا على تنشئتها تنشئة إسلامية متكاملة.<br />
<br />
درست زينب الغزالي في المدارس الحكومية، ثم تلقت عـلوم الدين على مشايخ من رجال الأزهر الكبار في علوم التفسير والفقه . ومنهم الشيخ عبد المجيد اللبان _ وكيل الأزهر ، والشيخ محمد سليمان النجار _ رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف ، والشيخ علي محفوظ مـن هيئة كبار العلماء بالأزهـر.<br />
<br />
وبذلك فقد جمعت زينب الغزالي بين الطريقتين في العلوم : المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على أخذ العلم من شيوخه وأهله مباشرة.<br />
<br />
<br />
== أعمالها وكتاباتها ==<br />
<br />
كانت زينب الغزالي من المؤسسين للمركز العام للسيدات المسلمات، فقد أنشئ سنة 1356هـ الموافق1936 م ، وأدى واجبات كثيرة، فقد اختلف مع كل الأحزاب السياسية؛ لأنه كان يطالب بأن تحكم الشريعة الإسلامية في مصر ، وكان يطالب بعودة المسلمين كلهم إلى الكتاب والسنة ، وإلى إقامة الخلافة الإسلامية .<br />
<br />
وكتبت زينب الغزالي مجموعة من المصنفات من بينها (( أيام من حياتي )) و (( نحو بعث جديد )) ، وكتابا آخر اسمه ((نظرات في كتاب الله ))، ولقد فسرت فيه سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء وكتب أخرى تحت الطبع، ومنها:<br />
<br />
- (( أسماء الله الحسنى ))<br />
<br />
- (( ولغريزة المرأة )).<br />
<br />
والناظر في كتب الداعية زينب الغزالي يجد فيها امرأة عالمة وفقيهة واعية لعصرها ولما يدور من حولها من أحداث ، ويبرز ذلك في كتاب نظرات في كتاب الله.<br />
<br />
تقول زينب الغزالي" - بعد صدور كتابها "نظرات في كتاب الله" : "أنا أحببت القرآن حتى عشته ، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب ، فدندنت بعض دندنة المفسرين ، ولا أقول إني مفسرة ، ولكني أقول : إنني محبة للقرآن ، عاشقة له ، والعاشق يدندن لمن يحب ، والعاشق يحكي لمن يحب ، ويجالس من يحب ، ويعانق من يحب ، فعانقت القرآن ، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً ، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937".<br />
<br />
ويجد امرأة صاحبة قلم أدبي مؤثر ، وحس مرهف ، وذاكرة حاضرة في كتابها أيام من حياتي .<br />
<br />
<br />
== حياتها السياسية ==<br />
<br />
طلبها جمال عبد الناصر يوما لمقابلته فرفضت ، فكانت بداية العداوة بينهما ؛ لأنها قالت لرسول الرئيس : "أنا لا أصافح يدا تلوثت بدماء الشهيد عبد القادر عودة ". فدخلت السجن وتعرضت للتعذيب الشديد ، ولكنّ هذا لم يردعها عن مطالب حزبها الإسلامي بإعادة مبدأ الشورى في الحكم.<br />
<br />
<br />
== حياتها الدينية ==<br />
<br />
زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة ، وأدت فريضة الحج 39 مرة ، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية ، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى . وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة - أكثر من نصف القرن - التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار . وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم : حسن البنــَّا ، هو الأكثر تأثيرا في نفسها وضميرها ، وحسن الهضيبى -رحمهم الله جميعا .<br />
<br />
<br />
== نظرتها المستقبلية ==<br />
<br />
لزينب الغزالي نظرة وأمل في مستقبل المرأة المسلمة ، وبأن القيادة النسائية ستكون للمرأة المسلمة في المستقبل شاء أعداء الإسلام أم أبوا ، فإن الذين يتقدمون مسيرة المرأة في العالم تحميهم المراكز الكبرى الحاكمة بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى .<br />
<br />
<br />
== تحليل ونقـــد لكتاب " أيام من حياتي ==<br />
<br />
<br />
'''أهمية الكتاب وفوائده وقيمته في الحركة الإسلامية:'''<br />
<br />
يعتبر الكتاب وثيقة هامة وسجلا تاريخيا لحقية تاريخيه مهمة للدعوة الإسلامية ، وفيه تفاصيل وأحداث حدثت في فترة ما بين 1964) إلى (1971 ووثق فيه أيضا أسماء بعض رواد الدعوة الإسلامية الذين أسهموا في بقاء بعض التشريعات الإسلامية التي ظلت غائبة حتى وقتنا الحاضر.<br />
<br />
'''خصائص الأسلوب وطرائق العرض لكتاب [ أيام من حياتي] :'''<br />
<br />
كانت الكاتبة حاضرة في عرضها لموضوع كتابها ، وهذا أمر طبيعي ؛وذلك لأنها تكتب في سيرة حياتها .<br />
<br />
وقد أبرزت الكاتبة هدفهـــا في النص بصورة مباشرة في مقدمة الكتاب ، وفي الكتاب صور لمواقف الثبات على المبدأ والدين الإسلامي في حياة الدعاة المعاصرين . ويتراوح أسلوبها بين الحوار والسرد .<br />
<br />
وكانت الكاتبة تستخدم القران الكريم والشعر العربي العمودي كشواهد وأدلة داعمة ، مما جعل الكتاب أكثر دقة وعلمية وبعدا عن الذاتية والأنا ، ويلاحظ عليها دقتها وحسن اختيارها للشعر لما يتضمنه من معان غزيرة وجميلة وعظيمة المغزى وحس أدبي مرهف .<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%8A_..._%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9&diff=643335الداعية زينب الغزالي ... الجزء السابع2012-02-21T09:55:36Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>الداعيه زينب الغزالي ..الجزء السابع والاخير </center>'''<br />
<br />
<br />
== صورة من قريب ==<br />
<br />
عايشت الحاجة زينب الغزالي ما يزيد عن العشرين عاماً, وأشهد أنها كانت كلها لله, أحبته من أعماقها, وأحبت دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم, ما كان يشغلها عن هذا الحب شيء مما يشغل الناس, وما عملت لدنيا قط, وما ارتاحت ـ حتى وهى في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من عمرها ـ وهى تعلم أن دينها وأمتها في حاجة إلى جهدها وعطائها, وما استثقلت الأعباء الجسام, ولا أعطت الدنية في دينها , بل خرجت من السجن, بعد ست سنوات ذاقت فيها مرارة التعذيب والقهر, وهى أكثر قوة وحماسة, كانت شامخة شموخ الأبطال في كل مواقفها.<br />
<br />
عندما تنفق, تعطى عطاء من لا يخشى الفقر, المال عندها زائل, يقضى الله به الحاجات, فإذا أدى مهمته, فلا وزن له بعد ذلك, ولا يأخذ حيزاً من تفكيرها أو اهتمامها.. كانت تجد متعتها في الإنفاق والبذل والعطاء, وكأني بها تتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله بظله, يوم لا ظل إلا ظله، وأحدهم ".. رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".<br />
<br />
لم تكن تأخذ أي مقابل لجهدها في العمل الدعوى, فإذا كتبت مقالاً في صحيفة أو مجلة, وحُددت لها مكافأة على نشر المقال, كانت ترفض تسلمها, حتى أقنعتها بأن هذا حقها , ويمكنها أن تنفقه فيما ترى من أوجه الخير, فقبلت على مضض, ولم يكن يبيت عندها هذا المال أبداً, بل تنفقه كله في سبيل الله , وكانت تتساءل مستنكرة : كيف آخذ مقابل ما وفقني الله فيه لخدمة دينه ودعوته؟! .<br />
<br />
وبالرغم من أنها اشتهرت بقوة الشخصية وصلابة الموقف والصمود في وجه الظلم , إلا أنها مع ذلك , كانت شديدة الرفق, غزيرة الحنان, رقيقة المشاعر, تسيل دموعها أنهاراً, مع أي موقف إنساني مؤثر, تبكى بجوار صاحبة المشكلة وتربت على كتفيها, وتحنو على اليتيم والمسكين وذي الحاجة.. كان هناك شاب من الإسكندرية يمر بظروف نفسية معينة, يأتي إليها حاملاً في يده "تورتة" مؤكداً أنها "أمه" وأن "حسن البنا" أبوه !.. وقبل أن تعرف ظروفه, قالت له إنها لم تتزوج من الشيخ حسن البنا, كما أنها لم تنجب أولاداً أو بناتاً, وسرعان ما اكتشفت أن الشاب طالب الطب, من إحدى العائلات الكبيرة في الإسكندرية, وأنه يمر بظروف نفسية, فبدأت تحسن إليه وتكرم ضيافته, وتستقبله كل عام داعية الله أن يتم شفاءه, وكانت تطمئن عليه حتى يعود إلى مدينته.<br />
<br />
كانت زينب الغزالي شديدة التواضع, إذا دعت إلى طعام, قامت بنفسها على خدمة الضيوف, ولا تترك أحداً غيرها يقوم بهذه المهمة, وتسعد كثيراً بضيوفها وكانوا كثرة من كل أنحاء الدنيا.. من العرب وغير العرب.. من المسلمين وغير المسلمين, وكانت تجيد فن التعامل الإنساني مع الإعلاميين الغربيين, وتكرمهم أكثر, لأنها كانت تعلم أنها سفيرة للإسلام, تحب أن تظهره في أبهى صورة.<br />
<br />
وقبل أن تجلس إلى مائدة الطعام, كانت تسأل عن خدم البيت: السائق والشغالة والسفرجي والجنايني.. هل تناولوا الطعام أم لا؟ فإن تأخر قامت بنفسها لتقدمه لهم!<br />
<br />
كانت مولعة بحب القراءة, تقضى معظم نهارها وجزءاً من ليلها في المطالعة في مختلف فروع العلم الشرعي.. كانت تقرأ في التفسير والحديث والسيرة والفقه, مثلما كانت تقرأ في قضايا العمل الإسلامي المعاصر ومشكلات المسلمين, كما تقرأ في الأدب والسياسة والعلوم الإنسانية, وكانت تحرص على وجود الورق والقلم بجوارها دائماً, فالدافع للكتابة يمكن أن يأتي في أي لحظة, وعندما زارت إسلام آباد, زارت مسجد الملك فيصل رحمه الله, ورأت الكثير من فخامته وروعته ومظاهر الأبهة فيه, لكن خاطرة ألحت عليها فقالت: يوم كانت مساجدنا من جريد "النخل" حكمنا العالم!.. أي يوم كنا نهتم بالجوهر قبل المظهر, حكمنا العالم..<br />
<br />
كانت صاحبة مظهر جذاب, ثيابها بيضاء ناصعة, وهندامها متناسق, وذوقها رفيع , وغرفتها طاهرة معطرة, جعلت منها مسجداً صغيراً, يخلع المرء حذاءه قبل أن يدخل لأمر ضروري, فيجد الغرفة وقد رتبت ترتيباً بديعاً, ولا تستقبل فيها إلا صديقات معدودات تفيض من كرمها عليهن بالدخول إلى غرفتها الخاصة.. رحمها الله رحمة واسعة<br />
<br />
<br />
== دمعة على.. أم الصابرين زينب الغزالي ==<br />
<br />
'''كلمات / د. [[جابر قميحة]]'''<br />
<br />
<br />
السيدة المجاهدة زينب الغزالي الجبيلي (1917م ـ 2005م) عاشت للإسلام بالدعوة وكلمة الحق في صف الإخوان المسلمين، سجنت في عهد عبد الناصر سبع سنين، وعذبت تعذيبًا فوق طاقة البشر، ولها تفسير قرآني، وترجمة لحياتها، وكتب دعوية أخرى.<br />
<br />
وقد لقيت ربها مساء الأربعاء 3/8/2005م، وهذه القصيدة ألقاها الشاعر في سرادق عزائها بالقاهرة مساء الجمعة (5/8/2005م) أمام جمع حاشد من الإخوان والمعزين من الشعب المصري والمسلمين والعرب.<br />
<br />
<center>بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ<br />
:::فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ<br />
<br />
وقال: أتبكي والقضاءُ محتم<br />
وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهرب؟<br />
<br />
فقلتُ: تعالى اللهُ، فالحزنُ ساعرٌ<br />
:::قويٌّ، عتيّ، والفقيدةُ زينبُ<br />
<br />
ولو كان فضلُ الراحلين مراثيًا<br />
:::لجادَ بمرْثاها الحطيمُ، ويثربُ<br />
<br />
فلا كلُّ مفقودٍ يُراع لفقْدهِ<br />
:::ولا كلُّ حيٍّ فائقٌ، ومحبَّبُ<br />
<br />
ولا كلُّ من يحيا الحياةَ بحاضرٍ<br />
:::ولا كل من في القبرِ ماضٍ مغيَّبُ<br />
<br />
فإن خلودَ المرْءِ بالعمل الذي<br />
:::يقودُ مسارَ الخير لا يتهيّب<br />
<br />
أناديك ـ أمَّ الصابرين ـ بمهجتي<br />
:::وكلِّي دعاءٌ ِمْن سناكِ مُطيَّب<br />
<br />
سلامٌ وريحانٌ وروْحٌ ورحمةٌ<br />
:::عليكِ، وممدودٌ من الظلّ طيب<br />
<br />
فقد عشْتِ بالحق القويم منارةً<br />
:::تشدُّ إليها كلَّ قلبٍ وتجذب<br />
<br />
وكنتِ ـ بحقٍّ ـ منبعَ الحبِّ والتُّقى<br />
:::ومدرسةً فيها العطاء المذهَّبَ<br />
<br />
ودارُكِ كانتْ مثل دار "ابن أرقم"<br />
:::تخرّجَ فيها من بناتِكِ أشْهُبُ<br />
<br />
فَرُحْنَ ـ أيا أماهُ ـ في كلِّ موطنٍ<br />
:::يربِّين أجيالا على الحقِّ أُدِّبوا<br />
<br />
شبابًا حييًّا في شجاعة خالدٍ<br />
:::له الحقُّ نهجٌ، والشريعةُ مذْهبُ<br />
<br />
يفرُّون عند المغريات تعففا<br />
:::وحين ينادي الرْوعُ هبّوا وأجْلبوا<br />
<br />
ومن كان للحقِّ القويم نهوضُهُ<br />
:::فليس لغير الله يرضى ويغْضب<br />
<br />
ولا ضيرَ ألا تُنجبي، تلك حكمةٌ<br />
:::طواها عن الأفهام سرٌّ مُحَّجبُ<br />
<br />
فقد عشْتِ أمًا للجميع، وأمَّةً<br />
:::يباهي بك التاريخَ شرقٌ ومغربُ<br />
<br />
وكنتِ لسان الحقِّ في أمةٍ غَفَتْ<br />
:::كأنهمو عن عالم الناس غُيَّب<br />
<br />
وقلتِ: كتابُ الله فيه شفاؤكمْ<br />
:::وبالسنة السمحاء نعلو ونغْلب<br />
<br />
وقلتِ: هو الإسلامُ دينٌ ودولةٌ<br />
:::وقوميةٌ نعلو بها حين نُنْسب<br />
<br />
وأن النساء المسلماتِ شقائقٌ<br />
:::لجنسِ الرجالِ المسلمين وأقْرب<br />
<br />
لهنّ حقوقٌ قررتها شريعةٌ<br />
:::من الله حقٌ ناصعٌ ومُطيَّب<br />
<br />
وقد كنَّ قبل الدين كمًّا مهمَّشًا<br />
:::كسقْط متاع يُستباحُ ويُسلب<br />
<br />
بذلك ـ يا أماه ـ كنتِ منارةً<br />
:::فأهْوَى صريعا جاهلٌ متعصبُ<br />
<br />
وأحييْتِ بالعزم الأبِّي ضمائرا<br />
:::تعاورها بومٌ ضريرٌ وأذْوُب<br />
<br />
فأغضبتِ فرعونَ اللعينَ وقد بغَى<br />
:::لتستسلمي للظلِم أيّانَ يرغب<br />
<br />
فقلتِ: لغير الله لم أُحنِ جبهتي<br />
:::وللحقِّ صولاتٌ أعزّ وأغْلَب<br />
<br />
ولاقيتِ ـ يا أماه ـ أبشعَ محنةٍ<br />
:::يخرَّ لهوْليْـهْا شبابٌ وشُيَّبُ<br />
<br />
صَبرتِ ـ وضجَّ الصبُر من صبرك الذي<br />
:::أذل كبارا في الفجور تقلبوا<br />
<br />
وجددتِ ذكرى أمِّ عمارٍ التي<br />
:::تحدَّتْ أبا جهلٍ ومن كان يصحب<br />
<br />
فكانت ـ بفضل الله ـ خيرَ شهيدة<br />
:::وليس كتحصيل الشهادة مكسب<br />
<br />
وقلتِ: ـ يا أماه ـ حسْبِيَ أننيِ<br />
:::على درب طه أستقيم وأَضْرِب<br />
<br />
فكان ظلامُ السجنِ نورًا مؤلَّـقا<br />
:::من الملأ الأعلى يطوف ويُسكب<br />
<br />
أنيسُك فيه النورُ والفجر والضحى<br />
:::كما يُؤنس الإنسانَ في التيه كوكبُ<br />
<br />
وكانت سياط الظالمين شهادةً<br />
:::بأن دعاةَ الحق أقوى وأصلب<br />
<br />
فكانوا ـ بفضلِ الله ـ أُسْدا رهيبة<br />
:::وهل يغلب الأسْدَ الرهيبةَ أرنبُ؟<br />
<br />
وخر من الإعياء جلادك الذي<br />
:::تعهد أن يُرْديك وهو يُعذِّب<br />
<br />
فقلت: تعالى الله، يهوى معذِّب<br />
:::ويبقى رفيع الرأس حرًا معذَّب<br />
<br />
سجينةَ حقٍّ لم ينلْ من إبائها<br />
:::عتاةٌ على قتل العباد تدربوا<br />
<br />
وغايتهم في العيش مُتعة ماجنٍ<br />
:::وعدتهم في الحكم نابٌ ومخلب<br />
<br />
وكلّهمو في الشر والعارِ ضالعٌ<br />
:::وللحقَّ نّهاب عُتلٌ مخرِّب<br />
<br />
كأن عذاب الأبرياء لديْهمو<br />
:::ألذَّ من الشهد المذاب وأعذب<br />
<br />
أيُلقى بقاع السجن من عاش مؤمنا<br />
:::ويطلق لصٌّ آثم القلب مذنب؟<br />
<br />
يُجنُّ أميرُ السجن: أنثى ضعيفةٌ<br />
:::تُذِلّ رجالي بالثبات وترعب؟<br />
<br />
أعيدوا عليها موجةً من سياطكم<br />
:::وركْلا وصعقا علَّمها تتذبذبُ<br />
<br />
ولم تجْدِ فيها: لا الكلابُ ينشْنَها<br />
:::ولا القيدُ والسجان بالسوط يُلهبُ<br />
<br />
فيصْرخ: أنثى لا تبالي ببأسنا<br />
:::فلا السوط جبارٌ ولا الكلبُ مرعب<br />
<br />
فهان عليها سْوطنا وكلابنا<br />
:::أذلك سحرٌ؟ بل من السحر أغربُ<br />
<br />
إذن لن أُرقَّى، سوف يغضب سيدي<br />
:::ويا ويلتاهُ إذ يثورُ ويغضبُ<br />
<br />
"ويلعنُ خاشي" إذ أفاق على يدي<br />
:::وقد كان في أُنْسٍ يهيصُ ويشربُ<br />
<br />
ولم يدرِ أن الله أقدرُ منهمو<br />
:::وأن سياطَ الله أقوى وأغلبُ<br />
<br />
وأن فصيل المؤمنين يفوقهم<br />
:::ثباتًا وعدًا، لا يخاف ويرهبُ<br />
<br />
فإن غالطوا قلنا: الجنائزُ بيننا<br />
:::سَلُوها؛ فحكم الموت ما كان يكذبُ<br />
<br />
مئاتُ ألوف في الجنازة حُضَّرٌ<br />
:::ولم تْدّعهم أمّ ولم يدعهم أبُ<br />
<br />
ولكنه الإسلامُ ألّف بينهم<br />
:::وجَمّعهم حبٌّ مكين مقرِّبُ<br />
<br />
فإن كنتِ قد غادرتِ دنيا بزيفها<br />
:::إلى عالمِ الخلْد الذي هو أرحَبُ<br />
<br />
ستلقيْن أمَّ المؤمنين خديجةً<br />
:::وفاطمةَ الزهراءَ فرحى ترحِّبُ<br />
<br />
وحفصةَ والخنساءَ والصفوةَ التي<br />
:::ظللن شموسًا للهدى ليس تغربُ<br />
<br />
عليك سلام الله في الخلْد زينبُ<br />
:::وإن نعيم الله أبقى وأطيب<br />
<br />
مضيتِ بذكرٍ ليس يُكتب أحرفًا<br />
:::ولكنه بالنور والعطر يكتبُ<br />
</center><br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط زينب الغزالي]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(4)&diff=643333حول القضية الفلسطينية (4)2012-02-21T09:43:54Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> حول قضية فلسطين (4)</center>'''<br />
<br />
'''<center>أكاذيب وحقائق في قضية فلسطين </center>'''<br />
<br />
'''بقلم: د. [[محمد عبدالرحمن]] ...عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
'''من خلال الزخم الفكري والشعارات التي أحاطت بقضية [[فلسطين]]، تم الدفع بدعاوى وأكاذيب مضللة يريدون بها لوي الحقائق.'''<br />
<br />
-'''ومن هذه الأكاذيب التزييف التاريخي لأرض [[فلسطين]] :'''<br />
[[ملف:فلسطين_1.jpg|تصغير|'''<center> فلسطين أرض إسلامية عربية</center>''']]<br />
إن أرض [[فلسطين]] شهدت على مرِّ العصور تعاقب عدة حضارات سامية، وكانت موطن كثيرٍ من الأنبياء الذين جعلوها مركزًا للدعوة ونشر الدين الإسلامي، وكان الفتح الإسلامي لهذه الأرض- كجزءٍ من بلاد الشام- (خاصة الفتح العمري لبيت المقدس) أكبر الأثر في بدء مرحلة جديدة لأرض [[فلسطين]] المباركة في ظل الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة.<br />
<br />
- والقوميون عندما يتحدثون عن [[فلسطين]] كأرض وتراث وتاريخ يسقط من ركائز الفهم عندهم البعد الأساسي للدور الإسلامي، وارتباطها الجذري بدين الله والرسالات السماوية، ونجد أكثر الحديث لديهم عن حضارات الكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين.. إلخ، وأن سيدنا يعقوب وداود وسليمان عليهم السلام كانوا محتلين لهذه الأرض لمدة قصيرة.<br />
<br />
في حين أن حقائق التاريخ توضح كيف ارتبطت أرض فلسطين أساسًا بالإسلام منذ فجر التاريخ، فقد وطأتها أقدام كثير من الأنبياء، يحملون دعوة الإسلام، ويدعون إلى عقيدة لا إله إلا الله، وأمة الإسلام عبر التاريخ هي صاحبة [[فلسطين]]، وليس الكنعانيون أو الفينيقيون أو الآشوريون أو اليهود أو غيرهم.<br />
<br />
وأن الأنبياء المسلمين: سيدنا إبراهيم ويعقوب وداود وسليمان عليهم السلام؛ لم يكونوا محتلين لهذه الأرض، بل كانت منطلقهم لنشر الإسلام منذ فجر التاريخ، وهو دين الأنبياء جميعًا.<br />
<br />
<br />
-''' والأكذوبة الثانية التي يتحدثون عنها؛ هي أكذوبة هيكل سليمان التي يدعيها اليهود:'''<br />
<br />
إن سيدنا داود، ومن بعده سيدنا سليمان، لم يبنِ هيكلاً، وإنما بنى مسجدًا هو المسجد الأقصى، وأول بناء له أقامته الملائكة منذ فجر التاريخ، بعد أربعين عامًا من بناء الكعبة- كما ورد بالحديث الشريف.<br />
<br />
ومثله أيضًا، أكذوبة حائط المبكى الذي لا أصل له، إنما الحقيقة أنه حائط البراق الذي يشكل جزءًا من جدار المسجد ومن مقدسات المسلمين.<br />
<br />
ومن الدعاوى الفاسدة ما يردِّده البعض أن الفجوة العسكرية والتكنولوجية الحالية قد حسمت المعركة لصالح العدو الصهيوني، وبالتالي علينا أن نقبل ما يقدمه من فتات، قبل أن لا نجد شيئًا نناله، وهذه أكذوبة كبرى يدحضها التاريخ وحقائق الأمور.<br />
<br />
فإن إمكانيات الأمة الإسلامية هائلة، تستطيع أن تحسم القضية، وأن الوقت الذي ستتمكن فيه من حشد طاقاتها وتغيير المعادلة؛ ليس ببعيد في عمر الحضارات، وأنه ما دامت روح المقاومة قائمة والتمسك بالمبادئ والثبات على العقيدة مستمر؛ فسينتهي الأمر إلى لفظ هذا الكيان الدخيل والقضاء عليه بإذن الله.<br />
<br />
والتاريخ يعيد نفسه عندما استولت الجيوش الصليبية على هذه الأرض المباركة، وفي أقل من مائتي عام دحرتهم الأمة الإسلامية تمامًا، وبعض القادة الصهاينة يعلم ذلك جيدًا؛ لكنهم يمنون أنفسهم بأنه طالما أبعدوا الأمة الإسلامية عن دينها والاحتكام لشرعها، وأنه طالما أبعدوا الإسلام عن ميدان المعركة والمواجهة؛ فسيكونون هم بأمان إلى حين.<br />
<br />
ولهذا نرى الجهد الحثيث والهجوم المتواصل على كل دعوة تريد للأمة عزتها، والعودة للتمسك بدينها وإقامة شرع الله فيها.<br />
<br />
ومن الدعاوى الباطلة التحجج بالاتفاقيات الدولية التي تمَّ إبرامها في هذه القضية؛ مثل اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدات السلام، وغيرها من اتفاقيات على نفس المسار.<br />
<br />
في حين أن كل ذلك فاقد للشرعية، حيث إنها تخالف ثوابت وتهدر حقوقًا إسلامية وإنسانية لا يجوز إهدارها.<br />
<br />
ولا يملك أحد مهما كانت قوته أو كثر عدده أن يعطي أو يفرض أي شرعية لهذا الكيان الغاصب، ولو على شبر واحد من أرض فلسطين.<br />
<br />
وبالتالي، فإن هذه الاتفاقيات التي تمَّ إبرامها مع الحكام لا تلزم الأمة الإسلامية، بل وحتى إذا وافقت عليها الشعوب في أي وقتٍ لا يعطيها ذلك الشرعية؛ لأنها موافقة باطلة شرعًا.<br />
<br />
وتصوير الأمر من وجهة أخرى أنه حالة اضطرار وإكراه؛ فإننا نوضح أن حالة الاضطرار والضرورة تكون أساسًا في إجراءات التنفيذ إلى حين ومدة محدودة، وليس بإقرار الشرعية والرضى بذلك، مع الجدية في اتخاذ الخطوات التي تقوي حال الأمة، وتخرجها من حالة الاضطرار.<br />
<br />
وكذلك حسب القاعدة الشرعية تكون حالة الضرورة حسب حجمها وحقيقتها، وليس بإطلاقها وتوسيع دائرتها فإن كان الاضطرار للموافقة على هدنة لإيقاف القتال، فلا يتعدى ذلك إلى سلام دائم أو إقرار بالشرعية للمغتصب.<br />
<br />
وكذلك لا يسمح بحالة الاضطرار إلا بعد استنفاد الإمكانيات ووسائل الضغط والدفع ومدى القدرة على احتمال حالة الضرر المتوقع يقينًا أو غالبًا حدوثه، ووزن ذلك بالميزان الشرعي، وليس بالهوى النفسي؛ خاصةً إن إمكانيات الأمة العربية والإسلامية هائلة، ولكن لم تستخدم بعد عن عمد وتآمر وتضليل من الحكام لشعوبها.<br />
<br />
وموقف الإخوان المسلمين الرافض لكامب ديفيد ومعاهدات السلام وغيرها واضح وثابت وقائم على الأصول الشرعية، التي لا يملك أحد الحق في التفريط فيها؛ حتى ولو خالفها في موقفها جميع الناس.<br />
<br />
وقد دفع الإخوان تضحيات كثيرة مستمرة حتى يومنا هذا، من أجل هذا الموقف الثابت من اعتقالات ومحاكمات ومصادرات وجرحى وشهداء.. إلخ، فالأمر مسألة مبدأ لا يستطيعون السكوت عنه حتى لو سكت الجميع أو تعرضوا لضرر إذا أعلنوا ذلك .<br />
<br />
والإخوان لهم مرجعية واحدة وميزان واحد يقيسون به الأمور؛ هو شرع الله وأحكامه، وقد كان لهم مثل هذا الموقف من مشروع بنود المعاهدة مع الإنجليز عام 1954م؛ حيث كانت بعض بنودها تعطي الإنجليز ما لا حق لهم في مصر.<br />
<br />
وقد أوضح ذلك فضيلة المرشد الأستاذ حسن الهضيبي وقتها في خطاب وجهه للأمة عام 1954م.<br />
<br />
ونذكر جزءًا منه هنا توضيحًا لهذه القاعدة الشرعية: "... وهذا الذي فعله الإخوان المسلمون من معارضة كل اتفاق مع المستعمرين، ليس شهوة عندهم، وإنما هو أصل دينهم؛ فإن أحكام الإسلام تقتضي أنه إذا وطئت أقدام العدو أرض المسلمين وجب على كل واحد منهم صغيرًا أو كبيرًا الرجل والمرأة في ذلك سواء؛ أن ينهضوا لدفع العدو أيًّا كان حتى يعيدوه إلى عقر داره". <br />
<br />
وإذا كان ليست لنا قوة على ذلك حتى الآن، وإلى أن يمنحنا الله القوة لدفعهم أو يوجد من أسباب ضعفهم ما يمكننا من ذلك، فليس لنا أن نرضى بوجودهم على أرض الإسلام، بمقتضى اتفاقات نعقدها معهم، ولا أن نرضى بأي ارتباط كان.<br />
<br />
فإذا جلوا عن أرض الإسلام، فللمسلمين أن يرتبطوا بالاتفاقيات التي تقتضيها مصلحة الإسلام، وإذا كانت بعض الحكومات تضطر إلى قبول مثل هذه الاتفاقات؛ فمما يخالف هذا الأصل أن يرضى [[الإخوان المسلمون]] به أو يوافقوا عليه، ويجب على الإخوان المسلمين أن يحافظوا كل المحافظة على هذا الأصل؛ حتى لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم مختارين أو مضطرين إلى مخالفة الأصل الذي قدمته لكم".<br />
<br />
ويقول أيضًا: "... و[[الإخوان المسلمون]] على ما أوصاهم به ربهم لا يؤيدون جزافًا ولا يعارضون جزافًا، وإنما تبع للحق أينما كان، ولو كان من خصومهم، وضد الباطل أينما كان ولو كان مع أصدقائهم".<br />
<br />
ويقول أيضًا: "... أيها [[الإخوان]] إن من شأن الدعوات ألا تترخص في شيء من أصولها، فكونوا مستعدين للموت في سبيل دعوتكم، فإن من مبادئنا "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، '''﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)﴾''' (يوسف).<br />
<br />
<br />
== حول آيات سورة الإسراء ==<br />
<br />
'''وفي هذه السطور نتدبر آيات سورة الإسراء، وفي ظلالها نستشرف الواقع والمستقبل:''' <br />
<br />
'''﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)﴾''' (الإسراء).<br />
<br />
'''وبالتالي يمكن أن نخرج منها بهذه المعاني المهمة التي تعيننا على فهم الآيات:'''<br />
<br />
1- أن الأمة التي ستواجه اليهود أمة مرتبطة بالله ﴿عِبَادًا لَنَا﴾- وارتباطهم في المرتين بالمسجد.وعلى هذا، فإن نبوخذ نصر ليس هو المقصود في الآيات؛ حيث كان وثنيًّا، وسلط على بني إسرائيل.<br />
<br />
2- أنه عند نزول هذه الآيات كانت المواجهة الأولى بلفظ المستقبل ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾.<br />
<br />
وأن الأمة التي ستواجه اليهود في هاتين المعركتين واحدة ﴿رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ - ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء).<br />
<br />
وبالتالي نفهم أن المقصود هو الأمة الإسلامية الباقية حتى يوم القيامة.<br />
<br />
3- أنه في المواجهة الأولى كان المتحقق بالنسبة لما حل باليهود: ﴿فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ﴾ ودخول المسجد الأقصى ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾.<br />
<br />
4- أن الإفساد من بني إسرائيل كان مرتين وهو إفساد شديد، وفي الثانية كان مع الإفساد العلو الكبير.<br />
<br />
وهذا كان حالهم في الأولى أيام الفتح الإسلامي لبلاد الشام، والثانية في واقعنا المعاصر بقيام دولة "إسرائيل".<br />
<br />
5- وبالتالي فإن اجتياح جيوش الصحابة لمعاقل اليهود في خيبر، ودخولهم أرض فلسطين، بعد ذلك في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، ودخولهم المسجد الأقصى الذي كان مهملاً.<br />
<br />
يعتبر هو الوعد الأول، والذي أنهى وجودهم وأعمالهم الفاسدة في أرض فلسطين.<br />
<br />
6- وفي المعركة الثانية يكون مع الفساد هذا العلو الكبير في الأرض، والإمداد بالأموال والبنين والعتاد، وهو يطابق هذا الواقع الحالي المتمثل في إسرائيل ومن يقف وراءها.<br />
<br />
وتشير الآيات القرآنية وفق وعد الله، أن هذه الأمة الإسلامية التي جاست خلال ديار فلسطين في عهد سيدنا عمر، ودخلت المسجد الأقصى وقتها، ستقضي بإذن الله على هذا الكيان وتدمره، وتدخل المسجد وتنقذه من الإهمال وما حل به.<br />
<br />
7- ويبقى الأمر بعد ذلك في مواجهة اليهود مفتوحًا ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾.<br />
<br />
وحسب الأحاديث النبوية؛ فإن هذا يحدث كمرة أخيرة في آخر الزمان عند ظهور الدجال؛ حيث يتبعه سبعون ألف من يهود أصبهان (جنوب شرق الاتحاد السوفيتي) يستولون فيه على بيت المقدس.<br />
<br />
وفيه ينزل سيدنا عيسى عليه السلام، ينزل على المسلمين، وهم ممكن لهم في الأرض، ولهم إمام وخليفة وجيش يستعد للمواجهة، وفي هذه الملحمة يتم القضاء على الدجال وبني إسرائيل تمامًا؛ حتى ينطق الحجر والشجر يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله.<br />
<br />
هذا هو إيماننا ويقيننا الذي لا يمكن أن يهتز مهما طال الزمن أو تكاثرت الضغوط، إيمان وثقة يدفعان إلى العمل الجاد والجهاد المستمر والتضحية بلا حدود؛ ليتحقق بإذن الله نصر الله تعالى ووعده للأمة الإسلامية، والله أكبر ولله الحمد.<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(1)&diff=643332حول القضية الفلسطينية (1)2012-02-21T09:42:27Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> حول قضية فلسطين (1)</center>'''<br />
<br />
'''<center> الإمام [[البنا]] والقضية الفلسطينية</center>'''<br />
<br />
'''بقلم: د. [[محمد عبدالرحمن]] ... عضو [[مكتب الإرشاد]]'''<br />
<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
أحسَّ الإمام الشهيد مبكرًا بمقدمات المشروع الصهيوني الذي يستهدف فلسطين ولم يتعامل مع احتلال الإنجليز لفلسطين كأي احتلالٍ لوطن إسلامي، وبدأ يكتب ويُنبِّه لهذا الخطر الشديد منذ عام 1929م، محذرًا من تصاعد الخطر اليهودي في [[فلسطين]]، ومشيرًا إلى "أن اليهود تنتبه مطامعهم أمام غفلة المسلمين.<br />
<br />
وفي مقالٍ آخر كتبه عام 1930م أبدى فيه عدم رضائه عن ردود أفعال المسلمين في مواجهة هذا التحدي؛ لأنها لم تزد عن الاحتجاجات، وأن خطة اليهود تقوم على الاستحواذ عليها بالقوة وطرد أهلها.<br />
<br />
وفي وقتٍ كان الكثير في غفلةٍ عما يُدبَّر حتى إن رئيس وزراء مصر عندما سُئل عن الاضطرابات الحادثة في فلسطين أجاب أنه رئيس وزراء لمصر وليس لفلسطين، في هذا الوقت المبكر استوعب الإمام الشهيد أبعاد المشروع الصهيوني والمعلومات المرتبطة به، وتواصل ميدانيًّا مع أهلها، وأرسل الرسل هناك لتكون الصورة أمامه كاملةً.<br />
<br />
ولم يكتفِ الإمام بذلك، بل بدأ في وضع رؤية إستراتيجية للحركة، والتصدي لهذا الخطر ضمن مشروعٍ متكاملٍ سنتحدث عنه لاحقًا.<br />
<br />
حدد الإمام الشهيد الرؤية والمنطلق والثوابت بشأن هذه القضية؛ حيث ينطلق [[الإخوان المسلمون]] في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية جوهرها: أن أرض فلسطين هي أرض عربية إسلامية، وقف على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة، يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط، فهي بالتالي أمانة في أعناق أجيال المسلمين جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها.<br />
وأن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره وليست قاصرةً على أهلها الفلسطينيين، وأن المقاومة بكل أبعادها ومحاورها هي الطريق لاسترداد أرض فلسطين؛ فاليهود لا يفهمون إلا لغة القوة"<br />
<br />
<br />
== قبول التحدي والاستعداد للمواجهة ==<br />
<br />
<br />
ومع إدراك الإمام الشهيد لخطورة المشروع الصهيوني والقوى الكبرى التي تقف وراءه والإمكانيات الضخمة المسخرة له، إلا أنه قرر قبول المعركة متوكلاً على الله، كما كان له بفضل الله القدرة على تحويل الرؤية والأهداف إلى خطواتٍ عملية مثمرة وإلى تغيير الواقع وفق مراحل محددة لتعبئة الأمة وحشدها.<br />
ويعلن الإمام الشهيد بذلك موقف الإخوان: "... ولقد كان من حسن حظنا أن نشهد ذلك العصر الذي تقف فيه اليهودية العالمية متحديةً الأمم العربية والإسلامية، معتديةً على مقدساتنا بالحديد والنار، وإننا لنقبل هذا التحدي معتقدين أن الله تبارك وتعالى قد ادَّخر لنا فضل مقاومة هذا العدوان والقضاء عليه".<br />
<br />
<br />
== خطوات الإمام الشهيد وفعالياته ==<br />
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-في-مظاهرات-فلسطين-عام-1947م.jpg|تصغير|<center>'''الإمام [[حسن البنا]] يقود مظاهرات فلسطين عام 1947م'''</center>]]<br />
رغم أن الجماعة كانت في بداية نشأتها وتواجه مناخًا صعبًا من الاحتلال الإنجليزي والقوى السياسية القديمة المتربصة بها، وكذلك كان الشعب في غفلةٍ وفي حالةٍ من الأزمات الاقتصادية، وتشغل الطبقة المثقفة والوسطى منه القضية الوطنية، إلا أن اهتمام الإمام الشهيد وإدراكه لأهمية الوقت وخطورة الإحداث جعلته يسارع بالعمل في هذا الميدان، ويبذل جهدًا كبيرًا في توعية الأمة وإيقاظها لتتبنى هذا الأمر، وتُدرك مدى الخطر.<br />
<br />
واستطاع بفضل الله من سنة 1932م وحتى سنة 1942م أن يُحدث تحولاً كبيرًا في الشارع المصري.<br />
<br />
ثم يحول هذا التحول إلى وسائل ضغط، وإلى مسارات عملية للدعم والمساندة توجِّت بتفاعل قوي حاشد للأمة في عام 47-1948م تحت توجيه وقيادة [[الإخوان]].<br />
<br />
واضطرت القوى السياسية العلمانية أن تجاري الأمر، وتلحق بهذا الزخم الشعبي، واضطرت الحكومات أن تستجيب لبعض المطالب، وأن تزايد ببعض الشعارات.<br />
<br />
'''ونشير في إيجاز إلى بعض هذه الخطوات:'''<br />
<br />
'''1. التوعية العميقة لأفراد الجماعة، وكذلك توعية الأمة بالقضية وبالأحداث المتتالية بشتى الوسائل والسبل، وعلى سبيل المثال :'''<br />
<br />
أ- انتشار الإخوان في المساجد وفي القرى والنجوع؛ يشرحون للأمة ويوجهونها، وكان لهم دعاء يقنتون به في المساجد، ويردده آلاف الجماهير من ورائهم، ومن كلماته "اللهم غياث المستغيثين وظهير اللاجئين ونصير المستضعفين انصر إخواننا أهل فلسطين.....".<br />
<br />
ب- توظيف المناسبات للتذكير بالقضية والتركيز عليها فأصبح يوم 27 من رجب منذ عام 1933م يشهد احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج لخدمة القضية وإحياء ذلك في كل عام.<br />
<br />
ت- طباعة الكتب وكتابة المقالات والبيانات وتوزيعها على نطاقٍ واسع، وكمثال فقط "كتاب النار والدمار في [[فلسطين]]" عام 1938م، وقد قُبض على الإمام الشهيد بسببه ثم أُفرج عنه.، كتاب "كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب" عام 1946م، ثم توالت الكتب من علماء الإخوان ودعاتهم حتى يومنا هذا.<br />
كما توالت عشرات المقالات في مجلات وصحف الإخوان، وفي كلماتهم للأمة عام 1933، من هذه العناوين "فلسطين الدامية- فلسطين المجاهدة...إلخ".<br />
<br />
ث- ومن كلمات الإمام الشهيد في هذا الشأن: "إن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة هي لغة الثورة والقوة والدم" (من مقالة عام 1936)<br />
<br />
• "أيها المسلمون في أقطار الأرض إن فلسطين هي خط الدفاع الأول والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدافعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم".<br />
<br />
• "ليست قضية فلسطين قضية قطر شرقي، ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا".<br />
<br />
• "احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق.. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم تبرعوا بالأموال للأسر الفقيرة والبيوت المنكوبة والمجاهدين البواسل.. تطوعوا إن استطعتم لا عذر لمعتذرٍ فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان" (عام 1938م مجلة النذير).<br />
<br />
• "إن الصهيونية ليست حركةً سياسيةً قاصرةً على الوطن القومي لليهود أو الدولة المزعومة بالتقسيم الموهون، ولكنها ثمرة تدابير وجهود اليهودية العالمية التي تهدف إلى تسخير العالم كله لحكم اليهود ومصلحة اليهود وزعامة مسيح صهيون، وليست دولتهم الخيالية التي يعبرون عنها بجملتهم المأثورة من الفرات إلى النيل في عرفهم إلا نقطة ارتكاز تنقضُّ منها اليهودية العالمية على الأمة العربية دولة فدولة ثم على المجموعة الإسلامية أمة بعد أمة" (من بيانه للأمة عام 1947م).<br />
<br />
• "إنه لن تقوم في أية دولة صناعة ناجحة ولا تجارة رابحة، وستقضي المنافسة الصناعية والتجارية على كل أمل لهذه الأمم العربية والإسلامية في التقدم والنهوض، هذا فضلاً عن الفساد الاجتماعي الذي تحمل جراثيمه هذه الرءوس اليهودية الطريدة من كل دولة".<br />
<br />
• "إن الدماء التي خضبت أرض [[فلسطين]]، وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى.. وإن المسجد الأقصى الذي انتهكت حرمته.. كل أولئك يهيب بك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك من روح ومال؛ لتكون جديرًا بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن" (حسن البنا 1939م).<br />
<br />
ج- عشرات الندوات والمؤتمرات والمظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء القطر المصري رغم الأحكام العرفية التي فُرضت إبَّان الحرب العالمية، ومنها سلسلة المظاهرات العارمة في 36، وعام 1938م وما بعده، وقد قبض في هذه المظاهرات على أعداد من الإخوان منهم الشهيد يوسف طلعت في الإسماعيلية والحاج عباس السيسي في الإسكندرية.<br />
<br />
ومن أهم هذه المظاهرات المظاهرة الكبرى في ميدان الأوبرا بعد صدور قرار التقسيم، وكانت في 15/12/47؛ حيث جمعت فيها زعماء وقيادات مصرية وعربية، ومن الشخصيات التي تكلمت فيها: رياض الصلح (لبنان)، الأمير فيصل بن عبد العزيز (السعودية)، جميل مراد (سوريا)، إسماعيل الأزهري (السودان)، القمص متياس الأنطوني.<br />
<br />
<br />
'''2. إجراءات عملية للدعم والمساندة على المستوى الشعبي، وتشمل :'''<br />
<br />
أ- التبرعات وجمع الأموال لدعم المجاهدين والشعب الفلسطيني في محنته؛ وذلك من جيوب [[الإخوان]] ثم من عموم الأمة التي تفاعلت مع حملات التوعية.<br />
<br />
ب- في مارس 1935م تقدَّم [[الإخوان]] بمشروع جمع التبرعات والأموال لمساندة قضية فلسطين إلى كل الهيئات الشعبية.<br />
<br />
ت- حملة قرش [[فلسطين]] التي بدأت مع عام 1939م وتبناها الإخوان ونجحوا فيها.<br />
<br />
ث- حملة المقاطعة للمؤسسات اليهودية الموجودة في مصر، وقد بدأت من عام 1936م، وأصدر الإخوان بذلك قائمة بهذه المؤسسات، ودعت المصريين إلى عدم التعامل معها؛ حيث كانت تمول عملية الاستيطان اليهودي : "إن القرش الذي تدفعه لمحل من هذه المحلات إنما تضعه في جيب يهود فلسطين ليشتروا به سلاحًا يقتلون به إخوانك المسلمين في فلسطين".<br />
<br />
<br />
'''3. تحريك القوى السياسية والشخصيات الوطنية المصرية والعربية في مؤتمرات وفعاليات للخروج بإجراءات عملية لمساندة ودعم القضية، وتقديم المقترحات العملية في هذا الشأن، ومن أمثلة ذلك :'''<br />
<br />
أ- في عام 1936م دعا الإمام [[البنا]] إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والعلماء والمفكرين في مصر خاص بهذه القضية، وانبثق عن الاجتماع لجنة عليا لمساندة فلسطين برئاسة الإمام [[البنا]] وأعضاء من كبار العلماء والمفكرين، وأرسلوا برقيات المساندة للشيخ أمين الحسيني.<br />
<br />
ب- عقد مؤتمر عربي حاشد من أجل [[فلسطين]] في مصر بالمركز العام عام 1938م شارك فيه زعماء العالم العربي، وكان من بين المشاركين فارس الخوري رئيس وزراء سوريا.<br />
<br />
ت- وفي أكتوبر عام 1938م عقب نجاح المؤتمر العربي السابق تم عقد مؤتمر شعبي برلماني على مستوى العالم الإسلامي؛ حيث عقد في سراي آل لطف الله بالقاهرة وحضره وفود شعبية وبرلمانية من المغرب العربي والهند والصين والبوشناق المسلمين وبرلمانيون من مصر وسوريا ولبنان والعراق.. إلخ، بخصوص التحرك في هذه القضية.<br />
<br />
ث- إرسال الدعاة إلى بلدان جنوب شرق آسيا (أ- صالح عشماوي- أ- سعيد رمضان...إلخ) لشرح القضية والتواصل مع القوى السياسية بخلاف دعاتهم المنتشرين في جميع الأقطار العربية.<br />
<br />
ج- مخاطبة القوى الوطنية والمسيحية لمساندة هذه القضية ومنهم الأنبا يؤنس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وفي أكثر من بيان كان يذكرهم ويخاطبهم وكمثال كان عنوان أحد بياناته : "نداء إلى شعب الإخوان المسلمين بالقطر المصري وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء من أجل [[فلسطين]] المجاهدة".<br />
<br />
ح- في عام 1947م استجابةً لنداء الإخوان تم تشكيل هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس وأعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية في مصر، بالإضافة للإخوان، وقد نظمت أسبوعًا من أجل فلسطين لشرح أبعاد القضية وجمع التبرعات.<br />
<br />
خ- وفي عام 1947م نظَّم [[الإخوان]] المؤتمر الشعبي لنصرة فلسطين بالجامع الأزهر، وتكلَّم فيه اللواء صالح حرب وأحمد حسين (مصر الفتاة)، بالإضافة للإمام الشهيد، والذي تلا فيه بيان الإخوان بإعلان الجهاد المقدس لتحرير فلسطين، ومما جاء فيه: "لقد كان عندنا بقية أمل في الضمير العالمي، أما الآن فقد فجعنا في كل هذه الآمال، وكفرنا بهذا الإيمان، وبهذه الحكومات الجاحدة المضللة حكومات الغرب ودوله...".<br />
<br />
د- ومن المشاريع العملية التي تقدَّم بها [[الإخوان]] لتلك القوى على مستوى العالم العربي والإسلامي:<br />
<br />
• إنشاء صندوق عالمي إسلامي أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها من أصحابها حتى لا تتسرب لليهود، وقد أرسله للمؤتمر الإسلامي المنعقد بالقدس عام 1931م عقب ثورة البراق، كما أعاد تفعيله في مؤتمر 1938م المنعقد بالقاهرة مع توضيح أساليب اليهود لطرد أهل فلسطين من أراضيهم.<br />
<br />
• أن تتكون لجنة عامة لإنقاذ [[فلسطين]] بوادي النيل تعلن النفير العام وتنظم جهود المقاومة.<br />
<br />
• إنشاء لجان للدفاع عن المقدسات الإسلامية يكون مركزها الرئيسي في القدس أو مكة المكرمة وفروعها في العالم الإسلامي كله.<br />
<br />
• إنشاء جامعة فلسطين.<br />
<br />
• إصدار صحيفة إسلامية خاصة بالقضية تُوزَّع على مستوى العالم الإسلامي، وتعمل على التوعية بالقضية والتوجيه والإرشاد.<br />
<br />
• تنظيم المؤتمرات والفعاليات الشعبية على مستوى العالم الإسلامي والتواصل بين هيئاتها لصالح القضية.<br />
<br />
• أرسل مقترحًا لوزير الشئون الاجتماعية في مصر وقتها جلال فهيم باشا بتوظيف وتشغيل الشباب الفلسطيني الذي لا يجد مجالاً للعمل ثم تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم لفلسطين.<br />
<br />
• تقدم الإمام في سنة 1939م بمذكرة إلى علي ماهر رئيس الحكومة المصرية آنذاك طالب فيها بالعمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين إيقافًا تامًّا، واقتراح عليه إجراءات عملية.<br />
<br />
• برقية الإمام عام 1936م إلى رئيس وزراء مصر آنذاك يوضح فيها خطر اليهود، وأن علينا أن نستعد ونتهيأ لمواجهة هذا الخطر، وأن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة القوة.<br />
<br />
• التعاون مع جامعة الدول العربية، ودفعها إلى التحرك لأداء الدور المطلوب، وكان كثير الصلة بعبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة، وأرسل له عدة مذكرات يطالب بأن تتحرك بقوة لتضغط على الحكومات العربية لكي تأخذ الأمور بحزم وتعلن الجهاد.<br />
<br />
وفي برقيته إليه في 8 أكتوبر 1948م نصحه ألا ينخدع بهذه الحلول السياسية التي تعرضها القوى الكبرى مع سرعة الإعداد العملي لإنقاذ فلسطين.<br />
<br />
ومما جاء فيها: "إن الإخوان لا يرون سبيلاً لإنقاذ فلسطين إلا القوة، ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى في جيش الإنقاذ".<br />
<br />
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-وأمين-الحسيني.jpg|تصغير|<center>'''الإمام [[حسن البنا]] وأمين الحسيني مفتى فلسطين'''</center>]]<br />
4'''. التواصل مع أهل [[فلسطين]]،''' ومع قادتها وزعمائها للمساندة والتنسيق ودعم الجهاد هناك: كان الإمام حريصاً على إرسال رسائل التأييد والتشجيع لأهل [[فلسطين]]، ففى أحداث ثورة 1936 كتب يقول: " إن القضية الفلسطينية أعادت الجهاد مرة أخرى إلى الواقع، عندما قام الفلسطينيون يحسنون من جديد صناعة الموت .. " ثم خاطب أهل فلسطين يشدّ من أزرهم بعد نهاية أحداث ثورة 1936: " أيها الفلسطينيون لو لم يكن من نتائج ثورتكم إلا أن كشفتم غشاوات الذلّ وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما فى صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح، لكنتم الفائزين " أ. هـ<br />
<br />
أ- بدأ الإمام هذا التواصل مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني منذ عام 1929م، وكذلك تقدَّم له بمذكرة إجراءات عملية للمؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس عام 1931م، وقد تليت في المؤتمر وأُحيلت المقترحات إلى اللجنة التنفيذية المنبثقة عنه.<br />
<br />
ب- وكان الحاج أمين الحسيني يضع ثقته في [[الإخوان]]، وقد قال عنهم "إني أؤمن بالإخوان المسلمين؛ لأنهم جند الله الذين يهزمون جنود الشيطان".<br />
<br />
ت- الاتصال بالشهيد عز الدين القسام منذ عام 1933م وما بعدها، وتقديم الدعم والمساندة.<br />
<br />
ث- زيارة من وفد [[الإخوان]] في أغسطس 1935م لفلسطين إبَّان الثورة الكبرى للتنسيق والتواصل الميداني.<br />
ج- التواصل والتنسيق مع اللجنة العربية العليا بفلسطين، والتي تشكلت في نهاية عام 1936 بعد الثورة الكبرى بدعم ومساندة من [[الإخوان]].<br />
<br />
ح- أرسل الصاغ محمود لبيب للتدريب الميداني والصلح بين قادة منظمتي "النجادة" و"الفتوة" اللتان تجاهدان في فلسطين عام 1948م؛ وذلك لتحقيق الوحدة والتئام الصفوف.<br />
<br />
خ- من الوفود التي أرسلها الإمام الشهيد نذكر الأساتذة: عبد المعز عبد الستار- محمد أسعد الحكيم- عبد العزيز أحمد- عبد الرحمن الساعاتي- بخلاف الصاغ محمود لبيب والشيخ محمد فرغلي وآخرين غيرهم.<br />
<br />
وذلك للمساندة وتنظيم أعمال المقاومة والتمهيد لدخول [[الإخوان]] ميدان الجهاد في فلسطين، كما زار الإمام الشهيد نفسه أرض فلسطين انطلاقًا من غزة عند زيارته لمواقع المجاهدين.<br />
<br />
<br />
'''5. الضغط على الحكومات الأجنبية، واتخاذ المواقف القوية تجاه الأحداث، والتحرك على المستوى العالمي، ومن أمثلة ذلك:'''<br />
<br />
أ- توجيه خطابات التحذير للحكومات الغربية، خاصةً إنجلترا وأمريكا إزاء ما يقدمونه من دعمٍ للمشروع الصهيوني.<br />
<br />
ب- مذكرة احتجاج واستنكار أرسلها الإمام الشهيد في 12 أغسطس 1944م إلى وزير أمريكا المفوض للتنديد بالموقف الأمريكي المشئوم؛ حيث وقتها طالبت أمريكا بهجرة مائة ألف يهودي دفعةً واحدة.<br />
<br />
ت- وكذلك أرسل خطابًا مفتوحًا للحكومة والشعب الأمريكي بهذا الشأن؛ ومما جاء فيه: "إننا نحن- الإخوان المسلمين- باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية لنرفع عقائرنا محتجين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم" ".. ونحن باسم الإخوان المسلمين ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين في مختلف أقطارهم نحذر حكومتكم من الاسترسال في هذه السياسة الصهيونية الجائرة فإنها وحدها هي التي تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم في العالم العربي والإسلامي كله، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضًا عنها عند اليهود والصهيونيين..".<br />
<br />
ث- وعند اعتراف أمريكا بإسرائيل بعث الإمام [[البنا]] برقية إلى الرئيس ترومان قال فيها: "اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامي، وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية لهو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وستؤدي حتمًا إلى إثارة عداء دائم نحو الشعب الأمريكي، كما ستعرض مصالحه الاقتصادية للخطر وتودي بمكانتكم السياسية فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكي".<br />
<br />
ج- كما أرسل رسالة مشابهه إلى السفير البريطاني بالقاهرة يستنكر دورهم ويذكر فيها "إن الإخوان سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها".<br />
<br />
ح- وعندما صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة وجَّه الإمام [[البنا]] نداءً قويًّا ناشد فيه الحكومات العربية والإسلامية بأن تنسحب فورًا من الأمم المتحدة.<br />
<br />
خ- وأن تتهيأ الشعوب الإسلامية للدفاع عن [[فلسطين]]؛ وذلك بعد وضوح ضعف حكوماتها.<br />
<br />
د- وفي بيانه القوي الذي أعلنه في اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1942م أشار إلى "إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي [[فلسطين]]، وهذه الحقيقة يجب أن تضعها الدول المتحدة نصب عينها فصداقة المسلمين والعرب في كفة ومطامع اليهود في فلسطين في الكفة الأخرى".<br />
<br />
<br />
'''6. رفض المشاريع والحلول الجزئية التي تعطي لليهود أي حق في [[فلسطين]] والضغط الشعبي والعملي على الحكومات لرفض ذلك:'''<br />
<br />
أ- رفض مشروع التقسيم الثلاثي الذي تقدَّمت به اللجنة الملكية البريطانية عام 1937م تحت ضغط حركة الجماهير وثورة أهل [[فلسطين]] الكبرى؛ حيث اقترحت تقسيم أرض [[فلسطين]] إلى ثلاثة أقسام قسم لليهود وآخر للعرب وثالث يبقى تحت سيطرة بريطانيا مباشرة.<br />
<br />
ب- وقد أكد الإمام الشهيد مع الرفض القاطع أن هذا المشروع يعني القضاء على حقوق العرب كلها "ولن يخطر ببال عربي واحد أن يفكر فيه فضلاً عن أن يقبله".<br />
<br />
ت- ورفض الإمام [[البنا]] الكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانية لمحاولة استيعاب الموقف عام 1939م وخداع الشعوب العربية.<br />
<br />
ث- رفض [[الإخوان]] مشروع اللجنة الأمريكية البريطانية الذي يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛ وذلك قبل عرضه على الأمم المتحدة.<br />
<br />
ج- وعندما أجازته في نوفمبر 1947م استنكر الإمام، وشنَّ عليه حملةً قوية، وطالب بانسحاب الدول العربية والإسلامية من الأمم المتحدة، وأرسل إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ووزير خارجية أمريكا معلنًا هذا الرفض.<br />
<br />
<br />
'''7. المشاركة العسكرية الميدانية داخل [[فلسطين]] وقتال العصابات الصهيونية:'''<br />
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-المتطوع-رقم-1-في-حرب-فلسطين.jpg|تصغير|'''<center>الإمام البنا المتطوع رقم ا لحرب فلسطين </center>''']]<br />
أ- وقد بدأ هذا الاستعداد مبكرًا بإنشاء النظام الخاص وتدريبه للجهاد في [[فلسطين]] وعلى ضفاف القناة ضد الإنجليز.<br />
<br />
ب- التواصل الجهادي منذ عام 1935م والمساعدة في جمع السلاح وإيصاله للمجاهدين داخل فلسطين، وكان الصاغ محمود لبيب على صلةٍ وثيقة بالشهيد عبد القادر الحسيني لهذا الأمر، وأصبح هو ضابط الاتصال بين الإخوان والهيئة العربية العليا في شئون التسليح المشكلة لفلسطين.<br />
<br />
ت- وكان هذا محورًا أساسيًّا في عام 1946م وما بعدها الدفع بالمئات من شباب [[الإخوان]] المجاهدين إلى أرض [[فلسطين]] رغم كل محاولات الإنجليز لمنع ذلك ومساعدة الحكومة المصرية فى هذا المنع إلا أنه وبصورة هادئة تمكَّن شباب الإخوان من التسلل إلى أرض فلسطين عقب نهاية الحرب العالمية الثانية . ثم تحت الضغط الشعبي الذي قاده الإخوان تمكَّنوا من إرسال كتائبهم المجاهدة تحت مظلة جامعة الدولة العربية، وأنشأوا لها معسكرات التدريب وجمع السلاح لها، وعندما تطورت الأحداث على أرض [[فلسطين]] أعدوا عشرة آلاف كان الإمام سيدخل معهم أرض [[فلسطين]]، لكن وقفت الحكومة ضد ذلك وأعلنت قبول الهدنة ثم اغتالت الإمام الشهيد وزجَّت في السجون بالمجاهدين داخل وخارج مصر بناءً على توجيهات وتعليمات القوى الكبرى المساندة لليهود.<br />
<br />
ث- كان لدخول [[الإخوان]] أرض [[فلسطين]] تأثير كبير، وشكَّلوا خطرًا شديدًا على اليهود الذين ضجَّوا بالشكوى، وطالبوا بسرعة التدخل لإيقاف ذلك، وكانت روح الجهاد والتضحية سمة بارزة عندهم .. فمثلاً عُرض على كتيبة الإخوان التابعة للجامعة العربية بقيادة أحمد عبد العزيز، رواتب من الجامعة العربية ، فردّوا جميعاً: لا نريد رواتب.. وهذا بخلاف كتيبة [[الإخوان]] المستقلة بقيادة الشيخ محمد فرغلى وقد بلغ عدد أفرادها 217 متطوعاً... يقول د. أحمد الملط رحمه الله (من قيادات الإخوان والذين تطوعوا للذهاب لفلسطين) : " لقد أرسل وراءنا سليمان باشا مدير الهلال الأحمر المصرى، وقال اطلبوا ما شئتم من المرتبات لأننا أعلنا فى الصحف نطلب أطباء برواتب مغرية فلم يتقدم أحد "...ويستطرد د. أحمد قائلاً: " كنا ثلاثة أطباء من الإخوان : أنا ود. حسان ود. خطاب، فقلنا لا نريد إلا الطعام والمأوى... وهكذا كان [[الإخوان]] يتدافعون للدخول إلى أرض فلسطين بهذه الروح ولولا العقبات الشديدة التى وضعتها الحكومة وقتها والاحتلال الإنجليزى لدخلوها بعشرات الآلاف .<br />
<br />
<br />
'''8. لقد تقدَّم الإمام [[البنا]] للحكومات والهيئات السياسية في مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين بمشروعين:''' <br />
<br />
مشروع سياسي ومشروع عسكري جهادي متلازمين، وبلور المشروع السياسي في المذكرة التي أرسلها لجامعة الدول العربية عام 1947م بأن تتحرك الجامعة للضغط على الحكومات العربية باتخاذها موقفًا موحدًا، وإعلانها جميعًا الجهاد حتى تجلو الصهيونية عن البلاد أو يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب في ظل الدولة الفلسطينية الحرة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب العالمية.<br />
وأن يكون الواقع الميداني على أرض فلسطين هو الحاسم في فرض هذا الأمر.<br />
<br />
وأما المشروع العسكري فقد كان حول الاعتماد على المقاومة الفاعلة الميدانية وإعطاء الغطاء الشرعي لها والدعم اللوجستي من الحكومات العربية خاصةً المتاخمة لحدود فلسطين.<br />
<br />
وأن تدع الحكومات فصائل المقاومة الفعالة من جميع الشعوب العربية والإسلامية وهي كثيرة أن تتحرك على ميدان فلسطين دون أن تلتزم هذه الحكومات بشيء أمام هيمنة الدول الكبرى عليها؛ وبذلك تستطيع أن تهرب من الضغط الذي تتعرض له.<br />
<br />
وأن تكون هذه المقاومة مكافئة للواقع الذي تواجهه وتستطيع دحر وهزيمة العصابات الصهيونية، وأنها لن تقف عند أي حدود حتى تحقق الهدف وتغير الواقع الميداني على أرض [[فلسطين]].<br />
<br />
لكن هذه الحكومات العربية الهزيلة رفضت ذلك وانتهزتها فرصة للاستعراض وكسب البطولات وإطلاق الشعارات دون أن تدرك الواقع بعمق، وأن موازين القوى قد تغيَّرت بين جيوشها وبين تلك العصابات الصهيونية.<br />
<br />
* ما أشرنا إليه هو أمثلة موجزة فقط لتوضيح أبعاد الرؤية وآليات التعامل من جانب الإخوان، أما تفعيل الأمور وجمع كل الحقائق فما زال يحتاج إلى بحث شامل ومجهود كبير، خاصةً أن الكثير لم يمط عنه اللثام ولم يُسجَّل حتى الآن.<br />
<br />
ومع ما قدَّمه الإمام [[البنا]] إلا أنه اختطَّ لجماعته مشروعًا إستراتيجيًّا بعيد المدى بشأن هذه القضية يرسخ فيه مبدأ المقاومة، ويوظف طاقات الأمة، ويحافظ على الثوابت والأهداف.<br />
<br />
وهو ما يحتاج أن نشير إليه في المقالة القادمة مع تناول ما قام به بالدراسة والتحليل إن شاء الله.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(2)&diff=643331حول القضية الفلسطينية (2)2012-02-21T09:42:18Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> حول قضية فلسطين (2)</center>'''<br />
<br />
'''<center>مع مشروع [[الإخوان]] بشأن قضية [[فلسطين]] </center>'''<br />
<br />
'''بقلم: د. [[محمد عبدالرحمن]] ...عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
<br />
== مقدمة ==<br />
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-بغزة.jpg|تصغير|<center>'''الإمام [[حسن البنا]] فى غزة أثناء زيارته لفسطين'''</center>]]<br />
لم يتناول الإمام الشهيد مشروعه الإستراتيجي بشأن القضية الفلسطينية كمشروعٍ منفصل، وإنما جعله ضمن المشروع الإسلامي المتكامل الذي يعمل له، وأعطى فيه للقضية وضعها المناسب وثقلها المهم.<br />
<br />
وقد وضع له أهدافًا واضحةً ومساراتٍ محددة، كذلك كانت قراءته للواقع دقيقة ومبكرة وإجراءاته لمواجهة هذا الواقع عملية ومكافئة، واستشرافه للمستقبل وقراءة ما يحمله غير غائبة.<br />
<br />
وكان رحمه الله يُدرك مراحل القضية وتطوراتها المستقبلية وحجم التضحيات المطلوبة، وكيف تواجه الجماعة ذلك، كان يدرك بوضوح أن الجماعة كلها مستهدفة، وأن رأسه على الأخص مستهدف كمحاولةٍ من قبل القوى المعادية لإيقاف الجماعة وإبعادها عن القضية، وقد نال رحمه الله الشهادة في سبيل ذلك.<br />
<br />
'''وفي السطور القادمة نحاول أن نلقي نظرةً إجماليةً موجزة فيها بعض التحليل والدراسة عن دور [[الإخوان]] الذي سبق أن أشرنا إليه بإيجاز ...'''<br />
<br />
<br />
== الأسس التي تقوم عليها الرؤية الإستراتيجية للمشروع الإسلامي ==<br />
<br />
'''حدد الإمام الشهيد أسس ومنطلقات دائمة ومستمرة يقوم عليها المشروع الإسلامي في التعامل مع القضية الفلسطينية، نشير بإيجاز إليها:'''<br />
<br />
1. وضع القضية الفلسطينية في وضعها الصحيح ضمن المشروع الإسلامي المتكامل الذي تحمله وتعمل له الجماعة، فهي قضية محورية ومعركة الإسلام الأولى في ذلك العصر.. وهي في نفس الوقت ضمن المحاور الأساسية لهذا المشروع، والذي يجب أن يسير متوازيًا في جميع محاوره.<br />
<br />
2. أن العمل على هذه القضية طوال مسيرة الجماعة سيحتاج إلى تضحيات كثيرة يجب أن تعد الجماعة نفسها لها، ولا توزن هذه التضحيات بحجم الفائدة منها، وإنما بأهمية الحدث والموقف ومسئولية الجماعة في المواجهة.<br />
<br />
3. أن تحرص الجماعة على استمرار مشروعها في المواجهة مهما قلَّت الإمكانيات، وألا تُستدرج من قبل الأعداء فيتمكنوا من إنهاء حركتها أو إشغالها بعيدًا عن أصل القضية.<br />
<br />
4. الحرص على الثوابت والمبادئ في هذه القضية والثبات عليها مهما كانت الضغوط ومهما ضعفت الإمكانيات.<br />
<br />
5. أن المعركة طويلة جدًّا، وستشمل أجيالاً عدة، وأن الأمر يحتاج إلى النفس الطويل وإلى خطوات متدرجة.<br />
<br />
6. أهمية بقاء روح المقاومة والجهاد مشتعلة في النفوس حتى وإن سُجن أفراد الجماعة أو مُنعوا من التحرك العملي للتعبير عن ذلك.<br />
<br />
7. أهمية إيقاظ الأمة وإشراكها وحشدها في هذه القضية والتركيز على المنطلق الإسلامي ومساندتها لهذا المشروع مشروع المقاومة والجهاد لهذا العدو المغتصب.<br />
<br />
8. أهمية وضوح الثوابت الإسلامية في هذا الأمر مهما علا صخب المشروعات الأخرى وما تحمله من شعارات براقة تبتعد بها عن هذا الأصل، وتلك الرؤية الإسلامية.<br />
<br />
9. إخراج القضية عن مجرد حصرها في الفلسطينيين والأمة تساعدهم، إلى الرؤية الإسلامية أنها قضية كل مسلم، فهي قضية الأمة الإسلامية جمعاء لا يملك أحد أن يُفرِّط فيها حتى ولو تخلَّى عن هذه الثوابت أهلها.<br />
<br />
10. أن تكون الرؤية الإستراتيجية في المشروع الإسلامي هي الحاكمة والموجهة لأي عمل أو تكتيك أو سياسة متبعة.<br />
<br />
11. عدم الانخداع بالمؤسسات الدولية والتلويح بسياسة المفاوضات والحلول الجزئية أو القبول بأن ذلك هو البديل المتاح.<br />
<br />
12. اليقين والأمل في نصر الله مهما أحرز الأعداء من نجاح أو طال الزمن.<br />
<br />
<br />
== منهجية الإمام الشهيد وما تميز به ==<br />
<br />
تميَّز الإمام الشهيد بمنهجية واضحة محددة سواء في تعامله مع الآخرين، أو في تعامله مع الأحداث والمواقف أو في تناوله للأمور بصفةٍ كلية.<br />
<br />
فنرى في تعامله مع الآخرين الحرص على التواصل مع كل القوى السياسية والوطنية والمؤسسات والحكومات العربية... إلخ.<br />
<br />
وإيجاد مساحة مشتركة للتعاون مع توضيح أبعاد هذه القضية لهم ومساحة الخطر التي تشمل الجميع، وكذلك استخدام وسائل النضال السلمي والشعبي لدفع الحكومات إلى اتخاذ مواقف إيجابية وتقوية ظهرها أمام الضغوط الأجنبية مع الحرص على احترام القانون والدستور، وعدم الوصول إلى حالة الفوضى أو الصراع.<br />
<br />
الحرص على دعوة الإخوة المسيحيين وإشراكهم كأبناء وطن واحد في هذه القضية المهمة، وكان الإمام الشهيد في أكثر من بيان يوجه ندائه "إلى الإخوة المسيحيين الأعزاء.."، وقد شاركوا الإخوان في المؤتمرات والمظاهرات، وألقوا الكلمات، <br />
<br />
'''ومن المميزات التي ظهرت في أسلوب تعامل الإمام الشهيد مع الموقف نذكر:'''<br />
<br />
'''1. الإدراك العميق لأبعاد هذه القضية:'''<br />
<br />
أ- كان هذا الإدراك مبكرًا ومستوعبًا لمدى خطورة هذا المشروع الصهيوني وأهدافه، ولم يتعامل مع الاحتلال الإنجليزي لفلسطين كمجرد استعمار لبلد إسلامي.<br />
<br />
ب- الإدراك العميق لمَن يقف وراء هذا المشروع ويسانده بقوة من اليهودية العالمية والقوى الكبرى.<br />
<br />
ت- الإدراك العميق لواقع الأمة الإسلامية حكامًا ومحكومين.<br />
<br />
ث- الإدراك العميق لطول المواجهة واتساعها واستمرارها أجيالاً متتابعة.<br />
<br />
<br />
'''2. القدرة على تحويل الرؤية الإستراتيجية إلى منهجية وإجراءات عملية في الواقع:'''<br />
<br />
أ- بناء جيل رباني قوي يفهم القضية بعمق ويحافظ على ثوابتها ويجعلها في أهدافه الرئيسية، ويعمل لها في كل الظروف والأحوال، ويتواصل في ذلك جيلاً بعد جيل.<br />
<br />
ب- التركيز على الشعوب العربية والإسلامية بكل طوائفها وإيقاظها وتوعيتها وإشراكها في العمل لهذه القضية، وعدم الاعتماد على الحكام في ذلك، وإنما محاولة التأثير عليهم لتحقيق بعض الاستفادات.<br />
<br />
ت- إرساء معالم المقاومة بكل أبعادها وتأكيد استمرارها رغم كل الظروف حتى وإن ضعفت الإمكانيات.<br />
<br />
ث- القدرة على التصدي لكل محاولات الخديعة أو المساومة أو الاستدراج للانحراف عن الأهداف أو الثوابت والمنطلقات الإسلامية لهذه القضية، مهما كان الإغراء أو اشتد الضغط والإيذاء.<br />
<br />
<br />
'''3. إتباع سياسة شاملة في الحركة والمواجهة:'''<br />
<br />
أ- جعل القضية محورًا أساسيًّا ضمن مشروع إسلامي متكامل.<br />
<br />
ب- الاهتمام بالبناء الفكري والرؤية الإسلامية لتأكيد الوعي وتحصين الأمة.<br />
<br />
ت- عدم اقتصار المقاومة على مجال أو شكل واحد، وإنما بكل أبعادها وجوانبها.<br />
<br />
ث- الحرص على شمول ذلك للأمة الإسلامية وشعوبها وأجيالها.<br />
<br />
ج- الاهتمام بالبنية التحتية للمقاومة.<br />
<br />
ح- الاهتمام بالأمل وترسيخه لدى الأمة مهما طال زمن المعركة أو تأخَّرت النتائج.<br />
<br />
خ- العمل على كل المحاور والأصعدة المحلية والدولية.<br />
<br />
<br />
<br />
== رؤية الإمام الشهيد وتطور الأحداث في القضية ==<br />
[[ملف:الإمام-حسن-البنا-يساعرض-كتائب-الإخوان-في-حرب-فلسطين.jpg|تصغير|<center>'''الإمام [[حسن البنا]] يستعرض كتائب الإخوان في حرب فلسطين'''</center>]]<br />
كان للإمام الشهيد رؤيته الثاقبة التي لا تخدعها الشعارات الحماسية أو ضجيج الأحداث، فمع كل المجهودات التي بذلها والمئات من شباب الإخوان الذين زحفوا إلى فلسطين رغم كل المعوقات التي واجهتهم، إلا أنه أدرك أن هؤلاء الصهاينة اليهود سيتمكنون من الاستيلاء على فلسطين في تلك المرحلة، بل أدرك ذلك مبكرًا عندما عاد رسله من [[فلسطين]] بتقرير يؤكد أن الدولة اليهودية قائمة لا ينقصها إلا الإعلان عنها.<br />
<br />
لكن بفضل الله نجح في وضع الأمة الإسلامية على الطريق الصحيح للمقاومة، ورسَّخ فيها الرؤية السليمة للمواجهة، وأعدَّ جماعته ومشروعه الإسلامي لمعركةٍ طويلةٍ تمتد أجيالاً لتحسم فيها تلك القضية المهمة وتُبطل المشروع الصهيوني.<br />
<br />
'''يقول رحمه في عام 1948م عندما كانت تأتيه أبناء المعارك، ومَن استشهد فيها:'''<br />
<br />
"إن إسرائيل ستقوم لأن حركتها حركة عقيدة، إن الطريق طويل.. طويل رهيب وهذا الدم العزيز المسفوح (أي يقصد دماء الشهداء) لا يعوض والمعركة الكبرى معركة الإسلام التي ربينا لها هذا الشباب لا تزال أمامه، أما إسرائيل ستقوم وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل غيرها؛ وذلك طريقنا الذي لا يجوز أن تفتنا عنه وجوه المعارك والبطولات، إننا أصحاب رسالة ترفض الأمل الكاذب في سياسة لا يحكمها الإسلام، وفي كل جهاد لا تحكمه كلمة الله وإن على شعوبنا أن تميز بين ذوي العقيدة المجاهدين وبين عبث المتحللين من ساسة وعسكريين، وإننا إنما نحتسب هذا الدم العزيز المسفوح إعذارًا إلى الله.. وتذكيرًا لهذه الأمة إن كانت تنفع الذكرى".<br />
<br />
ولقد كان الإمام الشهيد يعلم جيدًا ما سيترتب على ظهور الإخوان بإمكانياتهم داخل المجتمع، وفي ساحة القتال وقدرتهم على مواجهة اليهود، وكان يدرك حجم الضربة التي ستوجه للدعوة والجماعة وهو على رأسها، ولكن الأمر يمثل مبدأً وعقيدةً لا يجوز التراجع فيها أو السكوت عنها.<br />
<br />
<br />
== هل تراجع المشروع الإسلامي بعد استشهاد [[حسن البنا]] ؟ ==<br />
<br />
بالنظر إلى حجم الفعاليات التي تحرك بها الإخوان في حياة الإمام، وحجمها بعد استشهاده قد يُظن بأن المشروع الإسلامي قد تراجع، لكن هذه الرؤية السطحية لا تضع الواقع الخارجي والضغوط التي كانت تمر بها الجماعة فى الاعتبار، وكذلك لا يوجد تحت يديه الكثير من الأعمال والأنشطة التي كانت تتم في هدوء دون إعلان ظاهر لدور الجماعة فيها.<br />
<br />
إن المقياس هنا في هذه الظروف لا يكون بحجم الأعمال وقتها، وإنما بمدى التمسك بالثوابت والعمل وفق المشروع الإسلامي وإكسابه الروح التي يحتاجها والعزيمة التي يتطلبها والإعداد الجيد المستمر.<br />
فمع تصاعد الأحداث في بداية عام 1949م وتوجيه ضربة أمنية قوية للإخوان في مصر أرسل الإمام الشهيد للمجاهدين في [[فلسطين]] ألا يشغلهم ما يحدث في مصر، وأن مهمتهم هناك لم تنتهِ بعد ثم تصاعدت الضربات باغتيال الإمام الشهيد والزج بآلاف [[الإخوان]] في السجون بل واعتقال المجاهدين، ولم تمض مدة قليلة حتى جاءت محنة 1954م عنيفة متصاعدة تستهدف إقصاء الجماعة والقضاء عليها تمامًا مستخدمة القتل والتعذيب والتشريد والسجن الطويل الذي امتدَّ حوالي ربع قرن.<br />
<br />
لكنَّ أفراد [[الإخوان]] ومجموعاتهم الصغيرة الذين نجوا من محرقة الاعتقالات واصلوا حمل السلاح ومقاومة اليهود بعمليات فدائية في صحراء النقب، وانطلاقًا من غزة رغم توجيه النظام الناصري أكثر من ضربة لقيادتهم في غزة فاعتقل الشيخ أحمد ياسين، وكذلك هاني بسيسو الذي توفي في السجن، وكانت هذه العمليات تسبب إزعاجًا للعدو الصهيوني، والذي اشتكى من ذلك مرارًا قبل حرب 1967م، وفي منتصف الخمسينيات تعرَّض الإخوان في غزة لاختبار شديد بانفصال مجموعة من شباب الإخوان هناك تحت اسم مشروع "فتح" منهم (خليل الوزير- صلاح خلف- ياسر عرفات.. إلخ).<br />
<br />
وعقب حرب 1967م والهزيمة التي حدثت خفت القبضة الحكومية على نشاط [[الإخوان]] وحركتهم قليلاً فتحرك الإخوان، وأقاموا معسكرات لهم في الأردن تحت اسم "فتح" مستفيدين من شرعية هذه اللافتة، وعُرفت هذه المعسكرات بمعسكرات الشيوخ، وكانت تتكون من سبع سرايا، وشارك فيها إخوان من مختلف الأقطار.<br />
<br />
وكانت لهم عمليات متميزة داخل الأرض المحتلة، وخاضوا معارك مهمة من أهمها معركة "الكرامة"، معركة "المشروع" أو الحزام الأخضر عام 69، معركة 5 يونيو 1970م، وعملية [[سيد قطب]] عام 1970م، وبلغ شهداء الحركة الإسلامية في هذه المعارك ثلاثة عشر شهيدًا منهم الأخ صلاح حسن من إخوان السيدة زينب بمصر.<br />
<br />
ومع مناخ الانفتاح الذي حدث في عام 1973م ازداد نشاط [[الإخوان]] في مصر و[[فلسطين]]، وأسس الشيخ أحمد ياسين المجمع الإسلامي عام 1973م في غزة، وفي أوائل الثمانينيات تم تحديد الرؤية العملية لتفعيل المقاومة ضمن مشروع جهادي متكامل متعدد المراحل.<br />
<br />
ففي عام 1982م في إحدى الدول العربية تم عقد مؤتمر لرجال الحركة الإسلامية في الضفة وغزة والمهجر، وتم وضع الخطوات اللازمة لذلك وتنشيط استكمال بناء البنية التحتية والقاعدة الشعبية التي تحتاجها، مع تصعيد في العمل الجهادي الذي سبب للعدو داخل [[فلسطين]] الكثير من الإزعاج، وفي عام 1984م اعتقلت السلطات الصهيونية الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من القيادات بتهمة المقاومة المسلحة، وحُكم عليه بالسجن 13 عامًا أمضى منها 11 شهرًا ثم خرج ضمن صفقة تبادل للأسرى، لكنه في أثناء السجن عام 1984م مع قيادات الحركة اتخذت القيادة قرارها بمشروع الانتفاضة والمقاومة الشعبية، وبدءوا في الخطوات والإجراءات التمهيدية.<br />
<br />
وفي ديسمبر 1987م إثر حادث جباليا وتظاهر الفلسطينيون بالمخيم بشأنه، في مساء ذلك اليوم التقت قيادات الحركة بغزة في منزل الشيخ أحمد ياسين، وأصدروا قرار إشعال الانتفاضة والبدء بالتصادم مع قوات الاحتلال، وتصعيد ذلك وحشد الشعب في هذا الاتجاه، وبعد أسبوع من الفعاليات الناجحة تم إعلان البيان الأول للانتفاضة وإشهار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ثم تطوير الانتفاضة إلى انتفاضة مسلحة والدخول في المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني وإرباكه وتكبيده الخسائر رغم التضحيات الضخمة التي استشهد فيها أجيال من قيادات الإخوان هناك.<br />
<br />
وفي مصر انطلق [[الإخوان]] يعيدون تعبئة الشعب المصري وتوعيته بهذه القضية، والدور المطلوب منه، ومنذ عام 1977م وما بعده وهم يتعرضون للتهديد والإغراء بالسكوت على كامب ديفيد أو اتفاقية السلام مقابل عدم التضييق عليهم، لكن رفض [[الإخوان]] ذلك، واستمروا في مشروعهم؛ مما عرضهم للاعتقالات والتضييق، واستشهد داخل السجن كمال السنانيري، وغيره من [[الإخوان]] .<br />
<br />
ورغم استمرار أسلوب التضييق والحصار وتصاعد الضربات الأمنية لهم إلا أنهم استمروا في التحرك الواعي لدعم القضية ومساندتها بكل الوسائل رغم الآلاف الذين تم اعتقالهم وحبسهم أكثر من مرة ورغم المحاكمات العسكرية المتكررة لقياداتهم.<br />
<br />
وأصبح اليوم المشروع الإسلامي الذي يقوده [[الإخوان]] هو الذي يواجه العدو الصهيوني ومشروعه التوسعي، وكذلك يواجه المشروع الأمريكي ويعرقل الكثير من فعالياته.<br />
<br />
<br />
== ضغوط ومنزلقات واجهت [[الإخوان]] ==<br />
[[ملف:Ikhwan-logo1.jpg|يسار|200بك]]<br />
'''لقد واجه [[الإخوان]] ضغوطًا ومنزلقات كثيرة ثبتوا أمامها كانت كفيلة بجعلهم ينصرفون عن مشروعهم أو على الأقل يؤجلونه، ومن ذلك:'''<br />
<br />
1. أول هذه الأمور كجزء من واقع الأمة، هو انصراف الشعب والحكومة عن تلك القضية فكان على الجماعة أن تبذل جهودًا مضاعفةً لتوعية الأمة وإرغام المسئولين على الاستجابة لشعوبها فانتشروا في المساجد، وجابوا البلاد طولها وعرضها، وأخرجوا المظاهرات، وأقاموا المؤتمرات حتى تحرَّك الشعب واستجابت الحكومة لضغوطه إلى حدٍّ ما.<br />
<br />
2. أنه مع معرفة نتيجة المعركة وقدرة العدو على النجاح في الاستيلاء على فلسطين ووضوح حجم التضحية التي ستقدمها الجماعة وما يترتب على ذلك من مواجهة إلا أن قرار القيادة بالدخول العسكري المباشر في المعركة كان قرارًا وفق إستراتيجيتها ووفق أهدافها ورؤيتها الإسلامية.<br />
<br />
3. عندما تم شن حملة الإبادة والإقصاء للجماعة وأفرادها، خاصةً في مصر وغزة حرصت الجماعة على استمرار رؤيتها الإسلامية، وعلى استمرار روح المقاومة والجهاد وتربية أفرادها عليها، بل والمشاركة العملية حتى ولو كانت فردية أو صغيرة إذا أتيحت لها فرصة في ذلك.. وإن الراصد لهذه المرحلة ليندهش كيف تحرص الجماعة على ذلك رغم الحرب الضروس عليها وتغييب أغلب أفرادها وقيادتها داخل السجون ومطاردة الباقين خارجه.<br />
<br />
4. طول الوقت الذي كان لازمًا لإرساء البنية التحتية لمشروع المقاومة، والذي يجب أن يستمر رغم الفرقعات الإعلامية من المشاريع الأخرى والضغوط على الجماعة لاستعجالها أو اتهامها بالتقصير والخوف.<br />
<br />
5. عندما تم اختبار مدى تمسكها بإستراتيجيتها وثوابتها الإسلامية في الحركة؛ وذلك عند انشقاق المجموعة التي أسست "فتح".<br />
<br />
وقد تقدَّم به مجموعة من شباب [[الإخوان]] في 1957 على رأسهم خليل الوزير، وهو يستهدف التركيز على الجانب العسكري للمقاومة، ولا يشترط الأهداف والمنطلقات الإسلامية أو البرنامج التربوي الإسلامي، وعندما رفضت القيادة في غزة تأسست عام 1958 حركة "فتح"، واستثمروا المساحة المشتركة وغموض العلاقة في استنزاف وضم أعداد غير قليلة من [[الإخوان]]، لكن في عام 1960م تم عقد لقاء بين ممثلي [[الإخوان]] الفلسطينيين في [[غزة]] وفي المهجر العربي لتحديد العلاقة مع "فتح" والفصل التام بينها وبين [[الإخوان]]، وتحديد قيادة مشتركة للإخوة الفلسطينيين داخل وخارج الأرض المحتلة.<br />
<br />
وفي عام 1966م تم تمثيل الإخوان الفلسطينيين في المكتب التنفيذي للإخوان في الدول العربية.<br />
<br />
6. تعرضت الجماعة للمساومة على مشروع المقاومة بمكاسب سياسية مقابل التنازل عن بعض الثوابت واستخدام الحصار وشتى الضغوط لتحقيق ذلك، لكن فشلت كل تلك المحاولات أمام صمودها وثباتها.<br />
<br />
7. الزخم الإعلامي الذي حظيت به المشاريع الأخرى التي لا تتبنى الرؤية الإسلامية وتأثير ذلك على أفراد الصف وعلى القيادة التي كانت تُعطي أولوية للبنية التحتية وتجهيز الأرض لمقاومة فعَّالة مستمرة.<br />
<br />
'''كان الإخوان أيضًا يُحذِّرون من أمرين في طريق تناول القضية على مستوى حكام الأمة العربية:'''<br />
<br />
أ- إخراج أهل [[فلسطين]] من معادلة المواجهة والصراع وإهمالهم بحجة تولي الحكومات العربية هذا الملف، وكان هذا في الفترة الأولى.<br />
<br />
ب- والطريقة الأخرى وإن كانت عكس ذلك، وهي حصر القضية في أهل [[فلسطين]]، وإلغاء البعد العربي الإسلامي وتضييق دوره إلى مجرد مساعدة معنوية، وكان هذا هو السائد حتى عصرنا الحالي، بل تم حصر تمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني في فصيل واحد تفاهموا معه على كيفية إنهاء القضية وتهدئة الأحوال وتقديم التنازلات.<br />
<br />
<br />
== ظاهرة متلازمة في مسار الأحداث ==<br />
<br />
'''في حياة [[جماعة الإخوان المسلمين]] السياسية ظاهرة متلازمة، وإن كان ليس لدينا الآن وثائق لكشفها، لكن تكرارها يؤدي إلى تأكيدها، وهي:'''<br />
<br />
• التلازم بين التضييق والمحن التي تمر بها الجماعة، مع توسع نشاط الكيان الصهيوني.<br />
<br />
• ففي عام 1949 تم توجيه ضربة قوية للجماعة واغتيال قائدها الإمام الشهيد، ليتمكن الكيان الصهيوني من فرض سيطرته على أرض [[فلسطين]].<br />
<br />
• وفي عام 1954 دخل [[الإخوان المسلمون]] في مصر في محنة شديدة، وتم حل الجماعة وطورد أفرادها وبعدها في عام 1956 تم احتلال سيناء وانتزاع قرية أم الرشراش منها ميناء "إيلات" الآن، وفتح خليج العقبة أمام الكيان الصهيوني.<br />
<br />
• وفي عام 1965م أعيد نفس السيناريو وبنفس الضراوة، ثم حدثت هزيمة 1967م، وضاعت غزة والضفة و[[القدس]] والجولان وباقي سيناء.<br />
<br />
• وكذلك في عام 1981م في عقد معاهدة السلام وفرضها على الشعب المصري كانت الاعتقالات للإخوان، وفي عام 1995م سلسة المحاكمات العسكرية في وقتٍ قام العدو بتوسيع حدود مدينة القدس وأعلنها عاصمة أبدية له.<br />
<br />
• وهكذا مع كل جولة وضربة توجه للجماعة نجد نشاطًا متزايدًا للعدو الصهيوني وحملة جديدة ضد [[الإخوان]] تبدأ بنشر الأكاذيب لتضليل الرأي العام ثم الاعتقالات.<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(3)&diff=643330حول القضية الفلسطينية (3)2012-02-21T09:42:11Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> حول القضية الفلسطينية (3)</center>'''<br />
<br />
'''<center> مقارنة بين المشروع الإسلامي والمشروع القومي العلماني</center>'''<br />
<br />
'''بقلم: د. [[محمد عبدالرحمن]] ...عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
<br />
== مقدمة ==<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
كانت الأمة العربية وكذلك الإسلامية تمر بمرحلة حرجة من الضعف والتمزق والانقسام بعد الحرب العالمية الأولى إلى دول وأقطار يحتل أغلبها الاستعمار، ومع بداية تزايد الروح القومية في شتى الأقطار تحاول أن تحصل على حريتها وتستقل ببلادها، كانت صيحات المقاومة موجودة، ولكنها قليلة، لا تحمل رؤيةً كاملةً، وكانت حركات المقاومة المسلحة ضعيفة، وقدَّمت تضحياتٍ كثيرة، لكن تمكَّن المحتل المتفوق عسكريًّا من ضربها وإزالة خطرها عليه.<br />
<br />
كانت الروح الإسلامية والروح القومية تصبُّ في وعاءٍ واحد وكأنها انتماء واحد لا تعارض فيه، وكان هذا سمت الشخصيات الوطنية التي كانت تدعو وقتها للتحرر وتسعى لإنهاض الأمة مثل الشيخ محمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد... إلخ.<br />
<br />
ثم لم يلبث الزمن لعوامل عدة أن بدأت بلورة تيار قومي علماني يبتعد في نظرته عن المنطلق الإسلامي وعن ارتباطه بالأمة الإسلامية، وكان ما حدث للخلافة العثمانية من تدهور وسقوط أثره وظلاله على الأحداث، بل وبالغ البعض في هذا التيار بطرح أفكار معادية للفكرة الإسلامية والانتماء الإسلامي، والتمسك بالقومية المحلية مثل الفرعونية والآشورية.. إلخ، أو حتى طلب التخلص من الانتماء العربي والتركيز على الارتباط الأوروبي والكيان البحر متوسطي.<br />
<br />
وعندما ثار أهل فلسطين ضد الاحتلال الإنجليزي والاستيطان اليهودي، وهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، كان أصحاب المشروع القومي مشغولين ببلادهم وأضعف من أن يقدموا لهم أي عونٍ حقيقي أو يمتلكون رؤيةً بعيدةَ المدى.<br />
<br />
ومن هنا كانت الفرصة كبيرةً ومتاحةً للإنجليز واليهود لاغتصاب فلسطين، وإنشاء الكيان الصهيوني كجزءٍ من المشروع اليهودي الغربي، وليكون رأس حربة في السيطرة على المنطقة.<br />
<br />
في وسط هذه الأحداث وتلك المؤامرات جاء الإمام الشهيد يُقدِّم رؤيته الإستراتيجية، ويطرح مشروعه الإسلامي المتكامل، وينزل به إلى أرض الواقع، ويجعل القضية الفلسطينية محورًا أساسيًّا في هذا المشروع.<br />
<br />
وذلك وفق رؤية عميقة شاملة مكافئة للواقع ليس مشروعًا صغيرًا أو محدودًا لمواجهة مشكلة محدودة أو قضية عابرة، وإنما لإعادة الأمة الإسلامية في العالم كله للتمسك بدينها وإقامة نهضتها وتحرير بلادها واستعادة ريادتها للعالم كله.<br />
<br />
<br />
== المسار التاريخي للمشروع الإسلامي ==<br />
<br />
كانت حركة الإمام الشهيد مبكرة، ومشروعه المتكامل جاهزًا على أرض الواقع، واستطاع أن يُحرِّك الأمة وفق هذا المشروع تجاه قضية فلسطين، وأن يحشدها في هذا الميدان من المنطلق الإسلامي والواجب الشرعي والوطني، ونجح فى أن يحدث هذا التحول من عام 1932م حتى عام 1942م أي خلال عشر سنوات، ثم يقوم بتفعيله وتوجيهه عمليًّا لإجراءات فعَّالة، وكان للمشروع الإسلامي من السعة والمقدرة على الاستيعاب أن تمكَّن من التأثير في المؤسسات والهيئات والشخصيات الوطنية والسياسية، وأن يوجد مساحة مشتركة يستقبلهم فيها ويوظفهم لصالح هذه القضية التي أصبحت هي قضية الأمة كلها.<br />
<br />
'''وكان لهذا المشروع عبر مساره التاريخي عدة خصائص منها:'''<br />
<br />
1. المحافظة على المشروع الإسلامي متكاملاً عبر السنوات الطويلة والثبات على مبادئه وأهدافه مهما كانت الظروف.<br />
<br />
2. وجود الرؤية الإستراتيجية الواضحة وعدم غيابها في الأحداث والمواقف الفاصلة فلم تغب عنها الأهداف.<br />
<br />
3. تقديم مصلحة المشروع الإسلامي وتحقيق أهدافه على المصلحة الذاتية الآنية للجماعة فكانت التضحيات أكبر من النتائج المباشرة في بعض الأحداث المهمة؛ لأنها تصبُّ في تحقيق الأهداف الرئيسة للمشروع، ولأن موازين الجماعة في تقدير الأمور تنطلق من الموازين الإيمانية والدعوة الربانية.<br />
<br />
4. التدرج في الخطوات والحرص على التواصل بين تلك المراحل، وبين الأجيال جيلاً بعد جيل في حمل المشروع والثبات على مبادئه، والاهتمام بالبناء العقائدي والفكري وطول النفس في ذلك.<br />
<br />
5. عدم الانخداع بالمساومات أو الاستدراج لمشاريع جزئية فيها بعض التخلي عن الثبات عن الثوابت مهما كانت الظروف والضغوط.<br />
<br />
6. القدرة الفاعلة على التواصل مع الجماهير عندما يُتاح لها ذلك، والتأثير الإيجابي لتأييد المشروع الإسلامي ومساندته.<br />
<br />
7. محاولة جمع الصفوف واتساع صدرها لقوى المقاومة الأخرى، والتعاون في المساحة المشتركة مع استمرار الجماعة على خطها الإسلامي ومشروعها المتميز.<br />
<br />
'''وقد مرَّ المشروع الإسلامي منذ نشأته بأربعة مراحل؛ هي:'''<br />
<br />
1. المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي قادها الإمام الشهيد، وأعدَّ فيها المشروع الإسلامي بمنطلقاته وأهدافه وآلياته، واستطاع أن يحشد الأمة في الاتجاه الصحيح.<br />
<br />
2. المرحلة الثانية: وكانت تمثل رد فعل الأعداء الذين وجهوا ضربةً عنيفةً للجماعة وحاصروها، وحاولوا القضاء عليها وإقصائها، واستمرت تلك المرحلة طوال العهد الناصري، ورغم هذا كان للجماعة بعض الفعاليات على أرض فلسطين والثبات على المبادئ وعدم التنازل.<br />
<br />
3. المرحلة الثالثة: وهي نتيجة لمستجدات ومتغيرات محلية ودولية، بعد فشل مخطط القضاء على الجماعة كان هناك حالة من هامش محدود للحركة والوجود مع استمرار العرقلة والتضييق بمختلف الدرجات مع ظهور عمليات المساومة ومحاولات الاستدراج تتكرر معها عمليات الضغط والضربات؛ وذلك للتخلي عن ثوابت القضية أو التنازل عن بعضها مقابل بعض المكاسب.<br />
<br />
وقد تميَّزت فيها الجماعة بالثبات والصمود، والتركيز على تجهيز البنية التحتية والاستفادة من هامش الحركة المحدود لأقصى درجة واستعادة التأثير في الأمة.<br />
<br />
4. المرحلة الرابعة: وهي الحالية تم للمشروع الإسلامي قطع مرحلة جيدة من التجهيز ودخول ميدان المواجهة المباشرة مع العدو على أرض فلسطين ومساندة الأمة له.<br />
<br />
وفى ظل هذه الثوابت التى تتمسك بها الجماعة، فإنها تتعامل أيضاً مع الواقع الميدانى بمتغيراته المختلفة وفق الضوابط الشرعية، وما تحمله من موازين وضوابط تخصّ الحركة والمواقف العملية .. فهى تدرك أن المعركة ممتدة وطويلة، وأن الفجوة بين الواقع وهذه الأهداف المرتبطة بتلك الثوابت واسعة وكبيرة، لكن ذلك كله لا يشكل قفزاً فوق تلك الثوابت أو تفريغاً لها من محتواها.<br />
<br />
فرق كبير بين التدرج والمرحلية العملية وبين التنازل المرحلى والتراجع الجزئى وفرق كبير بين الهدنة بضوابطها الشرعية طالت أم قصرت، وبين الاستسلام والإقرار بشرعية الغاصب وعدم مقاومته.<br />
وفرق كذلك بين السكوت عن أمر ميدانى تفرضه بعض الظروف، وبين الإقرار به وإضفاء الشرعية عليه.<br />
كما أن المشروع الإسلامى يوظف كل طاقات الأمة ويستثمر كل الخطوات والمواقف التى تصدر من الآخرين، وكل المتغيرات والمستجدات فى الأحداث، وذلك لصالح التوجه الصحيح والدعم المتواصل لهذه الثوابت وفق مرحلية متدرجة دخل الإطار الكلى والذى يشكل الاستراتيجية الثابتة لها.<br />
<br />
وإن ما يقدمه الأعداء أو ما يسمونهم بالوسطاء من حلول ومقترحات فى مقابل هدم بعض تلك الثوابت أو التراجع عنها، يرفضه أصحاب المشروع الإسلامى، حيث يرفضون ذلك التنازل حتى لو وافق عليه فصيل من الفلسطينيين، وفى نفس الوقت يوظفون الواقع العملى بشأن ذلك إذا تبناه أحد أو فرضه على أرض الواقع بما يخدم القضية ويدعم صمود الشعب الفلسطينى ومقاومته الفعالة.<br />
<br />
إنهم بفضل الله من الثبات والصمود بما يحقق استمرار المسار وسلامة الطريق والحفاظ على الثوابت مهما كانت التضحيات، وهم فى الوقت نفسه من الحكمة والمرونة فى مواجهة الأحداث والمواقف بما يستوعب المستجدات وينجحون فى توظيفها والاستفادة منها.<br />
<br />
وإذا كان هناك من أخطاء – حيث لا يدعى أحد العصمة أو القداسة – فإن ذلك يكون فى الوسائل وفى فرعيات العمل وليس فى الأصول، وتأتى المراجعة والتقويم مع اللجوء لله عز وجل لتجبر ذلك فلا يشكل منعطفاً أو عائقاً حقيقياً .<br />
<br />
<br />
== المسار التاريخي للمشروع القومي ==<br />
<br />
عندما ظهر المشروع الإسلامي رائدًا وموجهًا خطابه للأمة، كانت القوى الوطنية والقومية من تيارات سياسية بعيدة عنه بل ومعارضة له، ولم تكن القضية الفلسطينية ضمن أهدافها أو فعالياتها.<br />
<br />
وعندما نجح المشروع الإسلامي للقضية الفلسطينية في تحريك الجماهير وجذب كثير من الشخصيات الوطنية أصبح ذلك تيارًا عامًّا تتحرك فيه الهيئات السياسية وأصحاب المشروعات القومية أو العلمانية، وإن كانت النوايا والمنطلقات مختلفة.<br />
<br />
وكان الملاحظ أن القوى اليسارية، وخاصةً الشيوعية، كان موقفها مهتزًّا فأيَّدت قيام الكيان الصهيوني متأثرةً بموقف الاتحاد السوفيتي وقتها.<br />
<br />
وعندما تم محاصرة ومحاولة إقصاء المشروع الإسلامي وجماعة الإخوان، إذْ بهذه القوى اليسارية تغير موقفها وتتبنى تأييد المشروع القومي الوطني، وبالتالي أصبحت القضية الفلسطينية قضية عامة للأمة تتبناها القوى المختلفة، لكن من منطلقٍ قومي محدود وليس وفق المنطلقات والأهداف الإسلامية، بل كان هناك حرص على إبعاد السمت الإسلامي عنها، وأصبحت القضية هي شعارات الحكومات العربية تجتمع عليها وتتحرك لها.<br />
<br />
وأصبح هناك مشروع قومي علماني يتناول القضية الفلسطينية برؤيةٍ خاصةٍ به، وبأهداف وشعارات، وكان توظيف هذا الأمر لصالح القوى السياسية والحكام شيئًا سهلاً لكل مَن يريد الزعامة.<br />
<br />
وقد أتيح لهذا المشروع القومي العلماني من الإمكانيات، ومن تأييد الحكام وأجهزة الدولة، ومن الزخم الإعلامي الرسمي وغير الرسمي ما لم يتح لتيار آخر.<br />
<br />
وتمكَّن هذا التيار القومي من احتضان المشاريع الجزئية التي خرجت من أحضان التيار الإسلامي، مثل مشروع فتح للمقاومة واستيعابه وتخليصه من آثار الصبغة والرؤية الإسلامية بحكم النشأة.<br />
<br />
ونتيجة لهذه الإمكانيات والتأثير القوي تعلَّقت آمال الجماهير به، ووقفت وراءه ثم استيقظت بعد ذلك على صدمة وفجيعة زيف الشعارات وتهريج القادة والمؤامرات الخفية.<br />
<br />
ثم إذا بهذا المشروع تحت ضغط الأحداث وواقع الهزيمة، وتغير موازين الصراع بين الدول الكبرى يتنازل تدريجيًّا عن ثوابته وأهدافه التي أعلنها، بل وأقرَّ في النهاية بما كان يرفضه وترفضه الأمة جميعًا بشأن اغتصاب فلسطين، وأقرَّ في النهاية تحت مبررات : الحل المرحلي هذا هو المتاح - الموجود الآن أفضل من لا شيء، - لا بد أن نكون واقعيين.. إلخ.<br />
<br />
أقرَّ واعترف بشرعية الكيان الغاصب.<br />
<br />
ومع ذلك نشير إلى أنه بقي منهم أفراد ذو توجه وطني يرفضون هذا الاستسلام، لكنهم لا يمثلون إلا جهدًا فرديًّا وليس مشروعًا متكاملاً مستقلاً.<br />
<br />
وبذلك تعود الساحة إلى ما بدأت به، بالمشروع الإسلامي الرائد في مواجهة المشروع الصهيوني- الغربي.<br />
<br />
<br />
== مقارنة بين المشروعين حول بعض السمات والخصائص ==<br />
<br />
<br />
=== 1- من حيث المنطلقات والمفاهيم الأساسية ===<br />
<br />
اختلفت هذه المنطلقات تمامًا بين المشروعين، فالمشروع القومي يقصرها على الأمة العربية، ويعتبر أن الدائرة الإسلامية على الهامش، وفي مرحلةٍ لاحقة أصبح يُصوِّرها كأنها قضية أهل فلسطين، والأمة العربية للمساعدة، كما أنه يتعامل معها كقضية احتلال ورفع الظلم عن شعبٍ عربي، ويرفض البعد العقائدي الإسلامي لها.<br />
<br />
المشروع الإسلامي- فكما أشرنا- ينطلق من البعد العقائدي، وأنها قضية الأمة الإسلامية الأساسية، ويتعامل مع الكيان الصهيوني كمشروعٍ عدواني خطير يستهدفها أكبر من مجرد احتلال أرض، وبالتالي فإن منطلقات المشروع الإسلامي أعمق وأوسع، وأن الطاقات التي يستند إليها لا حدود لها، ويضفي على مشروعه الإسلامي طاقةً روحيةً كبرى ودافعًا عقائديًّا يضمن به الاستمرار وتحمُّل الضغوط وإستراتيجية أعمق وأشمل.<br />
<br />
<br />
=== 2- من حيث الأهداف ===<br />
<br />
في البداية تبنَّى المشروع القومي الأهداف العملية التي طرحها المشروع الإسلامي بشأن فلسطين، ثم ما لبث أن تراجع عنها إلى أهداف مرحلية ثم جعلها أهدافًا نهائية؛ مما يؤكد اهتزاز الإستراتيجية عنده، أما المشروع الإسلامي فما زال مستمرًّا على أهدافه، وكل خطواته ومواقفه العملية نابعة ومرتبطة برؤيته الإستراتيجية.<br />
<br />
<br />
=== 3- من حيث الريادة والتحدي المكافئ ===<br />
<br />
<br />
كان المشروع الإسلامي هو الأسبق وله الريادة، في حين أن المشروع القومي كان لاحقًا ولم يتمكَّن من احتلال الريادة إلا بعد ضرب الحكومات لأصحاب هذا المشروع ومحاولة إقصائهم، ثم تم مع تراجع الأداء والرؤية عند المشروع القومي، وتمكَّن أصحاب المشروع الإسلامي من الحركة نسبيًّا استعادوا الريادة في الواقع العملي، وأصبحوا هم قادة المقاومة الفعلية التي تُزعج العدو وتستطيع حشد الأمة الإسلامية.<br />
وبالتالي فشل أصحاب المشروع في الوصول إلى التحدي المكافئ للعدو الصهيوني، في حين استمرَّ المشروع الإسلامي متحديًا ثابتًا في طريقه للوصول لمرحلة التحدي الكامل الذي يقضي على المشروع الصهيوني بإذن الله تعالى.<br />
<br />
<br />
=== 4- من حيث الأمل واليقين ===<br />
<br />
انهارت آمال أصحاب المشروع القومي وتعرَّضت لصدمات طوال المسيرة؛ فتراجعوا واهتزَّ اليقين عندهم فقبلوا بالأمر الواقع بما يشبه الهزيمة.<br />
<br />
أما المشروع الإسلامي فلأنه يستمد طاقته وانطلاقته من العقيدة الإسلامية، فإنه رغم كل المحن والضغوط يزداد يقينًا بتحقيق النصر الكامل واستعادة كل فلسطين؛ مما يؤكد قوة بنائه النفسي.<br />
<br />
<br />
=== 5- من حيث مدى الثبات وعدم الاستدراج ===<br />
<br />
ترتَّب على النقاط السابقة فشل المشروع القومي في الاستمرار على نفس الأهداف والمبادئ التي وضعها، وتم استدراجه بحجج شتى مثل: المرحلية، قبول الأمر الواقع، اختلال موازين القوى العالمية.. إلخ، وقام بتغطية هذا الفشل والتراجع بعدة شعارات، بل ويحاول الضغط على أصحاب المشروع الإسلامي الثابت والمستمر ليأخذ نفس المنحنى ويقر بهذا الأمر، وبالتالي أصبح يُستخدم من قبل العدو الصهيوني بطريقة غير مباشرة أو مباشرة لعرقلة وضرب مشروع المقاومة.<br />
<br />
<br />
=== 6- من حيث ثقة الأمة ومدى التفافها حول المشروع ===<br />
<br />
كان للمشروع الإسلامي السبق والجهد الجيد في إيقاظ الأمة وتوعيتها، فالتفت حول المشروع الإسلامي وقدَّمت الدعم المطلوب، لكن مع ضرب الحكومات لأصحاب المشروع الإسلامي ومحاولة إقصائهم بالكامل، ثم إحلال مشروع آخر قومي علماني تؤيده وتُحيطه بزخمٍ إعلامي وشعارات حماسية صدقتها الأمة، وتعلَّقت آمالها به لفترة ثم استيقظت على فجيعة وصدمة زيف العمل لهذه الشعارات فانصرفت عنهم، ولم تعد تصدقهم أو تصدق شعاراتهم.<br />
<br />
وعندما تمكَّن أصحاب المشروع الإسلامي من الحركة والوصول للجماهير رغم التضييق فإن الأمة أدركت من خلال تجربتها مدى صدق وثبات أصحاب المشروع الإسلامي ثم رأت على أرض الواقع مدى فعاليته، كما كان للخطاب الإسلامي العقائدي التجاوب الصحيح للمسلمين والدافع الوطني المخلص لهم ولغيرهم، وما نتائج الانتخابات إلا أحد الشواهد على ذلك.<br />
<br />
<br />
=== 7- من حيث التعامل مع القوى الوطنية الأخرى ===<br />
<br />
تميَّز أصحاب المشروع الإسلامي بالتعاون مع الآخرين وإيجاد مساحة مشتركة وزيادة الوعي لديهم بشمول هذه القضية لكل التيارات والهيئات، وأتاحت لهم مساحة من العمل المشترك وخدمة القضية سواء ذلك في أنشطتها وفعالياتها أم في الدعم والتشجيع لما يصدر منها.<br />
<br />
أما أصحاب المشروع القومي، فمع وصولهم لسدة الحكم أو تبني الحكام لهذا المشروع فكان يرفض مجرد وجود هذا التيار الإسلامي، وتحجج بشتى الوسائل لضربه بعنف وإقصائه عن الساحة ومنع صوته أن يصل للجماهير حتى في هذه القضية الوطنية فكان أصحاب المشروع القومي يحرصون على احتكار الساحة وإقصاء الآخرين، بل إن التجمعات والحركات التي خرجت من التيار الإسلامي وانشقت عنه قام بعملية احتواء وتذويب لأي آثار إسلامية ما زالت باقية والتركيز على الغزو الفكري لأفرادها وما حدث لمشروع فتح واضح على هذا النهج.<br />
<br />
<br />
=== 8- من حيث الخطوات العملية ومصادر القوة ===<br />
<br />
اعتمد المشروع الإسلامي وسائل عملية في جميع المحاور التي يعمل عليها من الدعم بكل أنواعه إلى المقاطعة إلى الضغط السياسي الجماهيري إلى المقاومة المسلحة المؤثرة.<br />
<br />
كما أنه اعتمد على نفسه وعلى الرصيد الهائل لدى الأمة الإسلامية، ورفض أن يدخل لعبة الصراع السياسي بين القوى الكبرى داخل رؤيته أو ضمن آلياته التي يعتمد عليها، وفي هذه الفترة المحدودة التي عمل فيها ميدانيًّا كانت نتائجه مؤثرة أثارت الرعب عند اليهود وأفزعت القوى الكبرى فتحرَّكت لمحاولة إيقافه والقضاء عليه بأيدي الحكام العرب، لكن إذا كان هذا قد أجلَّ وأثَّر على المشاركة الميدانية الفعَّالة للمشروع الإسلامي لفترة زمنية ، لكنه قد عاد حاليًّا إلى الريادة والتوجيه والمقاومة مستمرًّا على نفس مشروعه وأهدافه.<br />
<br />
أما المشروع القومي العلماني، فكان يحمل بذور الانهزامية في رؤيته، ويضيق مساحة القوة التي يستند إليها، وبالتالي أخذ يدخل لعبة التوازنات السياسية بين القوتين العظميين ليشد إحدى القوى (المعسكر الشرقي الروسي) إليه رغم أنه إستراتيجيًّا أيَّد قيام "إسرائيل" ودعمها بالمهاجرين؛ لمعادلة انحياز القوة الأمريكية والغربية للكيان الصهيوني، ونسى أصحاب التيار أن لكل قوة مصالحها الخاصة، ورؤاها المتغيرة في هذا الميدان، وأن هذا الصراع له موازين أخرى لا علاقةَ له بالعاطفة أو كلمات المجاملة، وكانت النتيجة الهزيمة والخسران، وكل هذا كان يصبُّ في صالح الكيان الصهيوني.<br />
<br />
<br />
=== 9- من حيث المؤامرة والضغوط التي تعرَّض إليها ===<br />
<br />
إن حجم المؤامرة على المشروع الإسلامي كان أكبر وأعنف بكثير مما تعرَّض له المشروع القومي؛ حيث تعرَّض التيار الإسلامي لتآمر وعداء من الحكومات داخل أوطانهم، وكذلك من القوى الكبرى التي تعاديه.<br />
<br />
فكانت هناك الإزاحة والضربات العنيفة القاسية لإقصائه والقضاء عليه إذا أمكن، ولما فشل ذلك ظهرت مع استمرار الضربات النوعية محاولات الاستدراج والاستيعاب وتذويب الهوية الإسلامية، ولو بالتدريج.<br />
كما ظهرت محاولات بعض العناصر التسلق على أكتافه لتظل في الواجهة، وتحاول أن توظفه لحساباتها وأجندتها.. إلخ.<br />
<br />
لكن كل هذه المحاولات فشلت بعد أن بلغ التيار الإسلامي النضوج والقوة والتميز في إثبات وجوده في المواجهة وتطوير آلياته والسير نحو اكتمال مشروعه؛ مما جعل الجماهير تحتشد وراءه وتعلق آمالها عليه.<br />
<br />
أما التيار القومي، فإن المؤامرات الدولية التي نجحت في استدراجه كانت بسبب أساسي لضعف رؤيته الإستراتيجية وفشله العملي في اتخاذ الخطوات الجادة والاكتفاء بالشعارات والمناورات السياسية الساذجة.<br />
<br />
<br />
=== 10- من حيث النتائج والموقف الحالي ===<br />
<br />
المشروع الإسلامي ما زال على الطريق الصحيح لتحقيق كامل أهدافه، يحشد الأمة العربية والإسلامية وراءه، وهو إن كان الطريق طويلاً وفق هذه الإستراتيجية، لكنه الطريق الصحيح لإنهاء العدوان وهزيمة المشروع المعادي.<br />
<br />
وثبات هذا المشروع حتى الآن رغم كل الضربات والمعوقات هو في حد ذاته انتصار كبير.<br />
<br />
أما المشروع القومي فقد أقرَّ بما ترفضه الأمة بشرعية الاحتلال الصهيوني ووجوده على أرض فلسطين وفي شرعية إقامة دولته.<br />
<br />
وأصبح يحاول أن يحصل على بعض الحكم الذاتي لما يسميه دولة فلسطين منزوعة السلاح على جزء ضئيل من فلسطين، وحتى هذا ما زال حلمًا يحاول أن يمسك به.<br />
<br />
والمُراجِع لما يطرحه المشروع القومي من شعارات وأهداف وهذا الواقع الحالي يدرك الهزيمة الكاملة التي أحاقت به.<br />
<br />
وكذلك كانت رؤية المشروع القومي العلماني لخطورة الكيان الصهيوني على المنطقة رؤية محدودة انهارت عند أول احتكاك، وتبنى نفسه التعامل والقبول، بل وانهارت تمامًا نظريته للأمن القومي والأمن العربي، وتفككت أوصاله إلى تجمعات ونزاعات يلعب بها العدو، ويزحف على المنطقة كلها هذا المشروع الصهيوني الأمريكي، ليعيد تشكيل منظومة الأمن القومي العربي لتصبح "إسرائيل" في القلب منه، وكذلك تمسك بالمنظومة الاقتصادية والسياسية في المنطقة كلها.<br />
<br />
إننا عندما نتكلم عن هذا المشروع العلماني ونزن أداءه ونتائجه ورؤيته، لا يعني ذلك أنه ليس هناك أفراد مخلصون نتحدث عن تيار ومشروع تم طرحه والدعاية له وأخذ فترة ليست قصيرة من مسيرة الأمة وحياتها وما زالت آثاره مستمرة.<br />
<br />
<br />
== خاتمة ==<br />
<br />
إن قراءة هذا الواقع نحتاجها لكن لا تشغلنا عن العمل المتواصل وتوظيف كل الجهود والتعاون مع كل القوى والأفراد في سبيل تحقيق المشروع المتكامل لاستعادة فلسطين، مدركين أن هذه معركة أجيال، وأن المشروع الإسلامي بكل أبعاده هو المشروع المُهيَّأ والمكافئ لهذا التحدي، وهو الصالح كمظلةٍ للتعاون والمشاركة.<br />
<br />
'''وهذا بيان موجز بتواريخ التنازلات في القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة فقط :'''<br />
<br />
'''1- قرار المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988م:'''<br />
<br />
وأهم ما اشتملت عليه هو الاعتراف بقرار 242 الذي يتضمن التنازل عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية، والاعتراف الضمني بدولة الاحتلال، وقد تم تمرير ذلك بإعلان الدولة الفلسطينية ليس على الأرض، ولكن في الهواء.<br />
<br />
'''2- الرسائل المتبادلة بين رابين وعرفات في 9/9/1993م:'''<br />
<br />
اعترفت منظمة التحرير بحق "إسرائيل" في الوجود مقابل اعتراف "إسرائيل" بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلةً للشعب الفلسطيني ونبذ العنف ومواجهة فصائل منظمة التحرير التي تخرج على الاتفاق.<br />
<br />
'''3- اتفاقية أوسلو في 13/9/1993:'''<br />
<br />
دعت لتشكيل حكم ذاتي خاضع للاحتلال في مناطق (أ): إدارية وأمنية للسلطة الفلسطينية، و(ب) إدارية للسلطة الفلسطينية وأمنية للاحتلال، و(ج) إدارية وأمنية للاحتلال.<br />
<br />
وتأسيس شرطة فلسطينية قوية للتصدي للإرهاب الفلسطيني وبأسلحة خفيفة ترخص من الاحتلال.<br />
<br />
على أن تناقش القضايا الأساسية مثل: القومي والحدود والمياه واللاجئين وغيرها بعد خمس سنوات.<br />
<br />
وقد ألحق بها بعد ذلك اتفاقية باريس الاقتصادية التي ربطت الاقتصاد الفلسطيني كليًّا بالاحتلال.<br />
<br />
'''4- اتفاقية القاهرة 1994م:'''حددت الخرائط المتعلقة بأوسلو.<br />
<br />
'''5- اتفاقية تقسيم الخليل:'''<br />
تم تقسيمها إلى منطقة (H1) تحت سلطة الفلسطينيين.<br />
<br />
ومنطقة (H2) وهي منطقة الخليل القديمة وسكانها حوالي 30 ألف نسمة تحت سلطة الاحتلال، واستيلاء اليهود على معظم الحرم الإبراهيمي.<br />
<br />
'''6- قرارات شرم الشيخ في 13/3/1996م:'''<br />
تتعلق بالتصدي المشترك للمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد) تحت مسمى محاربة الإرهاب.<br />
<br />
'''7- تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني:''' <br />
في اجتماع المجلس الوطني عام 1996م، وعام 1998م ثم شطب وإلغاء بنود الميثاق التي تتحدث عن الحدود التاريخية لفلسطين وعن الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين.<br />
<br />
'''8- إقرار المبادرة العربية عام 2002م:'''<br />
تدعو للاعتراف بدولة الاحتلال والتطبيع العربي ثم الإسلامي، وحل قضية اللاجئين بالمفاوضات والتفاهم، مقابل دولة على حدود 4 يونيو 1967م.<br />
<br />
'''9- خارطة الطريق عام 2004م:'''<br />
ألزمت السلطة الفلسطينية بمحاربة قوى المقاومة وتفكيكها تحت عنوان محاربة الإرهاب مقابل وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وهو ما لم يتوقف للحظة واحدة حتى تاريخه.<br />
<br />
'''10- اتفاقية معبر رفح في نوفمبر 2005م:'''<br />
ربطت المعبر بالهيمنة الصهيونية مع أن شارون فكك مستوطنات قطاع غزة وأعلن الانسحاب من طرف واحد.<br />
<br />
'''11- تفاهمات أنابوليس 2007م:'''<br />
مهدت لمفاوضات عبثية بين أولمرت وعباس، وبين قريع وليفني تحت وهم الدولتين حسب وعد جورج بوش الوهمي في نهاية عام 2008م (الماضي) وقد تم في هذه الفترة توسيع وتدريب شرطة السلطة تحت إشراف الجنرال دايتون من أجل التصدي للمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد.. إلخ) حيث تم الزج بالمئات في السجون.<br />
<br />
وكذلك التنسيق الأمني بين شرطة عباس وجيش الاحتلال، والتفاهم على نشاط الاحتلال في ساعات الليل ونشاط شرطة عباس في ساعات النهار.<br />
<br />
'''12- شروط الرباعية الدولية:'''<br />
الاعتراف بـ"إسرائيل" ونبذ العنف (المقاومة) والتقيد بالاتفاقيات السابقة، حتى يتم الوفاق والاتفاق والبدء بإعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار وفتح المعابر.<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(5)&diff=643329حول القضية الفلسطينية (5)2012-02-21T09:41:52Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center> حول القضية الفلسطينية (5)</center>'''<br />
<br />
'''<center>جهاد [[الإخوان]] على أرض [[فلسطين]] </center>'''<br />
<br />
'''بقلم : د. محمد عبدالرحمن ...عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
نذكر باختصار فى هذه المقالة مواقف وعمليات [[للإخوان]] فى جهادهم على أرض [[فلسطين]]، مع ملاحظة أن هناك عمليات كثيرة لهم ضد اليهود قبل عام [[1948]] ، كما لم يتناول هذا البيان العمليات البطولية التى قامت بها كتائب [[الإخوان]] الأردنيين والعراقيين والسوريين على الجبهة الأردنية وداخل [[فلسطين]] .<br />
<br />
<br />
== أ) موجز لمعارك [[الإخوان]] فى [[فلسطين]] [[1948]] ==<br />
[[ملف:حسن-الجمل-امام-قبة-الصخرة.jpg|تصغير|220بك|'''<center>الأستاذ حسن الجمل أمام قبة الصخرة فى حرب فلسطين</center>''']]<br />
<br />
1. فى 10/4/ [[1948]] معركة "كفارديروم" الأولى، حيث كانت ضد اليهود فى مستعمرة "كفار ديروم" جنوبى دير البلح، وفيها استشهد 12 شهيداً من الإخوان.<br />
<br />
2. فى 13/5/ [[1948]] كانت معركة "كفار ديروم" الثانية، بقيادة البطل [[أحمد عبدالعزيز]]، واستشهد فيها 46 من المجاهدين وجرح 30 آخرون.<br />
<br />
3. فى 15/5/ [[1948]] نصب [[الإخوان]] كميناً لقافلة يهودية حول المستعمرة بقيادة المجاهد على صديق، واستولوا على كمية ضخمة من المصفحات والذخائر.<br />
<br />
4. فى 15/5/ [[1948]] دخل الجيش المصرى إلى فلسطين بقيادة اللواء / أحمد المواوى.<br />
<br />
5. فى 20/5/ [[1948]] قام [[الإخوان]] بقيادة المجاهد محمود عبده بعمليات ضخمة فى بئر السبع، منها : تدمير جسر على أحد الوديان هناك أثناء مرور قافلة يهودية عليه، وغنموا الكثير من المصفحات، واستشهد من الإخوان اثنان.<br />
<br />
6. قام المجاهد على صديق بتدمير مصفحات يهودية وبداخلها 70 من جنود اليهود فى 22/5/1948م<br />
<br />
7. واصل [[الإخوان]] تقدمهم فدخلوا بيت لحم، وتقدموا داخل حدود القدس الجديدة ثلاث كيلو مترات.<br />
<br />
8. وفى 26/5/ [[1948]] نُسفت مستعمرة "رامات راحيل" على الطريق بين "بيت لحم" و "[[القدس]]" وتم احتلالها وتطهيرها من ا ليهود، وكان المجاهدون تحت قيادة المجاهد الأخ/ [[لبيب الترجمان]] وأسفرت المعركة عن مقتل 200 من جنود اليهود فى مقابل شهيد واحد.<br />
<br />
9. وفى 3/6/ [[1948]] قام المجاهدون بنسف مستعمرة "تل بيوت" فى عملية جريئة تولاها الأخ المجاهد / [[حسين حجازي]] ، وأشادت الصحف وقتها ببطولته وسُمى "بطل تل بيوت" .<br />
<br />
10. وفى 11/6/1948 قَبِل النقراشى الهدنة الأولى بين العرب واليهود، وقد رفضها [[الإخوان]] واستنكروها ؛ حيث إنها كانت لصالح اليهود وقد ساء موقفهم العسكرى.<br />
<br />
11. وفى 17/7/1948 كانت معركة "العصلوج" حيث استنجد الجيش المصرى بقوات [[الإخوان]] تحت قيادة البطل أحمد عبد العزيز لاسترداد قرية "العصلوج" الحصينة والتى احتلها اليهود فى أيام الهدنة، وذلك بعد فشل قوات الجيش فى استردادها، وتمكنت مجموعة صغيرة من الإخوان بقيادة المجاهد / يحيى عبد الحليم من استردادها، وفر منها اليهود، ودخلتها قوات الجيش مرة ثانية، واستشهد ثلاثة من الإخوان فى هذه المعركة.<br />
<br />
12. وفى يوليو / 1948م كانت معركة "خزاعة" بالقرب من مستعمرتى "بيرى" و "أتوكوما" حيث دمروا أنابيب المياه التى تمد هاتين المستعمرتين ودمروا بعض المصفحات، وتصدوا للهجوم اليهودى المضاد هناك، وقد استشهد أخ واحد فى هذه المعركة.<br />
<br />
13. وفى 19/7/1948 كانت معركة "أبو معليق" حيث اعترض [[الإخوان]] قافلة يهودية تمر بالقرب من هذه القرية، وكان الإخوان قد اتخذوا من المكان مركزاً لتدريب البدو، من أهل فلسطين على القتال، وقطع طرق التموينن فهاجمهم اليهود بقوات كبيرة وتصدى لهم الإخوان وأوقعوا بهم خسائر فادحة، واستشهد فى هذه المعركة أحد الإخوان وجُرح قائد قوات الإخوان هناك.<br />
<br />
14. وفى 18/8/ [[1948]] أراد اليهود احتلال مرتفعات "جبل المكبر" التى تقع جنوب شرقى القدس بالقرب من قرية "صور باهر، التى يسيطر عليها [[الإخوان]]، فتصدى لهم المجاهدون بقيادة المجاهد محمود عبده ودارت المعارك بينهم على مدار يومين كاملين، وتجاوزت خسائر اليهود فيها 200 قتيل، وفشل الهجوم على القدس... وبذلك دافع [[الإخوان]] عن [[القدس]] أكثر من مرة وأنقذوها من الخطر اليهودى إلى أن دخلوها فى نكسة 1967م.<br />
<br />
15. وفى ليلة 22/8/1948 قُتل البطل أحمد عبد العزيز بإطلاق الرصاص عليه فى واقعة مريبة كان يصاحبه فيها الضابط صلاح سالم، وذٌكر بعد ذلك أن وراء الاغتيال مؤامرة مرتبة قيل أنها من جمال عبد الناصر وصلاح سالم.( من عدة سنوات ظهرت اتهامات موجهة لجمال [[عبدالناصر]] وصلاح سالم بالتآمر لاغتيال البطل [[أحمد عبدالعزيز]] حيث تم ذلك فى موقع الكتيبة السادسة مشاة فى عراق المنشية والتى كان جمال عبدالناصر أركان حربها وتركوا الشهيد ينزف بعد إصابته برصاصة فى جانبه وسط شواهد أن من أطلقها هو صلاح سالم وكان بجانبه فى السيارة، ولم يتم تحقيق حقيقى فى هذه الحادثة بل تم إغلاقها، حيث كان البطل الشهيد عقبة أمام [[عبدالناصر]] فى قيامه بحركة الجيش إذ كان يتمتع بشخصية قوية وشعبية جارفة، وذكر عدة شهود أنه كانت هناك اتصالات بين عبدالناصر واليهود فى هذه الأثناء) (راجع جريدة الأهرام العدد الصادر يوم 22/4/ [[1984]]م تصريح للضابط حسن التهامى – وهو أحد ضباط الثورة وصديق لجمال - وفيه اتهامات مباشرة لجمال عبدالناصر تحت عنوان من قتل أحمد عبدالعزيز)<br />
<br />
16. وفى 20/10/ 1948 تمكن مجاهدو [[الإخوان]] من استرداد "تبة اليمن" الحصينة، وكانت تتحكم فى خطوط مواصلات الجيش المصرى، وقد أطلق عليها اسم "تبة الإخوان" بعد معركة استشهد فيها ثلاثة من [[الإخوان]]، وكان الجيش قد فشل قبل ذلك فى استردادها.<br />
<br />
17. وفى 14/10/ [[1948]] هاجم اليهود قوات الجيش المصرى عند "تقاطع الطرق" فاضطر الجيش إلى التخلى عن مناطق : "المجدول" و "أسدود" تاركا قوة قوامها 5000 جندى فى الفالوجا حيث حاصرها اليهود فى 16/10/[[1948]] وظلت محاصرة حتى نهاية الحرب، وكان من بين المحاصرين الضابط /جمال عبد الناصر، وفى 13/11/ [[1948]] وعندما ساءت أحوال القوة المحاصرة استنجدت قيادة الجيش بقوات [[الإخوان]]، التى غامرت باختراق الحصار اليهودى فى رحلتين على الجمال، تحت قيادة الأخ المجاهد الضابط / معروف الحضرى، ونجحوا فى إيصال أكثر من مائة صندوق من المؤن إليهم، واستقبلهم الضباط والجنود بفرحة لا توصف، على حد تعبير اللواء / سيد طه قائد القوات، وقال جمال عبد الناصر وقتها : إن الجيش كله لن ينسى ما قام به الإخوان... واستمر تقديم [[الإخوان]] المساعدات لهذه القوات المحاصرة واستشهد وأصيب وأسر فى سبيل ذلك العديد منهم، ومنهم المجاهد الأخ / معروف الحضرى الذى أصيب وأسر، وأرجع المؤرخون الفضل فى صمود هذه القوات إلى مجاهدى الإخوان، وقد أشار لذلك ريتشارد ميتشل فى كتابه عن [[الإخوان]].<br />
<br />
18. وفى تلك الأثناء وفى 11/11/ 1948 تغيرت قيادة الجيش المصرى فى [[فلسطين]]، وتولى القيادة اللواء/ فؤاد صادق بدلاً من اللواء / أحمد المواوى.<br />
<br />
19. عرض [[الإخوان]] المجاهدون فى [[فلسطين]] خطة لمحاصرة المستعمرات اليهودية وعزلها، حتى يفرغ الجيش من تنظيم خطوطه الدفاعية، ووافقت قيادة الجيش على ذلك، وسافر الشيخ / [[محمد فرغلي]] إلى القاهرة لتجهيز عدد كبير من المتطوعين لتنفيذ الخطة، ورتب [[الإخوان]] قواتهم لمحاصرة المستعمرات، واشتبكوا معها كثيراً حتى أنهم دمروا 15 مصفحة فى أسبوع واحد.<br />
<br />
20. وفى 8/12/[[1948]] أصدر النقراشى قراره بحل [[جماعة الإخوان المسلمين]] فى مصر بناء على توصية من إنجلترا وفرنسا وأمريكا، وبدأ فى اعتقال [[الإخوان]] وأصدر قراره لقيادة الجيش قبل قرار الحل بضرورة : انسحاب الإخوان المجاهدين فى [[فلسطين]] من مواقعهم، وتسليم أسلحتهم .. <br />
واعتقالهم أو التحفظ عليهم تحت سيطرة الجيش، وعارض [[الإخوان]] تلك الأوامر لما فيها من أخطار جسيمة، ولكن قادة الجيش أفهموهم أنها تعليمات عليا صادرة من القاهرة وليست قابلة للنقاش أو التعديل.<br />
<br />
21. وعند وصول الشيخ [[محمد فرغلي]] للقاهرة، طلب [[عبدالرحمن عزام]] أمين الجامعة العربية سرعة إعداد المتطوعين لخطورة الموقف، ولكن النقراشى رفض الفكرة من أساسها وأوقفها تماماً، وسيق الشيخ محمد فرغلى مع الإخوان إلى المعتقلات.<br />
<br />
22. ولم تمض أيام على هذه الإجراءات حتى احتل اليهود "تبة الشيخ نوران" فى ديسمبر [[1948]]، وفشل الجيش فى استردادها.<br />
<br />
23. وفى 15/12/ [[1948]] احتل اليهود " تل جمة " دون قتال، وبذلك فقد الجيش مساحة قدرها 700 كم2 بدون قتال.<br />
<br />
24. وفى 23/12/[[1948]] احتل اليهود "التبة 86"، وفشلت قوات الجيش فى استردادها بعد محاولتين، فاسُتدعى الإخوان لإنقاذ الموقف، وخصوصاً أن التبة تتوسط خطوط مواصلات الجيش، وكان [[الإخوان]] يومئذ معتقلين فى معسكراتهم بأوامر القيادة السياسية فى القاهرة، واستجاب الإخوان للنداء، واستطاعوا تحت قيادة المجاهد[[ حسن دوح]] وإخوانه من استرداد الموقع وتسليمه للجيش المصرى، وبعد إتمام المهمة عاد [[الإخوان]] مرة ثانية إلى المعتقلات، واستشهد من الإخوان فى هذه المعركة خمسة شهداء، وأنقذوا بذلك قطاع [[غزة]] من السقوط فى يد اليهود، وإفشال مخططهم فى محاصرة القوات المصرية وقطع خطوط إمدادها ... والطريف المحزن أن بعض [[الإخوان]] الذين جُرحوا فى المعركة تم نقلهم إلى القاهرة للعلاج، ولكن البوليس – بأوامر النقراشى- أشار بنقلهم من المستشفيات إلى معتقل الطور ليشاركوا إخوانهم المعتقلين هناك.<br />
<br />
25. وبعد هذه المعركة تقدم القائد العام اللواء فؤاد صادق إلى الحكومة طالباً منح نياشين رفيعة المستوى [[للإخوان]]، ولكن الحكومة ماطلت، غير أن القائد الشجاع أصر، فصدرت النشرة العسكرية فى مايو [[1949]] تحمل أسماء 15 جندياً من [[الإخوان]] تحت اسم "جماعة المتطوعين المصريين" .<br />
<br />
26. واستمر مجاهدوا [[الإخوان]] فى [[فلسطين]] فى قتالهم حسب توصية الإمام الشهيد لهم، وعندما قام الجيش باعتقالهم ونزع سلاحهم، لم يوجه [[الإخوان]] رصاصة واحدة إلى صدر جندى مصرى، وسلموا لهم أسلحتهم، وعندما كان موقف الجيش المصرى يتأزم كانوا يهبون لنجدته ثم يعودون لمعسكر الاعتقال.<br />
<br />
27. واستمرت قوات [[الإخوان]] الأخرى التى كانت فى الضفة الغربية – بعيداً عن سيطرة الجيش المصرى – مع قوات الإخوان السوريين والأردنيين، تجاهد وتقاتل وتدافع عن [[القدس]] وبيت لحم والخليل، بل وتقدم الدعم للقوات المصرية المحاصرة بالفالوجا.<br />
<br />
28. وفى 26 / 12 / 1948 بعد احتلال اليهود للعوجة وبداية انسحاب الجيش المصرى من النقب، كان للإخوان دور كبير فى حماية الانسحاب، والتصدى لليهود الذين كانوا يهدفون إلى إبادة القوات المنسحبة.<br />
<br />
29. وهناك معارك كثيرة صغيرة لم تذكر هنا للمواجهات بين [[الإخوان]] والمستعمرات اليهودية، كانت تستنزف قوى اليهود وتجعل حركتهم خارج المستوطنات فى منتهى الخطورة عليهم.<br />
<br />
30. معارك سيناء والعريش: واستمر ذلك الدور الجهادى فى : رفح و[[غزة]] والعريش، حيث تصدوا للقوات اليهودية المتقدمة داخل سيناء عام [[1949]]، ونذكر منها:<br />
[[ملف:عبد-المنعم-عبد-الرؤوف-أثناء-حرب-فلسطين.gif|تصغير|<center>'''إحدى فصائل الإخوان فى حرب فلسطين'''</center>]]<br />
1) فى أواخر [[1948]] قام اليهود بهجوم كبير فى منطقة العوجة للوصول للعريش، وقطع الطريق على الجيش المصرى المنسحب من [[غزة]]، وسيطروا على تبة عالية، وتصدى لهم [[الإخوان]] وكانوا خمسين مجاهداً، فى حين هربت قوات الجيش المصرى أمام الهجوم اليهودى، تاركة دباباتها وعرباتها على الطريق، ورد [[الإخوان]] اليهود بقوة، وتراجع اليهود مؤقتاً.<br />
<br />
2) واستقبل [[الإخوان]] الموجة التالية للهجوم اليهودى على سيناء، ودافع [[الإخوان]] عن التلال الرئيسية فى هذه المنطقة عندما حاول اليهود الاستيلاء عليها، واستشهد المجاهد على الفيومى فى الدفاع عنها، وتم نقل جثمانه بعد ذلك ليدفن فى مقبرة قريبة من "سد الروافع"، وعرقل [[الإخوان]] بذلك تقدم القوات اليهودية، مما حمى ميمنة الجيش المصرى، ومنع اليهود من تطويقه.<br />
<br />
3) وفى أوائل يناير 1949 استولى اليهود بعد ذلك على قرى: القصيمة .. والحسنة .. والكنتلا، وكان بالعريش قوة من مجاهدى [[الإخوان]] بقيادة المجاهد حسن دوح فطلب منهم الجيش التصدى لليهود، والقيام بأعمال الدوريات، وكان ذلك فى أرجاء سيناء حيث توغل اليهود داخلها، فقام [[الإخوان]] بدوريات قتالية أخذت تجوب هذه المناطق، ووصلت عملياتهم إلى القصيمة والحسنة وحدود فلسطين من جهة النقب الجنوبى... وقد استشهد عدد من [[الإخوان]] فى ذلك حيث كان اليهود يستخدمون الطائرات فى التصدى لدوريات الإخوان، وارتفع عدد شهداء [[الإخوان]] ليصل إلى أكثر من مائة شهيد فى معارك عام 1948م فقط .<br />
<br />
31. وفى 13/2/1949 تلقى [[الإخوان]] نبإ اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا.<br />
<br />
32. وفى 14/2/1949 جاءت التعليمات بترحيل الإخوان المجاهدين الذين تم التحفظ عليهم إلى رفح حيث تم إنشاء معسكر اعتقال لهم.<br />
<br />
33. وفى 24/2/1949 وقعت الهدنة الدائمة بين مصر واليهود فى رودس.<br />
<br />
34. وفى 28/6/1949 تم نقل [[الإخوان]] المجاهدين المعتقلين فى رفح إلى سجون العريش والطور وغيرها، واستمر اعتقالهم ما يزيد على سبعة أشهر، عوملوا فيها معاملة سيئة شديدة حتى سقطت حكومة إبراهيم عبد الهادى فبدأت عمليات الإفراج عنهم فى بطء شديد.<br />
<br />
<br />
== ب) موجز لجهاد الإخوان بعد عام 1952م ==<br />
<br />
1. فبعد عام [[1952]] م وحتى مرحلة متأخرة من الخمسينات، استأنف [[الإخوان المسلمون]] فى صحراء النقب وعبر حدود سيناء عملياتهم ضد اليهود، وكذلك من قطاع غزة حيث قام بهذه العمليات عناصر تنتمى إلى [[الإخوان المسلمين]] من شباب الأعراب والقبائل بالنقب وسيناء، قام الإخوان بضمهم للدعوة، وقد استفادوا بمخازن الذخيرة والسلاح التى نجح المجاهد كامل الشريف فى تخزينها سراً داخل النقب وقطاع [[غزة]] قبل أن يستولى الجيش المصرى على أسلحة الإخوان المجاهدين بفلسطين ويعتقلهم.. وقد اشتكت إسرائيل كثيراً من هذه العمليات وخاصة من قطاع غزة قبل عام [[1967]].<br />
<br />
2. من الضفة الغربية كانت هناك عمليات فدائية فردية أو مجموعات صغيرة محدودة، استمرت من عام [[1952]] وحتى عام [[1957]] قام بها عناصر إسلامية مع عناصر من التيارات الأخرى.<br />
<br />
3. بدأت العمليات الفدائية من قطاع [[غزة]] فى [[1952]] وما بعدها واتخذت فى عام [[1953]] أبعاداً أكثر تنظيماً بتشكيل مجموعات فدائية منظمة وكان وراءها [[الإخوان المسلمون]].. "وقد نُقل عن تقرير للسفارة البريطانية فى عام [[1953]] "أن الاختراق الحدودى من قطاع غزة هو عمل بعض المنظمات السياسية المتطرفة وأن الحكومة المصرية لا تشجعها ( إشارة إلى دور الإخوان المسلمين)" .<br />
<br />
4. كان هذا التنظيم الجهادى [[للإخوان]] فى [[غزة]] على صلة بالتوجيه من كامل الشريف المتواجد فى منطقة العريش والذى استمر يرتب المقاومة هناك، وكان همزة الوصل محمد أبو سيدو.<br />
<br />
5. وكان هذا التنظيم مقسوماً حسب الواقع الجغرافى إلى ثلاث مجموعات: شمال، ووسط، وجنوب القطاع، وكان خليل الوزير (ابو جهاد) مسئول المجموعة الشمالية.. وكان يساعدهم عدد من عناصر البدو المنضمة [[للإخوان]] مثل : عبد الله أبو مريحيل، ومحمد حسن الأفرنجى.<br />
<br />
6. من أمثلة العمليات الفدائية التى قامت بها : عملية الباص فى 17 مارس [[1954]] حيث هاجمت مجموعة فدائية باصاً إسرائيلياً على طريق إيلات – بئر السبع أدى إلى مقتل 11 إسرائيلياً وجرح آخرين، وأشارت التحقيقات الإسرائيلية إلى أن [[الإخوان المسلمين]] وراء العملية.<br />
<br />
7. مظاهرات شعبية عارمة رتبها ووجهها [[الإخوان]] فى قطاع [[غزة]] فى مارس [[1955]] تطالب الحكومة المصرية بإعطاء الحرية للعمل الفدائى الفلسطينى وعدم عرقلته رداً على المذابح الإسرائيلية وهجماتهم على قطاع [[غزة]].<br />
<br />
8. وتحت الضغط سمحت الحكومة المصرية بمساحة من الحركة للفدائيين وأن يتولى الضابط المصرى مصطفى حافظ الإشراف على التدريبات والعمليات فزادت هذه العمليات وأزعجت الصهاينة.. ومن أبرزها عملية أبريل 1956 التى شارك فيها 300 فدائى داخل فلسطين المحتلة.<br />
<br />
9. استمر ذلك حوالى عام كامل بدءاً من سبتمبر [[1955]]م، وحتى أكتوبر [[1956]].. وقد استشهد الضابط مصطفى حافظ فى يوليو [[1956]] نتيجة انفجار طرد ملغوم أرسله له رجال الموساد.<br />
<br />
10. توقف العمل الفدائى تقريباً عن طريق قطاع [[غزة]]، إثر الاحتلال الإسرائيلى للقطاع وسيناء فى أكتوبر 1956، وحتى مارس [[1957]]، وقد تعهد جمال عبد الناصر وقتها بإغلاق الحدود فى وجه الفدائيين.<br />
<br />
11. فى عام 1956 عندما حدث العدوان الثلاثى على مصر، أرسل [[الإخوان]] وهم داخل السجون المصرية رسالة إلى القيادة المصرية بأنهم على استعداد لمواجهة اليهود فى سيناء والقوات الإنجليزية والفرنسية فى القناة ثم العودة إلى السجن بعد ذلك، وأنهم يضعون كل خبرتهم ومعلوماتهم عن سيناء تحت أمر القيادة فى هذه المواجهة، طلب [[الإخوان]] ذلك رغم أن القيادة المصرية كانت تسومهم العذاب والهوان داخل السجون، وقد رفضت القيادة المصرية هذا الطلب، بل أنه فى 1957 كانت مذبحة سجن طرة ضد [[الإخوان]] والتى راح ضحيتها حوالى 24 شهيدا من [[الإخوان]] المسجونين بخلاف عشرات الجرحى .<br />
<br />
12. فى عام [[1957]]، بداية انشقاق عدد من [[الإخوان]] فى قطاع [[غزة]] وعلى رأسهم أبو جهاد (خليل الوزير) وتأسيسهم مشروع فتح الذى تم إعلانه عام [[1958]] واستطاع جذب عدد من [[الإخوان]] الفلسطينيين وخاصة العاملين بمنطقة الخليج ومنهم ياسر عرفات، والذى كان أحد أعضاء [[الإخوان]] منذ كان طالبا بالجامعة فى مصر .<br />
<br />
13. تعتبر الفترة من 1957 وحتى 1964 فترة مخاض فى ظهور العديد من التنظيمات الفلسطينية.. فظهرت منظمة فتح عام 1958 برئاسة ياسر عرفات ثم الجبهة الوطنية لتحرير فلسطين، وجبهة تحرير فلسطين بزعامة أحمد جبريل، ومنظمة التحرير الفلسطينية عام [[1964]].. وقد بدأت عمليات هذه المنظمات فى 1964، 1965.. وأصبح ياسر عرفات بعد دمج فتح فى منظمة التحرير رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية فى فبراير 1969 .<br />
<br />
14. اعتقال قادة [[الإخوان المسلمون]] فى [[غزة]] عام 1965 (منهم الشيخ [[أحمد ياسين]] – و[[هانى بسيسو]] )<br />
<br />
15. كان للقوميين والاشتراكيين والشيوعيين حوالى 30 منظمة فدائية (فى الفترة بعد 1967 وحتى 1970) ولم يُسمح للإسلاميين بتشكيل منظمة فدائية معلنة لدرجة أنه تم سحق منظمة حاول الحاج أمين الحسينى إنشاؤها مما اضطر العديد من [[الإخوان]] والإسلاميين عموماً من العمل تحت غطاء راية فتح مع احتفاظهم باستقلالية إدارية وميدانية وقد توزعوا على سبع قواعد فدائية فى الأردن، وعددهم حوالى 300 أخ.<br />
<br />
16. وعقب حرب 1967 ساهم [[الإخوان]] بقوة فى عمليات المقاومة عبر الحدود الأردنية وكان للإخوان أربع قواعد فى منطقة الأغوار الشمالية من سبع قواعد لهم مستقلة تماماً لكنها ترفع اسم "فتح" لتسهيل التواجد، وكان الشهيد [[عبدالله عزام]] مسئولاً عن أحد هذه القواعد وكذلك الأستاذ أحمد نوفل... وشارك فى هذه المراكز الجهادية عناصر من الإخوان من أغلب الأقطار العربية وخصوصاً من السودان .. والعراق .. وسوريا.. ومصر، بالإضافة إلى إخوان الأردن وفلسطين ونال عدد منهم الشهادة وكان لهم دور مؤثر فى التصدى للقوات الإسرائيلية فى معركة الكرامة، وغيرها من المواجهات، ولقد أبلى الإخوان المشاركون فى تلك القواعد بلاءً حسناً وقاموا بعمليات عسكرية كبيرة فى عمق فلسطين ضد اليهود حتى أن ياسر عرفات كان يكرر أمام رفاقه فى الفصائل أنه يريد عمليات مثل عمليات "الشيوخ" وكانت "فتح" تسارع بنسبة هذه العمليات الناجحة إلى نفسها، وعندما حدث الصدام بين الفصائل الفلسطينية والنظام الأردنى رفض [[الإخوان]] الدخول فى هذا الصراع، وأعلنوا أن سلاحهم موجه فقط ضد اليهود؛ لأن بندقية المسلم لا تقتل الجندى "الأردنى" ولا الفدائى "الفلسطينى"، وكان من نتيجة هذا الصدام فى سبتمبر 1970 أن رحلت المنظمات الفلسطينية من الأردن ومنعت أى عمليات عسكرية من الحدود .<br />
<br />
'''17. من أمثلة عملياتهم المتميزة:'''<br />
<br />
• مشاركتهم الفعالة فى معركة الكرامة 21 مارس 1968.<br />
<br />
• عملية الحزام الأخضر 31 أغسطس 1969.<br />
<br />
• عملية دير ياسين 14 سبتمبر 1969.<br />
<br />
• عملية سيد قطب 28 أغسطس 1970 ... <br />
<br />
وقد استشهد منهم حوالى 13 رجلاً منهم الأخ صلاح حسن من إخوان السيدة زينب فى مصر.<br />
<br />
== ج) بعد حرب 73 واتفاقيات السلام المزعوم ==<br />
<br />
1. بعد عام 1975 تمكن [[الإخوان]] من عمل تنظيم فدائى داخل أراضى [[1948]] تحت اسم أسرة الجهاد وقام بعشرات العمليات الفدائية إلى أن قضى عليه سنة [[1980]].<br />
<br />
2. بدأ [[الإخوان]] فى غزة والضفة بالإعداد للجهاد المسلح [[1980]] ولكن انكشف أمر التنظيم عام 1984 وقبض على بعض قادته وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين وهناك فى السجن فى بداية صيف 1985 أخذوا قراراً بالانتقال من العمل السرى إلى الانتفاضة الشعبية وقد أفرج عن أحمد ياسين فى عملية تبادل للأسرى .<br />
<br />
'''3. ومن أمثلة العمليات المسلحة التى نفذت فى هذه المرحلة :'''<br />
<br />
أ) زرع العبوات الناسفة.<br />
<br />
ب) إطلاق النار على الدوريات الإسرائيلية.<br />
<br />
ولم يعلن الإخوان عن نسبة هذه العلميات لهم؛ حتى لا يجهضوا الإعداد ولا يكشفوا الأوراق... <br />
<br />
4. ومن تلك المجموعات – على سبيل المثال – فى فترة الثمانينات (قبل إعلان حركة "حماس" ).<br />
أ) مجموعة "مجد" التى رأسها : يحيى السنوار، وأسست عام 1983، ومهتمها تحضير العبوات الناسفة.<br />
<br />
ب) مجموعة "مجاهدى المفراقة" بقيادة : يحيى الغول، وقد هاجمت شاحنة عسكرية فى رمضان 1985م.<br />
جـ) "المجموعة رقم 44" والتى نظمها [[صلاح شحادة]] سنة 1986م.<br />
<br />
د) "المجموعة 101" بقيادة : محمد شراتحة، حيث هاجمت فى سبتمبر 1987م سيارات للمستوطنين (قبل أشهر قليلة من الانتفاضة ).<br />
<br />
5. ظهور تنظيم سرايا الجهاد فى 85 – [[1986]] أسسه د. فتحى الشقاقى بعد انشقاقه عن الإخوان وقيامه ببعض العمليات الفدائية.<br />
<br />
6. حادث 8 ديسمبر فى جباليا، حيث كان الشرارة التى اندلعت بعدها الانتفاضة وقد بدأ [[الإخوان]] فى ترتيبها وتوجيهها بعد صلاة الفجر 9 ديسمبر من مسجد مخيم جباليا عبر سلسلة من المظاهرات العارمة وسقط الشهيد حاتم أبو سيس ثم سقط الشهيد رائد شحاته فى مظاهرة أخرى قرب مستشفى الشفاء .. وفى 13 ديسمبر أصدر [[الإخوان المسلمون]] بيانهم الأول باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واتسعت الانتفاضة لتضم جميع أرجاء قطاع [[غزة]] والضفة .<br />
<br />
7. قام [[الإخوان]] فى الأراضى المحتلة عام [[1948]] بإعادة ترتيب صفوفهم بقيادة الشيخ رائد صلاح حاليا وكان لهم دور أساسى فى توعية أبناء عرب 48 والحفاظ على هويتهم الإسلامية بالإضافة إلى دورهم الجهادى وإن كان محدودا ويكتنفه طابع السرية نظرا للظروف المحيطة بهم، وهم منذ فترة يخوضون بكفاءة معركة الحفاظ على المسجد الأقصى وتولى حراسته وحمايته من اليهود والتواجد فيه باستمرار <br />
8. صعد الإخوان من عملياتهم الجهادية وقاموا بعشرات من العمليات الاستشهادية رغم توقيع السلطة الفلسطينية لاتفاق أوسلو عام [[1993]].<br />
<br />
9. بدأت [[حماس]] عملياتها العسكرية فى فبراير 1989 عن طريق جناحها العسكرى "المجاهدون" بقيادة الشيخ[[ صلاح شحادة]]، وذلك باختطاف الجندى الإسرائيلى وقتله، لكن وُجهت له ضربة قوية من إسرائيل فى مايو 1989 ... ثم شكلت [[كتائب عز الدين القسام]] فى مايو 1990 مستفيدة بالخبرات المتراكمة والتجارب السابقة ومازالت فى الميدان تواجه العدو وتتصدى له بعون الله ( وكنموذج لعملياتها فقد نفذت عام [[1993]] فقط ما مجموعه 138 عملية .<br />
<br />
10. انتفاضة [[الأقصى]] المباركة فى 28 سبتمبر عام 2000 م رغم محاولة السلطة الفلسطينية احتوائها، وما زال الإخوان بفضل الله فى قلب المقاومة وعلى قمة قيادتها ثابتين صابرين مجاهدين .<br />
<br />
<br />
== د) قصة تأسيس [[كتائب عز الدين القسام]] ==<br />
<br />
1) أنشأ [[الإخوان المسلمون]] فى [[غزة]] أول جهاز أمنى عام [[1981]] المسئول عنه الشهيد صلاح شحادة وكان عدد أفراده قليلا"، ومهمته مراقبة عملاء الاحتلال وعمل قاعدة بيانات .<br />
<br />
2) وفى العام التالى (1982) شكلوا اللجنة العسكرية كنواة للعمل الميدانى المسلح وضمت الشيخ أحمد ياسين، والشيخ عبدالرحمن تمراز، ود. إبراهيم المقادمة والشيخ صلاح شحادة وآخرين.<br />
<br />
وكانت مهمتها هى جمع السلاح، وتنظيم خلايا عسكرية وتدريبها .. وانكشف أمر هذا التشكيل فى أواسط عام 1984 عندما أبلغ عنهم أحد تجار السلاح، واعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلى أغلب أعضا اللجنة وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، عدا د. أحمد الملح الذى تمكن من المغادرة إلى اليمن .<br />
<br />
لكن الجهاز الأمنى بقى عاملا فى الميدان وقد طور آلياته، وزاد عدد أفراده حتى بعد اعتقال المسئول عنه الشيخ صلاح شحادة ثم طالته حملة المداهمة والاعتقالات عام [[1989]] كما سيأتى .<br />
<br />
3) مع خروج الشيخ أحمد ياسين من سجنه فى 20 مايو [[1985]] فى صفقة تبادل للأسرى مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة .<br />
<br />
تم إعادة إحياء الجهاز العسكرى من جديد وانضم إليه الشيخ صلاح شحادة الذى خرج من سجنه فى منتصف عام 1986، وكان ذلك تحت اسم "حركة المقاومة الإسلامية" ثم بعد عدة شهور تقرر دمج الجهاز الأمنى الذى تأسس عام 1980 مع هذا الجهاز العسكرى، وحمل اسم منظمة الدعوة والجهاد (مجد)، وفى 17 نوفمبر 1987 طور الإخوان هذا الجهاز تحت قيادة الشيخ صلاح شحادة .ونائبا له المهندس نزار عوض الله إلى جانب حسن المقادمة ويحيى السنوار وبدأوا بتجنيد عناصر منتقاة من أسر [[الإخوان]] وبهدف تأهيلهم للعمل الميدانى تحت اسم "المجاهدون الفلسطينيون" ومع انطلاق الانتفاضة بداية من 8 ديسمبر 1987 وإعلان [[الإخوان]] تشكيل حركة المقاومة الإسلامية حماس فى 14 ديسمبر 1987، تطور نشاط هذا الجهاز الجهادى لكن تعرض لحملة اعتقالات شديدة ضمن الاعتقالات الواسعة التى تعرضت لها حركة حماس فى مايو وأغسطس 1988، فقام [[الإخوان]] بإعادة تشكيله بقيادة المهندس نزار عوض الله ويساعده الأخ حسن الصيفى وتمكن من القيام بعمليات بطولية كثيرة .<br />
<br />
ففى 17 فبراير [[1989]] خطفت جنديين صهيونيين وقتلتهما (نفذ ذلك الخلية 101 بقيادة محمد شراتحة) وكذلك خطف الجندى "آفى" وقتله فى 3 مايو 1989 وجندى آخر هو "إيلان" وقتلوه أيضا.<br />
<br />
وعلى إثر تصاعد هذه العمليات شنت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة طالت الشيخ صلاح شحادة الذى كان خارجا لتوه من السجن والشيخ أحمد ياسين الذى اعتقل فى 18 مايو 1989 وعدد من قيادات جهاز "المجاهدين"، وخلالها انكشف الجهاز الأمنى للحركة "مجد" .<br />
<br />
استوعب [[الإخوان]] الضربة، وفى شهر مايو [[1990]] أنشأ قادة جهاز "المجاهدون" جهازا جديدًا تحت اسم [[كتائب الشهيد عز الدين القسام]]، لكن حملات الاعتقال التى استهدفت حركة [[حماس]] فى فبراير 1991 مرة أخرى دفعت قيادة [[الإخوان]] إلى جمع العمل العسكرى وتوحيده فى إطار [[كتائب الشهيد عز الدين القسام]]، وتولى قيادتها سليمان الملالحة "أبو صائب" الذى بدأ تشكيل خلايا عسكرية جديدة وكانت بذلك الانطلاقة القوية للكتائب بشكلها الحالى فى بدايات عام 1991م .<br />
<br />
أما فى الضفة الغربية فقد كانت الخلايا العسكرية للمجاهدون الفلسطينيون أقل نشاطا وتنظيما عنها فى قطاع [[غزة]]، وكانت فى مرحلة البناء خلال الأعوام من [[1989]] إلى 1991م، ولم تتحول إلى عمل عسكرى مؤثر إلا مع وصول عدد من قادة كتائب القسام المطاردين فى قطاع غزة أمثال الشهيد عماد عقل، فى شهر مايو 1992م وقد عدلوا الاسم فى البداية فى الضفة من "المجاهدون" إلى كتائب [[عبدالله عزام]] ثم عادوا إلى توحيد الإسم تحت "كتائب الشهيد عز الدين القسام" لتواصل انطلاقها وجهادها وصمودها بعد ذلك وتقدم أجيالا متتالية من الشهداء من القيادات المجاهدة .<br />
<br />
<br />
== خاتمة ==<br />
<br />
إن تاريخ [[الإخوان]] وما قدموه – وما زالوا – تجاه القضية الفلسطينية بدءاً من الإمام الشهيد [[حسن البنا]] و[[عز الدين القسام]] .. إلى كتائب حماس المجاهدة .. لم يكتب بعد، ولم تكشف جميع تفاصيله.<br />
<br />
واليوم فإن الهجمة الصهيونية الشرسة ضد [[القدس]] والأراضى الفلسطينية وضد الأمة الإسلامية ستستمر وستزداد ضراوتها فى ظل تخاذل حكام العرب والمسلمين، ولم يبدر – لليوم – عن الحكومات العربية والإسلامية ما يشير إلى شعورها بالخطر الذى يتهددها، ولم يصدر عنها سوى تصريحات باهتة قيلت على استحياء وخجل، بل إن بعضهم يواجه بالعنف والإرهاب قوى الشعب المسلم التى هبت تدافع عن فلسطين والأقصى وتطالب بفتح باب الجهاد، وتعلل سلوكها المشين بأنه خوف على العملية السلمية ( بل الاستسلامية لو صدقوا القول)<br />
<br />
إن القدس – وكذلك كل أراضى [[فلسطين]] – وقف إسلامى على الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة وليست قطعة أرض نتنازع عليها، والأمة الإسلامية مؤتمنة على هذه الأمانة، والذى حملها هذه الأمانة الخليفة الراشد الثانى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والذين حرروها وفتحوها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنود الإسلام وحملة المنهج الإلهى فى الأرض، وهم الذين قدموا أرواحهم فداء لصيانة هذا الفتح العظيم طوال مراحل التاريخ.<br />
<br />
والإخوان يهيبون بكل القوى الإسلامية وشعوبنا الأبية أن يواصلوا حمل الأمانة والدفاع عن مقدساتنا وحقوقنا كاملة دون تفريط، وسيكونون – بإذن الله – معهم يداً واحدة حتى نسترد فلسطين وكل أرض إسلامية سليبة.<br />
<br />
<br />
== [[الإخوان]] لها الآن ==<br />
<br />
لقد فتحها عمر بن الخطاب، وحررها من الصليبيين صلاح الدين الأيوبى، ودافع عنها قطز ضد المغول، ودافع عنها [[الإخوان المسلمون]] عام 1948 ضد اليهود .. وهم لها الآن .. وإن غداً لناظره قريب.<br />
<br />
'''(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(آل عمران:146)''' <br />
<br />
:'''والله أكبر ولله الحمد'''<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_(6)&diff=643328حول القضية الفلسطينية (6)2012-02-21T09:41:42Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div><center>'''القضية الفلسطينية (6)''' </center><br />
<br />
'''<center>نظرة على الواقع الحالى </center>'''<br />
<br />
'''بقلم : د. [[محمد عبدالرحمن]] ... عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
<br />
== هل نحن بحاجة إلى مشروع جديد ؟ ==<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
قد يتساءل الناظر للواقع الحالى لميدان المواجهة مع العدو الصهيونى، هل هناك حاجة لمشروع جديد؟ <br />
نقول إن الساحة ليست خالية أو المقاومة ليست مفتقدة حتى نبدأ بالبحث عن مشروع جديد بعد هذه المرحلة الطويلة من الجهاد.<br />
<br />
وإنما ننظر ونقيم واقع المشاريع والتيارات العاملة فى الساحة، وبنظرة علمية محايدة نجد أن المشروع الإسلامى المتكامل الذى وضعه الإمام الشهيد ما زال هو المشروع الفاعل فى الساحة، وأنه هو الذى يقود الأمة فى هذه المواجهة، وأن له الريادة والتميز فى ذلك إذا أخذنا شمول رؤيته وتنوع واتساع مساحة الصراع الذى يخوضه ومدى ثبات وانتشار أصحاب هذا المشروع، ومدى كفاءتهم لهذا التحدى وما يمتلكونه من تجربة وتاريخ، وقد أوضحنا بعض هذه الجوانب فى المقالات السابقة.<br />
<br />
'''إن التقييم العملى فى هذا الأمر يقوم على نقاط محددة :'''<br />
<br />
هل مازال هذا المشروع موجوداً فى الساحة أم لا ؟<br />
<br />
وهل هو يتقدم أم يتراجع ؟<br />
<br />
وهل ما زالت منطلقاته وأهدافه ثابته أم طرأ عليها التغيير والتبديل ؟<br />
<br />
وهل يأخذ بشمولية الحركة فى الصراع والمواجهة أم يحصر نفسه فى محور واحد ؟ <br />
<br />
وما هو مقدار ثباتة أمام عامل الزمن، واختبار الضغط والابتلاء وتجاوز المؤامرات ؟<br />
<br />
هل هو قادر على الاستمرار والعمل فى جميع الأحوال والأجواء ؟<br />
<br />
وهل رؤيته الشاملة مكافئة للواقع والمستقبل ؟<br />
<br />
ثم تقييم لمدى ما قدمه، وحجم التضحيات التى قدمها، واستمرار أجياله فى تبنى مشروعها لا تحيد عنه، ومدى انتشار وتأثير هذا التيار فى الأمة .<br />
<br />
إن الإجابة على تلك النقاط لتؤكد لنا نظرياً وعملياً أن المشروع الإسلامى المتكامل الذى أسسه وأطلقه الإمام الشهيد ودفع حياته فى سبيل الله من أجله، هو المشروع الرئيسى الرائد فى تلك المواجهة. وأنه هو المشروع المكافئ والمناسب لهذا التحدى ليس فقط من خلال إنجازه العملى الواقعى، وتواجده المؤثر بالنسبة للتيارات والمشاريع الأخرى، وإنما لأنه ينطلق من ثوابت الإسلام وأهدافه وبالتالى لا طريق غيره إذا كنا جادين فى تحمل المسئولية وأداء الأمانة والقيام بما أوجب الشرع. ويصبح الجهاد المطلوب يصب فى كيفية تطبيقه والسير بهذا المشروع الإسلامى، وليس مطروحاً أن نبحث على غير هدى عن مشروع آخر أو نراجع ثوابتنا ومنطلقاتنا وأهدافنا.<br />
<br />
إننا لا نمانع من الاستفادة من أى إنجاز ومن أى فرصة ومستجد حتى ولو من الأعداء لكن هذا يكون فى الفروع والوسائل وليس فى المنهج والأصول، ويصب فى النهاية فى خدمة المشروع الأصيل.<br />
<br />
وإذا كان لنا من تقييم، فإنه يختص بمدى تطبيقنا وانتظامنا فى هذا المشروع.<br />
<br />
ولقد أشارت المقالات السابقة إلى نماذج مختصرة للأداء والإنجاز للرؤية والمسار تؤكد ما ذهبنا إليه من حقائق.<br />
<br />
<br />
== الرؤية بشأن التعامل مع الواقع ==<br />
<br />
1. إن المعركة القادمة والمستمرة بين الأمة وهذا المشروع الصهيونى – الأمريكى ستستمر لعدة أجيال ولا يمكن حسمها فى جيل واحد وأن مصادر قوة المشروع الإسلامى تتبلور فى يقينه بالله وبالأمل فى تأييده ونصره وتحقيق أهدافه.<br />
<br />
إن ربانية هذه الدعوة قد لا يفهمها البعض، لكن فى تاريخ الأنبياء وفى مصارع الطغاة الظالمين لدليل وبرهان على ذلك.<br />
<br />
2. إن ما أنجزه التيار الإسلامى على أرض الواقع رغم الفجوة الضخمة فى الإمكانيات، ورغم اتساع صف الأعداء وقدرتهم على توظيف شريحة و نخبة من حكام وكتاب الشعوب الإسلامية لصالحهم وضد التيار الإسلامى، ليعتبر بفضل الله نصراً مبيناً، بل وشكل صدمة للأعداء ومن معهم الذين ظنوا غير ذلك... وإن ثبات هذا التيار الإسلامى واستعصائه على الاستئصال أو الإقصاء ليعتبر إنجازاً ومبشراً ومقدمة للنصر الكامل بإذن الله.<br />
<br />
3. إن المشروع الإسلامى يركز فى هذه المرحلة على الشعوب وما يتعلق بها من مؤسسات وكيانات جماهيرية وأن تنتقل القضية والاهتمام بها وبكل أبعادها من جيل إلى جيل.<br />
<br />
4. إن هذه المرحلة تشكل مرحلة الصمود والثبات وتأصيل العقيدة وتوعية وتوظيف الأمة الإسلامية، وأن يستمر لديها اليقين بحتمية الانتصار وتحقيق وعد الله عز وجل لها... وإن مظاهر تفاعل الملايين من ا لأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها عند كل حدث يمسّ أرض [[فلسطين]] ليؤكد على نجاح هذه المرحلة والتى لابد أن تتواصل لتنتقل للمراحل الأخرى حتى تأتى مرحلة الحسم والمعركة النهائية.<br />
<br />
5. وبالنسبة للحكومات، فلا تعول عليها هذه المرحلة كثيراً، وإنما تستخدم وسائل الضغط السلمية وطرق الإقناع المختلفة، لمحاولة توجيهها للتصدى للخطر أو عدم التجاوب مع مخطط الأعداء .<br />
<br />
6. إن الأعداء الغاصبين لهم دولة قوية يدعمها المشروع الأمريكى الغربى، بكل قوة، ونعلم جيداً أنه لن يبطلها وينهى وجودها إلا دولة إسلامية قوية بمعنى الكلمة تقف معها كل الأمة العربية والإسلامية، لكن هذه المرحلة الطريق إليها يكون عبر مشروع متكامل متدرج يواصل المواجهة بوسائل متعددة فى الحركة وقدرة على التعامل فى الميدان.. ويضع التيار الإسلامى قناعته فى مقدرات الأمة الإسلامية وأنها من الحجم والقدرة بما يجعلها قادرة على دحر هذا العدوان، وذلك إذا تم إيقاظها وبث الروح فيها من جديد وحسن توجيهها وتوظيفها.<br />
<br />
7. إن أصحاب التيار الإسلامي ليدركون سنن التاريخ وقواعد التغيير فى الكون ويدركون جيداً مصادر القوة عند الأمة الإسلامية، كذلك عوامل الضف والانهيار عند الجبهة المعادية حتى وإن لم تظهر نتائجها، وإن دورة التاريخ لقادمة بإذن الله لكن هذه السنن يستفيد منها العاملون المجاهدون وليس القاعدون المتكاسلون.<br />
<br />
8. من الأهمية بمكان ترسيخ عقيدة المقاومة لهذا الكيان الغاصب، وأنه لن يتم دحره إلا بالقوة بكل أنواعها، وإنه مهما كانت مساحة المقاومة وتأثيرها صغيراً أو ضعيفاً، فإن وجودها كأصل واستمرارها ودعمها لتتطور بعد ذلك ليشكل ذلك مرتكزاً أساسياً فى الرؤية وفى الاستراتيجية.<br />
9. ترفض الرؤية الإسلامية العمل بأسلوب رد الفعل فقط، أو الفورات المؤقتة التى تنشط وتهدأ كل حين، وإنما هناك أهدافاً أساسية ووسائل مستمرة متدرجة للوصول لهذه الأهداف وتحقيقها على كل المستويات الفردية والمؤسسية والشعبية.<br />
<br />
<br />
== منهجية التعامل مع المرحلة الحالية ==<br />
<br />
'''إن و اجب المرحلة وفرضية الوقت ومتطلبات المشروع الإسلامى، تقتضى منا العمل على هذه المحاور:'''<br />
<br />
1. أن نستمر على هذا المشروع الإسلامى المتكامل بكل محاوره، وأن تلتف حوله الأمة كلها، وأن تكون قضية فلسطين فى القلب منه بمنطلقاتها الإسلامية وأهدافها الشاملة.<br />
<br />
2. أن نحرص فى هذه المرحلة على تعميق الوعى لدى الأمة والشعوب الإسلامية وبناء القناعات الراسخة لديها فى هذا الميدان لكل شرائحها، وجيلاً بعد جيل، ليس ذلك قاصراً على التيارات الإسلامية وإنما شاملاً لكل الأمة، مع تقوية ذاكرة الأمة حتى لا تنسى، وتقوية مناعتها ضد الكيان الغاصب الذى أجرم فى حقها.<br />
<br />
3. أن يتحول الوعى وتلك العقيدة إلى إرادة قوية وإلى تحرك عملى يصب فى كل المحاور وبكل الوسائل المطلوبة.. لابد أن يتبلور ذلك على المستوى الجماهيرى والفردى، وأن ينبثق عنه مؤسسات وجمعيات وكيانات أهلية شعبية، ودولية، تساهم فى متطلبات تلك المرحلة وتحافظ على الفعاليات المناسبة.<br />
<br />
4. هذه المرحلة التى نحن فيها، تركز على الأمة والجماهير، حيث أن الحكومات خرجت عن هذا المسار وتعاون أغلبها مع الأعداء، لكن وبإذن الله سوف تلحق بهذا الركب فى المستقبل عندما يتم إصلاحها بحق ضمن مراحل المشروع الإسلامى.<br />
<br />
5. لابد أن ننتقل من واقع العواطف والكلمات إلى واقع الحركة الجماهيرية عند الأحداث والمواقف ولابد أن ننتقل من مجرد التعبير وتفريغ الطاقات إلى وسائل ضغط وتوظيف للإمكانيات لتصب فى صالح المقاومة والصمود.<br />
<br />
ولابد أن يكون لذلك رأساً موجهة وليست حركة وتعبيراً عفوياً يهدأ وينشط كل فترة.<br />
<br />
6. ولابد أن يشمل التحصين والتوعية ضد المساومات والاستدراجات ليصل وعى الأمة إلى أعلى مراحل النضج وأن تتمكن من التمييز بين المجاهدين والمخلصين، وبين عبث المتاجرين بالشعارات .<br />
<br />
7. وأن يصل هذا الوعى إلى الإيجابية والذاتية فى حركة الأفراد والكيانات والجماهير لأنها أصبحت قضيتها تتفاعل معها وتعمل لها باستمرار.<br />
<br />
8. التنبيه واليقظة لمحاولات العدو الصهيونى هدم [[المسجد الأقصى]] أو تقسيمه وبناء هيكلهم المزعوم، حيث بدأت خطتهم فى التسارع بهذا الشأن مستغلة ضعف الدول العربية وكثرة الصراعات فيما بينها، لهذا لابد من إجراءات وخطوات رادعة وردّ فعل جماهيرى قوى على مستوى الأمة يجعل العدو يعيد حساباته من جديد.<br />
<br />
9. التأكيد على مشروع المقاومة ودعمها وترسيخ مسارها فى المعركة وتوسيع قاعدتها والتعاون مع كل فروع وتيارات المقاومة لبناء مرجعية ثابتة وداعمة لها تستمد تأييدها ودعمها من عموم الشعب الفلسطينى ومن جماهير الأمة العربية والإسلامية، وتحقيق التنسيق والتعاون ثم الوحدة فيما بينها.<br />
<br />
10. الحرص على وحدة الصف الفلسطينى، ولكن لابد أن تكون هذه الوحدة على ثوابت القضية وليست وحدة أجسام قلوبها وأهدافها متباعدة ومتناقضة وإن الأصول ثابتة فمن شذّ عن الأصول والثوابت شذّ عن الصف وعن الوحدة وستلفظه الجماهير وسيدوسه الزمن ويتجاوزه.<br />
<br />
11. كذلك الحرص على المقدرات الذاتية للدول والأمم الإسلامية والرقى بها وإحداث التقدم والتحرر الاقتصادى والسياسى والثقافى المطلوب. إن أى تنازع أو حروب بين هذه الأمم والدول ليصب فى خانة مصلحة الأعداء، وإن اى فوضى وتخريب فى مقدرات هذه الأمم ليؤدى إلى تحطيم قدراتها على المواجهة ويضعف ويؤخر انتقالها للمراحل التالية فى المعركة.. إن الحرص على الدم الإسلامى وعدم إراقته فى هذه النزاعات مهما رفعت عليها من أسباب وشعارت لهو عقيدة أساسية عند أصحاب المشروع الإسلامى الرائد، وهى تدرك أن ذلك من خطة الأعداء وضمن استراتيجيتهم فى المواجهة فهم يصنعون المؤامرات لإنشاء هذه الصراعات لإضعاف مقدرات الأمة كما يؤثر أيضاً على الارتقاء للوحدة العملية بين شعوبها .<br />
<br />
12. أن تكون هناك خطوات جادة على مستوى الشعوب والكيانات الأهلية والاقتصادية للتواصل والتعاون والتكامل فيما بينها، تمهيداً لخطوات إعداة الوحدة والكيان الدولي للأمة الإسلامية.<br />
<br />
13. وعلى المستوى الدولى يدرك التيار الإسلامى، الخلفية الكاملة لمواقف الدول الأخرى، والخلافات القائمة بين أطرافها، وعقم المؤسسات الدولية وكيف يتم توجيهها.<br />
<br />
ولهذا فهم لا يبنون خطتهم على هذه الأمور أو يتعلقون بأوهام ووعود وآمال زائفة، فمصادر القوة للأمة تأتى من داخلها، لكنهم فى الوقت نفسه يوظفون هذا الواقع ويستثمرونه لصالح المشروع الإسلامى ولرفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى.<br />
<br />
14. لابد من دعم الإعلام المؤثر الصحيح الخاص بهذه القضية ليصل لكل شعوب الأمة الإسلامية ولكل شعوب العالم ومؤسساته وأن نتحرك لمواجهة هذا الإعلام المزيف المنحاز للعدو وأن نفضح تلك الجرائم ونعمل على إيقاظ الإنسانية التى ما زالت فيها بقية من حياة رغم الركام والزيف الذى أحاط بها.<br />
<br />
15. قطع الطريق على الحلول الاستسلامية، ورفض أى تنازلات وتراجع عن الثوابت والحقوق الفلسطينية، وفضح كل المؤامرات التى تحاك ضدها ومن يشارك فيها ويروج لها.. إن ما يفرضه البعض من تراجعات وواقع استسلامى للعدو الصهيونى والأمريكى على أرض الواقع نواجهه بالثبات على المبادئ والأصول، وبمنع إعطائه الشرعية التى يطلبونها، مع التعامل السياسى والإعلامى والميدانى معها بما يحقق دعم استمرار المقاومة ودعم صمود الشعب الفلسطينى وتحسين أحواله.<br />
<br />
16. التواصل الفعّال مع أهل فلسطين والاستفادة من كل مستجد فى هذا الشأن لتخفيف العبء والضغط عنهم، والاهتمام بأبناء المهجر مناخا ومعيشة ووعياً والتواصل معهم بشتى السبل وكذلك الدعم الاقتصادى لأهل فلسطين داخل الأرض المحتلة حتى يقلّ اعتمادهم على اقتصاد العدو الغاصب.<br />
<br />
17. التأكيد على منهجية إسلامية نبه إليها مراراً الإمام الشهيد [[حسن البنا]] وكان الشهيد أحمد ياسين يتمسك بها على الدوام، وهى عدم الدخول فى مهاترات مع الأطراف الفلسطينية أو غيرها التى نختلف معها، ولا نرد بأسلوبهم على التشويه والحملات الإعلامية فقد سمى الإمام الشهيد ذلك "كفاحاً سلبياً " يشغلنا عن مهمتنا الأساسية وعن العمل الإيجابى كما أنه يوغر الصدور ويخرج عن مبدأنا الثابت وهو "عدم تجريح الهيئات والأشخاص".<br />
<br />
18. تشجيع التعاون والتواصل مع كل القوى والأفراد والتيارات التى تعمل على مواجهة العدو والتصدى له مهما اختلفت منطلقاتها ما دامت تجمعها الثوابت الأساسية فىظل المبدأ : " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ".<br />
<br />
19. مواصلة الحرب النفسية ضد العدو الصهيونى، مع الاستفادة من الطبيعة الشخصية اليهودية فى قلقها وخوفها على كل ما يؤثر على حياتها والتأكيد على هزيمته الحالية والمستقبلية.<br />
<br />
'''والواقع الحالى يشير إلى ثلاثة أمور يمكن توظيفها فى هذا المجال:'''<br />
<br />
أ- فشل المشروع الصهيونى فى عقد السلام مع الشعوب أو أن تقبل به، فما زالت القضية حية عندها وما زالت روح المقاومة قائمة متجددة وإن العوامل التى ساعدت على ذلك وعلى رأسها التيار الإسلامى تزداد قوة يوماً بعد يوم.<br />
<br />
ب- فشل المشروع الصهيونى فى القضاء على خندق المقاومة، بل انتقلت بقوة داخل فلسطين وسببت له إزعاجاً شديداً وتمكنت من الثبات ضد هجماته المتعددة، وتجاوبت معها الأمة الإسلامية.<br />
<br />
ت- جـ) التأثير السلبى على الشعب اليهودى فى الدولة الصهيونية من جراء المقاومة الفعالة وتنامى الروح الإسلامية داخل فلسطين كلها مما كان له أثر سلبى كبير على الروح المعنوية عند الجنود الصهاينة وعند قادتهم.<br />
<br />
20. فى ظل هذه الثوابت التى تتمسك بها الجماعة، فإنها تتعامل أيضاً مع الواقع الميدانى بمتغيراته المختلفة وفق الضوابط الشرعية، وما تحمله من موازين وضوابط تخصّ الحركة والمواقف العملية، فهىتدرك أن المعركة ممتدة وطويلة، وأن الفجوة بين الواقع وهذه الأهداف المرتبطة بتلك الثوابت واسعة وكبيرة، لكن ذلك كله لا يشكل قفزاً فوق تلك الثوابت أو تفريغاً لها من محتواها.<br />
<br />
• فرق كبير بين التدرج والمرحلية العملية وبين التنازل المرحلى والتراجع الجزئى وفرق كبير بين الهدنة بضوابطها الشرعية طالت أم قصرت، وبين الاستسلام والإقرار بشرعية الغاصب وعدم مقاومته.<br />
<br />
• وفرق كذلك بين السكوت عن أمر ميدانى تفرضه بعض الظروف، وبين الإقرار به وإضفاء الشرعية عليه.<br />
<br />
• وإن ما يقدمه الأعداء أو ما يسمونهم بالوسطاء من حلول ومقترحات فى مقابل هدم بعض تلك الثوابت أو التراجع عنها، يرفضه أصحاب المشروع الإسلامى، حيث يرفضون ذلك التنازل حتى لو وافق عليه فصيل من الفلسطينيين. وفى نفس الوقت يوظفون الواقع العملى بشأن ذلك إذا تبناه أحد أو فرضه على أرض الواقع بما يخدم القضية ويدعم صمود الشعب الفلسطينى ومقاومته الفعالة.<br />
<br />
• إنهم بفضل الله من الثبات والصمود بما يحقق استمرار المسار وسلامة الطريق والحفاظ على الثوابت مهما كانت التضحيات، وهم فى الوقت نفسه من الحكمة والمرونة فى مواجهة الأحداث والمواقف بما يستوعب المستجدات وينجحون فى توظيفها والاستفادة منها.<br />
<br />
• وإذا كان هناك من أخطاء – حيث لا يدعى أحد العصمة أو القداسة – فإن ذلك يكون فى الوسائل وفى فرعيات العمل وليس فى الأصول، وتأتى المرجعية والتقويم مع اللجوء لله عز وجل لتجبر ذلك فلا يشكل منعطفاً أو عائقاً حقيقياً.<br />
<br />
<br />
== مخاطر مستجدة وكيفية مواجهتها ==<br />
<br />
ما زال العدو يواصل مشروعة ويحاول أن يطوره ويدفعه على أرض الواقع، والمشاهد أنه أحرز بعض التقدم فى بعض المحاور، ويعانى من معوقات شديدة تصل إلى مستوى الفشل الاستراتيجى فى محاور أخرى، ونشير هنا إلى بعض هذه النقاط :<br />
<br />
1. لقد نجح المشروعى الصهيونى بالتعاون والدعم مع المشروع الأمريكى فى إخضاع حكومات الدول العربية غالباً، والوصول إلى حدّ التوظيف لها، بل فى محاولة خداع شعوبها، والاستجابة لمطالب العدو ودعمه فى فرض حل على أرض الواقع فيه التنازلات عن الثوابت بحجة السلام المزعوم.<br />
<br />
2. تمكن من عقد اتفاقيات حالية، وأخرى قادمة تعترف له بالشرعية وتساعده على تشكيل طبقة مرتطبة به من أصحاب المصالح ورجال الأعمال.<br />
<br />
3. نجح العدو فى أن يتواصل معهم على المستوى السياسى ويكون منفذاً لهؤلاء الحكام لقضاء المصالح وتبادلها خاصة مع أمريكا.<br />
<br />
4. نجح لأول مرة فى استمالة فصيل من أهل فلسطين – وإن كان عددهم قليلاً بالنسبة لباقى الشعب – يحاول دعمهم وتثبيت وجودهم . لأنهم يقبلون به ويتعاونون معه لفرض مشروعه الصهيونى على أهل فلسطين مقابل مكاسب زائلة.<br />
<br />
5. انهيار منظومة الأمن القومى العربى.<br />
<br />
• إن معركة [[فلسطين]] تشكل قلب الأمن القومى العربى، وهناك خطة من أمريكا والعدو الصهيونى لقلب هذه المعادلة بالمنطقة، محاولة استخدام وتوظيف أحداثاً كثيرة تساعدها على تهميش القضية الفلسطينية عند الأنظمة والدول العربية وإحلال قضايا أخرى فى بؤرة الاهتمام، ليؤدى ذلك إلى جعل الدول الصهيونية ضمن معادلة الأمن القومى العربى وذلك من خلال محاور عدة منها تصعيد الخلاف الشيعى – السنى، وإذكاء الصراع بين الدولة الإيرانية والدول العربية، ودعم النزاعات الأهلية بالمنطقة لتكون إسرائيل بعد ذلك هى القوة التى تعادل الخطر الإيرانى وأن تكون هى نقطة الارتكاز القوية وسط دول أنهكتها الصراعات الأهلية والنزاعات فيما بينها فتصبح بذلك فى قلب منظومة الأمن القومى العربى الذى بدأ يستعين بأمريكا ويقبل بتواجدها العسكرى – ولو مؤقتاً – فى حين أن هذا التواجد لها يدعم من الثقل العسكرى والسياسى للكيان الصهيونى.<br />
<br />
• ومن هنا تتضح أهمية وضرورة المقاومة على أرض فلسطين لتنهكها وتسبب لها الوخزات المؤلمة التى تعرقل تفرغها لهذه الخطة، وكذلك دعم مقاومة التواجد الأمريكي الخادم للمشروع الصهيونى – الغربى، بكل وسائل الدعم وبكل صور المقاومة.<br />
<br />
• ومن الأهمية أيضاً استمرار الحراك الشعبى لإسقاط هذه الاتفاقيات الجائرة التى تم عقدها مع الحكام وعدم اليأس من تحقيق ذلك بالوسائل السلمية والنضال الدستورى.<br />
<br />
• كذلك يحاول المحور الأمريكى – الصهيونى، جرّ بعض القوى المجاورة للمنطقة العربية لدخول معادلة التأثير فى أحداث المنطقة، وأن يكون دخولها انحيازاً لمصالح إسرائيل وأمريكا، وأيضاً استخدام تكتلات دولية تخدم مثل هذا الأمر مثل التجمع اليورومتوسطى، وبالتالى تتضح أهمية التواصل مع تركيا وشعبها ليكون انحيازها مع المصالح العربية وأن يكون توجه حكومتها مؤيداً للحق العربى وداعماً له، وإضافة إيجابية لأمن المنطقة ومواجهتها للخطر الصهيونى.<br />
<br />
• وكذلك نزع فتيل الصراع مع الدولة الإيرانية وحل المشاكل بالطرق السلمية وبناء آلية لحسن الجوار وحل الخلافات.<br />
<br />
• إن على الشعوب واجباً كبيراً فى هذا المجال لإقناع الحكومات وإطفاء الصراعات.<br />
<br />
• وكذلك هناك المحور الثقافى والاقتصادى والذى يريد الكيان الصهيونى وفق مشروع بيريز عام 1990 أن يمسك من خلاله بمنظومة المصالح الاقتصادية والمؤثرات السياسية بالمنطقة يدعمه فى ذلك مناخ ثقافى وإعلامى مؤثر فى المجتمعات لتكون هناك بيده شبكة قوية مؤثرة من العلاقات السياسية والاقتصادية يصعب الخروج عليها أو الابتعاد عنها من دول المنطقة.<br />
<br />
• ومن هنا يتضح أهمية المقاطعة الاقتصادية والثقافية لهذا الكيان الغاصب وإبقاء القضية حية فى وجدان الشعوب، واعتماد آلية التعاون والتكامل الاقتصادى بين الدول العربية والإسلامية بدءًا من المستوى الشعبى وكياناته وارتقاءه إلى المستوى الرسمى والدولى.<br />
<br />
• لابد من تطوير مجتمعاتنا وتنميتها واعتمادها على نفسها إذا كنا جادين فى الحفاظ على أمتنا ومكانتها.<br />
<br />
• لابد من فضح مسارات العدو الصهيونى ومراكز إعلامه ومن يرتبط به فى تنفيذ خطته تلك.<br />
<br />
• وكذلك تشجيع المبادرات التى تحلّ الخلافات بين كيانات ودول المنطقة العربية حرصاً على مقدرات الأمة ومنعاً لإراقة الدم العربى المسلم بيدنا نحن، وفى النهاية يصب ذلك فىمصلحة العدو الصهيونى.<br />
<br />
• إن الحرص على استقرار دول المنطقة يساعد على التنمية والتقدم الاقتصادى لها، ولابد لمصر أن تستعيد دورها الرائد والمؤثر فى هذا الميدان وفى منع الخلافات أن تصل إلى إراقة الدماء، وأن عليها ان تخرج من دوامة التأثير الأمريكى وأن تدرك ان الأمن القومى العربى هو أمن قومى لمصر لا ينفصل عنه.<br />
<br />
• كما يجب إعادة إحياء وتفعيل دور جامعة الدول العربية حيث أصبح ذلك حاجة ملحة فى هذه الفترة، وإلى حين أن يتحسن هذا الأمر، على النخبة الشعبية وعلماء الأمة أن تسارع لتشكيل تكتلات وكيانات أهلية على مستوى المنطقة تحاول أن تؤدى هذا الدور وتقطع الطريق على الخلافات والنزاعات.<br />
<br />
<br />
== خاتمة ==<br />
<br />
إن الناظر للظاهر من الأعمال وبعض أنواع الحراك، قد يرى أن حجمه ليس كبيراً أو مؤثراً، لكن هذه النظرة السطحية لا تغوص وراء الأشياء، فكل هذه الأعمال والفعاليات مهما قلّ شأنها، لها دورها وتأثيرها مع أهمية الاستمرار بها وتطويرها إلى درجات أكبر من التأثير والاتساع.<br />
<br />
وإن الذى نضعه فى الاعتبار هو استمرار وتقدم المشروع الإسلامى ومدى ثباته وقدرته على اجتياز المعوقات وأن يتكامل العمل على كل المحاور المتعلقة بهذه القضية.<br />
<br />
إن المظاهر الشعبية التى تخرج فى مختلف الدول للتعبير عن دعم أهل فلسطين، من مسيرات ومؤتمرات وخلافه، لها تأثيرها العميق على المدى البعيد، فهى تحقق أموراً وترسل رسائل واضحة للأطراف كلها:-<br />
1. لأهل فلسطين الصامدين، أننا معهم ولا يمكن أن ننساهم ونشاركهم معركتهم وصمودهم، وهذا الدعم المعنوى هام جداً ومؤثر لهم.<br />
<br />
2. رسالة للعدو الغاصب أن الأمة لن تسكت وأن فيها من يواصل جهاده ضد مشروعهم وأهدافهم، وأن ما يفعلونه من تطبيع مع الحكومات التى استسلمت لهم لن ينفعهم او يقدم سلاماً لهم.<br />
<br />
3. رسالة إلى الدول التى تدعم الكيان الصهيونى وعلى رأسها أمريكا: أن الأمة الإسلامية ليست غافلة عن قضيتها الأساسية وأنها ستستمر فى الدفاع عنها وأنها على يقظة مما يحيكون من مؤامرات.<br />
<br />
4. رسالة إلى باقى أبناء الأمة الإسلامية واجيالها أن القضية ما زالت حية وأن على الجميع أن يتحرك لها.<br />
<br />
5. أنه ضمن الوسائل التى تحاول عرقلة وإيقاف المخططات المعادية وعلى الأقل إبطاء مشروعهم، مع استخدام ذلك وغيره من وسائل الضغط لدفع حكومات الدول لاتخاذ موقف بهذا الشأن.<br />
<br />
• إن الأمة حتى اليوم لم تدخل معركتها الحاسمة مع هذا العدو بعد، وإن ذلك لآت بإذن الله.<br />
<br />
والمشروع الإسلامى يعمل على إعداد هذه الأمة الإعداد الصحيح المتكامل ويواصل إضعاف العدو وإنهاكه وإنزال الرعب لدى قادته وجماهيره تمهيداً للوقت الذى يأتى فيه الحسم، فالعدو دولة ولا يمكن أن يهدمها إلا دولة قوية متمسكة بإسلامها.<br />
<br />
إن المعركة حالياً معركة استراتيجيات وصراع إرادات.<br />
<br />
وإن المراقب ليلمس مدى التقدم والكفاءة التى تزداد يوماً بعد يوم، ففى فترة زمنية بسيطة إذا بالمقاومة الشعبية داخل فلسطين تتطور من الحجر إلى هذه الكفاءة العسكرية التى تتصدى لجبروت العدو وجيوشه.<br />
<br />
ولقد رأينا كيف أن صواريخاً مصنوعة يدوياً تدوى على مدن الصهاينة فيحدث الهلع والانهيار النفسى للمئات من اليهود تمتلئ بهم المستشفيات فى حين على الجانب المقابل يصمد أهل غزة لقصف متواصل من الطائرات والصواريخ شهراً كاملاً متواصلاً فنجد الصمود والثبات من الأطفال والكبار، أليس هذا من مبشرات النصر والهزيمة للعدو؟<br />
<br />
وعندما نجد كل هذا الرعب عند الجندى الصهيونى وهو مدجج بكل أنواع الأسلحة أمام المقاتل الفلسطينى البطل فى محاولتهم الفاشلة لاقتحام [[غزة]] أليست هذه هى الهزيمة قد بدأت داخل قلوبهم وستستمر حتى تتحقق مظاهرها العملية فى الميدان.<br />
<br />
إن مبشرات النصر قائمة نستمدها من عقيدتنا وإيماننا، ومن وعد الله لنا، ومن الواقع العملى للمقاومة، ومن خبرتنا بدورة التاريخ وسنن الكون وإذا كان بعض الأفراد محبطين يائسين، فلأنهم غفلوا عن هذه الأصول، ولأنهم تأثروا بحملة الأعداء وزيف إعلامهم.<br />
<br />
وختاماً نقول إننا نتحدث فى هذا الشأن كمحاور عامة أما خطط المشروع وتفاصيل عمله وتكتيكاته محلها المقالات وصفحات الإعلام فلها مكانها وأهلها، وتكون على أرض الواقع وفى ميدان المعركة، وهدف هذه الصفحات هو المساهمة فى نشر الوعى وفى رفع الواقع وحجم التحدى ورفع الهمة وعدم اليأس والدعوة للعمل الجاد والله يهدى إلى سواء السبيل.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط محمد عبدالرحمن]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85&diff=643302النفير العام2012-02-21T09:07:27Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div><center>'''النفير العام'''</center><br />
<br />
[[وائل عبد الرزاق المناعمة]]<br />
<br />
ما تعانيه مدينة القدس من تهويد منظم ومتزايد تشرف عليه حكومة الإرهاب الصهيوني بمعاونة المنظمات والجمعيات والحركات الصهيونية والمتصهينة حول العالم, والبدء الفعلي بطرد سكان المدينة من العرب حيث اتخذت المحكمة الصهيونية فاقدة الشرعية قرارا بإبعاد النواب المقدسيين عن المدينة, لم يكتب له النجاح إلا بعد اطمئنان يهود إلى صمت العرب والمسلمين في أرجاء العالم بعدما انشغلوا بأنفسهم عن مقدساتهم, حتى وصل الأمر مؤخراً إلى الاعتداء على المسجد الأقصى من العصابات الصهيونية تحت حراسة الشرطة وأجهزة الأمن في دولة الاحتلال, عدا عن حالات الطرد المتكرر للسكان المسلمين والمسيحيين من منازلهم التي يملكوها منذ مئات السنين وقبل قيام الكيان الصهيوني العنصري على أرض فلسطين ويسلموها للمستوطنين الغاصبين أمام مرأى من العالم وفي تجاوز صارخ لكافة الحقوق وللقانون الدولي الإنساني.<br />
<br />
جميع هذه الأحداث المتتالية والمتسارعة تؤكد مضي العدو بتنفيذ مخططاته الرامية إلى طرد العرب من مدينة القدس في محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي لصالح اليهود, وتغيير معالم المدينة المقدسة للوصول إلى إقامة هيكلهم المزعوم, وتتزامن هذه الأحداث مع تنفيذ مخطط آخر تشرف عليه كذلك حكومة الإرهاب بعد إعلان يهودية الدولة يرمي إلى طرد السكان العرب من الداخل بحجة أن هذه الدولة لا تتسع إلا لليهود فقط, حيث توافق في ذلك إرهاب نتنياهو مع عنصرية ليبرمان في المضي بتنفيذ تلك المخططات المجرمة أثناء ولايتهما.<br />
<br />
وأولى محاولات الاستيلاء على المسجد الأقصى شروع دولة العدو بتنفيذ سياسة عنصرية جديدة في المسجد تهدف إلى تقسيم أوقات العبادة وإقامة الصلوات داخل المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، من خلال التوقيت الزمني لأداء العبادات فيه، الأمر الذي يقود إلى تقسيم أوقات العبادة في الأقصى خاصة إذا علمنا أن هناك خمسين عيداً لليهود يتذرعون بها للتواجد الدائم في المسجد الأقصى تحت هذا المبرر المزعوم.<br />
<br />
ويأتي هذا التقسيم في إطار تجاوز فكرة التقسيم الجغرافي مؤقتاً إلى ابتداع فكرة التقسيم الزمني لأداء العبادات في المسجد الأقصى، كبداية للاستيلاء التام على المسجد.<br />
<br />
حيث تجاوز العدوان على الأقصى مرحلة العدوان الجزئي ليصبح عدوانا شاملا من تحت الأرض ومن فوقها.<br />
<br />
وهذا ما يستدعي استمرار حالة النفير العام لدى الشعب الفلسطيني والتوجه للقدس المحتلة والمسجد الأقصى دفاعاً عنه وعن جميع المقدسات التي تتعرض لهجمة مبرمجة من قبل العصابات الصهيونية, عدا عن حالة الغليان التي يجب أن تصل إلى جميع المسلمين في أرجاء المعمورة للذود عن الأقصى المأمورون بالدفاع عنه.<br />
<br />
ومن ناحية أخرى يتوجب علينا انجاز التوافق الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية بناء على المصلحة العليا للشعب الفلسطيني والحفاظ على حقوقنا في الأرض وحق مقاومة المحتل, لتقوية صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المخططات الصهيونية المتطرفة المدعومة من قوى الاستعمار والظلم في العالم.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف: أراء وأفكار حول القضية الفلسطينية|أراء وأفكار]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%B1%D9%8A_%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1&diff=643259السمري أكتوبر2012-02-21T08:22:50Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>* '''البوم شخصيه''':[[إبراهيم المصري]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[أحمد سيف الأسلام حسن البنا]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[إسماعيل النشار]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[أعلام الأخوات]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[إبراهيم شرف]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[أحمد البس]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[أحمد حسنين]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[البهي الخولي]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[جابر رزق الفولي]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[جمعة أمين عبد العزيز]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[حسن الجمل]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[حسن جودة]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[حميدة قطب]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[عمر التلمساني]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[سعد الدين الويلي]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[سعد لاشين]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[صالح عشماوي]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[حسن البنا]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[عبد القادر عودة]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[صبرى عرفة]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[عاطف شاهين]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[عصام العطار]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[علي أحمد باكثير]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[علي نويتو]]<br />
<br />
* '''البوم شخصيه''':[[محفوظ نحناح]]<br />
==محمد سعد الكتاتني==<br />
[[الكتاتني يشارك في مؤتمر بجامعة جورج تاون عن الحركات الإسلامية المعاصرة]]<br />
<br />
[[الكتاتني وقورة والبسطاويسي يتحدثون عن إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات]]<br />
<br />
[[الكتاتني ينفي مزاعم (الأحرار) بشأن دفاع نواب الإخوان عن هاني سرور]]<br />
<br />
[[نواب الكتلة يرفضون محاكاة الدستور الهندي أو الفرنسي]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: القيم والمبادئ هي المنتصر في أزمة الحجاب]]<br />
<br />
[[الكتاتني يحذر وزارة التعليم العالي من خصخصة الجامعات]]<br />
<br />
[[بيان من الكتلة يرصد تجاوزات الوطني في انتخابات وكيلي مجلس الشعب]]<br />
<br />
[[حسين والبلتاجي على منصب "الوكيلين"]]<br />
<br />
[[الكتلة تختار بين الكتاتني والشاعر وحمدي لمنصب رئيس مجلس الشعب]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني يدعو إلى مصالحة وطنية تجمع الجهود لإصلاح الأمة]]<br />
<br />
[[كلمة الأستاذ الدكتور/ محمد سعد الكتاتني رئيسِ الكتلةِ البرلمانيةِ للإخوانِ المسلمين]]<br />
<br />
[[في أول انتخابات علنية للكتلة البرلمانية للإخوان]]<br />
<br />
[[الكتاتني رئيسًا للكتلة البرلمانية للإخوان وحسين إبراهيم نائبًا]]<br />
<br />
[[اليوم.. الكتلة البرلمانية للإخوان تجري أول انتخابات لها]]<br />
<br />
[[المرشد العام يعزي عبد اللطيف قطب في حفيدته وزوجها]]<br />
<br />
[[طالبوا بزيادة التعويضات المقررة للضحايا]]<br />
<br />
[[اليوم.. الإخوان على رأس وفد مصري في دمشق لدعم المقاومة]]<br />
<br />
[[الكتاتني والحسيني ينتقدان قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود]]<br />
<br />
[[الكتاتني والحسيني يطالبان بحق طلاب الثانوية في إعادة التصحيح]]<br />
<br />
[[تأسيس رابطة "نواب ضد الهيمنة الصهيو أمريكية" بالبرلمان المصري]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يرفضون تعديلات الحكومة على قانون منع الحبس]]<br />
<br />
[[الكتاتني يطالب الحكومة الأردنية بالإفراج عن النواب الأربعة]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يقدمون رؤية الجماعة عن الإصلاح الدستوري بمصر]]<br />
<br />
[[شهاب يتعهَّد بتقديم تفسير عن استيقاف الكتاتني بمطار القاهرة]]<br />
<br />
[[البرلمان يوافق على قانون إخواني لتجريم ازدراء الأديان]]<br />
<br />
[[كتلة الإخوان تعلن رسميًّا رفضها لبيان الحكومة المصرية]]<br />
<br />
[[مواجهة بين سرور ونواب الإخوان حول اسم الكتلة]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يقدمون قانون القضاة لتعديل السلطة القضائية]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يلتقون المستشار السياسي للمفوضية الأوروبية]]<br />
<br />
==روابط محمود غزلان==<br />
<br />
[[ماذا نعني بشعار "الإسلام هو الحل"؟]]<br />
<br />
[[رسالة إلى إخواننا العلمانيين]]<br />
<br />
[[مشكلة الشرعية في العالم العربي]]<br />
<br />
[[أيها المصريون.. أنقذوا العبَّارة مصر]]<br />
<br />
[[الدعوة إلى الله.. مَن.. لماذا.. كيف؟!]]<br />
<br />
<br />
[[شرح رسالة إلى أي شيء ندعو الناس للدكتور محمود غزلان]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب:الحرية في الإسلام]]<br />
<br />
[[الإخوان والقضاء والقضاة]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: رسالة مفتوحة إلى صحيفة "المصرى اليوم"]]<br />
<br />
[[حملة اعتقالات جديدة تشمل الدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد]]<br />
<br />
[[بيان للإخوان المسلمين حول اعتقال د. محمود غزلان وسبعة عشر آخرين]]<br />
<br />
[[المرشد العام: الاعتقالات الجديدة للإخوان عدوان على الحقوق والحريات]]<br />
<br />
[[نيابة أمن الدولة تقرر حبس الدكتور غزلان و6 آخرين 15 يومًا]]<br />
<br />
[[فاطمة الشاطر تروي تفاصيل زيارة التاسعة مساءً لاعتقال زوجها د. غزلان]]<br />
<br />
[[تجديد حبس د. غزلان 15 يومًا و21 من الإخوان أمام النيابات المختلفة]]<br />
<br />
[[ماذا نعني بشعار "الإسلام هو الحل"؟]]<br />
<br />
[[نيابة أمن الدولة تجدد حبس د. غزلان و5 آخرين 15 يومًا]]<br />
<br />
[[الإفراج عن د. عليوة ونقل حشيش إلى عنبر المعتقلين بالفرنساوي]]<br />
<br />
[[نيابة أمن الدولة تجدد حبس د. غزلان و4 آخرين 15 يومًا]]<br />
<br />
[[القضاء يحكم بالإفراج عن 5 من قيادات الإخوان بينهم د. غزلان]]<br />
<br />
[[قرار باعتقال د. غزلان وحامد والغنيمي بعد الحكم بالإفراج]]<br />
<br />
[[د. غزلان ود. أبو زيد يقيمان عُرسَي ولديهما الأسبوع القادم]]<br />
<br />
[[عقد زواج نجل د. غزلان في غياب والده المعتقل]]<br />
<br />
[[فرح محمد غزلان يتحول إلى حفل وفاء لوالده المعتقل]]<br />
<br />
[[حكم قضائي بالإفراج عن غزلان وحامد والغنيمي]]<br />
<br />
[[للمرة الثالثة.. حكم بالإفراج عن غزلان والغنيمي وحامد]]<br />
<br />
[[إطلاق سراح د. غزلان وترحيل الغنيمي وحامد لمحافظتيهما تمهيدًا للإفراج عنهما]]<br />
<br />
[[د. غزلان: المتربصون بالإخوان "يعملون من الحبة قبة"!]]<br />
<br />
[[المرجعية الإسلامية (معناها.. وضرورتها)]]<br />
<br />
[[ملخص (رسالة العبودية) لشيخ الإسلام ابن تيمية]]<br />
<br />
[[راديو الأقصى يُحيي الذكرى التاسعة والخمسين لاستشهاد الإمام البنا]]<br />
<br />
[[اعتقال قيادات في الجماعة على رأسهم د. محمود غزلان!!]]<br />
<br />
[[حبس الدكتور غزلان و19 آخرين 15 يومًا!!]]<br />
<br />
[[تجديد حبس الدكتور غزلان و19 آخرين 15 يومًا!!]]<br />
<br />
[[حكم قضائي بإخلاء سبيل د. غزلان و7 آخرين]]<br />
<br />
[[إطلاق سراح د. غزلان ومجموعة شمال القاهرة]]<br />
<br />
[[د. غزلان: ما حدث أمام "العسكرية" بلطجة صريحة للنظام ]]<br />
<br />
[[الإخوان وانتخابات المحليات.. حساب الأرباح والخسائر]]<br />
<br />
[[نحن والشفافية]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يعقِّب على تعليقات الزوار]]<br />
<br />
[[قضية الإصلاح بين الإسلاميين والعلمانيين]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب عن: إفساد القضاء]]<br />
<br />
[[قصائد في وجه الطغيان]]<br />
<br />
[[الصوم تربية وجهاد]]<br />
<br />
[[قضية فلسطين.. حتى لا ننسى]]<br />
<br />
[[مرة أخرى.. نحن والشيعة]]<br />
<br />
[[ســلام النعـــام]]<br />
<br />
[[توضيح من المرشد العام للإخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[شهادتي لآل الشاطر]]<br />
<br />
[[نعم للتطبيع.. ولكن أي تطبيع؟]]<br />
<br />
[[وفاة والدة الدكتور محمود غزلان]]<br />
<br />
[[(إخوان أون لاين) يعزي الدكتور غزلان في وفاة والدته]]<br />
<br />
[[اليوم.. غزلان يتلقى العزاء في والدته بمسجد عمر مكرم]]<br />
<br />
[[المرشد العام يقدم واجب العزاء في وفاة والدة غزلان]]<br />
<br />
[[عزاء م. الشاطر للدكتور غزلان في وفاة والدته]]<br />
<br />
[[الاعتقالات والافتراءات.. أسبابها وموقفنا منها]]<br />
<br />
[[الصوم.. تربية وجهاد]]<br />
<br />
[[القصة التي سوف يكملها قراؤها.. (أرض النفاق)]]<br />
<br />
[[مهمة دايتون ومجموعته في فلسطين على لسانه]]<br />
<br />
[[د. سناء أبو زيد.. الارتباط بالمبادئ لا بالأشخاص]]<br />
<br />
[[إليك ربي أشكو]]<br />
<br />
[[فوائد من الشدائد]]<br />
<br />
[[تهنئة قلبية بعقد زواج نجل د. غزلان]]<br />
<br />
[[الإخوان يشاركون د. غزلان فرحة عقد زواج نجله]]<br />
<br />
[[إلى الإخوان المعارضين.. تعالوا إلى كلمة سواء]]<br />
<br />
[[الانتخابات الأخيرة تدل على أن الإسلام هو الحل]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: القصة التي سوف يكملها قراؤها]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: الأستاذ هيكل وفزاعة الإخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: لماذا لا يصح أن يكون للجماعة أكثر من حزب؟]]<br />
<br />
[[رسالة إلى الشباب (دروس من الثورة)]]<br />
<br />
[[الحرية.. بين الانضباط والانفلات]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب عن: الولاء]]<br />
<br />
[[تعليق على ما سمي (الحوار الوطني)]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان: نبحث عن العدل والحق ونبني الرجال]]<br />
<br />
[[منهج الإخوان المسلمين في التغيير والإصلاح]]<br />
<br />
[[لماذا لن نرشح أو نؤيد أحدًا منَّا في انتخابات الرئاسة القادمة؟]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: تصحيح مفاهيم ودحض شبهات]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: رسالة مفتوحة إلى الدكتور حسن نافعة]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: أيها المخالفون للإخوان.. تعالوا إلى كلمة سواء]]<br />
<br />
[[أكاذيب طريفة.. افتراءات على القانون والقضاء]]<br />
<br />
[[د. غزلان على (الحياة 2) للحديث عن مبادرة الوفاق]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: ادعاءات الوصاية الكاذبة على الشعب]]<br />
<br />
[[د. غزلان على (الحياة 2) للحديث عن مبادرة الوفاق]]<br />
<br />
[[رسالة إلى الأستاذ/ بلال فضل]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون وصحيفة (المصري اليوم)]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون والدستور]]<br />
<br />
[[تصريح من د. غزلان عن الحوار مع الإدارة الأمريكية]]<br />
<br />
[[د. غزلان: المرأة المصرية أساس النهضة المأمولة للوطن]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يفتتح مقر الإخوان ببولاق الدكرور]]<br />
<br />
[[د. غزلان: "القصاص" و"التطهير" مطلبان تأخرا كثيرًا]]<br />
<br />
[[خالد محمد خالد بين العلمانية والإسلام]]<br />
<br />
[[أيها الإسلاميون تذكروا]]<br />
<br />
[[د. غزلان: المبادئ الحاكمة للدستور اعتداء على حق الشعب]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان: الإخوان المسلمون يدعمون الثورة السورية]]<br />
<br />
[[د. غزلان ينفي ما نشرته "المصري اليوم" حول لقاء الوفد السوري]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان ينفي ما نشرته "الشروق"]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: هيكل والإخوان المسلمون مرة أخرى]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: في ذكرى نصر أكتوبر المجيد.. تهنئة وعبر]]<br />
<br />
[[تصريح صحفي حول لقاء وفد منظمة "فريدم هاوس"]]<br />
<br />
[[تصحيح من د. محمود غزلان حول "عبد العزيز العشري"]]<br />
<br />
[["18 نوفمبر".. مليونية السيادة للشعب]]<br />
<br />
[[غزلان: وثيقة السلمي فجَّرت الأوضاع في مصر]]<br />
<br />
[[د. غزلان: أحداث التحرير عودة لسياسة المخلوع]]<br />
<br />
[[د. غزلان: مواقفنا مبنية على رؤية شاملة لمطالب المصريين ]]<br />
<br />
[[د. غزلان: خطاب طنطاوي حمل إيجابيات وسلبيات]]<br />
<br />
[[د. غزلان: مظاهرة الأزهر ليست للرد على "التحرير"]]<br />
<br />
[[د. غزلان: نتفق مع مطالب التحرير ونختلف في الوسائل]]<br />
<br />
[[د. غزلان: بلاغ تاج الدين مبادرة شخصية منه]]<br />
<br />
[[د. غزلان يكشف أسرار رفض الإخوان تعجيل انتخابات الرئاسة]]<br />
<br />
[[د. غزلان: البعض يتصرف وكأنه مالك للثورة]]<br />
<br />
[[دعوى قضائية ضد إساءات الباز إلى الإخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[د. غزلان يتهم "اليوم السابع" بالتدليس]]<br />
<br />
[[توضيح من الدكتور محمود غزلان]]<br />
<br />
[[قيادات نسائية بالإخوان المسلمين يتقدمن ببلاغ ضد "الفجر"]]<br />
<br />
[[د. محمود غزلان يكتب: حصاد عام من الثورة]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AA%D8%AF%D8%B4%D9%8A%D9%86_%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1&diff=643257تدشين أكتوبر2012-02-21T08:12:36Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>== الإخوان في عيون الغرب ==<br />
<br />
[[الأمن العالمي : الشرق الأوسط]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون في أمريكا الشمالية]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون في مصر: مواجهة أم إدماج]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون قوة لا يستهان بها]]<br />
<br />
[[الإسلام السياسي والديمقراطية]]<br />
<br />
[[الإسلام سياستنا]]<br />
<br />
[[الإسلاميون والمقاربة البديلة للحداثة والعولمة]]<br />
<br />
[[الاتجاهات المعاصرة في أيديولوجية الإخوان المسلمين في مصر]]<br />
<br />
[[التعاطي مع الإسلاميين وتعزيز الديمقراطية]]<br />
<br />
[[الخسارة على رهان الديمقراطية في الشرق الأوسط]]<br />
<br />
[[الديمقراطية والأحزاب الإسلامية: المسألة العربية]]<br />
<br />
[[السياسة المعلوماتية]]<br />
<br />
[[المحك الدستوري المصري: نحو تلافي الزحف المتسارع للأصولية الإسلامية]]<br />
<br />
[[الوجه الآخر للحركة الإسلامية]]<br />
<br />
[[الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يمنحان الشرطة والإستخبارات السرية سلطات غير محدودة]]<br />
<br />
[[تحدي في وجه القاهرة]]<br />
<br />
[[تحديث السلطوية في العالم العربي]]<br />
<br />
[[تحديث جذور الأصولية العلمية في القرن العشرين: الفشل المر]]<br />
<br />
[[تحليل مشاركات الإسلاميين]]<br />
<br />
[[تقييم الإتجاه الإسلامي السائد فى مصر وماليزيا]]<br />
<br />
[[جماعة الإخوان المسلمين المصرية "مشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مُغلَقة "]]<br />
<br />
[[جماعة الإخوان المسلمين تدشن نسختها الخاصة من "فيس بوك"]]<br />
<br />
[[جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد انتخابات 2005]]<br />
<br />
[[حقائق ضد إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط]]<br />
<br />
[[حملة سجناء العقيدة]]<br />
<br />
[[حوار خلف القضبان]]<br />
<br />
[[دوامات الإصلاح]]<br />
<br />
[[دور الإعلام الدعائي في التلاعب بالرأي العام العالمي]]<br />
<br />
[[ديناميات المجتمع المصرى]]<br />
<br />
[[رؤية التيار الإسلامى لمستقبل الديمقراطية فى مصر]]<br />
<br />
[[سيد قطب: كارل ماركس الثورة الإسلامية]]<br />
<br />
[[شكوي إلي النيابة العامة الوطنية لمناهضة الجريمة المنظمة والجرائم المنظمة الأخري]]<br />
<br />
[[شهادة ستيفن إميرسون المدير التنفيذي للمشروع الإستقصائي للإرهاب]]<br />
<br />
[[ظاهرة الكاريزما المتحولة فى التطرف الإسلامي المسلح]]<br />
<br />
[[فوز الإخوان المسلمين في إنتخابات 2005 التشريعية : الأسباب والمقتضيات]]<br />
<br />
[[كلمة كلينتون في حفل العشاء الذي أقيم في المنتدى العالمي الأميركي الإسلامي]]<br />
<br />
[[متباينات الحركات الإسامية في ظل العولمة]]<br />
<br />
[[مجاملة أم معارضة؟]]<br />
<br />
[[مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية جزء من لجنة الإخوان المسلمين الفلسطينية]]<br />
<br />
[[محظورة لكنها علنية]]<br />
<br />
[[مصر:التحديات الأمنية والإسلامية والسياسية]]<br />
<br />
[[معضلة الإخوان المسلمين المصرية]]<br />
<br />
[[مناظرة عامة حول برنامج الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر]]<br />
<br />
[[منتدى عن معضلات الحرب والسلام : تقرير عن مصر]]<br />
<br />
[[نحو تأطير مساجلات ومؤشر إعتدال الحركات الإسلامية: دراسة حالة الإخوان المسلمين وحزب الوسط في مصر]]<br />
<br />
[[نظرية الحركة الاجتماعية والإخوان المسلمون في مصر]]<br />
<br />
[[هل تبقى مصر فرعونية؟]]<br />
<br />
[[وسائط الإنترنت تحجز جبهة على خط النار السياسي في مصر]]<br />
<br />
[[وقفية كارنيجي للسلام العالمي]]<br />
<br />
== تصنيف:أخبار الجماعة 2003 ==<br />
<br />
[[تشييع جنازة "محفوظ نحناح" وسط الآلاف من أنصاره]]<br />
<br />
[[تفاصيل خفية في عملية اغتيال القواسمة]]<br />
<br />
[[جبهة العمل الأردنية تطالب بعقد قمة عربية طارئة]]<br />
<br />
[[حبس "حشمت" وإخوانه 15 يومًا على ذمة التحقيق]]<br />
<br />
[[حبس إخوان الإسماعيلية خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبس إخوان الدقهلية 15 يومًا]]<br />
<br />
[[حماس: عملية الاغتيال لن تثني الحركة عن المقاومة والجهاد]]<br />
<br />
[[د." الغزالي": لن يتحقق أمن الصهاينة إلا باحترام الدم الفلسطيني]]<br />
<br />
[[سياسة تأميم الانتخابات المصرية تصل المدارس]]<br />
<br />
[[شورى (الإصلاح) يناقش تقرير رئيس المكتب التنفيذي ويرفع قوام الهيئة إلى 130 عضوًا]]<br />
<br />
[[عرض إخوان المنوفية والمنصورة على النيابة]]<br />
<br />
[[عرض الدكتور "حشمت" وإخوانه على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[عزام الهنيدي": نرفض تهجم رئيس الحكومة الأردنية على النواب الإسلاميين]]<br />
<br />
[[غدًا عرض "حشمت" وإخوانه على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[غدًا عرض إخوان البحيرة]]<br />
<br />
[[غدًا.. عرض د."حشمت" وإخوانه على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[في إفطارهم السنوي.. القوى السياسية ترفض الحوار دون (الإخوان)]]<br />
<br />
[[قلوب الإخوان تشيع "عبد المنعم جبارة]]<br />
<br />
[[قوات الأمن المصرية تشن حملة اعتقالات على طلاب الجامعات]]<br />
<br />
[[قوات الأمن المصرية تعتقل10 من طلاب جامعة الزقازيق]]<br />
<br />
[[كل القوى الوطنية في ضيافة الإخوان]]<br />
<br />
[[مؤسسة رسمية ليبية تطالب بالانفراج نحو (الإخوان)]]<br />
<br />
[[مصر: فوز مرشحي الإخوان في انتخابات الصحفيين]]<br />
<br />
[[نائب إخواني ينتقد مجاملات وزراء مصريين لمحافظين!]]<br />
<br />
[[نجاة الشيخ "أحمد ياسين" من محاولة اغتيال صهيونية جبانة]]<br />
<br />
[[نص كلمة فضيلة المرشد في عزاء الشهيد "مسعد قطب"]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان بالأردن يطالبون الملك بتطبيق الشريعة]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان بالبرلمان المصري يدينون محاولة اغتيال "ياسين" الفاشلة]]<br />
<br />
[[وحدة الإخوان وتماسكهم ظاهرة استثنائية]]<br />
<br />
[[وفاة "حسن جودة" أحد قيادات الإخوان في مصر]]<br />
<br />
[[وفاة المجاهد "عبد المنعم سليم جبارة"]]<br />
<br />
== تصنيف:أخبار الجماعة 2004 ==<br />
<br />
[[" العريان" على قناة (أوربت) اليوم الإثنين]]<br />
<br />
[["أبو الفتوح" في ضيافة قناة (المنار)]]<br />
<br />
[["أبو الفتوح" يردُّ على دعاوى (القاهرة)]]<br />
<br />
[["الخطيب": الشيخ "ياسين" في موكب الشهداء الأبرار]]<br />
<br />
[["الذنيبات": مستعدون لتنفيذ عمليات ضد الصهاينة]]<br />
<br />
[["العريان" على قناة (أوربت) السبت]]<br />
<br />
[["العريان": "ياسين" لم يكن زعيمًا للفلسطينيين وحدهم]]<br />
<br />
[["العريان": أمريكا تستعين بالديكتاتورية لتحقيق مصالحها]]<br />
<br />
[["العريان": الأمريكان روَّجوا للعنف لإلصاقه بالإسلام]]<br />
<br />
[["العريان": انشغال الأمن بالسياسيين أدى إلى تفشي الإجرام]]<br />
<br />
[["العريان": فرنسا تهدف إلى معاملة المسلمين بقسوة]]<br />
<br />
[["العريان": لا حوارات مع الأمريكان]]<br />
<br />
[["القرضاوي": أمريكا تحاول الزج باسمي في قائمة الإرهاب]]<br />
<br />
[["القرضاوي": قيادة (الإخوان) مَغرمٌ لا مَغنمٌ]]<br />
<br />
[["بشر": أمريكا أعطت الصهاينة الضوء الأخضر]]<br />
<br />
[["حبيب": اعتقال "الترابي" يأتي في ظروف حرجة]]<br />
<br />
[["حبيب": تأجيل القمة كان متوقعًا وقرار "مبارك" إيجابي]]<br />
<br />
[["حبيب": على الشعوب أن تعلن غضبتها لاغتيال "ياسين"]]<br />
<br />
[["حبيب": نرفض الوصاية الأمريكية والتدخل في شئوننا]]<br />
<br />
[["ركوة": نموت على ما مات عليه "الرنتيسي" و"ياسين"]]<br />
<br />
[["عاكف" في قناة الـ(LBC)]]<br />
<br />
[["عاكف" و"الشاطر" في قناة (العالم)]]<br />
<br />
[["عاكف" يحذر من (قمة) دون قرارات جادة]]<br />
<br />
[["عاكف" يدعو لعقد قمة عربية طارئة لمناصرة السودان]]<br />
<br />
[["عاكف" يستقبل رئيس جمعية الإصلاح البحرينية]]<br />
<br />
[["عاكف" يعزي الأمةَ في وفاة "علي يوسف"]]<br />
<br />
[["عاكف" يعزي في القيادي الوفدي "أحمد أبوالفتح"]]<br />
<br />
[["عاكف" يعلن مبادرة (الإخوان) للإصلاح بنقابة الصحفيين]]<br />
<br />
[["عاكف" يهنئ "بوتفليقة" بفوزه برئاسة الجزائر]]<br />
<br />
[["عاكف" يهنئ الأمة الإسلامة بالعام الهجري الجديد]]<br />
<br />
[["عاكف": أمريكا ضخمت القاعدة لتنفيذ مخططها]]<br />
<br />
[["عاكف": أمريكا لا تريد ديمقراطية حقيقية في المنطقة]]<br />
<br />
[["عاكف": إذا فُتح لنا الطريق سنحرر فلسطين]]<br />
<br />
[["عاكف": الديمقراطية الأمريكية وهْمٌ لا حقيقة]]<br />
<br />
[["عاكف": الشيعة والسنة أمة واحدة]]<br />
<br />
[["عاكف": تصعيد المقاومة العراقية السبيل الوحيد للتحرير]]<br />
<br />
[["عاكف": مبادرة الإصلاح هدفها التصدي للتدخل الأجنبي]]<br />
<br />
[["عاكف": ندعو حكامنا لمراجعة عقيدتهم]]<br />
<br />
[["عاكف": نشكر مَنْ واسانا في الفقيد "الهضيبي"]]<br />
<br />
[["عزت": الشيخ "ياسين" فاز بالشهادة التي تمنَّاها]]<br />
<br />
[["مولوي": ليس في قاموس (الإخوان) شباب وشيوخ]]<br />
<br />
[["نزال" يرأس وفد (حماس) للعزاء في "الهضيبي"]]<br />
<br />
[[(الإخوان المسلمون) يستنكرون تفجيرات مدريد]]<br />
<br />
[[(الإخوان) يدينون تفجيرات كربلاء وبغداد]]<br />
<br />
[[(الإخوان) يطمئنون على صحة "عبد الله الأحمر"]]<br />
<br />
[[(الإخوان) يعلنون مبادرتهم للإصلاح الشامل]]<br />
<br />
[[(الإخوان): "ياسين" رمز لقدرة الأمة على المواجهة]]<br />
<br />
[[(العفو الدولية) تطالب بالإفراج عن (الإخوان) في ليبيا]]<br />
<br />
[[(القسَّام) تتوعد بالردَّ على اغتيال مجاهديها]]<br />
<br />
[[(حماس) تدين تفجيرات العراق وتعتبرها مشروع فتنة]]<br />
<br />
[[(حماس) تندد بالمؤامرات الصهيوينة على الأقصى]]<br />
<br />
[[(حماس): سنلاحق عملاء الصهاينة من الدروز]]<br />
<br />
[[(قدس برس): جنازة مليونية مهيبة للمستشار "الهضيبي"]]<br />
<br />
[[20 ألفًا من الإخوان يودعون د. حسين الدرج]]<br />
<br />
[[آلاف الأردنيين يجوبون العاصمة مناصرةً للانتفاضة]]<br />
<br />
[[أ. "هلال" يقوم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[أ. محمد هلال: الشورى هي أساس اختيار مرشد (الإخوان)]]<br />
<br />
[[أبو الفتوح وحشمت في مؤتمر دولي حول الإيدز]]<br />
<br />
[[أبو الفتوح: الإخوان لن يتصادموا مع الأنظمة]]<br />
<br />
[[أبو الفتوح: الحركات الإسلامية قادرة على قيادة الأمة]]<br />
<br />
[[أبو الفتوح: دارفور ليس بها إبادة جماعية أو تطهير عرقي]]<br />
<br />
[[أبو الفتوح: مهمتنا دعم أبناء جنوب السودان ودارفور]]<br />
<br />
[[أبو شنب: منهج الإخوان ثابت والتغيير في الوسائل]]<br />
<br />
[[أنباء عن اختفاء أحد إخوان السويس بسبب التعذيب]]<br />
<br />
[[أول سؤال لوزير الخارجية المصري عن المعتقلين بالعراق]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل "حشمت" وإخوانه]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 13 من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 14 من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 2 من إخوان الجيزة وتجديد حبس 8]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 3 من (الإخوان) وتجديد حبس 9]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 3 من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 3 من الإخوان وتجديد حبس 17]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 3 من الإخوان وتجديد حبس واحد]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 4 من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 6 من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل آخر 3 من معتقلي الإخوان الـ58]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل أحد إخوان الإسماعيلية]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل أحد الإخوان وتجديد حبس 12]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل أحد الإخوان وتجديد حبس 20]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل أربعة من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل اثنين من (الإخوان)]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل اثنين من إخوان الإسماعيلية]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل اثنين من طلاب قناة السويس بمصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل ثلاثة من إخوان مصر]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل ثلاثة وتجديد حبس أربعة من الإخوان]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل طلاب جامعة قناة السويس]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يدعون حكام المسلمين للجهاد]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يدينون صمت الأنظمة تجاه مذبحة غزة]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يدينون مذابح الاحتلال بالنجف]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يرفضون زيارة "شالوم"]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يطالبون بسحب الثقة من 3 وزراء]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يطالبون بقطع العلاقات مع حكومة علاوي]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن يطلبون إصلاح أوضاع السياسيين بالسجون]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن ينتقدون أداء البرلمان وتسلط الحكومة]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن ينتقدون مصادرة صلاحيات المجالس البلدية]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن: الجمعة القادمة يوم الأقصى]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن: مؤتمر شرم يضفي شرعية لاحتلال العراق]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن: مقاومة الاحتلال الأمريكي الخيار الوحيد]]<br />
<br />
[[إخوان الأردن: نرفض أي حوار رسمي مع أمريكا]]<br />
<br />
[[إخوان الكويت ينظمون مؤتمرًا سياسيًّا موسعًا]]<br />
<br />
[[إخوان سوريا يطالبون بالتحقيق في مجزرة حماه]]<br />
<br />
[[إخوان سوريا ينفون نبأ عودتهم للبلاد]]<br />
<br />
[[إسلاميو الأردن يحتفلون بذكرى الفتح الصلاحي للأقصى]]<br />
<br />
[[إسلاميو الأردن يناشدون الحكام وقف اقتحام الفلوجة]]<br />
<br />
[[استشهاد فلسطينيين بنابلس أحدهما قيادي بكتائب الأقصى]]<br />
<br />
[[استمرار حبس أحمد عز الدين 15 يومًا!]]<br />
<br />
[[اعتصام صحفيين احتجاجًا على استمرار حبس عز الدين]]<br />
<br />
[[اعتقالات جديدة في صفوف (الإخوان)]]<br />
<br />
[[الآن نقل حفل إفطار الإخوان المسلمين على الهواء]]<br />
<br />
[[الأحد عرض إخوان الجيزة على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[الأربعاء عرض 11 من طلاب الإخوان على النيابة]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يستنكرون تفجيرات إسبانيا]]<br />
<br />
[[الإخوان يحذرون من كارثة في النجف الأشرف]]<br />
<br />
[[الإخوان يحملون على تقرير لجنة الحريات الدينية]]<br />
<br />
[[الإخوان يحمِّلون الداخلية مسئولية وفاة أكرم زهيري]]<br />
<br />
[[الإخوان يحمِّلون العالم مسئولية العدوان على الفلوجة]]<br />
<br />
[[الإخوان يحمِّلون شارون مسؤلية تفجيرات سيناء]]<br />
<br />
[[الإخوان يدعون الشعوب لنصرة الشعب الفلسطيني]]<br />
<br />
[[الإخوان يدينون قصف الفلوجة والنجف]]<br />
<br />
[[الإخوان يدينون مذابح الاحتلال بالعراق ويشيدون بالمقاومة]]<br />
<br />
[[الإخوان يرجِّحون فشل مؤتمر "الجوار" لاستبعاده المقاومة]]<br />
<br />
[[الإخوان يرحبون بمقاطعة الحزب الإسلامي للانتخابات]]<br />
<br />
[[الإخوان يستنفرون الأمة دفاعًا عن إسلامها]]<br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون أحداث الخبر]]<br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون استهداف الكنائس في العراق]]<br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون المذابح الصهيونية في غزة]]<br />
<br />
[[الإخوان يشيعون فقيدهم الدكتور أنور شحاته]]<br />
<br />
[[الإخوان يطالبون أمريكا بتقصي حقائق فلسطين والعراق]]<br />
<br />
[[الإخوان يطالبون الشعوب الإسلامية بنصرة الفالوجة]]<br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بالإفراج عن الصحفيين الفرنسيين]]<br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بحل قضية دارفور عربيًا وأفريقيًا]]<br />
<br />
[[الإخوان يعدون (ورشًا) لمناقشة محاور المبادرة]]<br />
<br />
[[الإخوان يعزون الشعب الفلسطيني في وفاة الرئيس عرفات]]<br />
<br />
[[الإخوان يناشدون العالم إغاثة متضرري كارثة الزلزال]]<br />
<br />
[[الإخوان ينتقدون الدعاوى المناهضة لعسكرة الانتفاضة]]<br />
<br />
[[الإخوان ينتقدون الهجمة الصهيونية على "القرضاوي"]]<br />
<br />
[[الإخوان ينددون بمذابح الصهاينة في فلسطين]]<br />
<br />
[[الإخوان يهاجمون أمريكا لدعمها الصهاينة]]<br />
<br />
[[الإخوان: تفجيرات دمشق عمل إجرامي]]<br />
<br />
[[الإخوان: موقف فرنسا من (المنار) تحركه الصهيونية]]<br />
<br />
[[الإفراج عن 10 من الإخوان على ذمة قضية عسكرية]]<br />
<br />
[[الإفراج عن د."حسين الدرج" أحد قادة (الإخوان المسلمين)]]<br />
<br />
[[البيومي: انتهاك مساجد العراق يؤكد صليبية الغزو]]<br />
<br />
[[البيومي: ضعف العرب دفع الصهاينة لاختراق أجواء لبنان]]<br />
<br />
[[الثلاثاء عرض أحمد عز الدين على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[الثلاثاء والأربعاء عرض 58 من الإخوان على النيابة]]<br />
<br />
[[الجمعة "عاكف" في قناة (العربية)]]<br />
<br />
[[الجيزة تحولت لثكنة عسكرية لمنع انتخاب "عزب"]]<br />
<br />
[[الحكومه المصرية تكرر مسرحية "حشمت" مع "عزب"]]<br />
<br />
[[الدستورية تحسم انتخابات عزب مصطفى أول سبتمبر]]<br />
<br />
[[الذنيبات يشيد بأداء نواب الإخوان في البرلمان الأردني]]<br />
<br />
[[الذنيبات: وقفة وفاء لفقيد الحركة الإسلامية]]<br />
<br />
[[السبت والأحد عرض 59 من الإخوان على النيابة]]<br />
<br />
[[السبت: عرض أحمد عز الدين على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[السلطات المصرية تحجب موقع إخوان أون لاين!!]]<br />
<br />
[[السلطات المصرية تمنع د. جمال حشمت من السفر]]<br />
<br />
[[الشاطر: أمريكا لم ترع حرمة المقدسات بالعراق]]<br />
<br />
[[الشاطر: اغتيال ياسين يزيدنا إصرارًا على مواصلة الطريق]]<br />
<br />
[[الشاطر: الحكومة أكدت قوة الإخوان في مصر]]<br />
<br />
[[الشاطر: نسعد بالإفراج عن أي سجين رأي]]<br />
<br />
[[الشيخ أحمد الكردي في ذمة الله]]<br />
<br />
[[العريان :مبادرة (الإخوان) جاءت في التوقيت الصحيح]]<br />
<br />
[[العريان: الإخوان عقبةٌ أمام التدخل الأمريكي في المنطقة]]<br />
<br />
[[العريان: مشاركة الإسلاميين في السلطة عامل استقرار]]<br />
<br />
[[الغزالي رئيسًا للجنة الترقيات الدائمة للأساتذة المساعدين]]<br />
<br />
[[الغزالي والعريان وحشمت في مؤتمر إسلامي ببيروت]]<br />
<br />
[[الغزالي: إبعاد عرفات لغزة بداية لالتهام الضفة]]<br />
<br />
[[الغزالي: الاعتذار لا يكفي.. ورحيل الأمريكان هو الحل]]<br />
<br />
[[الغزالي: الشرق الأوسط الكبير أخطر من حلف بغداد]]<br />
<br />
[[الغزالي: مناطق التجارة مع الصهاينة كارثة اقتصادية]]<br />
<br />
[[الكويت: الإسلاميون يفوزون باتحاد طلاب الجامعة]]<br />
<br />
[[المرشد العام في قناة (الجزيرة)]]<br />
<br />
[[المرشد العام يحذر الأنظمة العربية من نكسات جديدة]]<br />
<br />
[[المرشد العام يزور حزبي التجمع والناصري]]<br />
<br />
[[المغرب: معركة صحفية بين الإسلاميين والعلمانيين]]<br />
<br />
[[المفكر الاقتصادي الإسلامي يوسف كمال في ذمة الله]]<br />
<br />
[[النهضة التونسية تحمل "بن علي" مسئولية حياة معتقل]]<br />
<br />
[[الهضيبي يهنئ الأنبا "شنودة" بعيد القيامة المجيد]]<br />
<br />
[[اليوم الخميس.. "العريان" في معرض الكتاب]]<br />
<br />
[[اليوم عرض 17 من الإخوان على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[اليوم عرض إخوان الإسماعيلية على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[اليوم عرض إخوان الجيزة على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[اليوم وغدًا عرض 54 من الإخوان على النيابة]]<br />
<br />
[[اليوم وغدًا عرض 6 5 من الإخوان على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[اليوم.. استئناف محاكمة 152 من إخوان ليبيا]]<br />
<br />
[[اليوم.. نظر قضية أساتذة الجامعات المصرية]]<br />
<br />
[[اليوم: الإفطار السنوي للاخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[اليوم: العريان يتحدث عن الإصلاح السياسي في ART]]<br />
<br />
[[انتخاب "أبوالفتوح" أمينًا عامًا لاتحاد الأطباء العرب]]<br />
<br />
[[بدء المؤتمر الصحفي لإعلان مبادرة (الإخوان) للإصلاح]]<br />
<br />
[[برقيات عزاء من المرشد وقيادات الإخوان للرئيس مبارك]]<br />
<br />
[[برلمان مصر يفتح ملف هدم المساجد ومعاهد الأزهر]]<br />
<br />
[[برلمان مصر يناقش قانون محاسبة سوريا]]<br />
<br />
[[بشر: فرض العقوبات على سوريا يخدم الصهاينة]]<br />
<br />
[[تأجيل الطعن في عضوية نائب إخواني مصري]]<br />
<br />
[[تأجيل محاكمة إخوان ليبيا]]<br />
<br />
[[تأجيل نظر استئناف قضية (الإخوان المسلمين) بليبيا]]<br />
<br />
[[تأجيل نظر قضية أساتذة الجامعات بمصر]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 11 من طلاب الإخوان 15 يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 11 من طلاب الاخوان 15 يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 15 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 16 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 16من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 17 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 17 من الإخوان خمسةَ عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 21من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 22 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 23 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 24 من إخوان مصر خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 34 من الإخوان 15 يومًا على ذمة التحقيق]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 54 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس أحمد عز الدين خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد حبس34 من الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[تجديد لـ 34 من الإخوان وعرض 8 على الطب الشرعي]]<br />
<br />
[[تدهور الحالة الصحية لأحد رموز (الإخوان) في السجن]]<br />
<br />
[[جثمان الفقيد "الهضيبي" وُوري التراب]]<br />
<br />
[[جدل أردني حول اتفاقية تدريب الشرطة العراقية]]<br />
<br />
[[جمعية الإصلاح الكويتية تنعي "الهضيبي"]]<br />
<br />
[[جنازة حارس الإمام البنا عقب ظهر الخميس]]<br />
<br />
[[جنازة مهيبة لشهيد الإخوان في سجن المزرعة]]<br />
<br />
[[حبس 11 من طلاب الإخوان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبس 26 من إخوان مصر خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبس 34 من إخوان مصر خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبس إخوان الجيزة خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبس إخوان الجيزة30 يومًا]]<br />
<br />
[[حبس الصحفي أحمد عز الدين خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[حبيب : بُحَّ صوتنا من المطالبة بالإصلاح الداخلي]]<br />
<br />
[[حبيب : لجنة الحريات الدينية تسعى لابتزاز النظام المصري]]<br />
<br />
[[حبيب ومرسي يعقبان على فريد عبد الخالق]]<br />
<br />
[[حبيب يستنكر الاعتداء على الصحفي عبد الحليم قنديل]]<br />
<br />
[[حبيب: أمريكا هي التي تدفعنا لكراهيتها]]<br />
<br />
[[حبيب: إقصاء الإخوان من الحوار سيفشل محاولات الإصلاح]]<br />
<br />
[[حبيب: إن لم يحدث الإصلاح مصر ستواجه أزمة]]<br />
<br />
[[حبيب: اتهام "أبو مرزوق" مغازلة أمريكية للوبي الصهيوني]]<br />
<br />
[[حبيب: احتفال "الوفد" بزعمائه رفع للوعي السياسي]]<br />
<br />
[[حبيب: الإخوان أحرص الناس على أمن وسلامة وطنهم]]<br />
<br />
[[حبيب: الإصلاح مرهون بتعاون الأحزاب والقوى الوطنية]]<br />
<br />
[[حبيب: التغيير الوزاري يجب أن يصحبه إصلاح حقيقي]]<br />
<br />
[[حبيب: الحرية قيمة مقدسة يجب أن نحارب من أجلها]]<br />
<br />
[[حبيب: الحزب الحاكم لم يقدم جديدًا على طريق الإصلاح]]<br />
<br />
[[حبيب: الحوار من ثوابتنا وليس تكتيكًا]]<br />
<br />
[[حبيب: الفيتو الأمريكي دعمٌ سافرٌ للمجازر الصهيونية]]<br />
<br />
[[حبيب: النظام وأد الإصلاح قبل أن يولد]]<br />
<br />
[[حبيب: النظام يتجه لتزوير الانتخابات القادمة!]]<br />
<br />
[[حبيب: النظام يسعى إلى الوقيعة بين الأحزاب والإخوان]]<br />
<br />
[[حبيب: النية مبيَّتة لتزوير انتخابات 2005م]]<br />
<br />
[[حبيب: الهضيبي حمى الإخوان من الوقوع في العنف]]<br />
<br />
[[حبيب: تجاهل الإخوان سيفشل محاولات الإصلاح]]<br />
<br />
[[حبيب: تجمعت الأحزاب حول مبادرتنا والأهم الاستمرار]]<br />
<br />
[[حبيب: تفجيرات الخبر تصب في مصالح الصهاينة]]<br />
<br />
[[حبيب: تواصلنا مع الأحزاب والقوى الوطنية مستمر]]<br />
<br />
[[حبيب: حماس أيقظت روح الجهاد وأحيت قضية فلسطين]]<br />
<br />
[[حبيب: دعواتنا للرئيس بعاجل الشفاء]]<br />
<br />
[[حبيب: صور الأمريكي المذبوح تغطية لجرائم الاحتلال]]<br />
<br />
[[حبيب: قتل "جونسون" مخالفة صريحة للقواعد الإسلامية]]<br />
<br />
[[حبيب: لجنة الحريات الدينية أداة للتدخل في شئوننا]]<br />
<br />
[[حبيب: مؤتمر شرم أضفى شرعية لاحتلال العراق]]<br />
<br />
[[حبيب: محاولة اغتيال مشعل تؤكد حتمية خيار المقاومة]]<br />
<br />
[[حبيب: مصر لا تقوم بدور وظيفي للإدارة الأمريكية]]<br />
<br />
[[حبيب: مقاومة الاحتلال جهاد وليست إرهابًا]]<br />
<br />
[[حبيب: نحرص ألا يكون بيننا والرئيس مبارك أي احتقان]]<br />
<br />
[[حبيب: نرفض الوصاية الأمريكية بدعوى فرض الديمقراطية]]<br />
<br />
[[حبيب: هناك فرق بين المدنيين وعملاء الاحتلال]]<br />
<br />
[[حبيب: هوان الأنظمة سبب رئيسي في الجريمة]]<br />
<br />
[[حجز قضية أساتذة الجامعات المصرية للحكم]]<br />
<br />
[[حكم قضائي يستبعد "عزب" من الانتخابات في الثانية فجرًا]]<br />
<br />
[[حماس تعتبر أمريكا شريكًا في العدوان على الفلسطينيين]]<br />
<br />
[[حماس: فتح ضغطت على مرشحين للانضمام إليها!]]<br />
<br />
[[حمزة منصور: للإخوان دور حيوي في الارتقاء بالأمة]]<br />
<br />
[[حمزة منصور: لمصر والإخوان فضل على العالم الإسلامي]]<br />
<br />
[[حمس تدعو حكومة الجزائر الجديدة لدعم المصالحة]]<br />
<br />
[[د. "بديع": من خذَل مسلِمًا خذلَه الله]]<br />
<br />
[[د. "حبيب" يرحب بقرار "مبارك" بإلغاء الحبس في النشر]]<br />
<br />
[[د. "حبيب": مبادرة (الإخوان) ليست إحراجًا أو تحديًا لأحد]]<br />
<br />
[[د. "عزت": المنهج الإصلاحي هو منهج الإخوان في التغيير]]<br />
<br />
[[د. "عزت": لا صلة للجماعة بالشبكة الإخوانية]]<br />
<br />
[[د. "محمد مرسي" في قناة (النيل الثقافية) غدًا]]<br />
<br />
[[د. الغزالي: إحياء الجهاد سبيل خروجنا من أزماتنا]]<br />
<br />
[[د. بديع: على المثقفين أن يكونوا "مسحراتي" هذة الأمة]]<br />
<br />
[[د. حبيب: أمريكا تحركها المصالح وديمقراطيتها خراب]]<br />
<br />
[[د. حبيب: التعذيب سياسة وليس تصرفا فرديًا!]]<br />
<br />
[[د. حبيب: بالانتخابات الحرة يحصل الإخوان على 25%]]<br />
<br />
[[د. حبيب: حكومة مصر ليس لديها رغبة جادة في الإصلاح]]<br />
<br />
[[د."الغزالي": خنعت الأنظمة فعربد الصهاينة!!]]<br />
<br />
[[د."حبيب": على فرنسا أن تحترم مشاعر المسلمين]]<br />
<br />
[[د."حبيب": نرفض كافة أشكال الهيمنة الأمريكية]]<br />
<br />
[[د.حبيب: نطالب الرئيس بحمايتنا من الفراعنة الجدد]]<br />
<br />
[[دعوى قضائية للإفراج عن أساتذة (الإخوان)]]<br />
<br />
[[ذنيبات: التضييق على الإسلاميين المعتدلين يولد العنف]]<br />
<br />
[[ذنيبات: قرار حماس بمقاطعة الانتخابات صائب]]<br />
<br />
[[رئيس الوزراء الأردني يلتقي وفد الإخوان]]<br />
<br />
[[زوجات معتقلي الإخوان يتظلمون لمجلس حقوق الإنسان]]<br />
<br />
[[سؤال برلماني عن سلاح جرثومي صهيوني جديد]]<br />
<br />
[[شكاوى لحقوق الإنسان للإفراج عن أساتذة الجامعات]]<br />
<br />
[[صادق عبد الماجد: متمردو دارفور ينفذون أجندة خارجية]]<br />
<br />
[[عاكف لـ(العالم): لا حرية وقانون الطواريء موجود]]<br />
<br />
[[عاكف وحبيب يهنئان مبارك على عودته سالمًا للوطن]]<br />
<br />
[[عاكف يتقدم جنازة إبراهيم العريان]]<br />
<br />
[[عاكف يحذر من انشغال الأمة عن الاحتلال بمحاكمة صدام]]<br />
<br />
[[عاكف يطالب الحكام العرب بتجميد العلاقات مع أمريكا]]<br />
<br />
[[عاكف يقدم العزاء لخادم الحرمين الشريفين]]<br />
<br />
[[عاكف: احتماء الحكام بشعوبهم هو طوق النجاة]]<br />
<br />
[[عاكف: الإصلاح لا يرفضه إلا المنتفعون]]<br />
<br />
[[عاكف: الاحتلال يقوم بأعمال قذرة وينسبها إلى المقاومة]]<br />
<br />
[[عاكف: تغيير الأوضاع بالقوة ليس أسلوبنا]]<br />
<br />
[[عاكف: سندافع عن عقيدتنا حتى الموت]]<br />
<br />
[[عاكف: ليس لليهود الحق في فلسطين المسلمة]]<br />
<br />
[[عاكف: نرفض ديمقراطية أمريكا المزعومة]]<br />
<br />
[[عاكف: نريد للمسلمين في أوربا الحفاظ على عقيدتهم]]<br />
<br />
[[عاكف: نطالب الغرب باحترام حقوق المرأة]]<br />
<br />
[[عرض 13 من إخوان مصر على نيابة أمن الدولة!]]<br />
<br />
[[عرض 16 من الإخوان على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[عرض طلاب الإخوان على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[عزاء الشهيد أكرم زهيري بالإسكندرية]]<br />
<br />
[[عزب مصطفى: ما حدث بالجيزة "ردة" للديمقراطية]]<br />
<br />
[[عزت ينعى "العوالي" ويطالب الفصائل الفلسطينية بالتوحد]]<br />
<br />
[[عزت: السعودية إحدى حصون الإسلام المستهدفة]]<br />
<br />
[[علماء الأمة يندِّدون بالمجازر الأمريكية في العراق]]<br />
<br />
[[غدًا.. عرض أحمد عز الدين على نيابة أمن الدولة]]<br />
<br />
[[فريد عبد الخالق: على الإخوان أن يستعدوا للمعركة]]<br />
<br />
[[قوات الأمن تمنع الآلاف من المشاركة في جنازة الهضيبي]]<br />
<br />
[[قوات الأمن والظلام تحاصر قرية الشهيد زهيري]]<br />
<br />
[[قيادات (الإخوان) يشيعون جثمان الحاج "محمود الجوهري"]]<br />
<br />
[[قيادات الإخوان تشارك في عزاء د. أنور شحاته]]<br />
<br />
[[كبار الشخصيات المصرية والوفود العربية ينعون الهضيبي]]<br />
<br />
[[ليبيا: الإخوان المسلمون يدعون لإنقاذ معتقليهم]]<br />
<br />
[[مؤتمر لمناصرة المعتقلين بنقابة المحامين المصرية]]<br />
<br />
[[محكمة مصرية تأمر بالإفراج عن 10 من الإخوان]]<br />
<br />
[[محمود عزت: الشهادة مقدمات النصر]]<br />
<br />
[[مذكرة للنائب العام لإخلاء سبيل 56 من الإخوان]]<br />
<br />
[[مرسي: انتخابات الجيزة كشفت كذب دعاوى الإصلاح]]<br />
<br />
[[مرشد الإخوان يطالب الحكام بفتح باب الجهاد]]<br />
<br />
[[مركز الدراسات الاشتراكية يدين اعتقالات الإخوان]]<br />
<br />
[[مشعل يهاتف عددًا من الرؤساء والمسئولين بشأن الأسرى]]<br />
<br />
[[مصر.. حبس 13 من الإخوان 15 يومًا]]<br />
<br />
[[مصر: (الإخوان) يدعون لتكوين لجنة موحدة للإصلاح]]<br />
<br />
[[مصر: (الإخوان) يعلنون عدم خوضهم انتخابات الشورى]]<br />
<br />
[[مصر: أنور شحاته في العناية المركزة]]<br />
<br />
[[مصر: اعتقال مدير تحرير "الشعب" و"المجتمع"]]<br />
<br />
[[مصر: اعتقال مدير مدرسة المدينة المنورة بالإسكندرية]]<br />
<br />
[[مصر: الأربعاء عرض 11 من طلاب الإخوان على النيابة]]<br />
<br />
[[مصر: الأستاذ عبدالمحسن شربي في ذمة الله]]<br />
<br />
[[مصر: الإفراج الصحي عن الدكتور "حسين الدرج"]]<br />
<br />
[[مصر: الإفراج عن باقي إخوان الجيزة]]<br />
<br />
[[مصر: الإفراج عن محاسب و13 طالبًا معتقلاً]]<br />
<br />
[[مصر: الجمعة مؤتمر جماهيري بالأطباء لدعم الانتفاضة]]<br />
<br />
[[مصر: الجمعة مؤتمر جماهيري بالأطباء لدعم الانتفاضة]]<br />
<br />
[[مصر: الداخلية تنفي منع حشمت من السفر]]<br />
<br />
[[مصر: النائب العام يحقق في وفاة "زهيري"]]<br />
<br />
[[مصر: النيابة تجدد حبس أحمد عز الدين 15 يومًا]]<br />
<br />
[[مصر: تجديد حبس 11 من طلاب الإخوان 15 يومًا]]<br />
<br />
[[مصر: تجديد حبس إخوان الجيزة 15 يومًا]]<br />
<br />
[[مصر: تدهور الحالة الصحية لمدير تحرير جريدة الشعب]]<br />
<br />
[[مصر: حبس إخوان الجيزة خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[مصر: حملة اعتقالات للطلبة الإسلاميين ببني سويف]]<br />
<br />
[[مصر: سرور يلغي زيارة النواب لمعتقلي الإخوان]]<br />
<br />
[[مصر: عرض إخوان الجيزة على النيابة]]<br />
<br />
[[مصر: مذكرة للرد على إبطال عضوية "عزب"]]<br />
<br />
[[مصر: منع صحفي إسلامي من السفر للخارج]]<br />
<br />
[[مصر: مواجهتان حاسمتان لنواب الإخوان في البرلمان]]<br />
<br />
[[مصر: وفاة "محمود الجوهري" أول مسئول لقسم الأخوات]]<br />
<br />
[[مصر: وفاة أحد قيادات الإخوان بأسيوط]]<br />
<br />
[[مصر: وفاة الشيخ أبو الحمد ربيع عضو مكتب الإرشاد]]<br />
<br />
[[معتقلو الإخوان يطالبون النائب العام بسماع أقوالهم]]<br />
<br />
[[منصور: الصهاينة هم المستفيدون من اضطرابات غزة]]<br />
<br />
[[منع "العريان" من السفر لحضور مؤتمر دولي بـ(بيروت)]]<br />
<br />
[[منع الدكتور "عبد الحميد الغزالي" من السفر في إعارة]]<br />
<br />
[[مهرجان خطابي أردني ضد منع الحجاب بفرنسا]]<br />
<br />
[[مهندسو مصر يتهمون الحكومة بقتل زهيري]]<br />
<br />
[[موت زهيري والتعذيب في بلاغ للنائب العام]]<br />
<br />
[[نائب المرشد العام يزور الحزب الناصري]]<br />
<br />
[[نائب المرشد العام يزور حزب التجمع "اليساري"]]<br />
<br />
[[نائب يحذر: زيادة السولار تهدد استقرار الشارع المصري]]<br />
<br />
[[نزيلي: سقطت ورقة التوت الساترة للحزب الوطني]]<br />
<br />
[[نزّال يستهجن الأصوات المطالبة بوقف إطلاق "القسام"]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يلاحقون ممثلي الصهاينة بمصر]]<br />
<br />
[[هلال: إبطال عضوية "عزب" انعكاس لواقع مصر الأليم]]<br />
<br />
[[هنية يدعو الأمة للتصدّي للحملة الصهيونية في جباليا]]<br />
<br />
[[وفاة أحد المعتقلين الإخوان في ظروف غامضة]]<br />
<br />
[[وفاة أحد قيادات الإخوان بالإسكندرية]]<br />
<br />
[[وفد أردني للعزاء في الفقيد "الهضيبي"]]<br />
<br />
[[وفد من (حزب الله) للعزاء في المرشد الراحل]]<br />
<br />
[[وفد من مكتب الإرشاد للعزاء في إخوان المحلة]]<br />
<br />
[[سؤال عن استيراد سلع ترفيهية بـ70 مليون جنيه!]]<br />
<br />
== محمد سعد الكتاتني ==<br />
<br />
[[رئيس مدينة المنيا يمزِّق لافتات مرشح الإخوان]]<br />
<br />
[[300 دراجة في جولة انتخابية للدكتور الكتاتني]]<br />
<br />
[[ضغوط لنزع "الإخوان المسلمون" من لافتات المنيا!]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان بالمنيا]]<br />
<br />
[[حبيب وأبو الفتوح والعريان في مسيرة الكتاتني بالمنيا]]<br />
<br />
[[الكتاتني: كل التقدير لرجال القضاء والناخبين والشرطة]]<br />
<br />
[[نائب الإخوان بالمنيا يعقد مؤتمرًا بكنيسةِ "أبو حنس"]]<br />
<br />
[[الكتاتني رئيسًا للكتلة وحسين نائبًا وحمدي متحدثًا]]<br />
<br />
[[الكتاتني يؤكد استعداد نواب الإخوان للتعاون مع الجميع]]<br />
<br />
[[الكتاتني: أجندتنا محاربة الفساد ومزيد من الإصلاح]]<br />
<br />
[[الكتاتني ينفي أي حوارٍ مع جهاتٍ أجنبية]]<br />
<br />
[[الكتاتني على (الجزيرة) متحدثًا عن الإخوان والبرلمان]]<br />
<br />
[[الكتاتني: نسعى لتعديل المادة 76 من الدستور]]<br />
<br />
[[الكتاتني: سنقدم استجوابات وطلبات إحاطة عن المعتقلين]]<br />
<br />
[[الكتاتني: نواب الإخوان "كتلة" باختيار الشعب]]<br />
<br />
[[بيان من نواب الإخوان عن حقائق ما جرى في أنفلونزا الطيور]]<br />
<br />
[[العريان والكتاتني في منظمة "برلمانيون ضد الفساد"]]<br />
<br />
[[الكتاتني: نواب الإخوان بذلوا قصارى جهدهم لاحتواء الكارثة]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: الخطاب حمل أبعادًا متشابكةً لا يمكن تفسيرها بسهولة]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: القضية الأخيرة بداية مبكرة للانتخابات]]<br />
<br />
[[الآلاف يتظاهرون في المنيا دفاعًا عن القدس]]<br />
<br />
[[الكتلة البرلمانية تدين تفجيرات "الحسين" وتطالب بضبط المجرمين]]<br />
<br />
[[الكتلة البرلمانية للإخوان ترحب بالإفراج عن أيمن نور]]<br />
<br />
[[كتلة الإخوان تطالب الرئيس بالإفراج عن مجدي حسين ورفاقه]]<br />
<br />
[[الإخوان والمستقلون يفضحون فشل الحكومة في أزمة غزة]]<br />
<br />
[[الحسيني يكشف تفاصيل زيارة وفد الإخوان لتهنئة حماس]]<br />
<br />
[[الكتاتني يوضح لمجلس الشعب ملابسات "حذاء" بدر الدين]]<br />
<br />
[[الكتاتني رئيسًا وحسين نائبًا للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني في حديث حول الدورة البرلمانية الجديدة]]<br />
<br />
[[الكتاتني: حريق الشورى كارثة ونواب الكتلة في مكان الحادث]]<br />
<br />
[[وفد الكتلة البرلمانية للإخوان يلتقي الرئيس السوداني]]<br />
<br />
[[وفدٌ من الكتلة يزور السودان للتضامن مع البشير]]<br />
<br />
[[كلمة د. الكتاتني في مؤتمر العدالة والتنمية المغربي]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني يتحدث عن البرلمان وعضوية مكتب الإرشاد]]<br />
<br />
[[بيان عاجل للكتاتني حول تسريب امتحانات الثانوية العامة بالمنيا]]<br />
<br />
[[كتلة الإخوان تطالب بلجنة تقصِّي حقائق حول أحداث المحلة]]<br />
<br />
[[الكتاتني يطالب الحكومة المصرية بمصالحة حقيقية مع الشعب]]<br />
<br />
[[الكتاتني يستقبل رئيس منتدى البرلمانيين الإسلاميين]]<br />
<br />
[[الكتاتني يتهم الحكومة بالخداع والكذب في قضية المصابين الفلسطينيين]]<br />
<br />
[[قوات الأمن تُحاصر مجلس الشعب لمنع مسيرة الأعضاء]]<br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر صحفي للكتلة البرلمانية حول مجازر غزة]]<br />
<br />
[[الكتلة البرلمانية تهنئ الشعب الكوسوفي باستقلاله عن صربيا]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني يشارك ضمن وفد البرلمان المصري في لقاء البرلمان الأوروبي]]<br />
<br />
[[انقسام في مجلس الشعب حول تقرير البرلمان الأوروبي]]<br />
<br />
[[الكتاتني يطالب مبارك بمواصلة مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية بفتح معبر رفح]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يطالبون بالتحقيق في مقتل الجندي المصري]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: افتعال الأزمات لن يلفتنا عن حصار غزة]]<br />
<br />
[[اليوم.. الكتاتني ينافس سرور على رئاسة مجلس الشعب]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني ينفي ما نشرته (المصري اليوم) عن لقاء الرئيس]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني يطالب بجلسة عاجلة لحل أزمة "محاجر المنيا"]]<br />
<br />
[[الكتاتني: الإصلاح السياسي غاب عن الأجندة التشريعية للحكومة]]<br />
<br />
[[الكتاتني: موقفنا من المرأة راسخ ولا يستطيع أحد المزايدة علينا]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يطالب باستبعاد قمصان من لجنة الانتخابات]]<br />
<br />
[[الحرية والعدالة يكذب "الشروق" حول نفقات حفل التأسيس]]<br />
<br />
[[الحرية والعدالة: حواراتنا تهدف لتحقيق مصالح مصر]]<br />
<br />
[[الكتاتني: لم نُجْرِ حوارًا مع روسيا وبابنا مفتوح بشروط]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة": محاكمة مبارك انتصار لإرادة الشعب]]<br />
<br />
[[وفد من السفارة الهندية يزور حزب الحرية والعدالة]]<br />
<br />
[[الجمعة.. افتتاح "الحرية والعدالة" بشمال القاهرة]]<br />
<br />
[[حفل استقبال "الحرية والعدالة" بالإسكندرية]]<br />
<br />
[[الكتاتني يشرح رؤية "الحرية والعدالة" لوفد "الاتحاد الأوروبي"]]<br />
<br />
[[عمرو موسى في (الحرية والعدالة): إنقاذ مصر مسئولية الجميع]]<br />
<br />
[[الكتاتني: "الحرية والعدالة" ليس له مرشح للرئاسة]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يهنئ متفوقي الثانوية الأزهرية]]<br />
<br />
[[الحرية والعدالة: لن نشارك في حكومة انتقالية]]<br />
<br />
[[الكتاتني ينفي مشاركة "الحرية والعدالة في "جمعة الاستقرار"]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يهنئ متفوقي الثانوية العامة]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" و"تنسيقية الثورة" يشاركان في مظاهرات الجمعة]]<br />
<br />
[[الكتاتني يكذب "المصري اليوم" ويستنكر بيان "الوطنية للتغيير"]]<br />
<br />
[[الكتاتني وإبراهيم يشاركان في مؤتمر البرلمانيين الإسلاميين]]<br />
<br />
[[اهتمام إعلامي عالمي بتقديم أوراق حزب "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[الكتاتني يتقدم بأوراق الحزب.. وتشكيل هياكل المحافظات خلال شهر]]<br />
<br />
[[الكتاتني: سنتقدم بأوراق الحزب غدًا الأربعاء]]<br />
<br />
[[الكتاتني يزور حزب العدالة والتنمية التركي]]<br />
<br />
[[الكتاتني يدعو إلى تسجيل بيانات مؤسسي "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[الكتاتني يدعو المصريين للانضمام لحزب "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون الاعتداء على د. محمد البرادعي]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: باب حزبنا مفتوح لكل المصريين]]<br />
<br />
[[الكتاتني: سنجري انتخابات لتشكيلات الحزب فور تأسيسه]]<br />
<br />
[[المرشد العام: د. الكتاتني وكيلاً لمؤسسي حزب "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: تلاحم الشعب سر نجاح ثورة 25 يناير]]<br />
<br />
[[مرسي والكتاتني يشاركان في أولى جلسات الحوار الوطني]]<br />
<br />
[[آخر الأخبار العاجلة حتى الساعة 8 مساءً 30-1-2011]]<br />
<br />
[[الكتاتني يكذب "الشروق" وينفي تأييده للبرلمان الموازي]]<br />
<br />
[[عزاء الكتلة البرلمانية في النائب محمد عبد العزيز شعبان]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل 5 من أنصار د. الكتاتني]]<br />
<br />
[[الكتاتني: ما حدث في الانتخابات انتهاكات خطيرة]]<br />
<br />
[[تسويد جماعي بالعدوة واعتداء على مندوبي الكتاتني بالمنيا!]]<br />
<br />
[[بلطجية الوطني يواصلون تعديهم على د. الكتاتني!]]<br />
<br />
[[إطسا تحتفي بالكتاتني بعد نجاته من محاولة الاغتيال]]<br />
<br />
[[مرشحو المنيا يواصلون جولاتهم وسط ترحيب من الأهالي]]<br />
<br />
[[إخوان المنيا: الاعتداء على الكتاتني إرهاب حكومي]]<br />
<br />
[[اهتمام عالمي بمحاولة قتل الكتاتني على يد بلطجية الوطني]]<br />
<br />
[[مظاهرة لأنصار الكتاتني أمام قسم بندر المنيا]]<br />
<br />
[[بلطجية مرشح الوطني يحاولون قتل الكتاتني ويحطِّمون سيارته!!]]<br />
<br />
[[الكتاتني يواصل جولاته بقرى بندر المنيا]]<br />
<br />
[[جولات ناجحة للكتاتني بقرى بندر المنيا]]<br />
<br />
[[الكتاتني يرفض إتاوة المحافظ على الدعاية الانتخابية]]<br />
<br />
[[القضاء يتصدى للاعتقالات ويخلي سبيل 5 من المنيا]]<br />
<br />
[[اختطاف 5 من أنصار د. الكتاتني بالمنيا]]<br />
<br />
[[الكتاتني يتهم لجنة الانتخابات بعرقلة ترشُّحه]]<br />
<br />
[[ترحيب شعبي لإعادة ترشُّح الكتاتني بالمنيا]]<br />
<br />
[[الكتاتني: "المصري اليوم" تكذب]]<br />
<br />
[[الكتلة البرلمانية تواسي المناصرة في وفاة والدته]]<br />
<br />
[[تضامن شعبي واسع مع د. الكتاتني بعد سرقة مكتبه]]<br />
<br />
[[مدير مكتب الكتاتني يتقدَّم ببلاغ عن سرقة مكتب النائب]]<br />
<br />
[[جهات أمنية تقتحم مكتب د. الكتاتني في المنيا]]<br />
<br />
[[تحديد موقف الإخوان من الانتخابات المقبلة سابق لأوانه]]<br />
<br />
[[الكتاتني: الإخوان المسلمون يشاركون في الانتخابات القادمة ]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني ينفي مزاعم "العربي" بصفقات مع النظام]]<br />
<br />
[[الكتاتني والبرادعي: الشعب مفتاح الإصلاح]]<br />
<br />
[[الكتاتني يستقبل البرادعي اليوم]]<br />
<br />
[[الكتاتني: الطوارئ أداة للقمع والاستبداد]]<br />
<br />
[[توضيح من الكتاتني على حوار البرادعي لمجلة فرنسية]]<br />
<br />
[[الكتاتني: تجربة حماس رائدة ودعمها لصالح المقاومة]]<br />
<br />
[[الكتاتني يحذِّر من انتهاك حرمات النساء]]<br />
<br />
[[18 اقتراحًا إخوانيًّا لزيادة الإيرادات العامة بعيدًا عن الشعب]]<br />
<br />
[[الكتاتني: لقائي بالبرادعي لم يتناول ملف الرئاسة]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يخوضون انتخابات الشورى]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: لقاء البرادعي تناول الوضع العام بمصر]]<br />
<br />
[[د. الكتاتني: لقاؤنا مع البرادعي للتعارف عن قرب]]<br />
<br />
== روابط محمد مرسي ==<br />
<br />
[[30 مليار جنيه خسائر سنوية نتيجة التلوث]]<br />
<br />
[[خطورة أسطوانات الليزر في سؤال للدكتور "محمد مرسي"]]<br />
<br />
[[سؤال برلماني عن ضعف الأمان الصحِّي على الطرق السريعة]]<br />
<br />
[[استخدام مخلفات المستشفيات السامَّة في تصنيع لعب الأطفال]]<br />
<br />
[[سؤال برلماني ينتقد شركات النظافة الأجنبية العاملة في مصر]]<br />
<br />
[[الدكتور محمد مرسي عضو مجلس الشعب في حوار خاص]]<br />
<br />
[[د. "مرسي" يطالب الحكومة المصرية بطلب تعويضات عن طائرة ليبية قصفها الصهاينة]]<br />
<br />
[[اجتماع عاجل بالبرلمان المصري لصالح فلسطين]]<br />
<br />
[[شكر على تهنئة الأخ الفاضل/ د. محمد مرسي]]<br />
<br />
[[نائب إخواني يتهم الحكومة المصرية ببيع أغذية فاسدة]]<br />
<br />
[[نائب إخواني ينتقد مجاملات وزراء مصريين لمحافظين!]]<br />
<br />
[[نائب إخواني.. الكهرباء المصرية رفعت أسعارها سرًا!]]<br />
<br />
[[د."محمد مرسي" في استضافة قناة العالم]]<br />
<br />
[[وزارة التعليم المصرية تهدد مستقبل 18 مليون طالب]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يسجِّلون موقفًا تاريخيًا لاحترام أحكام القضاء]]<br />
<br />
[[د."مرسي" يحذر من تزايد سعر الغلال ومواد البناء]]<br />
<br />
[[8 مليارات جنيه خسائر مصرية بسبب حوادث القطارات]]<br />
<br />
[[أتوبيس الحجاج يفتح ملف الحوادث ببرلمان مصر]]<br />
<br />
[[استجواب: انهيار العقارات ومسئولية الحكومة المصرية]]<br />
<br />
[[د. مرسي: إلغاء الطوارئ الخطوة الأولى نحو الديمقراطية]]<br />
<br />
[["مرسي": الإصلاح السياسي الشامل مفتاح الخروج من الأزمة الراهنة]]<br />
<br />
[[د. "محمد مرسي" في قناة (النيل الثقافية) غدًا]]<br />
<br />
[[مصر: سرادق لتقبل العزاء في استشهاد "ياسين"]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يعدون لتأييد الاتفاقية المصرية السودانية]]<br />
<br />
[[حبيب ومرسي يعقبان على فريد عبد الخالق]]<br />
<br />
[[حكومة مصر تعالج ارتفاع الأسعار بمخالفة دستورية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من استمرار كوارث العمارات]]<br />
<br />
[[برلماني مصري يحذر من تفاقم ظاهرة سكان العشش]]<br />
<br />
[[البرلمان المصري يفتح ملف فساد برنامج الخصخصة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب بالتحقيق في وقاحة دبلوماسيين صهاينة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من التغلغل الصهيوني في إفريقيا]]<br />
<br />
[[مصر: نواب الإخوان يحذرون من تفاقم الفساد بالمحليات]]<br />
<br />
[[تحذيرات من أدوية محرمة بمزارع الدواجن بمصر]]<br />
<br />
[[مرسي: انتخابات الجيزة كشفت كذب دعاوى الإصلاح]]<br />
<br />
[[نواب الإخوان يحذرون من اختراق شبكات الاتصالات]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لجنة الحريات الدينية الأمريكية صهيونية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من تلويث الصهاينة لمياه النيل]]<br />
<br />
[[د. مرسي ينتقد رداءة السلع التموينية المدعمة بمصر]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من استمرار الاعتداءات على نهر النيل]]<br />
<br />
[[مطالب برلمانية لمنع استيراد مواد التجميل الجرثومية]]<br />
<br />
[[مطالب برلمانية بوضع حدٍ لنزيف الأموال بمصر]]<br />
<br />
[[مصر.. انتقادات للحكومة لارتفاع الدين والمخزون الراكد]]<br />
<br />
[[سؤال برلماني عن المصريين الستة في الكيان الصهيوني]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب الحكومات العربية بالتحرك لنجدة الفلوجة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب بالرد على قتل الصهاينة للجنود المصريين]]<br />
<br />
[[د. مرسي: مؤتمر شرم الشيخ يقنِّن الاحتلال الأمريكي]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الحكومة المصرية تزيد من البطالة!]]<br />
<br />
[[البرلمان المصري يفتح ملف الأغاني "العارية"!]]<br />
<br />
[[البرلمان المصري يناقش تهريب الآثار للخارج]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الحكومة مسئولة عن انهيار الزراعة]]<br />
<br />
[[د. مرسي ينتقد زيادة هجرة المصريين للخارج..!!]]<br />
<br />
[[مصر: إلحاح برلماني لفتح ملف حدائق الموت!]]<br />
<br />
[[رحلة برلمانية مصورة لكارثة تسونامي]]<br />
<br />
[[رد نواب الإخوان على بيان الحكومة المصرية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يتهم الحكومة بالتلاعب في دعم الفقراء]]<br />
<br />
[[مرسي: الحكومة فشلت في علاج الميزان التجاري]]<br />
<br />
[[مصر: انهيار الأزهر في استجوابين بالبرلمان]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. محمد مرسي في تليفزيون أبو ظبي]]<br />
<br />
[[د. مرسي: رفضنا الحساب الختامي لأنه كارثة]]<br />
<br />
[[د. مرسي: غياب محاسبة الحكومة أدى لانهيار الأوضاع]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من انتشار قطن مغشوش بمصر]]<br />
<br />
[[د. مرسي: ممارسات الأمن تكشف زيف الإصلاح]]<br />
<br />
[[مرسي يتهم الداخلية المصرية بقتل الغنام!]]<br />
<br />
[[مرسي: البرلمان لم يأخذ برأي أحد في تعديل الدستور!!]]<br />
<br />
[[الأمن يتعمد عدم الإفراج عن نجل د. مرسي]]<br />
<br />
[[درس من د. مرسي لوزير الإسكان المصري]]<br />
<br />
[[مساء اليوم.. د. محمد مرسي في قناة "العالم"]]<br />
<br />
[[حملة للإفراج عن نجل رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي في الصحفيين مساء اليوم]]<br />
<br />
[[مرسي: العنف العالمي وراء حادث شرم الشيخ]]<br />
<br />
[[استمرار حبس نجل الدكتور مرسي]]<br />
<br />
[[ندوة: الإخوان دفعوا ضريبة المطالبة بالإصلاح]]<br />
<br />
[[مرسى: أمريكا تعتدي على الشعوب بدعوى الإرهاب]]<br />
<br />
[[مرسي: نرحب بجبهةٍ وطنيةٍ والتحالف الانتخابي لم يُحسم]]<br />
<br />
[[مرسى ينتقد تعاطي السلطة مع الانتخابات التشريعية]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الانتخابات النزيهة تحقق التوازن للمجتمع]]<br />
<br />
[[لماذا الإسلام هو الحل!!]]<br />
<br />
[[مسيرة سيارات دعمًا لزعيم الكتلة البرلمانية للإخوان]]<br />
<br />
[[مسيرة سيارات تطوف أنحاء الزقازيق تأييدًا لمرسي]]<br />
<br />
[[مؤتمر صحفي لمرسي عقب الإدلاء بصوته في الزقازيق]]<br />
<br />
[[مرسي: البلطجية يغلقون اللجان لصالح الوطني بالشرقية]]<br />
<br />
[[كثرة المرشحين تهدد انتخابات الزقازيق بالإعادة]]<br />
<br />
[[مرسي يدخل الإعادة رغم التفوق الكاسح على منافسيه]]<br />
<br />
[[اليوم: د. مرسي يتحدث عن الانتخابات في (الجزيرة)]]<br />
<br />
[[مرسي: نرفض التدخل الأمريكي في الانتخابات المصرية]]<br />
<br />
[[الليلة.. د. مرسي يتحدث عن الانتخابات بقناة (العالم)]]<br />
<br />
[[مرسي: النظام المصري لا يريد أحزابًا قوية]]<br />
<br />
[[مرسي: الحوار مع الحكومة الأمريكية غير وارد]]<br />
<br />
[[مرسي يتحدث عن الانتخابات ونواب الإخوان في "المستقلة"]]<br />
<br />
[[الدكتور مرسي على "المستقلة" متحدثًا عن فوز حماس]]<br />
<br />
[[مرسي ينتقد الاعتداءَ على النبي ويصفه بالحماقة]]<br />
<br />
[[د. مرسي: إحالة الحيوان للمحاكمة تصفية حسابات سياسية]]<br />
<br />
[[مرسي: الإخوان شرعيتهم شعبية وبرنامجهم مرجعيته إسلامية]]<br />
<br />
[[الإخوان يؤيدون القضاة في مطالبتهم بالاستقلال]]<br />
<br />
[[المطالبة بدعم المقاومة العراقية في مواجهة الاحتلال الأمريكي]]<br />
<br />
[[اعتقال مرسي والعريان ومئات الإخوان لتضامنهم مع القضاة]]<br />
<br />
[[500 معتقل من الإخوان المسلمين في يوم نصرة القضاة]]<br />
<br />
[[تجديد حبس مرسي والعريان وإخلاء سبيل 10 آخرين]]<br />
<br />
[[وفد برلماني يزور الدكتور محمد مرسي بمزرعة طرة]]<br />
<br />
[[تجديد حبس 40 من الإخوان بينهم مرسي والعريان]]<br />
<br />
[[الإفراج عن مرسي والعريان وتسعة آخرين من الإخوان]]<br />
<br />
[[المحكمة ترفض الإفراج عن مرسي والعريان بعد استئناف النيابة]]<br />
<br />
[[محكمة شمال القاهرة ترفض الإفراج عن د. مرسي والعريان]]<br />
<br />
[[تجديد حبس مرسي والعريان دون سند قانوني!!]]<br />
<br />
[[مصر.. نظام أدمن مخالفة القانون والدستور!!]]<br />
<br />
[[تجديد حبس د. مرسي والعريان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة الزقازيق يطالب بالإفراج عن مرسي والحيوان]]<br />
<br />
[[محكمة جنوب الجيزة ترفض تظلم د. مرسي والعريان]]<br />
<br />
[[تجديد حبس د. مرسي والعريان خمسة عشر يومًا]]<br />
<br />
[[د. رشاد البيومي يكتب: زفــرات!!]]<br />
<br />
[[الإفراج عن د. مرسي والعريان ووضعهما تحت الإقامة الجبرية]]<br />
<br />
[[مرسي والعريان يصلان منزليهما و"المشورة" تنظر الإقامة الجبرية]]<br />
<br />
[[القضاء يلغي قرار فرض الإقامة الجبرية على مرسي والعريان]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الإفراج عني جاء متأخرًا والقضية سياسية بالدرجة الأولى]]<br />
<br />
[[الفلاحات يُهنئ المرشد العام بخروج مرسي والعريان]]<br />
<br />
[[د. مرسي يتحدث عن حصاد الحرية عام 2006 في نقابة الصحفيين]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: الشرعية الشعبية فوق الدستور الذي لا يحترمه النظام]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الاعتقالات الأخيرة تخالف وعود الحكومة بالإصلاح السياسي]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الاعتقالات الأخيرة استمرار لتصفية الحسابات السياسية مع خصوم النظام]]<br />
<br />
[[د. مرسي: النظام يعوض فشله السياسي والاقتصادي والاجتماعي باعتقال الإخوان]]<br />
<br />
[[اليوم.. مرسي يتحدث على أوربت عن "الإسلام هو الحل" في انتخابات الشورى]]<br />
<br />
[[د. مرسي ينفي ما نشرته "المصريون" حول ترشيحات الإخوان في انتخابات الشورى]]<br />
<br />
[[17 مرشحًا للإخوان قدموا أوراقهم في انتخابات مجلس الشورى]]<br />
<br />
[[أيها الأحباب استعينوا بالله واصبروا]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي يتحدث عن تجاوزات الشرطة على قناة "الحوار"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الإخوان يدعمون المقاومة الفلسطينية وضد مخططات الانفصال]]<br />
<br />
[[د. مرسي: نرفض نشر قوات دولية في غزة وندعم المقاومة الفلسطينية]]<br />
<br />
[[هنية لمؤتمر الشرقية: لن نتنازل عن ثوابتنا مهما حدث]]<br />
<br />
[[المكسب والخسارة في المحاكمات العسكرية للإخوان]]<br />
<br />
[[الإخوان المسلمون والأحزاب الإسلامية المعاصرة]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. مرسي يتحدث عن اعتقالات الإخوان في قناة "العالم"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: اعتقالات الإخوان اعتداء على كرامة الوطن وتأكيد لتخبط النظام]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. مرسي يتحدث عن أسباب منع حفل الإفطار على (الحرة)]]<br />
<br />
[[د. مرسي: برنامج حزب الإخوان يستهدف تحقيق مصالح مصر العليا]]<br />
<br />
[[د. مرسي يوجه التهنئة للإخوان المعتقلين وأسرهم بمناسبة عيد الأضحى]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الإخوان المسلمون يرون أن زيارة بوش غير مرغوب فيها]]<br />
<br />
[[في ذكرى الهجرة.. أيها الإخوان استبشروا ببيعكم الذي بايعتم به]]<br />
<br />
[[لا للزيارة... ولا للزائر]]<br />
<br />
[[د. مرسي يشارك في حملة "أفرجوا" على البالتوك الجمعة القادم]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب الشعوب العربية بتقديم العون الإغاثي الفوري لقطاع غزة]]<br />
<br />
[[الاعتقالات والعسكرية والعدوان على الشعوب.. لن يُعيقوا مسيرة الأمة]]<br />
<br />
[[رسالة إلى قمة دمشق]]<br />
<br />
[[د. مرسي: المحكوم عليهم من الإخوان يدفعون ضريبة حرية مصر]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: الإسلام لا يتجزأ والمطالبة بالحق واجب]]<br />
<br />
[[د. مرسي: العالم كله مشترك في جريمة إظلام غزة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب وزراء الخارجية العرب بحل عادل للقضية الفلسطينية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يهنئ المهندس الشاطر بمناسبة زفاف كريمته]]<br />
<br />
[[د. مرسي: فضحنا كذب النظام بالمشاركة والمقاطعة]]<br />
<br />
[[اليوم.. القوى السياسية تناقش مستقبل مصر بعد تزوير الانتخابات]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذِّر من تقليص القضية الفلسطينية في وقف "الاستيطان"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: المرشد العام لم يلتق وزيرًا سودانيًّا و"الدستور" كاذبة]]<br />
<br />
[[د. مرسي: جريمة الإسكندرية لن تنال من وحدة المصريين]]<br />
<br />
[[د. مرسي يتحدث عن مستقبل الإخوان في "48 ساعة"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: مستقبل الإخوان مرتبط بمصير الشعب المصري]]<br />
<br />
[[د. مرسي: 5 مطالب عاجلة لضمان استقرار الأوضاع بمصر]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي يدعو النظام لاستجابة فورية لمطالب الشعب]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الأهالي حررونا من سجن وادي النطرون بعد هروب الأمن]]<br />
<br />
[[الإخوان يكذبون (اليوم السابع) في اللقاء مع السفارة الأمريكية]]<br />
<br />
[[اختطاف نجل الدكتور محمد مرسي]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: مبارك رحل أو على وشك الرحيل]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لا حوار مع نظام فاقد للشرعية]]<br />
<br />
[[الوول ستريت تبرز تصريحات د. محمد مرسي]]<br />
<br />
[[د. مرسي: إطلاق سراح الشاطر ومالك وسليمان لا يحتاج تأجيلاً]]<br />
<br />
[[د. مرسي بمؤتمر الشرقية: محاكمة مبارك مطلب شعبي عاجل]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لا توجد قناة فضائية باسم الإخوان حتى الآن]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب بملاحقة فلول "الوطني" وأمن الدولة]]<br />
<br />
[[د. مرسي لـ"مصر النهاردة": الإخوان مصدر أمان للشعب المصري]]<br />
<br />
[[اليوم.. حوار من أجل مصر (5).. معًا نبدأ البناء]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: التعديلات الدستورية بداية الاستقرار لمصر]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: الاستفتاء أول إنجازات الثورة]]<br />
<br />
[[د. مرسي: نتيجة الاستفتاء عبَّرت عن قناعة الشعب]]<br />
<br />
[[د. مرسي: مكتب الإرشاد لم يوافق على مؤتمر الشباب يوم السبت]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي في لقاء "العمل الوطني" بجامعة القاهرة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يتحدَّث عن "دور الجامعة في النهضة" بالزقازيق]]<br />
<br />
[[د. مرسي لطلاب جامعة الزقازيق: الثورة لم تنتهِ]]<br />
<br />
[[د. مرسي: مصر في مرحلة عنق الزجاجة ويجب حمايتها]]<br />
<br />
[[د. مرسي يطالب الشعوب العربية بمناصرة أهل غزة]]<br />
<br />
[[د. مرسي: 4 رسائل من مليونية المحاكمة والتطهير]]<br />
<br />
[[د. مرسي: الشعب سيد قراره ولن يقبل بديكتاتورية أخرى]]<br />
<br />
[[الدكتور محمد مرسي يواسي المستشار فتحي لاشين]]<br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من شائعات فلول النظام ضد الإخوان]]<br />
<br />
[[شورى الإخوان يسمي د. مرسي رئيسًا لـ"الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: رئاستي لحزب "الحرية والعدالة" مرحلة انتقالية]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: "الحرية والعدالة" ملك لكل المصريين]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: "الحرية والعدالة" حزب مستقل لكل المصريين]]<br />
<br />
[[حوار د. محمد مرسي في جريدة "الشروق"]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. محمد مرسي على "أون تي في"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لا للسيطرة على البرلمان والشريعة مسئولية الشعب]]<br />
<br />
[[تهنئة المرشد العام بتأسيس حزب "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" المصري يهنئ "العدالة" التركي]]<br />
<br />
[[د. مرسي: إساءة "المصري اليوم" لقيادات الحزب مهاترات مرفوضة]]<br />
<br />
[[رئيس حزب الحرية والعدالة يستقبل سفيرة أستراليا بالقاهرة]]<br />
<br />
[[رئيس حزب "الحرية والعدالة" يستقبل نائب رئيس الوزراء]]<br />
<br />
[[تهنئة من "الحرية والعدالة" لحزب العدل]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يفتتح مقرَّ "الحرية والعدالة" بالدقهلية]]<br />
<br />
[[30 ألفًا في مؤتمر حاشد للحرية والعدالة بالدقهلية]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يهنئ حزب "مصر الحديثة"]]<br />
<br />
[[غدًا مؤتمر جماهيري لـ"الحرية والعدالة" باستاد الشرقية]]<br />
<br />
[[الجمعة.. مؤتمر جماهيري لحزب الحرية والعدالة بالجيزة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يدعو للحفاظ على الثورة وأخلاق الميدان]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي يؤكد ضرورة القصاص للشهداء وعودة الأموال المنهوبة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يستقبل وفدين من "الأوروبي" ومركز تركي]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" يطالب بوحدة الصف واستمرار الثورة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يلتقي وفدًا من البرلمان الاتحادي الألماني]]<br />
<br />
[[الجمعة.. أول مؤتمر جماهيري لـ"الحرية والعدالة" بالإسكندرية]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" بالإسكندرية: هدفنا تنمية مصر]]<br />
<br />
[[افتتاح مقر حزب الحرية والعدالة بالسويس]]<br />
<br />
[[الثلاثاء.. د. مرسي يفتتح مقر "الحرية والعدالة" بكفر الشيخ]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" يطالب المصريين بدفع عجلة الإنتاج]]<br />
<br />
[[د. مرسي يفتتح مقري "الحرية والعدالة" ببورسعيد والمنوفية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يفتتح مقرَّيْ "الحرية والعدالة" بالإسماعيلية والفيوم]]<br />
<br />
[[د. مرسي بـ"بورسعيد": مصر قاطرة التنمية في الدول العربية]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة": نرفض الدعوة لـ"مبادئ فوق دستورية"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: بقايا النظام البائد "سوس" ينخر في الثورة]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة": 5 تحديات تواجه الثورة المصرية]]<br />
<br />
[[د. مرسي: "الحرية والعدالة" نتاج للثورة المصرية البيضاء]]<br />
<br />
[[الكتاتني: "الحرية والعدالة" ليس له مرشح للرئاسة]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" يعزي د. علي عز الدين]]<br />
<br />
[[الليلة.. د. مرسي ضيف "الحياة اليوم"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: مصر ستنهض بأيدي أبنائها]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي يستقبل وفدًا من حزب "الكرامة"]]<br />
<br />
[[وفد من السفارة الهندية يزور حزب الحرية والعدالة]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" يهنئ الأمة بحلول شهر رمضان]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يستقبل السفير الفلسطيني بالقاهرة]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" يستقبل ممثلاً للاتحاد الأوروبي]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يستقبل القائم بأعمال السفارة الروسية]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. مرسي يتحدث عن وثيقة الدستور الجديد على "دريم 2"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لا يوجد في العالم مبادئ فوق الدستورية]]<br />
<br />
[[د. مرسي في إفطار أساتذة الزقازيق: الجامعة مصنع الرجال]]<br />
<br />
[[الإخوان و"الحرية والعدالة" يشاركان في اعتماد وثيقة الأزهر]]<br />
<br />
[[د. مرسي يستقبل السفير العماني بالقاهرة]]<br />
<br />
[[الحرية والعدالة يلتقي ممثلي شركات السياحة]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يستقبل السفير الياباني بالقاهرة]]<br />
<br />
[[د. مرسي يشارك في مؤتمر تحديد الموقف من العدوان]]<br />
<br />
[[د. مرسي يهنئ الشعب المصري والأمة بعيد الفطر]]<br />
<br />
[[د. مرسي: توحيد الجهود فرض عين على كل الشرفاء]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة": إجراء الانتخابات يدعم الاستقرار في مصر]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: الانتخابات المقبلة سبيل الاستقرار]]<br />
<br />
[[بيان من "الحرية والعدالة" بالشرقية عن حادثة نجلي د. مرسي]]<br />
<br />
[[إخلاء سبيل نجلي رئيس حزب "الحرية والعدالة"]]<br />
<br />
[[اليوم.. د. مرسي يستعرض قضايا الوطن على "مصر 25"]]<br />
<br />
[[د. مرسي: "الحرية والعدالة" يرفض تأجيل الانتخابات وتفعيل الطوارئ]]<br />
<br />
[[د. محمد مرسي: وثيقة الشرف ليست مبادئ فوق دستورية]]<br />
<br />
[[تصريح مشترك من رئيسي حزبي "الحرية والعدالة" و"الوفد"]]<br />
<br />
[[حزب الحرية والعدالة يستقبل القائم بأعمال السفارة الكندية]]<br />
<br />
[[د. مرسي يعزي رئيس الوزراء التركي في والدته]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" ضيف الفضائية المصرية اليوم]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" على "الجزيرة مصر" الليلة]]<br />
<br />
[[نقيب المرافق "المنحل" يرفض تسليم النقابة]]<br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يستقبل السفير البلغاري ووفدًا حزبيًّا سويديًّا]]<br />
<br />
[[د. مرسي: "الحرية والعدالة" يعمل من أجل مصر]]<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A81&diff=643256الديب12012-02-21T08:12:20Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>== أخبار الجماعة 2011 ==<br />
<br />
[[إفطار إخوان القليوبية: الوحدة شعار المرحلة]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان بورسعيد: الجميع شركاء في نهضة الوطن]] <br />
<br />
[[إفطار جماهيري لإخوان الصف بحضور قيادات الجماعة]] <br />
<br />
[[إفطار كبير لإخوان فايد بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[القوى السياسية على مأدبة إفطار إخوان الفيوم]] <br />
<br />
[[د. يحيى كشك نائبًا لمسئول المكتب الإداري لإخوان أسيوط]] <br />
<br />
[[انسحاب إخوان السويس من إفطار د. شرف]] <br />
<br />
[[قسم |قسم "نشر الدعوة" ينظم إفطاره السنوي]] <br />
<br />
[[انعقاد مجلس شورى الإخوان بالقليوبية]] <br />
<br />
[[اليوم.. الإفطار السنوي لإخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[إخوان كفر الشيخ يدشنون حملة لدعم الصومال]] <br />
<br />
[[اليوم.. حفل إفطار الإخوان بالإسكندرية]] <br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
[[إفطار إخوان الإسماعيلية.. الثورة تحتاج إلى نهضة]] <br />
<br />
[[مرشحو الإخوان بكفر الشيخ ينصفون المعلمين]] <br />
<br />
[[الإخوان و|الإخوان و"الحرية والعدالة" يبدآن إنقاذ الصومال من السويس]] <br />
<br />
[[حدث تاريخي]] <br />
<br />
[[(إخوان أون لاين) يهنئ بنصر العاشر من رمضان]] <br />
<br />
[[مهندسو الإخوان بالشرقية يختارون مرشحيهم للنقابة]] <br />
<br />
[[الإخوان و|الإخوان و"الحرية والعدالة" بالمنوفية يكرمون المتفوقين]] <br />
<br />
[[إخوان الإسماعيلية يبدءون حملة لإغاثة الصومال]] <br />
<br />
[[مدير أمن المنيا يشيد بدور الإخوان في احتواء الفتنة]] <br />
<br />
[[البحيرة.. إفطاران للإخوان بإدكو وأبو المطامير]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي مكثف لشباب الإخوان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[إخوان المنوفية: التعاون أساس بناء مصر]] <br />
<br />
[[إخوان أبو حماد يكرمون محاربي أكتوبر]] <br />
<br />
[[د. البر يشارك في تكريم أبطال العاشر من رمضان بكفر غطاطي]] <br />
<br />
[[محافظ الدقهلية: إفطار الإخوان إجماع وطني من الدرجة الأولى]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان أبو كبير: التعاون حتمي لبناء مصر]] <br />
<br />
[[د. عبد الرحمن البر: التقريب بين القوى الوطنية واجب المرحلة]] <br />
<br />
[[مختار مختار يحضر افتتاح الدورة الرمضانية لإخوان التبين]] <br />
<br />
[[رموز الإسكندرية في حفل إفطار الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[وزير الخارجية يزور مصعب الشاعر ببرلين]] <br />
<br />
[[دمياط.. إقبال كثيف على شوادر الإخوان للحوم]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية ينظمون المرور]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يكرمون أوائل الشهادات]] <br />
<br />
[[إخوان بورسعيد يفتتحون جمعية |إخوان بورسعيد يفتتحون جمعية "روافد الخير" الاجتماعية]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان |إفطار إخوان "الشهداء" يطالب الشعب بالتوحد على البناء]] <br />
<br />
[[إفطارات متنوعة للإخوان المسلمين بالشرقية]] <br />
<br />
[[الإخوان يشاركون قوى الإسكندرية إفطارهم أمام القائد إبراهيم]] <br />
<br />
[[السويس.. تدشين حملة |السويس.. تدشين حملة "أيام العطاء" لإنقاذ الصومال]] <br />
<br />
[[سويدان يلتقي إخوان |سويدان يلتقي إخوان "أبو حمص"]] <br />
<br />
[[إخوان أسيوط يبحثون مع المحافظ الجديد سبل التعاون]] <br />
<br />
[[د. عودة: شباب مصر قادر على حماية الثورة]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت: الإخوان يحملون مشروعًا للنهضة]] <br />
<br />
[[دورة رمضانية لاكتشاف المواهب بالمنيا]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يعزي الجزائر في وفاة الشيخ شيبان]] <br />
<br />
[[محمد وهدان يدعو إلى الوعي بالتاريخ]] <br />
<br />
[[رموز حلوان على مائدة إفطار معلمي الإخوان]] <br />
<br />
[[إطلاق اسم شهيد الإخوان بالمنوفية على مدرسة ابتدائية]] <br />
<br />
[[صحفيو الإخوان ينظمون إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[الصحفيون يناقشون مستقبل المهنة في صالون |الصحفيون يناقشون مستقبل المهنة في صالون "جابر رزق"]] <br />
<br />
[[د. غزلان: المبادئ الحاكمة للدستور اعتداء على حق الشعب]] <br />
<br />
[[د. مصطفى الغنيمي يطالب الجميع بالوحدة والبناء]] <br />
<br />
[[قوافل طلابية للتعريف بالإخوان في المنيا]] <br />
<br />
[[إفطاران لإخوان الدقهلية بالسنبلاوين وميت بدر خميس]] <br />
<br />
[[حفلات إفطار للإخوان و|حفلات إفطار للإخوان و"الحرية والعدالة" بالمنوفية]] <br />
<br />
[[حملة تبرعات للإخوان لإغاثة منكوبي الصومال]] <br />
<br />
[[محافظ بورسعيد يشارك في إفطار |محافظ بورسعيد يشارك في إفطار "إخوان القابوطي"]] <br />
<br />
[[مشاركة حاشدة في الإفطار السنوي لإخوان الأقصر]] <br />
<br />
[[مهندسو الإخوان: توافق القوى أساس نهضة مصر]] <br />
<br />
[[الأمين العام للإخوان: ما زلنا نواجه تحديات كبيرة]] <br />
<br />
[[اليوم.. الإفطار السنوي لإخوان شمال سيناء]] <br />
<br />
[[إفطار مشترك للإخوان و|إفطار مشترك للإخوان و"الحرية والعدالة" ببلطيم]] <br />
<br />
[[ربع مليون جنيه من أهالي بورسعيد لدعم الصومال]] <br />
<br />
[[إفطار العاشر.. بناء مصر يبدأ بمجتمع متماسك]] <br />
<br />
[[مشاركة واسعة في إفطار إخوان كفر سليمان بدمياط]] <br />
<br />
[[إخوان |إخوان "تمي الأمديد" بالدقهلية: الإيجابية والتخطيط عوامل نهضة الأمة]] <br />
<br />
[[قنصل السودان يشارك إخوان أسوان إفطارهم]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإخوان آخر فيصل]] <br />
<br />
[[د. بشر: الإخوان حريصون على التعاون مع الجميع]] <br />
<br />
[[رموز المطرية على مائدة إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يرفضون محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري]] <br />
<br />
[[عمال |عمال "مصانع حلوان" على مائدة إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان البحيرة يشاركون في إغاثة شعب الصومال]] <br />
<br />
[[إخوان العبور يكرمون المتفوقين بالقليوبية]] <br />
<br />
[[صالون سياسي وسلسلة إفطارات لإخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[إفطار مشترك للإخوان و|إفطار مشترك للإخوان و"الحرية والعدالة" بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[إفطارات متنوعة لإخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[الإخوان و|الإخوان و"الحرية والعدالة" يشاركان في اعتماد وثيقة الأزهر]] <br />
<br />
[[د. البر على غرفة سرايا الدعوة في البالتوك]] <br />
<br />
[[الملتقى الأول للإعلاميين في مكتب الإخوان بالدقهلية]] <br />
<br />
[[رموز العمل السياسي يشاركون إخوان الزرقا إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف بالمنوفية لإنهاء مأساة الصومال]] <br />
<br />
[[معلمو الدقهلية يتعاهدون على استرداد النقابة والكرامة]] <br />
<br />
[[الإخوان يواصلون مواجهة جشع التجار بالأسواق الخيرية]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان منفلوط: الشعب يريد وحدة القوى الوطنية]] <br />
<br />
[[إخوان المرج يتبنون مشروعات لخدمة الأيتام في رمضان]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان المعادي: نهضة مصر واجب الوقت]] <br />
<br />
[[إخوان شرق القاهرة يطلقون مشروع |إخوان شرق القاهرة يطلقون مشروع "كسوة العيد"]] <br />
<br />
[[إفطارات متنوعة لإخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[ليلة رمضانية حاشدة بالفيوم في ذكرى |ليلة رمضانية حاشدة بالفيوم في ذكرى "بدر"]] <br />
<br />
[[10 رحلات عمرة باحتفالية إخوان مينا البصل في ذكرى |10 رحلات عمرة باحتفالية إخوان مينا البصل في ذكرى "بدر"]] <br />
<br />
[[مهندسو الإخوان يطالبون بسرعة إنهاء |مهندسو الإخوان يطالبون بسرعة إنهاء "الحراسة"]] <br />
<br />
[[دعوة لجمعة إنقاذ الصومال في الإسماعيلية]] <br />
<br />
[[محافظ الغربية يستجيب لـ|محافظ الغربية يستجيب لـ"الإخوان" بتطهير "كفور بلشاي"]] <br />
<br />
[[إفطار طلاب الإخوان بدمياط: الشباب المتفوق عماد نهضة الأمة]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. الإخوان و|الدقهلية.. الإخوان و"الحرية والعدالة" يبدآن حملة محو الأمية]] <br />
<br />
[[نشاط واسع لإخوان الدقهلية لإنقاذ الصومال]] <br />
<br />
[[أزمات |أزمات "دار السلام" على مائدة إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[أكرم الشاعر: العمال عصب بناء الوطن]] <br />
<br />
[[حفل إفطار للخطباء والأئمة ببولاق الدكرور]] <br />
<br />
[[د. محمود حسين يشارك في تشييع جثامين شهداء الحدود]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان أسيوط: الثورة تحتاج إلى إنكار الذات]] <br />
<br />
[["علميو الإخوان" يخوضون الانتخابات بقائمة توافقية]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا": زيارة "السلمي" للمحافظة مخيبة للآمال]] <br />
<br />
[[القليوبية.. إخوان عرب الصوالحة ينظمون إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يطالبون بمقاضاة دولية لقادة الصهاينة]] <br />
<br />
[[لجنة الشريعة تشيد بقرار إجراء الانتخابات]] <br />
<br />
[[معرض خيري لإخوان الزيتون ضد غلاء الأسعار]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية يواصلون تكريم المتفوقين]] <br />
<br />
[["الوحدة والبناء" حديث إفطار د. وهدان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[حفلات إفطار وسحور متنوعة للإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي مكثف لإخوان بورسعيد]] <br />
<br />
[[إخوان البحيرة يحتفلون بذكرى غزوة بدر]] <br />
<br />
[[محمد الجزار يفتتح دار الإخوان بالقلج]] <br />
<br />
[[سيف الإسلام البنا يطالب بالقصاص من الصهاينة قتلة الشهداء]] <br />
<br />
[[د. محمد كمال عضوًا بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يرحبون بوقف محاكمة بعض النشطاء عسكريًّا]] <br />
<br />
[[وقفة احتجاجية بدمياط تنديدًا بالعدوان الصهيوني]] <br />
<br />
[[وقفات احتجاجية بالمحافظات ضد جرائم الصهاينة]] <br />
<br />
[[الشرقية تقدم شهيدًا للصومال]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان يدعون إلى التظاهر ضد جرائم العدو]] <br />
<br />
[[د. محمد فضل: الثورة تحتاج إلى حماية ويقظة]] <br />
<br />
[[أسر الشهداء: نقدر دور الإخوان ونطالب بسرعة القصاص]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يرفضون الأساليب الإرهابية لـ"الأمن الوطني"]] <br />
<br />
[[نصف مليون مستفيد من معرض إخوان العاشر بالشرقية]] <br />
<br />
[[معلمو |معلمو "التغيير والإصلاح" بالقناطر يكرمون المتفوقين]] <br />
<br />
[[الإخوان ينظمون إفطارًا لعلماء الدقهلية]] <br />
<br />
[[محامو |محامو "العاشر من رمضان" يطالبون ببناء دولة الحريات والقانون]] <br />
<br />
[[مهندسو الإخوان: الاستشكال على إنهاء الحراسة عبث مرفوض]] <br />
<br />
[[الأمين العام للإخوان: |الأمين العام للإخوان: "كامب ديفيد" حصار على مصر!]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان دسوق.. المستقبل أفضل بوحدة الثوار]] <br />
<br />
[["أرض اللواء" تدعم الصومال بربع مليون جنيه]] <br />
<br />
[[مليونا جنيه هدية أهالي كفر الشيخ للصومال]] <br />
<br />
[[الشرقية.. افتتاح مقر الإخوان بمشتول السوق]] <br />
<br />
[[بلاغات لمنع بركة من التصرف في أموال |بلاغات لمنع بركة من التصرف في أموال "المهندسين"]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يشاركون في إفطار "الوحدة الوطنية"]] <br />
<br />
[[مسيرة سيارات لشباب |مسيرة سيارات لشباب "مايو" للتنديد باعتداء الكيان]] <br />
<br />
[[حملة نظافة وإفطاران لإخوان دمياط]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف للإخوان و|نشاط مكثف للإخوان و"الحرية والعدالة" بالمنوفية]] <br />
<br />
[[6 مرشحين للإخوان في انتخابات نقابة الصحفيين]] <br />
<br />
[[حفلات لتكريم المتفوقين بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[طائرة إغاثة للصومال من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[الإخوان يشاركون في حفل إفطار الوحدة الوطنية بالمرج]] <br />
<br />
[[محمد الفلاحجي: 25 يناير فتحت آفاق النهضة والحرية]] <br />
<br />
[[الأحد.. الإخوان يناقشون مطالب المعلمين مع الوزير]] <br />
<br />
[[انتخاب محمد عبد الله مسئولاً لإخوان بني سويف]] <br />
<br />
[[كساء 150 طفلاً يتيمًا في حملة لإخوان المطرية]] <br />
<br />
[[غدًا.. مسيرة ومؤتمر لتأبين شهيد |غدًا.. مسيرة ومؤتمر لتأبين شهيد "بلتان" بالقليوبية]] <br />
<br />
[[وفد إخوان أسيوط يزور أسرة شهيد الحدود]] <br />
<br />
[[برنامج انتخابي شامل لمعلمي الإخوان]] <br />
<br />
[[تواصل جهود إخوان الدقهلية لإنقاذ الصومال]] <br />
<br />
[[فضيحة للأمن الوطني ببورسعيد والإخوان يطالبون بالتحقيق]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يدعون لمسيرة ليلية لدعم الثورة السورية]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان ينظمون المرور بدار السلام والبساتين]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف للإخوان و|نشاط مكثف للإخوان و"الحرية والعدالة" بالبحيرة]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإخوان دمياط دعمًا للصومال]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. إخوان ميت فارس يكرمون حفظة القرآن]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" ينظمون مسابقات للقرآن الكريم]] <br />
<br />
[[محاميو البحيرة على مائدة إفطار |محاميو البحيرة على مائدة إفطار "لجنة الشريعة"]] <br />
<br />
[[إخوان المطرية يكرمون حفظة القرآن]] <br />
<br />
[[اليوم.. الإخوان يناقشون مطالب المعلمين مع الوزير]] <br />
<br />
[[إخوان كفر الشيخ يختتمون الدورات الرياضية]] <br />
<br />
[[الإخوان والجمعية الشرعية بالفيوم يكذبون بوابة |الإخوان والجمعية الشرعية بالفيوم يكذبون بوابة "الوفد" و"التحرير"]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان يلتقون الوزير لمطالبته بالإصلاح]] <br />
<br />
[[م. إبراهيم حجاج: بناء الوطن ضرورة لمواجهة العدو]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإنقاذ الصومال بالمنوفية]] <br />
<br />
[[المنيا.. |المنيا.. "إخوان مغاغة" يكرمون حفظة القرآن الكريم]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية يشاركون المحافظ إفطار |إخوان الدقهلية يشاركون المحافظ إفطار "الوفاق الوطني"]] <br />
<br />
[["فتح الباب" يكرم الفائزين في المسابقة الرمضانية بالتبين]] <br />
<br />
[[تحرك مجتمعي للإخوان و|تحرك مجتمعي للإخوان و"الحرية والعدالة" بـ"15 مايو"]] <br />
<br />
[[أسيوط.. تدشين حملة لدعم الصومال بالقوصية]] <br />
<br />
[[مليون جنيه من بورسعيد لإغاثة الصومال]] <br />
<br />
[[يسري بيومي: مخالفات قرية الأحلام قيد التحقيق]] <br />
<br />
[[الشيخ عبد العزيز عشري يكذب |الشيخ عبد العزيز عشري يكذب "الشروق"]] <br />
<br />
[[استمرار حملات |استمرار حملات "إخوان المنيا" لدعم الصومال]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية يشيعون جنازة صفوت عبد الحليم]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية ينظمون إفطارًا للقوى الشبابية]] <br />
<br />
[[لجنة من الإخوان والكنيسة لحل مشاكل الزاوية الحمراء]] <br />
<br />
[[توزيع جوائز حفظة القرآن الكريم بكفر غطاطي]] <br />
<br />
[[د. يسري هانئ خطيب العيد بالمنصورة]] <br />
<br />
[[إخوان مطروح يعلنون صلاة العيد بشارع الجلاء]] <br />
<br />
[[ربع مليون جنيه من |ربع مليون جنيه من "المنصورية" لإغاثة الصومال]] <br />
<br />
[[إخوان شرق القاهرة ينظمون صلاة العيد بعدة ميادين]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يجهزون ساحات صلاة العيد]] <br />
<br />
[[مسيرة لإخوان أسوان لتهنئة المواطنين بالعيد]] <br />
<br />
[[دمياط.. قيادات الإخوان و|دمياط.. قيادات الإخوان و"الحرية والعدالة" يستقبلون المصلين]] <br />
<br />
[[إخوان عين شمس ينظمون صلاة العيد بالخلاء ويدعون للتغيير]] <br />
<br />
[[إخوان أرض اللواء وبولاق الدكرور ينظمان صلاة العيد]] <br />
<br />
[[حضور شعبي حاشد لصلاة العيد بمصلى إخوان أسوان]] <br />
<br />
[[الآلاف يحيون ذكرى الثورة في ميدان الممر بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[جمعة أمين يطالب |جمعة أمين يطالب "العسكري" بالإسراع في تحقيق أهداف الثورة]] <br />
<br />
[[30 ألفًا يصلون العيد بميدان الثورة في المنصورة]] <br />
<br />
[[70 ألفًا يؤدون صلاة العيد بميدان قارون في الفيوم]] <br />
<br />
[[إخوان مصر القديمة ينظمون صلاة العيد بـ|إخوان مصر القديمة ينظمون صلاة العيد بـ"عمرو بن العاص"]] <br />
<br />
[[2 مليون مصلٍّ في ساحات العيد بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[أسيوط.. حفل لــ|أسيوط.. حفل لــ"الإخوان" و"الحرية والعدالة" بمناسبة العيد]] <br />
<br />
[[تكريم 352 من حفظة القرآن في احتفالية العيد بشبرا]] <br />
<br />
[[حلوان.. 8 آلاف يشاركون الإخوان فرحة العيد بكفر العلو]] <br />
<br />
[[البحيرة.. عشرات الآلاف يؤدون صلاة العيد في الخلاء]] <br />
<br />
[[حفل فني ضخم للإخوان باستاد كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[المنيا.. فوز مرشحي الإخوان بانتخابات مركز شباب |المنيا.. فوز مرشحي الإخوان بانتخابات مركز شباب "العدوة"]] <br />
<br />
[[أسيوط.. إخوان ديروط يتهمون الشرطة بالتقاعس]] <br />
<br />
[["روح الثورة" تسيطر على حفل إخوان أسوان بالعيد]] <br />
<br />
[[كفر الشيخ.. فريق |كفر الشيخ.. فريق "سكر" يحيي حفلاً للإخوان بالعيد]] <br />
<br />
[[وفد الكنيسة الأرثوذكسية يهنئ إخوان أسيوط بالعيد]] <br />
<br />
[["نصف مليون جنيه" من أهالي القلج بالقليوبية للصومال]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بإنهاء معاناة |الإخوان يطالبون بإنهاء معاناة "وادي النطرون"]] <br />
<br />
[[دمياط.. 12 قرية تستفيد من سوق الإخوان للمستلزمات الدراسية]] <br />
<br />
[[إخوان دمياط ينظمون حفلين لتوزيع جوائز المسابقات الرمضانية]] <br />
<br />
[[القليوبية.. 1.5 مليون جنيه من |القليوبية.. 1.5 مليون جنيه من "الخانكة وأبو زعبل" للصومال]] <br />
<br />
[[لجنة لتسلم نقابة المهندسين وإجراء الانتخابات]] <br />
<br />
[[د. الحلواني يدعو المعلمين للتكاتف من أجل الإصلاح]] <br />
<br />
[[الثلاثاء.. مؤتمر صحفي للمهندسين ضد بقاء الحراسة]] <br />
<br />
[[مهندسو إخوان أسوان يعلنون أسماء مرشحيهم في الانتخابات]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يدعون لطرد السفير الصهيوني]] <br />
<br />
[[د. البيلي: مستقبل مصر يبدأ بالتكاتف نحو العمل والبناء]] <br />
<br />
[[ملف بتجاوزات |ملف بتجاوزات "اتحاد العمال" في مؤتمر العمل الدولي]] <br />
<br />
[[استمرار فعاليات حملة |استمرار فعاليات حملة "بلدنا جنة" في الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان العاشر يتبنون حملة تشجير الشوارع]] <br />
<br />
[[د. زغلول النجار: مصر تعيش فرصة نادرة للنهوض]] <br />
<br />
[[تحقيق تعسفي مع عددٍ من مرشحي الإخوان بـ|تحقيق تعسفي مع عددٍ من مرشحي الإخوان بـ"المعلمين"!]] <br />
<br />
[[الإخوان ينظمون معرضًا للسلع الغذائية في العمرانية]] <br />
<br />
[[الأمين العام للإخوان: ندرس تنظيم مليونية ضد الوصاية على الشعب]] <br />
<br />
[[إخوان أكتوبر يكرِّمون الطلاب المتفوقين]] <br />
<br />
[["فرصة".. دورة كرة قدم ناجحة لإخوان المنيل]] <br />
<br />
[[معرض لسلع رمضان بسعر الجملة في كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يلجئون للقضاء الإداري لرفع اسم مبارك]] <br />
<br />
[[سلسلة قوافل طبية لإخوان عمرو بن العاص]] <br />
<br />
[[إخوان غرب شبرا الخيمة يختتمون مخيمهم التربوي الأول]] <br />
<br />
[[استمرار القوافل الطبية لإخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[المعسكر الصيفي الأول لإخوان الإسماعيلية]] <br />
<br />
[[إخوان جامعة القاهرة يعقدون مؤتمرهم الأول]] <br />
<br />
[["إخوان القاهرة" يقدمون رؤيتهم للجامعة عقب الثورة]] <br />
<br />
[[اختتام الفوج الأول لمعسكر إخوان الإسماعيلية]] <br />
<br />
[[افتتاح دار الإخوان في |افتتاح دار الإخوان في "أبو كبير" بالشرقية]] <br />
<br />
[[بلطجية يعتدون على مسئول الإخوان بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[30 فرقة رياضية في دورة الإخوان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[قافلة طبية ناجحة لإخوان |قافلة طبية ناجحة لإخوان "دبركي" بالمنوفية]] <br />
<br />
[[سوق خيرية لإخوان المنصورة لتخفيف أعباء الأسرة]] <br />
<br />
[[400 مستفيد من قافلة إخوان |400 مستفيد من قافلة إخوان "الخصوص" بالقليوبية]] <br />
<br />
[[معرض خيري لإخوان منشية البكاري]] <br />
<br />
[[3 قوافل بيطرية لإخوان الخط الوسطاني بالبحيرة]] <br />
<br />
[[إخوان أبو حمص يكرمون متفوقي الشهادات]] <br />
<br />
[[اجتماع طارئ لمجلس شورى الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[معارض لمحاربة الغلاء في أرض اللواء بالعجوزة]] <br />
<br />
[[قوافل طبية وأسواق خيرية للإخوان و|قوافل طبية وأسواق خيرية للإخوان و"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[معرض سلع غذائية لإخوان فيصل]] <br />
<br />
[[مخيم ناجح لطلاب الإخوان المسلمين بالشرقية]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يطالبون اللجنة القضائية بخارطة طريق]] <br />
<br />
[[الملتقى الثاني لعلماء القليوبية]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإخوان الفيوم لتكريم المتفوقين]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون ببورسعيد يكرمون أوائل الابتدائية]] <br />
<br />
[[ترحيب قانوني بمبادرة الإخوان للدفاع عن أسر الشهداء]] <br />
<br />
[[محافظ الإسماعيلية يشيد بحملة الإخوان للنظافة]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية ينظمون ندوةً لطلاب الجامعة الجدد]] <br />
<br />
[[حفلات إخوانية لتكريم أوائل الشهادات بالشرقية]] <br />
<br />
[[دعوات لتطبيق تجربة الإخوان في مكافحة الغلاء]] <br />
<br />
[[لجنة التحقيق في شورى الإخوان مستقلة تمامًا]] <br />
<br />
[[تكريم حفظة القرآن والمتفوقين بالمنوفية]] <br />
<br />
[[نائب المرشد العام يستقبل الدكتور الترابي]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان يطالبون بحل |عمال الإخوان يطالبون بحل "الاتحاد العام"]] <br />
<br />
[[أ. عاكف في الأردن: تحرير القدس يبدأ من العواصم العربية]] <br />
<br />
[[شورى الإخوان بأسوان ينتخب خضر بديلاً لأمين الحزب]] <br />
<br />
[[القليوبية.. دورات مجانية بالخانكة لإعداد المحاسبين]] <br />
<br />
[[إخوان أسوان يحاربون الغلاء بأسعار الجملة]] <br />
<br />
[[إخوان دمياط يكرمون أوائل الشهادات]] <br />
<br />
[[د. مرسي: مصر ستنهض بأيدي أبنائها]] <br />
<br />
[[معرض ناجح لمحاربة الغلاء بـ|معرض ناجح لمحاربة الغلاء بـ"الزيتون"]] <br />
<br />
[[إقبال واسع على معرض سلع رمضان بالشيخ زايد]] <br />
<br />
[[الإخوان يكرمون المتفوقين بالدقهلية]] <br />
<br />
[[4 أسواق خيرية للإخوان بالدقهلية]] <br />
<br />
[[افتتاح حاشد لدار الإخوان في حلوان]] <br />
<br />
[[إخوان البراجيل يكرمون المتفوقين]] <br />
<br />
[[أ. عاكف: مصر تحتاج إلى نظافة في كل المجالات]] <br />
<br />
[[السبت.. ورشة عمل للجنة الحوار بين الإخوان والأقباط]] <br />
<br />
[[مؤتمر إخوان مغاغة يدعو إلى التمسك بوحدة الصف]] <br />
<br />
[[الأمين العام يهنئ برمضان ويطالب بدعم الصومال]] <br />
<br />
[[راشد الغنوشي من |راشد الغنوشي من "التحرير": الشعوب قادرة على إنجاز التغيير]] <br />
<br />
[[د. عبد الرحمن البر: مصر أكبر من الجميع]] <br />
<br />
[[م. الحسيني: مصر والميدان يسعان الجميع]] <br />
<br />
[["شورى إخوان السويس" يستكمل انتخاب أعضاء المكتب الإداري]] <br />
<br />
[[إخوان أسيوط يطلقون موقعهم الإلكتروني]] <br />
<br />
[[أ. عاكف: مصر تحتاج لجهود أبنائها المخلصين]] <br />
<br />
[[حفلات لتكريم المتفوقين بالشرقية والمنيا]] <br />
<br />
[[قافلتان طبيتان للإخوان و|قافلتان طبيتان للإخوان و"الحرية والعدالة" بالبحيرة]] <br />
<br />
[[مسيرة إخوانية للتهنئة بشهر رمضان بأسوان]] <br />
<br />
[[إخوان أوسيم يكرمون متفوقي الشهادة الثانوية]] <br />
<br />
[[إفطار الإخوان السنوي السبت السادس من أغسطس]] <br />
<br />
[[مبادرة |مبادرة "إخوانية- قبطية" لتعزيز المواطنة]] <br />
<br />
[[الغنوشي يلتقي الإمام الأكبر ويحاضر في قاعة الأزهر]] <br />
<br />
[[معرض ملابس وسلع رمضانية لإخوان عرب المعادي]] <br />
<br />
[[4 أسواق خيرية لإخوان الدقهلية قبل رمضان]] <br />
<br />
[[د. محمود حسين: لن نسمح بعودة الثورة للوراء]] <br />
<br />
[[الإخوان يواصلون تكريم المتفوقين بالقاهرة والمحافظات]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان يستنكرون عقد عمومية طارئة لـ|عمال الإخوان يستنكرون عقد عمومية طارئة لـ"اتحاد العمال"]] <br />
<br />
[[إخوان شمال سيناء يطالبون بالتصدي لدعاة الفوضى]] <br />
<br />
[[إخوان المنوفية يقدمون واجب العزاء في شهيد العريش]] <br />
<br />
[[مسيرة لـ|مسيرة لـ"زهراوات الزيتون" احتفالاً برمضان]] <br />
<br />
[[أنشطة دعوية للإخوان بالمنيا والدقهلية]] <br />
<br />
[[القليوبية.. إخوان الخانكة ينظمون سوقًا خيريًّا]] <br />
<br />
[[إخوان مدينة نصر يشاركون في حملة تنظيم المرور]] <br />
<br />
[[مسيرة رمضانية بدار السلام ومعرض سلع لمحاربة الغلاء]] <br />
<br />
[[الغنوشي: الثورة المصرية حمت ظهور التونسيين]] <br />
<br />
[[الإخوان والأقباط يشتركان في |الإخوان والأقباط يشتركان في "إنارة" المنيا]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية يكرمون حفظة القرآن]] <br />
<br />
[[70 معرضًا خيريًّا لمواجهة الغلاء بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[البحيرة.. نشاط خدمي مكثف لإخوان كفر الدوار وشبراخيت]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يحاربون جشع التجار في رمضان]] <br />
<br />
[[إخوان دمنهور يحتفون بقدوم رمضان]] <br />
<br />
[[اختتام مخيم طلاب الإعدادي والثانوي بمطروح]] <br />
<br />
[[إخوان السودان يطالبون الشعوب العربية بدعم أبناء سوريا]] <br />
<br />
[[معرض سلع غذائية وكتب لإخوان قنا]] <br />
<br />
[[إخوان كوم أمبو بأسوان يحاربون الغلاء]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: الجمعة القادمة لدعم الشعب السوري]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية يكرمون متفوقي |إخوان الدقهلية يكرمون متفوقي "شبراويش"]] <br />
<br />
[[حملة |حملة "شباب بيحب الخير" بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[دعوة وسائل الإعلام لتغطية انتخابات شورى الإخوان والإفطار]] <br />
<br />
[[الإخوان: حل اتحاد |الإخوان: حل اتحاد "عمال مصر" انتصار للثورة]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يرفضون |إخوان الإسكندرية يرفضون "الفولي" ويحذرون من مظاهرات ضده]] <br />
<br />
[[مسيرة تهنئة لإخوان دار السلام احتفالاً برمضان]] <br />
<br />
[[افتتاح السوق الخيري الأول للإخوان ببورسعيد]] <br />
<br />
[[فوز ساحق لمرشحي الإخوان في انتخابات |فوز ساحق لمرشحي الإخوان في انتخابات "شباب بني مزار"]] <br />
<br />
[[اجتماع للرد على منع هيئة الدفاع عن أسر الشهداء]] <br />
<br />
[[وقفة احتجاجية تضامنًا مع الشعب اليمني]] <br />
<br />
[[مظاهرة حاشدة أمام سفارة سوريا لإسقاط الأسد]] <br />
<br />
[[مظاهرة تطالب الجيش بالاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي]] <br />
<br />
[[مسيرة بالدقهلية لنصرة الشعب السوري]] <br />
<br />
[[دمياط.. حفل لتكريم المتفوقين وسوق شعبي للإخوان]] <br />
<br />
[[المنيا.. إخوان |المنيا.. إخوان "مطاي" يواصلون جهود وأد الفتنة]] <br />
<br />
[[بئر باسم الإمام البنا في الصومال]] <br />
<br />
[[مسيرة تهنئة لإخوان |مسيرة تهنئة لإخوان "كفر العلو" احتفالاً برمضان]] <br />
<br />
[[الإثنين.. الإفطار السنوي لإخوان الفيوم]] <br />
<br />
[[روح الثورة تخيم على إفطار إخوان دمياط السنوي]] <br />
<br />
[[اليوم.. انتخابات علنية لاختيار3 أعضاء بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[اهتمام إعلامي بالانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[بدء إجراءات الانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت يفتتح مقر الإخوان في القنايات بالشرقية]] <br />
<br />
[[الأمين العام: حضور الإعلام دليل على شفافية انتخابات الإخوان]] <br />
<br />
[[سوق رمضانية لإخوان |سوق رمضانية لإخوان "الزاوية" ضد الغلاء]] <br />
<br />
[[المرشد العام: الانتخابات العلنية لمكتب الإرشاد من ثمرات الثورة]] <br />
<br />
[[عبد العظيم الشرقاوي عضوًا بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[انتخابات إعادة على المقعدين الشاغرين بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[انتخاب محمد إبراهيم وحسام أبو بكر عضوين بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[انتخاب 3 أعضاء جدد بمكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[إخوان عزبة النخل يحاربون الغلاء بأسواق السلع]] <br />
<br />
[[سيف الإسلام البنا: الإمام سعيد في قبره الآن]] <br />
<br />
[[نهى الزيني: إفطار الإخوان احتفال بيوم العدل]] <br />
<br />
[[المستشار جاد الله: اليوم يشهد انتصارًا جديدًا لفكرة الإخوان]] <br />
<br />
[[رموز مصر والعالم العربي يتوافدون على إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[هادي خشبة: مستقبل مصر يتجه نحو الأفضل]] <br />
<br />
[[حمزاوي: إفطار الإخوان أحد مزايا الثورة]] <br />
<br />
[[محفوظ عبد الرحمن: إفطار الإخوان أحد نتائج الثورة]] <br />
<br />
[[إبراهيم يسري: احتفال اليوم يؤكد أن الطيب يبقى]] <br />
<br />
[[عصام عبد المنعم: الإخوان يعملون لمصلحة مصر]] <br />
<br />
[[د. علي السلمي: إفطار الإخوان يوم تاريخي لمصر]] <br />
<br />
[[القرضاوي: السعادة تغمرني بحرية مصر]] <br />
<br />
[[د. حمدي السيد: الإخوان يحصلون على حقهم المشروع]] <br />
<br />
[[جمال أسعد عبد الملاك: ثورة 25 يناير بوابة مصر للحرية]] <br />
<br />
[[نائب رئيس الوزراء: يدًا بيد لبناء مصر جديدة]] <br />
<br />
[[الأزهر الشريف: لا بديل عن بناء دولة مدنية بمرجعية إسلامية]] <br />
<br />
[[رئيس حزب الوفد: التوافق الوطني أساس المرحلة المقبلة]] <br />
<br />
[[د. مختار المهدي: دعوة الإخوان تجمع وتبني]] <br />
<br />
[[رئيس اتحاد الكرة الأسبق: الإخوان لبنة أساسية لبناء المستقبل]] <br />
<br />
[[الإخوان يختتمون حفل إفطارهم بالنشيد الوطني]] <br />
<br />
[[د. قميحة يلقي قصيدة الثورة في حفل الإفطار]] <br />
<br />
[[د. أماني أبو الفضل: المرأة شريكة الرجل في النهضة]] <br />
<br />
[[لويس جريس: |لويس جريس: "الإخوان" جماعة تحب مصر]] <br />
<br />
[[د. خليل الحية: إفطار الإخوان حصاد سنوات من الجهاد]] <br />
<br />
[[الشرقاوي وأبو بكر: انتخابات المكتب دليل على ديمقراطية الإخوان]] <br />
<br />
[[مصافحة منصور ولكح تجذب أنظار حضور إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[["شينخوا" تصف انتخابات الإخوان التكميلية بالتاريخية]] <br />
<br />
[[تهافت على معرض إخوان حلوان لـ|تهافت على معرض إخوان حلوان لـ"ملابس العيد"]] <br />
<br />
[["برس تي في": إفطار الإخوان رسَّخ الوحدة الوطنية]] <br />
<br />
[[د. البر يرد |د. البر يرد "الشبهات عن السنة" على "التحرير"]] <br />
<br />
[[المنيا.. إخوان مغاغة يكرِّمون أوائل الشهادات]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. إخوان أتميدة ينظمون إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[["آيريش تايمز": الديمقراطية راسخة عند الإخوان وحزبها]] <br />
<br />
[[اليوم.. حفل الإفطار السنوي لإخوان القليوبية]] <br />
<br />
== حوارات وتحقيقات 2003 ==<br />
<br />
[[المرشد العام للإخوان في حواره مع جريدة «الرأي العام الكويتية»]] <br />
<br />
[[حوار مع اللواء أركان حرب كمال عطية]] <br />
<br />
[[حوار مع الدكتورة هاجر سعد الدين]] <br />
<br />
[[الدكتور "علي جمعة" في حوار خاص: مَنْ يُعلن الجهاد؟!]]<br />
<br />
[[حوار خاص مع الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا]] <br />
<br />
[[حبيب: الإخوان لا يسعون لأن يكونوا بديلاً لأحد]] <br />
<br />
[[السفير "وحيد رمضان" أول قائد لمنظمات الشباب في العهد الناصري]]<br />
<br />
[[شهادة عائد من العراق"ياسر الزعاترة"]]<br />
<br />
[["محمد فريد عبد الخالق" يدلي بشهادته عن ثورة يوليو]] <br />
<br />
[[د. سعد زغلول العائد إلى الحرية في حوار مع "إخوان أون لاين"]]<br />
<br />
[[د."سعدي عبد الله" البرلمانى البحريني يحاور الموقع]]<br />
<br />
[[د. "ناصر الصانع" البرلماني الكويتي في حوار مع "إخوان أون لاين"]]<br />
<br />
[[حوار مع الدكتور "همام سعيد" نائب المراقب العام لإخوان الأردن]]<br />
<br />
[[البشري: نشأة الإخوان استجابة لحاجة المجتمع لمواجهة التحديات]]<br />
<br />
[[حوار مع " سعود أبو محفوظ" رئيس مجلس إدارة صحيفة السبيل]]<br />
<br />
[[واجب الحركة الإسلامية بعد احتلال العراق في حوار مع "د. محمد أبو فارس"]]<br />
<br />
[["إسماعيل أبو شنب" القيادي في حركة حماس قبيل اغتياله ( حوار )]]<br />
<br />
[[عبد المقصود: نمارس العمل النقابي قُربَى إلى الله]]<br />
<br />
[[حوار مع نائب مديرية التربية والتعليم بفلسطين]]<br />
<br />
[[الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد و كلمات من رصاص]]<br />
<br />
[[حوار مع دكتورة زينب عبد العزيز]]<br />
<br />
[[المناوي: قوات الاحتلال تستفز العراق لاستنزاف ذخيرته]]<br />
<br />
[[الهضيبي: احتلال بغداد خطوة لإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل]]<br />
<br />
[[حوار مع الخبير الإستراتيجي د. محمود خليل]]<br />
<br />
[[اللواء زكريا حسين: الحرب خالفت السيناريوهات المتوقعة]]<br />
<br />
[[حوار مع الأستاذ سيف الإسلام البنا في ذكرى والده]]<br />
<br />
[[د. رشاد البيومي: الإمام البنا استحق لقب مجدد الإسلام في القرن العشرين]]<br />
<br />
[[قضايا الساعة في حوار مع د. "القرضاوي"]]<br />
<br />
[[عالمة أمريكية: العولمة فشلت خلال 13 عامًا]]<br />
<br />
[[اللواء الدكتور "محمود خلف" في الذكرى الثانية لـ 11 سبتمبر]]<br />
<br />
[[د. عبد اللطيف عربيات في حوار خاص]]<br />
<br />
[[الدكتور أحمد الريسوني رئيس حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب]]<br />
<br />
[[الدكتور محمد مرسي عضو مجلس الشعب في حوار خاص]]<br />
<br />
[[حوار مع الصحفي الإسلامي بدر محمد بدر]]<br />
<br />
[[الدكتور همام سعيد نائب المراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن في حوار خاص]]<br />
<br />
[[حوار مع الأستاذ "عبد الإله بن كيران" عضو البرلمان المغربي]]<br />
<br />
[[الغزالي: لا مخرج لنا إلا بالعودة إلى هويتنا الإسلامية]]<br />
<br />
[[حوار مع المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين حول قضايا الساعة]]<br />
<br />
[[الأستاذ "عاكف".. النشأة ومسيرة العطاء]]<br />
<br />
[[د. "حبيب": التضييق الأمني على الإخوان عملية روتينية]]<br />
<br />
[["عبدالوهاب الأنسي": الإصلاح أسهم في ترسيخ الشورى باليمن]]<br />
<br />
[[الشيخ "عدنان عصفور": انتفاضة الأقصى حققت المرجو منها حتى الآن]]<br />
<br />
[[الرنتيسي: انتفاضة الأقصى الأكثر إيلامًا للعدو الصهيوني]]<br />
<br />
[[مهدي إيراهيم: اتفاق (نيفاشا) تغلب على قضايا السلام المستعصية]]<br />
<br />
[[عالم مصري يؤكد: ينقصنا احتضان المواهب]]<br />
<br />
[[د. صفوت حجازي: احذروا الانتحار الدعوي]]<br />
<br />
[["عبد المجيد الذنيبات" طرد الدبلوماسيين الصهاينة.. الرد الأول للعدوان على سورية]]<br />
<br />
[[الشيخ حسين حلاوة: مسلمو أوروبا يحفظون الذات ويكوِّنون المؤسسات]]<br />
<br />
[[د. محمد إدريس: ضرب الصهاينة للمفاعل الإيراني غير مستبعد]]<br />
<br />
[[عبد الحميد مناصرة: شاركنا فى الحكومة الجزائرية حفاظًا على تماسك الدولة]]<br />
<br />
[["دانيال عبد الوهاب" نائب وممثل الشيشان في الشرق الأوسط: المقاومة خيارنا الوحيد]]<br />
<br />
[[د. صلاح أبو رية: رمضان فرصة ذهبية لاتباع نظام غذائي سليم]]<br />
<br />
[[أنور شحاته: الإسلاميون جعلوا النقابات مؤسسات وطنية]]<br />
<br />
[[النهضة الطلابية الإسلامية في حوار للموقع مع د. "حلمي الجزار"]]<br />
<br />
[[زوجة الشهيد "مسعد قطب": رأيت أمارات الشهادة على وجه زوجي]]<br />
<br />
[[د. المليجي: الحب سر نجاح الإسلاميين]]<br />
<br />
[["عبد المنعم سليم جُبَّارة".. وقصة أعوام خلف القضبان]]<br />
<br />
[[ذكريات مع الحاج "أحمد أبو شادي"]]<br />
<br />
[[حوار مع نائب أمير الجماعة الإسلامية في (بنجلاديش)]]<br />
<br />
[[د."مغارية": قدمنا نموذجًا راقيًا للممارسة الديمقراطية.]]<br />
<br />
== حوارات وتحقيقات 2004 ==<br />
<br />
[[د."الغزالي": تصالح الأنظمة مع شعوبها هو المخرج من أزماتها]]<br />
<br />
[["نزال": التفويض السياسي أفشل الحوار الفلسطيني- الفلسطيني ]]<br />
<br />
[[د. أكرم رضا: تحديد الأهداف والقدوة سبيل الشباب لإدارة الذات]]<br />
<br />
[[المستشار البهنساوي: الأمة تختار الحاكم وتحاسبه وتعزله]]<br />
<br />
[[آخر حوار صحفي للمستشار محمد المأمون الهضيبي]]<br />
<br />
[["هلال": أمورُ (الإخوانِ) تُدارُ بشفافيةٍ تامَّة]]<br />
<br />
[[المرشد العام في حوار صريح مع (إخوان أون لاين)]]<br />
<br />
[[هلال: الشورى والانتخاب كانا أساس اختيار "عاكف" مرشدًا للإخوان]]<br />
<br />
[["جيهان الحلفاوي" ونصائح للأخوات في حال المحنة]]<br />
<br />
[[حوار صريح مع رئيس الكتلة الإسلامية بالبرلمان الأردني]]<br />
<br />
[["سلمى يعقوب": الحجاب فريضة إسلامية لا تنزعه سلطة]]<br />
<br />
[["حمزة منصور": نحن مع أنظمتنا ضد أي هجمة أمريكية]]<br />
<br />
[["حشمت": التيارات المعتدلة حماية للدولة من التطرف]]<br />
<br />
[[المستشار لاشين يطالب بالشفافية تجنبًا للكوارث]]<br />
<br />
[[د. "أماني أبو الفضل" تفسر الموقف الفرنسي تجاه الحجاب]]<br />
<br />
[["المناصرة": ترشيح زعيم الحركة لرئاسة الجمهورية استمرار لنضالنا بالجزائر]]<br />
<br />
[[د. "صلاح سلطان": (الإخوان) ليسوا تاريخًا فقط بل هم مستقبل الأمة]]<br />
<br />
[[د."الراوي": نشدد على إنهاء الاحتلال وإخراجه من بلادنا]]<br />
<br />
[["آل خليفة": المنهج الوسطي للإخوان هو الأكثر انتشارًا]]<br />
<br />
[[أ. "محمد حسين": الكلمة الطيبة مفتاح السعادة بين الزوجين]]<br />
<br />
[["بلحاج": رؤيتنا للإصلاح إسلامية وليست (تكتيكًا) سياسيًّا]]<br />
<br />
[[د. عبد الصبور شاهين: الدعوة للفرعونية تخدم جهات لا تريد لنا الخير]]<br />
<br />
[[د."حبيب": تطبيق شرع الله في الأرض أمل (الإخوان)]]<br />
<br />
[[م. "الشاطر": نطالب بحكومة ذات مرجعية إسلامية]]<br />
<br />
[["نواف القديمي": ننطلق من رؤية إسلامية للإصلاح]]<br />
<br />
[["أحمد الفيشاوي": زمن الفن الجميل قادم]]<br />
<br />
[[رئيس علماء البوسنة: الحضارة التي لا تسامح فيها ولا حوار ليست بحضارة]]<br />
<br />
[[د."العسال": التعاون مع الاحتلال خروج عن شرع الله]]<br />
<br />
[[الشوبكي: مبادرة (الإخوان) كشفت عجز الآخرين]]<br />
<br />
[[الشيخ "الخطيب": الحجاب قضية إيمان وولاء لله ولرسوله]]<br />
<br />
[["ياسين" في آخر حوار: سنواصل مقاومتنا ما دام هناك احتلال]]<br />
<br />
[["الرنتيسي": المعركة مفتوحة مع الصهاينة]]<br />
<br />
[["مشعل": لن ننقل المعركة خارج فلسطين وجميع الخيارات مفتوحة]]<br />
<br />
[[د. "جعفر عبدالسلام": العمليات الاستشهادية مقاومة مشروعة]]<br />
<br />
[[د. "حمدي حسن": غلق المشروعات الناجحة جريمة في حق مصر]]<br />
<br />
[["مريم أحمد ياسين": هكذا كان أبي]]<br />
<br />
[[د. "العريني": الثورة نجحت بـ(الإخوان)]]<br />
<br />
[[الشاطر لـ(الشرق): الإخوان تيار يسري في روح الأمة]]<br />
<br />
[["البيانوني": الإخوان يرون العراق وفلسطين معركة واحدة]]<br />
<br />
[[د. "عزت": الجهاد وحَّد الأمة.. والحرية عندنا فريضة]]<br />
<br />
[[الشاعر "محمد أبودية" يروي طفولة شيخ المجاهدين]]<br />
<br />
[["الرنتيسي" في آخر حواراته قبل الاستشهاد]]<br />
<br />
[[الرنتيسي قبل ساعات من استشهاده]]<br />
<br />
[["هنية": على العرب تحرير إرادتهم من الهيمنة الأمريكية]]<br />
<br />
[[الشيخ "رائد صلاح" يتحدث من زنزانته]]<br />
<br />
[[خالد مشعل: معركتنا مفتوحة داخل فلسطين]]<br />
<br />
[[سيف الإسلام: الإخوان يخوضون معركةً لإصلاح المجتمعات]]<br />
<br />
[[عبدالعزيز مخيون: الفن الإسلامي قادم]]<br />
<br />
[[حارث الضاري: العراقيون لا يطالبون القمة بشيء]]<br />
<br />
[[إبراهيم المصري: الجماعة الإسلامية بلبنان تيار منفتح]]<br />
<br />
[[وزير الزراعة السوداني: مرحبًا بالمستثمرين المصريين]]<br />
<br />
[[د. محمود عزت يتحدث عن 56 عامًا لنكبة فلسطين]]<br />
<br />
[[العثماني: فشل ضغوط التخلي عن المرجعية الإسلامية]]<br />
<br />
[[نزال: لن نصطدم بقوى فلسطينية أو عربية]]<br />
<br />
[[الزوجات والأمهات وصفحات مشرقة من الصبر والاحتساب]]<br />
<br />
[[قصة أول داعية متبرجة في الحركة الإسلامية]]<br />
<br />
[[البيومي: العاملون في حقل الدعوة لا تعرقلهم الضغوط]]<br />
<br />
[[العريان يتحدث عن نشأة التيار الإسلامي بالجامعات المصرية]]<br />
<br />
[[عزب مصطفى: سأخوض الانتخابات ويكفيني حب الناس]]<br />
<br />
[[أسود خاريخانوف: مهمتنا رحيل الاحتلال الروسي عن بلادنا]]<br />
<br />
[[لقاء مع عائلة الشهيد أكرم زهيري]]<br />
<br />
[[الشيخ أبو الحمد: ذكريات ومواقف مع الدعوة]]<br />
<br />
[[وزير التعليم السوري: إذا سقطت التربية فعلى العرب السلام!]]<br />
<br />
[[الزوجات والأمهات وصفحات مشرقة من الصبر والاحتساب]]<br />
<br />
[[أحدث التطورات في حوار مع الغزالي]]<br />
<br />
[[حمدان: نقبل المشاركة في السلطة على أساس دعم المقاومة]]<br />
<br />
[[الجدار العازل كما يراه قاضٍ بمحكمة العدل الدولية]]<br />
<br />
[["البيانوني": لا وجود لأي اتصالات بين الحكومة السورية والإخوان]]<br />
<br />
[[د. إجلال رأفت: دارفور الطريق لـ(صوملة) السودان]]<br />
<br />
[[ذكريات عبد الحليم سليمان مع دعوة الإخوان]]<br />
<br />
[[مديرة معهد إعداد الدعاة: الداعيات في زماننا مجاهدات]]<br />
<br />
[[حوار مع مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان]]<br />
<br />
[[حارث الضاري: لا سيادة للعراق مع بقاء القوات الأجنبية]]<br />
<br />
[[حوار مع أمين منظمة المؤتمر الإسلامي]]<br />
<br />
[[أمين عام مجلس عشائر العراق: الاحتلال لن يزول إلا بالمقاومة]]<br />
<br />
[[د. حمدي حسن: لم يكن بينا وبين الحكومة شهر عسل ]]<br />
<br />
[[وصفة نفسية اجتماعية إسلامية لاحتواء آثار فقدان الزوج]]<br />
<br />
[[د. أملاجه: نهتم بالتربية وإعداد الشباب المسلم]]<br />
<br />
[[سيف الإسلام البنا شاهد على الحركة الإسلامية في الجزائر]]<br />
<br />
[[حوار مع د. عزيز شيال مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان]]<br />
<br />
[[د. حبيب للتايم الأمريكية: عزيمة الإخوان لم تفتر أبدًا]]<br />
<br />
[[د. حبيب: الجماهير لمست طهارة الإخوان فمنحتهم ثقتها]]<br />
<br />
[[الناقد عماد الدين خليل: الصراع أبدي بين الرؤية الإسلامية والرؤية الوضعية]]<br />
<br />
[[علي لبن: التعليم في مصر يحتاج لتغيير السياسات لا الأشخاص]]<br />
<br />
[[الفنانة وفاء الحكيم في حوار مع "إخوان أون لاين"]]<br />
<br />
[[د. محمد بديع يفتح باب الأمل لجموع الإخوان]]<br />
<br />
[[د. عبد الودود شلبي شاهد على أزمة الأزهر]]<br />
<br />
[[أخطر حوار مع حسين الشافعي حول الثورة والإخوان]]<br />
<br />
[[تحالف القوميين والإسلاميين.. إلى أين؟]]<br />
<br />
[[أوضاع المنطقة في حوار مع الغزالي]]<br />
<br />
[[ما زالنا نواجه الاستئصال.. والعالم الإسلامي لا يعلم عنا شيئًا]]<br />
<br />
[[الداعية الدكتورة نهلة الغزاوي في حوار حول شئون المرأة والطفل]]<br />
<br />
[[أزمات المسلمين في ميزان التاريخ الإسلامي]]<br />
<br />
[[رئيس قافلة الأطباء المصريين شاهد عيان على ما يحدث بدارفور]]<br />
<br />
[[(إخوان أون لاين) يحاور مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان]]<br />
<br />
[[مدير أعمال الحاجة زينب الغزالي يفتح خزائن أسرارها]]<br />
<br />
[[هانئ رسلان: التدخل العسكري في السودان مستبعد]]<br />
<br />
[[(إخوان أون لاين) تحاور مسئول الملف الإنساني في دارفور]]<br />
<br />
[[نزال: لم نقدم تعهدات لأحد بوقف المقاومة]]<br />
<br />
[[نصيب الهاشمي: انبطاح السلطة يوحد الإسلاميين في باكستان]]<br />
<br />
[[مسئول الملف الأمني بالسودان: لن تكون السودان عراقًا ثانيًا]]<br />
<br />
[[زوجة الشهيد إسماعيل أبو شنب تتحدث في ذكرى استشهاده]]<br />
<br />
[["الأقصى" يعيش أسوأ حالاته!!]]<br />
<br />
[[د. حبيب: الحوار مع الأحزاب فرصة لتبادل الآراء والأفكار]]<br />
<br />
[[حوار مع ممثل حماس في لجنة إضراب الأسرى]]<br />
<br />
[[إخوان أون لاين تحاور الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي بفلسطين]]<br />
<br />
[[حوار مع الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني]]<br />
<br />
[[نائب مراقب الاخوان بالأردن: نشكر الذين يستهدفوننا]]<br />
<br />
[[قائد "شهداء الأقصى" بجنين: سنضرب تل أبيب]]<br />
<br />
[[زوجة مُعتَقَل ومديرة مصنع!!]]<br />
<br />
[[كلاي المصري: المهم الفوز في الآخرة]]<br />
<br />
[[د.عاطف عضيبات: اعتقالات الأردن رسالة من النظام للإخوان!]]<br />
<br />
[[وزير خارجية السودان: أمريكا تقود العالم إلى الهاوية]]<br />
<br />
[[خالد مشعل: المقاومة أجبرت شارون على الانسحاب من غزة]]<br />
<br />
[[الزهَّار: حماس لن تسمح بأي تلاعب في الانتخابات]]<br />
<br />
[["الباز": سجدنا لله في الهزيمة فنصرَنا]]<br />
<br />
[[أبو الحارث: إضراب الأسرى لم يتوقف!!]]<br />
<br />
[[4 سنوات من الانتفاضة في عيون د. الزهار]]<br />
<br />
[[د. الهندي: حوار القاهرة تعثَّر بسبب غياب برنامج موحد]]<br />
<br />
[[حوار مع أمين الحزب الحاكم في السودان]]<br />
<br />
[[د. أبو مرزوق: الانتفاضة أجبرت العدو على التراجع عن سياسته الإحلالية]]<br />
<br />
[[نزيلي: الصيام داخل المعتقل أكثر روحانية]]<br />
<br />
[[البساتيني: الابتهال فن راقٍ]]<br />
<br />
[[مسئول القسام بشمال غزة: قدمنا 42 شهيدًا]]<br />
<br />
[[الصروي: رمضان أمل الأمة المتجدد .]]<br />
<br />
[[الأخوات المسلمات في حفل الإفطار: عندما تمتزج التقوى بالصمود]]<br />
<br />
[[د. نزار قائد معركة جباليا: أسقطنا تكنولوجيا المليارات]]<br />
<br />
[[د.المحمدي: المسلمون كان لهم السبق في علم الإدارة]]<br />
<br />
[[الشيخ عبد الخالق الشريف: شرفٌ لي أن أنتسب إلى الإخوان]]<br />
<br />
[[الأردن: أسرى محرَّرون يطالبون الحكومة باعتماد صفقة حزب الله]]<br />
<br />
[[الشيخ رائد صلاح: تصريحات شارون كانت سببًا في تمديد اعتقالنا..]]<br />
<br />
[[الذنيبات: علاقتنا مع الحكومة تحكمها مصلحة الأمة]]<br />
<br />
[[رمضان في حياة البطل العالمي كرم جابر]]<br />
<br />
[[سلطاني: "حمس" رمانة الميزان في الجزائر]]<br />
<br />
[[الحاج محمد نجيب: رمضان في السجون خلوة لا مثيل لها]]<br />
<br />
[[حمدان: الصهاينة والأمريكان يحاولون التدخل في شأننا وهناك من يراهن عليهم]]<br />
<br />
[[د. مصطفى الشكعة يروي حكايته مع الإخوان]]<br />
<br />
[[نجل عبد القادر عودة: هكذا عاش أبي..!!]]<br />
<br />
[[الأسير الأردني العجلوني: سجون الاحتلال قبور!]]<br />
<br />
[[حسن يوسف بعد خروجه من السجن: الأولوية لمقاومة الاحتلال]]<br />
<br />
[[طيفور: القرضاوي لم يتوسط بين النظام وإخوان سوريا]]<br />
<br />
[["مايسة الرازقي": نموذج ناجح لمسلمة عصرية]]<br />
<br />
[[مفاجأة طلابية ساخنة لوزير الشباب المصري!]]<br />
<br />
[[الشباب المصري كتلة غضب لإطلاق الجاسوس]]<br />
<br />
[[وزير الأوقاف السعودي: سقطة الوزير المصري!!]]<br />
<br />
[[الشيخ وجدي غنيم: من السجن المصري إلى الأمريكي!!]]<br />
<br />
[[سعيد بن مسفر: هذه تجربتي في الدعوة]]<br />
<br />
[[علي عبد الفتاح: رحلتي من نار العنف إلى نور الإخوان]]<br />
<br />
[[ذكريات تلميذة البنا مع الأخوات الأوائل]]<br />
<br />
[[زينب الغزالي نجم يتألق في سماء الدعوة منفردًا]]<br />
<br />
[[إشكاليات عمل الأخوات على مكتب الإرشاد]]<br />
<br />
[[نائب المرشد العام في حوارٍ شامل]]<br />
<br />
[[رائد صلاح: المحكمة ليست ضدنا وإنما ضد القرآن والإسلام]]<br />
<br />
[[د. حارث الضاري: الانتخابات تهدف تكريس الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه]]<br />
<br />
[[المقاومة شخصية 2004م في عيون الشباب]]<br />
<br />
[[ماذا لو كنت وزيرًا..؟!]]<br />
<br />
[[أحمد الصيفي: اليهود يوجهون الإعلام البرازيلي ضد الإسلام]]<br />
<br />
[[خبيرة عراقية: السطو الأمريكي وصل التعليم!!]]<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7_%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA&diff=643254روابط شخصيات2012-02-21T08:12:00Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>== روابط سعيد صيام ==<br />
<br />
[[استشهاد القيادي سعيد صيام ونجله وشقيقه]] <br />
<br />
[[حماس تدعو الشعب الفلسطيني إلى مسيرات تشييع صيام غدًا]] <br />
<br />
[[آلاف الفلسطينيين يشيعون جنازة سعيد صيام ونجله وشقيقه]] <br />
<br />
[[التشريعي الفلسطيني ينعى النائب سعيد صيام]] <br />
<br />
[[الاحتلال يواصل إغلاق المعابر ويتجه لإنهاء التهدئة]] <br />
<br />
[[الزهار وصيام يتوجَّهان إلى القاهرة غدًا]] <br />
<br />
[[الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر يلتقي الزهَّار وصيام بالقاهرة]] <br />
<br />
[[على مائدة إفطار رمضانية وزير الداخلية الفلسطيني ينتقد موقف مصر من أعضاء الحكومة الفلسطينية]] <br />
<br />
[[الداخلية الفلسطينية تسحب القوة التنفيذية وعباس يتعهد بمحاسبة المتورطين]] <br />
<br />
[[وزير الداخلية الفلسطيني يأمر بحماية الكنائس بعد سلسلةٍ من الهجمات]] <br />
<br />
[[وزير الداخلية الفلسطيني ينتقد الصمت الدولي ضد الإجرام الصهيوني]] <br />
<br />
[[صيام يؤكد أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية ويدعو لوقف المصادمات]] <br />
<br />
[[وزير الداخلية الفلسطيني يزور القاهرة في سيارةٍ متهالكة]] <br />
<br />
[[الداخلية الفلسطينية تشكل قوةً خاصةً من الفصائل لحماية الأمن]] <br />
<br />
[[اشتباك قوات صيام وعباس ورايس تحذر من خطورة الوضع]] <br />
<br />
[[إسرائيل تغتال القيادي في حماس سعيد صيام]] <br />
<br />
[[جريمة إسرائيلية بمخيم البريج وغزة تشيع الشهيد صيام]] <br />
<br />
[[حماس تؤكد مقتل القيادي سعيد صيام بصاروخ إسرائيلي]] <br />
<br />
[[حماس والانتخابات]] <br />
<br />
[[سعيد صيام.. الصراع بين فتح وحماس]] <br />
<br />
[[اختطاف الأجانب في غزة]] <br />
<br />
[[سعيد صيام: غزة على وشك الانفجار]] <br />
<br />
[[صيام: تورُّط قيادات من رام الله في خطة اغتيال هنية!!]] <br />
<br />
[[صيام: خطاب عباس الأخير كاذب ومخيِّب للآمال]] <br />
<br />
[[صيام: كشفنا 3 خلايا تتبع "فتح" خططت لإحداث فلتان بغزة]] <br />
<br />
[[صيام يُحذِّر من أزمةٍ سياسيةٍ داخلية حال فشل الحوار الفلسطيني]] <br />
<br />
[[صيام: 90% من عمليات اختطاف الصحفيين تمت على يد أعضاء من فتح]] <br />
<br />
[[حماس ترفض فصل الضفة عن غزة والقدومي يطلق مبادرة للمصالحة]] <br />
<br />
[[حماس تكشف بالوثائق تجسس أجهزة أمن السلطة على المقاومة]] <br />
<br />
[[اتفاق جديد لوقف الاشتباكات في غزة والانقلابيون يختطفون الأطفال]] <br />
<br />
[[وزير الداخلية الفلسطيني في حديث مهم لـ(إخوان أون لاين)]] <br />
<br />
[[صيام: تغيير الحكومة الفلسطينية لا يعنينا]] <br />
<br />
[[صيام: ننتظر الرد بشأن تشكيل لجنةٍ وطنية للانسحاب]] <br />
<br />
[[سعيد صيام: فتح تتحمل مغبَّة تأجيل الانتخابات]] <br />
<br />
[[سعيد صيام: لن ندعم أي مرشح في انتخابات الرئاسة]] <br />
<br />
[[سعيد صيام: لن تؤثر عملية القدس على محكمة لاهاي]] <br />
<br />
[["إيهاب الغصين" يكشف أسرارًا جديدة لحرب غزة]] <br />
<br />
[[استشهاد سعيد صيام في حوارٍ مع أسرته]] <br />
<br />
[[استشهاد الوزير القائد "سعيد صيام"]] <br />
<br />
[[صفحات من سجل شهداء غزة]] <br />
<br />
[[دماء صيام.. زيت القادة على نيران المقاومة]] <br />
<br />
[[سعيد صيام.. شهيد من قلب الميدان]] <br />
<br />
[[المرشد العام للمقاومة: اجعلوا دم صيام لعنةً على الصهاينة]] <br />
<br />
[[نعي حركة حماس للشهيد سعيد صيام]] <br />
<br />
[[صيام رجل حماس القوي ومؤسس «التنفيذية» الأداة الحاسمة في السيطرة على غزة]] <br />
<br />
[[سعيد صيام في دائرة التحدي حيا وشهيدا]] <br />
<br />
[[صيام يفعِّل غرفة العمليات وهنية يبشِّر بانفراج مالي]] <br />
<br />
[[مسؤولون يعتبرون اغتيال صيام تغطية لفشل عسكري إسرائيلي]] <br />
<br />
[[مقاومون بغزة: اغتيال قادتنا يذكي مقاومتنا]] <br />
<br />
[[سعيد صيام.. هدوء يصنع القوة.. وشهادة تصنع النصر]] <br />
<br />
[[سعيد صيام، وزير الداخلية الشهيد]] <br />
<br />
[[الشهيد الوزير النائب القيادي سعيد صيام]] <br />
<br />
[[أسد وصقر حماس (أبو مصعب)]] <br />
<br />
[[سيرة الذاتية للأستاذ سعيد صيام]] <br />
<br />
[[تعيين فتحي حماد وزيرًا لداخلية غزة خلفًا لصيام]] <br />
<br />
<br><br />
<br />
== روابط عبد الحميد القضاة ==<br />
<br />
[[المحطة الاولى ( النشأة والطفولة )]] <br />
<br />
[[المحطـــة الثانية (في المدرســــة)]] <br />
<br />
[[المحطة الثالثة ( من الاردن الى البصرة )]] <br />
<br />
[[المحطة الرابعة ( جامعة كراتشي )]] <br />
<br />
[[المحطة الخامسة ( الجار الكفيف )]] <br />
<br />
[[المحطة السادسة ( عودة الى الوطن )]] <br />
<br />
[[المحطة السابعة ( باكستان مرة اخرى )]] <br />
<br />
[[المحطة الثامنة ( في بريطانيا )]] <br />
<br />
[[المحطة التاسعة ( السكن مع العجوز )]] <br />
<br />
[[المحطة العاشرة( فتوحات في مانشستر )]] <br />
<br />
[[المحطة الحادية عشره ( وللاخرين نصيب )]] <br />
<br />
[[المحطة الثانية عشره ( في ارض الوطن مع الاصرار )]] <br />
<br />
[[المحطة الثالثة عشره ( الجلسة العائلية )]] <br />
<br />
[[المحطة الرابعة عشره ( وفاء للوطن )]] <br />
<br />
[[المحطة الخامسة عشره]] <br />
<br />
[[من عجائب جهـــاز المناعه]] <br />
<br />
[[مشروع وقـاية الشباب من الامراض المنقوله جنسياً والايـــدز]] <br />
<br />
[[انجازات المشروع للان]] <br />
<br />
[[إشارات قرآنية معجزة في علم الجراثيم]] <br />
<br />
[[نداء نداء نداء إلى الأئمة والوعاظ والخطباء والمدرسين في المساجد والى حملة العلم الشرعي حيثما كانوا]] <br />
<br />
[[افحص جهازك المناعي بنفسك]] <br />
<br />
[[منع الحج ...فباء بالإثم...وفاز بإنفلونزا الخنازير!!]] <br />
<br />
[[الوقايه من انفلونزا الخنازير بلا تكاليف !!]] <br />
<br />
[[ثلاثة ملايين معتمر ومعتكف ليلة ختم القرآن في الحرم المكي دونما أي إصابة بإنفلونزا الخنازير]] <br />
<br />
[[مشروع وقاية الشباب (ملف المعلومات )]] <br />
<br />
[[مشروع وقاية الشباب (ملف الدورات)]] <br />
<br />
[[ضيوف الرحمن في رعاية الله فلا داعي للقلق من انفلونزا الخنازير]] <br />
<br />
[[تعقيب حـول موضوع إنفلونزا الخنازير واالحج]] <br />
<br />
[[انفلونـزا الخنازيـر وقـرار وزراء الصحـه العـرب]] <br />
<br />
[[الشبـــــاب...عملـة الأمـة الصعبـة]] <br />
<br />
[[رد الدكتور عبد الحميد القضاه على البرنامج الوطني لمكافحة الايدز]] <br />
<br />
[[رسالة الى الصحف ردا على محاولة لترخيص جمعيه للشاذين في الاردن]] <br />
<br />
[[رساله من الدكتور عبد الحميد القضاه الى الصحفي تامر الصمادي ردا على بعض الاسئله]] <br />
<br />
[[مقابلة الدكتور عبدالحميد القضــاه مع صحيفة فلسطين - غزه]] <br />
<br />
[[دراسة قرآنية تثبت أوجها إعجازية بالكشف عن أنواع من البكتيريا]]<br />
<br />
== روابط عباس السيسي ==<br />
<br />
[[عباس السيسي.. بسمة المحن]] <br />
<br />
[[عباس السيسي.. الدعوة إلى الله حب وفن أيضًا]] <br />
<br />
[[ذكرى الحاج عباس السيسي]] <br />
<br />
[[مفهوم القيادة عند الإخوان]] <br />
<br />
[[مواساة الإخوان المسلمين في وفاة الحاج عبد المنعم السيسي]] <br />
<br />
[[ذكرى رحيل الشيخين أبو الحمد ربيع وعباس السيسي]] <br />
<br />
[[أخي عباس السيسي]] <br />
<br />
[[غرابة الأسماء]] <br />
<br />
[[راحلون على طريق الدعوة]] <br />
<br />
[[ركن الدعوة.. في رثاء الحاج عباس السيسي]] <br />
<br />
[[د. عزت: فقدنا نموذجين يجب أن يقتدي بهما الإخوان]] <br />
<br />
[[أ. جمعة أمين: تاريخ السيسي لا يسعه سفر من الأسفار]] <br />
<br />
[[عباس السيسي.. داعية الحب والذوق]] <br />
<br />
[[داعية الحب والذوق .. أ . عباس السيسي]] <br />
<br />
[["حواري الإمام " حيث الحب منهج حياة]] <br />
<br />
[[الحاج عباس السيسي ودوره في تأسيس فرقة الهدي]] <br />
<br />
[[لنسق الأرض]] <br />
<br />
[[الأستاذ عباس السيسي في رحاب الله]] <br />
<br />
[[الإخوان يشيعون جثمان فقيد الدعوة الحاج عباس السيسي]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل معاذ السيسي بعد احتجاز 75 يومًا]] <br />
<br />
<br><br />
<br />
== روابط طلعت الشناوي ==<br />
<br />
[[طلعت الشناوي يواسي عائلة المستشار إبراهيم ستيت]] <br />
<br />
[[الشناوي: الدقهلية قادرة على منع التزوير]] <br />
<br />
[[المرشد العام يعزي الحاج طلعت الشناوي في وفاة عمه]] <br />
<br />
[[طلعت الشناوي يحتسب عند الله أبو السادات]] <br />
<br />
[[طلعت الشناوي يعزي ياسر الجزار في شقيقه]] <br />
<br />
[[طلعت الشناوي: والدي هدد بالانتحار إن لم أؤيد عبد الناصر]] <br />
<br />
[[الإفراج عن زهران والشناوي ولاشين والعزباوي وعبد القادر]] <br />
<br />
[[الشناوي يلتقي أُسر المعتقلين بالدقهلية]] <br />
<br />
[[مع الداعية طلعت الشناوي (2)]] <br />
<br />
[[ذكريات طريفة مع الداعية طلعت الشناوي]] <br />
<br />
[[ولنحيا بالأمل .. ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون]] <br />
<br />
[[د. البر يعزي الحاج طلعت الشناوي في وفاة عمه]] <br />
<br />
[[حوار شامل مع طلعت الشناوى عقب إعلان الإخوان خوض الانتخابات]] <br />
<br />
[[الحاج طلعت الشناوي وإخوانه ينعون أخاهم إبراهيم مبارك من بلقاس ومقيم بالمنصورة]] <br />
<br />
[[مؤتمر للشناوى بميت غمر تحت شعار (نحمل الخيرلكل الناس)]] <br />
<br />
[[بحضور الشناوي والهجرسى والبر وأبي عوف ... الجماهير تستقبل محمد سعده]] <br />
<br />
[[في مؤتمر الإخوان المسلمين..مطالب بالتغيير وعودة الكرامة للمصريين]] <br />
<br />
[[رموز الدقهلية في إفطار الإخوان السنوي]] <br />
<br />
<br><br />
<br />
== روابط عوض القرني ==<br />
<br />
[[«صحوة» عوض القرني]] <br />
<br />
[[البطاقة الشخصية للدكتور عوض القرني الذي أفتى|البطاقة الشخصية للدكتور عوض القرني الذي أفتى "باستهداف المصالح الصهيونية"]] <br />
<br />
[[الشيخ د.عوض بن محمد القرني]] <br />
<br />
[[عوض القرني وليس عائض القرني هو المتهم في قضية الإخوان الجديدة .. والزج بداعية سعودي سيؤلب العرب على نظام مبارك]] <br />
<br />
[[د.عوض القرني: الديمقراطية في شطرها التطبيقي لا بأس به.. إذا رفض شعب الإسلام فهو بحاجة لدعوته للإسلام ابتداءً..]] <br />
<br />
[[في محاضرة للدكتور عوض القرني عن دعوة الأنبياء:الدعوة إلى الله.. حصن من وقوع المفاسد]] <br />
<br />
[[عوض القرني: 4 محاور للتوافق بين السنة والشيعة]] <br />
<br />
[[علماء ومفكرون يدعون لدعم عسكري عربي للفلسطينيين عالم سعودي يفتي بضرب مصالح إسرائيل أينما كانت]] <br />
<br />
[[داعية سعودي بمرمى اتهامات مصرية]] <br />
<br />
[[مصر تتهم غنيم والقرني بدعم الإخوان]] <br />
<br />
[[مصر تدرج دعاة عربا بقضية الإخوان]] <br />
<br />
[[36 متهما بقضية تنظيم الإخوان]] <br />
<br />
[[عوض القرني: لن أطأ مصر في ظل النظام الحالي ولا أثق بقضائها]] <br />
<br />
[[القرني والقاهرة.. حسابٌ إسرائيلي]] <br />
<br />
[[الشيخ سلمان العودة ينتقد الشيخ عوض القرني وقال حتى أن حماس من وعيها تبرأت منها !|الشيخ سلمان العودة ينتقد الشيخ عوض القرني وقال حتى أن حماس من وعيها تبرأت منها&nbsp;!]] <br />
<br />
[[عوض القرني: الإخوان المسلمون موجودون في السعودية كتيار فكري يؤثر ويتأثر]] <br />
<br />
[[شدد على إصراره عليها صاحب فتوى ضرب مصالح إسرائيل ينفي تعرضه للاعتقال]] <br />
<br />
[[علماء يؤيدون تقييد الحج]] <br />
<br />
[[سجال ديني بالسعودية بشأن المظاهرات نصرة لغزة]] <br />
<br />
[[القرني: علماء ومفكرو المسلمين يؤكدون الوحدة ضد العدوان]] <br />
<br />
[[انتقادات للعريفي لإعلانه زيارة القدس]] <br />
<br />
[[عوض القرني الليبراليون ستالينيون ومن لا يفضحهم أخشى أن يكون من الآثمين]] <br />
<br />
[[مقاضاة|مقاضاة "فيس بوك" لحذفه صفحة عوض القرني]] <br />
<br />
[[فيس بوك|فيس بوك "يحذف" صفحة عوض القرني]] <br />
<br />
[[أنباء عن اعتقال الداعية عوض القرني]] <br />
<br />
[[عوض القرني: لن أتراجع عن فتوى استهداف مصالح إسرائيل]] <br />
<br />
[[حوار مع الشيخ عوض القرني]] <br />
<br />
== روابط عبد الكريم الخطابي ==<br />
<br />
[[" أسطورة الريف " أو " رحلة في تاريخ الخطابي"]] <br />
<br />
[[الأمير محمد عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[محمد بلحاج : نحن في حاجة إلى زعيم مثل الخطابي|محمد بلحاج&nbsp;: نحن في حاجة إلى زعيم مثل الخطابي]] <br />
<br />
[[عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[المقاومة المغربية، حركة عبد الكريم الخطابي في الواجهة]] <br />
<br />
[[الأمير عبد الكريم الخطابي.. نموذج ثوري فريـد]] <br />
<br />
[[هل كان عبد الكريم الخطابي قوميا عربيا؟]] <br />
<br />
[[المجاهد عبد الكريم الخطابي سليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه]] <br />
<br />
[[مذكرات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[عبد الكريم الخطابي .. أسد الريف وأمير المجاهدين]] <br />
<br />
[[هل كان محمد بن عبد الكريم الخطابي فعلا صحافيا؟]] <br />
<br />
[[محمد بن عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[عن نقل رفات الزعيم محمّد عبد الكريم الخطابي للمغرب]] <br />
<br />
[[الثورة الريفية بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[الامير عبد الكريم الخطابي و استقلال المغرب]] <br />
<br />
[[محمد بن عبد الكريم الخطابي : راهنية ملحمة الذهب والدم|محمد بن عبد الكريم الخطابي&nbsp;: راهنية ملحمة الذهب والدم]] <br />
<br />
[[محمد بن عبد الكريم الخطابي: رجل فكر و مقاومة|محمد بن عبد الكريم الخطابي: رجل فكر و مقاومة"]] <br />
<br />
[[الأمـيـر المـجـاهـد عـبــد الـكــريــم الــخطــابــي والـســلام فــي الـبــحــر الأبـيــض الـمـتــوســط]] <br />
<br />
[[محمد بن عبد الكريم الخطابي الأمير الذي ادهش العالم]] <br />
<br />
[[« أسطورة الريف » عبد الكريم الخطابي ب «الجزيرة»|«&nbsp;أسطورة الريف&nbsp;» عبد الكريم الخطابي ب «الجزيرة»]] <br />
<br />
[[أيت يدر: عبد الكريم الخطابي استطاع أن يواجه اثنتين من أعتى القوى الإمبريالية]] <br />
<br />
[[علال الفاسي و عبد الكريم الخطابي : ما هي العلاقة بينهما و كيف هي !|علال الفاسي و عبد الكريم الخطابي&nbsp;: ما هي العلاقة بينهما و كيف هي&nbsp;!]] <br />
<br />
[[من أبطال المقاومة الأمازيغية محمد بن عبد الكريم الخطابي(الحلقة22)]] <br />
<br />
[[بين تشي غيفارا وعبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[محمد عبد الكريم الخطابي : أضحوكة الدستور المصنوع|محمد عبد الكريم الخطابي&nbsp;: أضحوكة الدستور المصنوع]] <br />
<br />
[[الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، حياته و كفاحه ضد الاستعمار (1947م-1963م)]] <br />
<br />
[[عبد الكريم يا عاشق الوطن]] <br />
<br />
[[الذكرى 45 لرحيل أسد الريف: عبد الكريم الخطابي، الزعيم الأمازيغي التحرري]] <br />
<br />
[[كتاب عن نضال عبد الكريم الخطابي]] <br />
<br />
[[إحياء ذكرى انتفاضة الريف المغربي في هولندا]] <br />
<br />
[[انتشار السرطان شمالي المغرب يقوي فرضية الكيمياوي الإسباني]] <br />
<br />
[[مطالبة بنصب تمثال لمحمد بن عبد الكريم الخطابي في ساحة الريف بالحسيمة]] <br />
<br />
[[فاندام يجسد محمد بن عبد الكريم الخطابي في فيلم سينمائي مغربي]] <br />
<br />
== روابط مجدي الهلالي ==<br />
<br />
[[أنت السبب.. وقفة للتغيير؟!]] <br />
<br />
[[عودة المجد وهم أم حقيقة؟!!]] <br />
<br />
[[الدعوة إلى العودة للقرآن]] <br />
<br />
[[فصيلة دم الأمة؟!]] <br />
<br />
[[هل نرتدي الأكفان انتظارًا للنهاية؟!]] <br />
<br />
[[ذكر النعم... العبادة المهجورة]] <br />
<br />
[[التكافل التربوى لابناء الصحوة]] <br />
<br />
[[مجدي الهلالي]] <br />
<br />
[[كيف نكون ربانيين ونحن بين أزواجنا وأولادنا]] <br />
<br />
== روابط محب الدين الخطيب ==<br />
<br />
[[نفح الطيب في سيرة العلامة السلفي محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[نسخة نادرة من فتح الباري بتحقيق الشيخ محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[مقال الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله - في تعقب الكوثري]] <br />
<br />
[[محب الدين الخطيب العلامة الغيور]] <br />
<br />
[[محب الدين الخطيب وعمله في مقاومة التغريب]] <br />
<br />
[[مجلة الفتح الإسلامية للعلاّمة محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[الإصلاح في فكر محب الدّين الخطيب]] <br />
<br />
[[نبذة عن منهج الطبري في تاريخه للعلامة محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[الكاتب الإسلامي الكبير محب الدين الخطيب]] <br />
<br />
[[لماذا رحبت الجماعة الإسلامية والسلفيون والجهاد بدعوة حسن البنا ورفضوا الانضمام لها؟]] <br />
<br />
[[محب الدين الخطيب ومجلته|محب الدين الخطيب ومجلته "الفتح" أنموذجا]] <br />
<br />
== روابط محفوظ نحناح ==<br />
<br />
[[وفاة رئيس حركة «السلم» الجزائرية محفوظ نحناح]] <br />
<br />
[[محفوظ النحناح]] <br />
<br />
[[كان الشيخ محفوظ نحناح الرقم الصعب في المعادلة السياسية الجزائرية.]] <br />
<br />
[[البيان الختامي لملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي : 'المصالحة الوطنية رؤية استراتيجية'|البيان الختامي لملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي&nbsp;: 'المصالحة الوطنية رؤية استراتيجية']] <br />
<br />
[[وفاة الشيخ محفوظ نحناح خسارة للإسلام والمسلمين]] <br />
<br />
[[محفوظ نحناح]] <br />
<br />
[[نحناح للجزيرة نت: هذه أسباب خسارتنا]] <br />
<br />
[[محفوظ نحناح]] <br />
<br />
[[الشيخ محفوظ نحناح - المنهج الدعوي لا المنهج الدموي]] <br />
<br />
[[افتتاح الملتقى السادس لفكر الشيخ محفوظ نحناح:زوجة سلطاني تبكي الحضور بشريط وثائقي عن نحناح]] <br />
<br />
[[دور المربي في المنعرجات الدعوية]] <br />
<br />
[[من المغالبة الشاملة إلى التحالف مع بوتفليقة]] <br />
<br />
[[الحركة الإسلامية في الجزائر والعمل السياسي (2/4)]] <br />
<br />
[[بيان حركة مجتمع السلم جول انشقاق بعض قادتها عن الحركة و تأسيس حركة جديدة في الجزائر]] <br />
<br />
[[انشقاق في صفوف 'اخوان الجزائر']] <br />
<br />
[[خسائر الانشقاق (2): الأخوة2/2]] <br />
<br />
[[خسائر الانشقاق 6 : الثبات والوفاء (2/3)|خسائر الانشقاق 6&nbsp;: الثبات والوفاء (2/3)]] <br />
<br />
[[خسائر الانشقاق(7): الثبات والوفاء 3/3]] <br />
<br />
== مقالات رمضان ==<br />
<br />
[[نفحات وعطايا رمضان]] <br />
<br />
[[رمضان شهر تحرير الإرادة والانتصار على النفس]] <br />
<br />
[[من فضائل شهر رمضان]] <br />
<br />
[[رمضان بالخير أقبل]] <br />
<br />
[[الصوم تربية وجهاد]] <br />
<br />
[[حتى لا يضيع علينا رمضان]] <br />
<br />
[[رمضان هدية الرحمن]] <br />
<br />
[[فضل شهر رمضان (خطبة جمعة)]] <br />
<br />
[[دار الزمان يا رمضان دورته]] <br />
<br />
[[انطلاقة الإيمان في رمضان]] <br />
<br />
[[رمضان ربيع الحياة الإسلامية]] <br />
<br />
[[مع القرآن في شهر رمضان]] <br />
<br />
[[شهر رمضان موسم الهداية الإلهية]] <br />
<br />
[[أحداث وقعت في رمضان]] <br />
<br />
[[رمضان شهر العمل.. ليس الكلام]] <br />
<br />
[[أَقْبَلَ رمضان.. هيا ننتصر]] <br />
<br />
== أخبار الجماعة 2005 ==<br />
<br />
[[مصر: حبس إخوان شبرا 15 يومًا]] <br />
<br />
[[اعتقال|اعتقال "سوري" بسبب تلاوته ورقة باسم الإخوان!]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 79 من إخوان الفيوم 15 يومًا]] <br />
<br />
[[أمن الإسكندرية يمنع الجماهير من مؤتمر ذكرى النكبة!]] <br />
<br />
[[مصر.. تحوُّل المحكمة ودمنهور إلى ثُكنة عسكرية!]] <br />
<br />
[[اليوم.. عرض إخوان المنصورة على النيابة]] <br />
<br />
[[مصر.. حملة اعتقالات جديدة في صفوف الإخوان!!]] <br />
<br />
[[الجمعة.. حبيب في مؤتمر|الجمعة.. حبيب في مؤتمر "رؤية النقابات للإصلاح"]] <br />
<br />
[[اليوم.. حبيب يشارك في (قلم رصاص) بدبي]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 150 من إخوان الشرقية خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[القبض على 14 من إخوان المنيا وأسيوط وقنا وأسوان]] <br />
<br />
[[الإفراج عن 6 من إخوان قنا والقبض على 6 آخرين!!]] <br />
<br />
[[حبيب: مظاهراتنا للإصلاح وليست لاستعراض القوة]] <br />
<br />
[[مصر: إخلاء سبيل الصحفي محمد رضا و2 آخرين]] <br />
<br />
[[مصر: القبض على 3 من إخوان الغربية]] <br />
<br />
[[مظاهرة لأهالي معتقلي الغربية أمام نيابة أمن الدولة]] <br />
<br />
[[القبض على د. محمود عزت ومجموعة من الإخوان]] <br />
<br />
[[الشاطر: الاعتقالات لن تثنينا عن المطالبة بالإصلاح]] <br />
<br />
[[د. بديع: مظاهرات الإخوان تستهدف إنقاذ مصر]] <br />
<br />
[[حبس الدكتور محمود عزت وإخوانه خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[توقع قرب الإفراج عن إخوان ليبيا]] <br />
<br />
[[قائمة أسماء معتقلى الإخوان بأسيوط]] <br />
<br />
[[المعارضة والإخوان في دمياط يدعون لمقاطعة الاستفتاء]] <br />
<br />
[[الإخوان بالإسكندرية يطلقون موقعًا لمقاطعة الاستفتاء]] <br />
<br />
[[القبض على 19 من إخوان كفر الشيخ والإسماعيلية]] <br />
<br />
[[اعتقالات جديدة في صفوف الإخوان فجر يوم الاستفتاء!!]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر شعبي تضامنًا مع معتقلي الإخوان]] <br />
<br />
[[حبيب يشارك اليوم في مؤتمر نحو دستور مصري جديد]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل ثلاثة من الإخوان بدون كفالة]] <br />
<br />
[[السماح لطلاب المنصورة المعتقلين بأداء الامتحانات]] <br />
<br />
[[د. حبيب: الحكومة تسلك نهجًا إقصائيًا قمعيًا مع الجميع]] <br />
<br />
[[حبيب: قريبًا سنعلن عن موقفنا من انتخابات الرئاسة]] <br />
<br />
[[اليوم د. أبو الفتوح في الصحفيين و|اليوم د. أبو الفتوح في الصحفيين و"ما بعد الاستفتاء"]] <br />
<br />
[[الأردن: مسيرة حاشدة للحركة الإسلامية نصرةً للقرآن]] <br />
<br />
[[الإخوان: نحمِّل الداخلية مسئولية ضرب المتظاهرين]] <br />
<br />
[[تأجيل الإفراج عن إخوان ليبيا دون أسباب!!]] <br />
<br />
[[مصر: تعذيب أحد الإخوان بأحد مقرات أمن الدولة]] <br />
<br />
[[الأستاذ توفيق ثابت في ذمة الله]] <br />
<br />
[[مؤتمر صحفي بالمحامين لكشف جريمة تعذيب أحد الإخوان]] <br />
<br />
[[حشمت: منعي من السفر انعكاس للإصلاح الوهمي!]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بالإفراج الفوري عن محسن عبد الحميد]] <br />
<br />
[[مصر.. مظاهرة تضامنية مع أسر المعتقلين]] <br />
<br />
[[المصري: قاطعنا انتخابات لبنان لأنها أشبه بالتعيين]] <br />
<br />
[[د. حبيب يحذر السلطة من مغبة انتهاك الأعراض]] <br />
<br />
[[اعتقال 9 من إخوان الإسكندرية ومنع الآلاف من التضامن مع القضاة]] <br />
<br />
[[الأمن يتعمد عدم الإفراج عن نجل د. مرسي]] <br />
<br />
[[مصر.. تجديد حبس 700 من الإخوان!]] <br />
<br />
[[مصر.. إخلاء سبيل 33 من الإخوان والتجديد لـ 700!!]] <br />
<br />
[[مصر.. إخلاء سبيل 6 من الإخوان وتجديد حبس 29]] <br />
<br />
[[مصر.. أمن الدولة بأسيوط يرفض تنفيذ قرارات النيابة!!]] <br />
<br />
[[الشرنوبي على CNBC مساء السبت]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح ثلاثة أطباء من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[حبيب: نسعى إلى تحالف وطني للضغط السلمي على النظام]] <br />
<br />
[[اليوم.. أبو الفتوح في حلقة نقاشية عن التعددية الحزبية]] <br />
<br />
[[مساء اليوم.. د. حبيب على قناة|مساء اليوم.. د. حبيب على قناة "العالم"]] <br />
<br />
[[الطب الشرعي: القنابل المسيلة للدموع قتلت الغنام]] <br />
<br />
[[البيانوني: المؤتمر القطري تكريسٌ لدور البعث السوري!]] <br />
<br />
[[شقرة: رؤيتنا للإصلاح في الأردن تنبع من ثوابتنا]] <br />
<br />
[[الإفراج عن 85 من إخوان مصر]] <br />
<br />
[[حبيب يدير حلقة نقاشية بـ(الصحفيين) ظهر اليوم]] <br />
<br />
[[الإفراج عن الشيخ سيد عسكر و16 من علماء الأزهر]] <br />
<br />
[[البنا: الإخوان أكبر تكتل شعبي في مصر والأكثر انضباطًا]] <br />
<br />
[[أسر معتقلي الدقهلية يتظاهرون للإفراج عنهم]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 137 من إخوان مصر]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 23 من إخوان مصر]] <br />
<br />
[[المئات بالدقهلية يتظاهرون للإفراج عن معتقليهم]] <br />
<br />
[[السلطات المصرية تفرج عن 109 من الإخوان]] <br />
<br />
[[مساء اليوم.. د. محمد مرسي في قناة|مساء اليوم.. د. محمد مرسي في قناة "العالم"]] <br />
<br />
[[د. حبيب: نريد أن نكون وسط الصفوف لا أمامهم]] <br />
<br />
[[نواب الإخوان بمصر: قانون انتخابات الرئاسة|نواب الإخوان بمصر: قانون انتخابات الرئاسة "كارثة"]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل أربعة من الإخوان وتجديد حبس|إخلاء سبيل أربعة من الإخوان وتجديد حبس "10"]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل أربعة من الإخوان وتجديد حبس 10]] <br />
<br />
[[السلطات المصرية تفرج عن 55 من الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بالإفراج الفوري عن المعتقلين]] <br />
<br />
[[تجديد حبس الدكتور محمود عزت و24 من الإخوان]] <br />
<br />
[[مؤتمر صحفي لهيئة الدفاع عن معتقلي الإخوان]] <br />
<br />
[[أحد معتقلي الإخوان يواجه الموت في سجن|أحد معتقلي الإخوان يواجه الموت في سجن "طرة"!!]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 2 من الإخوان وتجديد حبس 9]] <br />
<br />
[[حملة للإفراج عن نجل رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 14 من الإخوان خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[اليوم: الإخوان وحقوق الإنسان في ندوة على|اليوم: الإخوان وحقوق الإنسان في ندوة على "البالتوك"]] <br />
<br />
[[فرج النجار: النظام الحاكم في مصر يترنح]] <br />
<br />
[[مصر: إخلاء سبيل 3 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يحذرون من قانون انتخابي جديد]] <br />
<br />
[[تواصل حملة المطالبة بالإفراج عن نجل د. مرسي]] <br />
<br />
[[د: بشر: مصر بحاجة لدستور يصدر بإرادة شعبية]] <br />
<br />
[[اليوم عرض د. عصام العريان على النيابة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس العريان و10 من الإخوان]] <br />
<br />
[[مساء اليوم.. د. حبيب في مؤتمر بالصيادلة]] <br />
<br />
[[حبيب: تراجع أفراد عن التحالف لن يؤثر في قوته]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. محمود عزت و24 من الإخوان]] <br />
<br />
[[الإخوان يدينون مقتل سفير مصر بالعراق وانفجارات لندن]] <br />
<br />
[[30 معتقلاً من الإخوان يبدأون إضرابًا عن الطعام]] <br />
<br />
[[مصر: اعتقال 3 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[مصر: ألفا مواطن يتظاهرون للإفراج عن المعتقلين]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 3 من الإخوان وتجديد حبس 5]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 15 من إخوان مصر]] <br />
<br />
[[مظاهرة بالمنصورة للدفاع عن سجناء الرأي]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 9 من الإخوان بضمان مالي 500 جنيه]] <br />
<br />
[[مساء اليوم .. مؤتمر جماهيري حاشد بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 11 من الإخوان وتجديد حبس 17]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون حماس والسلطة بوقف إطلاق النار]] <br />
<br />
[[الإخوان يهنئون الشيخ رائد بخروجه من المعتقل]] <br />
<br />
[[اليوم.. مظاهرة أمام النائب العام ضد حبس العريان]] <br />
<br />
[[حبيب: استبداد الدولة يقتل أي إبداع]] <br />
<br />
[[تجديد حبس العريان و8 من الإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يكرمون الرعيل الأول في الجماعة]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يدعون الفصائل الفلسطينية لحقن الدماء]] <br />
<br />
[[حبيب يتهم (نهضة مصر) بتعمد تشويه تصريحاته]] <br />
<br />
[[تجديد حبس الدكتور محمود عزت و24 من الإخوان]] <br />
<br />
[[الغزالي: 97% من مسلمي العالم فقراء]] <br />
<br />
[[مصر: 10 آلاف يشاركون في أول مظاهرة للتحالف]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يعتزمون حجب الثقة عن الحكومة]] <br />
<br />
[[مصر.. الإفراج عن 8 من إخوان الغربية]] <br />
<br />
[[اليوم حبيب في برنامج (نقطة نظام) على قناة العربية]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون السلطة بكف يدها عن المجاهدين]] <br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون تفجيرات شرم الشيخ]] <br />
<br />
[[مساء اليوم.. حبيب على قناة أوربت]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يستنكرون تفجيرات شرم الشيخ]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح يزور مصابي تفجيرات شرم الشيخ]] <br />
<br />
[[حبيب للجارديان: مقاطعة انتخابات الرئاسة تحت الدراسة]] <br />
<br />
[[حبيب يطالب مبارك بمراجعة موقفه من الإصلاح]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 15 من الإخوان خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 12 من إخوان مصر خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[استمرار حبس نجل الدكتور مرسي]] <br />
<br />
[[مئات من أبناء الدقهلية يتظاهرون للإفراج عن المعتقلين]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية يتظاهرون للإفراج عن 21 معتقلاً]] <br />
<br />
[[حبيب: خطاب ترشيح|حبيب: خطاب ترشيح "مبارك" تجاهل القوانين الاستثنائية]] <br />
<br />
[[يكن يطالب القاعدة بالكف عن سفك دماء الأبرياء]] <br />
<br />
[[مصر: إخلاء سبيل 12 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[الإخوان يستنكرون قمع تظاهرة كفاية بالتحرير]] <br />
<br />
[[تجديد حبس العريان و7 من الإخوان]] <br />
<br />
[[الإخوان يعزون في وفاة الملك فهد]] <br />
<br />
[[رحيل أحد مجاهدي الإخوان في غزة]] <br />
<br />
[[حبيب: الإخوان لم يحددوا موقفهم من انتخابات الرئاسة]] <br />
<br />
[[عزت و17 من الإخوان يرفضون العرض على النيابة]] <br />
<br />
[[تشييع جنازة زينب الغزالي ظهر اليوم من مسجد رابعة]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن ينعون زينب الغزالي]] <br />
<br />
[[آلاف الإخوان يشيعون المجاهدة زينب الغزالي]] <br />
<br />
[[إخوان ليبيا: نمتلك برنامجا سلميًا لإصلاح البلاد]] <br />
<br />
[[إخوان سوريا: نظام بشار غير قابل للإصلاح]] <br />
<br />
[[د. حبيب: بأمثال زينب الغزالي تحيا الأمم]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل أحد الإخوان وتجديد حبس 13]] <br />
<br />
[[تهديد بـ|تهديد بـ"عصيان مدني" لإطلاق سراح قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[["حمس" الجزائرية تعزي في الداعية زينب الغزالي]] <br />
<br />
[[الإخوان يرحبون بالإفراج عن الإسلاميين في موريتانيا]] <br />
<br />
[[الإخوان ينعون الداعية الإسلامي أحمد ديدات]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 8 من الإخوان وتجديد حبس 3 آخرين]] <br />
<br />
[[اليوم.. أبو الفتوح يتحدث عن تجربة الإخوان]] <br />
<br />
[[العمل الإسلامي يسعى لطرح الثقة بالحكومة الأردنية]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح يفتتح مهرجان مؤتة للثقافة والفنون في عمان]] <br />
<br />
[[الإخوان: الصهاينة عادوا لوجههم القبيح]] <br />
<br />
[[نادي تدريس القاهرة يكرم عزت ودراج وشاهين]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 2 من الإخوان خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: صراع الحضارات صناعة أمريكية للهيمنة]] <br />
<br />
[[حبيب: مستعدون للتنسيق مع المعارضة في الانتخابات]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 4 من الإخوان في مصر]] <br />
<br />
[[منظمة العفو تطالب بالإفراج عن إخوان ليبيا المعتقلين]] <br />
<br />
[[حرب على طلاب الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يصفون الحكم على علوني بالجائر]] <br />
<br />
[[اليوم.. مظاهرات بجميع جامعات مصر للمطالبة بالإصلاح]] <br />
<br />
[[سجناء الرأي تطالب بالإفراج عن د. البرنس]] <br />
<br />
[[تجديد حبس العريان والجزار واثنين آخرين من الإخوان]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح يتحدث في (BBC) عن الانتخابات التشريعية]] <br />
<br />
[[الأردن: الإخوان المسلمون يحيون ذكرى فتح القدس]] <br />
<br />
[[طلاب الإخوان يطالبون بجامعةٍ حرَّة ووطنٍ حر]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 3 من الإخوان خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[الأردن: مهرجان حاشد للإخوان المسلمين في البلقاء]] <br />
<br />
[[مركز أبحاث غربي يُطالب بالاعتراف بإخوان مصر]] <br />
<br />
[[العمل والكرامة يُنسقان مع الإخوان في 30 دائرة]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح اليوم على (الجزيرة) متحدثًا عن التشريعية]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: الانتخابات المقبلة مزورة]] <br />
<br />
[[حملة على الإنترنت للإفراج عن عصام العريان]] <br />
<br />
[[منع دروس السيدات في مساجد مدينة نصر!]] <br />
<br />
[[اليوم.. مظاهرة أمام الأطباء لإطلاق العريان وإخوانه]] <br />
<br />
[[الأهرام: الإخوان القوة المعارضة الأولى في مصر]] <br />
<br />
[[الإخوان يدعون العالم لنجدة ضحايا كارثة الزلزال]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 2 من الإخوان خمسة عشر يومًا]] <br />
<br />
[[اليوم مؤتمر طلابي بجامعة القاهرة]] <br />
<br />
[[مهندسو الإخوان يطالبون بفكِّ الحراسة عن النقابة]] <br />
<br />
[[الديري لـ(رويترز): إصلاح المجتمع هو جهادنا]] <br />
<br />
[[مظاهرة حاشدة لطلاب جامعات مصر للمطالبة بالإصلاح]] <br />
<br />
[[تهديدات بمسيرات حاشدة للإفراج عن العريان وإخوانه]] <br />
<br />
[[بدء فعاليات الإفطار السنوي لجماعة الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[الديري: المرأة مفتاح رئيسي لإصلاح أوضاع الأمة]] <br />
<br />
[[حضور كبير ومتنوع في الإفطار السنوي للإخوان]] <br />
<br />
[[عبد الخالق: الإخوان يتحملون العبء الأكبر في التغيير]] <br />
<br />
[[البرّ: الحرية هي القيمة التي ينبغي العمل لأجلها]] <br />
<br />
[[مرسى ينتقد تعاطي السلطة مع الانتخابات التشريعية]] <br />
<br />
[[حبيب: الإخوان هم القوة السياسية الأهم في مصر]] <br />
<br />
[[مصر: إخوان دمياط يقيمون إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[الأمن ينزع لافتات مرشح الإخوان بالمطرية وعين شمس]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان بالمنوفية يقود مظاهرة ضد بيع مصنع]] <br />
<br />
[[الإخوان بالإسكندرية والشرقية يقدمون أوراق ترشيحهم]] <br />
<br />
[[الإفراج عن العريان والجزار واثنين من الإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يدخلون الانتخابات بأحد عشر مرشحًا]] <br />
<br />
[[13 مرشحًا للإخوان في محافظة الغربية]] <br />
<br />
[[7 مرشحين للإخوان بمحافظة بني سويف]] <br />
<br />
[[منع مرشحي الإخوان بالبحيرة من تقديم أوراقهم!!]] <br />
<br />
[[حبيب: رفضنا التنسيق مع الحزب الوطني]] <br />
<br />
[[الإفراج عن خمسة من الإخوان في مصر]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يقيمون حفل إفطار للرعيل الأول منهم]] <br />
<br />
[[نشاط متميز لمرشحي الإخوان في شمال القاهرة وشبرا]] <br />
<br />
[[بدء قبول أوراق ترشيح إخوان البحيرة في الانتخابات]] <br />
<br />
[[طرد أسرة من|طرد أسرة من "الواسطى" بسبب دعمها مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[حبيب ينفي تصريحات صحفية حول الاتصال بالوطني]] <br />
<br />
[[اليوم.. العريان يتحدث في (أوربت) عن الإفراج والانتخابات]] <br />
<br />
[[الإخوان ينعون للأمة الإسلامية المهندس محمد الصروي]] <br />
<br />
[[الإخوان يشيعون فقيد الدعوة المهندس محمد الصروي]] <br />
<br />
[[أربعة مرشحين لإخوان وسط القاهرة في الانتخابات]] <br />
<br />
[[قبول أوراق باقي مرشحي إخوان البحيرة في الانتخابات]] <br />
<br />
[[الوطني يشنُّ حرب شائعات ضد مرشح الإخوان ببنها]] <br />
<br />
[["الإسلام هو الحل" شعار طلاب إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[مسيرة تأييد لمرشحي الإخوان بالشهداء]] <br />
<br />
[[فنانون وسياسيون يبدون ترحيبًا بإفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[العريان: ترشيح أحد الإخوان لانتخابات الرئاسة وارد]] <br />
<br />
[[30 مرشحًا للإخوان في القاهرة والجيزة]] <br />
<br />
[[القضاء الإداري يرفض ترشح المحكومين عسكريًا في الانتخابات]] <br />
<br />
[[الوطني يواجه مرشحي بور سعيد بالرشاوى!]] <br />
<br />
[[صابر عبد الصادق يبدأ حملته الانتخابية بقوافل طبية]] <br />
<br />
[[تزوير 10 آلاف بطاقة انتخابية في الجيزة]] <br />
<br />
[[أهالي المطرية:|أهالي المطرية: "مسلمين ومسيحيين مصر لكل المصريين"]] <br />
<br />
[[5 مرشحين للإخوان في محافظة الفيوم]] <br />
<br />
[[مزغونة تحتشد لتهنئة قيادي إخواني بالإفراج!]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لمرشح الإخوان ببولاق والعمرانية]] <br />
<br />
[[مسيرة ناجحة لمرشح الإخوان بالنزهة والمرج]] <br />
<br />
[[مظاهرات بأزهر أسيوط تضامنًا مع|مظاهرات بأزهر أسيوط تضامنًا مع "مستبعدي المدينة"]] <br />
<br />
[[18 مرشحًا للإخوان في محافظة الدقهلية]] <br />
<br />
[[الدقهلية: الإخوان يُخلون 4 دوائر لصالح المعارضة]] <br />
<br />
[[مظاهرة أمام اتحاد العمال لدعم مرشح الإخوان بقصر النيل]] <br />
<br />
[[اليوم: إحياء يوم القدس العالمي الثالث على الإنترنت]] <br />
<br />
[[اليوم.. العريان في ندوة|اليوم.. العريان في ندوة "الإسلام هو الحل" بصالون إحسان]] <br />
<br />
[[الحركة الإسلامية تنعي الداعية المجاهد سعيد بلال]] <br />
<br />
[[6 آلاف في مسيرة لمرشحي الإخوان بالشهداء]] <br />
<br />
[[فرحة عارمة في الحوامدية لترشيح جمال قرني]] <br />
<br />
[[أقباط قويسنا يعلنون تأييدهم لمرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[أمن الدولة يحوِّل 3 مدرسين بالمنيا لأعمال إدارية!]] <br />
<br />
[[أنصار الوطني بالشرقية يمزقون لافتات مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[الزغاريد في استقبالِ مرشح الإخوان بالعياط]] <br />
<br />
[[الأمن يمنع الإفطار السنوي للنائب العزباوي بطنطا]] <br />
<br />
[[تهديد مرشح إخواني بالفصل من عمله]] <br />
<br />
[[مؤتمرات وجولات انتخابية لمرشحي الإخوان بالفيوم]] <br />
<br />
[[عمال المصانع الحربية يبايعون مرشح الإخوان بحلوان]] <br />
<br />
[[مسيرتان حاشدتان لمجاهد في المطرية]] <br />
<br />
[[مؤتمر ومسيرة كبيرة لمرشح الإخوان بالمرج]] <br />
<br />
[[الفرماوي ودحروج في مسيرة حاشدة بدائرة الحدائق]] <br />
<br />
[[مؤتمر جماهيري لدعم مرشحي الإخوان بدائرة مزغونة]] <br />
<br />
[[أعضاء بالوطني يستقبلون مرشح الإخوان ببني مزار]] <br />
<br />
[[أقباط قويسنا يعلنون تأييدهم لمرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[مرشحا الإخوان بمينا البصل يكذِّبان الأهرام]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان ينفي تورطه في فتنة الإسكندرية]] <br />
<br />
[[مسيرة بالسيارات لمرشح الإخوان في أبو كبير]] <br />
<br />
[[شعبية يوسف والي في تراجع أمام مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[رئيس مدينة المنيا يمزِّق لافتات مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[الأحزاب السياسية بالغربية تدعو للتصدي للوطني]] <br />
<br />
[[يوسف والي يطارد مرشح الإخوان في دائرته]] <br />
<br />
[[فصل مائة من طلاب الإخوان تعسفيًا بجامعة المنيا!]] <br />
<br />
[[أنصار الوطني يمزقون لافتات مرشح الإخوان بكرداسة]] <br />
<br />
[[مسيرات ولقاءات جماهيرية لمرشح الإخوان بقليوب]] <br />
<br />
[[العريان يرفض أحداث الإسكندرية ويدعو إلى حوار إيجابي]] <br />
<br />
[[أسبوع حافل لمرشحي الإخوان بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[إخوان تلا المنوفية ينظمون مسيرات حاشدة]] <br />
<br />
[[اليوم.. الشاطر يتحدث عن الانتخابات في|اليوم.. الشاطر يتحدث عن الانتخابات في "بلا حدود"]] <br />
<br />
[[أربع مسيرات يوميًا لمرشحي الإخوان بوسط القاهرة]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان.. الحصان الأسود في أطفيح]] <br />
<br />
[[6 آلاف صائم على موائد مرشح الإخوان بالشرقية]] <br />
<br />
[[التحقيق مع 4 من طلاب أسيوط لمطالبتهم بالإصلاح!]] <br />
<br />
[[الحلفاوي تدعو لانتخاب الدكتورة مكارم الديري]] <br />
<br />
[[مضايقات حكومية لمرشح الإخوان في العياط]] <br />
<br />
[[أبو العلا قرني يدعو لانتخاب د. جمال بالحوامدية]] <br />
<br />
[[مسيرات بالدراجات وإفطارات ولقاءات يومية بالغربية]] <br />
<br />
[[مسيرة دراجات بتلا ودنشواي ترحب بمرشحي الإخوان]] <br />
<br />
[[نشاط متميز لمرشح الإخوان في الهرم والواحات]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة لمرشح الإخوان في المرج]] <br />
<br />
[[أربعة آلاف في مسيرة لمرشح إخوان التلين بالشرقية]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان بسنورس يَعِد بحل مشكلة البطالة بالمدينة]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة لمرشَحَي الإخوان بدائرة ببا]] <br />
<br />
[[الاعتداء على ابنة مرشح للإخوان بفاقوس!!]] <br />
<br />
[[حبيب: ليس لنا مرشح في بولاق غير جمال عشري]] <br />
<br />
[[جولات متصلة لمرشح الإخوان في شبرا الخيمة]] <br />
<br />
[[عشرة آلاف يؤيدون جمال شحاتة في بهتيم]] <br />
<br />
[[لعبة القط والفأر مع مرشح الإخوان بالزاوية والشرابية!]] <br />
<br />
[[مرشح الوطني بالصف يهدد مؤيدي داود بالاعتقال!!]] <br />
<br />
[[مؤتمر نسائي لمرشح الإخوان بفارسكور]] <br />
<br />
[[عمد ومشايخ بني مزار يستقبلون مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[المنيا: استقبال متميز لمرشح الإخوان بدائرة مطاي]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يدشنون إذاعة خاصة بحملتهم الانتخابية]] <br />
<br />
[[أبناء الدقي يشاركون في مسيرة لحازم أبو إسماعيل]] <br />
<br />
[[اعتداءات وبلطجة لمرشحي الحزب الوطني بالمنوفية]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة لمرشح الإخوان بالهرم والواحات]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان في حلوان ينفي انسحابه من الانتخابات]] <br />
<br />
[[ست مسيرات يوميًّا لمرشحِي الإخوان في أسيوط]] <br />
<br />
[[وادي النطرون تستقبل مرشح الإخوان بـ|وادي النطرون تستقبل مرشح الإخوان بـ"الزغاريد"]] <br />
<br />
[[غرفة عمليات للمحامين لدعم مرشح الإخوان بعابدين]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر صحفي لمرشحي الإخوان بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[الحكومة تخالف قانون الانتخابات في أسيوط]] <br />
<br />
[[أهالي ملوي يرددون|أهالي ملوي يرددون "الإسلام هو الحل"]] <br />
<br />
[[الشاطر: لم ننسق مع الحكومة وعلاقتنا بالجبهة قوية]] <br />
<br />
[[شريط كاسيت للدعاية لمرشح الإخوان بالصف]] <br />
<br />
[[استقبال راضي بالزغاريد والشيكولاته والمياه الغازية!]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة ببولاق والعمرانية للتصويت لصالح الشمسية]] <br />
<br />
[["غنوم" يعِد أهالي أشروبة بالتصدي لقانون الطوارئ]] <br />
<br />
[[أربعة آلاف في أول مسيرة انتخابية بإطسا منذ 30 عامًا]] <br />
<br />
[[5 آلاف خلف مرشح إخوان منيا القمح بالشرقية]] <br />
<br />
[[المسيرة الرابعة لمرشح الإخوان بعين شمس الشرقية]] <br />
<br />
[[صحفيو الإخوان يكرمون|صحفيو الإخوان يكرمون "وطني" والعريان]] <br />
<br />
[[إخوان وسط القاهرة يدعون الناخبين للتغيير]] <br />
<br />
[[استبعاد د. بشر بالمنوفية ود. عمران بالمنيا]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. عبد المنعم أبو الفتوح في مؤتمر بأشمون]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لمرشح الإخوان في القناطر الخيرية]] <br />
<br />
[[مؤتمر صحفي حاشد بمقر الإخوان المسلمين بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[تقدم ملموس في شعبيةِ مرشح الإخوان بالشرابية]] <br />
<br />
[[5 آلاف في مسيرة لمرشح الإخوان ضد يوسف والي]] <br />
<br />
[[حوار على المقاهي بين مرشحي الحدائق والناخبين]] <br />
<br />
[[مرشحو الواسطى يتنازلون لمرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[مؤتمر جماهيري لمرشح الإخوان بشارع قصر العيني]] <br />
<br />
[[المحكمة ترفض طعنين ضد الشيخ السيد عسكر]] <br />
<br />
[[استمرار جولات ومؤتمرات مرشح الإخوان بالمطرية]] <br />
<br />
[[مسيرة ضخمة بالجيزة تدفع بعزب مصطفى للبرلمان]] <br />
<br />
[[مسيرة تأييد حاشدة لمرشح الإخوان ببركة السبع]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر صحفي لمرشحي الإخوان بالجيزة]] <br />
<br />
[[مرشحو طلخا على مائدة إفطار الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[3 مسيرات حاشدة تأييدًا لمنصور والسعيد بالمعادي]] <br />
<br />
[[1500 في حفل إفطار عاشور بالبركة]] <br />
<br />
[[خمسة آلاف في مسيرة مرشح الإخوان في طلخا]] <br />
<br />
[[فنادق الواحات ترفض مبيت مرشح الإخوان!]] <br />
<br />
[[جولات يومية لجمال العشري ببولاق والعمرانية]] <br />
<br />
[[سيناء تشهد أول مسيرة للإخوان منذ 50 عامًا]] <br />
<br />
[[مسيرات حاشدة لمرشح الإخوان بتلا]] <br />
<br />
[[مؤتمر نسائي في حلوان لتأييد مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[الاعتداء على أنصارِ مرشح الإخوان في قويسنا]] <br />
<br />
[[مرشح الوطني بأبو المطامير يهدد الأهالي بالاعتقال]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: مطلوب حماية الصناديق حتى الفرز]] <br />
<br />
[[الآلاف يؤيدون|الآلاف يؤيدون "داود" بالصف و"البدري" بإطفيح]] <br />
<br />
[[الأمن بدأ يتدخل في سير العملية الانتخابية بدمياط]] <br />
<br />
[[5 آلاف في مسيرة حاشدة لغنوم ببني مزار]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان في نهطاي يواجه وزير الري]] <br />
<br />
[[فتح الباب يواصل تقدمه في مايو والتبين]] <br />
<br />
[[الاعتداء على مسيرة مرشح الإخوان في الواسطى]] <br />
<br />
[[أهالي سمالوط يرفضون الطعن على مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[مسيرة انتخابية حاشدة للحافي في القناطر]] <br />
<br />
[[الوطني يجند موظفيه لإسقاط مرشح الإخوان بأبو حماد]] <br />
<br />
[[نجاح للإخوان وخلافات بالوطني ببركة السبع]] <br />
<br />
[[6 آلاف من أبناء الحوامدية يشاركون في مسيرة قرني]] <br />
<br />
[[الأمن يفشل في منع مسيرة لمرشح الإخوان بأبنوب]] <br />
<br />
[[7 آلاف في مؤتمر لمرشح الإخوان بالعريش]] <br />
<br />
[[تمزيق لافتات مرشحي الإخوان بفاقوس]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة لمرشح الإخوان بأوسيم بحراسة الأمن]] <br />
<br />
[[مؤتمر انتخابي ناجح لمرشحي الإخوان بالجيزة]] <br />
<br />
[[مؤتمر حاشد لتأييد مرشح الإخوان بالزرقا]] <br />
<br />
[[حفل إفطار لمرشَّحَي الإخوان بحدائق القبة]] <br />
<br />
[[قليوب تلتف حول شعار|قليوب تلتف حول شعار "الإسلام هو الحل"]] <br />
<br />
[[د. أبو الفتوح يتحدث عن الانتخابات المصرية في (BBC)]] <br />
<br />
[[مسيرة انتخابية لمرشح الإخوان بمصر القديمة]] <br />
<br />
[[نوَّاب الأردن الإسلاميون يستنكرون الاتهامات ضد سوريا]] <br />
<br />
[[د. مرسي: الانتخابات النزيهة تحقق التوازن للمجتمع]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: الإصلاح بالتعاون مع كل القوى]] <br />
<br />
[[الاعتداء على مرشح الإخوان بالخانكة وإصابة 5 آخرين]] <br />
<br />
[[البلطجية يصيبون ثلاثة من الإخوان في الزرقا]] <br />
<br />
[[القبض على متعهدي الإنارة والفراشة بفارسكور!]] <br />
<br />
[[فيلم سينمائي يعرض إنجازات مرشح الإخوان بالصف]] <br />
<br />
[[الورود عنوان مسيرة حاشدة لصابر عبد الصادق]] <br />
<br />
[[مرشح الإخوان يمنع نشوب أزمة بملوي]] <br />
<br />
[[مؤتمر حاشد لمرشحي الإخوان ببورسعيد]] <br />
<br />
[[قيادي بالوطني يطالب بإنهاء التعامل الأمني مع الإخوان]] <br />
<br />
[[برنامج الإخوان في المطرية على موائد الإفطار]] <br />
<br />
[[أبو إسماعيل يجوب بمسيراته المناطق العشوائية]] <br />
<br />
[[جماهير الزاوية ترفض مرشحي الوطني]] <br />
<br />
[[مرشحو الإخوان في قلب أبناء بندر الفيوم وإطسا]] <br />
<br />
[[سوهاج تحتفي بمرشح الإخوان في مسيرة حاشدة]] <br />
<br />
[[جولات مكثفة لمرشح الإخوان بقويسنا]] <br />
<br />
[[ضغوط لنزع|ضغوط لنزع "الإخوان المسلمون" من لافتات المنيا!]] <br />
<br />
[["بوش" تحتشد خلف الشرقاوي مرشح الإخوان]] <br />
<br />
[[مسيرات حاشدة لمرشح الإخوان بتلا]] <br />
<br />
[[أشبال الإخوان يدخلون معركة البرلمان!!]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح:|أبو الفتوح: "الإسلام هو الحل" يمثل نهضة حضارية للأمة]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بالإفراج عن الرهينيتن المغربيتين]] <br />
<br />
[[إخوان سوريا: الإفراج عن السياسيين خطوة نحو الإصلاح]] <br />
<br />
[[اليوم.. أبو الفتوح يتحدث عن الانتخابات على (MBC)]] <br />
<br />
[[العريان: الإخوان شاركوا بالانتخابات لممارسة حقهم]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: مرشحو الإخوان 3% من إجمالي المرشحين]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يستنكرون تفجيرات عمَّان الإجرامية]] <br />
<br />
[[الشرنوبي يتحدث عن الانتخابات التشريعية على (المحور)]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن وحماس يستنكران تفجيرات عمَّان]] <br />
<br />
[[اختطاف 60 من إخوان الجيزة بعد مظاهرة نددت بالتزوير!]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح إخوان الجيزة بعد احتجازهم بساعة]] <br />
<br />
[[إخوان سوريا يدعون للوحدة ضد أي عدوان أو عقوبات]] <br />
<br />
[[عودة أحد قادة الإخوان المسلمين وحماس إلى غزة]] <br />
<br />
[[الشاطر يتحدث عن فوز الإخوان بالانتخابات على|الشاطر يتحدث عن فوز الإخوان بالانتخابات على "الجزيرة"]] <br />
<br />
[[انسحاب أربعة مرشحين من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[الشاطر: ندعو الحكومة للنزاهة في المراحل المقبلة]] <br />
<br />
[[الغنوشي وإخوانه يضربون عن الطعامِ بسبب زيارة شالوم]] <br />
<br />
[[حبيب: التنسيق مع المعارضة قائم ولا يضره التنافس]] <br />
<br />
[[41 من مرشحي الإخوان يدخلون الإعادة]] <br />
<br />
[[اليوم.. أبو الفتوح يتحدث في (الجزيرة) عن الانتخابات]] <br />
<br />
[[الجارديان: الإخوان تيار سياسي يفرض نفسه في مصر]] <br />
<br />
[[الإخوان يحذرون من بلطجية يرتدون|الإخوان يحذرون من بلطجية يرتدون "الإسلام هو الحل"]] <br />
<br />
[[رويترز: الإخوان أصبحوا قوةً كبرى بالبرلمان المصري]] <br />
<br />
[[مظاهرة لطلاب الإخوان بالمنيا ردًّا على فصل 100 منهم]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: الاعتقالات هدفها الحد من فوز الإخوان]] <br />
<br />
[[الشاطر: الاعتقالات بديل النظام بعد فشل وسائل البلطجة]] <br />
<br />
[[الإسلامي العراقي يحمِّل الاحتلال مسئولية مقتل|الإسلامي العراقي يحمِّل الاحتلال مسئولية مقتل "العزي"]] <br />
<br />
[[مكتب الإرشاد يعزي إخوان العراق في الشهيد العزي]] <br />
<br />
[[قرارات جائرة بفصل 10 طلاب بتجارة طنطا]] <br />
<br />
[[مركز حقوقي يُطالب وزير العدل بإطلاق معتقلي الإخوان]] <br />
<br />
الشرنوبي: الاعتقالات رفعت شعبية الإخوان لدى الناخبين <br />
<br />
[[الشاطر يكذِّب الوثيقة المزعومة لمجلة المصور]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر صحفي للدكتور حبيب حول الاعتقالات]] <br />
<br />
[[اليوم: د. مرسي يتحدث عن الانتخابات في (الجزيرة)]] <br />
<br />
[[اليوم: العريان يتحدث عن الإخوان بالبرلمان على|اليوم: العريان يتحدث عن الإخوان بالبرلمان على "العالم"]] <br />
<br />
[[مرسي: نرفض التدخل الأمريكي في الانتخابات المصرية]] <br />
<br />
[[حبيب: الاعتقالات والبلطجية تزوير لإرادة الأمة]] <br />
<br />
[[لجنة سجناء الرأي تستنكر القبض على إخوان الإسكندرية]] <br />
<br />
[[قوات الأمن تعتقل 44 من إخوان محافظة الجيزة]] <br />
<br />
[[الليلة.. حبيب يتحدث عن الانتخابات في قناة (أوربت)]] <br />
<br />
[[الشاطر: النظام استخدم البلطجة خشية فوز الإخوان الكبير]] <br />
<br />
[[الإخوان يُطالبون بمحاكمةِ المتورطين في عمليات التعذيب]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يحتفلون بنوابهم الـ88 في البرلمان]] <br />
<br />
[[قرارات اعتقال لـ21 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[الكتاتني يؤكد استعداد نواب الإخوان للتعاون مع الجميع]] <br />
<br />
[[فصل 16 طالبًا بطنطا وكفر الشيخ للمشاركة بالاتحاد الحر]] <br />
<br />
[[اتفاق الإخوان والمعارضة بالبرلمان على الإصلاح]] <br />
<br />
[[وفاة د. حسن داود أحد إخوان المرج]] <br />
<br />
[[أوامر بحذف جهود الإخوان من كتب التاريخ المطورة]] <br />
<br />
[[العريان: التزوير وصل إلى 30% بالانتخابات التشريعية!]] <br />
<br />
[[إخوان سوريا يدينون اغتيال النائب اللبناني جبران تويني]] <br />
<br />
[[ندوة:|ندوة: "الإخوان بالبرلمان.. جماعة دينية أم قوة معارضة"]] <br />
<br />
[[تقرير يؤكد تفوق الإخوان ويطالب بحكومة ائتلافية]] <br />
<br />
[[العريان: الانتخابات أكدت رغبة الشعب في التغيير]] <br />
<br />
[[وفاة محمد كامل أبو العينين من الرعيل الأول للإخوان]] <br />
<br />
[[الكتاتني: نسعى لتعديل المادة 76 من الدستور]] <br />
<br />
[[الليلة.. د. مرسي يتحدث عن الانتخابات بقناة (العالم)]] <br />
<br />
[[حبس حسن الحيوان 15 يومًا على ذمة التحقيق]] <br />
<br />
[[مطالب حقوقية بالإفراج عن 85 من إخوان ليبيا]] <br />
<br />
[[تجديد حبس خمسة من إخوان الإسكندرية 15 يومًا]] <br />
<br />
[[مرسي: النظام المصري لا يريد أحزابًا قوية]] <br />
<br />
[[ندوة بسواسية عن الأقباط والصعود السياسي للإخوان]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح على|أبو الفتوح على "العربية" مقيِّمًا خطابَ الرئيس مبارك]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح: ليس في أجندتنا المشاركة في الحكومة]] <br />
<br />
[[حبيب وهويدي ينفيان الخلاف بين الإخوان والأقباط]] <br />
<br />
[[الذنيبات: فوز إخوان مصر محرك نجاح للإسلاميين]] <br />
<br />
[["العمل الإسلامي" يشيد بموقفِ نادي القضاة من الانتخابات]] <br />
<br />
[[مرسي: الحوار مع الحكومة الأمريكية غير وارد]] <br />
<br />
[[اقتصاديون يحمِّلون الكبت السياسي تردي المعيشة]] <br />
<br />
[[مكتب المرشد العام يؤكد التلاعب في نقل رسالته]] <br />
<br />
== اخبارالجماعة2009 ==<br />
<br />
[[رفض استئناف معتقلي البحيرة.. وبركات ينتظر تقرير المستشفى]] <br />
<br />
[[اعتقال نجل ضياء فرحات بالدقهلية]] <br />
<br />
[[د. عزت قبيل زيارة أوباما: الإخوان المسلمون ينظرون إلى الأفعال لا الأقوال]] <br />
<br />
[[د. حبيب: اللوبي الصهيوني يقف حائط صد أمام خطاب أوباما]] <br />
<br />
[[حبس 8 من إخوان الشرقية والبحيرة]] <br />
<br />
[[قاضي جنح دمنهور يرفض الإفراج عن فارس بركات!!]] <br />
<br />
[["الإخوان في كلمتين".. حملة شباب الجماعة بمنتداهم الجديد]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: خطاب أوباما تجميل لوجه أمريكا]] <br />
<br />
[[تشييع جنازة عميد إخوان سوهاج عبد الحليم سليمان]] <br />
<br />
[[العفو الدولية تدين تصعيد الحكومة المصرية ضد الإخوان]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 4 واستمرار احتجاز 3 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[حجز دعوى الإفراج الشرطي عن قيادات العسكرية للحكم بجلسة 7 يوليو]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 17 وإخلاء سبيل أحد إخوان الفيوم]] <br />
<br />
[[حملة أمنية ضد شركات الحاسب الآلي بدمنهور]] <br />
<br />
[[سيد معروف يشارك في الصلاة على والده]] <br />
<br />
[[باحث أمريكي: الإخوان أعادوا التوازن الديني إلى المجتمع المصري]] <br />
<br />
[[فارس بركات يُجري عملية جراحية.. وتقرير الطب الشرعي يتأخر]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 13 من قيادات الإخوان وإخلاء سبيل حُزين]] <br />
<br />
[[حقوقيون سويسريون يتضامنون مع فارس بركات]] <br />
<br />
[[تحويل قضية إخوان البحيرة إلى نيابة أمن الدولة العليا]] <br />
<br />
[[رحيل الداعية الكبير الدكتور فتحي يكن]] <br />
<br />
[[2 من معتقلي سجن المرج يُضربان عن الطعام]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يحتسبون الداعية الكبير فتحي يكن]] <br />
<br />
[[قرار باعتقال 7 من الشرقية.. وعرض مجموعة البحيرة غدًا]] <br />
<br />
[[لبنان يودع الداعية فتحي يكن بمشاركة رسمية وشعبية]] <br />
<br />
[[شكر آل الشاطر لمَن واساهم في وفاة والدتهم]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 25 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[الثلاثاء.. استئناف قرار حبس معتقلي البحيرة واعتداءات أثناء الترحيل]] <br />
<br />
[[حملة مداهمات واعتقالات ضد الإخوان المسلمين بالدقهلية]] <br />
<br />
[[12 يوليو.. الحكم في دعوى طعون العسكرية]] <br />
<br />
[[تأييد حبس 26 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[بلاغ إلى النائب العام ضد الاعتداء على معتقلي البحيرة]] <br />
<br />
[[اعتقال 10 من إخوان الدقهلية في حملة مداهمات جديدة]] <br />
<br />
[["العمل الإسلامي" يطالب بموقف عربي مناهض لأطروحات نتنياهو]] <br />
<br />
[[اعتقال 11 من إخوان المنوفية في حملة مداهمات فجر اليوم]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 5 من قيادات الإخوان العمالية]] <br />
<br />
[[د. مرسي: الدويك وإخوانه المجاهدون الوجه المشرف للأمة]] <br />
<br />
[[عرض 5 من معتقلي البحيرة على الطب الشرعي]] <br />
<br />
[[حبس 9 من إخوان المنوفية 15 يومًا]] <br />
<br />
[[اليوم.. غزلان يتلقى العزاء في والدته بمسجد عمر مكرم]] <br />
<br />
[[اعتقال د. محمود حسين و10 من الإخوان في قنا]] <br />
<br />
[[المركز العربي الأوروبي يدين الاعتداء الأمني على معتقلي البحيرة]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: الاعتقالات تخدم المشروع الصهيوأمريكي]] <br />
<br />
[[نيابة قنا تستكمل تحقيقاتها مع مجموعة الـ11]] <br />
<br />
[[حبس 11 من قيادات الإخوان 15 يومًا]] <br />
<br />
[[6 من قيادات الإخوان يعانون ظروفًا حرجة في سجن قنا]] <br />
<br />
[[عزاء م. الشاطر للدكتور غزلان في وفاة والدته]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال 4 من قيادات الإخوان واستمرار احتجاز حُزَين]] <br />
<br />
[[جماعة |جماعة "تعاون المسلمين" بنيجيريا تنظم ملتقى لنصرة فلسطين]] <br />
<br />
[[النيابة ترفض طلب نقل مرضى معتقلي الإخوان من سجن قنا]] <br />
<br />
[[وفاة المهندس أسامة عطية أحد قيادات الإخوان بالمنوفية]] <br />
<br />
[["الداخلية" تطعن على قرار الإفراج عن 8 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[فارس بركات يجري عملية جديدة في الكتف]] <br />
<br />
[[النيابة تخلي سبيل 10 من الإخوان وتجدد حبس 11 آخرين]] <br />
<br />
[[د. بشر يحتسب م. أسامة عطية أحد قيادات الإخوان بالمنوفية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 13 معتقلاً للإخوان وتظلم د. أمير بسام]] <br />
<br />
[[اعتقال 9 من إخوان الشرقية في حملة مداهمات جديدة]] <br />
<br />
[[احتجاز 9 من إخوان المنوفية رغم قرار المحكمة الإفراج]] <br />
<br />
[[حبس إخوان الشرقية المعتقلين 15 يومًا]] <br />
<br />
[[اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح و4 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[د. حبيب: الاعتقالات دليل على ارتباك النظام وفشله]] <br />
<br />
[[جنايات القاهرة تفرج عن 13 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[الأمن |الأمن "يُشمِّع" شركة البصائر ويستولي على مبالغ مالية]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: الاعتقالات قرابين للأمريكان والصهاينة]] <br />
<br />
[[اللجنة العربية لحقوق الإنسان تدين اعتقال قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[الأطباء العرب: اعتقال أبو الفتوح وعبد السلام يسيء إلى الأمة]] <br />
<br />
[[اليوم.. بدء التحقيق مع د. أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[وقفة تضامنية أمام الصحفيين مع أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[المستشار فؤاد راشد: لا يجوز المحاكمة في تهمة انعدمت بالبراءة]] <br />
<br />
[[الطب الشرعي: إصابات فارس بركات نتيجة سقوطه من ارتفاع]] <br />
<br />
[[تواصل التضامن الحقوقي مع د. أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[فارس بركات يجري عملية جراحية جديدة في قدمه]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل د. فتحي لاشين لظروفه الصحية]] <br />
<br />
[[الجنايات تؤيد الإفراج عن 6 من قيادات الإخوان في المحافظات]] <br />
<br />
[[نقيب الأطباء: اعتقال أبو الفتوح وعبد السلام إساءة لمصر]] <br />
<br />
[[المؤتمر القومي العربي ينتقد اعتقال أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[(التايمز): اعتقال الإخوان جزء من مخطط إسكات المعارضة]] <br />
<br />
[[حبس أبو الفتوح و5 من قيادات الإخوان 15 يومًا]] <br />
<br />
[[كفاية تدين اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يبدءون اتصالات للوساطة في الصومال]] <br />
<br />
[[الـ|الـ"فيس بوك" يتضامن مع د. عبد المنعم أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الحسيني: الإخوان لا يهددون والجماعة عندما تتخذ قرارًا تعلنه]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لقيادات الإخوان الـ13 بعد الإفراج عنهم!]] <br />
<br />
[[تأييد حبس 11 من معتقلي الإخوان بقنا]] <br />
<br />
[[ضم 3 من قيادات الإخوان المفرج عنهم لمجموعة أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[15 يومًا لـ3 من قيادات الإخوان ضمن مجموعة أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 9 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[الشرفاء خلف القضبان.. حصاد اعتقالات الإخوان!!]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. محمود حسين و10 من الإخوان 15 يومًا]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح وقبول استئناف 12 من إخوان الفيوم]] <br />
<br />
[[منع د. عبد الحميد الغزالي من السفر للمرة الـ14]] <br />
<br />
[[احتجاز د. أشرف عبد الغفار بالمطار قبل سفره إلى تركيا]] <br />
<br />
[[تأييد قرار الإفراج عن أحد قيادات الإخوان بالمنوفية]] <br />
<br />
[[حبس د. أشرف عبد الغفار وضمه لقضية د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[عمرو موسى وعد بالتدخل للإفراج عن د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[لجنة الدفاع عن سجناء الرأي تُدين اعتقال أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[["الكرامة" يدين الاعتقالات ويطالب بالإفراج عن أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[جنايات الزقازيق ترفض الإفراج عن 9 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: الانسحاب الأمريكي من مدن العراق خديعة]] <br />
<br />
[[وفاة الحاج خضر الوكيل أحد الرعيل الأول بالبحيرة]] <br />
<br />
[[الحكم في دعوى الإفراج الشرطي لرهائن العسكرية 12 يوليو]] <br />
<br />
[[إخوان دمنهور يشيِّعون جثمان الحاج خضر الوكيل]] <br />
<br />
[[احتجاز أمني لـ6 من إخوان الفيوم المفرج عنهم!!]] <br />
<br />
[[تأجيل طعن د. بديع على منع سفره وقضية مجرمي الداخلية]] <br />
<br />
[[فتاة الأزهر تهدي تفوقها إلى والدها ومعتقلي العسكرية]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ 3 من إخوان الفيوم بعد الإفراج عنهم!!]] <br />
<br />
[["استئناف الإسكندرية" تؤيد حبس 7 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أبو الفتوح و4 آخرين 15 يومًا]] <br />
<br />
[[الأمن يداهم منزل أحد الإخوان بالعريش ويحتجز والده]] <br />
<br />
[["الجنايات" تؤيد الإفراج عن أحد قيادات الإخوان بالجيزة]] <br />
<br />
[[نقابة الأطباء: استمرار اعتقال أبو الفتوح يهدد سمعة مصر]] <br />
<br />
[[تفوق فتاة الأزهر يفتح سجالاً شعريًّا خلف قضبان العسكرية]] <br />
<br />
[[د. أسامة نصر وإخوانه يوجهون رسالةً من خلف القضبان]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان: حياة د. أبو الفتوح مسئولية النيابة]] <br />
<br />
[[د. أبو الفتوح يرفض نقله إلى مستشفى سجن طرة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 9 من إخوان الشرقية 15]] <br />
<br />
[[قيادي بالحزب الوطني: اعتقالات الإخوان تصفية حسابات]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 4 ضمن مجموعة د. أبو الفتوح 15 يومًا]] <br />
<br />
[[زوار (إخوان أون لاين): الاعتقالات تكريس للإرهاب الحكومي]] <br />
<br />
[[بلاغان للنائب العام للإفراج عن أبو الفتوح ومعتقلي الرأي]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 5 من إخوان الفيوم 15 يومًا]] <br />
<br />
[[أبو سعدة: اعتقالات الإخوان مقدمة لتطبيق قانون الإرهاب]] <br />
<br />
[[الكويت.. |الكويت.. "حدس" تختار قيادتها الجديدة أول أغسطس]] <br />
<br />
[[القضاء الإداري يقرر الإفراج عن 13 من رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[["سواسية": حكم الإفراج عن رهائن العسكرية إقرار للعدالة]] <br />
<br />
[[د. حبيب يرحب بقرار القضاء الإفراج عن رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[[د. البنا: قرار الإفراج عن رهائن العسكرية واجب النفاذ]] <br />
<br />
[[محكمة الجنايات تخلي سبيل 7 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[حيثيات الحكم بالإفراج عن رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[[نجاد البرعي: اعتقال الإخوان إجرام حكومي]] <br />
<br />
[[وفد طبي رفيع المستوى يزور د. أبو الفتوح بمحبسه]] <br />
<br />
[[إجراءات قانونية جديدة لنقل د. أبو الفتوح للمستشفى]] <br />
<br />
[[نقل د. أبو الفتوح إلى مستشفى قصر العيني الجديد]] <br />
<br />
[[معتقلو الإخوان بسجن المرج يهددون بالإضراب عن الطعام]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 5 من قيادات الإخوان بالمحافظات 15 يومًا]] <br />
<br />
[[إفطاران لإخوان كفر الدوار وإيتاي البارود بالبحيرة]] <br />
<br />
[[حكم وجوبي بالإفراج عن د. أسامة نصر وإخوانه]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 34 من إخوان السويس والشرقية 15 يومًا]] <br />
<br />
[["جنايات الإسكندرية" تُخلي سبيل 2 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[["أطباء بلا حقوق" يطالب بالإفراج الفوري عن أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الأمين العام للإخوان: لن نترك الشعب لليأس أو الانفجار]] <br />
<br />
[[اعتقال أحمد عباس وضمه إلى مجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام للإفراج الصحي عن 6 من الإخوان]] <br />
<br />
[[منع أصدقاء وأقارب د. أبو الفتوح من زيارته]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت يرد على صحيفة |د. محمود عزت يرد على صحيفة "الشروق"]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يحتسبون د. غازي والجنازة غدًا]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يدينون |إخوان الأردن يدينون "عبرنة" أسماء مدن الـ48]] <br />
<br />
[["الإصلاح والتنمية" يدعو إلى حوار مع الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 17 من إخوان البحيرة 15 يومًا]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أشرف عبد الغفار 15 يومًا]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يدعون الدول العربية إلى عدم استقبال عباس]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. محمود حسين و10 من الإخوان]] <br />
<br />
[[محامي الإخوان: التحريات عن |محامي الإخوان: التحريات عن "التنظيم الدولي" خيال أمني]] <br />
<br />
[[جنح الإسماعيلية تخلي سبيل 4 من الإخوان بكفالة 2000 جنيه]] <br />
<br />
[[غموض مصير د. مصطفى دياب بعد إخلاء سبيله]] <br />
<br />
[["إخوان الفيوم" ينظمون إفطارهم على سطح منزل "عوض الله"]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان القليوبية: |إفطار إخوان القليوبية: "النظام" مشغول ببيع الوطن]] <br />
<br />
[[قاهرو القراصنة على مائدة إفطار إخوان دمياط]] <br />
<br />
[[اعتقال أحد إخوان الشرقية بتهمة إعداد مسابقة لرمضان!]] <br />
<br />
[[إفطارات الإخوان في المحافظات.. ملف مصور]] <br />
<br />
[[القوى الوطنية بكفر الشيخ على مائدة الإخوان]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أشرف عبد الغفار]] <br />
<br />
[[استمرار حبس إخواني 15 يومًا وإخلاء سبيل آخر]] <br />
<br />
[[حملة أمنية شرسة على معارض الإسكندرية الخيرية]] <br />
<br />
[[تلاحُم وطني في حفل إفطار إخوان بورسعيد]] <br />
<br />
[[قرارات الداخلية بالاعتقال تتحدى النيابة العامة بالبحيرة]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 2 من إخوان مجموعة أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الإخوان في أغسطس.. اعتقال 113 والإفراج عن 23]] <br />
<br />
[[إفطارات للإخوان بالمحلة وإدكو وأسوان]] <br />
<br />
[[د. حبيب ينفي ما نشرته |د. حبيب ينفي ما نشرته "الشروق" حول إنشاء جمعية]] <br />
<br />
[[ترحيل د. أسامة نصر وإخوانه إلى أمن الدولة]] <br />
<br />
[[اعتقال مأذون بتهمة إعداد مسابقة رمضان بالشرقية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 8 من قيادات الإخوان بالقاهرة والجيزة]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لعادل عفيفي ضمن مجموعة |قرار اعتقال لعادل عفيفي ضمن مجموعة "أبو الفتوح"]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح قيادي بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[مخاطبة الأمم المتحدة لمنع التعرض لمعتقلي الإخوان بالتعذيب]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 16 من إخوان الشرقية 15 يومًا]] <br />
<br />
[[نظر استشكالات الحكومة في الإفراج عن رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[[خطأ يؤجل الإفراج عن الكاتب الإسلامي وليد شلبي]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 3 من إخوان الفيوم]] <br />
<br />
[[رموز العمل السياسي والوطني على مائدة إفطار الإخوان]] <br />
<br />
[[اعتقال 2 من إخوان العريش بعد صلاة التراويح!]] <br />
<br />
[[استمرار احتجاز د. أسامة نصر وإخوانه رغم قرار الإفراج]] <br />
<br />
[[القبض على مواطن بتهمة نقل أثاث بأسوان!!]] <br />
<br />
[[إفطار إخوان |إفطار إخوان "بني سويف" يجمع رموز العمل الوطني]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لأحد إخوان الشرقية واستئناف حبس 16]] <br />
<br />
[[شكوى لمفتش الداخلية بسبب معتقل بأسوان!]] <br />
<br />
[[د. مرسي في إفطاره السنوي: الإصلاح يبدأ من الفرد]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 3 من مديري مكاتب نواب الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان رشيد يقيمون إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[مطالبة النائب العام بالتحقيق في تعذيب 2 من إخوان العريش]] <br />
<br />
[[لليوم الخامس.. إصرار أمني على احتجاز مجموعة أسامة نصر]] <br />
<br />
[[تأجيل استشكال الحكومة ضد الإفراج عن بشر وسالم]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح أسواني والإفراج وحبس 11 بالبحيرة ودمياط]] <br />
<br />
[[ألوان الطيف السياسي في إفطار إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[تأييد حكم الإفراج عن الكاتب الإسلامي وليد شلبي]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال ثان لمجموعة د. أسامة نصر!!]] <br />
<br />
[[د. عزت: النظام يرجع بنا إلى عهود الهزائم والنكسات]] <br />
<br />
[[تأييد حبس 16 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 من قيادات الإخوان بالفيوم]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: عدم احترام القانون يفقد النظام مشروعيته]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 4 من إخوان الإسماعيلية]] <br />
<br />
[[تأجيل استشكالات الإفراج عن 6 من رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أبو الفتوح و5 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[شكوى دولية في تعذيب 2 من إخوان العريش]] <br />
<br />
[[علماء مصر ودعاتها على مائدة إفطار المرشد العام]] <br />
<br />
[[الإفراج عن آخر معتقلي الإخوان بدمياط]] <br />
<br />
[[قضايا الأمة وهمومها على مائدة إفطار إخوان الإسكندرية]] <br />
<br />
[[رفض ترقية مدير إدارة بتموين أطفيح لانتمائه للإخوان!!]] <br />
<br />
[[آلاف الإخوان يشيعون جنازة الحاج فرج النجار]] <br />
<br />
[[شعب المنوفية يشارك الإخوان في عزاء فرج النجار]] <br />
<br />
[[اعتقال 6 من إخوان المنوفية من |اعتقال 6 من إخوان المنوفية من "المساجد"!!]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية ينظمون إفطارًا لأسر المعتقلين]] <br />
<br />
[[حبس 6 من إخوان المنوفية 15 يومًا]] <br />
<br />
[[تهنئة العيد تعتقل 7 من إخوان الإسكندرية!!]] <br />
<br />
[["مهندسو الإخوان" يتقدمون بمبادرة لإنهاء أزمة نقابتهم]] <br />
<br />
[[د. نصر وإخوانه يطعنون على قرار اعتقالهم]] <br />
<br />
[[حبس 7 من الإسكندرية وترحيل 9 من المنوفية والشرقية إلى النطرون]] <br />
<br />
[[جنازة والدة الحداد.. غاب عنها الأبناء وشيَّعها الإخوان]] <br />
<br />
[[ترحيب واسع بمبادرة مهندسي الإخوان لإنهاء أزمة النقابة]] <br />
<br />
[[حقوقيون عرب وأوربيون يتضامنون مع د. أبو الفتوح وإخوانه]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ2 من إخوان العريش]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 6 من قيادات الإخوان 15 يومًا]] <br />
<br />
[[د. مرسي: زيارة نتنياهو مرفوضة.. والمقاومة هي الحل]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام ضد احتجاز د. نصر وإخوانه]] <br />
<br />
[[نقابة أطباء العراق تدين استمرار احتجاز د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الأمن يمنع الحدادَين من حضور عزاء والدتهما]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 33 وإخلاء سبيل 10 من إخوان السويس والبحيرة]] <br />
<br />
[[15 يومًا لنزيلي وعبد الغفار و7 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[د. حبيب ينفي ما نشرته |د. حبيب ينفي ما نشرته "المصريون" حول اختيار الرئيس]] <br />
<br />
[[وزير النقل الأسبق يرحب بمبادرة مهندسي الإخوان]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 8 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[الإفراج عن 2 من إخوان البحيرة وتجديد حبس آخر]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 2 بقنا وتجديد حبس 16 بالشرقية]] <br />
<br />
[[د. محمد حبيب يهنئ الأمتين العربية والإسلامية بعيد الفطر]] <br />
<br />
[[محكمة شبين الكوم تؤيد إخلاء سبيل 8 من المنوفية]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 7 وإطلاق سراح 2 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[إخوان كفر الشيخ يوزعون جوائز القرآن على أضواء الشموع]] <br />
<br />
[[231 من قيادات وأعضاء الإخوان عيدهم خلف الأسوار]] <br />
<br />
[[إخوان كفر الشيخ يواصلون تكريم حفظة القرآن]] <br />
<br />
[[د. حبيب يشارك إخوان القوصية إفطارهم السنوي]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: تصريحات ليبرمان ضعف وحقد وتزوير]] <br />
<br />
[[تهاني قيادات الإخوان بعيد الفطر المبارك]] <br />
<br />
[[اعتقال 14 من إخوان أبو كبير من داخل المسجد!!]] <br />
<br />
[[منتدى |منتدى "ساحتنا" يكرِّم شباب الإخوان الناجحين]] <br />
<br />
[[اعتقال 5 من إخوان الشرقية أثناء صلاة العيد]] <br />
<br />
[[إدانة اعتقالات الإخوان في تقرير |إدانة اعتقالات الإخوان في تقرير "الكرامة" للأمم المتحدة]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله الأستاذ محمد هلال]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 10 وإخلاء سبيل 6 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[د. حبيب: الأستاذ هلال رمز لدعوة الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[معتقل يروي تفاصيل تعذيبه على يد الداخلية]] <br />
<br />
[[قيادات الإخوان في وداع الأستاذ محمد هلال]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أبو الفتوح و6 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[تظلمات ضد قرار اعتقال 16 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ3 من الشرقية وغموض مصير 2 آخرين]] <br />
<br />
[["الجنايات" ترفض الإفراج عن 4 من إخوان بني سويف]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 4 من إخوان الإسماعيلية واستمرار احتجاز 2]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ8 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون بوقف القتال في اليمن]] <br />
<br />
[[تأجيل قضايا لأبو الفتوح وبديع والعريان للشهرين المقبلين]] <br />
<br />
[[اعتقال سويدان و11 من قيادات الإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[المرشد العام ينعى منير غلاب أحد الرعيل الأول للإخوان]] <br />
<br />
[["جنايات القاهرة" تؤيد الإفراج عن 7 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[بلاغ لترحيل 8 من إخوان المنوفية إلى مكان آمن]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 واستمرار احتجاز 4 من إخوان الإسكندرية]] <br />
<br />
[[تظلمات على قرار اعتقال 5 بالسويس وكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[اليوم.. النظر في الإفراج الصحي عن أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون: أنظمتنا متواطئة في اقتحام الأقصى]] <br />
<br />
[[شكوى بالأمم المتحدة عن تعذيب أحد إخوان العريش]] <br />
<br />
[[تأجيل طعن الإفراج الصحي عن أبو الفتوح لجلسة 8 ديسمبر]] <br />
<br />
[[اعتقال أحد قيادات الإخوان بالمنوفية وترحيل 8 آخرين]] <br />
<br />
[[حبس سويدان و11 من إخوان البحيرة 15 يومًا]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. عبد الغفار و5 من الإخوان 15 يومًا]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ2 من الإخوان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[رفع اسم يوسف ندا من قوائم |رفع اسم يوسف ندا من قوائم "الإرهاب"]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 3 بالبحيرة وغموض موقف 7]] <br />
<br />
[[د. حبيب: الصهاينة والأمريكان وراء الاعتقالات الأخيرة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس نزيلي و7 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 33 من إخوان السويس 15 يومًا]] <br />
<br />
[[تظلم على قرار اعتقال د. محمود حسين وإخوانه]] <br />
<br />
[[إدانة دولية لاعتقال قيادات الإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 16 وتظلم ضد اعتقال 12 بالشرقية]] <br />
<br />
[[حبس الغرباوي 15 يومًا واحتجاز 10 بأمن الدولة بالبحيرة]] <br />
<br />
[[حبس 84 وقرار اعتقال لـ26 من الإخوان خلال سبتمبر]] <br />
<br />
[["تعاون المسلمين" النيجيرية تعلن غدًا يومًا من أجل الأقصى]] <br />
<br />
[[مؤسسة حقوقية: اعتقالات الإخوان تنسف حرية الرأي]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 9 من إخوان البحيرة واحتجاز 3 آخرين]] <br />
<br />
[[اعتقال 15 من إخوان الشرقية بينهم نائب سابق]] <br />
<br />
[[النيابة تخشى إفراج القضاء عن معتقلي السويس]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يقودون انتفاضة نصرةً للأقصى]] <br />
<br />
[[حبس 15 من قيادات الإخوان بالشرقية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[ندوة: اعتقال الأطباء الإخوان تدمير لثروة مصر العلمية]] <br />
<br />
[[مستأنف دمنهور تخلي سبيل سويدان و12 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[تأجيل نظر استئناف 15 من قيادات الإخوان بالشرقية]] <br />
<br />
[[مرسي: الإخوان يدينون تأجيل تقرير جولدستون ويحذرون من مكر الصهاينة]] <br />
<br />
[[اعتقال 8 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[قرار ثان بإخلاء سبيل سويدان و12 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[حبس 8 من إخوان المنوفية وآخر بقنا]] <br />
<br />
[[الإخوان يطالبون كل فئات الأمة بانتفاضة من أجل الأقصى]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 5 وإخلاء سبيل 3 بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[قرار بالإفراج عن 7 من إخوان الشرقية و3 بالمحافظات]] <br />
<br />
[[رفض الإفراج عن 32 من إخوان السويس]] <br />
<br />
[[ترحيل سويدان وإخوانه إلى أمن الدولة بدمنهور]] <br />
<br />
[[بلاغ للإفراج عن 15 من قيادات الإخوان بالشرقية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح أحد قيادات الإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لسويدان و11 من قيادات الإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[اعتقال 20 من إخوان الشرقية بسبب |اعتقال 20 من إخوان الشرقية بسبب "نصرة الأقصى"]] <br />
<br />
[[اعتقال 3 من إخوان السويس تضامنوا مع الأقصى!!]] <br />
<br />
[[اعتقال 5 متضامنين مع الأقصى في البحيرة]] <br />
<br />
[[أساتذة الجامعات يطالبون بالإفراج عن د. حشمت]] <br />
<br />
[[ممثلان للمرشد في مؤتمر الجبهة ضد التوريث]] <br />
<br />
[[حبس 13 من إخوان الشرقية والسويس والغربية]] <br />
<br />
[[مطالبة حقوقية بالإفراج عن د. حشمت وإخوانه]] <br />
<br />
[[إخوان أسوان ينعون فقيد إهمال الداخلية]] <br />
<br />
[[حبس 4 بالبحيرة بتهمة مناصرة الأقصى!!]] <br />
<br />
[[حبس 16 بالشرقية والفيوم والسبب مناصرة القدس!!]] <br />
<br />
[[إعادة تشغيل موقع الإخوان في دمياط]] <br />
<br />
[[إفراج صحي عن د. محمود حسين عضو مكتب الإرشاد]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 من مجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[اليوم.. نظر استئناف أسامة سليمان وإخوانه]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 5 من قيادات الإخوان بالصعيد]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام للإفراج عن 15 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[["الشريعة" بدمياط تخوض انتخابات المحامين على مقعد النقيب]] <br />
<br />
[[تشييع جنازة شهيد غياب الأمن بأسوان]] <br />
<br />
[[ترشيح النائب صبحي صالح نقيبًا لمحامي الإسكندرية]] <br />
<br />
[[7 مرشحين للجنة الشريعة بانتخابات محامي القليوبية]] <br />
<br />
[[تأييد حبس 4 من إخوان البحيرة لمناصرة القدس!!]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح د. محمود حسين ود. محمد كمال بأسيوط]] <br />
<br />
[[القضاء يخلي سبيل 7 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[للمرة السابعة.. تجديد حبس د. أشرف عبد الغفار!!]] <br />
<br />
[[حضور متميز لمرشحي |حضور متميز لمرشحي "الشريعة" في "فرعيات" المحامين]] <br />
<br />
[[اعتقال 21 من قيادات ورموز الإخوان بالشرقية!!]] <br />
<br />
[[لجنة الشريعة: بابنا مفتوح لأي مرشح يريد استقلال النقابة]] <br />
<br />
[[الأمن يختطف مدير مكتب نائب الإخوان بطلخا!]] <br />
<br />
[[لجنة الشريعة بالدقهلية تتقدم بمرشح على منصب النقيب]] <br />
<br />
[[27 أكتوبر.. نظر طعن الإخوان للإفراج عن رهائن العسكرية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس سيد نزيلي وإخوانه 15 يومًا]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون يطالبون بالتحقيق في وفاة أبو زهري]] <br />
<br />
[[اعتقال 11 من إخوان البحيرة والإسماعيلية والقليوبية]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ4 وإطلاق سراح 12 بالشرقية]] <br />
<br />
[[حبس 33 من إخوان السويس 45 يومًا!!]] <br />
<br />
[[15 يومًا لـ4 من إخوان البحيرة بتهمة التضامن مع الأقصى]] <br />
<br />
[[8 مرشحين للشريعة بانتخابات محامي كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[السبت.. مؤتمر صحفي لتاج الدين بدار القضاء]] <br />
<br />
[[حبس 21 من إخوان الشرقية 15 يومًا]] <br />
<br />
[[6 مرشحين للشريعة بانتخابات محامي بني سويف]] <br />
<br />
[[ارتفاع عدد معتقلي الإخوان بالدقهلية إلى 19!!]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 8 من قيادات الإخوان بالشرقية]] <br />
<br />
[["الشريعة" ترشح فوزي نصر نقيبًا لمحامي الدقهلية]] <br />
<br />
[[تاج الدين: برنامجنا خدمي للارتقاء بفرعيات المحامين]] <br />
<br />
[[رموز القانون يشاركون في الدفاع عن د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ11 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[["الشريعة" تعلن أسماء مرشحيها في انتخابات بني سويف]] <br />
<br />
[["الجنايات" ترفض الإفراج عن د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[أبو الفتوح لمحكمة الجنايات: مصر أهم من حريتي]] <br />
<br />
[[التفاصيل الكاملة لجلسة استئناف د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[د. علي الغتيت: استمرار حبس د. أبو الفتوح |د. علي الغتيت: استمرار حبس د. أبو الفتوح "غير مفهوم"]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. اعتقال 8 وحبس 16 وإخلاء سبيل 2!]] <br />
<br />
[[الشرقية.. تأييد الإفراج عن 4 واستمرار حبس 4 آخرين!]] <br />
<br />
[["إخوان وإسلاميو الكويت" يتصدون للتطبيع برلمانيًّا]] <br />
<br />
[[تصريح للنائب الأول حول شائعة استقالة المرشد العام]] <br />
<br />
[[حبس أحد قيادات الإخوان بالدقهلية]] <br />
<br />
[[بيان من الإخوان حول شائعة استقالة المرشد العام]] <br />
<br />
[[حكم قضائي رابع بالإفراج عن د. أسامة نصر وإخوانه]] <br />
<br />
[[اعتقال وحبس 2 بالسويس وتأييد الإفراج عن آخر بالبحيرة]] <br />
<br />
[[مؤتمر بالجامعة العربية: فكر الإخوان منفتح على الجميع]] <br />
<br />
[[أحكام قضائية بالإفراج عن 5 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[مكتب الإرشاد ينفي شائعة استقالة المرشد العام]] <br />
<br />
[[جنايات الزقازيق تؤيد الإفراج عن 14 من الإخوان]] <br />
<br />
[[الإفراج عن مديرَي مكتبَي عبد الباقي وقطب]] <br />
<br />
[[أهالي معتقلي السويس يشكون من تعنت الداخلية]] <br />
<br />
[["شباب الإخوان": جماعتنا عصية على الإشاعات]] <br />
<br />
[[7 مرشحين للشريعة على |7 مرشحين للشريعة على "النقيب" بانتخابات المحامين الفرعية]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل قيادي سبق اعتقاله مع د. محمود حسين]] <br />
<br />
[[حبس 8 من إخوان الدقهلية وشكوى من سوء المعاملة]] <br />
<br />
[[الإفراج عن 6 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[أمر اعتقال لـ24 بالدقهلية قبل انقضاء حبس النيابة]] <br />
<br />
[[الشرقية.. قرار اعتقال لـ6 وتأييد الإفراج عن مثلهم]] <br />
<br />
[[حملة اعتقالات جديدة على إخوان الدقهلية!]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 9 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 3 من إخوان السويس المناصرين للأقصى]] <br />
<br />
[[حبس 9 ورفض استئناف 3 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان السودان ينعون المجاهد حسن بشير عبد الماجد]] <br />
<br />
[[4 مرشحين لـ|4 مرشحين لـ"الشريعة" في انتخابات المحامين بالمنيا]] <br />
<br />
[[اعتقالات جديدة في صفوف إخوان الدقهلية!]] <br />
<br />
[[قرار بالإفراج عن قيادي بمجموعة د. أسامة نصر]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أبو الفتوح وآخرين وإخلاء سبيل معتقل]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 9 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[ترحيل 9 من إخوان المنوفية بعد قرار بالإفراج]] <br />
<br />
[[حبس 5 من إخوان الدقهلية وإخلاء سبيل آخر]] <br />
<br />
[[ترحيل 5 من معتقلي الدقهلية إلى سجن المرج]] <br />
<br />
[[إدانة حقوقية لاعتقالات إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ9 من إخوان المنوفية]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل 5 من معتقلي مناصرة الأقصى بالشرقية]] <br />
<br />
[[اليوم .. المرشد العام يشارك في مؤتمر |اليوم .. المرشد العام يشارك في مؤتمر "نصرة الأقصى"]] <br />
<br />
[[اليوم.. نظر استشكال رهائن العسكرية و20 قضية رأي عام]] <br />
<br />
[[تأجيل استشكالات الإفراج عن إخوان العسكرية إلى 12 يناير]] <br />
<br />
[["النقض العسكرية" تؤجل طعن الشاطر وإخوانه إلى 3 نوفمبر]] <br />
<br />
[[كلاكيت 8 مرة.. تجديد حبس د. أشرف عبد الغفار!!]] <br />
<br />
[[نجاة معتقل بسجن المرج من الموت بأعجوبة]] <br />
<br />
[[ارتفاع عدد معتقلي الإخوان بالدقهلية إلى 53]] <br />
<br />
[[الإفراج عن 3 وتجديد حبس 4 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[حبس 6 بالدقهلية وقرار اعتقال لأحد إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[الجنايات تؤيد قرار إخلاء سبيل 3 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[لجنة الشريعة: |لجنة الشريعة: "أحمد عز" يريد صناعة بطولات زائفة]] <br />
<br />
[["أطباء الدقهلية" تطالب بالإفراج عن أعضائها المعتقلين]] <br />
<br />
[[أكتوبر.. الاعتقالات ضد الإخوان متواصلة!!]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ3 بالدقهلية ورفض استئناف 3 بالسويس]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 6 من قيادات الإخوان بالصعيد]] <br />
<br />
[[الإسكندرية.. رفض الطعون الكيدية ضد محامي |الإسكندرية.. رفض الطعون الكيدية ضد محامي "الشريعة"]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 3 وتجديد حبس 5 بالدقهلية]] <br />
<br />
[[المحكمة تؤيد قرار الإفراج عن د. وهدان]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل نزيلي و2 آخرَين وتجديد حبس 5]] <br />
<br />
[[وقفة صامتة للمطالبة بالإفراج عن الأطباء المعتقلين]] <br />
<br />
[[لجنة الشريعة بدمياط تطعن على استبعاد مرشحها]] <br />
<br />
[[وقف بناء مسجد بالمنوفية بسبب |وقف بناء مسجد بالمنوفية بسبب "أحمد عز"!!]] <br />
<br />
[["الكرامة" تطالب بتحقيق دولي في اعتقالات الإخوان]] <br />
<br />
[[10 من معتقلي قيادات الإخوان في طريقهم للإفراج]] <br />
<br />
[[اليوم.. نظر طعن الشاطر وإخوانه]] <br />
<br />
[[5 نوفمبر.. جلسة ثالثة لطعن الشاطر وإخوانه]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح |إطلاق سراح "نزيلي" والشيخ حمدي إبراهيم واحتجاز ثالث]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 3 من إخوان السويس بتهمة مناصرة الأقصى!!]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن ينتقدون استضافة المملكة لدحلان]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح د. وهدان وأحد إخوان السويس]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 2 من إخوان أسوان]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 5 من إخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 4 من معتقلي مناصرة الأقصى بالبحيرة]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 4 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[احتجاز أحد إخوان المنوفية بمركز شبين]] <br />
<br />
[[17 نوفمبر.. |17 نوفمبر.. "النقض العسكرية" تفصل في طعن الشاطر وإخوانه]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 5 من قيادات الإخوان بالصعيد]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 وتجديد حبس 15 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[مظاهرة حب في استقبال د. وهدان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[["الجنايات" تؤيد الإفراج عن 4 من إخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. أبو الفتوح و3 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل أحد إخوان العريش وإطلاق سراح 2 بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[محسن راضي: صحفيو الإخوان ضد محاولات اختطاف النقابة]] <br />
<br />
[[بدء التصويت على |بدء التصويت على "التقديرية البديلة" بمنتدى "شباب الإخوان"]] <br />
<br />
[[استمرار احتجاز كارم رضوان وتجديد حبس 8 بالدقهلية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 2 من معتقلي مناصرة |إطلاق سراح 2 من معتقلي مناصرة "الأقصى"]] <br />
<br />
[[استئناف حبس 17 بالسويس واعتقال 2 بالبحيرة]] <br />
<br />
[[محسن راضي: صحفيو الإخوان يدعمون ضياء رشوان نقيبًا]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 15 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[["الشريعة" تطالب بضمانات نزاهة انتخابات المحامين الفرعية]] <br />
<br />
[[استئناف حبس 16 من إخوان السويس]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل د. عبد السلام واعتقال لرضوان]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 2 بأسوان وثالث بقنا]] <br />
<br />
[[الأمن يمنع إدخال الطعام إلى معتقلي إخوان السويس]] <br />
<br />
[[تجديد حبس د. عبد الغفار وقيادي بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[تأييد إخلاء سبيل 15 من معتقلي الدقهلية]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن قيادي بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 3 وإخلاء سبيل 2 من إخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح د. جمال عبد السلام]] <br />
<br />
[[د. زغلول النجار: البنا والإخوان نموذج إسلامي راقٍ]] <br />
<br />
[[اعتقال 4 مواطنين بأسوان |اعتقال 4 مواطنين بأسوان "لصلتهم بالإخوان"!!]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال جديد لـ|قرار اعتقال جديد لـ"د. مصطفى دياب" وترحيله لوادي النطرون]] <br />
<br />
[[للمرة الخامسة.. الإفراج عن د. أسامة نصر وإخوانه]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 4 بالقاهرة وإخلاء سبيل آخر بالجيزة]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح قيادي تاسع بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[تجديد حبس 13 من قيادات إخوان الشرقية 45 يومًا]] <br />
<br />
[[ترحيل د. أسامة نصر وإخوانه إلى مقار أمن الدولة بالمحافظات]] <br />
<br />
[[قرار اعتقال لـ8 وإطلاق سراح 8 آخرين بالدقهلية]] <br />
<br />
[تأييد الإفراج عن 8 وتجديد حبس 4 بالدقهلية] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 6 واحتجاز 2 بالدقهلية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح د. أسامة نصر و7 من قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح د. عبد المنعم أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[د. أبو الفتوح يحضر مناقشة دكتوراه للأستاذ فريد عبد الخالق]] <br />
<br />
[[اعتقال اثنين بالشرقية وإطلاق سراح قيادي بالجيزة]] <br />
<br />
[["النقض العسكرية" ترفض طعون الشاطر]] <br />
<br />
[[عبد المقصود: |عبد المقصود: "العسكرية" تنفذ إملاءات نظام إقصائي]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 6 وإخلاء سبيل 6 آخرين بالدقهلية]] <br />
<br />
[["سواسية": "العسكرية" تحرم الوطن من كفاءات أبنائه]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 3 قيادات بالقاهرة واستمرار حبس آخر]] <br />
<br />
[[القضاء يواصل نظر طعن د. أسامة نصر وإخوانه]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح قيادي بمجموعة د. أسامة نصر]] <br />
<br />
[[قلق بين محامي دمياط من تعطيل الانتخابات الفرعية]] <br />
<br />
[[الدكتوراه بامتياز و|الدكتوراه بامتياز و"جينيس" لـ"فريد عبد الخالق"]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن قيادي بمجموعة د. أسامة نصر]] <br />
<br />
[[قرار بإخلاء سبيل 3 قيادات بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[جولات مكثفة لمحامي |جولات مكثفة لمحامي "لجنة الشريعة" بالقاهرة]] <br />
<br />
[[تأييد الإفراج عن 4 وإطلاق سراح 2 بالدقهلية]] <br />
<br />
[[خبراء السياسة: الإخوان نموذج للإسلام المعتدل]] <br />
<br />
[[مداهمة مكتبة بالشرقية واعتقال صاحبها]] <br />
<br />
[[الشرقية.. الإفراج عن 9 وقرار اعتقال بحق 5 آخرين]] <br />
<br />
[[تصعيد حقوقي لدى |تصعيد حقوقي لدى "الأمم المتحدة" لرفض طعون العسكرية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح 4 وتأييد الإفراج عن 2 بالدقهلية]] <br />
<br />
[[إطلاق سراح قياديَين بمجموعة د. أبو الفتوح]] <br />
<br />
[[الأمن يطلق سراح د. أشرف عبد الغفار]] <br />
<br />
[["أحمد علي بشر".. ماجستير رغم العسكرية!!]] <br />
<br />
[[إسدال الستار على القضية 404 بخروج م. شعلان]] <br />
<br />
[[مصر.. بداية حملة جديدة لمواجهة جشع الجزارين]] <br />
<br />
[[الأردن تنتفض لنصرة |الأردن تنتفض لنصرة "الأقصى"]] <br />
<br />
[[منع صرف راتب معتقل بالمنوفية!!]] <br />
<br />
[[خبراء: الإخوان فرضوا شرعيتهم رغم أنف النظام]] <br />
<br />
[[إخلاء سبيل سويدان وجمال حشمت و8 آخرين بالبحيرة]] <br />
<br />
== أخبار الجماعة 2011 ==<br />
<br />
[[الشاطر: لن نخوض "الرئاسة" ولو ترشح أحد الإخوان لن ندعمه]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت في إمبابة للتعريف بالإخوان]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. البر يتحدث عن السلفية على "الحرة"]] <br />
<br />
[[أبو إسماعيل: نحمي الثورة بأرواحنا من أجل كرامتنا]] <br />
<br />
[[صبحي صالح يطالب بالبناء لحماية الثورة]] <br />
<br />
[[أبو إسماعيل يطالب الشباب بالتصدي لأعداء الثورة]] <br />
<br />
[[الشيخ عبد المعز عبد الستار في ذمة الله]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يحتسب عند الله الشيخ عبد المعز عبد الستار]] <br />
<br />
[[الشاطر: التطوير ضرورة لنجاح مشروع النهضة]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت: مصر تحتاج للبناء والتنمية]] <br />
<br />
[[إخوان عابدين يكرمون أسر الشهداء]] <br />
<br />
[["الفيس بوك" يحجب صفحة "إخوان أون لاين"!]] <br />
<br />
[[إخوان قنا: نرفض المحافظ الجديد لارتباطه بالنظام السابق]] <br />
<br />
[[الشاطر: نسعى لبناء دولة المؤسسات في مصر]] <br />
<br />
[[الكتاتني يدعو المصريين للانضمام لحزب "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت يتقدم ببلاغ ضد أكاذيب (المصري اليوم)]] <br />
<br />
[[إخوان المنيا يطالبون بحل المجلس المحلي]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإخوان دمياط لخدمة أهالي المحافظة]] <br />
<br />
[[الشرنوبي ضيف الصالون الثقافي لإخوان الإسكندرية]] <br />
<br />
[[قوافل طبية لرفع معاناة شعب الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية ينقذون قسم الجمرك من كارثة]] <br />
<br />
[[قوافل طبية وحرفية لأهالي رشيد]] <br />
<br />
[[المؤتمر القومي الإسلامي يبدأ فعالياته ببيروت]] <br />
<br />
[[750 يستفيدون من قافلة إخوان كفر الشيخ الطبية]] <br />
<br />
[[دعاة كفر الشيخ: الدولة المدنية أساس الإسلام]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان بأكتوبر يطالبون بعلانية التنظيم]] <br />
<br />
[[الأستاذ جمعة أمين ضيف "حديث الثلاثاء" في بورسعيد]] <br />
<br />
[[مؤتمر جماهيري لإخوان الغردقة السبت المقبل]] <br />
<br />
[[د. البر يتحدث عن "القرآن شرعتنا" بالبحر الأحمر]] <br />
<br />
[[تحذير من زيارات منظمات المرأة الغربية لمصر!]] <br />
<br />
[[الشرنوبي: الصحافة الورقية خدمت النظام البائد]] <br />
<br />
[[إخوان قنا يحذرون من فتنة بسبب الاحتجاجات ضد المحافظ]] <br />
<br />
[[اقتراحات جديدة لمؤتمر شباب الإخوان بالقليوبية]] <br />
<br />
[[الكتاتني يدعو إلى تسجيل بيانات مؤسسي "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[د. مرسي: الشعب سيد قراره ولن يقبل بديكتاتورية أخرى]] <br />
<br />
[[مسئول الإخوان ببورسعيد يلتقي شباب الثورة]] <br />
<br />
[[د. البر: نسعى لبناء دولة الحرية والعدل]] <br />
<br />
[[د. البر ضيف حديث الثلاثاء بالزقازيق]] <br />
<br />
[[دعويان قضائيتان لتفريق رموز الفساد وتصوير محاكماتهم]] <br />
<br />
[[د. العريان يتحدث اليوم عن الحياة الحزبية بالفضائية المصرية]] <br />
<br />
[[جمعة أمين: إنقاذ الوطن مهمة جميع المصريين]] <br />
<br />
[[المنيا.. مساعي لـ"إخوان أبو قرقاص" لوأد الفتنة الطائفية]] <br />
<br />
[[إخوان الأردن يتهمون الحكومة بتضليل الرأي العام]] <br />
<br />
[[د. العريان يطالب القوى الوطنية بالتوافق على القائمة الموحدة]] <br />
<br />
[[دعوة مجلس الشورى العام للإخوان إلى الانعقاد]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت يشارك "إخوان مايو" مؤتمرهم الأول]] <br />
<br />
[[حديث الأربعاء بالأقصر يحثُّ على مراقبة الله في العمل]] <br />
<br />
[["إخوان لبنان" يطالبون بوقف نزيف الدم بسوريا]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر جماهيري للإخوان بـ"طوخ" القليوبية]] <br />
<br />
[["سينما الأطفال" بالسويس لعرض مشاهد الثورة]] <br />
<br />
[["مصر 2020" مؤتمر ناجح لشباب الإخوان بالبحيرة]] <br />
<br />
[[الشاطر: الحكم ليس هدفنا.. ونريد حكومة مرجعيتها إسلامية]] <br />
<br />
[[قافلة طبية وحملة تشجير للإخوان بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[قافلة طبية لإخوان المياسرة بدمياط]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر لإخوان الغردقة احتفالاً بالثورة]] <br />
<br />
[[ندوة "الحرية" بكفر الشيخ تتحول للتعريف بالإخوان]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت: انتزعنا الحرية وننطلق للنهضة]] <br />
<br />
[[مؤتمر بالبحيرة يدعو إلى إجماع وطني يحمي أهداف الثورة]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان يطالبون بفتح ملفات فساد الاتحاد العام]] <br />
<br />
[[دورات تأهيلية وقوافل طبية لإخوان أسيوط]] <br />
<br />
[[معرض لإخوان العجمي ضدَّ الغلاء]] <br />
<br />
[[د. صلاح سلطان: الرئيس المخلوع كان ذيلاً للأمريكان والصهاينة]] <br />
<br />
[[د. محمود غزلان: نبحث عن العدل والحق ونبني الرجال]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان: سنحتفل بالعيد والاتحاد لا يمثل إلا نفسه]] <br />
<br />
[[الإسماعيلية.. لقاءات شبابية للتعريف بفكر الإخوان]] <br />
<br />
[[وفد من الإخوان لتهنئة محافظ السويس الجديد]] <br />
<br />
[[وفد "إخوان مغاغة" يزور "كنيسة مارجرجس" بالمنيا]] <br />
<br />
[[وفد من إخوان أسيوط يزور الكنائس لتهنئة الأقباط]] <br />
<br />
[[محافظ أسيوط: الإخوان صمام الأمان لمصر]] <br />
<br />
[[وفد من الإخوان يزور كنائس بالشرقية]] <br />
<br />
[[إخوان قنا يرحِّبون بالقيادة الجديدة.. ويدعون إلى البناء والتعمير]] <br />
<br />
[[تجارب ناجحة لشباب الإخوان بسوهاج لإنهاء أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[أسيوط.. أطفال القوصية يحتفلون بالثورة]] <br />
<br />
[[الواشنطن بوست: أمريكا تدعم العلمانيين لمنافسة الإخوان]] <br />
<br />
[[م. أسامة سليمان: نسعى لإقرار الحرية والعدل]] <br />
<br />
[[وفد إخوان سوهاج يهنئون أقباط "ماري جرجس"]] <br />
<br />
[[د. صلاح سلطان: كل مصري مسئول عن تحقيق أهداف الثورة]] <br />
<br />
[[مهنيو الإخوان بالإسكندرية يشكلون وفدًا لمقابلة شرف]] <br />
<br />
[[وفد لإخوان "التجمع" يهنئ الأقباط بأعيادهم]] <br />
<br />
[[دمياط.. لقاء الثلاثاء يؤكد كفالة الإسلام للحرية والتعددية]] <br />
<br />
[[إخوان القليوبية يقيمون المؤتمر الأول للعلماء]] <br />
<br />
[[طلعت الشناوي: ندعو المجتمع المصري إلى التمسك بهويته]] <br />
<br />
[[بلال فضل: الإمام البنا أسس فكرًا يتواصل مع المجتمع]] <br />
<br />
[[الخميس.. مؤتمر لإخوان الرحاب يستشرف مستقبل الثورة]] <br />
<br />
[[وفاة المستشار الدكتور علي جريشة]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يحتسب عند الله المستشار د. علي جريشة]] <br />
<br />
[[الإسكندرية.. إخوان أبو سليمان يشاركون في حل أزمة المرور]] <br />
<br />
[[مؤتمر شباب الإخوان بالبحيرة.. التطوير ضرورة ملحة]] <br />
<br />
[[د. مرسي يحذر من شائعات فلول النظام ضد الإخوان]] <br />
<br />
[[د. صلاح سلطان يطالب الأمة المسلمة بالعودة إلى هويَّتها]] <br />
<br />
[[المستشار علي جريشة.. كتيبة فكرية مجاهدة]] <br />
<br />
[[استنكار محاولات الوقيعة بين الإخوان والقوى الوطنية]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان يتهمون الاتحاد العام بافتعال الأزمات]] <br />
<br />
[[مؤتمر لإخوان أبو كبير عن مصر بعد الثورة]] <br />
<br />
[[سيناتور أمريكي مقرب للصهاينة يشن هجومًا على الإخوان]] <br />
<br />
[[اليوم.. المنتدى الثاني لشباب الإخوان بوسط الإسكندرية]] <br />
<br />
[[اليوم.. بدء فعاليات مجلس شورى الإخوان ومؤتمر صحفي السبت]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان ينتقدون مشروع "قانون النقابات" الجديد]] <br />
<br />
[[40 مشروعًا لخدمة المجتمع من شباب الإخوان بالإسكندرية]] <br />
<br />
[["إخوان سوريا" يدعمون "جمعة الغضب"]] <br />
<br />
[[البحيرة.. مؤتمر جماهيري للتعريف بالإخوان]] <br />
<br />
[[المرشد العام يفتتح اجتماع مجلس شورى الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت: التطوير طبيعة منهج الإخوان]] <br />
<br />
[[مجلس شورى الإخوان المسلمين ينهي جلسات اليوم الأول]] <br />
<br />
[[قيادات الإخوان: اجتماع "الشورى" أحد مكتسبات الثورة]] <br />
<br />
[[استكمال جلسات "شورى الإخوان" ومؤتمر صحفي الواحدة ظهرًا]] <br />
<br />
[[غدًا.. إخوان "السيدة زينب" يحتفلون بالثورة]] <br />
<br />
[[مهرجان فني لإخوان القنطرة احتفالاً بالثورة]] <br />
<br />
[[د. خالد عودة: يجب أن نستمر يدًا واحدةً في البناء]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف: مصر دولة مدنية بمرجعية إسلامية]] <br />
<br />
[[نص البيان الختامي لمجلس شورى الإخوان المسلمين في انعقاده الثاني بالدورة الرابعة (2010- 2014م)]] <br />
<br />
[[د. الكتاتني: تقديم أوراق الحزب خلال 10 أيام]] <br />
<br />
[["شورى الإخوان" يسمي د. مرسي رئيسًا لـ"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[د. مرسي: رئاستي لحزب "الحرية والعدالة" مرحلة انتقالية]] <br />
<br />
[[مؤتمر للتعريف بالإخوان في كفر الدوار]] <br />
<br />
[[أخوات كفر الشيخ يشاركن في تطوير الجماعة]] <br />
<br />
[[العريان يتحدث عن "الدولة المدنية" بجامعة القاهرة اليوم]] <br />
<br />
[[د. عبد الستار فتح الله يطالب المجتمع بحماية الثورة]] <br />
<br />
[["الكريستيان ساينس": "الحرية والعدالة" لحظة تاريخية للإخوان]] <br />
<br />
[["الوول ستريت جورنال": الشعب المصري متعطش للإسلاميين]] <br />
<br />
[[د. محمد مرسي: "الحرية والعدالة" ملك لكل المصريين]] <br />
<br />
[["شينخوا" الصينية: "الحرية والعدالة" اختبار للإخوان]] <br />
<br />
[[أهالي السيدة زينب يحتفلون بالثورة مع الإخوان]] <br />
<br />
[[رابطة عمالية بالزاوية والشرابية للدفاع عن حقوقهم]] <br />
<br />
[[فعاليات جماهيرية متواصلة لإخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[د. العريان: نسعى لدولة حرة يتحقق فيها سيادة القانون]] <br />
<br />
[[حفل لتكريم الأيتام بالمنصورة]] <br />
<br />
[[1600 حالة في قوافل الإخوان الطبية بالسادات]] <br />
<br />
[[مؤتمر "التغيير بعد التحرير" يدعو إلى زيادة موارد مصر]] <br />
<br />
[[د. البر ضيف إخوان السادات اليوم]] <br />
<br />
[[إخوان أبو حمص يُكرِّمون العمال]] <br />
<br />
[[اليوم.. حسين إبراهيم ضيف "الجزيرة مباشر مصر"]] <br />
<br />
[[الجمعة.. مؤتمر جماهيري لإخوان القناطر الخيرية]] <br />
<br />
[[د. العريان: الرسول أول من أسس للدولة المدنية]] <br />
<br />
[[مؤتمر لتطوير قسم الأشبال بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[حديث الثلاثاء.. دعوات للوحدة والحفاظ على مكتسبات الثورة]] <br />
<br />
[[د. البر: البعد عن الإسلام سبب محن الأمة]] <br />
<br />
[[الكتاتني يزور حزب العدالة والتنمية التركي]] <br />
<br />
[[د. محمد مرسي: "الحرية والعدالة" حزب مستقل لكل المصريين]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان: معركتنا تطهير الاتحاد العام]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان يحتفلون بالثورة على مسرح الزقازيق]] <br />
<br />
[[احتفالية للإخوان تكرِّم قيادات اليسار العمالية]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية يدشنون حملة لنظافة المحافظة]] <br />
<br />
[[الفيوم.. بلاغ ضد 3 ضباط بأمن الدولة المنحل]] <br />
<br />
[[مؤتمر للتعريف بالإخوان في حدائق الزيتون]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يواسي محمد إبراهيم في وفاة والدته]] <br />
<br />
[[حجازي يشيد بدور الجيش في حماية الثورة]] <br />
<br />
[[تاريخ الإخوان في فيلم وثائقي بالبحيرة]] <br />
<br />
[[الزقازيق تتجمل بعد حملة الإخوان]] <br />
<br />
[[د. البر في خطبة الجمعة يحذر من "التدين المغشوش"]] <br />
<br />
[[حفل فني لإخوان الزقازيق على مسرح الثقافة]] <br />
<br />
[[إخوان دمياط يقيمون معرضًا للسلع الغذائية]] <br />
<br />
[[إخوان دمياط يكرمون العمال في عيدهم]] <br />
<br />
[[احتفالية ثانية لإخوان دمياط تكريمًا للعمال]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. البر ضيف "الشباب" حول "الإخوان والسلفيين"]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف بالمنصورة: عمال مصر عماد النهضة]] <br />
<br />
[[إخوان بورسعيد يكرمون عمال المحافظة]] <br />
<br />
[[السفير الطهطاوي: الإخوان أحد ركائز الثورة]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. قافلة بيطرية للإخوان في قرية أبو داود]] <br />
<br />
[[حسين إبراهيم: "مبارك" تسبب في ضرب الأمن القومي الإفريقي]] <br />
<br />
[[إخوان الرمل يدشنون حملة "شوارع صديقة للبيئة"]] <br />
<br />
[[تواصل القوافل الطبية لإخوان السويس]] <br />
<br />
[[حملة خدمية لإخوان دمياط لإنارة شوارعها]] <br />
<br />
[[إخوان الجيزة يستنكرون أحداث كنيسة إمبابة]] <br />
<br />
[[لقاء الإخوان والأزهر.. انطلاقة للنهضة]] <br />
<br />
[[البحيرة.. قساوسة كفر الدوار يلتقون وفدًا للإخوان]] <br />
<br />
[[الجماعة الإسلامية بلبنان تنعى الشيخ فيصل مولوي]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يعزي لبنان في رحيل الشيخ مولوي]] <br />
<br />
[[احتفالية للإخوان لتكريم العمال بوادي النطرون]] <br />
<br />
[[المستشار فيصل مولوي.. العمل الحركي والاجتهاد الفقهي]] <br />
<br />
[[خيرت الشاطر: نسعى إلى نهضة الوطن وحماية الثورة والتطوير]] <br />
<br />
[[المرشد العام ينيب البلتاجي لحضور جنازة الشيخ فيصل مولوي]] <br />
<br />
[[مليونية الجمعة القادمة بميدان التحرير لدعم فلسطين]] <br />
<br />
[[وفد إخوان دمياط يلتقي المحافظ]] <br />
<br />
[[البسطويسي: الإخوان أفشلوا مخطط الوطني لتشويه الجماعة]] <br />
<br />
[[مسلمو البرازيل يحتسبون المستشار فيصل مولوي]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر جماهيري للمرشد العام بإستاد المنصورة]] <br />
<br />
[[الآلاف يشيِّعون الشيخ فيصل مولوي بلبنان]] <br />
<br />
[[لجنة حكماء دائمة في إمبابة بسلطات ملزمة]] <br />
<br />
[[الهلباوي: الاستخبارات الصهيوأمريكية تسعى لإجهاض الثورة]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. محمد مرسي على "أون تي في"]] <br />
<br />
[[إخوان أسوان يحذرون من استنساخ "أمن الدولة"]] <br />
<br />
[[نور: الإخوان أكثر من دفعوا ضريبة الإصلاح]] <br />
<br />
[[عروسان يعقدان زواجهما في مهرجان المرشد بالمنصورة]] <br />
<br />
[[تنسيق بين إخوان الإسماعيلية و"الأوقاف" لنشر الاعتدال]] <br />
<br />
[[جهود الإخوان تطفئ نار الفتنة بأسوان]] <br />
<br />
[[افتتاح "الجمعية التربوية" بالإسماعيلية بعد إغلاق 15 عامًا]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يبحثون دعم الإدارات القانونية للثورة]] <br />
<br />
[[مؤتمر جديد للتعريف بفكر الإخوان في دمياط]] <br />
<br />
[["مع البر" أسبوعيًّا على قناة "الشباب"]] <br />
<br />
[[حلمي الجزار: حماية المساجد والكنائس مسئولية المسلمين]] <br />
<br />
[[فعاليات مشتركة لشباب الإخوان والمسيحيين بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية ينهون فتنة "مينا ومؤمن"]] <br />
<br />
[[وفد طلابي بأسيوط يلتقي قيادات الإخوان]]<br />
<br />
[[الإخوان يساهمون في حل مشاكل الطرق بالمرج]] <br />
<br />
[[غدًا.. مؤتمر جماهيري بالإسكندرية لدعم فلسطين]] <br />
<br />
[[خالد عودة يطالب بتقديم القرار العلمي على السياسي]] <br />
<br />
[[صبحي صالح: الإخوان يحملون الخير لمصر]] <br />
<br />
[[د. بشر: الرئيس المخلوع خان مصر وفلسطين]] <br />
<br />
[[د. البر: فلسطين في قلب مصر الثورة]] <br />
<br />
[[الغربية.. إخوان سمنود يحتفلون بعيد العمال]] <br />
<br />
[[مسيرة ومؤتمر لإخوان البحيرة دعمًا لفلسطين والوحدة]] <br />
<br />
[[قوافل طبية مجانية للإخوان في البحيرة والسويس والغربية]] <br />
<br />
[[حملات لإلغاء الحكم العسكري ضد وجدي غنيم]] <br />
<br />
[[احتفالية البحيرة تكرِّم العمال وتطالب بالاكتفاء الذاتي]] <br />
<br />
[[علاج 3 آلاف مريض بقوافل الإخوان بمدينة السادات]] <br />
<br />
[[الأربعاء.. مؤتمر جماهيري في الجيزة للتعريف بالإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان الدقهلية ينظمون دورات وندوات لتنمية المجتمع]] <br />
<br />
[[حشمت: بناء الوطن يحتاج جهود الجميع]] <br />
<br />
[[المستشار الخضيري يرفض أي تأجيل للانتخابات البرلمانية والرئاسية]] <br />
<br />
[[د. السرجاني للشباب: احرسوا الثورة والاستقرار]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان: نرفض التعددية الصورية للنقابات]] <br />
<br />
[[الكتاتني: سنتقدم بأوراق الحزب غدًا الأربعاء]] <br />
<br />
[[إخوان المنيا يبحثون مع المحافظ مشكلات الإقليم]] <br />
<br />
[[الإخوان المسلمون في سوريا يسعون لتوحيد المعارضة]] <br />
<br />
[[المطالبة بإسقاط الأحكام العسكرية عن قيادات الإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان البحيرة يفتتحون شعبة النوبارية]] <br />
<br />
[[محمد عبده: الإنفاق على الأحزاب و"حقوق الإنسان" صدقة]] <br />
<br />
[[الكتاتني يتقدم بأوراق الحزب.. وتشكيل هياكل المحافظات خلال شهر]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يشاركون باحتفالية الكنيسة لدعم الوحدة الوطنية]] <br />
<br />
[[اليوم.. "الإخوان والمجتمع المدني" على مائدة "حريات الصحفيين"]] <br />
<br />
[[البيان التأسيسي لحزب الحرية والعدالة]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يرفض العفو عن مبارك]] <br />
<br />
[[إخوان السويس يكرمون العمال]] <br />
<br />
[[الاستماع لأقوال مسئول الإخوان بالفيوم ضد أمن الدولة]] <br />
<br />
[[البردويل يعرض رؤية "الحرية والعدالة" لأهالي دمياط]] <br />
<br />
[[أ. عاكف يحتسب الحاج موسى طلعت شقيق الشهيد يوسف طلعت]] <br />
<br />
[[د. حلمي الجزار: النهوض بمصر واجب الجميع]] <br />
<br />
[["إخوان سيناء" يعلنون مبادرةً لنهضة أرض الفيروز]] <br />
<br />
[[اهتمام إعلامي عالمي بتقديم أوراق حزب "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[د. العريان: إقامة العدل هو التحدي الحقيقي أمام كلِّ التيارات]] <br />
<br />
[[مفتي الجمهورية: "المصري اليوم" أخطأت في حقي وحقِّ الإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان الإسماعيلية يشيعون جنازة موسى طلعت]] <br />
<br />
[[السويس.. "الحرية والعدالة" يرعى التجربة الماليزية]] <br />
<br />
[[اقتصاد قوي وتشغيل الشباب.. مطالب المصريين من "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[إستراتيجية جديدة لقسم نشر الدعوة بوسط الدلتا]] <br />
<br />
[[اليوم.. افتتاح المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[إخوان الإسماعيلية يكرمون العمال المثاليين]] <br />
<br />
[[صبحي صالح: الثورة لم تنتهِ بعد]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان يواجهون أزمة السولار ببني سويف]] <br />
<br />
[[قافلة طبية مجانية لأهالي رشيد]] <br />
<br />
[[د. محمود حسين يفتتح مقر الإخوان بالأقصر]] <br />
<br />
[[د. رفيق حبيب: "الحرية والعدالة" يسعى للتوافق الوطني]] <br />
<br />
[[قافلة طبية وسوق خيرية للتخفيف عن أسر الدقهلية]] <br />
<br />
[[الشاطر: تطوير الجماعة في البرامج وليس الثوابت]] <br />
<br />
[[أسماء مؤسسي "الحرية والعدالة" في "الجمهورية" و"الأخبار" غدًا]] <br />
<br />
[[الرئيس البشير يدعو المرشد العام لزيارة السودان]] <br />
<br />
[[إخوان العاشر من رمضان يكافحون الغلاء]] <br />
<br />
[[رموز مصر تتوافد لمشاركة الإخوان في افتتاح المركز العام بالمقطم]]<br />
<br />
[[عمرو موسى: افتتاح المركز العام للإخوان نتاج طبيعي للثورة]] <br />
<br />
[[عمال طهطا: مدينتنا ستكون "يابان" مصر]] <br />
<br />
[[حائط بشري بطول الإسكندرية لاستكمال مطالب الثورة]] <br />
<br />
[[بدء إجراءات اختيار أمين "الحرية والعدالة" بالجيزة]] <br />
<br />
[[مستشار الرئيس السوداني: الإخوان يحصدون ما زرعه الإمام البنا]] <br />
<br />
[[المراقب العام لإخوان الأردن: مصر قائدة الأمة]] <br />
<br />
[[رموز مصر: "المركز العام" مسئول عن تطور الفكر المصري]] <br />
<br />
[[أيمن طه: الإخوان رأس الحربة في تحرير فلسطين]] <br />
<br />
[[عبد العزيز مخيون: التاريخ يشهد على دور الإخوان في الفن]] <br />
<br />
[[قيادات الإخوان: بابنا مفتوح لكلِّ المصريين]] <br />
<br />
[[الإعلام التركي يتابع افتتاح المركز العام للإخوان]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف وعمرو موسى.. دروس في العطاء]] <br />
<br />
[[تواصل جماهيري فعال لإخوان كفر الشيخ]] <br />
<br />
[["إخوان أسوان" يساهمون في حل أزمة الغاز]] <br />
<br />
[[د. بشر: شاركنا في "الحوار الوطني" من أجل مصر رغم تحفظاتنا]] <br />
<br />
[[ممثلو الإخوان في "الحوار الوطني" يقدمون رؤية للبناء]] <br />
<br />
[[أ. جمعة أمين يشارك في وقفة "حائط الثورة" بالإسكندرية]] <br />
<br />
[[الإعلام التركي يواصل احتفاءه بافتتاح المركز العام للإخوان]] <br />
<br />
[[مطالبة الجيش بعدم التصديق على أحكام "التنظيم الدولي"]] <br />
<br />
[[الجمعة.. مؤتمر جماهيري لإخوان شبرا الخيمة]] <br />
<br />
[[حملات إخوانية لمواجهة أزمة السولار بالدقهلية]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. البر يتحدث عن الحكم الرشيد بالحصري]] <br />
<br />
[[حضور كبير بندوة التعريف بالإخوان في "الشروق"]] <br />
<br />
[[إخوان فوه يشاركون في حلِّ أزمة أنابيب الغاز]] <br />
<br />
[[الإخوان يساهمون في حلِّ أزمة الخبز بإدفو]] <br />
<br />
[[عشرات الآلاف بالإسكندرية يشكلون "حائط الثورة"]] <br />
<br />
[[سعد الحسيني: الإخوان شاركوا بفعالية في الحوار الوطني]] <br />
<br />
[[احتفالية لإخوان حلوان بعيد العمال]] <br />
<br />
[["شورى أسوان": ملاحقة فلول "أمن الدولة" واجب وطني]] <br />
<br />
[["حديث الثلاثاء" يحذر من الثورة المضادة ويرفض العفو]] <br />
<br />
[[الغربية.. مؤتمر جماهيري لإخوان كفر الزيات]] <br />
<br />
[[هنية يدعو لتعزيز المصالحة ردًّا على نتنياهو]] <br />
<br />
[[فعاليات لإخوان الإسكندرية تواجه دعوات "الغضب الثانية"]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يطلقون إذاعة "أمواج صوت مصر"]] <br />
<br />
[[عبد الخالق الشريف: الأزهر عامل مؤثر في النهضة المنشودة]] <br />
<br />
[[افتتاح مقر "الحرية والعدالة" بالفيوم الأسبوع المقبل]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر "مَن نحن وماذا نريد" في الدرب الأحمر]] <br />
<br />
[[محافظ الإسماعيلية يشيد بالدور الوطني للإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[إخوان العاشر من رمضان يكرِّمون العمال]] <br />
<br />
[[طلعت الشناوي: الإخوان يقدمون تضحيات في خدمة الوطن]] <br />
<br />
[[عبد المنعم عبد المقصود: لم نتسلم أموال الإخوان المصادرة]] <br />
<br />
[[د. خالد عودة: مظاهرات الجمعة غدًا محاولات لسرقة الثورة]] <br />
<br />
[[تواصل جهود إخوان بني سويف لحل أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[البلتاجي: ملتزم بقرار الجماعة بعدم المشاركة في مظاهرة الجمعة]] <br />
<br />
[[اهتمام إعلامي عالمي بمقاطعة الإخوان لمظاهرات الجمعة]] <br />
<br />
[[د. البر بـ"سمنود": لن نقبل بالالتفاف على إرادة الشعب]] <br />
<br />
[[مؤتمر لمعلمي المنيا استعدادًا للانتخابات]] <br />
<br />
[[الشاطر يطالب الشعب بحماية مصر]] <br />
<br />
[[الغربية.. مؤتمر جماهيري للإخوان بالمحلة الكبرى]] <br />
<br />
[[أبو شعيشع يفتتح المؤتمر الأول لأخوات كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[قافلة طبية لإخوان السويس بالتنسيق مع وزارة الصحة]] <br />
<br />
[[الإخوان يقودون جهود النظافة والتوعية البيئية بدار السلام]] <br />
<br />
[[إخوان بورسعيد يواجهون الغلاء بقافلة مواد غذائية]] <br />
<br />
[[د. بشر بـ"أشمون": بناء مصر مسئولية الشعب]] <br />
<br />
[[مسلمو وأقباط شبرا الخيمة في مؤتمر التعريف بالإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان أسيوط يقدمون خدمات طبية وحلولاً لأزمة اللحوم]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي ودعوي للإخوان المسلمين بدمياط]] <br />
<br />
[[جهود مكثفة لـ"إخوان المنيا" لمواجهة أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[تصريح من الأمين العام عن ممثلي الإخوان في ائتلافات الثورة]] <br />
<br />
[[رموز المرج يدعون للوحدة وبدء البناء]] <br />
<br />
[[إخوان المرج ينظِّمون مراجعات نهائية لطلاب الإعدادية]] <br />
<br />
[[إخوان بولاق الدكرور يبدءون حملة "في حب مصر"]] <br />
<br />
[[إخوان المنيا يقاطعون حوار المحافظ]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يشارك في حفل ذكرى "فتح القسطنطينية"]] <br />
<br />
[[إشادة بتغطية "إخوان أون لاين" وموقف الإخوان المسلمين]] <br />
<br />
[[إخوان الخانكة يكرمون العمال والحرفيين]]<br />
<br />
[[د. مرسي: لا للسيطرة على البرلمان والشريعة مسئولية الشعب]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. البر يتحدث عن الدولة المدنية في "المحور"]] <br />
<br />
[[إخوان حلوان يساهمون في حل أزمة "البوتاجاز"]] <br />
<br />
[[تدشين الحملة الانتخابية لمعلمي الإخوان بالإسماعيلية والبحيرة]] <br />
<br />
[[100 مرشح للإخوان في انتخابات المعلمين بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[إخوان دمياط يرفضون الالتفاف على إرادة الشعب]] <br />
<br />
[[نعي الأستاذ عاكف في الحاج محمد الصفطاوي]] <br />
<br />
[[إخوان سوريا يطالبون بإلغاء "إعدام منتسبي الجماعة"]] <br />
<br />
[[الشرقية.. سوق مدعم لخدمة أهالي منيا القمح]] <br />
<br />
[[أشبال وزهراوات المحلة يكافحون التدخين]] <br />
<br />
[[الإسماعيلية.. مؤتمر لتجديد الخطاب الديني]] <br />
<br />
[[د. البر: الإسلام مظلة تجمع الدنيا تحتها]] <br />
<br />
[[الأزهري: الحريات النقابية حق أصيل لعمال مصر]] <br />
<br />
[[الأمين العام ينفي ما نشره "اليوم السابع" عن "إخوان أون لاين"]] <br />
<br />
[[إخوان أسوان يعلقون مشاركتهم في "الحوار الوطني"]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان ينظمون سوقا لتخفيض الأسعار بالسويس]] <br />
<br />
[[إخوان السويس ينظمون قافلة طبية في "الأربعين"]] <br />
<br />
[[إخوان أسيوط يواصلون فعاليات خدمة المجتمع]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يحتسب العالم الجليل د. عبد الحميد الغزالي]] <br />
<br />
[[معرض خيري لمواجهة غلو الأسعار بالمنصورة]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية ينفون أكاذيب "اليوم السابع"]] <br />
<br />
[[مصر تشيع جنازة العالم الجليل د. عبد الحميد الغزالي]] <br />
<br />
[[عبد الخالق والحسيني ومالك: مصاب مصر كبير بوفاة د. الغزالي]] <br />
<br />
[[نجوم الفن والرياضة في احتفال الإخوان بالإسكندرية لتنشيط السياحة]] <br />
<br />
[[إخوان بولاق الدكرور ينظمون معرض ملابس لمحاربة الغلاء]] <br />
<br />
[[قوافل طبية ناجحة لإخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[قسم البر بالشرقية يبحث تطوير آلياته]] <br />
<br />
[[مؤتمر لإخوان المنصورة: مصلحة مصر أولاً]] <br />
<br />
[[د. البر في افتتاح مجمع إسلامي وشعبة للإخوان بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[مجلس جديد لإدارة جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يتقدم عزاء د. عبد الحميد الغزالي]] <br />
<br />
[[لجنة شئون الأحزاب توافق رسميًّا على حزب "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[إخوان الشرقية يرفضون المشاركة في حوار المحافظ]] <br />
<br />
[[الجمعة.. أول مؤتمر جماهيري لـ"الحرية والعدالة" بالقليوبية]] <br />
<br />
[[ترحيب حزبي واسع بـ"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[د. غزلان على (الحياة 2) للحديث عن مبادرة الوفاق]] <br />
<br />
[[عاصم شلبي نائبًا لرئيس اتحاد الناشرين]] <br />
<br />
[[رموز إخوان المنيا يشاركون في حقن دماء عائلتين]] <br />
<br />
[[إخوان أكتوبر ينظمون معارض لبيع السلع بسعر التكلفة]] <br />
<br />
[[د. البر: الشريعة الإسلامية أحرص على أمن المجتمع]] <br />
<br />
[[خيرت الشاطر: توحيد الأجندة الوطنية طريق النهضة]] <br />
<br />
[["ذي ناشونال": "الحرية والعدالة" تاريخ جديد للإخوان]] <br />
<br />
[[المستثمرون الأمريكان: ليس لدينا خوف من الإخوان]] <br />
<br />
[[د. عبده مقلد: مصر تحتاج التوافق والائتلاف]] <br />
<br />
[[الشاطر: تضافر الجهود ضرورة لبناء مشروع النهضة]] <br />
<br />
[[اليوم.. مؤتمر جماهيري لحزب "الحرية والعدالة" بأوسيم]] <br />
<br />
[[جولات مكثفة لقائمة الإصلاح في انتخابات المعلمين بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[اليوم د. البر يتحدث عن الدولة المدنية على "الحرة"]] <br />
<br />
[[عبد الخالق الشريف: الأخلاق عماد نهضة مصر]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان يشكلون لجانًا لتأمين "الثانوية" بمدينة نصر]] <br />
<br />
[[وفاة المجاهد محمد شمعة أحد مؤسسي حماس]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يحتسب المجاهد محمد شمعة]] <br />
<br />
[[معلمو المنيا يطالبون بانتخابات نزيهة للنقابة]] <br />
<br />
[[معرض لإخوان عرب المعادي لمواجهة ارتفاع الأسعار]] <br />
<br />
[[يوم إخواني لخدمة المجتمع بالبساتين]] <br />
<br />
[[لجان شعبية بالدقهلية والمنيا لتأمين الثانوية]] <br />
<br />
[[مؤتمر "الحرية والعدالة" بأوسيم: مصر تطلب وحدة أبنائها]] <br />
<br />
[[إخوان بورسعيد يختتمون معسكرهم التربوي الأول]] <br />
<br />
[[إقبال كبير على معرض إخوان أكتوبر لمحاربة الغلاء]] <br />
<br />
[[الليلة.. افتتاح دار الإخوان المسلمين بالخصوص]] <br />
<br />
[[فعاليات مكثفة لمعلمي الإخوان بالشرقية استعدادًا للانتخابات]] <br />
<br />
[[د. العريان: قادرون على بناء تنمية لجميع أبناء الوطن]] <br />
<br />
[[رسالة من د. عصام العريان إلى "إخوان أون لاين"]] <br />
<br />
[[ندوة بالصحفيين تشيد بدور الإخوان في احتواء أزمة إمبابة]] <br />
<br />
[[إخوان كفر الشيخ يختتمون معسكرهم التربوي الأول]] <br />
<br />
[[م. خيرت الشاطر: مصر بحاجة إلى التوافق لبناء النهضة]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالشرقية يطلقون برنامجهم الانتخابي]] <br />
<br />
[[مؤتمر إخوان الخصوص: الشعب المصري متيقظ]] <br />
<br />
[[الحسيني وفاروق يقدمان عزاء الإخوان في وفاة "شمعة"]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يزورون كنيسة دهروط]]<br />
<br />
[[رئيس "الحرية والعدالة" المصري يهنئ "العدالة" التركي]] <br />
<br />
[[بني مزار تشيد بدور لجان الإخوان في تأمين الامتحانات]] <br />
<br />
[[رواد "خالد سعيد" يختارون "الحرية والعدالة" بالانتخابات]] <br />
<br />
[[مؤتمر جماهيري لحزب "الحرية والعدالة" في دمياط]] <br />
<br />
[[حزب الحرية والعدالة يهنئ "النور" بمناسبة التأسيس]] <br />
<br />
[[قافلتان طبيتان لأهالي مصر القديمة وعين الصيرة]] <br />
<br />
[[افتتاح ثالث مقر للإخوان بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[مؤتمر "الحرية والعدالة" بدمياط: نسعى لدولة مدنية]] <br />
<br />
[[د. البر يتحدث عن فقه تطبيق الشريعة بالدقهلية]] <br />
<br />
[[تواصل النشاط الخدمي لإخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[انتهاء الانتخابات الداخلية لحزب الحرية والعدالة بقنا]] <br />
<br />
[[اللجان الشعبية للإخوان بالمنيا تنجح في إدخال طالبتين الامتحان]] <br />
<br />
[[بدء إجراءات انتخابات هياكل "الحرية والعدالة" في سوهاج]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة": لم نفوض "دار البيان" في نشر اللائحة]] <br />
<br />
[[الشاطر: الإخوان لا يناورون في التنسيق ومصلحة الوطن أهم]] <br />
<br />
[[الجمعة.. انتخابات هيئة مكتب "الحرية والعدالة" بالبحيرة]] <br />
<br />
[[د. البر: جهل البعض بالشريعة الإسلامية يخوفهم منها]] <br />
<br />
[[معرض للسلع الغذائية بالعاشر من رمضان]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام ضد تدليس "المصري اليوم"]] <br />
<br />
[[اختتام الملتقى التربوي الأول لإخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. الكتاتني في مؤتمر "الحرية والعدالة" بالمنيا]] <br />
<br />
[[انتخابات المعلمين.. ندوة بالشرقية وتنسيق بالفيوم]] <br />
<br />
[[الجمعة.. انتخابات الأمانة العامة للحرية والعدالة بالفيوم]] <br />
<br />
[[مكتب الإرشاد يقرر مقاطعة "المصري اليوم" لتعمدها الكذب]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالمنوفية يتهمون الفلول بتزوير الانتخابات]] <br />
<br />
[[إخوان الزيتون يفتتحون مشروع "صيف الخير"]] <br />
<br />
[[اليوم.. افتتاح مقر الإخوان بالعمرانية الشرقية بالجيزة]] <br />
<br />
[[د. الحلواني يطالب بالإشراف القضائي على انتخابات المعلمين]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" بأسوان يجري انتخاباته الداخلية الثلاثاء]] <br />
<br />
[[إنذارات على يد محضر لتسليم كشوف معلمي المنيا!]] <br />
<br />
[[د. خالد عودة يطالب بكشف غموض "الأمن الوطني"]] <br />
<br />
[[الشرقية.. إخوان "ههيا" يشاركون في حل أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[غدًا.. "الحرية والعدالة" بدمياط يجري انتخاباته الداخلية]] <br />
<br />
[[د. مرسي: إساءة "المصري اليوم" لقيادات الحزب مهاترات مرفوضة]] <br />
<br />
[["شورى الإسكندرية" ينتخب "الحداد" مسئولاً للمكتب الإداري للإخوان]] <br />
<br />
[[إخوان أكتوبر ينظمون معرضًا جديدًا لمحاربة الغلاء]] <br />
<br />
[[د. الكتاتني: لن يرى المفسدون باب حزبنا]] <br />
<br />
[[إخوان بولاق الدكرور ينظمون معرضًا مدعمًا للسلع الغذائية]] <br />
<br />
[[1000 مستفيد في قافلة الإخوان الطبية بأسيوط]] <br />
<br />
[[دمياط.. انتخاب عمارة وعبد الصادق بالهيئة العليا لـ"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[أبو بركة يستنكر استمرار محاولات تأجيل الديمقراطية]] <br />
<br />
[[انتخاب الأمانة العامة لـ(الحرية والعدالة) بجنوب القاهرة]] <br />
<br />
[[إجراء انتخابات "الحرية والعدالة" بالفيوم]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يجري انتخاباته بوسط القاهرة]] <br />
<br />
[[البحيرة.. حشمت ورسلان بالهيئة العليا للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[إخوان شبرا الخيمة ينظمون أكبر قافلة طبية]] <br />
<br />
[[أكرم الشاعر عضوًا بالهيئة العليا لـ"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[محافظ الفيوم يشيد بتأمين الإخوان لامتحانات الثانوية]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يُشكِّل أمانته بمحافظة الأقصر]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يجري انتخاباته بشمال القاهرة]] <br />
<br />
[[فعاليات خدمية لإخوان غرب أسيوط]] <br />
<br />
[[إجراء انتخابات الحرية والعدالة بمركزي الصف وأطفيح]] <br />
<br />
[["شورى الإخوان" يقرر زوال عضوية أبو الفتوح من الجماعة]] <br />
<br />
[[لجان الإخوان الشعبية بالمنيا تنقذ طالبة مسيحية]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" ينهي انتخاباته بشرق القاهرة]] <br />
<br />
[[حزب "الحرية والعدالة" ينهي انتخاباته بمحافظة القاهرة]] <br />
<br />
[[حملة لإخوان مصر القديمة ضد الغلاء]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي مكثف لإخوان دمياط]] <br />
<br />
[[سوهاج.. النزهي والشرقاوي بالهيئة العليا للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[الصالون السياسي بشبرا الخيمة يناقش برنامج "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[غدًا.. انتخابات "الحرية والعدالة" بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[حسن أبو شعيشع: المصلحة العليا لمصر همُّنا الأول]] <br />
<br />
[[اليوم.. د. محمود عزت يفتتح مقر إخوان بلبيس]] <br />
<br />
[[المنيا.. إخوان بني مزار يعلنون قائمة انتخابات المعلمين]] <br />
<br />
[[غدًا.. د. رشاد لاشين يناقش رسالة الدكتوراه في طب الأطفال]] <br />
<br />
[[إخوان القاهرة والجيزة ينهون المخيم الأول للشباب]] <br />
<br />
[[قافلة طبية ناجحة للإخوان بمركز دمنهور]] <br />
<br />
[[أول اجتماع بين هيئة مكتب "الحرية والعدالة" وأمناء المحافظات]] <br />
<br />
[[إخوان المنصورة يواجهون الغلاء بسلع مدعمة]] <br />
<br />
[[الخميس.. "الحرية والعدالة" يجري انتخاباته الداخلية بشمال سيناء]] <br />
<br />
[[د. الحلواني يطالب المعلمين بالتصدي لتعطيل الانتخابات]] <br />
<br />
[[د. العريان: الالتزام بالإرادة الشعبية تحدٍّ أمام الثورة]] <br />
<br />
[[د. محمود حسين ينفي الإدلاء بتصريحات لجريدة "المصري اليوم"]] <br />
<br />
[[د. محمود عزت: الثورة فتحت للمصريين باب الحرية]] <br />
<br />
[[نقابة الصحفيين تحتفي بذكرى جابر رزق]] <br />
<br />
[[د. رشاد البيومي: ندعو كل المصريين للالتزام بنتيجة الاستفتاء]] <br />
<br />
[[برنامج إصلاحي لمعلمي الإخوان بالغربية]] <br />
<br />
[[اليوم.. اللقاء التنسيقي الثاني للحرية والعدالة مع الأحزاب]] <br />
<br />
[[الإسكندرية.. إجراء الانتخابات الداخلية للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[اليوم.. افتتاح مقر الإخوان بمدينة العبور]] <br />
<br />
[["السواعد": نرفض أية ممارسات تعسفية ضد عمال مصر]] <br />
<br />
[[انعقاد المخيم الأول لطلاب الإخوان بالمنيا]] <br />
<br />
[[الإسماعيلية.. الصولي وإسماعيل بـ"العليا" للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالمنيا يقاضون الإدارات التعليمية]] <br />
<br />
[[إخوان أسيوط يقدمون مشروعات تنمية لحل مشاكل المحافظة]] <br />
<br />
[[إخوان أبو كبير ينهون أزمة "التوك توك" بالشرقية]] <br />
<br />
[[(الإسلام منهج حياة).. ندوة إخوانية على مقهى بدار السلام]] <br />
<br />
[[بدء الاجتماع الثاني للتحالف الوطني من أجل مصر]] <br />
<br />
[[المرشد العام يستقبل أمير الجماعة الإسلامية بباكستان]] <br />
<br />
[["جلوبال سبن": الإخوان أفضل الديمقراطيين في مصر]] <br />
<br />
[["التحالف الديمقراطي" يقر وثيقة "توافق من أجل مصر"]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي مكثف لإخوان بورسعيد]] <br />
<br />
[[بني سويف.. مسيحيان بالمؤتمر العام لحزب "الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[فتح باب الترشح لأمانة "الحرية والعدالة" بدمياط]] <br />
<br />
[[إخوان بورسعيد ينظمون حملة للوقاية من أمراض العدوى]] <br />
<br />
[[اليوم.. انتخابات "الحرية والعدالة" بالشرقية]] <br />
<br />
[[مؤتمر "الحرية والعدالة" بالدقهلية: وثيقة التوافق بداية الاستقرار]] <br />
<br />
[[جولات مكثفة لمعلمي المنيا والغربية استعدادًا للانتخابات]] <br />
<br />
[[الحرية والعدالة رقم "1" في تصويت "كلنا خالد سعيد"]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالفيوم يطالبون بالإشراف القضائي]] <br />
<br />
[[أول مؤتمر للأخوات المسلمات عن دور المرأة في النهضة]] <br />
<br />
[[رزق والجزار يقدمان أوراق الترشح لمجلس الأطباء]] <br />
<br />
[[قائمة ائتلافية للإخوان في انتخابات أطباء الفيوم]] <br />
<br />
[[افتتاح مقر الإخوان المسلمين في العبور]] <br />
<br />
[[القليوبية.. راضي والحافي في "العليا" للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[اليوم.. انتخابات "الحرية والعدالة" بالمنوفية]] <br />
<br />
[[فوز قبطي وامرأة في أمانة "الحرية والعدالة" بالشرقية]] <br />
<br />
[[خمسة مرشحين للإخوان بانتخابات أطباء الفيوم]] <br />
<br />
[[اليوم.. انتخابات (الحرية والعدالة) بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[رموز الصحافة والدعوة: جابر رزق نموذج الصحفي الداعية]] <br />
<br />
[[رئيس حزب الحرية والعدالة يستقبل سفيرة أستراليا بالقاهرة]] <br />
<br />
[[مؤسسو "الحرية والعدالة" بالسويس ينهون انتخاباتهم]] <br />
<br />
[[د. رزق: الإخوان لم يحددوا موقفهم من المرشحين لنقيب الأطباء]] <br />
<br />
[[اختتام فعاليات مخيم إخوان دمياط التربوي بالزرقا]] <br />
<br />
[[أبو عوف أمينًا لـ"الحرية" والعدالة بالدقهلية]] <br />
<br />
[[الإخوان ينهون أزمة قرية الكعابى بالفيوم]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" بأسوان يكذب "المصري اليوم"]] <br />
<br />
[[القليوبية.. معلمو الإخوان يعلنون برنامجًا للإصلاح والتغيير]] <br />
<br />
[[شمال سيناء.. الشوربجي بالهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[اليوم.. انتخابات "الحرية والعدالة" بأسيوط]] <br />
<br />
[[أسوان.. مسيحي عضوًا بالمؤتمر العام لحزب الحرية والعدالة]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية: الإصلاح قضيتنا وليس لنا مكاسب خاصة]] <br />
<br />
[[إخوان المطرية يقيمون معرضًا للسلع الغذائية]] <br />
<br />
[[تواصل القوافل الطبية لإخوان السويس]] <br />
<br />
[[قافلة طبية في الزيتون وسوق خيري بعرب المعادي]] <br />
<br />
[[مسيرة حاشدة بالعريش دعمًا للشرطة]] <br />
<br />
[[إجراء الانتخابات الداخلية لـ"الحرية والعدالة" في كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[المنوفية.. عامر وبدر الدين في "العليا" للحرية والعدالة]] <br />
<br />
[["الحرية والعدالة" يجري انتخاباته الداخلية بأسيوط]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالزقازيق: إصلاح التعليم يبدأ بالكرامة]] <br />
<br />
[[الإخوان ينظمون قافلة طبية بالزاوية الحمراء]] <br />
<br />
[["ميكروباص الإخوان" يحل أزمة المواصلات بالخانكة]] <br />
<br />
[[سوق إخوان ميت غمر يواجه غلاء الأسعار]] <br />
<br />
[[قافلة مجانية وسوق خيري لإخوان دمياط]] <br />
<br />
[[1150 مستفيدًا من القوافل الطبية لإخوان أسيوط]] <br />
<br />
[[إخوان البساتين ينظمون قافلةً طبيةً ناجحةً]] <br />
<br />
[[احتفالية لإخوان الإسماعيلية بذكرى الإسراء والمعراج]] <br />
<br />
[[إخوان البحيرة يعيدون ترميم محطة قطار كوم حمادة]] <br />
<br />
[[تواصل القوافل الطبية لإخوان الشرقية]] <br />
<br />
[[مؤتمر للأخوات المسلمات ببورسعيد]] <br />
<br />
[[المحمدي عضوًا للهيئة العليا لـ"الحرية والعدالة"]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان: نرفض الالتفاف على مطلب حل الاتحاد]] <br />
<br />
[[إعلان برنامج معلمي كرداسة وجولات ناجحة بالفيوم]] <br />
<br />
[[ختام المعسكر التربوي لمشرفي "الثانوي" ببورسعيد]] <br />
<br />
[[قوافل طبية وسوق خيرية للإخوان بأربع محافظات]] <br />
<br />
[[إخوان السويس يطلقون موقعهم الجديد]] <br />
<br />
[[تكريم 1700 طالب متفوق بدمياط والبحيرة]] <br />
<br />
[[أسواق الإخوان الخيرية تنتشر في أرجاء 6 أكتوبر]] <br />
<br />
[[إخوان الطالبية ينظمون قافلة طبية]] <br />
<br />
[[انتهاء عمومية قسم العمال والفلاحين عن قطاع الصعيد]] <br />
<br />
[[تحركات لوقف تجاوزات لجنة انتخابات المعلمين بالبحيرة]] <br />
<br />
[[90 مرشحًا للإخوان في انتخابات المعلمين بأسيوط]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالقليوبية يطالبون بضمانات لنزاهة الانتخابات]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالغربية يطالبون بالإشراف القضائي]] <br />
<br />
[[د. أحمد الحلواني يستنكر محاولات إفساد انتخابات المعلمين]] <br />
<br />
[[إنهاء أزمة الكشوف في انتخابات معلمي المنيا]] <br />
<br />
[[معلمو البحيرة يحتجون على تجاوزات النقابة]] <br />
<br />
[[د. القرضاوي يستقبل الداعية الكبير جمعة أمين ود. البر]] <br />
<br />
[[مندوب اليمن بالجامعة العربية: الإخوان في طليعة الثوار]] <br />
<br />
[["من نحن وماذا نريد؟".. قوافل لإخوان المعادي]] <br />
<br />
[[د. البر يحاضر عن "الشباب والنهضة" في نادي قطر]] <br />
<br />
[[انعقاد المؤتمر الأول للمربيات بأسيوط]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام من "الشاطر" ضدَّ "العادلي" ورجاله]]<br />
<br />
<br />
[[معلمو الإخوان بشرق القاهرة يعلنون برنامجهم الانتخابي]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان بالبحيرة يواجهون أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يطالبون بسرعة القصاص من المخلوع]] <br />
<br />
[[د. البر يحاضر عن "الشباب والنهضة" في نادي قطر]] <br />
<br />
[[انعقاد المؤتمر الأول للمربيات بأسيوط]] <br />
<br />
[[بلاغ للنائب العام من "الشاطر" ضدَّ "العادلي" ورجاله]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بشرق القاهرة يعلنون برنامجهم الانتخابي]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان بالبحيرة يواجهون أزمة البوتاجاز]] <br />
<br />
[[إخوان الإسكندرية يطالبون بسرعة القصاص من المخلوع]] <br />
<br />
[[د. بشر: أسبوعان لتنفيذ قرارات "عمومية المهندسين"]] <br />
<br />
[["حب وانصح".. حملة وطنية للارتقاء بالإسماعيلية]] <br />
<br />
[[يوم طبي مجاني و5 أسواق خيرية للإخوان بأكتوبر]] <br />
<br />
[[معلمو الإخوان بالشرقية: هدفنا الإصلاح ومصلحة المعلم]] <br />
<br />
[[سوق خيري وقافلة طبية بحدائق المعادي والزيتون]] <br />
<br />
[[حضور كثيف للأخوات المسلمات في مؤتمرهن الأول]] <br />
<br />
[[م. الشاطر: تمثيل النساء في "الإخوان" أعلى من أي تنظيم]] <br />
<br />
[[المنيا.. إخوان بني مزار يحتفلون بالإسراء والمعراج]] <br />
<br />
[[تصريح من د. غزلان عن الحوار مع الإدارة الأمريكية]] <br />
<br />
[[ختام معسكر شباب الإخوان المفتوح ببورسعيد]] <br />
<br />
[[د. غزلان: المرأة المصرية أساس النهضة المأمولة للوطن]] <br />
<br />
[[أ. جمعة أمين للأخوات المسلمات: الأمة تترقب دوركن]] <br />
<br />
[[د. زغلول النجار: المسجد الأقصى خط أحمر]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي متنوع لإخوان المنصورة]] <br />
<br />
[[مؤتمر الأخوات المسلمات ينهي أعماله بتوصيات هامة]] <br />
<br />
[["الأخوات المسلمات": مؤتمرنا الأول انطلاقة جديدة للعمل]] <br />
<br />
[[نشاط مكثف لإخوان كفر الشيخ للتعريف بالجماعة]] <br />
<br />
[[قافلتان طبيتان لإخوان كفر الشيخ]] <br />
<br />
[[جماهير المنيا ترفض الالتفاف على إرادة الشعب]] <br />
<br />
[[إخوان دمنهور يبدءون معسكرهم التربوي الأول بالساحل]] <br />
<br />
[[ملتقى شعبي لإخوان العاشر لحلِّ مشكلات المدينة]] <br />
<br />
[[حملة نظافة واسعة لشباب الإخوان بالمنوفية]] <br />
<br />
[[استطلاع رأي: (إخوان أون لاين) أكثر حيادًا من "اليوم السابع"]] <br />
<br />
[[استقبال حافل للداعية يسري هانئ بمسقط رأسه]] <br />
<br />
[[استمرار القوافل الطبية للإخوان بالعريش]] <br />
<br />
[[إخوان كوم أمبو يكرمون المتفوقين بالابتدائية]] <br />
<br />
[[إخوان "مسير" بكفر الشيخ ينهون مخيمهم التربوي]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف: حان وقت العمل لبناء مصر]] <br />
<br />
[[إخوان أبنوب بأسيوط يكرمون المتفوقين]] <br />
<br />
[[إخوان السويس يطالبون القضاء بحسم قضية قتلة الثوار]] <br />
<br />
[[د. البر يفتتح مقر شعبة بلال بالشرابية]] <br />
<br />
[[شباب الإخوان يتصدون للصوص بدمياط]] <br />
<br />
[[لجان شعبية لإخوان السويس لحماية المؤسسات المهمة]] <br />
<br />
[[وفد من إخوان الجيزة يزور مصابي الثورة]] <br />
<br />
[[تأجيل معسكر الشباب بالسويس تضامنًا مع أسر الشهداء]] <br />
<br />
[[د. البر يفتتح شعبة بلال بالشرابية]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يزور معسكر طلاب الثانوي ببلطيم]] <br />
<br />
[[إخوان الخانكة يكرمون حفظة القرآن الكريم بالقليوبية]] <br />
<br />
[[القوى السياسية بالبحيرة تشارك في مظاهرات الجمعة]] <br />
<br />
[[إخوان منفلوط يكرمون المتفوقين]] <br />
<br />
[[إخوان شمال سيناء يطالبون بإنصاف أهالي الشهداء]] <br />
<br />
[[عبد الله مصباح: مدارس الصلح تخفيف لأعباء القضاء]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان يشاركون في حوار "البرعي"]] <br />
<br />
[[د. محمود غزلان يفتتح مقر الإخوان ببولاق الدكرور]] <br />
<br />
[[د. بشر: يدًا بيد مع الشعب حتى تتحقق مطالب الثورة]] <br />
<br />
[[د. غزلان: "القصاص" و"التطهير" مطلبان تأخرا كثيرًا]] <br />
<br />
[[د. البر: لن نسمح بسرقة الثورة وعرقلة النهضة]] <br />
<br />
[[د. أحمد دياب: دماء الشهداء لن تذهب هدرًا]] <br />
<br />
[[إخوان مغاغة يكرمون متفوقي الابتدائية والإعدادية]] <br />
<br />
[[الدقهلية.. 8 تخصصات في قافلة طبية بميت فارس]] <br />
<br />
[[د. يسري هانئ: مصر تحتاج إلى أصحاب القلوب السليمة]] <br />
<br />
[[نشاط خيري مكثف لإخوان بورسعيد]] <br />
<br />
[[الإخوان يفتتحون جمعية "نسائم الخير" بكفر الشيخ]] <br />
<br />
[[مصعب الشاعر: تأخير العدل يناهض الثورة]] <br />
<br />
[[إخوان السويس يحذرون من الإشاعات وإثارة الفتنة]] <br />
<br />
[[نشاط مجتمعي مكثف لإخوان البحيرة]] <br />
<br />
[[الإخوان يصلحون بين شباب "مير" و"صنبو" بأسيوط]] <br />
<br />
[[وفد من عمال الإخوان يلتقون وزير القوى العاملة]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يواصلون معركتهم لعلانية المحاكمات]] <br />
<br />
[[استعدادات في الشرقية لاستقبال المرشد العام]] <br />
<br />
[[محامو الإخوان يسعون لبث محاكمات قتلة الثوار على الشاشات]] <br />
<br />
[["إخوان المنيا" يرفضون ترقيعات المحافظ]] <br />
<br />
[[د. يسري هانئ يشبه سقوط الطاغية بهلاك فرعون]] <br />
<br />
[["مدرسة شباب الإخوان".. صفحة اجتماعية للبناء والتطوير]] <br />
<br />
[[التيار الإسلامي في "صالون فكري" لإخوان شبرا]] <br />
<br />
[[فضيحة.. الخارجية ترفض ضمان مصعب الشاعر لاستكمال علاجه]] <br />
<br />
[[المشير يعلن استكمال إجراء علاج مصعب الشاعر]] <br />
<br />
[[إقبال كبير على الأسواق الخيرية لإخوان دمياط]] <br />
<br />
[[انتهاء معسكر إخوان كفر الشيخ لطلاب الإعدادي والثانوي]] <br />
<br />
[[افتتاح مقر الإخوان المسلمين بإمبابة]] <br />
<br />
[[البحيرة.. افتتاح مقر شعبة الإخوان بـ"الروضة"]] <br />
<br />
[[650 مستفيدًا في قافلة طبية لإخوان منقباد بأسيوط]] <br />
<br />
[[حسن أبو شعيشع: الإخوان يخدمون مصر بلا مقابل]] <br />
<br />
[[سوق خيري لإخوان "إسكو" بشرق شبرا]] <br />
<br />
[[الليلة.. إخوان القليوبية يقدمون نتيجة الثانوية مجانًا]] <br />
<br />
[[قافلتان طبيتان من إخوان البحيرة لأهالي "أبو حمص"]] <br />
<br />
[[مؤتمر تعريفي بالإخوان وحفل للمتفوقين بكفر الدوار]] <br />
<br />
[[الأستاذ عاكف يفتتح مقر شعبة إخوان زهراء مدينة نصر]] <br />
<br />
[[أهالي الزيتون يشيدون بقافلة الإخوان الطبية]] <br />
<br />
[[افتتاح مقر إخوان أرض اللواء بفيصل]] <br />
<br />
[[قافلتان طبيتان لإخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان العاشر ينظمون معرضًا مخفضًا للملابس]] <br />
<br />
[[انتهاء الملتقى التربوي الأول للأخوات المسلمات ببورسعيد]] <br />
<br />
[[منتدى أدبي لإخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[إخوان المرج ينهون معسكرهم التربوي الأول]] <br />
<br />
[[الملتقى التربوي الأول للأخوات بالدقهلية]] <br />
<br />
[[عمال الإخوان: نرفض التباطؤ في حلِّ مجلس الاتحاد]] <br />
<br />
[[نشاط خدمي مكثف لإخوان فيصل]] <br />
<br />
[[قافلة طبية وسوق خيرية لإخوان الدقهلية]] <br />
<br />
[[ملتقى الأخوات بالدقهلية يدعو إلى ترسيخ قيم المجتمع]]<br />
<br />
[[معرض سلع غذائية لإخوان عين الصيرة]]<br />
<br />
[[نشاط إيماني ودَعَوي لأخوات أسوان]]<br />
<br />
[[اختتام الحملة الطبية لإخوان السادات]]<br />
<br />
[["الطريق إلى التحرير".. دورة كرة لإخوان عين الصيرة]]<br />
<br />
[[انتهاء الفوج الثاني لمعسكر طلاب الإخوان بكفر الشيخ]]<br />
<br />
[[إخوان الدقهلية يتصدون للغلاء بقرى مركز المنصورة]]<br />
<br />
[[إخوان البساتين يواصلون محاربة غلاء الأسعار]]<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%88%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85_%D9%87%D9%85_%D9%86%D8%AA%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6_%D9%88%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1&diff=643235أولاد الذوات وبناتهم هم نتن الأرض ولعنة السماء2012-02-21T07:53:25Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>أولاد الذوات وبناتهم ..هم نتن الأرض ولعنة السماء </center>'''<br />
<br />
<br />
'''كتب الأستاذ [[سيد قطب]] هذا المقال في جريدة الفكر الجديد العدد 10 العدد 7 (2ربيع ثان 1367 - 12 [[فيراير]] [[1948]])'''<br />
<br />
ماذا يصنع أولئك الفتيان المترهلون وأولئك الفتيات المائعات ... من أبناء وبنات الذوات بالأموال المكدسة التى يجدونها في أيديهم وأيديهن بلا حساب، وبلا كد ولا تعب، وبلا تفكير أو تدبير؟!<br />
<br />
ماذا يصنعون بصفائح الذهب المتجمع من قطرات العرق والدماء، المتجلبة من جباه وعروق، الملايين من الشعب الكادح، الذين لا يجدون كسرة الخبز الجافة بعد التعب والكد والعرق والدماء؟! <br />
<br />
ماذا يصنع هؤلاء الفتية الميع، وأولئك الفتيات الفارغات بأكداس الذهب، وصفائح العرق والدماء، ولديهم الشباب والفراغ والأموال؟!<br />
<br />
لا شيء! إلا تصريف الطاقة في الشهوات، وشراء الأجساد والملاذ ... في أيديهم وأيديهن المال، وهناك المحتاجون والمحتاجات. هناك السماسرة والضحايا. هناك الشارى القادر، والبائع المستغل، والسلعة المضطرة ... فلتقم أسواق الرقيق، ولينحدر المجتمع، ولتصبح الدعارة سوقا رائجة، وتجارة رابحة ... وإلا فأين تذهب الأموال؟<br />
<br />
وهؤلاء المترفون والمترفات ... هؤلاء الذين لا ثقافة لهم، ولاحس ولا شعور، هؤلاء الذين لا يرتفعون عن مستوى الحيوان في متاعه ولذته وحسه، ماذا تراهم يقرأون؟! إنهم لا يقرأون فنا ولا أدبا ذا قيمة ... وفى أيديهم المال، وهم يريدون شيئا من التسلية .. التسلية من متاعب السهرات الحمر، ومن جهد اللذائذ والشهوات، فلتصدر صحف ومجلات، صحف تافهة رخيصة. صحف داعرة قذرة. صحف تنشر صور الأفخاذ والنهود، وتدغدغ الغرائز في كل قصة وكل فكاهة وكل تورية أو تصريح.<br />
<br />
لتصدر هذه الصحف، ولتتحدث عن أبناء الذوات، وعن بنات الذوات، ولتنشر صور حفلاتهم التافهة الداعرة، ليزدادوا متاعا ولذة بمشاهدة صورهم وقراءة أخبارهم، وليشعروا أن لهم قيمة في المجتمع، وأنهم محور هذا الكون الذى يدور حوله الجميع!.<br />
<br />
ثم لتصدر هذه الصحف، لا لتمليق هذا الخشاش الفارغ فحسب، بل لتشيع الفاحشة في أوساط الشعب، لتزيد الانحلال الاجتماعى، فتعمر أسواق الرقيق، ليصبح الصيد سهلا، لا على أبناء الذوات وحدهم، بل على ذيولهم من الصحفيين "الدلاديل"!! لتقوم هذه الصحف بوظيفة كلاب الصيد!! ... ثم ليتلهى الشباب المحروم بصور الأفخاذ والنهود، عن الأفخاذ والنهود. ليتناول الشباب المحروم هذا المخدر ليل نهار، فينسى نفسه من متاع، ويترك المجتمع الآمن ينتن بإفراز هذه الديدان والحشرات!<br />
<br />
فإذا تحدثنا عن الانحلال الخلقى، والنتن الاجتماعي، فلنتذكر مصدر ذلك كله. إنه تلك الأموال المتروكة بلا حساب في أيدى ذلك الخشاش النتن الذي يسمى أولاد الذوات وبنات الذوات. لنتذكر أن هذا المال لابد له من متصرف، وأن الحرمان الذي يقابله لابد له من السقوط لينال قسطا من هذا المال، ثمنا لما يمنحه من لذة وشهوة.<br />
<br />
وإذا تحدثنا عن مجلات الدعارة، فلنتذكر أنها لا تزيد على أن تقوم بوظيفة كلاب الصيد للمترفين، للمال المكدس، للوقت الفارغ، للشهوة الحرام!.<br />
<br />
وحين تتحد مصلحة المترفين ومصلحة كلاب الصيد تتم المؤامرة على الشعب الكادح والشباب المحروم، لتلهيه بصور الأفخذا والنهود.<br />
<br />
ولا خلاص من نتن الأرض ولعنة السماء، إلا بأن تسترد الدولة فائض هذه الأموال، فلا تدع للمستغلين وأبناء المستغلين، وبنات المستغلين، سوى الضرورى الذى لا يدعو إلى الترف والسرف، ذلك هو العلاج الوحيد العميق عبث كل وعظ، وعبث كل إرشاد وعبث قيام الجماعات الدينية والخلقية، لتنفقها على الشعب، لتغنى المحرومين والمحرومات عن بيع الأجساد والكرامات للشهوات ولتعجز المترفين والمترفات عن شراء الأجساد والكرامات.<br />
<br />
وعلى الشباب المحروم أن ينبذ صور الأفخاذ والنهود، لأنها ضحكة عليه وسخرية به، وتخدير له، وسرقة لنقوده القليلة، ليهزل جسمه وتنحل شخصيته ويسكت على الظلم الاجتماعى، ويدع نتن الأرض يعيش في أمان وسلام. <br />
<br />
'''أيها الشعب المحروم!'''<br />
<br />
قل للدولة تسترد لك عرقك ودمائك قبل أن تحل عليك اللعنة فتخسر متاع الدنيا وثواب الآخرة، ويتحقق نذير السماء!<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط سيد قطب]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%88%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85_%D9%87%D9%85_%D9%86%D8%AA%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6_%D9%88%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1&diff=643233أولاد الذوات وبناتهم هم نتن الأرض ولعنة السماء2012-02-21T07:52:09Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>أولاد الذوات وبناتهم ..هم نتن الأرض ولعنة السماء </center>'''<br />
<br />
<br />
'''كتب الأستاذ [[سيد قطب]] هذا المقال في جريدة الفكر الجديد العدد 10 العدد 7 (2ربيع ثان 1367 - 12 [[فيراير]] [[1948]])'''<br />
<br />
ماذا يصنع أولئك الفتيان المترهلون وأولئك الفتيات المائعات ... من أبناء وبنات الذوات بالأموال المكدسة التى يجدونها في أيديهم وأيديهن بلا حساب، وبلا كد ولا تعب، وبلا تفكير أو تدبير؟!<br />
<br />
ماذا يصنعون بصفائح الذهب المتجمع من قطرات العرق والدماء، المتجلبة من جباه وعروق، الملايين من الشعب الكادح، الذين لا يجدون كسرة الخبز الجافة بعد التعب والكد والعرق والدماء؟! <br />
<br />
ماذا يصنع هؤلاء الفتية الميع، وأولئك الفتيات الفارغات بأكداس الذهب، وصفائح العرق والدماء، ولديهم الشباب والفراغ والأموال؟!<br />
<br />
لا شيء! إلا تصريف الطاقة في الشهوات، وشراء الأجساد والملاذ ... في أيديهم وأيديهن المال، وهناك المحتاجون والمحتاجات. هناك السماسرة والضحايا. هناك الشارى القادر، والبائع المستغل، والسلعة المضطرة ... فلتقم أسواق الرقيق، ولينحدر المجتمع، ولتصبح الدعارة سوقا رائجة، وتجارة رابحة ... وإلا فأين تذهب الأموال؟<br />
<br />
وهؤلاء المترفون والمترفات ... هؤلاء الذين لا ثقافة لهم، ولاحس ولا شعور، هؤلاء الذين لا يرتفعون عن مستوى الحيوان في متاعه ولذته وحسه، ماذا تراهم يقرأون؟! إنهم لا يقرأون فنا ولا أدبا ذا قيمة ... وفى أيديهم المال، وهم يريدون شيئا من التسلية .. التسلية من متاعب السهرات الحمر، ومن جهد اللذائذ والشهوات، فلتصدر صحف ومجلات، صحف تافهة رخيصة. صحف داعرة قذرة. صحف تنشر صور الأفخاذ والنهود، وتدغدغ الغرائز في كل قصة وكل فكاهة وكل تورية أو تصريح.<br />
<br />
لتصدر هذه الصحف، ولتتحدث عن أبناء الذوات، وعن بنات الذوات، ولتنشر صور حفلاتهم التافهة الداعرة، ليزدادوا متاعا ولذة بمشاهدة صورهم وقراءة أخبارهم، وليشعروا أن لهم قيمة في المجتمع، وأنهم محور هذا الكون الذى يدور حوله الجميع!.<br />
<br />
ثم لتصدر هذه الصحف، لا لتمليق هذا الخشاش الفارغ فحسب، بل لتشيع الفاحشة في أوساط الشعب، لتزيد الانحلال الاجتماعى، فتعمر أسواق الرقيق، ليصبح الصيد سهلا، لا على أبناء الذوات وحدهم، بل على ذيولهم من الصحفيين "الدلاديل"!! لتقوم هذه الصحف بوظيفة كلاب الصيد!! ... ثم ليتلهى الشباب المحروم بصور الأفخاذ والنهود، عن الأفخاذ والنهود. ليتناول الشباب المحروم هذا المخدر ليل نهار، فينسى نفسه من متاع، ويترك المجتمع الآمن ينتن بإفراز هذه الديدان والحشرات!<br />
<br />
فإذا تحدثنا عن الانحلال الخلقى، والنتن الاجتماعي، فلنتذكر مصدر ذلك كله. إنه تلك الأموال المتروكة بلا حساب في أيدى ذلك الخشاش النتن الذي يسمى أولاد الذوات وبنات الذوات. لنتذكر أن هذا المال لابد له من متصرف، وأن الحرمان الذي يقابله لابد له من السقوط لينال قسطا من هذا المال، ثمنا لما يمنحه من لذة وشهوة.<br />
<br />
وإذا تحدثنا عن مجلات الدعارة، فلنتذكر أنها لا تزيد على أن تقوم بوظيفة كلاب الصيد للمترفين، للمال المكدس، للوقت الفارغ، للشهوة الحرام!.<br />
<br />
وحين تتحد مصلحة المترفين ومصلحة كلاب الصيد تتم المؤامرة على الشعب الكادح والشباب المحروم، لتلهيه بصور الأفخذا والنهود.<br />
<br />
ولا خلاص من نتن الأرض ولعنة السماء، إلا بأن تسترد الدولة فائض هذه الأموال، فلا تدع للمستغلين وأبناء المستغلين، وبنات المستغلين، سوى الضرورى الذى لا يدعو إلى الترف والسرف، ذلك هو العلاج الوحيد العميق عبث كل وعظ، وعبث كل إرشاد وعبث قيام الجماعات الدينية والخلقية، لتنفقها على الشعب، لتغنى المحرومين والمحرومات عن بيع الأجساد والكرامات للشهوات ولتعجز المترفين والمترفات عن شراء الأجساد والكرامات.<br />
<br />
وعلى الشباب المحروم أن ينبذ صور الأفخاذ والنهود، لأنها ضحكة عليه وسخرية به، وتخدير له، وسرقة لنقوده القليلة، ليهزل جسمه وتنحل شخصيته ويسكت على الظلم الاجتماعى، ويدع نتن الأرض يعيش في أمان وسلام. <br />
<br />
'''أيها الشعب المحروم!'''<br />
<br />
قل للدولة تسترد لك عرقك ودمائك قبل أن تحل عليك اللعنة فتخسر متاع الدنيا وثواب الآخرة، ويتحقق نذير السماء!<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط السيد قطب]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%88%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85_%D9%87%D9%85_%D9%86%D8%AA%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6_%D9%88%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1&diff=643230أولاد الذوات وبناتهم هم نتن الأرض ولعنة السماء2012-02-21T07:50:01Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>أولاد الذوات وبناتهم ..هم نتن الأرض ولعنة السماء </center>'''<br />
<br />
<br />
'''كتب الأستاذ [[سيد قطب]] هذا المقال في جريدة الفكر الجديد العدد 10 العدد 7 (2ربيع ثان 1367 - 12 [[فيراير]] [[1948]])'''<br />
<br />
ماذا يصنع أولئك الفتيان المترهلون وأولئك الفتيات المائعات ... من أبناء وبنات الذوات بالأموال المكدسة التى يجدونها في أيديهم وأيديهن بلا حساب، وبلا كد ولا تعب، وبلا تفكير أو تدبير؟!<br />
<br />
ماذا يصنعون بصفائح الذهب المتجمع من قطرات العرق والدماء، المتجلبة من جباه وعروق، الملايين من الشعب الكادح، الذين لا يجدون كسرة الخبز الجافة بعد التعب والكد والعرق والدماء؟! <br />
<br />
ماذا يصنع هؤلاء الفتية الميع، وأولئك الفتيات الفارغات بأكداس الذهب، وصفائح العرق والدماء، ولديهم الشباب والفراغ والأموال؟!<br />
<br />
لا شيء! إلا تصريف الطاقة في الشهوات، وشراء الأجساد والملاذ ... في أيديهم وأيديهن المال، وهناك المحتاجون والمحتاجات. هناك السماسرة والضحايا. هناك الشارى القادر، والبائع المستغل، والسلعة المضطرة ... فلتقم أسواق الرقيق، ولينحدر المجتمع، ولتصبح الدعارة سوقا رائجة، وتجارة رابحة ... وإلا فأين تذهب الأموال؟<br />
<br />
وهؤلاء المترفون والمترفات ... هؤلاء الذين لا ثقافة لهم، ولاحس ولا شعور، هؤلاء الذين لا يرتفعون عن مستوى الحيوان في متاعه ولذته وحسه، ماذا تراهم يقرأون؟! إنهم لا يقرأون فنا ولا أدبا ذا قيمة ... وفى أيديهم المال، وهم يريدون شيئا من التسلية .. التسلية من متاعب السهرات الحمر، ومن جهد اللذائذ والشهوات، فلتصدر صحف ومجلات، صحف تافهة رخيصة. صحف داعرة قذرة. صحف تنشر صور الأفخاذ والنهود، وتدغدغ الغرائز في كل قصة وكل فكاهة وكل تورية أو تصريح.<br />
<br />
لتصدر هذه الصحف، ولتتحدث عن أبناء الذوات، وعن بنات الذوات، ولتنشر صور حفلاتهم التافهة الداعرة، ليزدادوا متاعا ولذة بمشاهدة صورهم وقراءة أخبارهم، وليشعروا أن لهم قيمة في المجتمع، وأنهم محور هذا الكون الذى يدور حوله الجميع!.<br />
<br />
ثم لتصدر هذه الصحف، لا لتمليق هذا الخشاش الفارغ فحسب، بل لتشيع الفاحشة في أوساط الشعب، لتزيد الانحلال الاجتماعى، فتعمر أسواق الرقيق، ليصبح الصيد سهلا، لا على أبناء الذوات وحدهم، بل على ذيولهم من الصحفيين "الدلاديل"!! لتقوم هذه الصحف بوظيفة كلاب الصيد!! ... ثم ليتلهى الشباب المحروم بصور الأفخاذ والنهود، عن الأفخاذ والنهود. ليتناول الشباب المحروم هذا المخدر ليل نهار، فينسى نفسه من متاع، ويترك المجتمع الآمن ينتن بإفراز هذه الديدان والحشرات!<br />
<br />
فإذا تحدثنا عن الانحلال الخلقى، والنتن الاجتماعي، فلنتذكر مصدر ذلك كله. إنه تلك الأموال المتروكة بلا حساب في أيدى ذلك الخشاش النتن الذي يسمى أولاد الذوات وبنات الذوات. لنتذكر أن هذا المال لابد له من متصرف، وأن الحرمان الذي يقابله لابد له من السقوط لينال قسطا من هذا المال، ثمنا لما يمنحه من لذة وشهوة.<br />
<br />
وإذا تحدثنا عن مجلات الدعارة، فلنتذكر أنها لا تزيد على أن تقوم بوظيفة كلاب الصيد للمترفين، للمال المكدس، للوقت الفارغ، للشهوة الحرام!.<br />
<br />
وحين تتحد مصلحة المترفين ومصلحة كلاب الصيد تتم المؤامرة على الشعب الكادح والشباب المحروم، لتلهيه بصور الأفخذا والنهود.<br />
<br />
ولا خلاص من نتن الأرض ولعنة السماء، إلا بأن تسترد الدولة فائض هذه الأموال، فلا تدع للمستغلين وأبناء المستغلين، وبنات المستغلين، سوى الضرورى الذى لا يدعو إلى الترف والسرف، ذلك هو العلاج الوحيد العميق عبث كل وعظ، وعبث كل إرشاد وعبث قيام الجماعات الدينية والخلقية، لتنفقها على الشعب، لتغنى المحرومين والمحرومات عن بيع الأجساد والكرامات للشهوات ولتعجز المترفين والمترفات عن شراء الأجساد والكرامات.<br />
<br />
وعلى الشباب المحروم أن ينبذ صور الأفخاذ والنهود، لأنها ضحكة عليه وسخرية به، وتخدير له، وسرقة لنقوده القليلة، ليهزل جسمه وتنحل شخصيته ويسكت على الظلم الاجتماعى، ويدع نتن الأرض يعيش في أمان وسلام. <br />
<br />
'''أيها الشعب المحروم!'''<br />
<br />
قل للدولة تسترد لك عرقك ودمائك قبل أن تحل عليك اللعنة فتخسر متاع الدنيا وثواب الآخرة، ويتحقق نذير السماء!<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:روابط سيد قطب]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%86%D9%81%D9%84%D9%88%D9%86%D8%B2%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%B1&diff=643228أنفلونزا الخنازير2012-02-21T07:47:25Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>أنفلونزا الخنازير</font></font></center>'''<br />
<br />
'''تقديم د. [[حمدي حسن]]''' <br />
<br />
== مقدمة ==<br />
[[ملف:د.حمدى حسن يتحدث فلا المؤتمر الاصحفى.jpg|يسار|تصغير|'''<center>د.[[حمدى حسن]] يتحدث خلال المؤتمر الصحفى</center>''']] <br />
<br />
'''السلام عليكم ورحمة الله وبركاته''' <br />
<br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم''' <br />
<br />
والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي اهله وصحبه أجمعين <br />
<br />
'''أهلا ومرحبا بكم في صالون جديد للكتلة البرلمانية''' [[للاخوان المسلمين]] والصالون اليوم يتحدث عن موضوع افزع الشعوب العالم اجمع وهو انفلونزا الخنازير نتحدث اليوم عن انفلونزا الطيور والخنازير ونستضيف اليوم الاستاذ الدكتور محمد زيد / الاستاذ الدكتور بكلية الطب البطري بجامعة [[بني سويف]] مقرر لجنة مكافحة انفلونزا الطيور بنقابة اطباء [[مصر]] وعضو لجنة مكافحة امراض المشتركة بنقابة صيدلة [[مصر]] والاستاذ الدكتور حامد عطية استاذ امراض الباطنة والمعدية بكلية الطب البطري جامعة الزقازيق وعضو لجنة الاعجاز العلمي في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقران الكريم <br />
<br />
[[انفلونزا الخنازير]] هذا المرض الذي افزع الشعوب المرض الذي راح ضحيته في ساعات اكثر من 160 مواطن في المكسيك واصاب اكثرمن 1600 مواطن ايضا في المكسيك هذا المرض الذي جعل مكسيكو سيتي المدينه المزدحمة بالسكان وهي من اكبر مدن العالم ازدحاما تبدو خاويه المرض الذي اعاد للذاكرة احداث او كارثة 1918 والتي راح ضحية مايسمي بانفلونزا الاسبانية مايقرب من 40 مليون مواطن هذا الرقم اكتر من ضحايا الحربين العالمية الاولي والثانية معا اكثر من 40 مليون مواطن اسبانيا واحدها فقدت في هذا العام اكثر من 8 مليون مواطن نتيجه هذا المرض انفلونزا الطيور في سبع سنين راح ضحيته 257 مواطن اما انفلونزا الخنازير ففي ساعات قليله في مدينه واحده راح ضحيته اكثر من 163 مواطن والعدد لا يزال يتصاعد ومرشح للتصاعد ودول العالم كلها اصبحت تتخذ اجراءات صحية في محاولة للسيطرة علي هذا المرض المرض له اثار صحية واقتصادية واجتماعية وسياسية هناك شركات في سوق المال هبطت اسهمها بشكل كبير زي شركات السياحه والطيران وايضا سعر البترول انخفض .<br />
<br />
في مقابل ارتفاع اسعار الذهب والادويه اضاف بعد جديد للازمه الاقتصاديه العالمية بالاضافة الي الازمة الموجوده حاليا والتي تعاني منها بلاد كثيرة لا ندري اذا كانت المكسيك هي التي بدا منها المرض لان كل دول العالم كانت تنتظر هذا المرض من مصر نتيجه لعدم التعامل الحكومي الجيد مع ازمة انفلونزا الطيور وظهرت هذه الازمه في [[مصر]] في [[2006]] لم تتعامل الحكومة بأي نوع من الجديه مع هذه الازمه وهو المصيبة الاكبر في مرض انفلونزا الطيور الان الخنزير ظهر اثره حيث ان الفيروس يتحور داخل الخنزير سواء كان الخنزير مباشرة او فيروز انفلونزا الطيور الذي يعتبر الخنزير احد العوامل المهمة او الاساسية او الوحيده في تحوله للاصابه والانتقال بين البشر بعضهم وبعض او انفلونزا حتي البشرية التي ايضا يحتويها الخنزير ويتحور فيها ويجعله يتحور من طور الي طور واشكال متعدده لا تستطيع الادوية والمضادات الحيويه ان تتمكن من مقاومة هذا الفيروس لان الفيروس يتحور ويختلف شكله باستمرار للاسف الشديد الخنزير في مصر خير الخنزير في دول العالم الخنازير في دول العالم عايشه في منتهي النظافة لكن عندنا في مصر يعيش في مقالب الزباله ومقالب الزبالة التي يعيش فيها الخنزير فيها الكثير والكثير الاف الطيور النافقة نتيجه انفلونزا الطيور اذن نحن نضع البنزين بالقرب من النار في [[مصر]] لذلك كانت كل التقارير العالمية بما فيها منظمة الصحة العالمية تتوقع ان يبدا ظهور المرض في [[مصر]] اخيرا الحكومة بعد 3 سنين تنبهت الي خطورة الخنزير واليوم مجلس الشعب اصدر توصية للحكومة والزمها بمسئولية عليها ان تتحمل النتائج <br />
<br />
هذا الحيوان الذي اساتذتنا سيتفضلون بشرح خطورته هو يتعامل او يحتوي علي او مصدر ل 450 وباء وصدق الله حين قال " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " لحم الخنزير زي الميتة زي ماوصفه رب العالمين في القران لذلك نري هذه الايات التي تدل علي فساد هذا الحيوان ومدي الضرر الذي يصدر منه للعامل كله وليس لمن يأكله فقط بل لكل من يتعامل معه معنا حضر الدكتور محمد سيف وحضر الاستاذ الدكتور حامد عطيه وسيتولي ادارة الصالون اخونا النائب حمدي اسماعيل فليتفضل <br />
<br />
== النائب حمدي اسماعيل ==<br />
<br />
[[ملف:انفلونزا-الخنازير1.png|يسار|200بك]]<br />
<br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم''' <br />
<br />
اهلا بضيوفنا الكرام اعضاء مجلس الشعب والاخوة الصحفيين والاخوة الحضور <br />
<br />
فعلا الموضوع خطير جدا اذا كان العالم يخشي الحرب البارده فالعالم بيمر بأكثر من حرب بارده الان وبيتهدد عن طريق كائن حي مش هنقول هذا الكائن عبارة عن معمل بيتم فيه التزاوج والتبادل وتلقيح الانواع المختلفة من الفيروسات فايرس انفلونزا الخنازير والفايرس البشري والفايرس اللي بيصيب الخنازير كله يتأقلم داخل هذا الجسد اللي ربنا حرم اكله والبعد عنه وبيتطل علينا بمرض شديد الضراوه علينا وهو انفلونزا الخنازير التي تصيب الانسان وقد تنتقل من انسان الي انسان فالموضوع خطير وان شاء الله تعالي نبدا الحلقة النقاشيه ومعانا الاستاذ الدكتور محمد سيف واثاره علي الفرد والمجتمع وعلي الدول وعلي اقتصاديات العالم <br />
<br />
== دكتور محمد سيف ==<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
ايها الاخوة الاحباب سلام الله عليكم ورحمته وبركاته واهلا بكم في هذا الملتقي الذي نتمني ان نلقي فيه علي بعض الاضواء علي المشكلة التي تهدد العالم اجمع وهي مشكلة انفلونزا الخنازير <br />
<br />
مهما كانت مشكلة انفلونزا الطيور وهذا الصياح العالمي وكانت هذه الاجراءات التي يتجه العالم نحوها <br />
<br />
وانفلونزا الخنازير ايها الاحباب هذا المرض الذي ظهر اول ماظهر في عام 1918 وكان لظهور المرض هو ماسمي بمكروب اتش وان ان وان واحدث هذا الوباء في العالم وفيات قدرت ب50 مليون نسمة علي مستوي العالم وكان هذا التعداد اكثره في اسبانيا 8 مليون والهند 10 مليون وكان نصيب الولايات المتحدة الامريكية 675 الف نسمه واجتاح هذا الوباء ربع الشعب الليبي وخمس سكان العالم في هذا الاونه ذلك الذي يلقي بجرس الانزار الشديد اننا علي قرب من وباء قد يكون جديدا علي العالم في عام 1957 انتشر ايضا وباء جديد من فئة انفلونزا الخنازير ماعرف ب h2n2 وهذا الوباء حصد في ما حصد عدة ملايين وكان ظهوره في المنطقة الاسيوية وماعرف بالحمي .<br />
<br />
وفي عام 68 ظهر الوباء مرة اخري فيما عرف ب h3n3 وحصد فيما حصد مئات الملايين وسمي بإنفلونزا اذن هذا الوباء عندما نتكلم عنه نحن نتكلم عن خطر يهدد العالم اجمع والاشكالية ايها الاحباب انه في انفلونزا الطيور كانت تقف عند حد انتقال المكروب من الطير الي الانسان اما هذا الوباء الجديد فإنه اضحي ينتقل من الخنزير الي الانسان ومن الانسان الي الانسان وهنا تكمن المشكلة القضيه انها اصبح وباء ينتقل من الانسان الي الانسان وفيروس اتش ون ان ون الذي اكتشف حديثا تبين انه فيروس يتكون من ثلاثة انواع من الفيروسات جزء منها يتكون من انفلونزا الخنازير جزء منها يتكون من انفلونزا الانسان جزء منها يتكون من انفلونزا الطيور نحن بصدد ميكروب جديد علي العالم العالم لم يشهده والنتيجه لذلك ايها الاحباب ان كل الاجراءات الاحترازية التي تتخذ في هذا الباب اضحت ايضا مهدده انت قضية العلاج لهذا الميكروب بما يعرف بماضادات الفايروسات وهو مايسمي تجاريا بالانفلو هذه الادوية اضحت فيروسات انفلونزا الخنازير مقاومة لها هذا العقار المركب الذي يحتاج الي مركبات حديثه جدا للحصول عليه اصبح ايضا هو مهدد بمشكله ا لجزئية الثانية .<br />
<br />
فيما يتعلق بإنتاج الامصال فإن انتاج الامصال يأخذ ايضا شهور حتي ننتج مصل نستطيع ان نعممه علي مستوي العالم نتيجه اشكالية تقف علي ان هذا الفايروس قادر علي ان يغير من جلده ومن شكله بين الحين والحين حتي هذه الامصال تحتاج كل شويه الي ان نمد في عمليه تغييراها هذا الميكروب لما بيظهر في الخنازير يحدث حالة وبائية فظيعة جدا في القطيع بتصل الوبائية بتاعته الي اصابة 40 الي 50 % من قطيع الخنازير وتظن ان الخنزير علي شفا الهلاك ولكن ماهي الا ايام من 7 الي 10 ايام حتي تحدث مايسمي بحالة الشفاء وتعود هذه الخنازير مره اخري كأن شيئا لم يكن المشكله تقف عند الخنزير انه قادر علي ان يجمع بين هذه الجزئيات للفيروسات المختلفة ويحدث بينها خلطا دقيقا داخل الخنزير ولذلك يعرف الخنزير بوعاء خلط الميكروبات هذا الخنزير هو يخلط فيما يخلط بين هذه الانواع المختلفة نم الفيروسات لا يقف عند حد لان الفيروس علشان يصيب الانسان لازم المستقبلات في جسمنا احنا تكون مستعده لغاية انفلونزا الطيور مكنتش بتصيب الانسان لان مستقبلات الطيور كانت تختلف عن مستقبلات الانسان ولذلك ده اللي خلي العالم في انفلونزا الطيور يقول انه تحول داخل الخنزير ليه ؟ <br />
<br />
لان المستقبلات في الخنزير تشبه بالضبط المستقبلات في جسم الانسان وبالتالي يصبح الخنزير هو العائل الوحيد القادر علي ان يطور الفيروس ويجعله قادرا علي اصابة الانسان قضية ان الفيروس ينتقل نم الطائر للانسان تصيب بس اللي بينتقل ليه لكنه في هذه الحاله في انفلونزا الخنازير هو يحدث تكاثر وبالتالي هذا التكاثر يجعله قادر علي ان ينتقل من الخنزير الي الانسان نقول ان احنا عندنا من ساعة ماظهرت مشكلة انفلونزا الطيور في مصر يعني عام [[2006]] ونحن ندق جرس الانزار فيما يتعلق بالخنازير الخنازير كما قال الدكتور حمدي في مصر مرهونه بمقالب القمامة لانها تتغزي علي القمامة بالتالي [[مصر]] فيها 300 الف خنزير هي تربي داخل القمامة ولكن اللطيف والعجيب في مصر ان هذه الخنازير بتعيش مع البشر ايضا بتعيش مع الدواجن اذن هي قادرة ايضا ان تصنع ما صنع الخنزير في المكسيك وان تفرز لنا ايضا فايرس قد يكون من الخطورة مثلما هو الحال في الخنزير لذلك احنا بنقول اننا مش ننقل مزارع الخنازير في [[مصر]] لا احنا لابد ان في هذا الظرف الدقيق نمنع منعا تاما تربية الخنزير الفترة دي تعدي وبعد كده اللي عايز يربي خنزير يربي زي ماهو عاوز بس هذه المرحله هي مرحلة حساسة .<br />
<br />
وحازمه في التصدي والتعامل مع هذا الميكروب اللي ممكن يهدد العالم كله الاشكالية ايها الاحباب ان جميع القمامة في اثناء عملية الفرز يجمعون هذه القمامة ثم يعطون الجزء المتعلق للتغذيه للخنزير والاشكالية ان جميع القمامة يحتكون بالخنزير طبعا صدر قرار من السيد رئيس الجمهورية في عام [[2008]] بنقل مزارع الخنزير الي حلوان علي بعد من العمران وهذا من الناحية العملية كلام محترم ولكن معروف ان فايروس انفلونزا الخنزير ينتقل في مسافة 3 كيلو عبر الهواء اذن من الناحية النظرية كلام محترم لكن الاشكالية في ان تربية الخنزير مرهونه بجمع القمامة في [[مصر]] اذن جميع من يجمعون القمامة هم يحتكون بالخنزير ثم يدخلون الي كل بيت في مصر ليجمعو القمامة اذا ماحمل احدهم هذا الميكروب سوف يصبح قنبلة موقوته تنشر الميكروب عبر ربوع [[مصر]] كلها اذن نحن ايضا امام خطر .<br />
<br />
ولا بد ان تصدر مايسمي بالتشريعات التي تحرم في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة تربية الخنزير علي مستوي [[مصر]] القضية هناك كلام بماذا سنعوض هؤلاء لابد ان تفكر الدولة في ايجاد وسائل للتعوض ولا بد ان يعوض هؤلاء وبذلك فنحن نحمي المجتمع كله يعني بكم سيعوضون المسألة تكون هكذا اما فيما يتعلق بتوفير لحم الخنزير فقد يجوز توفير لحمه ولكن المفاجأة العجيبة ان النهارده روسيا والصين منعت منعا تاما استيراد الخنزير وخاصة من المناطق الموبوئة في امريكا وفي المكسيك توقفت الحكومة الروسية والصينية وهم من اكبر مستهلكي لحم الخنزير في العالم ومنعو تماما استيراد الخنزير نقول ان هذا العالمي احدث هزة عالمية ويمكن بعض مؤشرات البورصه علي مستوي العالم بدأت تنخفظ بنسبة واحد في الميه ووجدنا ان حتي البترول والطاقة بدأ ينخفض وكل السياحة انضربت في المكسيك والمكسيك بتعتمد علي السياحه كدخل ليها واحنا طبعا عارفين موضوع السياحه في مصر واثره وخطره لانه لو اتوجد عندنا المرض في أي لحظة اذن ممنوع حد يدخل ممنوع حد يطلع وده النظام المتبع عالميا اذن الاقتصاد بتاعنا انضرب .<br />
<br />
'''نحن امام مشكلة قد تؤرق وتسبب لنا''' صداع قد لا نستطيع تحمله وبالتالي لازلنا ندق جرز الانزار انتبهو ايها الساده نحن امام مشكله قد تحدث في أي لحظة بتصاعد مشكلة انفلونزا الطيور في تركيا وجلسنا نتحادث فيما بيننا وقلنا ان الامر مع ان تركيا بينا وبيننا الامر اوشك قريبا منا وماهي الا ايام قليله حتي فوجئنا ان انفلونزا الطيور عندنا في مصر نحن نقول الان ان الفيروس ليس في تركيا لكن الفيروس في اسرائيل في الكيان الصهيوني وبالتالي نحن اصبحن في مرمي هذا الفيروس قد يصل الينا في أي لحظه وبأي كيفية لا نعرف كيف ولا نعرف متي خاصة في ظل الوضع المفتوح نقول انه لا بد ان يوضع شيء للسيطره علي المسافرين من وإلي هذه البلاد ولا بد ان يوضع المسافرين تحت مايسمي بالحاجر الصحي كي نسيطر علي المشكلة الموضوع طبعا هيكون ليه ظلال اجتماعية خطيرة جدا المكسيك قفلت المدارس قفلت كل الانشطه اللي فيها تجمع الموضوع اصبح يمثل ازمة اقتصاديه لدرجه انهم بيقولو نتيجه للوضع بتاع المشكله دي ان اقتصاد المكسيك هيتأثر بشكل ضخم جدا علاوه علي المشكله الاساسيه نحن نقول اننا امام مشكله قد تؤثر علينا بالسلب اذا لم يتخذ المجتمع كله بكل فئاته وبكل تجمعاته الحكومة والمعارضه والشارع كل لا بد ان يقف وقفة رجل واحد حتي نمنع ان يدخل هذا الميكروب ان يحدث فينا ما يمكن ان يحدثه يعني هذه اطلاله سريعة حول هذا الميكروب الذي يمكن ان يكون له خطورة شديده جدا في القريب علشان كده بنبه ونقول اننا محتاجين في مثل هذه الظروف وقفات خاصة وتشريعات خاصه واشكركم علي حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركات <br />
<br />
== د حمدي اسماعيل ==<br />
<br />
'''شكرا علي هذه الاطلالة''' <br />
<br />
'''حقيقة البداية''' كانت في المكسيك عن طريق تلبيه قد تتماثل مع التلبيه التي توجد في بلدنا كانت شركة من اكبر مزارع المكسيك بتربي سنويا 950 الف خنزير انا عايز برده الاخوة اللي معانا اننا نوضح ليهم نبذه مختصرة عن الخنازير اشمعنه الخنازير الخنزير بيبلغ بعد اربع شهور وهو من الحيوانات التي تاكل أي شيء لدرجه انه ياكل الجيف من مثيلاته من الخنازير اللي بتموت والقطط والفئران أي حيوان الخنزير ياكله الخنزير بيتغذي علي هذه الاشياء وعنده هرمون النمو عالي جدا لدرجه الصغير من الخنزير حينما تلده امه وهو يقعد في بطن امه ثلاث اسابيع وتلات شهور وتلات ايام يعني حوالي 114 يوم فترة البلوغ اربع شهور بيلد فترة الحمل من 112 الي 115 يوم بينزل الخروف من 10 الي عشرين كل ثلاث شهور وثلاث اسبايع وثلاث ايام بيكون وزن الخروف الواحد 200 جرام بيزداد خمسين ضعف في فترة وجيزه تبلغ حوالي 6 اشهر يعني في خلال 180 يوم الخنزير الصغير اللي هو بيولد في بطن امه عنده 200 جرام بيصل الي 100 كيلو لذلك الناس بتتكلم عن الخنزير مش بتكلف شيء في الغزاء بل بالعكس الناس بتدفع فلوس علشان تتخلص من القمامة بيقوم بالتغزيه عليها هذا الجانب الخطير جدا اللي انا بشبه اكتر من القنبلة النووية بيحمل فيه خلاياه مش مرض انفلونزا الخنازير فقط انما عدد الامراض المشتركة التي يساهم في انتقالها الي البشر تبلغ 450 مرض من ضمنهم 57 مرض من الطفيليات واشدهم ضراور الدوده الخيطيه اللي بتصيب قلب الانسان وديدان تصيب القنوات المراريه وتؤدي بحياة الانسان الخنزير بينقل عن طريق اكل لحمه 16 مرض بين الانسان والحيوان فيه 27 مرض معدي بينتقل من الخنزير الي الانسان امريكا بس بتاكل سنويا 100 مليون خنزير في السنه أي ما يعادل مليار طن من اللحوم الخاصة بلحوم الخنازير لذلك احنا امام عدو مخيف جدا مبهم بالنسبه للاقتصاديين وهؤلاء الناس الذي نتاجرون في اللحوم المسمومة التي لا يعرفون اثارها الا حينما تقع هذه الكوارث مثل التي بدأت في المكسيك يتحدث معانا اخونا الاستاذ الدكتور حامد عطيه عن موضوع هام جدا وهو كيفية اصابة الخنزير بهذا المرض وكيف يتم انتقال المرض من الخنزير الي الانسان وكيف يصبح هذا المرض خطير جدا وينتقل من الانسان الي الانسان <br />
<br />
== الدكتور حامد عطيه ==<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
بداية اتفضل بالشكر للساده اعضاء مجلس الشعب لدعوتهم للمشاركة في ندوة علميه لمرض ظهر منذ ايام قليله وهو مرض انفلونزا الخنازير <br />
<br />
بدي للساده الحضور فكره سريعة عن الامراض فهناك امراض تصيب الانسان وامراض تصيب الحيوان من هذه الامراض امراض فيروسيه وامراض بكتيرية وامراض طفيلية من الامراض الفيروسيه التي تصيب جميع الحيوانات بما فيها الانسان مرض الانفلونزا وكل واحد هنا اصيب بالانفلونزا خاصة في فصل الشتاء لكن كل حيوان بيبقي ليه انفلونزا خاصة بيه فعندنا ظهر برده من فتره كان فيه مرض انفلونزا الطيور وهي تصيب الطيور فقط ولا تنتقل الي الانسان لكن الاخطر هو انفلونزا الخنازير طبعا هذا المرض يدرس في الكليات للطلبه منذ فترة طويلة وهو كان مرض خاص بالخنازير فقط ويمكن انتقاله للانسان ولكن عند انتقاله للانسان نسبه قليله جدا من المرض تنتقل للانسان واذا انتقل للانسان تكون اعراضه بسيطه ويتحسن الانسان بعدها مباشره الجديد ان هذا الفايروس الذي يصيب الخنزير يمكن ان يتحور داخل المعده .<br />
<br />
وداخل الجهاز التنفسي لينتج كائن غريب عجيب وهذا ما حدث بالفعل ولكن اعود بالذاكرة عندنا زي ماقال الدكتور محمد كان فيه انفلونزا اسبانيه ظهرت عام [[1918]] وحصدت عدد كبير من الناس وكان السبب الاساسي هو هذا الفيروس المتحور داخل الخنازير بدا العلماء يتابعو هذا المرض بدا المرض يظهر مره ثانية عام 1957 بعد كده بدا يظهر مره ثانيه في هونج كونج بعد 30 سنه فكانت منظمة الصحة العالمية كانت بترجح ان المرض ممكن يظهر هذا العام أو العام اللي بعديه لان كل 30 سنه بيظهر المرض وهذا ما حدث بالفعل وظهور هذا المرض أعلن عنه في 19 ابريل في المكسيك هذا المرض عندما يصيب الخنازير هو مرض فيروسي وممكن الخنزير يكون حامل لهذا المرض ممكن تكون أعراض بسيطة لكن الخنزير له طبيعة خاصة غير باقي الحيوانات في انه له مستبدلات يستبدل اكثر من فيروس في نفس الوقت فلما يكون هناك دواجن مجاورة للخنازير ممكن الخنزير يستبلد انفلونزا الطيور .<br />
<br />
والفيروس ده يدخل داخل الخلية الجسديه في الخنزير ممكن في نفس الوقت يكون العامل اللي بيتابع الخنازير عنده انفلونزا الانسان فيأخذها ايضا الخنزير ياخد الأنفلونزا ويستبدل أيضا هذا الفيروس ممكن يكون هو عنده انفلونزا خنزير ممكن الخلية الوحدة تسمح بدخول ثلاث فيروسات في وقت واحد كل فيروس يدخل يتخلص من المحتوي الجيني بتاعه ويظل داخل هذه الخلية يبقي ثلاث فيروسات دخلو في خلية واحده rna فيروس الانسان و rna لفيروس الطيور و rna لفيروس الخنزير نفسه ويبدا يحدث التحام جيني بين الار ان أي الثلاث وينتج عنها فيروس جديد بمواصفات جديده وهذا ما حدث بالفعل كما اعلن العلماء وانتقل هذا المرض الي الانسان واعلنت منظمة الصحة العالمية ان المرض بدا ينتقل من الانسان الي الانسان هذه هي مكمن الخطورة لان مجرد الانسان ما يعطس او يكح يصيب اكبر عدد من الناس بداية الكارثه ظهرت عندنا في 19 ابريل عندما وصل العدد الي 68 شخص في 26 ابريل اصدرت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية من ان انفلونزا الخنازير التي ظهرت في المكسيك والولايات المتحدة يمكن ان تسبب وباءا عالميا وقالت ان هذه السلالة الجديدة من الفيروس قادرة علي احداث وباء لان العدوي تنتقل بين البشر في 27 [[ابريل]] سجلت اسبانيا اول اصابة بشرية بمرض انفلونزا الخنازير وظهر حالات في بريطنيا واسرائيل 28 [[ابريل]] .<br />
<br />
اعلنت الولايات المتحده عن اكتشاف 44 حالة اصابة سته منهم مؤكده نيوزلاندا فرنسا البرازيل اعلنت عن الاشتباه في حاالات امر جد خطير هنا في [[مصر]] هي دايرة كده جالنا تحذير من منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار مرض انفلونزا الخنازير في [[مصر]] خاصة في ظل وجود 350 الف خنزير عندنا في [[مصر]] موزعين كالأتي 60 الف خنزير في محافظة القليوبية 52 الف في محافظة الدقهلية 50 في القاهرة و 45 في [[اسيوط]] طبعا باقي المحافظات اسكندريه والشرقيه فيهم اعداد قليلة جدا في 27 ابريل اعلنت وزارة الصحة المصرية حالة التأهب القصوي لمواجهة انتقال الفيروس الي مصر وقال وزير الصحة رفع حالة التاهب القصوي في المستشفيات وجميع مراكز الحجر الصحي علي مستوي الجمهورية وقرر مجلس الشعب المصري بإعدام الخنازير في مصر والتي يصل عددها الي 350 الف وتعويض اصحابها النهاردة وصلت رسالة من وزارة الزراعة الي مجلس الوزراء للمطالبة بنقل مزارع الخنازير خارج منطقة [[القاهرة]] الكبري الاخطر انه لا يوجد لقاح بشري للوقايه من انفلونزا الخنازير طيب لا قدر الله لو حصل ودخل المرض الي مصر نسال الله العفو والعافية دول الخليج كلها بتعلن احنا الحمد لله معندناش خنازير احنا الوحيدين اللي عندنا هذه القنبله البيولوجية نسال الله ان يحفظ [[مصر]] .<br />
<br />
لو ظهر المرض يبقي القضية خطيرة جدا يبدا كشف طبي دوري اعدام الخنازير المصابه وغير مصابه ادي كده فكرة انجلترا من حوالي 4 سنين ظهر عندها مرض الحمي القلعية اعدمت 2 مليون بقرة حلاب بمليارات الدولارات كانت خسارة اقتصاديه جدا عندهم احنا ايه يعني لما نعدم الخنازير عندنا في مصر وهي اصلا احنا كمسلمين مبنكلش هذه الحيوانات ومحرم اكلها علينا وكمان الوقايه خيرة من العلاج وكمان الضرورات تبيح المحظورات فيه مصيبه كبيره فيجب ان ناخد احتياطنا ونقضي علي هذه الخنازير في اسرع وقت بختصر كلمتي بقول الله تعالي " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما علي طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دم مسفوحا أو لحم خنزير " شوف بأه لحم الخنزير ربنا قال عليه " فإنه رجز أو فسق أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ و لا عاد فإن ربك غفور رحيم سورة الانعام 145 وعن جابر رضي الله انه سمع الرسول صلي الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل حرم الخمر والميسر والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت الشحوم فإنها ويدهن بها الجلود قال لا هو حرام <br />
<br />
بص كلمة رجس لما الواحد بحث عنها في اللغة العربية والإنجليزية معناها أنه الحيوان القذر ودنس ونجس ويحمل الأذي والضرر ربنا اللي بيقول لينا كده 450 مرض بيصيبوا هذا الحيوان 27 مرض معدي ينتقلوا من الخنزير إلي الإنسان نهي الله ونهي رسوله عن لحمة وتناول أي شيء منه ومن مقاصد الشريعة حفظ النفس فهذا مقصد فيجب أن نحافظ علي أنفسنا بقتل هذا الحيوان والتخلص منه اذا كان هيكون مصدر لانتقال هذا المرض الخطير النهاية اقول انه لا يوجد علي وجه الأرض حيوان بهذه الخطورة علي المجتمع البشري مثل هذا الحيوان والكلام ده قالو العلماء علماء الغرب قالو كلمة عجيبه قالنا بالنص العالم كرون بيقول ان الحاضر المفروض علي المسلمين بعدم ملامسة الخنازير ليس بحاجة إلي تفسير فهذه هي شهادتهم والله عز وجل يشهد اننا قد بلغنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته <br />
<br />
<br />
== د / حمدي إسماعيل ==<br />
<br />
بنشكر الاستاذ الدكتور حامد عطيه علي هذه الإطلالة علي انفلونزا الخنازير وكيفية انتقال هذا المرض من الخنزير الي البشر الحقيقة نحن نذكر العالم بقول المولي سبحانه وتعالي " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " الكارثة الإقتصادية التي اظلت العالم في هذا العام والانتشار المرضي هذا الذي يعتبر اكبر من القنبله وهو موضوع انفلونزا الخنازير التي قال الله سبحانه وتعالي فيها " حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به " لما نيجي نشوف الإشارة بدأ في اقل من اسبوعين في المكسيك بإصابة اكثر من 1300 تم وفاة 160 شخص منهم الي الان وانتشر المرض بعد ذلك حتي وصل الي امريكا ومعظم دول اروبا واسرائيل وبعد كده لا بد ان يكون لمجلس الشعب دور ولا بد ان يكون لنواب الشعب اتخاذ اجراءات اجرائية موجوده فلا بد ان يقوم الحصن الحصين عن الدفاع عن الشعب المصري ونحن في مجلس الشعب تقدمنا بعدة قوانين حينما طرق علينا ابواب انفلونزا الطيور وقد تقدما بثلاث قوانين للحفاظ علي الثورة الحيوانية في مصر الشعب المصري بياكل ب 192 مليار جنيه سنويا منهم 28 في الميه فقط للحوم أي ما يعادل 70 مليار جنيه سنويا للحوم لذا وجب علينا كنواب للشعب المصري ان نتقدم للحفاظ علي هذه الثروة الطائلة التي ينفقها المصريون علي اكل اللحوم الدكتور احمد الخولاني بيقدم لينا في اطلالة سريعة ماذا قدم نواب كتلة الاخوان المسلمين في مجلس الشعب من قوانين التي تحمي استهلاك اللحوم ووصول قطعة لحم نظيفة الي المواطن المصري <br />
<br />
== الدكتور احمد الخولاني ==<br />
''' <br />
بسم الله الرحمن''' <br />
<br />
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله سيدنا محمد وعلي آله ومن ولاه هو الحقيقة هو يعني مع بداية الفصل التشريعي الحالي مجموعة من الأطباء البيطريين من كتلة الإخوان في مجلس الشعب قدمنا عدة قوانين كانت متوافقه مع الحالة اللي بيعيشها المصريين اول حاجه اللي هي موضوع انفلونزا الطيور وكانت مع اول سنه في المجلس في اواخر [[2005]] و [[2006]] وتقدمنا بمشروع لحماية الثروة الداجنه من الهلاك المحقق اللي تسسب فيه الاجراءات الحكومة لمواجهة انفلونزا الطيور هذا المشروع جوهرة الحكومة ديما كانت بتتعمد في في الاطباء البيطريين ووقف تكليفهم من 94 فحاولنا نخرج من هذا الامر اننا نحمل القطاع الخاص والمستثمرين عبء الاطباء البيطريين ونرفع عن كاهل الحكومة علشان يبقي فيه عيون في كل مزرعة في مصر فوضع هذا القانون بإنه لا ترخص أي مزرعة دواجن او حيوانات او اسماك في البلد الا لما يكون مسجل عليها طبيب بطري هذا الطبيب وجوده في هذه المزرعة كإجراء مبكر هيقدر يعرف إيه انفلونزا الطيور اول ما بدأت انتشرت انتشار بصورة غريبه من اقصي [[مصر]] الي اقصاها لان اكتر من 80 في الميه من مزارع الدواجن في [[مصر]] لا تخضع للإشراف البيطري هي مجرد شركات بتدي الاعلاف للكتكوت وتاخد منه الانتاج فبأت عمليه سهله لكن في حالة حدوث وباء بيقف اصحاب هذه المذارع مبهوتين ومشلولي الحركة لحد .<br />
<br />
اما يأخذ المرض مجراها والسلطات البيطرية الحقيقة ان كان كبير ولكن فوضع هذا المشروع ثم فوجئنا بموضوع اللحوم الغير صالحة للاستهلاك الأدمي سواء هذه اللحوم الميته او لحوم لا تؤكل مثل الحمير وغيرها فيعني تقدمنا بمشروع قانون لتنظيم المجازر وتدوال اللحوم وتجارتها المشروعين ووفق عليهم في لجنة المقترحات وحولو الي لجنة الزراعة مشروع الطبيب البيطري تم الموافقة المبدأية عليه في لجنة الزراعة ولكن تجمد علي هذا الحال منذ اول الدورة الحالية وتقدمنا بطلبات للمجلس والحقيقة لا يوجد استجابة اول امبارح اخطرنا بإن الحكومة تقدمت بقانون اللي هو قانون ممنع تدوال الدواجن الحية وحطو القانون بتاعنا بتاع المجازر معاه لم يناقش قانونا ولم يناقش قانونهم بصورة تتيج للنواب انهم يبدو ارائهم الحقيقة كان الوضع كان فيه ابهام كبير جدا اللي عايز اقوله ان نوا ب الكتلة كانو مواكبين للأزمات اللي بتتعرض لها الثروة الحيوانية في مصر بمثل هذه المشروعات وكنا في طليعة من طالبو في الاعدام فعلا لهذا الحيوان اللي هو الخنزير من العجيب ان وزير الصحة اعلن ان الخطوة اللي جايا انه بيجلينا من بره طيب مانت عندك نفس المزارع اللي بتطلع هذا الفيرس المتحول الواضع ان الحكومة ببتعامل مع المسائل ببرود بدليل ان معدلات انفلونزا الطيور الان في مصر 68 حالة اصابة منهم 26 وفاه تفصيل هذه الإصابات 2 عن طريق المزارع واحد عن طريق الدواجن في المحلات و65 حالة اصابة منزلية الحكومة حطت قانون اللي هو للحالة الوحيده اللي هو عن طريق المحلات اللي في خلال ثلاث سنين حطت قانون لمنع تداول الدواجن وشكرا <br />
<br />
== د / حمدي ==<br />
<br />
شكرا الدكتور أحمد الخولاني في احد الاخوة الجالسين وائل مصطفي بيسأل هل لنواب الاخوان راي اتجاه هذه الأزمه اللي هي قضية إعدام الخنازير بنقولها كلمة حق إن أمس كان في الجلسة اتفق فيها نواب الاخوان والاغلبيه والمعارضه لا بد من اجلاء هذا العدو الغاشم اللي يريد ان يفجر مثل هذه القنابل البيلوجيه الخنازير وكل النواب بلا استثناء وافقو علي ذلك <br />
<br />
د / حمدي حسن احنا من سنة 2006 طالبنا بإعدام الخنازير لاننا نعلم ان المصيبة الأكبر ليست في الدواجن ولكن في الخنزير اللي هو مصدر تحول الفيروس <br />
<br />
د حمدي اسماعيل <br />
<br />
ان شاء الله تعالي الكلمة الان مع الشيخ سيد عسكر فليتفضل <br />
<br />
<br />
== الشيخ سيد / عسكر ==<br />
<br />
[[ملف:45الشيخ سيد عسكر.jpg|يسار|تصغير|'''<center>الشيخ [[سيد عسكر]]</center>''']]<br />
<br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم''' <br />
<br />
كل الشرائع السماوية تحرم هذا الحيوان وأكله من فضل الله علينا أخونا بيسأل عن موقف الإنجيل الانجيل عبارة عن مواعظ ونصائح وتوجيهات خلقيه ولا يتضمن شريعة فشريعة النصري بمقتضي هذه النصوص هي شريعة التوراة في الانجيل قول منسوب لعيسي عليه السلام ما جئت لأئنقض الناموس ولكن جئت لأتمم والقرأن جاء يقول ورسول إلي بني اسرائيل يعني شريعة اليهود هي شريعة النصاري اذا كان الخنزير محرم في التوراة فهو بالتالي محرم عند النصاري المفرضو يكونوا كذلك اذا كانو هم استحلوه فدي قضية اخري ما دام محرم في التوراة وفي القران يبقي هو ده الاصل الذي شرعة الله تبارك وتعالي اقول وبفضل الله علينا في شريعة الإسلام الخاتمة والتي ذكرها الله تعالي انها موجودة في التوراة والانجيل عن وصف سيدنا محمد انه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث دي من مزايا الشريعة الاسلامية انها تحلل كل طيب وتحرم كل خبيث فكل ما احله الله هو طيب وكل ما حرمه هو خبير فحكمة التحريم لم تكون موجودة قبل ذلك ولكن الأيام تيجي دائما وتثبت ذلك عمليا والاية الكريمة اللي ذكره الأخ الآن دليل علي ذلك " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " بخصوص موقف الإخوان أضيف كلمة أخيرة وهي أننا تقدمنا بعدة طلبات وأنا واحد من هؤلاء منذ أكثر من سنتين لمناقشة قضية الخنازير وكان الطلب يضيع في أدراج المجلس وأكتفي بهذا القدر وأسأل الله ان يجنب بلادنا كل مكروه وشكرا <br />
<br />
<br />
== د / حمدي اسماعيل ==<br />
<br />
'''نواصل الحديث عن انفلونزا الخنازير''' <br />
<br />
'''في سؤال ورد من بعض الاخوة''' بيقول ما هي القيمة الاقتصادية للخنزير في مواجهة الطيور التي قامت وبيتحدث عن دور الحكومة في مواجهة خطر الخنزير لحماية الشعب المصري القيمة الاقتصادية بالنسبه للمسلمين ليس له قيمة اذا كان بل هو ضرر ومرض اذا كانو هم بياكلوه لان الخنزير يعمله عشرين خروف الخروف بيزيد 2 كيلو يعني بيدي لحم وبيعمل الموضوع محتاج ثلا ث ساعات لكن احنا بالنسبه لينا 0 ملوش أي قيمة عندنا بيستخدمو الشحومات بتاعته في بعض المصنوعات بره كل الشيكولاتات بيحطو فيها دهن خنزير لكن في حاجات تانيه مش بتتاكل صابون حاجات زي كده <br />
<br />
يستخدم دهن الخنزير في بعض الادويه وبعض الشامبوهات التي يستخدمها الناس وسهل جدا ان يتم في بعض المطاعم مثل الماعز فيجب ان يكون هناك مراقبه كبيره عندنا مداخله من المهندس ابراهيم ابو عوف فليتفضل <br />
<br />
<br />
== م / إبراهيم أبو عوف ==<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
كنا النهارده في المجلس ازاي تم القانون بسرعة جدا الخاص بتداول لحوم وده القانون بيتمرر ونعلم اننا اقلية والاغلبيه بتمشي بالطريقه المشينه اللي احنا شفناها لكن لازم نثبت موقفنا للمواطنين والشعب والتاريخ والمفكرين بيشهدو كيف كان وكيف رفضنا كل ما هو ضار بالمواطنين لكن موضوع الخنزير والكلام اللي سمعناه النهارده مزعج جدا في [[1918]] مات 50 مليون انسان دي مسأله تحتاج تضافر الجهود مش في مجلس الشعب وفقط عايزه يعني احرار العالم ومسلمي العالم دينا محرم علينا هذا كل الحاجات المدمرة الايدز الربا الحاجات دي كلها عندنا فيها نصوص واضحه وصريحة فالموضوع محتاج تضافر الجهود من العلماء من المسلمين لان مسأله 50 مليون يموتو سنة [[1918]] والنهارده كل ساعة المسأله مش محتاجه بس هذا الصالون السياسي ولا مجلس الشعب فقط المسأله محتاجه صرخة للعالم كله لمواجهة هذا الاذي اللي يمكن يحدث مشكله كبيره درجة الدرر النهارده 4 ممكن يكون 5 او 6 المسأله وصلت لمدي مزعج ومقلق فنركز كيف يتم حشد جميع الناس علي مواجهة والوقوف بشكل جاد وشكل نلاقي ليه مردود ان شاء الله <br />
<br />
<br />
== سؤال من بعض الاخوان ==<br />
<br />
قال الله تعالي " وكل شيء خلقنه بقدر " ما هي الحكمة الربانيه من وجود الخنزير طالما له هذه الأضرار <br />
<br />
ربنا سبحانه وتعالي بيقول وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحية إلا أمم أمثالكم " فهي الخنازير أمم من الأمم فالحكمة منها لا نعلم عنها شيء والله سبحانه وتعالي بيقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا <br />
<br />
<br />
== مداخلة مع م / زكريا الجنايني ==<br />
<br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم''' <br />
<br />
الحقيقة بعد الكلام اللي سمعناه كله والرعب الشديد اللي اصاب البشرية مجلس الشعب كان واضح من المسئولين يوضح حقيقة ان وصل الاسلام للإرهاب وبدأ يرددو ان اللي بيحملو شعار الاسلام بيصنعو الارهاب واضح ان الدنيا كلها ان صناعة الاسلام تأتي من الخنازير وأبناء الخنازير مشروع صهيوني للي عايزين يعملو الشرق الأوسط الكبير ومشروع اسرائيل الكبري من النيل لفرات امل يهدد الدنيا بأسرها الامر التاني موضوع الامصال الشركات اللي بتنتجها شركات سويسريه كلها بره كل الامصال تأتي الينا من الخارج نحن نري من الحكومة المصرية تنقف مليارات علي وزارة الاعلام من الاولي بهذه المليارات وكل الشعب المصري بدأ يتجه للفضائيات نحتاج الي وقفة حازمه من الجميع هي الحجر الصحي يحتاج انفاق ببزخ كما تنفق علي مشاريع موجوده في هذه البلد اخيرا يأتي الله عز وجل بأمور متي يستيقظ النظام المصري ويعلم انه محتاج بقوة لكل فئات المصري ويقولو محظورة ومش محظورة فليحظورو ما يشاءو ولكنهم كلهم الان محتاجون لهذا المشروع الاسلام هو الحل وشكرا <br />
<br />
<br />
== سؤال ==<br />
<br />
'''هل الحكومة قادرة علي مواجهة هذا الفايرس وإذا كانت غير قادره فما هي الاجرائات التي يجب اتخاذها للقضاء علي هذا الفايرس ؟'''<br />
<br />
من ثلاث سنين كان دخول انفلونزا الطيور لمصر فعلا كان وزارة الصحة ولازراعة مستعدين وحضرت محاضرات ليهم انهم علي اتم استعداد ودخل الفايروس واحدث هذه الخسارة الاقتصاديه وحصل الكارثه اللي بنعاني منها نم الان واعدم اكثر من 200 مليون ام ام دي يعني علشان تطلع كتاكتيت وبيض ووصل سعر البيض لاكثر من 15 جنيه احنا نتمني اننا نحسن الظن الاول قضية اننا نكشف علي اللي جايين من بره وكشف دوري تاني حاجه المسارعة بإعدام الخنازير وحصر شامل ليهم لان خنزير واحد بس ممكن يطلع ملايين الفيروسات <br />
<br />
'''الدكتور''' <br />
<br />
'''بسم الله الرحمن الرحيم''' <br />
<br />
الحقيقة دكتور حمدي كان قرار مجلس الشعب النهارده الحكومة المصرية تتحمل مسئوليتها الخنازير تقتل في مكانها لا يضر عايز بس اقول ان الحكومة المصرية للاسف في كارثه مفيش أي كارثه بتيجي الا بتثبت فشل الحكومة المصرية لو ان لهذا النظام ارادة سياسية كان اخذ قرار امبارح قبل مجلس الشعب ما يجتمع النهاردة ويحمل الحكومة المسئولية ومفيد شهاب يقول لسه هنجتمع بكره مع ان في خطورة ستلحق بالبلاد انا شايف انهم بيأخرو القرار اللي هيتخذوه النهارده النواب قامو وقالو تعدم الخنازير تعدم الخنازير حجه متخلهمش يأجلو الجزئية التانيه اللي تخليهم يأجلو ان فيه 100 الف عامل بيشتغلو حوالين الخنازير في الزباله انا بقول الحقيقة الحكومة المصرية بتأكد صحة كلامنا انها لا تستطيع ان توفر فرص عمل مع ان فرص العمل ولو عندها ارادة سياسية تشغلهم من بكره ولكن مفيش ارادة سياسية تصنع قرار ودي مصيبه اخطر بشده من انفلونزا الخنازير لاننا مبنعرفش ندير ازمات انا بقول الحكومة دلوقتي قبل الصبح تعدم الخنازير ولكن مش علشان نأجل القرار علشان شغلهم نموت المصريين وشكرا <br />
<br />
== د / حمدي اسماعيل ==<br />
<br />
'''ان شاء الله نسمع اخر مداخلة مع الدكتور عبد العزيز خلف''' <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
الحقيقة النهارده في المجلس ذكرت الدكتور حميد السيد رئيس اللجنة وقلت ليه اني عملت طلب احاطه بموضوع انفلونزا الخنازير احنا بنتنبأ بهذا المرض فقلنا عاوزين نشوف حل قبل ماينتقل للإنسان <br />
احنا طلبنا الاعدام وفي بعض الزملا قالو لا نشوف حل للناس اللي شغاله دي فقلنا هم الناس دي اهم من الناس اللي تضررت بسبب انفلونزا الطيور في الطيور17 مليون جنيه وفي حادث العباره ومع ذلك رضينا صحة المواطن المصري اكثر من مئات المليارات وشكرا <br />
<br />
== سؤال للأستاذ محمد كسبة ==<br />
<br />
اولا احنا مش متؤكدين من رقم 100 الف عامل هذا الرقم ذكر بس مش متؤكدين منه <br />
النقطه التانيه ان مصدر الدخل لهم هو جمع القمامة وقصة الخنازير ده امر مدبر وله عمل إضافي <br />
ذكر بعض الامور الوقائية اللي تتخذها الحكومة نتمني ان نسمع مثل هذا الدور وشكرا <br />
مداخله من احد الحاضرين <br />
<br />
نص دقيقة بس اوضح للسادة النواب حاجه انا في سنة 96 الناس في عزبة النخل كنت شغال وقتها في جريدة الوفد متضررين من مزارع الخنازير اللي هناك انا رحت انا وزميل معايا قعدنا قضينا يوم كامل في هذه المزارع هم مش عايشين علي تربية الخنازير دول عبارة عن مافيا ومليونيرات وكان عنوان الموضوع مليونيرات جمع الزبالة دول بيجمعو الزبالة وياخدو الفلوس مننا كسكان بياخد اجرة علي جمع الزباله كعمل اضافي فهم مش عايشين علي الخنازير ولا علي تربية الخنازير لاني شفت المزراع اللي في منشية ناصر أي واحد يدعي ان تربية الخنازير قائمة علي ان هو ده مصدر رزقه او دخله الوحيد هو كاذب تماما <br />
<br />
== تصحيح واقعة من الاستاذ محمد سيف ==<br />
<br />
انا فعلا بأكد كلام اخونا اللي تحدث فعلا هم لا يعيشو علي تربية الخنازير انما هو فعلا بيعملو نوع من الفرز للزبالة وبيعملو ليها اعادة تجميع وده المكسب الكبير واحده من الصحفيات راحت تعمل تحقيق فمنعت من التحقيق وطلعو عليها بالسنج ومنعوهم نم التحقيق <br />
<br />
الموضوع برده اللي عايزين ننبه عليه ان هذه المزارع لا تخضع للرقابه الصحية ولا الطبيه وإذا كان فيها كثير من الأمراض فهي مشكلة بالتالي الحكومة الحقيقة يجب ان تعمل مشروع لاخذ عينات من الخنازير علشان نشوف عندنا انفلوننزا خنازير واللا لاء فيجب علي اعضاء مجلس الشعب انهم يتدخلو في هذه المسأله هل فعلا هذه الخنازير فحصت علشان نتاكد من وجود انفلونزا الخنازير واللا لاء لان في معلومات بتقول غير كده <br />
<br />
'''في نهاية هذه الحلقة لا يسعنا الا ان نتقدم بالشكل والتقدير لكل ضيوفنا الكرام واحنا ان شاء الله في مواجهة مستمرة مع الحكومة علشان نشوف هيوصل الموضوع لحد فين ونطلب نم اخوانا الصحفيين المتابعة لما تفعله الحكومة متابعة جيده ونقلها وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته'''<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:مجلس الشعب]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%81%D8%AE%D8%A7%D8%B0_.._%D9%88%D9%86%D9%87%D9%88%D8%AF&diff=643198أفخاذ .. ونهود2012-02-21T06:29:31Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>'''<center>أفخاذ ... ونهود ! </center>'''<br />
<br />
<br />
'''كتب الأستاذ [[سيد قطب]] هذا المقال في جريدة الفكر الجديد العدد 5 (18 ربيع أول -29 [[يناير]] [[1948]] )'''<br />
<br />
'''أيها القارئ ...'''<br />
<br />
إننا لن نعطك في هذه المجلة ولن نعطيك، أفخاذا عارية، ولا نهوداً بارزة أتدرى لماذا؟<br />
<br />
لأننا لا نريد أن نشترك في المؤامرة التى تدبرها الرأسمالية في مصر وفي العالم لإنفاق طاقتك كلها في الاشتهاء الخالى كمدمنى الحشيش والأفيون، فلا تبقى منها بقية تحارب بها الظلم الاجتماعى وتحطم بها الأوضاع الظالمة التى لا يجوز أن تبقى!.<br />
<br />
إنهم يعطونك في مجلاتهم صور أفخاذ ونهود، تلهو بها، وتحلم أحلاما شهوية خيالية، ليستمتعوا هم بالأفخاذ والنهود ذاتها لا بالصور الميتة على الورق!!<br />
<br />
إنهم ينهكون أعصابك بالأحلام المثيرة حول "فتاة الحائط" أو "فتاة الغلاف" لتنصرف عن ملاحظة الترف الذى يغرقون هم فيه، والحرمان الذى أنت تعانيه!<br />
<br />
إنهم يستغلونك فتدفع القرش والقرشين والخمسة القروش التى في جيبك والتى قد تكون في أشد الحاجة إليها لتأكل أكلة مغذية تقوي بنيتك، وتساعد على الكفاح، ثم يعطونك بدل هذا كله حلما شهويا لا قيمة له في الحقيقة، وبذلك يسلبونك نقودك وقوتك، ويأمنون شر سخطك على الترف الذي يعيشون فيه!<br />
<br />
'''أيها القارئ ...'''<br />
<br />
إننا لن نعطيك في هذه المجلة أفخاذا ولا نهودا!<br />
<br />
ذلك لأننا نحترمك ونحسن الظن بك، وهم يسيئون الظن بك ويحتقرونك.<br />
<br />
هم يحتقرونك، فيحسبونك مجرد حيوان: كلبا أو خنزيرا أو حمارا!. لا تجتذبك إلا أحط الشهوات والغرائز ونحن نحترمك ونؤمن بك، فنحسبك إنسانا، له مطالب الإنسان وغايته، وله عواطف الإنسان وآفاقه.<br />
<br />
نحسبك إنسانا تدخر طاقتك لتحطم الظلم الاجتماعى الذي ينهك قوتك وأهلك وشعبك، ليقتات بدمائهم نفر قليل مترف من المحظوظين.<br />
<br />
نحسبك إنسانا تفهم الحب الإنسانى عاطفة كريمة، لا شهوة دنسة، وقد نحدثك عن الحب وعن الأمل وعن الجمال ولكن حديث الإنسان للإنسان لا حديث المروض للحيوان!!.<br />
<br />
'''أيها القارئ ...'''<br />
<br />
إننا نعلم أنك قد لا تقبل علينا في البدء كما تقبل على مجلات الدعارة ولكننا مؤمنون بالعنصر الإنسانى فيك مؤمنون بقدرتنا على إثارة إنسانيتك وعلى إنقاذك من الأفيون المخدر الذى تتعاطاه، وعلى انتشالك من مؤامرة الرأسمالية القذرة التى تحيط بشباكها بقراء الصحف ورواد السينما في هذه الأيام.<br />
<br />
كل فخذ وكل نهد، هو قطعة أفيون تدسها الرأس مالية في نفس شاب لتخدره وتلهيه عن الكفاح لتحطيم الأوضاع الظالمة، ولن نشترك في المؤامرة القذرة كما اشترك فيها الآخرون في يوم من الأيام.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:روابط سيد قطب]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8&diff=643025شباب هيئة المكتب2012-02-20T09:44:23Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>== السبت 15 -1 ==<br />
[[(إسرائيل) وروح الانتقام من الجميع!]]<br />
<br />
== الأربعاء19 - 1 ==<br />
*[[فتح تتهم حماس بخلق ذرائع لإلغاء استئناف الحوار الفلسطيني]]<br />
*[[مؤسس (ويكليكس) ينفي عقد أي اتفاقات مع إسرائيل ويؤكد أنه سينشر كل ما يتعلق بها من وثائق]]<br />
<br />
== ثورة 25 يناير ==<br />
<br />
*[[دعاوى قضائية تتهم العادلي بقتل 21 متظاهرًا ببني سويف]]<br />
*[[الإضرابات تجتاح الإسكندرية مجددًا وتشعل أجواء الثورة]]<br />
*[[إجماع نقابي بالإسكندرية على حتمية الرحيل الفوري لمبارك]]<br />
*[[الإندبندنت: مبارك ينافق شعبه للبقاء في السلطة]]<br />
*[["لوس أنجليس تايمز" تفضح كذب تليفزيون أنس الفقي]]<br />
*[[المنسق الإعلامي لثوار "25 يناير": رحيل مبارك استقرار لمصر]]<br />
*[[النيويورك تايمز: استقرار مصر في رحيل مبارك]] <br />
*[[سوهاج: الآلاف يحتشدون لإسقاط مبارك]]<br />
*[[الغربية: 50 ألفًا يطالبون بمحاكمة مبارك]]<br />
*[[50 ألف متظاهر بالمنيا يطالبون برحيل مبارك]]<br />
*[[العشرات من معتقلي الثورة يضربون عن الطعام]]<br />
*[[مليونية جديدة بالإسكندرية تطالب برحيل مبارك ونظامه]]<br />
*[[أسوان تنتفض للمطالبة برحيل مبارك]]<br />
*[[المصريون يواجهون عناد مبارك بالسخرية والطرائف]]<br />
*[[الصهاينة: النظام المصري المستفيد من تفجير خط الغاز]]<br />
*[[إعلاميو القناة الثامنة ينضمون للثوار ويفضحون النظام]]<br />
*[[العصف بالصحفيين مستمر.. اعتقال مدير مكتب الجزيرة]]<br />
*[[متظاهرو التحرير يعتقلون 4 من أفراد الشرطة المندسين]]<br />
*[[الجيش يدخل على خط مفاوضات إنهاء مظاهرة التحرير]]<br />
*[[18 عضوًا بمجلس المحامين يطالبون برحيل مبارك]]<br />
*[[تواصل مظاهرات الإسكندرية لليوم الثاني عشر ضد مبارك]]<br />
*[[65 منظمة حقوقية مصرية: النظام كاذب ورحيله صمام أمان لمصر]]<br />
*[[مجندو شرطة: حاولنا ضرب المتظاهرين لكننا خفنا منهم]]<br />
*[[اعتصام مفتوح للمصريين في إيطاليا حتى رحيل مبارك]]<br />
*[[600 ألف متظاهر بميدان التحرير يهتفون برحيل مبارك]]<br />
*[[تشييع جثمان شهيد ثورة الحرية بدمياط]] <br />
*[[الإسماعيلية تهتف: حسني مبارك ما يلزمناش]]<br />
*[[استمرار مظاهرات المطالبة برحيل مبارك بالمنوفية]]<br />
*[[بلاغ للنائب العام للتحفظ على أموال مبارك]]<br />
*[[مظاهرة حاشدة أمام مجلس الشعب لإسقاط مبارك]]<br />
*[[خبير يطالب بحل "أمن الدولة" وإقالة مساعدي "العادلي"]]<br />
*[[دعاوى قضائية تتهم العادلي بقتل 21 متظاهرًا ببني سويف]]<br />
*[[التحقيق في بلاغ يتهم العادلي بتدبير حادث الإسكندرية]]<br />
*[[أهالي المنوفية يحتشدون للمطالبة برحيل مبارك]]<br />
*[[24 منظمة حقوقية تطالب النائب العام باعتقال الفقي]]<br />
*[[جامعة بنها تطالب بالانتقال السلمي للسلطة]]<br />
*[[النيويورك تايمز: جمال مبارك رأس الفساد في مصر]]<br />
*[[مهنيو الإسكندرية: تحقيق مطالب الشباب ضمانة لنجاح ثورتهم]]<br />
*[[لوس أنجليس تايمز: معتصمو التحرير مصرون على رحيل مبارك]] <br />
*[[دمياط تشيع جثمان شهيد الحرية الثاني]]<br />
*[[20 ألف متظاهر بدمياط يهتفون: ارحل ارحل]]<br />
*[["الواشنطن بوست": الجيش يضيِّق على معتصمي "التحرير"]]<br />
*[[أسيوط.. الآلاف يتظاهرون لإسقاط مبارك]]<br />
*[[روبرت فيسك يحذر الثوار من تصديق وعود مبارك]]<br />
*[[دمنهور تهتف: "يا مبارك.. السعودية في انتظارك"]] <br />
*[[الإندبندنت: مبعوث أوباما لمصر موظف لدى نظام مبارك]]<br />
*[[اقتصاديون: علاوة "شفيق" فشل جديد ضد الإصلاح]]<br />
*[[أهالي "الخارجة" يحبطون فض مظاهرتين والأمن يرد بالرصاص]]<br />
*[[البحيرة تودع شهيدًا جديدًا للثورة]]<br />
*[[بلطجية يحاصرون مخارج المنوفية لإعاقة المسيرة المليونية]]<br />
*[[الآلاف يتوافدون إلى ميدان التحرير للمشاركة في "مليونية" الثلاثاء]]<br />
*[[ميدان التحرير يتزين لاستقبال مليونية جديدة]]<br />
*[[د. جمال عبد الهادي: ثورة 25 يناير شرعية]]<br />
*[[ورش عمل شبابية لابتكار وسائل جديدة لتصعيد الثورة]]<br />
*[[بلاغ ضد عاطف عبيد للتحفظ على أمواله]]<br />
*[[دمياط.. اعتصام مفتوح لعمال مصنع تدوير القمامة]]<br />
*[[اعتصام 2000 عامل بـ"العاشر" ضد سطوة رجال الأعمال]]<br />
*[[اتهام وزير السياحة السابق باستغلال السلطة والنفوذ]]<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmyhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B4%D9%88%D9%81_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A&diff=643024شوف عملي2012-02-20T09:39:09Z<p>Helmy: </p>
<hr />
<div>== كتب جديدة ==<br />
<br />
*[[مذكرات داعية]]<br />
<br />
== تدشين جديد ==<br />
<br />
*[[الشهيد محمد عواد]]<br />
*[[حقيقة ثورة يوليو]]<br />
*[[لعبة الأمم]]<br />
<br />
== السبت 15-1 ==<br />
<br />
*[[سيدي القرضاوي: من شهدت له الأمة فهي حسبه]]<br />
<br />
== الاربعاء19-1 ==<br />
<br />
*[[مصر تنفي تحول سيناء إلى ساحة لإنتاج وتخزين صواريخ حماس]]<br />
*[[صحيفة: رئيس الموساد يعتذر لبريطانيا عن استخدام جوازات سفر بريطانية مزورة]]<br />
*[[مسؤول إسرائيلي لا يستبعد شن عملية عسكرية جديدة في قطاع غزة]]<br />
*[[حماس تستهجن قرارا كنديا بإدراجها كمنظمة إرهابية]]<br />
*[[ليبرمان: السلطة الفلسطينية غير معنية بالتفاوض حتى لو اقترحت إسرائيل الانسحاب لحدود 48]]<br />
<br />
== الجمعة21-1 ==<br />
<br />
*[[عباس: نتحرك على 4 مسارات وعملية السلام لا تشهد أي حراك]]<br />
*[[بحرية الاحتلال تعتقل صيادين فلسطينيين في بحر غزة]]<br />
*[[حماس: المجتمع الدولي يساومنا على إعادة إعمار قطاع غزة]]<br />
*[[إسرائيل تقول إن تركيا تشبه إيران قبل الثورة الإسلامية]]<br />
*[[السلطة الفلسطينية تفرج عن 6 معتقلين مضربين من حركة حماس بالخليل]]<br />
<br />
== السبت22-1 ==<br />
<br />
*[[ارتفاع عدد مرشحي الإخوان المسلمين إلى 79 فى 17 محافظة]]<br />
*[[القبض على إخواني والإفراج عن آخر استخدما شعارات دينية في البحيرة]]<br />
*[[ائتلاف مراقبة الانتخابات يدين القبض العشوائي لأنصار الإخوان واليساريين]]<br />
<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Helmy