https://www.ikhwanwiki.com/api.php?action=feedcontributions&user=Elsamary&feedformat=atomIkhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين - مساهمات المستخدم [ar]2024-03-28T16:16:03Zمساهمات المستخدمMediaWiki 1.39.3https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9&diff=681455محمد بديع2012-09-21T09:02:52Z<p>Elsamary: /* د.محمد بديع.. رجل يجمع ولا يفرق */</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>د. محمد بديع ..[[محمد بديع|المرشد العام الثامن]] ل[[جماعة الإخوان المسلمين]]</font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
<center><font color="green"><font size=4>واحد من أعظم مائة عالم عربي</font></font></center><br />
<br />
== الدكتور محمد بديع في سطور ==<br />
<br />
* '''الاسم:''' محمد بديع عبد المجيد سامي<br />
<br />
* '''الميلاد:''' 7/8/[[1943]]، المحلة الكبرى<br />
<br />
* '''الشهادات:''' بكالوريوس طب بيطري [[القاهرة]] سنة [[1965]]م.<br />
<br />
* معيد بكلية طب بيطري [[أسيوط]] [[1965]]م.<br />
<br />
* '''حصل على:''' ماجستير طب بيطري ومدرس مساعد [[1977]]م من جامعة [[الزقازيق]].<br />
<br />
* '''حصل على:''' دكتوراه طب بيطري ومدرس سنة [[1979]]م من جامعة [[الزقازيق]].<br />
<br />
* '''عمل:'''أستاذ مساعد طب بيطري [[1983]]م جامعة [[الزقازيق]].<br />
<br />
* '''عمل:'''أستاذ طب بيطري [[1987]] جامعة [[القاهرة]] فرع [[بني سويف]].<br />
<br />
* '''عمل:'''رئيس قسم الباثولوجيا بكلية طب بيطري [[بني سويف]] سنة [[1990]] لدورتين.<br />
<br />
* '''عمل:'''وكيل كلية الطب البيطري [[بني سويف]] لشئون الدراسات العليا والبحوث سنة [[1993]]م لدورة واحدة.<br />
<br />
* '''عمل:'''رئيس مجلس إدارة جمعية الباثولوجيا والباثولوجيا الإكلينيكية لكليات الطب البيطري على مستوى الجمهورية.<br />
<br />
* '''عمل:'''رئيس هيئة مجلة البحوث الطبية البيطرية لكلية طب بيطري [[بني سويف]] لمدة 9 [[سنوات]].<br />
<br />
* '''عمل:'''رئيس مجلس إدارة مركز خدمة البيئة بكلية طب بيطري [[بني سويف]].<br />
<br />
* '''العمل الحالي:''' أستاذ متفرغ بقسم الباثولوجيا بكلية الطب البيطري جامعة [[بني سويف]].<br />
<br />
* '''العمل النقابي:''' أمين عام النقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وأمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة.<br />
<br />
*'''الحالة الاجتماعية:''' زوج السيدة [[سمية الشناوي]] كريمة الحاج [[محمد علي الشناوي]] '''(ضابط طيار)''' من [[حسن البنا وتربية الرعيل الأول|الرعيل الأول]] ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] ، ورُزق من الأبناء بـ'''"عمَّار"''' '''(مهندس كمبيوتر)'''، '''"بلال" (طبيب أشعة)'''، '''"ضحى" (طالبة صيدلة)'''، والأحفاد رؤى وحبيب وإياد.<br />
<br />
== المولد والنشأة ==<br />
[[ملف:د.بديع.jpg|تصغير|250بك|يسار|<center>د.محمد بديع</center>]]<br />
<br />
الدكتور محمد بديع المولود في 7/8/[[1943]]م '''(المحلة الكبرى، [[الغربية|غربية]])''' حصل علي بكالوريوس طب بيطري [[القاهرة]] سنة [[1965]]م. وعين معيدا بكلية طب بيطري [[أسيوط]] [[1965]]م. <br />
<br />
وقد حصل علي ماجستير طب بيطري ومدرس مساعد [[1977]]م من جامعة [[الزقازيق]] . ثم حصل على '''(دكتوراه طب بيطري)''' وعين مدرس سنة [[1979]]م في جامعة [[الزقازيق]] . وقد تدرج في الدرجات العلمية '''(أستاذ مساعد طب بيطري [[1983]]م)''' جامعة [[الزقازيق]] .ثم '''(أستاذ طب بيطري [[1987]])''' في جامعة [[القاهرة]] فرع [[بني سويف]] . <br />
<br />
ووصل إلى درجة رئيس قسم الباثولوجيا بكلية طب بيطري [[بني سويف]] سنة [[1990]]م ثم وكيل كلية الطب البيطري '''([[بني سويف]])''' لشئون الدراسات العليا والبحوث سنة [[1993]]م. فظل يعمل بعد ذلك أستاذا متفرغا بقسم الباثولوجيا بكلية الطب البيطري جامعة [[بني سويف]] . وأمينا عام للنقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وأمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة واحدة.<br />
<br />
متزوج ورزق من الأبناء بـ'''"عمار" (مهندس كمبيوتر)، "بلال" (طبيب أشعة )،"ضحى" (طالبة صيدلة )'''، والأحفاد رؤى وحبيب وإياد. وكان عضوا في [[مكتب الإرشاد]] منذ [[1993]]م .ثم رئيسا لمجلس إدارة جمعية '''(الباثولوجيا)و(الباثولوبيا الإكلينيكية)''' لكليات الطب البيطري على مستوى الجمهورية. <br />
<br />
ورئيسا لهينة '''(مجلة البحوث الطبية البيطرية)''' لكلية طب بيطري [[بني سويف]] لمدة 9 [[سنوات]]. ورئيسا لمجلس إدارة مركز خدمة البيئة بكلية طب بيطري [[بني سويف]] .<br />
<br />
وقد قام بإنشاء المعهد البيطري العالي [[اليمن|بالجمهورية العربية اليمنية]] '''(صنعاء)''' لمدة أربع<br />
سنوات خلال الإعارة من [[1982]] ـ [[1986]] م، وإنشاء المزرعة الداجنة والحيوانية الخاصة به، وكذلك ترجمة المناهج الدراسية للغة العربية، وإنشاء متحف علمي وأقسام علمية بالمعهد البيطري.<br />
<br />
وتم إدراج اسم الدكتور محمد بديع ضمن أعظم مائة عالم عربي في الموسوعة العلمية العربية التي أصدرتها هيئة الاستعلامات المصرية [[1999]]م.<br />
<br />
== د.محمد بديع.. رجل يجمع ولا يفرق ==<br />
<br />
هيئته تستدعي للذاكرة صورة المرشدين التاريخيين.. لحية خفيفة ووجه نحيف ونظارة وقبعة ماليزية.. ورع تقي صفي نقي صابر محتسب..ذو صوت عذب يرتل آيات الله ليلا ونهارا.. ويشدو صادحا بأناشيد [[الجهاد]] [[الاخوان|والدعوة]] في محيط إخوانه لا يستحي من ذلك ولا يستكبر.. <br />
<br />
تواضعه جم .. صاحب فقه ودين .. لا يأتي عليه سحر إلا وهو يتهجد ولا فجر إلا وهو يقرأ الأذكار، ولا مساء إلا وهو يتلو ورد الرابطة.. كل هذا ويزيد عناصر صورة ترسم قسماتها شهادات وقناعات القطاع العريض داخل الجسد الإخواني.<br />
<br />
<br />
'''وهذه بعض من خصال د.[[محمد بديع|المرشد الثامن]] ل[[جماعة الإخوان المسلمين]].'''<br />
<br />
== عودة الروح ==<br />
<br />
[[ملف:بديع يقبل رأس عاكف.jpg|تصغير|210بك|<center>الدكتور بديع يقبل رأس الأستاذ [[محمد مهدي عاكف|مهدى عاكف]]</center>]]<br />
<br />
في عام [[1959]] تعرف د. بديع على أحد أعضاء [[الإخوان المسلمين]] السوريين الحمويين، وهو الدكتور [[محمد سليمان النجار]] الذي دعاه إلى الانضمام إلى [[جماعة الإخوان]]، فاقتنع الشاب الصغير وتحمس للفكرة برغم أجواء الخوف التي كانت تثار عند ذكر كلمة [[الإخوان]] وقتئذ، وترك النجار أثره على د. بديع في إخلاصه لدعوته وبذله الجهد والوقت من أجلها، وقد قال د. بديع عنه إنه هو الذي تابعه بالتربية والتنشئة وعلاج الثغرات وسد النقائص.<br />
<br />
في نفس العام بدأ الشاب الصغير في حفظ الجزء الأخير من القرآن وبعد إتمامه رتبت له تصاريف القدر موعدًا مع [[سيد قطب]] ، حيث أهداه داعيته [[محمد سليمان النجار|سليمان النجار]] الجزء الأخير من '''"[[في ظلال القرآن]]"''' فشعر د. بديع كما يقول أن جسده قد دبت فيه الروح وأنه لم يذق حلاوة القرآن قبل ذلك.<br />
<br />
قبض على د. بديع وألقي في السجن ليرى بنفسه ما كان يسمعه من إخوانه عن جحيم [[أدب السجون|سجون]] [[عبدالناصر]].<br />
<br />
== الانتقال للجنوب ==<br />
<br />
انتقل د. بديع من المحلة الكبرى أو بالأحرى من [[الزقازيق]] موطن عمله إلى محافظة [[بني سويف]] سنة [[1987]] وعين أستاذا للطب البيطري بجامعتها بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة [[الزقازيق]] عام [[1977]] .<br />
<br />
== رجل دعوة لا سياسة ==<br />
<br />
من خصائص د.بديع انه لا يتحدث دون أن يتضمن حديثه آيات القرآن والأحاديث الشريفة، فالرجل يرى أن كل الإجابات موجودة في القرآن والسنة، حتى في معرض إجابته عن سؤال عن أسباب الحملات الإعلامية على [[الاخوان|الجماعة]] استشهد الرجل بآيات قرآنية، وعندما تحدث عن كرة القدم تحدث عنها وفقا للقرآن والسنة، فيقول إن الورد الرياضي أخو ورد التسبيح، أما عن النادي الرياضي الذي يشجعه فقال: ليس لدي<br />
تعصب لناد من النوادي، فأنا أبحث عن أفضل ناد خلقا وسلوكا؛ لكي أحبه..، كما أشجع فريق المحلة حتى يستمر في الدوري العام، بالإضافة إلى منتخب بلادي.<br />
<br />
أما مقالات د. بديع المعدودة فحملت معظمها عناوين علمية طبية بيطرية وتربوية وربط الأحداث والمواقف الجارية بالتربية والحركات العلمية.<br />
<br />
== د. بديع والعمل العام ==<br />
<br />
'''ويتحدث عن [[الديمقراطية]] فيقول:''' <br />
<br />
:إذا اختار الناس شيئا غير شرعي لا يصلح تنفيذه، فإذا كانت هناك مخالفة لشرع فلا يمكن إعمالها.<br />
<br />
:كما يؤكد أن [[الإخوان]] سيقبلون نتيجة [[الإخوان المسلمين والإنتخابات|الانتخابات]] حتى لو جاءت ب[[جمال مبارك]] إذا تمت [[الإخوان المسلمين والإنتخابات|الانتخابات]] بحرية وبنزاهة ف[[جمال مبارك]] له الحق في الترشح مثله مثل غيره في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولكن بشرط فتح الباب لجميع المصريين على قدم المساواة وفي انتخابات حرة نزيهة.<br />
<br />
== التعاون بين [[الإمام البنا بأقلام الأقباط |الأقباط]] المسيحيين [[الإمام البنا بأقلام الأقباط |والأقباط]] المسلمين ==<br />
<br />
:'''(فأنا قبطي مسلم)'''<br />
<br />
:وهو يؤكد على الحرص على التواصل مع الإخوة [[الإمام البنا بأقلام الأقباط |الأقباط]] المسيحيين [[الإمام البنا بأقلام الأقباط |والأقباط]] المسلمين فكلهم مواطنون مصريون، مؤكدا في لقاءاته معهم على رسوخ أهمية وحدة نسيج الوطن، مشددًا على حق المواطنة لكل المصريين على قدم المساواة، ويكفى أنه تم اختياره أمينا عاما للنقابة العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وأمين صندوق اتحاد نقابات المهن الطبية.<br />
<br />
كما كان معظم [[الإخوان]] يغبطون الدكتور بديع على سعة صدره وصبره على البلاء، ورغم ذلك كان الرجل دوما يدعو [[الإخوان]] بالتحلي بالصبر على من ظلموهم، وبل يدعو للظالمين دوما بالهداية... وكانت له كلمة شهيرة يرددها بصورة دائمة<br />
<br />
== "من احتسب أمره لله، ليس له حق عند من آذاه" ==<br />
<br />
كما تمتع الرجل بحب معظم أبناء [[الاخوان|الجماعة]] ، ولذلك تم اختياره عضوا ب[[مكتب الإرشاد]] عام [[1993]] ثم حصل على أعلى الأصوات في انتخابات [[مكتب الإرشاد]] الأخيرة.<br />
<br />
إن كثيرا من المسلمين الرسميين والشعبيين و[[الإخوان]] يستبشرون بقدومه مرشدا، ويتوقعون أن تشهد [[الاخوان|الجماعة]] على يده طفرة كبيرة، وانفتاحا على المجتمع والقوى السياسية بشكل أكبر من ذي قبل، فالرجل اجتماعي من الطراز الأول ويجيد العمل السياسي، كما أنه حريص على التواصل مع كل القوى السياسية والوطنية.<br />
<br />
== القضايا ==<br />
<br />
'''القضية العسكرية الأولى:''' <br />
<br />
:سنة [[1965]]م مع الأستاذ [[سيد قطب]] و[[الإخوان]] ، وحُكم عليه بخمسة عشر عامًا، قَضى منها 9 [[سنوات]] ، وخرج في 4/4/[[1974]]م، وعاد لعمله بجامعة [[أسيوط]] ، ثم نُقل إلى جامعة [[الزقازيق]] ، وسافر بعدها لليمن وعاد من هناك إلى جامعة [[بني سويف]].<br />
<br />
'''القضية الثانية:''' <br />
<br />
:السجن لمدة 75 يومًا في قضية جمعية الدعوة الإسلامية [[بني سويف|ببني سويف]] عام [[1998]]م ؛ حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة جامعة [[بني سويف]] بعد اعتقال الحاج [[حسن جودة]] رحمه الله.<br />
<br />
'''القضية الثالثة:''' <br />
<br />
:قضية النقابيين سنة [[1999]]م؛ حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس [[سنوات]] ، قضى منها ثلاث [[سنوات]] وثلاثة أرباع السنة وخرج بأول حكم بثلاثة أرباع المدة سنة [[2003]]م.<br />
<br />
== بالإنجليزية ==<br />
<br />
'''Name:''' Muhammad Badee" Abdel-Magied Sami.<br />
<br />
'''Date of Birth:''' 7 August [[1943]].<br />
<br />
'''Place of Birth:''' Al-Mahalla Al-Kubra.<br />
<br />
'''Qualifications:'''<br />
<br />
* B sc of veterinary – [[:تصنيف:إخوان القاهرة|Cairo]] – [[1965]].<br />
<br />
* Teacher at the faculty of veterinary – [[:تصنيف:إخوان أسيوط|Assyut University]] – [[1965]].<br />
<br />
* Master"s Degree & Schoolman assistant for veterinary – [[:تصنيف:إخوان الشرقية|Zagazeg University]]– [[1977]].<br />
<br />
* Doctorate & Schoolman for veterinary - [[:تصنيف:إخوان الشرقية|Zagazeg University]] – [[1979]].<br />
<br />
* Professor assistant for veterinary - [[:تصنيف:إخوان الشرقية|Zagazeg University]] – [[1983]].<br />
<br />
* Professor for veterinary – [[:تصنيف:إخوان القاهرة|Cairo University ]]– [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif ]] branch – [[1987]].<br />
<br />
'''Posts Occupied:'''<br />
<br />
* Head of pathology section - faculty of veterinary - [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif University]] for 2 terms from [[1990]].<br />
<br />
* Deputy of Dean for higher studies and research affairs for 1 term.<br />
<br />
'''Current Post:'''<br />
<br />
* Free professor at pathology section - faculty of veterinary - [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif University]].<br />
<br />
'''Syndicalistic Work:'''<br />
<br />
* Secretary General of veterinaries syndicate for 2 terms.<br />
<br />
* Cashier of the Association of syndicates of medical professions for 1 term.<br />
<br />
'''Lawsuits Faced:'''<br />
<br />
* First Lawsuit is the "Military Lawsuit" in [[1965]] with the martyr Sayyed Qutb other Brothers, he was sentenced to 15 years and spent 9 of them, then was released on 4/4/[[1974]].<br />
<br />
After that, he restored my work at* [[:تصنيف:إخوان أسيوط|Assyut]]University then was transferred to [[:تصنيف:إخوان الشرقية|Zagazeg University]]. Later, he traveled to Yemen and then returned to work at [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif University]].<br />
<br />
* Second Lawsuit is "The Da"wa Association Lawsuit" in [[1998]], he was arrested for 75 days for he was the chairman of the The Islamic Da"wa Association at [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif ]] after the blessed haj Hassan Goda was arrested.<br />
<br />
* Third Lawsuit is the " Syndicalistic Lawsuit", it was in front of the Military Court in [[1999]]. he was sentenced to 5 years, but he spent 3 years and 3 quarters of a year for he has been released after spending 3 quarters of the decree.<br />
<br />
'''Marital State:'''<br />
<br />
* Married and has two sons one is Amar – computer engineer - and the other is Belal - a radiologist -, and a daughter called Doha - a student at the faculty of pharmacy. He also has 3 grandchildren: Ro"a, Habeeb and Iad.<br />
<br />
'''Post in the "Muslim Brotherhood":'''<br />
<br />
A member of the "Bureau of Guidance" since 1993.<br />
<br />
'''Other Missions:'''<br />
<br />
* Chairman of Pathology & Clinical Pathology Association for the faculties of veterinary on the national level.<br />
<br />
* Editorial in chief of the " Veterinary Researches Magazine", issued by the Fuculty of Veterinary - [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif University]], for 9 years.<br />
<br />
* Chairman of "The Environmental Services" at the Fuculty of Veterinary - [[:تصنيف:إخوان بني سويف|Bany Sueif University]].<br />
<br />
* Establishing The High Veterinary Institution in Yemen during 4 years delegation from 82 to [[1986]] with its hennery.<br />
<br />
* Translating syllabuses into Arabic & establishing a scientific museum beside some other scientific sections at that institution.<br />
<br />
'''His name was included in the scientific Arabic encyclopedia among the great 100 Arab scientists issued by the Egypt State Information Service in [[1999]].'''<br />
<br />
==ألبوم صور==<br />
<br />
<center><font color="blue"><font size=5>الدكتور محمد بديع</font></font></center>'''<center>&nbsp;<gallerytag>141</gallerytag> <br></center>'''<br />
<br />
== تعرف معنا على المزيد ==<br />
{| class="wikitable" border="0"<br />
| <br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''روابط داخلية'''<br />
<br />
'''::كتب متعلقة::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''كتاب:''' [[الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ....محمود عبد الحليم|الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ]],[[محمود عبد الحليم]],'''لتحميل الكتاب'''[[ملف:Pdf.png|وصلة=الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ....محمود عبد الحليم.pdf]].<br />
* '''كتاب:'''[[صفحات من التاريخ .. الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد]],[[صلاح شادي]] '''لتحميل الكتاب''',[[ملف:Pdf.png|وصلة=صفحات من التاريخ .. الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد.pdf]].<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::متعلقات::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''ترجمة:'''د.[[محمد بديع]].<br />
* '''تراجم:'''[[مرشدو جماعة الإخوان المسلمين]].<br />
* '''رسائل:'''د.[[:تصنيف:رسائل الدكتور محمد بديع|محمد بديع]]<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''روابط خارجية'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/BCB29863-EDD0-4A0D-8663-D02E5E2FA6CC.htm محمد بديع.. المرشد الثامن للإخوان],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FDE66C54-39AE-4013-BDC8-708B2727BBF7.htm محمد بديع المرشد الجديد لإخوان مصر],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''ما وراء الخبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/B44AFC12-088D-4CF2-8C8D-25C8627E1192.htm اختيار محمد بديع مرشدا لجماعة الإخوان المسلمين],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
*'''لقاء اليوم:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5A9E15B1-4D73-42C2-B610-1C5438616C9F.htm محمد بديع.. توجهات القيادة الجديدة للإخوان المسلمين],'''أدار الحوار/حسين عبد الغني''','''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/32196FB1-2CB8-4907-874F-0CAB7541D3C9.htm بديع يطلب فتح الحدود أمام المجاهدين],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/CD0B174C-0AC5-47A6-8E89-1DE4C4236189.htm بديع يندد بقمع الأمن للإخوان],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/107F463C-0E82-47AF-8CD0-87832F64CFD4.htm الإخوان يختارون بديع مرشدا عاما],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2F81515C-9AA3-4DD6-9B66-CC545E5E73AB.htm بديع: أسعى إلى لمّ شمل الجماعة],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8AAA25E1-B5B1-467D-AF69-531B9E176114.htm بديع يحذر من عودة الإرهاب لمصر],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7F1C2805-EF01-400E-B10A-816D755B838F.htm توقعات بإعلان بديع مرشدا للإخوان],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FA505A26-99F1-40CB-B700-9D8B7568AE27.htm بديع مرشدا عاما للإخوان المسلمين],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C594269F-8A8D-476C-9031-D35C9BC264DB.htm الإخوان المسلمون إلى أين؟],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/579CABB9-AE80-4490-8B25-C17EC82EC51F.htm جدل بشأن مستقبل إخوان مصر],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/27BCA70F-A60F-4D20-943A-E1EAA55AA225.htm الإخوان تتقارب مع الوفد],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/21C02424-4ABC-45D8-BA9F-ACD3A7BF995B.htm الإخوان يتهمون الوطني بالتزوير],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/07F7922B-B51E-4AD3-A631-AE5D4AED7DBB.htm الإخوان يحتجون على مسلسل رمضاني],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AF6D7DAF-964A-4181-BE65-80B58887FAD7.htm الإخوان لا يستبعدون التحالف مع الوفد],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/D864A00B-3C1B-4F8F-8BCB-946D34E5833E.htm موقع لإخوان مصر لمطالب الإصلاح],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0398B41B-D607-4532-A857-93C77B4306E6.htm قوى معارضة مصرية تنسق مواقفها],'''موقع الجزيرة نت.'''<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::أخبار عربية وعالمية::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70943&SecID=0 المرشد العام يستقبل قيادات الجمعية الوطنية للتغيير],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71090&SecID=0 المرشد العام يدعو الأمة إلى التمسك بالقرآن],'''بقلم/إسلام توفيق''','''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69912&SecID=0 مسئولو الأقسام واللجان على مائدة إفطار المرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69808&SecID=0 مسئولو المكاتب الإدارية على مائدة إفطار المرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69771&SecID=0 الكتلة البرلمانية تقيم إفطارها السنوي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69497&SecID=0 "مصر الحرة" على مائدة إفطار المرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69309&SecID=0 أسر رهائن العسكرية على مائدة إفطار المرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69075&SecID=0 المرشد العام يهنئ "نور".. ويوفد لمؤتمر الضمانات الانتخابية],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68887&SecID=0 المرشد العام يعود إلى مصر بعد أداء العمرة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68860&SecID=0 المرشد العام يهنئ النائب الشيخ المحمدي بالشفاء],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68515&SecID=0 "صحافة العدو" تبرز اتصال المرشد العام برائد صلاح],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68448&SecID=0 المرشد العام يؤدي العمرة مع أسرته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68425&SecID=0 المرشد العام يتوجَّه لأداء مناسك العمرة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68390&SecID=0 المرشد العام يستقبل مراقب الإخوان بالسودان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68388&SecID=0 دعوة بالشفاء للشيخ عبد المنعم تعيلب],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68371&SecID=0 المرشد العام يستقبل رئيس حزب الوفد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68344&SecID=0 المرشد العام يُجري اتصالاً بالشيخ رائد صلاح],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68329&SecID=0 استنكار الهجوم على لقاء القوى الوطنية والمرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68320&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله المهندس عادل عبد اللطيف],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68284&SecID=0 المرشد العام يواسي د. محيي حامد في وفاة حماته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68053&SecID=0 المرشد العام يستقبل السفير إبراهيم يسري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67980&SecID=0 برقية عزاء من الجماعة الإسلامية بباكستان في وفاة العسال],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67965&SecID=0 المرشد العام يدعو العلماء لدعم الإصلاح والجهاد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67602&SecID=0 الصحافة المصرية تبرز حملة التوقيعات على مطالب الإصلاح],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67591&SecID=0 إشادة سياسية بحملة الإخوان للتوقيع على مطالب الإصلاح],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67553&SecID=0 المرشد العام يدشِّن حملة التوقيع على مطالب الإصلاح السبعة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67503&SecID=0 المرشد العام يستقبل الدكتور حسن نافعة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67243&SecID=0 المرشد العام يشارك نواب الإخوان حفلهم الختامي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67206&SecID=0 حديث المرشد العام إلى صحيفة "الشروق"],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65034&SecID=0 المرشد العام يستقبل وفد الاشتراكيين الثوريين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64850&SecID=0 المرشد العام يزور السبحي وحشمت],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64777&SecID=0 المرشد العام: الإسلام رفع منزلة العمال],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=66681&SecID=0 المرشد العام: تطبيق الشريعة الإسلامية حماية للبشرية],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=66552&SecID=0 المرشد العام يستقبل الدكتور حسن نافعة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64522&SecID=0 عزاء المرشد العام في نائب رئيس مجلس علماء العراق],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64458&SecID=0 المرشد العام يستقبل جمال ومحمود سلطان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64286&SecID=0 المرشد العام يستقبل وفدًا من حزب العمل],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64026&SecID=0 المرشد العام يدعو بالشفاء للحاج مسعود السبحي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63962&SecID=0 المرشد العام يهنئ البشير برئاسة السودان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63182&SecID=0 المرشد العام يستقبل د. عزت وإخوانه اليوم],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62736&SecID=0 المرشد العام يعزي رئيس الإمارات في وفاة شقيقه],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62463&SecID=0 تهنئة من المرشد العام لرئيس الجمهورية],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62026&SecID=0 المرشد العام يهنئ د. الطيب باختياره شيخًا للأزهر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61931&SecID=0 المرشد العام يعزِّي رئيس حزب النهضة الطاجيكي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61684&SecID=0 بديع وعاكف يقدمان واجب العزاء في شيخ الأزهر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60235&SecID=0 إخوان الضفة يهنئون المرشد العام ويجددون عهدهم],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59939&SecID=0 المرشد العام يستقبل السفير إبراهيم يسري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59881&SecID=0 المرشد العام يتلقى تهنئةً من سالم فتحي يكن],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59879&SecID=0 حجز قضية منع المرشد العام من السفر إلى 30 مارس],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59864&SecID=0 فضيلة المرشد العام يستقبل رئيس الحزب الدستوري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59794&SecID=0 المرشد العام يهنئ المنتخب بفوزه ببطولة إفريقيا],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59736&SecID=0 المرشد العام يلتقي بعدد من الكتَّاب والمفكرين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59723&SecID=0 المرشد العام يعزي مشعل هاتفيًّا],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59619&SecID=0 المرشد العام يدلي بحديث شامل لوكالة (رويترز)],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59617&SecID=0 المرشد العام يختار 3 نواب ومتحدثين إعلاميين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59593&SecID=0 د. بديع لـ"بي بي سي": الأزمة الأخيرة زادتنا قوة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59481&SecID=0 المرشد العام يستقبل وفدًا من قيادات حزب العمل],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59473&SecID=0 تهنئة من الشيخ مولوي إلى المرشد العام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59469&SecID=0 المرشد العام يثمن جهود إغاثة متضرري السيول],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59341&SecID=0 المرشد العام يدعو بالشفاء للنائب المحمدي عبد المقصود],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71116&SecID=0 المرشد العام يهنئ الشاطر بمناسبة عقد زواج كريمته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70583&SecID=0 المرشد العام يتقدم المهنئين في حفل زفاف نجل البحيري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70583&SecID=0 المرشد العام يتقدم المهنئين في حفل زفاف نجل],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62394&SecID=0 المرشد العام يشارك في عقد قران كريمة "زهران"],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61687&SecID=0 المرشد العام يحضر عقد زواج نجل د. عزت],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60668&SecID=0 المرشد العام يهنئ د. أحمد عبد الرحمن بعقد قران ابنته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.masrawy.com/News/Egypt/Politics/2010/january/16/m_badee3.aspx ماذا تعرف عن محمد بديع المرشد الجديد للإخوان ؟],'''موقع مصراوي.'''<br />
[http://www.masrawy.com/News/Egypt/Politics/2010/january/16/new_morahed.aspx مرشد الإخوان الجديد: المسيحيون شركاؤنا والتعاون معهم لبناء الوطن (فريضة)],'''موقع مصراوي.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.masrawy.com/News/MidEast/Reuters/2010/January/16/1176506Update.aspx محمد بديع مرشدا عاما جديدا للاخوان المسلمين في مصر..],'''موقع مصراوي.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=171180 المرشد المنتظر للإخوان محمد بديع],'''موقع جريدة اليوم السابع.'''<br />
* '''خبر:'''[http://arabic.cnn.com/2010/middle_east/1/16/ikhwan.selection/index.html اختيار محمد بديع مرشدا عاما للإخوان المسلمين],'''موقع الشرق الأوسط.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.alqanat.com/news/shownews.asp?id=111486 محمد بديع مرشدا عاما جديدا للإخوان المسلمين في مصر],'''موقع القناة.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.egyptwindow.net/news_Details.aspx?News_ID=9765 الإسلام في مواجهة الظلم والطغيان],'''موقع نافذة مصر.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=336773&pg=1 محمد بديع مرشدا عاما لجماعة الاخوان المسلمين],'''موقع نافذة مصر.'''<br />
* '''خبر:'''[http://dostor.org/politics/egypt/10/august/29/26917 محمد بديع: الإخوان يمتلكون ماء السماء الطهور الذي سيطهر مصر من نجاسات المجتمع],'''موقع جريدة الأسبوع.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.alarabonline.org/index.asp?fname=\2010\10\10-01\964.htm&dismode=x&ts=1-10-2010%207:48:32 محمد بديع: السلطة تحتضر والانتفاضة الثالثة توشك أن تندلع],'''موقع العرب اون لاين.'''<br />
* '''خبر:'''[http://www.masreat.com/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86/ مبايعة محمد بديع المرشد العام الثامن لـ الاخوان المسلمين],'''موقع مصريات.'''<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::تصريحات وحوارات صحفية::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70388&SecID=0 المرشد العام يرد على افتراءات (الأهرام المسائي)],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69904&SecID=0 المرشد العام: الإخوان يمدون أيديهم للجميع لإنقاذ مصر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69578&SecID=0 المرشد العام يدعو القوى السياسية للتكاتف من أجل مصر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69289&SecID=0 المرشد العام: الهجوم على الإخوان ليس جديدًا],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68954&SecID=0 المرشد العام لـ"العربية": قرار الانتخابات سيتحدد قريبًا],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67143&SecID=0 المرشد العام يطالب النظام المصري بالعودة إلى رشده],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63438&SecID=0 المرشد العام: مواجهة "الطوارئ" أهم من الانتخابات],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61428&SecID=0 المرشد العام في حديث شامل لـ(إخوان أون لاين)],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59441&SecID=0 المرشد العام لـ"الجزيرة": نضالنا ضد التوريث مستمر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59279&SecID=0 المرشد العام يطالب بنجدة منكوبي زلزال هاييتي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59221&SecID=0 فضيلة المرشد العام يشكر الصحفيين ووسائل الإعلام],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59193&SecID=0 حصريًّا: كلمة متلفزة للمرشد العام بمناسبة انتخابه],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''تصريح صحفي:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59190&SecID=0 إعلان د. بديع مرشدًا عامًا ثامنًا للإخوان المسلمين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::مواساة::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71541&SecID=0 المرشد العام يعزي د. باسم نعيم في وفاة زوجته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71442&SecID=0 المرشد العام يعزي "الوفد" في محمد علوان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71345&SecID=0 المرشد العام يعزي الحاج طلعت الشناوي في وفاة عمه],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71261&SecID=0 عزاء المرشد العام في وفاة أحمد ماهر الوزير السابق],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71249&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله د. عبد الصبور شاهين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71249&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله د. عبد الصبور شاهين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
</font><br />
|<br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::تابع مواساة::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68602&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله الشيخ عبد المنعم تعيلب],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68061&SecID=0 المرشد العام يحتسب السيد لطفي من الرعيل الأول],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67655&SecID=0 الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله الدكتور أحمد العسال],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67624&SecID=0 المرشد العام يواسي المستشار جريشة في وفاة شقيقه],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67403&SecID=0 المرشد العام يعزي الكاتب الكبير أحمد بهجت],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=67400&SecID=0 المرشد العام يعزي في وفاة "فضل الله"],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=71237&SecID=0 وفاة الدكتور عبد الصبور شاهين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70823&SecID=0 المرشد العام يحتسب د. عثمان وزوجة الشهيد طلعت],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70719&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله النائب مصطفى عوض الله],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70307&SecID=0 المرشد العام يواسي د. عبد الفتاح السيسي في وفاة والدته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69951&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله الحاج أحمد الجمل],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69863&SecID=0 المرشد العام ينعى المجاهد الفلسطيني لطفي الهمص],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69633&SecID=0 المرشد العام يقدم واجب العزاء في والدة د. مرسي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69608&SecID=0 المرشد العام ينعى والد وحماة النائبَيْن عبد الغني وحامد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69320&SecID=0 المرشد العام يواسي رشدي حبلص في وفاة زوجته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68707&SecID=0 المرشد العام يقدم العزاء في الداعية د. حسن عيسى],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68704&SecID=0 المرشد العام يقدِّم العزاء في الداعية الدكتور عدنان سعد الدين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=68609&SecID=0 المرشد العام يواسي م. سراج اللبودي في والدته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=66767&SecID=0 المرشد العام يعزي النائب علي لبن في وفاة رفيقة جهاده],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=66756&SecID=0 المرشد العام يحتسب الدكتور محمد إسماعيل راشد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=65018&SecID=0 المرشد العام يحتسب نجل النائب محمود حلمي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64665&SecID=0 المرشد العام يتقدم مشيعي زوجة الحاج لاشين أبو شنب],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64647&SecID=0 المرشد العام يستقبل د. أيمن نور وقيادات حزب الغد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64502&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله الإعلامي محمد سماحة],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64124&SecID=0 المرشد العام ينعى للعالم الداعية العالِم الشيخ فتحي الخولي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63676&SecID=0 المرشد العام يتقدم قيادات الإخوان في جنازة توفيق],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63664&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله محمود توفيق],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63580&SecID=0 المرشد العام يتقدم عزاء الحاج سليمان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63509&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله "سليمان" و"بارود"],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63326&SecID=0 المرشد العام يشارك في عزاء المستشار الرفاعي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63324&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله محمد شاهين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63711&SecID=0 المرشد العام يتقدم مشيعي شيخ مجاهدي فلسطين],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63679&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله أبو الفتوح عفيفي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63238&SecID=0 المرشد العام يستقبل د. رفعت سيد أحمد],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=63225&SecID=0 المرشد العام يشارك في تشييع جنازة المستشار الرفاعي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62116&SecID=0 المرشد العام يعزي آل الديري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=62013&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله د. طاهر أبو السادات],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61574&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله شيخ الأزهر],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=61146&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله سيد شكيو],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60925&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله د. علي أحمد طلب],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60522&SecID=0 المرشد العام يتقدم مشيِّعي جنازة الحاج أبو شادي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60496&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله الحاج أحمد أبو شادي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60296&SecID=0 المرشد العام يعزي مجدي أحمد حسين في وفاة شقيقه],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=60282&SecID=0 المرشد العام يحتسب المربي محمد حندق],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59805&SecID=0 المرشد العام يحتسب عند الله د. عز الدين إبراهيم],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59716&SecID=0 المرشد العام يحتسب فاروق الصاوي],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59633&SecID=0 المرشد العام يشارك في جنازة كريمة الحاج دحروج],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59460&SecID=0 المرشد العام يواسي الشرنوبي في وفاة عمته],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59400&SecID=0 المرشد العام يحتسب والدة د. حسن الحيوان],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
* '''مواساة:'''[http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=59387&SecID=0 المرشد العام يقدِّم واجب العزاء في د. علي صبري],'''موقع إخوان أون لاين.'''<br />
</font><br />
<center><br />
<font color="green"><br />
<font size=5><br />
'''::فيديو::'''<br />
</font><br />
</font><br />
</center><br />
<font size=2><br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=96207586df2854b17995&page=1&viewtype=basic&category=mr دكتور محمد بديع وحصاد العمر],'''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=9c1d0e3b9ccc3ab651bc&page=1&viewtype=basic&category=mr محمد بديع يتحدث عن حامد ابو النصر],'''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=5b6ab9dcf8d3b5c6e0b0&page=1&viewtype=basic&category=mr كلمة المرشد أ/ محمد بديع],'''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=0ef399b63a72d0e4ab57&page=1&viewtype=basic&category=mr عزاء الدكتور أحمد العسال],'''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=fedad7bbbed0eca3fe2e&page=1&viewtype=basic&category=mr المرشد العام ا/ محمد بديع سيرة ومسيرة..1],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=a9109507cacd8e2f2aef&page=1&viewtype=basic&category=mr المرشد العام ا/ محمد بديع سيرة ومسيرة..2],'''الجزءالثاني''','''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=27327d8461063f4ac58a&page=1&viewtype=basic&category=mr المرشد العام ا/ محمد بديع سيرة ومسيرة..3],'''الجزءالثالث''','''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://www.ikhwanwikitube.com/view_video.php?viewkey=586dfa4d1bc0e1742c08&page=1&viewtype=basic&category=mr المرشد العام ا/ محمد بديع سيرة ومسيرة..4],'''الجزءالرابع''','''موقع إخوان ويكي تيوب.'''<br />
</font><br />
'''تحميل برنامج حديث من القلب من موقع إخوان اون لاين'''[http://www.ikhwanonline.com/Media/VideoAlbum.asp?MainCatID=3&SubCatID=24&AlbumID=491 تفضل].<br />
<font size=2><br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11625/%D8%A5%D8%AE%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AE%D9%84%D9%81%D8%A7-%D9%84%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%85%D9%87%D8%AF%D9%89-%D8%B9%D8%A7%D9%83%D9%81 إختيار الدكتور محمد بديع مرشداً عاماً],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12359/16-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8--%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%AF حديث من القلب الاخوة الثقة التجرد]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15765/%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-%D9%81%D9%89-%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%A7%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86 فى رحاب العشر الأواخر من رمضان]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14471/%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1 دروس من رحلة الإسراء]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11631/%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81 الإخوان يرفضون العنف]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14117/%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%AA الثبات حتى الممات]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13705/%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%B0%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D9%86 إصلاح ذات البين]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/16020/%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8--%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86 وماذا بعد رمضان]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14165/%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%B0%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AD%D9%85%D9%84-%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D9%84%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF الآذان وحمل هم الأمة]<br />
*[http://ikhwantube.org/video/14577/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%AC--%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%88%D8%B9%D8%A8%D8%B1 الإسراء والمعراج - دروس وعبر]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13828/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%82-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89 الإخوان والتنسيق مع الجهات والأحزاب الأخرى]'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14806/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--1 التربية عند الإخوان],الجزء الأول,'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14808/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86--2 التربية عند الإخوان],الجزء الثاني,'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11856/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%88%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%87-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%89-%D8%A8%D9%89-%D8%B3%D9%89 د/ محمد بديع ولقائه مع البى بى سى],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15602/%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%89-%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9 ترحيب الإخوان المسلمين بالغربية بفضيلة المرشد],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15596/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9 تعليق فضيلة المرشد العام أ.د/ محمد بديع .. على مسلسل الجماعة],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15595/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8 تعليق فضيلة المرشد العام أ.د/ محمد بديع .. على دخول إنتخابات مجلس الشعب],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15482/%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%84%D9%85 تعليق فضيلة المرشد العام أ.د/ محمد بديع .. على الإعتقالات والظلم],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13829/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AD-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A تقرير الجزيرة عن تجاوزات الأمن لمنع الترشيح من خارج الحزب الوطني],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11694/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86%D8%AD-%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-2 عندما تتحول المحن إلى منح ربانية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12991/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8--%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%8A ضريبة العمل الدعوي],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11628/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9 المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ...السيرة الذاتية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11634/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%89 الاصلاح السلمى],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11655/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-1 حديث الذكريات],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11659/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-2 حديث الذكريات],'''الجزء الثاني''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11698/%D8%AD%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%88%D8%A3%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A5%D8%AE%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%A7%D9%8B%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86 بديع وأروع الكلمات بعد إختيارة مرشاًعاماً لجماعة الإخوان],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12649/%D8%AD%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%8B--%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%89-%D8%A5%D8%AD%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%81%D8%B1%D8%AC-%D8%B9%D9%86%D9%87%D9%85-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD د/ محمد بديع فى إحتفالية للمفرج عنهم],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11857/%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D8%B2 د/ محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين مع رويترز],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12082/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D8%B2%D8%AA-%D9%88%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%87 رسالة فضيلة المرشد العام إلى دكتور محمود عزت ورفاقه],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11958/%D8%B9%D8%B2%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%AF-%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D9%88%D9%89 عزاء فضيلة المرشد العام د. محمد بديع فى وفاة الأخ المجاهد فاروق الصاوى],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15068/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--1 المنح والمحن16],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15279/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--10 المنح والمحن10],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15571/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--11 المنح والمحن11],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15615/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--12 المنح والمحن12],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15616/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--13 المنح والمحن13],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15643/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--14 المنح والمحن14],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15081/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--2 المنح والمحن2],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15095/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--3 المنح والمحن3],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15121/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--4 المنح والمحن4],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15159/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--5 المنح والمحن5],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15208/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--6 المنح والمحن6],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15233/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--7 المنح والمحن7],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15428/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--8 المنح والمحن8],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15429/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%86--9 المنح والمحن9],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15063/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%A9 د/ محمد بديع- دروس من تحويل القبلة],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15244/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D8%AF%D9%8B%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A د/محمد بديع في حوار هام جدًا على قناة العربية---الجزء الثاني],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/16214/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8 د/ محمد بديع ---حول أسماء سور القرآن الكريم- حديث من القلب],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13235/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D8%A8-20-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D9%86 مهمتنا نحو الآخرين],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15584/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D9%8A%D9%88%D8%B6%D8%AD-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%9F د/ محمد بديع .. يوضح لماذا الإسلام هو الحل ؟],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15262/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A8%D9%86%D8%B5%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A9 د/ محمد بديع .. يطالب النظام بالإفراج عن الشاطر وإخوانه],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13831/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9---%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%88%D8%B1%D9%89-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1 د/ محمد بديع - - تجاوزات الشورى تجاوزت الخطوط الحمراء],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15243/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D8%AF%D9%8B%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9 د/ محمد بديع في حوار هام جدًا على قناة العربية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12623/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A9-%D8%AC%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%B5%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9 د. محمد بديع يدعوا إلى وقفة جادة لحماية المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/5889/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9 ماذا وراء الاعتقالات الأخيرة],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/6116/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%B4%D9%86-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A1 فضيلة المرشد العام يشن هجوما على نظام الطواريء],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15867/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%B2%D9%81%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AC%D9%84-%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%8A%D8%B1%D9%89 د/ محمد بديع المرشد العام فى حفل زفاف نجل م. محمد البحيرى],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15879/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%B2%D9%81%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AC%D9%84-%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%8A%D8%B1%D9%89--2 د/ محمد بديع المرشد العام فى حفل زفاف نجل م. محمد البحيرى],'''الجزء الثاني''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12335/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%89 كلمة أ.د/ محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين لفريق عمل موقع إخوان ويكى],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/11626/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D9%87-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86 كلمة الدكتور محمد بديع بمناسبة إنتخابه مرشداً عاماً ثامناً لجماعة الإخوان المسلمين],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15603/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%89-%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9 د/ محمد بديع .. خلال حفل الإفطار السنوى لإخوان الغربية],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15609/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D9%89-%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-2 د/ محمد بديع .. خلال حفل الإفطار السنوى لإخوان الغربية],'''الجزء الثاني''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/16241/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3-%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B7%D8%B1 د/ محمد بديع .. فى حفل زواج كريمة المهندس خيرت الشاطر],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15457/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9--%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9 د/ محمد بديع .. فى حفل إفطار الإخوان للقوى السياسية الوطنية المصرية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12277/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%89-%D8%B5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85 د محمد بديع بمناسبة ذكرى مولد النبى صلى الله علية وسلم],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13846/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B9%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9 د/ محمد بديع عن المجزرة الصهيونية البشعة ضد أسطول الحرية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15386/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89--%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%89-%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1-%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A9 د/ محمد بديع فى .. الإفطار الجماعى لأسر رهائن المحكمة العسكرية الظالمة],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15475/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9 د/ محمد بديع فى حفل إفطار إخوان الشرقية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15559/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86-1431 د/ محمد بديع فى حفل إفطار نواب الإخوان رمضان 1431],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/12795/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9 كلمة فضيلة المرشد العام في جنازة الحاج محمد عبد المجيد عمارة بالمنوفية],'''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13077/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%8B--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84 د / محمد بديع فى برنامج العاشرة مساءً],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13078/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%8B-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%89 د / محمد بديع فى برنامج العاشرة مساءً],'''الجزء الثاني''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13079/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%8B-%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB د / محمد بديع فى برنامج العاشرة مساءً],'''الجزء الثالث''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13080/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%8B--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9 د / محمد بديع فى برنامج العاشرة مساءً],'''الجزء الرابع''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/13081/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%B6%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%AF--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A1%D9%8B--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1 د / محمد بديع فى برنامج العاشرة مساءً],'''الجزء الخامس''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14982/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%88-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%85%D8%B5%D8%B1--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84 مؤتمرلقاء المرشد العام و حوار القوى السياسية الوطنية المصرية من أجل مصر],'''الجزء الأول''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14984/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%88-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%85%D8%B5%D8%B1--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%89 مؤتمرلقاء المرشد العام و حوار القوى السياسية الوطنية المصرية من أجل مصر],'''الجزء الثاني''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/14990/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%88-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%85%D8%B5%D8%B1--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB مؤتمرلقاء المرشد العام و حوار القوى السياسية الوطنية المصرية من أجل مصر],'''الجزء الثالث''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
* '''فيديو:'''[http://ikhwantube.org/video/15061/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%88-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%85%D8%B5%D8%B1--%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9 مؤتمرلقاء المرشد العام و حوار القوى السياسية الوطنية المصرية من أجل مصر],'''الجزء الرابع''','''موقع إخوان تيوب.'''<br />
</font><br />
|}<br />
{{مرشدو جماعة الإخوان المسلمين|محمد مهدي عاكف}}<br />
<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام من مصر]]<br />
[[تصنيف:أعلام الغربية]]<br />
[[تصنيف:مقالة جيدة أعلام]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7:%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3_(%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9)&diff=677608ويكيبيديا:دروس (وصلات خارجية)2012-09-08T10:17:40Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>{{/ترويسة}}<br />
<br />
<div style="border:2px solid #A3B1BF; padding:.5em 1em 1em 1em; border-top:none; background-color:#fff; color:#000"><br />
<br />
إذا أردت أن تزود مقالتك بمصدر أو وصلة لموقع خارج ويكيبيديا فهذا أمر سهل جدا و ننصحك به خاصة إذا كان هذا الموقع موثوقا (معروف بشكل جيد ، وكالة أنباء أو قناة إخبارية معروفة ...لا نشجع المعلومات المأخوذة من منتديات أو مواقع دعائية) . مثل هذه الوصلات ندعوها '''[[ويكيبيديا:روابط خارجية|الوصلات الخارجية]]''' . إذا أمكنك تزويد مقالتك بوصلة داخلي ضمن ويكيبيديا فهذا أفضل لزيادة عدد المقالات في ويكيبيديا العربية .<br />
<br />
بشكل طبيعي و بسهولة يتم وضع عنوان الموقع كاملا : ضمن قوس مربع من كل جهة أي : [ ] (بدلا من [[]] في حالة الوصلة الداخلية) في هذه الحالة يتم ترقيم الوصلات الخارجية حسب ورودها في المقالة : 1، 2، 3 ... ، لكننا نشجعك على أن تسمي الوصلة الذي تضعه ليكون واضح الاتجاه : يتم تسمية الوصلة كما يلي : <nowiki>[ اسم الوصلة]</nowiki> أي باختصار بعد لصق الوصلة قم بوضع مسافة ثم اكتب اسم الوصلة: الجزيرة نت أو العربية...<br />
<br />
مثلا : <br />
<br />
<nowiki>[http://www.aljazeera.net الجزيرة نت]</nowiki> تعطيك : [http://www.aljazeera.net الجزيرة نت]<br />
<br />
:<tt><nowiki>[http://www.google.com/ Google search engine]</nowiki></tt> <br />
<br />
:يعطي : [http://www.google.com/ Google search engine]. <br />
<br />
غالبا ما توضع هذه الوصلات في فقرة خاصة تدعى : <br />
<br />
:<tt><nowiki>==وصلات خارجية==</nowiki></tt><br />
<br />
<br />
<div style="float: right; background-color:#f5faff; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 100%; border: 1px solid #cedff2; margin-bottom:3px;">لتعرف أكثر عن نوعية الوصلات الخارجية غير المحبذة هنا ، راجع [[ويكيبيديا:روابط خارجية|الوصلات الخارجية]].'''</div>{{-}}<br />
<br />
== طرق أخرى للوصلات ==<br />
<br />
في بعض الحالات يمكنك أن تضع الوصلة كما هي و سيعاملها برنامج ميدياويكي كوصلة ويب:<br />
<br />
:<tt>http://www.google.com/</tt><br />
<br />
لكننا نفضل طريقة عنونة الموقع أعلاه لأنها تبين ما يحويه هذا الموقع و طبيعة المعلومات فيه .<br />
<br />
كما أسلفنا يمكنك أحيانا أن تضع الوصلة دون عنوان لكن أيضا استخدم هذه الطريقة كمصدر بعد قول أو اقتباس ... نفضل دوما استخدام أدوات المصادر التي سنتحدث عنها لاحقا . <br />
<br />
{{-}}<br />
<div style="float: left; background-color: #f5faff; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 130%; border: 1px solid #cedff2;">''' اختبر ما تعلمته في [[ويكيبيديا:ساحة التجربة|ساحة التجربة]]'''</div>{{-}}<br />
<br />
<div style="float:right; margin-top: 0.0em; margin-bottom:3px; background-color: #cedff2; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 130%; border: 1px solid #B8C7D9;">''' تابع الدروس نحو [[ويكيبيديا:دروس (صفحات النقاش)|صفحات النقاش]]'''<span style="font-size: larger; font-weight: bold;">←</span></div><br />
</div><br />
<div style="clear:both"></div><br />
<br />
[[تصنيف:دروس ويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7:%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3_(%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9)&diff=677607ويكيبيديا:دروس (وصلات خارجية)2012-09-08T10:16:48Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>{{/ترويسة}}<br />
<br />
<div style="border:2px solid #A3B1BF; padding:.5em 1em 1em 1em; border-top:none; background-color:#fff; color:#000"><br />
<br />
إذا أردت أن تزود مقالتك بمصدر أو وصلة لموقع خارج ويكيبيديا فهذا أمر سهل جدا و ننصحك به خاصة إذا كان هذا الموقع موثوقا (معروف بشكل جيد ، وكالة أنباء أو قناة إخبارية معروفة ...لا نشجع المعلومات المأخوذة من منتديات أو مواقع دعائية) . مثل هذه الوصلات ندعوها '''[[ويكيبيديا:روابط خارجية|الوصلات الخارجية]]''' . إذا أمكنك تزويد مقالتك بوصلة داخلي ضمن ويكيبيديا فهذا أفضل لزيادة عدد المقالات في ويكيبيديا العربية .<br />
<br />
بشكل طبيعي و بسهولة يتم وضع عنوان الموقع كاملا : ضمن قوس مربع من كل جهة أي : [ ] (بدلا من [[]] في حالة الوصلة الداخلية) في هذه الحالة يتم ترقيم الوصلات الخارجية حسب ورودها في المقالة : 1، 2، 3 ... ، لكننا نشجعك على أن تسمي الوصلة الذي تضعه ليكون واضح الاتجاه : يتم تسمية الوصلة كما يلي : <nowiki>[http://www.XXX.xxx اسم الوصلة]</nowiki> أي باختصار بعد لصق الوصلة قم بوضع مسافة ثم اكتب اسم الوصلة: الجزيرة نت أو العربية...<br />
<br />
مثلا : <br />
<br />
<nowiki>[http://www.aljazeera.net الجزيرة نت]</nowiki> تعطيك : [http://www.aljazeera.net الجزيرة نت]<br />
<br />
:<tt><nowiki>[http://www.google.com/ Google search engine]</nowiki></tt> <br />
<br />
:يعطي : [http://www.google.com/ Google search engine]. <br />
<br />
غالبا ما توضع هذه الوصلات في فقرة خاصة تدعى : <br />
<br />
:<tt><nowiki>==وصلات خارجية==</nowiki></tt><br />
<br />
<br />
<div style="float: right; background-color:#f5faff; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 100%; border: 1px solid #cedff2; margin-bottom:3px;">لتعرف أكثر عن نوعية الوصلات الخارجية غير المحبذة هنا ، راجع [[ويكيبيديا:روابط خارجية|الوصلات الخارجية]].'''</div>{{-}}<br />
<br />
== طرق أخرى للوصلات ==<br />
<br />
في بعض الحالات يمكنك أن تضع الوصلة كما هي و سيعاملها برنامج ميدياويكي كوصلة ويب:<br />
<br />
:<tt>http://www.google.com/</tt><br />
<br />
لكننا نفضل طريقة عنونة الموقع أعلاه لأنها تبين ما يحويه هذا الموقع و طبيعة المعلومات فيه .<br />
<br />
كما أسلفنا يمكنك أحيانا أن تضع الوصلة دون عنوان لكن أيضا استخدم هذه الطريقة كمصدر بعد قول أو اقتباس ... نفضل دوما استخدام أدوات المصادر التي سنتحدث عنها لاحقا . <br />
<br />
{{-}}<br />
<div style="float: left; background-color: #f5faff; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 130%; border: 1px solid #cedff2;">''' اختبر ما تعلمته في [[ويكيبيديا:ساحة التجربة|ساحة التجربة]]'''</div>{{-}}<br />
<br />
<div style="float:right; margin-top: 0.0em; margin-bottom:3px; background-color: #cedff2; color: #000; padding: .2em .6em; font-size: 130%; border: 1px solid #B8C7D9;">''' تابع الدروس نحو [[ويكيبيديا:دروس (صفحات النقاش)|صفحات النقاش]]'''<span style="font-size: larger; font-weight: bold;">←</span></div><br />
</div><br />
<div style="clear:both"></div><br />
<br />
[[تصنيف:دروس ويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB_4_%D9%81%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B1_1942_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9&diff=644608حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية2012-03-05T17:34:31Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية</font></font></center>'''<br />
<br />
'''دكتور [[محمد صابر عرب]]'''<br />
<br />
'''مدرس التاريخ الحديث والمعاصر [[جامعة الأزهر]]'''<br />
<br />
'''الطبعة الأولي [[1985]]'''<br />
<br />
'''دار المعارف'''<br />
<br />
==تقديم==<br />
<br />
'''تقديم للدكتور : [[محمود منسي]]'''<br />
<br />
'''<center>الحمد لله رب العالمين والسلام على رسول الله وبعد..</center>'''<br />
<br />
ففي حياة كل أمة من الأمم أحداث جسام تترك بصماتها على تاريخها بل وتغير مساره , وتظل الأجيال تذكرها جيلا بعد جيل <br />
ومن هذه الأحداث التي مرت بتاريخ [[مصر]] الحديث [[حادث 4 فبراير]] [[1942]]<br />
ورغم أن الحادث لا يعدو أن يكون تدخلا في شئون [[مصر]] الداخلية واعتداء على كرامتها , وما أكثر الأحداث المماثلة التي وقعت من جانب بريطانيا سواء في عهد الاحتلال أو في عهد الحماية , أو بعد الاستقلال الناقص الذي حصلت عليه [[مصر]] منذ سنة [[1922]] إلا أن هذا الحادث كان له دوي واسع بين صفوف الشعب المصري أشعل جذوة حماسه , وذلك كان لهذا الحادث نتائج عميقة سواء على الصعيد الداخلي من ناحية علاقة الشعب المصري بمختلف القوي السياسية في البلاد : القصر والأحزاب وزعمائها أو على الصعيد الخارجي من حيث نظرة الشعب نحو بريطانيا ومثليها في [[مصر]] وكذا نحو الداعين إلى مهادنتها وتوثيق عري الصداقة والتحالف والتعاون معها .<br />
<br />
'''وقد تناول هذا الحادث بالدراسة كثي من الباحثين مصريين وأجانب ورغم أن هذه الأبحاث كانت لها قيمتها وقت ظهورها إلا أنه كان ينقصها أمران :''' <br />
<br />
'''الأمر الأول :''' أن بعض هؤلاء الباحثين كانت لدي كل منهم فكرة مسبقة ووجهة نظر معينة أراد أن يثبتها ويقيم الدليل عليها من خلال كتابته بينما المفروض ألا يكون الباحث وجهة نظره إلا بعد الانتهاء من الدراسة وعرض كل جوانبها . <br />
<br />
'''أما الأمر الثاني :''' فهو النقص في المصادر التي اعتمدت عليها معظم هذه الحدوث وذلك باستقاء المادة العلمية والتعرف على وجهات النظر من جانب واحد دون استقراء وجهات النظر الأخرى بالرجوع إلى نوعيات أخري من المصادر حتى لقد ذكر أحد الباحثين الأفاضل الذين أسهموا في هذه الدراسات بأنه " من ثم لم تدرس هذه الحادثة دراسة كافية من أحد المؤرخين "<br />
<br />
ومن ثم جاء هذا البحث الذي أعده الدكتور [[محمد صابر عرب]] ليسد هذا النقص .<br />
<br />
والدكتور [[محمد صابر عرب]] ليس غريبا على فهو تلميذي منذ مرحلة الليسانس وهو حاليا أحد فرسان التاريخ الحديث ب[[جامعة الأزهر]] , وقد عرفت فيه الاستقامة في الخلق وفي العمل , ولمست فيه حب [[مصر]] الذي تنبض به كل قطرة من دمائه وعرفته صبورا جلدا على البحث حريصا على السعي وراء الحقيقة وحدها ولا شئ سواها مهما كلفه ذلك من جهد ومال ووقت ونصب وهو يتمتع بعقلية منظمة وتفكير عميق ومقدرة على التحليل .<br />
<br />
وعندما أشرفت عليه في رسالته للماجستير تأكدت لى هذه الصفات والسجايا وذلك فنه طرح موضوع [[حادث 4 فبراير]] لرسالة الدكتوراه رأيت أن صابر عرب هو خير من يستطيع القيام بعبء هذه الدراسة عن هذا الحادث الذي اختلفت فيه الآراء بدرجة جعلت بعض الأطراف توجه تهمة الخيانة إلى أطراف أخري بسبب موقفها خلال هذا الحادث .<br />
<br />
ولقد دأب [[محمد صابر عرب]] على هذا البحث طوال سنوات أربع خرج علينا بعدها بهذه الدراسة التي بين أيدينا والتي حصل بها على درجة العالمية '''(''' الدكتوراه ''')''' في التاريخ الحديث بمرتبة الشرف الأولي والتي يسعدني ويشرفني أن أكتب لها هذا التقديم وهي في طريقها إلى المطبعة ..<br />
<br />
ولست هنا في مجال عرض لهذا الدراسة ومحتوياتها فإنني أترك ذلك للقارئ ليتعرف عليها بقراءتها مباشرة ولكنني أود أن أسجل أن ما دفعني إلى كتابة هذا التقديم ليس الرابطة الشخصية ولكن ما يتميز به البحث من ميزات عديدة .<br />
<br />
ومن هذه الميزات إتباع المنهج العلمي من حيث عرض الحقائق التي استقاها من مصادرها الأصلية المتنوعة وعرض وجهات النظر وتحليلها في أمانة ودقة وحيدة دون تحيز ومحاولة الوصول إلى أقصي درجات الصدق وهذه سمة أساسية من السمك التي يجب أني يتحلي بها الباحث الذي يريد أن يتصدي للكتابات التاريخية وخصوصا في الأحداث الشائكة التي اختلفت فيها الآراء ك[[حادث 4 فبراير]] وما أشبه الباحث هنا بالقاضي على منصة القضاء العادل .<br />
<br />
وإلى جانب ذلك فإن نظرة إلى المصادر العديدة والمتنوعة التي استقي منها مادته العلمية لتدلنا على الجهد الكبير الذي بذله والأمانة العلمية التي التزم بها فمن تقارير الأمن العام وأوراق الأحزاب السياسية المحفوظة بدا الوثائق القومية بالقلعة , إلى وثائق وزارة الخارجية البريطانية عن الفترة من [[1936]] حتى [[1945]] والتي تضم معلومات في منتهي الأهمية والخطورة جاءت في المراسلات المتبادلة بين دار السفارة البريطانية في [[القاهرة]] ووزارة الخارجية البريطانية .<br />
<br />
ولأول مرة بين الكتاب والباحثين المصريين يستخدم الباحث الوثائق الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية وقد جلبها على أفلام وهي تتضمن معلومات ذات قيمة تاريخية لا يستهان بها .<br />
<br />
وبالإضافة إلى ذلك اعتمد على مضابط مجلسي النواب والشيوخ خلال الفترة من [[1936]] – [[1945]] واستخلص منها مادة علمية على جانب كبير من الأهمية والخطورة ولا أعتقد أن أحدا من الكتاب استخدمها واستفاد منها مثلما فعل د. [[محمد صابر عرب]] سواء من حيث الكم أو الكيف .<br />
<br />
وفي اعتقادي أن هذه المضابط كنز غني بالمادة التاريخية يجب ان يلتفت إليها الباحثون في تاريخ [[مصر]] الحديث .<br />
<br />
واحب أن أنوه ضمن مصادر المادة العلمية التي استفاد منها بالمقابلات الشخصية التي أجراها مع بعض الزعماء السياسيين الذين ما زالوا على قيد الحياة ويمثلون اتجاهات مختلفة فمن [[الوفد]] التقي بالأستاذ [[فؤاد سراج الدين|محمد فؤاد سراج الدين]] , ومن الجانب الأخ التقي بالأستاذ [[فتحي رضوان]] ومن [[الضباط الأحرار]] التقي بالسيدين [[حسين الشافعي]] و[[خالد محيي الدين]] .<br />
<br />
ومما تجدر الإشارة إليه أن الباحث استخدم هذه المصادر الأصلية استخداما حقيقيا ولم يفعل مثلما فعل البعض حين يرصعون أبحاثهم بوثيقة هنا ووثيقة هناك لإيهام القارئ بأنهم استخدموا وثائق تاريخية أملا في رفع القيمة العلمية لأبحاثهم وتدل على ذلك حواشي البحث فلا تخلو صفحة من عدة مصادر أصلية .<br />
<br />
وبهذه الإمكانات استطاع الباحث الدكتور [[محمد صابر عرب]] أن يتوصل إلى حقائق وأراء قيمة منها ما يتصل بسياسة " تجنب [[مصر]] ويلات الحرب " وأن ما حدث في 4 [[فبراير]] لم يكن سياسة بريطانية بحتة كانت بعض العناصر من الزعماء المصريين ضالعين فيها بالتحريض وتفكير بريطانيا في إلغاء النظام الملكي في [[مصر]] وإقامة نظام جمهوري ورد الفعل ل[[حادث 4 فبراير]] على [[الجيش المصري]] مما أدي إلى مولد حركة [[الضباط الأحرار]] , ومحاولة الانتقام من [[الوفد]] بتقويضه من الداخل وتحقق ذلك بانشقاق [[مكرم عبيد]] وأخيرا وليس آخرا ظهور العديد من الاتجاهات السياسية الجديدة التي كان بعضها يجنح إلى العنف وذلك بعد أن فقدت الجماهير ثقتها في الأحزاب القديمة التي كانت تفضل مهادنة الاحتلال .<br />
<br />
باختصار فإن هذا بحث متميز يسعدني أن أقدمه لكل مصري يوجه عام وكل مهتم بالدراسات التاريخية على وجه الخصوص .<br />
<br />
'''وبالله التوفيق'''<br />
<br />
'''د . [[محمود منسي|محمود حسن صالح منسي]]'''<br />
<br />
'''أستاذ التاريخ الحديث ب[[جامعة الأزهر]] سابقا'''<br />
<br />
==مقدمة==<br />
<br />
ينفرد [[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]] بمكانة خاصة سواء بالنظر للظروف الموضوعية التي أدت إليه أو للآثار التي ترتبت لا عليه وعلى مختلف المستويات .<br />
<br />
ولعل البداية العملية لسلسة المصادمات بين القصر والانجليز ترجع إلى أواخر سنة [[1937]] حيث تمكن [[الملك فاروق]] من إقالة [[الوفد]] تلك الإقالة التي وصفتها لدوائر الأمريكية بأنها بداية للعديد من الخلافات بين فاروق والسفير البريطاني في الوقت الذي كان السفير البريطاني قد بذل جهدا شاقا في محاولة الوساطة بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] وكان فشله في تلك المهمة موضع لوم من حكومته .<br />
<br />
وقد عرضت في تلك الأزمة فكرة تنحية [[الملك فاروق]] عن العرش إلا أن الخارجية البريطانية لم توافق عليها بحجة أن هذا الإجراء سيحدث أثر كبيرا في صفوف الشعب المصري بسبب الشعبية الكبيرة التي يمتع بها الملك الشاب .<br />
<br />
ثم تجددت الخلافات في [[سبتمبر]] سنة [[1939]] حين وجد السفير البريطاني أن هناك عناصر في القصر تميل نحو الألمان بل أن [[الملك فاروق]] شخصيا على علاقة ببعض الدوائر الألمانية , وفي محاولة من بريطانيا لتقليص دور القصر فقد صدرت الأوامر البريطانية بإخراج [[علي ماهر]] من الحكم ثم عادت الأزمة مرة أخري إلى الظهور في [[يونيه]] سنة [[1940]] بعد أن دخلت ايطاليا الحرب بجانب ألمانيا ويومئذ اقترحت الحكومة البريطانية تغيير الوزارة فإن عارض الملك فعليه أن يتخلي عن عرشه ووجه السفير البريطاني إنذارا إلى [[الملك فاروق]] بضرورة خروج [[علي ماهر]] من الحكم واستدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] والعمل بمشورته , ووافقت الحكومة البريطانية على التهديد بعزل فاروق عن العرش إذا لم يستجب للمطالب البريطانية وانفجرت الأزمة بإذعان القصر لمطالب لندن فاستدعي [[مصطفى النحاس|النحاس]] للمشاورة في الموقف وخرج [[علي ماهر]] من الحكم وحرم عليه العودة إلى رياسة ديوان الملك وقد أعرب السفير البريطاني في نهاية تقييمه للأزمة بقوله .'''(''' وقد نخرج من الأزمة الحالية دون حاجة إلى تغيير الملك ولكني اشك كثيرا في أنه سيبقي طويلا ملكا على [[مصر]] ''')'''<br />
<br />
وفي [[يناير]] [[1942]] كان الحكم لوزارة [[حسين سري]] الذي خلف [[حسن صبري]] في [[نوفمبر]] سنة [[1940]] وكان [[حسين سري]] صديقا للإنجليز ملبيا كافة مطالبهم عير أن وزارته قد بدأت تعاني من أزمات تجمعت كلها أو أغلبها في [[يناير]] [[1942]] , ولعل أشدها خطرا أزمة التموين لدرجة أن الناس هاجموا المخابز للحصول على الخبز وكانوا يتخطفون الرغيف من حامله في الشوارع وزاد من ضعف هذه الوزارة المظاهرات التي انطلقت والتي تنادي بسقوط الانجليز في الوقت الذي عجزت فيه الحكومة عن السيطرة على الموقف تماما .<br />
<br />
ولعل الدوائر البريطانية كانت وراء حركة الاضطرابات التي عمت العاصمة كوسيلة لما قد تقدم عليه من تدخل . ومن ناحية أخري فلم تعد الحكومة موضع ثقة فاروق بسبب أزمة حكومة فيشي حيث طلبت بريطانيا من [[حسين سري]] قطع العلاقات مع حكومة فيش '''(''' الشرعية''')''' حدث هذا وفاروق في رحلته إلى البحر الأحمر مما كان سبب في إقالة وزير الخارجية '''(''' [[صليب سامي]] ''')''' في الوقت الذي اعتبرت فيه بريطانيا أن إقالة وزير الخارجية المصري بسبب تلبية للنصائح البريطانية بعد عملا عدائيا من [[الملك فاروق]] موجها ضد المصالح البريطانية .<br />
<br />
وهكذا وصلت العلاقات بين بريطانيا والقص إلى حد التصادم العلني في الوقت الذي جاوزت قوات المحور حدود [[مصر]] وأوغلت في صحرائها وانسحبت القوات البريطانية فأخلت [[مرسى مطروح]] الأحوال في [[مصر]] خوفا من زحف القوات الألمانية والإيطالية صوب [[الإسكندرية]] .<br />
<br />
وهكذا عادت فكرة تغيير الوزارة المصرية وعودة [[الوفد]] فإن عارض فاروق فعلية أن يتخلي عن عرش [[مصر]] . <br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن التفكير في عزل فاروق وفرض وزارة مصرية معينة وزعيم مصري معين كان موضع تفكير واهتمام من جانب الحكومة البريطانية من ثم يمكن القول أن حادث 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] لم يكن نتيجة قرار أو سياسة اتخذت فجأة وإنما كان الفصل الأخير أو لخاتمة لسياسة مرسومة كان قد بدأ تنفيذها ووفقا لرأي الخارجية البريطانية : " إن [[مصطفى النحاس|النحاس]] هو وحده الزعيم الشعبي القادر على تحويل الدقة – دفة عواطف الشعب من الاتجاه نحو ألمانيا إلى الاتجاه نحو بريطانيا ..."<br />
<br />
وهكذا أوعزت السلطات البريطانية إلى [[حسين سري]] " رئيس الحكومة" بتقديم استقالته في الوقت الذي كانت الدوائر البريطانية تعد العدة لعزل فاروق إذ لم يستجب لرغبة بريطانيا في عودة [[الوفد]] في الوقت الذي كان السفير البريطاني يرمي إلى رد الاعتبار إلى نفسه في نظر حكومته '''(''' عندما فشل في إبقاء [[الوفد]] سنة [[1937]]''')'''.<br />
<br />
إذ كان وزير الخارجية " ايدن " قد وجه إليه نوعا من اللوم لفشله في الوساطة بين القصر و[[الوفد]] في أزمة [[ديسمبر]] [[1937]] التي انتهت بإقالة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[الوفد]] قد تنكر لمسئوليته من تلك الأحداث إلا أن الوثائق البريطانية قد كشف إلى أى حد كان [[الوفد]] ضليعا في تلك الأحداث .<br />
<br />
وتزداد قيمة [[حادث 4 فبراير]] بالنظر للنتائج التي ترتبت عليه حيث تأكد لجموع المصريين أن الوجود البريطاني في [[مصر]] إنما هو انتهاك خطير للاستقلال الوطني مهما اتخذ هذا الوجود من أشكال احتلالا أو حماية أو معاهدة أو تحالف.<br />
<br />
وسواء أكانت الأوضاع الدولية هي المسئولة عن التدخل البريطاني أو أن [[الوفد]] كان ضليعا في تلك الأحداث فإن النتيجة واحدة حيث كان هذا الحادث بداية النهاية للشعبية التي ظل يتمتع بها [[الوفد]] على امتداد العقود الثلاثة السابقة حيث كان [[الوفد]] يستمد الجانب الأكبر من شعبيته من خلال صراعه مع الاحتلال البريطاني أما أن يصل [[الوفد]] إلى الحكم بواسطة الدبابات البريطانية فهو أم لم يألفه المصريون وكان من الصعب عليهم أن يتقبلوه .<br />
<br />
ويبدو أن فاروق قد استغل هذا الحادث بذكاء شديد حيث تمكن من توسيع دائرة شعبيته لدرجة أنه تمكن من اقتحام [[الجيش المصري]] في هذا الحادث واستطاع أن يحظي بشعبية كبيرة وسط صفوف القوا المسلحة .<br />
<br />
وفي محاولة من القصر لتدمير الشعبية التي يحظي بها [[الوفد]] فقد وقع في العديد من التجاوزات التي تمخضت عن ظهور تيارات سياسة أخري من [[الإخوان]] والشيوعيين والاشتراكيين وغيرهم انتزعوا قدرا كبيرا من الشعبية التي يتمتع بها [[الوفد]] ولعل من أخطر التنظيمات التي تكونت بصورة عملية نتيجة ل[[حادث 4 فبراير]] تنظيم [[الضباط الأحرار]] . <br />
<br />
ثم ظهور بعض التنظيمات السرية بهدف اغتيال كل من ساهم في أحداث 4 [[فبراير]] ويقع التنظيم الحديدي على رأس تلك التنظيمات .<br />
<br />
غير أنه من الأهمية أن توضح أن تدخل الانجليز في شئون [[مصر]] الداخلية منذ أن احتلوها في سنة [[1882]] كان ضد إرادة الحركة الوطنية المصرية ولحماية القصر من الحركة الوطنية لكن ما حدث 4 [[فبراير]] [[1942]] كان تدخلا بريطانيا عنيفا تحت وطأة [[الحرب العالمية الثانية]] في صالح حزب الأغلبية " [[الوفد]] " بهدف قيام حكومة قوية تتمكن من تطوع [[مصر]] سياسيا وعسكريا واقتصاديا لخدمة القوات المتحالفة .<br />
<br />
ولعل ما يميز [[حادث 4 فبراير]] أنه وقع في ظل [[معاهدة 1936]] والتي استردت [[مصر]] بمقتضاها قدرا كبيرا من استقلالها وحريتها وكان من المتوقع ان ينتقل الحكم من يد الانجليز إلى يد الشعب ولكن الذي كان متوقعا ثم يحدث حيث تأكد لجموع المصريين أن الاحتلال حقيقية واقعة وأن [[معاهدة 1936]] ما ه إلا صورة براقة لتهدئة النفوس الثائرة .<br />
<br />
ومن هنا فقد كان [[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]] أصدق دليل على عدم فاعلية تلك المعاهدة لأن ما حدث بعد اعتداء على أبسط حقوق دولة مستقلة .<br />
<br />
ولكل هذه العوامل الموضوعية وقع اختياري على [[حادث 4 فبراير]] ليكون موضوعا للدكتوراه التي أشرف بتقديمها إلى قسم التاريخ والحضارة ب[[جامعة الأزهر]] وخصوصا وأن العالمية الثانية قد أغفلت هذا الموضوع على الرغم من أهميته سواء على المستوي الوطني أو على المستوي الخارجي .<br />
<br />
وإذا كانت هناك بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع إلا أنها قد تناولته أما من منطلق حزبي أو استنادا إلى وجهة نظر واحدة من غير النظر إلى وجهات النظر المتعددة سواء التي ساهمت في صنع الأحداث أو التي سجلت انطباعاتها وهذا ما حاولت أن أتفاداه في هذه الدراسة التي تناولت هذا الموضوع ولقد حاولت أن أتتبع مراحل الصراع بين بريطانيا و[[الملك فاروق]] منذ إقالة [[الوفد]] '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' هذا من جانب ومن جانب آخر فقد حاولت رصد كل النتائج التي ترتبت على هذا الحادث وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها لم تحظ باهتمام ملحوظ من الباحثين والمؤرخين .<br />
<br />
أما بالنسبة للمصادر والمراجع التي استقيت منها المادة العلمية للبحث فتأتي في مقدمتها الوثائق البريطانية وهي عبارة عن مراسلات بين السفير البريطاني في [[القاهرة]] '''(''' لورد كيلرن ''')''' وحكومته في لندن وهي تسجل لحظة بلحظة تطور الأحداث وتفاقم الخلاف حتى وصل إلى طريق مسدود '''(''' صباح 3 [[فبراير]] ''')'''.<br />
<br />
وتبدو أهمية تلك الوثائق في أنها توضح مسئولية كل القوي التي ساهمت في صنع الأحداث ولعل أخطر ما احتوته تلك الوثائق التفكير من جانب الحكومة البريطانية في إعادة النظر في النظام الملكي في [[مصر]] عموما أن يحظي بموافقة الرأي العام .<br />
<br />
ثم تأتي الوثائق الأمريكية في مقدمة المصادر التي اعتمدت عليها حيث سجل سفير الأمريكي في [[القاهرة]] '''(''' كيرك''')''' انطباعاته ومشاهداته من خلال الصراع الدائر بين القصر والانجليز ومحاولة [[الملك فاروق]] الزج ب[[السياسة]] الأمريكية في الشئون المصرية.<br />
<br />
ومن خلال التقارير التي بعث بها السفير الأمريكي إلى حكومته يبدو أن الدوائر الأمريكية كانت على علم بتطور الأحداث أولا بأول إلا أنها كانت حريصة على عدم التدخل في الشئون المصرية نظرا لأن [[مصر]] تقع في دائرة النفوذ البريطاني في وقت تحتاج فيه قضية التحالف '''(''' البريطاني الأمريكي ''')''' إلى مزيد من الترابط والتفاهم .<br />
<br />
ويبدو من الوثائق الأمريكية والبريطانية إلى أى حد كان التنافس بين القوتين المتحالفتين نظرا لأن [[السياسة]] الأمريكية قد بدأت تبدي اهتمام خاصا لمنطقة الشرق الأوسط في محاولة لتثبيت أقدامها كبديل عن الاستعمار البريطاني وهو ما كان بسبب إزعاجا شديدا لدي الدوائر البريطانية لدرجة أن أعضاء السفارة الأمريكية في [[القاهرة]] كانوا جميعا تحت مراقبة المخابرات البريطانية .<br />
<br />
أما عن وجهة النظر المصرية فقد تتبعتها من خلال العديد من المصادر الهامة وفي مقدمتها مضابط مجلس النواب والشيوخ واللذين يعدان تسجيلا حيا للحياة السياسية بكل أبعادها .<br />
<br />
وأستطيع أن أقول أنني قد استفدت فائدة كبيرة من هذين المصدرين الهامين ففي الوقت الذي امتنعت فيه كل الصحف المصرية عن الإشارة إلى [[حادث 4 فبراير]], عملا بقانون الأحكام العرفية فقد شهدت قاعات مجلسي النواب والشيوخ العديد من الآراء المتباينة والتي وصل بعضها إلى حد الإعلان صراحة بأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان على علم بكل ما بيته الانجليز تجاه العرش .<br />
<br />
وعلى الرغم من أهمية هذين المصدرين إلا أن العديد من الدراسات التي تناولت تاريخ [[مصر]] المعاصر لم تعتمد كمصدرين من أهم المصادر المصرية .<br />
<br />
وحتى تتكشف الحقائق بكل أبعادها فقد أجريت العديد من اللقاءات الشخصية مع بعض الزعماء السياسيين وأصحاب الرأي والفكر سواء ممن شاركوا في صنع الأحداث أو ممن عاصرها ولعل أهم هذه اللقاءات وأعظمها فائدة لقائي مع الأستاذ فؤاد سراج سكرتير عام [[حزب الوفد]] '''(''' السابق ''')''' .<br />
<br />
وتأتي أهمية هذا اللقاء لأنه يمثل وجهة نظر [[الوفد]] الرسمية .<br />
<br />
ثم لقائي مع الأستاذ [[فتحي رضوان]] والذي شغل منصب نائب رئيس حزب [[مصر الفتاة]] ثم رئيسا للحزب الوطني الجديد عقب انشقاقه على [[مصر الفتاة]] بسبب موقف [[أحمد حسين]] '''(''' رئيس [[مصر الفتاة]] ''')''' من أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] م وعلى الرغم من أن [[فتحي رضوان]] يمثل وجهة النظر المغايرة للوفد إلا أنه قد روي الأحداث بموضوعية شديدة وبدقة متناهية .<br />
<br />
وحتى تستكمل كل أطراف القضية فقد أجريت حوارا موضوعيا مع [[حسين الشافعي]] على اعتبار أنه يمثل وجهة نظر الضباط والانطباع الذي تركته أحداث 4 [[فبراير]] على تنظيم [[الضباط الأحرار]] .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[كامل زهيري]] '''(''' الصحفي ''')''' لم يشهد أحداث 4 [[فبراير]] إلا أنني قد حرصت على إجراء حوار معه نظرا لاهتماماته الخاصة بتاريخ [[مصر]] المعاصر وقد اقتصر الحوار على تفسير بعض المواقف التي اتسمت بقدر كبير من الغموض وكان لتفسيراته الموضوعية أهمية كبيرة في تحليل بعض المواقف ودراستها .<br />
<br />
وتبدو أهمية المذكرات الشخصية التي سجل أصحابها أحداث [[السياسة]] المصرية من منطلق مواقفهم كمسئولين في الإدارة المصرية وفي مقدمتها مذكرات الدكتور [[محمد حسين هيكل]] و[[حسن يوسف]] " وكيل الديوان الملكي " و[[إبراهيم عبد الهادي]] " رئيس الوزراء السابق " وجميع هذه المذكران منشورة أما في كتب مطبوعة أو في الصحف المصرية .<br />
<br />
وعلى الرغم من أنني لم أستند إلى آرائهم كحقيقة مطلقة إلا إنني استطعت تفسير كل هذه الآراء ومطابقتها بغيرها من المصادر الأخرى ثم الخروج بوجهة نظر اعتقد أنها أقرب إلى الحقيقة التاريخية .<br />
<br />
ثم تجئ العديد من الدوريات والتي تناولت الحياة السياسية المصري يوما بيوم وقد اطلعت على أكثر من عشرين دورية بين يومية وأسبوعية.<br />
<br />
ولعل ما يلاحظ أن الدوريات قد أغفلت الحديث عن 4 [[فبراير]] صراحة خروجا من دائر الوقوع تحت طائلة القانون '''(''' الأحكام العرفية ''')''' إلا أن العديد من الصحف قد تناولته ضمنا وبقي المنع قائما منذ اعتلاء [[الوفد]] أريكة الحكم في 4 [[فبراير]] [[1942]]م.<br />
<br />
وبإقالة [[الوفد]] تبارت الصحف في كشف الغموض الذي واكب حصار قصر عابدين وقد نجحت العديد من الصحف في كشف أطراف القضية إلا أن بعضا من الصحف قد غالت في عداواتها للوفد بقدر أخرجها عن نطاق الموضوعية .<br />
<br />
وكان لابد من الرجوع إلى كل الدراسات التي تناولت تاريخ [[مصر]] منذ [[معاهدة 1936]] م وحتى نهاية [[الحرب العالمية الثانية]] سواء ما تعرض منها لحادث 5 [[فبراير]] أو لم يتعرض له .<br />
<br />
ولقد كانت طريقة تناولي للموضوع من خلال هذا الكم الهائل من المعلومات مبعث تفكير عميق '''إذ كان السؤال المحير هو :''' كيف يمن تقديم كل هذه المعلومات من خلال دراسة تاريخية شاملة تخضع لمنهج البحث التاريخي وتعتمد على كل المعلومات المتاحة بحيث لا نقطع سياق الدراسة أو نقحم معلومات لا حاجة إليها'''؟'''<br />
<br />
والتزاما بمنهج البحث التاريخي فقد حرصت على تحليل وجهات النظر مهما تباينت , ولما كان في بعض الحالات لا توجد إلا رواية واحدة عن حادث معين فقد كنت أتناولها بحذر شديد ونظرا لخطورة النتائج التي قد تترتب على مثل هذه الحالة فقد اعتمدت على منهج علماء الحديث النبوي الشريف الذين توافروا على غربلة الروايات وتحليلها , سواء ما يتعلق منها بالأحاديث النبوية أو بالأخبار التاريخية . وقد اتضح لى أنهم فطنوا إلى خطورة الاعتماد على رواية الآحاد فجعل العلماء الحديث النبوي درجات واشترطوا فيه أن يبلغ عدد المحدثين مبلغا في العادة تواطؤهم على الكذب .<br />
<br />
وفي الحالات التي كانت تتعارض فيها المصادر فقد كنت أحاول التوفيق بين الخبرين المتعارضين دون النظر إلى إجماع الآراء على حادث معين أو انفراد رأي واحد بوجهة نظر مغايرة لأنه من الجائز أن يكون الرأي الواحد هو الصحيح الكثرة العددية لا تحدد حتما صحة ما تورده والعبرة قائمة في نوع هذه الكثرة أو في نوع الواحد من حيث صفات الرواة وظروفهم ولا عبرة بالعدد أحيانا في بعض المسائل التاريخية .<br />
<br />
وليس مجرد اتفاق عدة روايات على حادث معين يجعله حادثا صحيحا ففي حياتنا اليومية يميل الناس إلى نقل الأخبار والمبالغة فيها وأن أكثر من شخص قد يرجع إلى أصل واحد لاستقاء معلوماته وأن عدة صحف قد تنتشر خبرا واحدا أرسله مراسل واحد وهو ما قد يحدث في كثير من الأصول التاريخية .<br />
<br />
وعلى الرغم من أنني قد التزمت بالمنهج الموضوعي إلا أنني لم أسقط الاعتبار الزمني لأهميته في العلاقة بين الأحداث التاريخية من جانب ولأنه يعطي للبحث مدلولا موضوعيا على اعتبار أن الفترة الزمنية وعلاقتها بموضوعية الأحداث تضفي على البحث قدرا من الانسجام والتوافق .<br />
<br />
ونظرا لتعدد القضايا وتداخلها عن فترة زمنية محددة فقد حاولت أن أتناول كل موضوع بشكل مستقل بحيث يمثل متكاملة على اعتبار أن كل موضوع يكمل الموضوع السابق له أو اللاحق عليه حتى ينسجم البناء وتكتمل الصورة دون ملل أو ضيق .<br />
<br />
وإذا كانت الفترة الزمنية التي أتناولها تبدأ من [[1942]] م وتنتهي [[1945]] إلا أن محاولة استكمال الموضوع اضطرتاني إلى أن أتناول العلاقات المصرية البريطانية منذ [[1936]]م على اعتبار أن [[معاهدة 1936]] تمثل الجو العام الذي تفجرت عنه قضايا الصراع المختلفة '''والتي دارت في عدة محاور :'''<br />
<br />
'''أولها :''' قضية الصراع بين القصر والانجليز .<br />
<br />
'''وثانيها :''' قضية الصراع بين القصر و[[الوفد]] .<br />
<br />
'''وثالثها :''' قضية الصراع بين [[الوفد]] والانجليز.<br />
<br />
ولعل هذه المحاور الثلاثة قد انطلقت من الجو العام الذي أحدثته معاهدة [[1936]] ولذا فقد كان من الضروري أن أتناول العلاقات المصرية البريطانية عقب [[معاهدة 1936]] م وأجعل من هذه الدراسة تمهيدا لبحثي .<br />
<br />
'''أما الفصل الأول :''' والذي يقع تحت عنوان جذور [[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]] فإنه جزءا أساسيا من أحداث 4 [[فبراير]] لأنه يتناول الظروف الموضوعية التي دفعت بريطانيا إلى تجاوز [[معاهدة 1936]] والوثوب إلى شكل مغاير تماما يعرف في الدبلوماسية المعاصرة " بالتسلط السياسي "<br />
<br />
'''أما الفصل الثاني :''' فإنه يتناول الوقائع التي حدث في 4 [[فبراير]] أولا بأول وعلى الرغم من أنها قد تبدو ظاهريا أحداث عادية إلا أنها تعد انتهاكا لبسط حقوق الدولة المستقلة ومن جانب آخر فإن شكل الأحداث وتطورها يساهم إلى حد كبير في وضوح الرؤيا مما يسهل مهمة الوصول إلى نتائج محددة .<br />
<br />
'''أما الفصل الثالث :''' فكان عنوانه سياسة حكومة 4 [[فبراير]] وقد تناولت في هذا الفصل [[السياسة]] التي اتبعتها حكومة [[الوفد]] ليس على المساوي السياسي فقط وإنما على المستوي الاقتصادي والاجتماعي أيضا سواء منها ما يتعلق بالعلاقات المصرية البريطانية أو بعلاقات [[مصر]] مع بقية دول الحلفاء ومنها أيضا ما يتعلق بموقف حكومة [[الوفد]] من قضية الديمقراطية والتي فسرت تفسيرات اجتهادية ولعل من أخطر القضايا التي تناولها هذا الفصل ما يتعلق بديكتاتورة الأغلبية في محاولة مستميتة لتبديد الآثار الناجمة عن 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
'''أما الفصل الرابع وعنوانه :''' القوي السياسية وموقفها من 4 [[فبراير]] وفي هذا الفصل حاولت أن أضع كل قوة من القوي أمام مسئوليتها سواء فيما يتعلق بالأحداث التي ساهمت في صنع 4 [[فبراير]] أو فيما يتعلق بردود الفعل التي واكبت الأحداث وقد تناولت من جانب أخر ما سمي بقضية النفاق السياسي " حيث تبارت القوي السياسية في التقرب من القصر في محاولة لاستثمار الأحداث تصعيدها انطلاقا من الصراع التقليدي بين [[الوفد]] وبقية الأحزاب الأخرى .<br />
<br />
ثم أوضحت العلاقة بين [[حادث 4 فبراير]] وظهر العديد من التيارات السياسية الأخرى ولعل أهمها خطورة تلك التي اتخذت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها ثم أوضحت العلاقة بين أحزاب الأقلية وبريطانيا و[[السياسة]] ذات الوجهين والتي دفعت بريطانيا إلى الاستخفاف بالقوي السياسية المصرية .<br />
<br />
'''أما الفصل الخامس :''' فكان عنوانه ''':''' [[الجيش المصري]] و[[حادث 4 فبراير]] وقد بينت فيه ردود الفعل التي أحدثها 4 [[فبراير]] داخل [[الجيش المصري]] وإلى أى مدي حظي فاروق بشعبية وسط الضباط والجنود ثم تتبعت سياسة القصر في محاولة للزج بالجيش في [[السياسة]] لتحقيق أهداف سياسة خالصة .<br />
<br />
ونظرا لأهمية تنظيم [[الضباط الأحرار]] فقد حاولت أن أوضح العلاقة بين ما حدث في 4 [[فبراير]] وردود الفعل التي دفعت الضباط إلى تنظيم أنفسهم بصورة جدية وتطوير حركتهم وانتشارها داخل فروع القوات المسلحة المصرية وفي هذا الفصل أيضا أوضحت موقف الجيش من [[الوفد]] ومحاولة [[مصطفى النحاس|النحاس]] التنكيل بعدد من الضباط بسبب موليهم المحورية .<br />
<br />
'''أما الفصل السادس :''' وعنوانه ''':''' سياسة القصر عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] وقد تناولت فيه [[السياسة]] الهادئة التي التزم بها القصر في محاولة للنيل من [[الوفد]] ولعلي أخطر تلك المحاولات ما يتعلق بخروج [[مكرم عبيد]] من [[الوفد]] ولما كان [[مكرم عبيد]] يمثل الذراع [[اليمن]]ي للنحاس فقد حرص القصر على بتر هذا الذراع , وقد تتبعت دور القصر في تصعيد حدة الخلاف بين القطبين [[الوفد]]ين ثم إلى أى مدي نجح فاروق في محاولاته .<br />
<br />
ولعل من أخطر القضايا التي تناولتها في هذا الفصل ما يسمي " بالتنظيم الحديديى" والذي ابتكره القصر بهدف اغتيال كل من ساهم في صنع 4 [[فبراير]] وفي مقدمتهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] و[[أمين عثمان]] وقد نجح التنظيم في اغتيال [[أمين عثمان]] .<br />
<br />
وحاولت كشف قدر من الغموض الذي كان يخيم على هذا التنظيم .<br />
<br />
'''أما الفصل السابع :''' وعنوانه ''':''' الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل حكومة 4 [[فبراير]] <br />
وقد أوضحت فيه أن ما حدث في 4 [[فبراير]] لم يكن هدفا بريطانيا وإنما كان وسيلة لتطويع [[مصر]] سياسيا واقتصاديا لخدمة القوي المتحالفة .<br />
<br />
ومن البديهي أن الأوضاع الاجتماعية نتاج طبيعي لكل من العوامل الاقتصادية والسياسية ولذا فقد أوضحت الظروف الاجتماعية التي عاشها الشعب المصري في ظل حكومة 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
'''أما الفصل الثامن :''' فقد تناولت من خلاله العلاقات المصرية البريطانية على ضوء المتغيرات الجديدة وهذا الفصل ترجمة عملية للعلاقات المصرية البريطانية عقب أحداث 4 [[فبراير]] حتى نهاية [[الحرب العالمية الثانية]] وفي هذا الفصل أفردت دراسة خاصة عن [[جامعة الدول العربية]] وكيف أن فكرة الجامعة قد خرجت من مجلس العموم البريطاني وإلى أى مدي كانت تهدف بريطانيا من وراء هذه [[السياسة]] .<br />
<br />
ولا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر إلى أستاذ الدكتور محمود منسي والذي أشرف على هذا العمل العلمي طوال ثلاث سنوات فعلمني كيف يكون البحث وكيف تكون كتابة التاريخ لهذا فإني مدين له بكل ما تعلمت بل يزيد .<br />
<br />
كما أتقدم بخالص الشكر إلى الأستاذ الدكتور [[مصطفى رمضان]] والذي أشرف على هذا البحث طوال فترة كتابته التي استغرقت عاما كاملا كما أتقدم إلى شيخ المؤرخين الأستاذ الدكتور عبد الحميد البطريق بخالص التقدير لمشاركته في مناقشة هذا البحث .<br />
<br />
وأخيرا فإنني أتحمل وحدي تبعة أى قصور في النتائج التي توصلت إليها فعلي وحدي تقع مسئوليتها ويشهد الله أنني قد حاولت واجتهدت قدرا إمكاناتي ومن اجتهد فأخطأ له أجر ومن أصاب فله أجران .<br />
<br />
'''وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب''' <br />
<br />
'''[[محمد صابر عرب]]''' <br />
<br />
'''25 / 7 / [[1983]]م.'''<br />
<br />
==تمهيد==<br />
<br />
===العلاقات المصرية البريطانية عقب [[معاهدة 1936]]م===<br />
<br />
====تقييم [[معاهدة 1936]]م====<br />
<br />
منذ ن احتلت بريطانيا [[مصر]] سنة [[1882]] وهي تردد أن الاحتلال مؤقت ومع ذلك فقد استمر الوجود البريطاني في [[مصر]] بكل ثقله .<br />
<br />
وعقب انتهاء [[الحرب العالمية الأولى]] في أواخر سنة [[1918]] ما لبثت الدول الكبرى المنتصرة والمنهزمة على السواء أن اعترفت بالحماية البريطانية على [[مصر]] ولذا فقد كان لبريطانيا مركز متميز في [[مصر]] .<br />
<br />
وحرصت الحكومة البريطانية على أن تظل تلك العلاقة متميزة على الرغم من قبولها مبدأ التفاوض شريطة ألا يتعارض هذا التفاوض مع المكاسب البريطانية .<br />
<br />
ولعل الرغبة في الوصول إلى التفاهم من جانب [[مصر]] كانت رغبة صادقة , ومع ذلك فقد تعذر الاتفاق سواء في مفاوضات ملنر – [[سعد زغلول]] سنة [[1920]] أو في مفاوضات كرزن – عدلي سنة [[1921]] إذ كانت [[مصر]] تفاوض وهي طامحة إلى التوصل لإلغاء الحماية فعلا وإلى الاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة بينما كانت انجلترا مع قبولها فكرة إلغاء الحماية والاعتراف باستقلال [[مصر]] فإنها كانت – تضع مصالحها في مرتبة الحقوق التي لا تتقبل نزاعا فتضيق من استقلال [[مصر]] بمقدار ما تتطلبه من ضمانات لصيانة تلك الحقوق .<br />
<br />
وبطبيعة الحال لم يكن فشل المفاوضات ليؤدي إلى عودة السكينة والاطمئنان إلى ضفاف النيل فعادت الاضطرابات واتخذت شكلا جعل حكم البلاد من الأمور المتعذرة فرأت بريطانيا لتذليل هذه المصاعب ربط [[مصر]] بمعاهدة في نطاق [[السياسة]] التي حددها تصريح 28 [[فبراير]] سنة [[1922]] ومنذ هذا التاريخ اعتنقت بريطانيا مبدأ التفاوض مع [[مصر]] ليس بهدف تحقيق الأماني الوطنية المصرية وإنما لإعطاء الوجود البريطاني صفة الشرعية الدولية ثم أعقب ذلك سلسلة من المحادثات بين حكومة [[سعد زغلول]] وماكدونالد سنة [[1924]] ولكن ما لبثت أن انقطعت تلك المحادثات لاتساع هوة لخلاف بين الطرفين المتفاوضين ثم كانت محاولات [[1927]] , [[1930]] وفشلت جميعها وبقي الوضع معلقا إلى أن تأزم الموقف الدولي أشر اعتداء ايطاليا على الحبشة سنة [[1935]] حينئذ شعرت انجلترا بضعف مركزها في [[مصر]] في الوقت الذي كانت تعتب فيه على ايطاليا الالتجاء إلى القوة كوسيلة لفض منازعاتها مع الشعوب الأخرى وفي نفس الوقت كانت الدعاية الايطالية تدفع المصريين إلى الثورة ضد انجلترا وتطالبهم بالتقرب من ايطاليا بل وأخذت ايطاليا تطالب بمركز لها في غدارة شرك [[قناة السويس]] <br />
<br />
وبدأ ينمو لدي بعض القوي الوطنية المصرية اتجاه يقوم على مبدأ التقارب إزاء ايطاليا وكانت في مقدمة تلك القوي جماعة [[مصر الفتاة]] وقد وجد ذلك صداه في ظهور العديد من المنشورات الخاصة بالمسائل العربية و[[الإسلام]]ية وتنشطت الجمعيات الألمانية وأصبحت البلدان العربية مسرحا للدعاية الألمانية استطاع الألمان أن يحققوا بعض الانجازات التي قاموا بها وصمما على استغلالها في الوقت المناسب كإنشاء جمعيات وخلايا تميل إلى الفاشية بصورة واضحة وإجراء اتصالات مع الزعماء العرب والساسة وأعضاء الصفوة الحاكمة ودعوة بعض الساسة العرب إلى مهرجانات الحزب النازي التي أقيمت في نورمبرج إلى غير ذلك وكان هذا بالطبع مصدرا لقل الحكومة البريطانية .<br />
<br />
ومن هنا كانت حاجة بريطانيا إلى عقد معاهدة مع [[مصر]] تكون قائمة على الصداقة والتعاون فصداقة [[مصر]] '''كما كتب محرر الشئون الخارجية لجريدة التايمز حينئذ''' " أعظم نفعا للقيادة البريطانية من أورط عديد في حالة حدوث حرب في البحر المتوسط "<br />
<br />
ولعل بريطانيا أرادت أن يكون استقلال [[مصر]] رمزا دبلوماسيا أو صيغة تحدد نيات الحكومة البريطانية نحو [[مصر]] في ظرف معين أو شكلا الأشكال لا يتخذ له هيكلا ولا يصبح حقيقة واثقة إلا متى أبرم اتفاق عن الأمور المتعلقة بين الدولتين .<br />
<br />
ومن المعتقد أن حاجة [[مصر]] إلى التفاوض كانت لا تقل عن حاجة بريطانيا فلقد بدأت بريطانيا تجري العديد من المناورات العسكرية على ساحل [[الإسكندرية]] وعلى الحدود المصرية الليبية من غير رأي السلطات المصرية مما كان يسبب قدرا من العلق لدي الدوائر المصرية .<br />
<br />
وعلى ضوء كل هذه التطورات تكونت في [[مصر]] الجبهة المتحدة لتضم جميع الأحزاب ما عدا [[الحزب الوطني]] على أساس أن جولة جديدة من المفاوضات مع الحكومة البريطانية ستبدأ وفي 12 [[ديسمبر]] سنة [[1935]] قدم زعماء الجبهة مذكرة إلى المندوب السامي يلتمسون فيها فتح باب المفاوضات لعقد معاهدة جديدة وفقا للشروط التي تم الاتفاق عليها سنة [[1930]] . وأجابت الحكومة البريطانية بمذكرة وتبليغ شفوي فصرحت في المذكرة أنها في الوقت التي تريد فيه أن تصل إلى إبرام معاهدة برمتها فليس في وسعها قبول التقيد بنصوص مشروع معاهدة سنة [[1930]] , أو أى مفاوضة أخري لم تنته إلى اتفاق وإبانت في تبليغها الشفوي أنها تقترح تمهيدا للمفاوضات أن تتباحث الحكومتان – وبمساعدة مستشاريهما العسكريين بصفة سرية وبروح التحالف المنشود – في تطبيق الأحكام العسكرية الواردة في مشروع معاهدة سنة [[1930]] على الحالة التي تغيرت عما كانت عليه من قبل .<br />
<br />
ووفق تطورات الصراع الدولي '''(''' حينذاك ''')''' فلقد كانت معاهدة سنة [[1936]] جزءا من استراتيجية بريطانية غايتها تأمين المواصلات البريطانية في الشرق الأوسط في حالة نشوب حرب بين بريطانيا وبين ألمانيا وايطاليا حيث كان توقيت [[1936]] مرتبطا بتوقيع المعاهدة البريطانية [[العراق]]ية سنة [[1930]] ثم المعاهدة البريطانية [[الأردن]]ية سنة [[1928]] م التي عدلت وفق المصالح البريطانية سنة [[1934]] م.<br />
<br />
وهكذا أقامت بريطانيا علاقاتها قبيل [[الحرب العالمية الثانية]] مع البلدان الثلاثة '''(''' [[مصر]] , [[العراق]] و شرق [[الأردن]] ''')''' بالشكل الذي يحقق أغراض [[السياسة]] البريطانية ويعتبر عنصر الاختلاف بين المعاهدات الثلاث شكليا أكثر منه عمليا .<br />
<br />
وعلى الرغم من المبالغات التي أحيطت بتلك المعاهدات إلا إننا نعتقد أن النفوذ البريطاني قبل توقيع تلك المعاهدات كان نفوذا مباشرا ثم أصبح نفوذا غير مباشر مستندا إلى قوي وطنية تحقق أغراضه وفق معاهدة تتبادين وجهات النظر في تفسير بنودها .<br />
<br />
ومن المغالطات الغربية أن تتفق هيئة المفاوضات المصرية على أن [[معاهدة 1936]] قد حققت الاستقلال التام بما لا يتعارض مع حقوق بريطانيا في [[مصر]] .<br />
<br />
ويبدو التناقض الواضح في هذا التصريح اعتقادا بأن الاستقلال التام لا يتعارض مع ما أسموه بالحقوق البريطانية في [[مصر]] وإذا كانت المادة الأولي من المعاهدة تنص صراحة على انتهاء احتلال [[مصر]] عسكريا بواسطة القوات البريطانية فإن ذلك يتعارض صراحة مع نص المادة الثامنة والتي ترخص لبريطانيا بأن تضع في الأراضي لمصرية بجوار القتال قوات بريطانية بهدف الدفاع عن القنال ويحدد ملحق المادة الثامنة عدد القوات البريطانية بعشرة آلاف جندي وقت السلم وأن تتعهد الحكومة المصرية بأن تبني عليها نفقتها – ع مساهمة مالية بسيطة من الحكومة البريطانية – ثكنات للقوات البريطانية في منطقة القنال , وأن تمد طرقا تصلح للأغراض العسكرية معظمها بين تلك المنطقة وبين كل من الدلتا و[[الإسكندرية]] والحدود الغربية وعلق الجانب البريطاني نقل القوات إلى منطقة القنال على استكمال تلك المشروعات على أن تنسحب تلك القوات من [[مصر]] حين يصبح [[الجيش المصري]] قادرا وحده على الدفاع عن القناة ولا يكون لوجود تلك القوات صفة الاحتلال بأنة حال من الأحوال ومن المتفق عليه أيضا أنه إذا اختلف الطرفان المتعاقدان عند نهاية مدة العشرين سنة المحدودة على مسالة ما إذا كان وجود القوات البريطانية لم يعد ضروريا فإن هذا الخلاف يجوز عرضه على مجلس [[الأمم المتحدة|عصبة الأمم]] للفصل فيه .<br />
<br />
ووفقا للمادة السابقة فإن المدة التي تصل ب[[الجيش المصري]] إلى درجة الدفاع وحده عن القناة تعتبر مبهمة لأن الجيش لكي يصل وحده إلى الدفاع عن القناة وحرية الملاحة فيها يجب أن يكون جيشا لا يقل عددا وعدة عن جيش فرنسا أو ايطاليا وهما الدولتان الواقعتان على البحر المتوسط وان عملية '''(''' القدرة ''')''' تعتبر حالة نسبية تختلف من دولة إلى أخري يضاف إلى ذلك أيضا اتهام بريطانيا بعرقلة نمو القدرة العسكرية لمص كمبرر لتأجيل الجلاء على هذا '''فقد نصت المذكرة الثالثة التي قدمها [[مصطفى النحاس]] إلى المستر ايدن''' " يخول البعثة العسكرية البريطانية حق اختيار العناصر القادرة على الارتفاع بمستوي [[الجيش المصري]] عن طريق الإشراف والتدريب دون التقيد بمدة زمنية محددة ".<br />
<br />
أعطت المعاهدة حقوقا للقوات العسكرية البريطانية من حيث الانتقال برا أو بحرا أو جوا وكذلك للمخابرات المطلقة من كل قيد سواء بالراديو أو غيره كالتلغراف أو التليفون أو آية وسيلة من وسائل الاتصال المعاصرة .<br />
<br />
وفي الوقت الذي حصلت فيه بريطانيا على كل الحقوق التي تتمتع بها الدول الاستعمارية في مستعمراتها حرمت هذا الحق على الدول الأخرى ففيما يتعلق باستعمال الشفرة بين ممثلي الدول في [[مصر]] وبين حكوماتهم أصدرت الحكومة المصرية قانونا يحرم استعمال الشفرة إلا للدول الحليفة '''(''' بريطانيا ''')''' فقط مما كان موضع سؤال في البرلمان المصري تقدم به النائب الدكتور حنفي أبو العلا وعجزت الحكومة عن إيجاد رد مقنع لهذا السؤال .<br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن مشكلة التفاوض حول الأمور العسكرية قد أخذت وقتا طويلا وخصوصا فيما يتعلق بالدفاع عن [[مصر]] حيث اتجهت نية الحكومة البريطانية إلى الإبقاء على الوضع العسكري كما هو أى أن تقتصر مهمة [[الجيش المصري]] على الحفاظ على الأمن العام وان تتفرغ القوات البريطانية للدفاع عن الأراضي المصرية .<br />
<br />
وقد تمسك المفاوض المصري بان يكون الدفاع عن [[مصر]] من مهام الجيش الوطني بحجة أن المعاهدة ستفقد الغرض منها وكان [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أكثر وضوحا حينما أصر على أن تقوم [[مصر]] بمهمة الدفاع عن نفسها وتنمية جيشها حتى يصبح قادرا على القيام بتعهداته الدولية – ولن يتردد الشعب المصري في إجابة داعي الوطن للدفاع عن سلامته بما عرف عنه من صدق العزم وقوة الإيمان .<br />
<br />
وقد عبر البعض عن هذه الفكرة بشكل أكثر وضوحا '''حيث قال''' " أن على المصريين أن يستعدوا على اعتبار أنهم أصحاب النصيب الأولي في الدفاع عن بلادهم داخل أراضيهم وعلى الحليفة بقية المجهود "<br />
<br />
وعلى الرغم من التنازلات العديدة التي قدمتها جبهة التفاوض المصرية فيما يتعلق بمركز القوات البريطانية في منطقة القناة وضواحيها إلا أن هذه القضية بالذات كانت موضع استجواب في مجلس العموم البريطاني '''وقد أشار وزير خارجية بريطانيا إلى بعض الأسباب التي من أجلها وافقت الحكومة البريطانية على الانسحاب من مدن [[مصر]] الكبرى ك[[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] وارجع ذلك إلى عاملين :- '''<br />
<br />
'''أو لا : ''' أن القوات الحربية البريطانية قوات ميكانيكية يسهل عليها التحرك السريع في أى وقت وإلى أى مكان وبأقصى سرعة ممكنة .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن الطيران البريطاني قد أعطي حق التحليق في أى مكان يراه لازما لأعراض التدريب كما أوضح إيدن في نهاية بيانه '''(''' أمام مجلس العموم''')''' أن الأماكن التي حددت لتدريب القوات الجوية في منطقة [[السويس]] هي مناطق صحية ومريحة وتتناسب مع الانتشار السريع للطيران وتمكنه من الوصول إلى أهدافه بالسرعة المطلوبة"<br />
<br />
ومن البديهي أن هدف بريطانيا من عقدها المعاهدة هو إعطاء وجودها في [[مصر]] صفة الشرعية التي كانت تفتقر إليها منذ احتلالها ل[[مصر]] سنة [[1882]] وفي برقية من السيد مايلز لامبسون '''(''' سفير بريطانيا في [[مصر]] ''')''' إلى ايدن وزير الخارجية ما يؤكد هذا المعني فهو يشير في برقيته إلى ما يقال من أن النفوذ البريطاني في [[مصر]] سيتقلص ويؤكد لامبسون أن هذا الكلام يطابق الحقيقة فإن النفوذ البريطاني ينبغي أن يزداد وأن كان من نوع مختلف حيث لم يعد هناك الآن عنصر الإملاء , وإنما النصيحة الودية التي ترمي إلى المساعدة وأن نحصل على ما نريد بكل لباقة ولكن دورنا كحماة ل[[مصر]] لن يتغير بل أنه في الحقيقة قد ازداد قوة وأصبح شرعيا بالمعاهدة نبعد أن زال عنصر الأمل الذي كان كامنا سوف تكون في وضع الشقيق الأكبر مع الشقيق الأصغر أو وضع الشريكين في بيت تجاري ولو أنه بحكم طبيعة الأشياء فإن نفوذنا يجب أن يكون هو الأكبر وخصوصا في الشئون الدولية .<br />
<br />
ولقد اقتضي تنفيذ المعاهدة المصرية البريطانية فيما يختص بالطرق العسكرية حشد مهندسي الطرق والكباري للإشراف على أعمال الطرق العسكرية وسحب الكثيرين منهم من التفاتيش التي تقوم بمشروعات الطرق في مجالس المديريات فكانت النتيجة أن وقف الجزء الأكبر من هذه المشروعات وقد رفعت مصلحة الطرق الكباري مذكرة إلى وزارة المواصلات لفتت فيها نظرها إلى تردي الحالة في هذا القطاع الحيوي الهام .<br />
<br />
أما فيما يتعلق ب[[السودان]] فلقد أصبح [[السودان]] بموجب [[معاهدة 1936]] مستمرة الجزية تحرسه جنود مصرية تحت امرأة حاكمه العام البريطاني ففي المادة الحادية عشرة اتفق الطرفان المتعاقدان على أن إدارة [[السودان]] تستمر مستمدة من اتفاقيتي '''(''' 19 [[يناير]] , 10 [[يوليه]] [[1899]]''')''' ويواصل الحاكم العام بالنيابة عن كلا الطرفين المتعاقدين مباشرة السلطات المخولة له بمقتضي هاتين الاتفاقيتين .<br />
<br />
فهذا النص هو إقرار مباشر اتفاقية [[1899]] التي انتزعت [[السودان]] من [[مصر]] وتقضي المادة السابقة بأن السلطة العسكرية والمدنية في [[السودان]] تفوض إلى الحاكم العلم الذي يكون تعيينه بناء على طلب الحكومة البريطانية ولا يفصل عن منصبه غلا برضائها .<br />
<br />
وبناء على ذلك تبقي سلطة تعيين الموظفين في [[السودان]] وترقيتهم مخولة للحاكم العام الذي يختار المرشحين الصالحين من بين البريطانيين والمصريين عند التعيين في الوظائف الجديدة التي لا يتوفر لها سوادنين أكفاء .<br />
<br />
ولما كانت هذه المادة قد ووجهت بموجة من الغضب سواء من جانب المصريين أو [[السودان]]يين فإن السير ستيوارت سايمز حاكم عالم [[السودان]] قد غبر عن وجهة النظر البريطانية بأن يقدم للمصريين وعدا بان تكون لهم الأفضلية في شغل الوظائف التي لا يتمكن من شغلها سودانيون أو بريطانيون '''ولكن – كما قال بالحرف الواحد :''' " أن مثل هذا الوعد سوف يكون أقرب إلى وهم كبير "<br />
<br />
وتعد المادة الحادية عشرة من أخطر بنود المعاهدة حيث جعلت السلطتان العسكرية والمدنية معا في يد الحاكم العام فهو الذي يحكم [[السودان]] ويعين موظفيه ويقوده عسكريا وهو الذي يأمر أن تنفذ في [[السودان]] القوانين التي تصدرها الحكومة المصرية اى أنها لا تنفذ إلا بقرار منه ولذا فإنه غير مسئول مسئولية كاملة أمام الحكومة المصرية لأنها لا تعينه أو تقبله بمطلق سلطتها , فالقول بان المعاهدة قد ضمنت الحكم الثنائي في [[السودان]] هو قول لا يحمل قدرا من الحقيقة لأنها تركت الأمر كله في يد الحاكم العام يتصرف فيه كما يشاء ولا يعقب لحكمه .<br />
<br />
فإذا قيل بعد ذلك أن المعاهدة تنص على أن الحاكم العام يعين الموظفين من المصريين والانجليز فهو قول غير مفهوم لأن الحاكم العام غير ملزم أصلا وكذلك نسبة من يعينون من المصريين إلى زملائهم من الانجليز غير محددة ولا مقررة .<br />
<br />
ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أو أقطاب [[الوفد]] عموما وعلى رأسهم [[مكرم عبيد]] قد فهموا المواد التي جاءت في المعاهدة عن [[السودان]] بشكلها الظاهر كما يبدو في الخطبة التي ألقاها زعيم [[الوفد]] في مجلس النواب " للنظر في معاهدة التحالف والصداقة بين [[مصر]] وبريطانيا العظمي " فبعد استعراض المواد الخاصة ب[[السودان]] في المعاهدة '''أعلن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا:''' لقد أصبح للمصريين نصيب فعلي في إدارة [[السودان]] سواء في ذلك الإدارة المدنية أو المالية أو الحربية .<br />
<br />
ويلاحظ أن قضية [[السودان]] قد أثارات احتجاج عدد كبير من أعضاء مجلس النواب حيث أجمع عدد كبير منهم بأن موضوع [[السودان]] سيظل الثغرة التي تؤرق مضاجع المصريين فلقد حصلت بريطانيا على كل شئ من خلال شخصية الحاكم العام الانجليزي ولم تحصل [[مصر]] على شئ يتناسب والتضحيات التي قدمها حفاظا على [[السودان]] .<br />
<br />
'''ويسجل أحد تقارير قياس الرأي العام في [[السودان]] أنه''' " نتيجة لما تقرر بمقتضي المعاهدة من عدم وجود بديل سوي القبول بالحكومة الثنائية فإن المتعلمين [[السودان]]يين قد ضايقتهم الطريقة التي تقرر بهذه مصير بلادهم دون أى تفكير بالأخذ برأيهم وقد رأي هؤلاء أن وضعهم قد أصبح مهينا بسبب ذلك , ومن ثم فقد قرروا أن عليهم أن يظهروا شخصيتهم المستقلة سواء عن انجلترا أو عن [[مصر]] والتي بدأت في الظهور منذ سنوات '''تحت شعار''' " [[السودان]] للسودانيين " وأن عليهم أن يعبروا عن وجهة نظر جماعية تضعها الدولتان الحاكمتان موضع الاعتبار .<br />
<br />
'''وعلى ضوء ما تقدم يمكننا أن تقول :''' أن قضية [[السودان]] في مفاوضات [[1936]] تؤكد عدم صلابة المفاوض المصري في تلك القضية الهامة والأساسية وتعد اتفاقية [[1899]] والتي كانت هي الأساس في مفاوضات [[1936]] فصلا للسودان عن [[مصر]] وجعله مستعمرة انجليزية فإقرار المعاهدة لهذه الاتفاقية هو القرار لهذا الوضع .<br />
<br />
وقد بنت انجلترا مزاعمها في اتفاقية [[1899]] على ما اغتصبته لنفسها من حق الفتح وعلى أنها اشترطت مع [[مصر]] في استعادته , على أن الحقيقة الثابتة أن انجلترا هي التي منعت [[مصر]] من تثبيت سلطاتها في [[السودان]] بعد ثورة المهدي وعملت بذلك على استفحال تلك الثورة ثم أكرمت [[مصر]] سنة [[1884]] على إخلائه مما تسبب في استقالة شريف باشا احتجاجا على هذا التدخل ولذا فإن اتفاقية [[1899]] ليس لها أى سند من الحق أو القانون .<br />
<br />
وعلى الجانب الأخر كانت هناك بعض الإيجابيات لعل من أهمها ما جاء في مطلع المادة الحادية عشرة من [[معاهدة 1936]] '''من نص قائل :''' مع الاحتفاظ بحرية عقد اتفاقيات جديدة في المستقبل لتعديل اتفاقيتي 19 [[يناير]] 10 [[يوليو]] [[1899]] .<br />
<br />
إذ يعترف هذا النص صراحة بأن الوضع القائم في [[السودان]] بعد تنفيذ المعاهدة إنما هو وضع مؤقت ثم أنه لا يحدد أمدا معينا للنظر فيه كما حدث لبقية مواد المعاهدة التي تحددت مدة عشرين عاما لإعادة النظر فيها ومعني ذلك أن [[مصر]] تستطيع في أى وقت طرح قضية الوحدة المصرية [[السودان]]ية على بساط البحث .<br />
وقد نصت المادة الثالثة عشرة على أن نظام الامتيازات الأجنبية لم يعد يلائم روح العصر ولا حالة [[مصر]] الحاضرة وأن حكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة بصفتها دولة من ذوات الامتيازات وبصفتها حليفة ل[[مصر]] لا تعارض بتاتا في إلغاء كل قي د يقيد التشريع المصري على الأجانب وستتعاون فعليا مع الحكومة المصرية في تحقيق هذه التدابير .<br />
<br />
ويمكننا القول أن [[مصر]] قد كسبت من وراء [[معاهدة 1936]] بعض المكاسب وفي مقدمتها إلغاء الامتيازات الأجنبي ودخول [[مصر]] [[الأمم المتحدة|عصبة الأمم]] على أن إلغاء هذه الامتيازات وأن كان قد عاد على قطاع كبير من الشعب المصري بالفائدة إلا أنه لم يعد على بريطانيا بأى نوع من الضرر فلقد سقطت الامتيازات التي تتمتع بها الدول الأوربية الأخرى أما بريطانيا فقد تمتعت بمقتضي المعاهدة بحرية كاملة في علاقاتها ب[[مصر]] سواء أكانت علاقات عسكرية أو اقتصادية أو سياسية واستطاع كبار رجال الأعمال وبعض كبار الملاك من المصريين أن يوظفوا أموالهم في مجالات الصناعة التي انتعشت بعض الانتعاش . ولقد ساد شعور بالقلق لدي الجاليات الأجنبية المقيمة في [[مصر]] بما فيها الجالية البريطانية التي لم تستطع أن تخفي قلقها من إلغاء الامتيازات وقد عقد أعضاؤها ب[[الإسكندرية]] اجتماعهم السنوي حيث وقف رئيسهم السير هنري باركر ليعبر عن القلق الذي يحس به كثيرون من أفراد الجالية الذين يعيشون في[[مصر]] '''ويقول :''' أن مجلس الجالية قد اتخذ التدابير ليضع أمام وزارة الخارجية البريطانية النقط التي رأي أنه ينبغي لفت نظرها إليها .<br />
<br />
وقد علقت الصحف المصرية على هذا الاجتماع غاضبة بقولها " لماذا لا يتفضل هؤلاء الساخطون على إلغاء الامتيازات بالهجرة إلى بلد غير [[مصر]] يكون مستعدا للقائهم بأكرم من المظاهر التي تنوي معبر أو تتلقاهم بها وهي محررة من الامتيازات .<br />
<br />
وأعتقد أن [[الوفد]] المصري قد حرص على النص صراحة على إلغاء الامتيازات على الرغم من أن عددا من الدول حاولت الضغط على بريطانيا لبقاء الوضع كما هو عليه أو النص على وجود فترة انتقالية تتفق الدول صاحبة الامتيازات على مراحلها فيما بعد.<br />
<br />
ولقد انعكس موقف الأجانب في [[مصر]] على بعض الوفود الأجنبية في مؤتمر الامتيازات خاصة [[الوفد]] الفرنسي الذي كان اشد الوفود صلابة في المؤتمر نظرا لضخامة المصالح الاقتصادية والثقافية الفرنسية في [[مصر]] وحرص الجانب الفرنسي على أن يظل عدد الموظفين الفرنسيين في [[مصر]] كما هو وأن نلتقي فرنسا حرصا على العلاقات التاريخية التي تربطها ب[[مصر]] ولقد أثار هذا الموقف نقد الصحف المصرية '''فعلق بعضها قائلة :''' يجب أن ننتظر من الفرنسيين وغيرهم من الأجانب سياسة جديدة غير سياسة استغلال موارد الثروة في [[مصر]] دون أن ينال المصريون أكثر من الفئات ويجب أن ننتظر من الفرنسيين وغيرهم معاملة غير التي عرفناها إلى اليوم وهي معاملة السادة للعبيد والخواجات للأولاد البلد فالمعاملة الأوربية يجب أن تتغير والاستقلال الممقوت يجب أن ينتهي والشركات الأجنبية يجب أن تفتح أبوابها لأبناء [[مصر]] والمعاهدة يجب أن تبدي احترامها لتقاليد [[مصر]] ولغة [[مصر]] أما أن تظل روح الماضي التي تجلت في مؤتمر الامتيازات هي الروح السائدة في المستقبل فذلك ما لا يدع بين المصريين والأجانب سبيلا إلى التعاون المنشود ولا هو مما يفيد الأجانب كثيرا ولا قليلا .<br />
<br />
ومن الطريف أن موقف فرنسا من الامتيازات الأجنبية كان محل نقد شديد من الصحف الانجليزية .<br />
<br />
ولما كانت المصالح الفرنسية في [[مصر]] تمثل ثقلا حقيقيا فقد عقدت لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي اجتماعا لسماع أقواله المسيو بونيه وزير خارجية فرنسا في في صدد مشروع إلغاء الامتيازات الأجنبية في [[مصر]] '''(''' وهي الاتفاقات التي وقعت في مونترو 8 [[مايو]] [[1937]] ''')''' وقد بسط وزير الخارجية الإيضاحات المطلوبة وأكد أن الحكومة الفرنسية لن تدخر وسيلة في سبيل الحصول من الحكومة المصرية على الضمانات التي تصون مصالح فرنسا المادية والأدبية .ولعل هذا التحالف العسكري بين [[مصر]] وبريطانيا واعتراف [[مصر]] بالحكم الثنائي في [[السودان]] هو الثمن الذي دفعته [[مصر]] في مقابل السيادة التي أضفاها عليها تمتعها بعضوية [[الأمم المتحدة|عصبة الأمم]] ,وإلغاء الامتيازات الأجنبية ..<br />
<br />
ولذا فإننا نعتقد أن [[معاهدة 1936]] كانت وليدة اصطناع القوة بحكم أن انجلترا بسبب وجود قواتها العسكرية في الشرق الأوسط كانت تستطيع مواصلة الاحتلال ل[[مصر]] و[[السودان]] سواء رضي المصريون بذلك أم كرهوا كما كانت تستطيع الدفاع عن [[مصر]] سواء اشتركت [[مصر]] في هذا الدفاع أم لم تشترك ولذا تنازل المفاوضون المصريون عن نصف مطالب [[مصر]] في سبيل الحصول علي النصف الآخر .<br />
<br />
وهكذا أدت [[معاهدة 1936]] إلى تحديد شكل الوجود البريطاني في [[مصر]] للمرة الأولي كما تم تعميق هذا الوضع طبقا للتحالف المعقود بين الدولتين ولهذا السبب ذاته تسجل المعاهدة نهاية الاحتلال البريطاني بالمعني القانوني إلا أنها أيضا تقر واقع الاحتلال من حيث الجانب العملي.<br />
<br />
'''وخلاصة القول : ''' أن المعاهدة لم تغير كثيرا من طبيعة القهر السياسي الذي مارسته انجلترا على [[مصر]] فقد استمرت السيادة الحقيقة للإنجليز الذين لم تنقطع مؤامراتهم ضد [[مصر]] والعبث بالحياة الدستورية المصرية وأصبح الوطنيون الساعون إلى التخلص من النفوذ البريطاني يظهرون بمظهر من ينقض على مصالح بريطانيا الحيوية وبذلك أعطت بريطانيا لنفسها الحق في التدخل بالقوة المسلحة محافظة على هذه المصالح وبالتالي أصبحت القوي الوطنية التي تطالب بالاستقلال التام معادية للمصالح البريطانية وبالتالي فهي '''(''' من وجهة النظر البريطانية ''')''' تعمل لخدمة المخططات النازية والفاشية ,<br />
وطبقا للمعاهدة فقد تعهد الملك تعهدا ضمنيا باعتبار مصالح انجلترا الحيوية مصالح حيوية بالنسبة ل[[مصر]] أيضا وبذلك كادت المعاهدة أن تشكل جزءا لا يتجزأ من الدستور ولذا بأننا نعتقد أن [[معاهدة 1936]] مسئولة عن تدهور الأوضاع السياسية في [[مصر]] بالشكل الذي حتم نمو الاتجاهات الثورية التي كانت تستهدف ضرب النفوذ البريطاني وإلغاء المعاهدة التي لم تحقق كل الطموحات الوطنية التي ضحي الشعب المصري كثيرا من أجلها .<br />
<br />
ومن الواضح أن الاحتلال وأن تغير في شكله إلا أنه لم يتغير في جوهره بناء على هذه المعاهدة والتي عدتها الوزارة المصرية في ذلك الوقت نصرا يستحق التبجيل واتخذت من يوم توقيع المعاهدة عيدا من الأعياد القومية هو في الواقع لا يخرج عن كونه عارا لحق ب[[مصر]] من جراء انسياق حكامها وراء أوامر ورغبات سلطات الاحتلال .<br />
<br />
ووفق [[معاهدة 1936]] فإن العلاقات المصرية البريطانية قد دخلت مرحلة جديدة تحكمها معاهدة واضحة الشروط وخصوصا بعد دخول [[مصر]] في [[الأمم المتحدة|عصبة الأمم]] حيث امتلكت مقومات الدولة من الناحية القانونية إلا أن قيام [[الحرب العالمية الثانية]] سنة [[1939]] قد شجع بريطانيا على أن تضرب عرض الحائط بنصوص المعاهدة .<br />
<br />
يذهب البعض إلى أن توقيع [[معاهدة 1936]] وما ترتب عليها من ردود فعل متباينة قد أفقد [[الوفد]] قدرا كبيرا من قوته وشعبيته وبصدد ردود الفعل الناجمة عن توقيع المعاهدة فقد تباينت وجهات نظر القوي السياسية في [[مصر]] وبدا ذلك داخل الأحزاب وفي الاجتماعات التي عقدتها للنظر في المعاهدة .<br />
<br />
وعن موقف [[الحزب الوطني]] فعلي الرغم من أنه رفض مبدأ المفاوضة إلا بعد الجلاء إلا أن قاعات مجلس النواب المصري قد شهدت العديد من الانتقادات الموضوعية والتي أبداها أعضاء [[الحزب الوطني]] بالذات على الرغم من ديكتاتورية الأغلبية ومحاولاتها التقليل من حجم تلك الانتقادات .<br />
<br />
أما موقف [[الأحرار الدستوريين]] فقد اتسم بالتخبط فقد شن أعضاؤه حملة شديدة على المعاهدة في أول جلسة عقدها الحزب حتي شعر [[محمد محمود]] – وهو الذي كان يمثل الحزب في جبهة المعارضة – بأن الحملة ليست موجهة إلى موضوع المعاهدة بقدر ما هي موجهة إلى شخصية بالذات .<br />
<br />
وقد اقترح الدكتور هيكل تشكيل لجنة لدراسة المعاهدة وتقديم تقرير عنها إلى مجلس إدارة الحزب .<br />
<br />
وبعد ولادة عسرة تمخضت من قرار له مقدمة طويلة تحدد أوجه القصور في المعاهدة وخصوصا المسائل العسكرية ومشكلة [[السودان]] إلا أنه خشية الانقسامات داخل الحزب ومراعاة لموقف [[محمد محمود]] '''(''' رئيس الحزب وعضو لجنة المفاوضة ''')''' فقد قرر الحزب قبول المعاهدة في القوت الحالي مع العمل على تعديلها بأسرع ما يستطاع تعديلا يزيل منها ما يمس استقلال [[مصر]] وتبادل الثقة بين الطيفين خير عربون لهذا التعديل .<br />
<br />
ولعلي [[محمد محمود]] كان في موقف لا يحسد عليه حينما عاد ليؤكد أن [[معاهدة 1936]] لا تحقق مطالب [[مصر]] المشروعة على وجه كامل وبصورة نهائية وأنها خطوة نحو تحقيق هذه المطالب ولم ير [[محمد محمود]] في مزاياها شيئا يتحدث عنه سوي مسألة الامتيازات .<br />
<br />
أما عن موقف [[حزب الإتحاد]] والذي نشا في أحضان القصر وتحت رعايته وكان لسان حاله المعبر عن مصالحه فإن نسبة الأعضاء المعارضين للمعاهدة لم يتجاوز الثلث فقد وافق على المعاهدة تسعة بينما رفضها ثلاثة ووقف واحد على الحياد وهو توفيق رفعت باشا <br />
لذا فقد وقف [[إسماعيل صدقي]] باشا '''(''' رئيس [[حزب الإتحاد]] ''')''' في مجلس النواب ليعلن موافقته بصفته الشخصية مؤكدا على أن المعاهدة هي خطوة في سبيل الاستقلال وليست الاستقلال التام .<br />
<br />
أما [[الإخوان المسلمون]] ومعاهد [[1936]] فعلي الرغم من الرؤيا السياسية [[للإخوان]] لم تكن قد اتضحت بعد إلا أن الرسائل التي بعث بها الشيخ [[البنا]] إلى رئيس الوزراء '''(''' [[علي ماهر]] ''')''' في [[أكتوبر]] [[1939]] يفهم منها أن [[معاهدة 1936]] قد وقعت تحت ضغط ظروف وأحوال خاصة لا علي أنها غاية ما ترجوه [[مصر]] ولكن أنها خطوة في سبيل تحقيق الأهداف المصرية '''ويضيف [[حسن البنا]] في رسالته قائلا :''' [[الإخوان]] ف[[الإخوان المسلمون]] وهم الذين يرون في المعاهدة المصرية الانجليزية إجحافا كبيرا بحقوق [[مصر]] واستقلالها الكامل يريدون من حكومة [[مصر]] أن لا تتجاوز هذه الحدود المرسومة على ما فيها من إجحاف بأية حال .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن مجلس النواب والشيوخ في جلسته المنعقدة في 14 [[نوفمبر]] [[1936]] قد وافقا على [[معاهدة 1936]] بما فيها من تجاوزات وأثقال بحجة الظروف الدولية القائمة وما كان يحيق [[مصر]] من خطر ايطاليا الفاشية ومن عدم استقرار الحالة السياسية والدستورية والاقتصادية في البد وأيا كانت هذه الظروف فهي لا تبرر التنازلات التي قدمها وفد مص والتي تتعارض بشكل واضح مع حقوق [[مصر]] الوطنية وهي تنازلات كان لها أكبر الأثر على حركة النضال المصري ضد الاستعمار بل كان راجيا على الجانب المصري أن يستمر في مقاومته ولا يقبل معاهدة تهديدا الاستقلال وتقر الاحتلال .<br />
<br />
====موقف بريطانيا من الصراع بين [[الوفد]] والقصر ====<br />
<br />
في 29 [[يوليو]] [[1937]] بلغ فاروق الثامنة عشرة بالحساب الهلالي وأقسم اليمين الدستورية وكان من الطبيعي أن تستقيل الوزارة القائمة فهي وكيل عن الملك في ولاية السلطة التنفيذية ولذا فقد تقدم <br />
[[مصطفى النحاس]] باستقالة الوزارة إلى [[الملك فاروق]] .<br />
<br />
ولما كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] صاحب الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب فقد عهد إليه الملك أن ألف الوزارة الجديدة وبدت الأمور وكأنها تسير في اتجاهها الصحيح وخصوصا أن العلاقات المصرية البريطانية باتت تحكمها معاهدة واضحة المعالم في الوقت الذي كان فيه [[الملك فاروق]] يحظي بشعبية عريضة وسط قطاعات الشعب المصري وزاد من شعبية الملك الخطة الناجحة التي استخدمها بعض رجال القصر في أوائل عهده '''(''' أمثال [[علي ماهر]] و[[أحمد حسنين]] ''')''' في أبرز صوره الملك الصالح الذي ناضل من أجل إيجاد دور ل[[مصر]] [[الإسلام]]ية في الوقت الذي كان فيه [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا يفقد حذره من جانب القصر تحت وهم أن علاقة التحالف الجديدة بين [[الوفد]] وبريطانيا سوف تتيح له فترة التقاط أنفاس دستورية طويلة يوجه جهوده فيها إلى إعادة بناء الدولة وتعزيز الاستقلال الذي انتزعه من الانجليز ليصبح حقيقة واقعة في المجالين الداخلي والخارجي .<br />
<br />
وقد بلغت ب[[مصطفى النحاس]] الطمأنينة أن أغفل الصدع الذي كان قد أخذ يصيب الجهاز التنظيمي للوفد ويصل إلى القيادة ذاتها بفعل الصراع على النفوذ بين [[مكرم عبيد]] من جهة وبين [[محمود فهمي النقراشي]] والدكتور .<br />
<br />
[[أحمد ماهر]] من جهة أخري وكان [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا يصطفي إليه [[مكرم عبيد]] تحت فلسفة الوحدة الوطنية المقدسة ووسط هذه التيارات المتعددة فوجئ [[مصطفى النحاس|النحاس]] بحادث له مغزاه في النظام النيابي فقد رفض الملك أن يكون [[يوسف الجندي]] وزيرا وكان الجندي نائب زعيم المعارضة في ملس الشيوخ ثم كان الوكيل البرلماني لوزارة الداخلية في الوزارة السابقة وقد رفض الملك تعيينه بحجة أن نزاهته إبان وكالته البرلمانية لوزارة الداخلية لم تكن فوق الشبهات .<br />
<br />
ولذا فقد تصاعد الموقف وتأزمت العلاقات بين الوزارة القصر وبدأ الحادث وكأنه الأول من نوعه وتناوله الناس بالحديث بين مؤيد للقصر ومعارض للوفد وبالرغم من أن الوزارة قد تنازلت عن ترشيحها حرصا منها على عدم التصادم مع الملك وهو في بداية عهده إلا أن الخلافات بين [[الوفد]] والقصر بدأت تأخذ شكلا جوهريا فعندما خلا مقعدان في مجلس الشيوخ رشحت الوزارة لهما [[محمود فهمي النقراشي]] وحسن نافع فوافق القصر على ترشيح الأول ولم يوافق على ترشيح الثاني من غير إبداء للأسباب ولما استبدلت الوزارة فخري بك عبد النور بحسن نافع ظل القصر على رفضه مقترحا [[عبد العزيز فهمي]] باشا .<br />
<br />
ثم تعمقت الخلافات بسبب رغبة القصر في أن ينقسم الجيش يمين الولاء للملك ورأت الوزارة أن يتضمن هذا القسم يمين الولاء للدستور .<br />
<br />
واعتقدت احدي صحف القصر أن هذا المبدأ يعني تحويل الجيش حق التدخل إذ ما انتهكت أى قوة سياسية الدستور ولما كان معلوما أن الملك هو أول هذه القوي فإن ذلك يعني أن يتدخل الجيش ضد الملك وبالطبع رفض القصر مثل هذا الاقتراح حفاظا منه على مبدأ الحيلولة بين الجيش و[[السياسة]].<br />
<br />
وقد تزايدت شكرك القصر بعد ما لوحظ أن وزير الحربية [[الوفد]]ي – حمدي سيف النص – قد دخل في التشريفات الملكية على رأس الضباط يقدمهم إلي الملك وهو تقليد لم يتبع من قبل .<br />
<br />
ولما كان السفير البريطاني حريصا على الاستفادة من التناقضات بين القصر و[[الوفد]] بهدف أضعاف الفريقين لمصلحة [[السياسة]] البريطانية في إطار يتفق مع الوضع السياسي الدولي الذي صار ل[[مصر]] بعد المعاهدة ولذا فقد كان الصراع على السلطة بين [[الوفد]] والعرش هو المدخل المناسب والمتاح للسياسة البريطانية وكان السفير على ثقة من أن هذا الانقسام بين القصر و[[الوفد]] سيدخله إلى حلبة الصراع بدون أى جهد وهذا ما حدث حيث تعددت الشكاوي من رجال القصر إلى السفير اتهموا فيها [[الوفد]] بأنه يحاول إقامة ديكتاتورية على حساب الحقوق الشرعية للقصر .<br />
<br />
ولعل شكوي القصر من [[الوفد]] كانت من بابا حبس نبض بريطانيا في محاولة كسب ودها أو على الأقل لضمان حيدتها وهي سياسة ما كره هي القصر .<br />
<br />
ووفق سياسة [[الوفد]] في محاولة منه للسيطرة على القصر فقد تضمن خطاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا إلى مجلس الوصايا بمناسبة تأليف وزارته : أنه بهدف توثيق العلاقة وتدعيم الثقة بين القصر والأمة واقتداء بالأمم ذات التقاليد البرلمانية فإنه ينوي إقامة وزارة للقصر .<br />
<br />
البريطاني في محاولة لاستثمار هذا الصراع وتنميته لمصلحة [[السياسة]] البريطانية ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ورجالات القصر لم يقدروا حجم الخطر من جراء هذا الصراع .<br />
<br />
وشهدت تلك الحقبة أشكالا متعددة للصراع بين القصر والود لعل أهمها ما قام به القصر من محاولات الاستيلاء على [[الوفد]] من الداخل كوسيلة لخروج الدكتور [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] من [[الوفد]] على اعتبار أنهما من أكثر زعماء [[الوفد]] شعبية ويشير السفير البريطاني إلى مسئولية القصر في تنمية الصراع داخل [[الوفد]] وخصوصا فيما يتعلق ب[[النقراشي]] [[أحمد ماهر]] والأخطر من هذا أنه واكب خروج [[النقراشي]] و[[أحمد ماهر]] من [[الوفد]] دخول عناصر أخري ممن وصفوا بالإقطاعيين وهي عناصر تملك بطبيعتها مقومات إثارة النفور الشعبي أكثر مما تملك جذب الإعجاب الجماهيري.<br />
<br />
يضاف إلى كل ذلك أن خروج هذه العناصر من [[الوفد]] قد أثار العديد من التساؤلات حول سمعة هذا الحزب الكبير في الحكم أكثر مما أثار من شكوك حول تواطؤ القصر والعناصر المنشقة ولعل السبب في هذا ما كان من تحول واضح سواء في سياسة الحزب الخارجية وخصوصا عقب توقيع [[معاهدة 1936]] والتي أثارت العديد من التساؤلات حول تاريخ الحزب وجماهيريته المطلقة بسبب تشدده الواضح في المطالب الوطنية أو فيما يتعلق ببناء الحزب من جديد وفق المتغيرات التي أحدثها انشقاق ماهر [[النقراشي]] هذا لأبناء الذي اتسم بالعديد من السلبيات التي دفعت الحزب إلى الوقوع في سلسلة لا تنتهي من الأخطاء لعل أهمها ما وقع في 4 [[فبراير]] وما ترتب على ذلك من خروج مكرم عبيد من [[الوفد]] وما أعقب ذلك من تجاوزات لعل بدايتها كانت عقب [[معاهدة 1936]]م.<br />
<br />
ولم تكن عين السفير البريطاني غافلة عن كل ما يجري من خلافات بين القصر و[[الوفد]] ففي احدي تقاريره يلقي بقدر كبير من المسئولية على [[مصطفى النحاس|النحاس]] الذي " لا يبذل أى جهد لإرضاء الملك وكسب وده معتقدا بأن هذا السلوك سيكسبه قدرا كبيرا من شعبيته متناسبا أن فاروقا يحظي بشعبية كبيرة لدي المصريين ولذا فإنني أعتقد ان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يرتكب أكبر خطأ ثم أخذت يتنبأ بدقة غريبة بما يمكن أن يحدث :" أنه من المتوقع وفقا لتلك [[السياسة]] الخاطئة أن تقال حكومة [[الوفد]] في الخريف القادم " وقد أرجع السفير البريطاني عداء [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] ل[[مصطفى النحاس]] لأسباب كثيرة منها : عنصر المنافسة وما زعمه من كراهية المسلمين لأية صورة من صور السيطرة القبطية ثم واصل السفير تحليله للموقف قارئ : أن خصوم [[مصطفى النحاس|النحاس]] و[[مكرم عبيد]] يلزمهم بشكل أساسي نقطة تجمع لم تعد تتوفر إلا في القصر [[علي ماهر]] هو صاحب كل تلك المؤامرات ولا يوجد من بين العناصر المعادية للنحاس من يملك مقومات شعبية لدي الجماهير إلا [[الملك فاروق]] شخصيا ويختتم السفير تقريره بقوله : ونأمل ألا يقع الملك في خطأ اتخاذ إجراءات متسرعة ضد [[الوفد]] قبل تشويه سمعته بدرجة كافية حتى لا يصور [[الوفد]] نفسه في صورة شهيد الحرية والديمقراطية .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت فيه العلاقة بين [[الوفد]] والقصر تأخذ أبعادا مختلفة كانت بين السفير البريطاني [[الملك فاروق]] تزداد سوءا بدرجة عبر عنها الدكتور هيكل بقوله : لقد أتاح هذا الود المفقود بين السفارة الانجليزية والقصر فرصة ذهبية لطائفة من بطانة الملك كي يفسدوا الجو بينه وبين رئيس الوزراء.<br />
<br />
لقد تطورت الأحداث السياسية الداخلية بصورة سريعة لدرجة أن أخذ القصر يتهيأ لأول انقلاب دستوري في عهد [[الملك فاروق]] وانتهت تقديرات السفير البريطاني للموقف إلى أنه بفضل حكومة وفدية مشاكسة على حكومة قصر موالية للفاشية .<br />
<br />
وأدي هذا بطبيعة الحال إلى وجود تقارب بين [[الوفد]] والانجليز وهذا مما أكد الدافع وراء عقد [[معاهدة 1936]] وحملت رسالة ملامبسون إلى حكومته في 28 [[يوليو]] [[1937]] أخبار العلاقات الجديدة بين السفارة والحكومة [[الوفد]]ية مصورا إياها بقوله : أن الموقف يبعث على الرضا وبشر بالأمل ويسرني أن أعبر عن تقديري لموقف [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا تجاهنا بالرغم من مبالغته في تطبيق نصوص الدستور بصدد الحفل الديني عند تولي الملك العرش وأعتقد أن موقف [[مصطفى النحاس|النحاس]] من هذه الناحية لا يتسم بسلامة التقدير وغير خاف ان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يريد أن يحد من امتيازات الملك ما أمكنه ذلك .<br />
<br />
ويلاحظ أن العلاقات بين [[الوفد]] والانجليز قد ارتبطت إلى حد كبير بعلاقة [[الوفد]] بالقصر فكلما ساءت العلاقات بين [[الوفد]] والقصر يسارع [[الوفد]] إلى توطيد علاقته بالانجليز حماية من ديكتاتورية القصر والتي تجاوزت روح القانون والدستور ومن المؤكد أن عدم حسم الكثير من القضايا الدستورية قد شجع القصر على المعني في سياسته العدائية ضد [[الوفد]] .<br />
<br />
ولعل ما توقعه السفير البريطاني قد حدث بالفعل حيث ذهب إليه [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا شاكيا معددا إلهي كثيرا من الإهانات التي لحقت بشخص رئيس الحكومة ويضيف السفير قائلا : أن دولاب العمل في الحكومة كاد أن يتوقف بسبب العديد من تدخلات الملك التي لا تستند إلى أى وضع قانوني ويعلق السفير قائلا : يكفي [[مصطفى النحاس|النحاس]] ما لاقاه من غلام عديم التجربة ناقص التعليم متغطرس.<br />
<br />
ويبدو أن الدوائر البريطانية قد تعاملت مع الطرفين من منطلق سياسة النفس الطويل بهدف إجهاش كل من القوتين المتصارعتين وانطلاقا من هذا المفهوم فلم يحاول السفير إظهار نفسه بصورة المتضامن مع [[الوفد]] على حساب العرش أو المتضامن مع العرش على حساب [[الوفد]] وهكذا كانت سياسته في تعامله مع القصر ولعل الغرض من تلك [[السياسة]] أن بتكالب [[مصطفى النحاس|النحاس]] على بريطانيا وأن يلقي بكل ثقله تجاهها وكانت الحكومة البريطانية تقدر قيمة تلك [[السياسة]] اعتقادا منها بأن [[الوفد]] هو القوة السياسية الوحيد التي يمكن التعامل وقت الشدائد باعتباره حزبا يحظي بشعبية مطلقة لدي المصريين.<br />
<br />
وهكذا أتيحت الفرصة لكي يتدخل السفير البريطاني في محاولة منه لإقناع طرقي الأزمة بتقديم تنازلات كل من جانبه وأبدت الحكومة [[الوفد]]ية استعدادا طيبا سواء بحل جماعات [[القمصان الزرقاء]] أو بقبول الإبقاء على قسم الجيش دون أن يدخل عليه تعديل بأن يتضمن القسم ولاء للدستور وإن كانت قد تمسكت بحقها في تعيين أعضاء مجلس الشيوخ وأيضا بحقها في اقتراح القوانين دون موافقة مسبقة من الملك في تعيين أو فصل الموظفين على مختلف درجاتهم .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت تبدل فيه الوسطات كان [[الوفد]] يستخدم أسلوب المظاهرات الشعبية كنوع من التأثير على القصر من ناحية والتأكيد على أن [[الوفد]] يعني الشعب المصري كله من ناحية ثانية وتلك ورقة استعملها [[الوفد]] في جميع مراحل صراعه مع العرش وأخذت الجماهير [[الوفد]]ية تطوف شوارع [[القاهرة]] تهتف " [[مصطفى النحاس|النحاس]] أو الثورة " <br />
<br />
'''إلا أن [[الوفد]] قد أخطا في حساباته هذه المرة لعدة اعتبارات موضوعية من بينها :- '''<br />
<br />
'''أولا: ''' أن هذه المظاهرات قد اتسمت بعامل " الصنعة " التي افتعلتها فرق [[القمصان الزرقاء]] التي اصطنعها [[الوفد]] لنفسه وبدا الوضع أمام الرأي العام المصري وكأنه اعتداء على حقوق الملك الدستورية .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد أخطأ [[الوفد]] في حساباته أيضا حيث أن هذه المظاهرات كانت من الأساليب التي يلجأ إليها [[الوفد]] أمام الملك فؤاد , أما هذه المرة فإن [[الملك فاروق]] كان يحظي بشعبية كبيرة.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد أدرك لنحاس باشا أن وزارته على هبة الإقالة فالصور أن هذا الأسلوب سيحول بين القصر وبين الإقدام على تلك الخطوة إلا أن هذا التقدير كان خاطئا فلقد كانت تلك المظاهرات من أهم العوامل التي عطلت بالإقالة .<br />
<br />
وفي الوقت نفسه سارت جموع غفيرة من الشعب المصري في شكل مظاهرة تهتف بحياة الملك واتجهت إلى قصر عابدين حيث خرج الملك لتحيتها أكثر من مرة مما يؤكد رغبته في انتهاج هذا المسلك.<br />
<br />
ووفق حديث لامبسون '''(''' السفير البريطاني ''')''' مع [[علي ماهر]] عن تصاعد الموقف بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] يقول لامبسون : إن هذه التصرفات من الملك تؤكد تماما اعتقادي بأن الملك عنيد ومتهور وأحمق : وقلت له '''(''' أى [[أحمد ماهر]] ''')''' أننا قد بلغنا ما في وسعنا لاحتواء الأزمة وإذا تدخلنا أكثر من ذلك فسوف نتهم بأننا نتدخل في شئون [[مصر]] الداخلية ولقد وصلت إلى نتيجة وهي أن ندع الفريقان يخوضان معركتهما إلى النهاية وأتمني أن يتفهم الملك طبيعة تلك المظاهرات التي تهلل له فإن هذا التهليل يمكن أن يكون مضللا ولقد أكدت للملك مرارا أننا نؤيده بشرطين أن يكون سلوكه دستوريا وأن يكون حكيما ولا أعتقد ان أيا من هذين الشرطين قد تحقق .<br />
<br />
ولقد تطورت الأمور تطورا خطيرا وبقدر ما تفاقمت مظاهر الخلاف بين [[الوفد]] والقصر بقدر ما تدخل السفير البريطاني وهذا مما يريدنا قناعة بعدم إخلاص السفير في محاولته احتواء تلك المشاكل وفي 30 [[أكتوبر]] [[1937]] تدهور الموقف بشكل خطير بسبب مصادره الحكومة لجريدة البلاغ – لسان حال القصر – لنشرها نص حديث دار [[الملك فاروق]] و[[مصطفى النحاس|النحاس]] طلب فيه الأول حل جماعات [[القمصان الزرقاء]] .<br />
<br />
وانطلاقا من مفهوم أن [[الوفد]] يعني كل الشعب المصري فقد بدأ [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا يفكر جديا في خلع فاروق وتنصيب الأمير عبد المنعم ملكا على [[مصر]] ,<br />
ووفقا للمصالح البريطانية وتقديرا لأهمية أن تبقي الثغرات قائمة في [[السياسة]] المصرية لتتمكن بريطانيا من التدخل فلم توافق الحكومة البريطانية على خلع [[الملك فاروق]] واقترحت على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يتذرع بمزيد من الصبر لأن الفرصة ما تزال قائمة لإصلاح الخلل القائم .<br />
<br />
إلا أن محاولات السفير البريطاني لإصلاح الخلل القائم بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] والملك لم تحقق قدرا ملحوظا من التقدم وخصوصا بعد محاولة اغتيال [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا '''(''' 28 [[نوفمبر]] [[1937]]''')''' على يد عضو من جمعية " [[مصر الفتاة]] " يدعي عز الدين عبد القادر واعتقادا من [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بأن [[الملك فاروق]] هو المسئول الأول عن هذا الحادث فلقد نقل [[أمين عثمان]] رسالة شفوية من [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى السفير البريطاني يطلب منه التدخل المباشر لإنقاذ المعاهد مما قد يحدث من تصرفات الملك المستبد ويتساءل لامبسون في رسالته إلى حكومته؟ هل نحن على استعداد لدفع الثمن المحتمل لمساندة [[مصطفى النحاس|النحاس]] ضد [[الملك فاروق]] ؟ وهل نحن على استعداد لأن نمضي بالأمور إلى نهايتها ؟ إن ذلك قد يعلن خلع الملك نهائيا مع الأخذ في الاعتبار أن الأمير محمد على الذى يليه في ولاية العرش صاحب خبرة كبيرة وسيكون أسلس قيادي وأكثر تقبلا للإقناع والنصح , ومن الواضح أن وجهات النظر كانت مختلفة بين [[الوفد]] والانجليز على من يخلف فاروق والملاحظ على ضوء العلاقات المصرية البريطانية أن الحكومة المصرية قد تجاوزت في علاقتها ببريطانيا حدود [[معاهدة 1936]] فلم يكن من بين بنود تلك المعاهدة ما ينص صراحة أو ضمنا على أن تتدخل بريطانيا في شئون [[مصر]] لدرجة التفكير في خلع [[الملك فاروق]] وعلى الرغم من أننا لا نعفي القصر من المسئولية التي دفعت بالعلاقات بين الحكومة والقصر إلى هذا الحد من التردي إلا أننا لا نعفي الحكومة [[الوفد]]ية من مسئوليتها في إعطاء الحكومة البريطانية فرصة التدخل في الشئون الداخلية ل[[مصر]] وهو ما يتعارض مع [[معاهدة 1936]] التي تنص على عدم التدخل بأي صور ة من الصور .<br />
<br />
ولما كانت تلك المسائل الخطيرة تحسم في لندن فقد جاء رد الحكومة البريطانية بعدم الموافقة على خلع [[الملك فاروق]] وخصوصا في هذا الوقت بالذات كما طالبت السفير البريطاني بالضغط على [[مصطفى النحاس|النحاس]] ليقبل إعادة تشكيل وزارته بما يرضي كل الأطراف وطالبته أيضا بمقابلة الملك وحثه بأشد لغة على التعاون مع الحكومة الحالية مع العمل في الوقت نفسه على كسب ثقة الملك.<br />
<br />
'''ومن الواضح أن موقف الحكومة البريطانية من هذا الصراع الدائر كانت تحكمه عدة اعتبارات : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن العلاقات المصرية البريطانية كانت تمر بفترة اختبار ل[[معاهدة 1936]] وإقحام بريطانيا في مثل هذه المسائل الخطيرة سيفسر على أنه ارتداد بالعلاقات إلى ما قبل المعاهدة .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد كان الملك يحظي بقدر من الشعبية لدي الرأي العام المصري والإقدام على عزل الملك قد يترتب عليه عواقب خطيرة ليست في مصلحة بريطانيا .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد قدر وزير خارجية بريطانيا أهمية الصراع بين [[الوفد]] والقصر حتى تتاح الفرصة لمزيد من النفوذ البريطاني .<br />
<br />
'''ونستطيع بعد كل هذا أن نؤكد على قضية هامة وهي رغبة بريطانيا في مساندة [[الوفد]] تلك المساندة التي تفسرها العديد من الأسباب الموضوعية وفي مقدمتها :- '''<br />
<br />
'''1-''' أن حكومة [[الوفد]] تستند إلى قاعدة شعبية عريضة تمكنها من تطبيق [[معاهدة 1936]] تطبيقا يعتمد على روح المعاهدة قبل التقيد بنصوصها .<br />
<br />
'''2-''' أن [[حزب الوفد]] بشعبيته الكبيرة هو الحزب القادر على الوقوف موقف الند ضد شعبية الملك الشاب .<br />
<br />
'''3-''' يمكن لبريطانيا عن طريق حكومة [[الوفد]] أن تصدر ما تشاء من قرارات تتفق مع المصالح البريطانية .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت العلاقات بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] تمضي إلى طريق مسدود كانت هناك بعض القوي الملتفة حول القصر بهدف أن تؤجج نيران الفرقة بين العرش و[[الوفد]] ويعتبر المقال التالي والذي نشره احدي الصحف الموالية للقصر نموذجا فريدا لأسلوب الوقيعة والمزايدة لا لخدمة الأغراض الوطنية وإنما لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية , فكتبت جريدة البلاغ تقول :" حينما سافر [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى لندن لأجل المفاوضات ودعته مصلحة خفر السواحل بإطلاق المدافع وحينما عاد استقلبته بنفس الطريقة وبديهي أن إطلاق المدافع من مميزات جلالة الملك وحده بذلك جرت القواعد وجرت العادة في [[مصر]] .. فإطلاقها للنحاس في توديعه وأستقبله اعتصاب لمظهر من مظاهر تلك المميزات كان من الضروري أن يترك أثره في ذلك القلب البرئ الذي يجلس على العرش .. ثم الحفلة الدينية التي كان مزمع قيامها عند تولية الملك سلطانه ولكن [[مصطفى النحاس|النحاس]] ثار وزعم أن فيها اعتداء على الدستور كل هذا والملك وهو طاهر القلب و الذهن من الأشخاص لا يضمر إلا حب خالص لبلاده ثم أخذت الصحيفة تعدد على [[مصطفى النحاس|النحاس]] مواقفه المنافية لحقوق العرش , ففي احدي الحفلات التي أقامها [[مصطفى النحاس|النحاس]] في قصر الزعفران جلس [[مصطفى النحاس|النحاس]] بجانب الملك في الحديقة وكان الجو معتدلا ومع ذلك شوهد [[مصطفى النحاس|النحاس]] بخلع الطربوش ويبقي برأسه عاريا لمدة عشرين دقيقة ولم يخلع الملك طربوشه فأى معني يفهم من هذا غير أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] يتململ في حضرة صاحب الجلالة واستقبل الملك مستقبليه في محطة [[الإسكندرية]] مصافحا لهم فشوهد [[مصطفى النحاس|النحاس]] يصافحهم هو الآخر من ورائه ولما ذهب جلالته إلى البرلمان في حفلة التولية شوهد [[مكرم عبيد]] واقفا بجانبه ويداه معقودتان خلف ظهره وهذا وذاك يتنافيان مع التقاليد .<br />
<br />
وهكذا تمكنت بطانة السوء من تعميق الخلاف بين الملك ورئيس الحكومة ومما يؤسف له أن الصحف المصرية قد لعبت دورا خطيرا في تفاقم الخلافات وأن بعض كبار الكتاب قد انحدر إلى هذا الدرك تحت فلسفة " حقوق الملك هي حقوق الأمة "<br />
<br />
وفي الوقت الذي انقسم فيه الشعب المصري بين مؤيد للملك ومناصر للوفد كانت الحكومة البريطانية تضع القواعد الأساسية التي تحكم التدخل في شئون [[مصر]] الداخلية '''وحددت أربعة أهداف تستدعي التدخل البريطاني : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' إغفال تنفيذ نص المعاهدة أو روحها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' السعي من جانب الحكومة المصرية لتأمين نفسها بالتفاوض مع دولة أخري لعقد معاهدة أو نحوها .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' امتناع الحكومة المصرية عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحسين وسائل الدفاع عن [[مصر]] .<br />
<br />
'''رابعا : ''' تدهور الوضع المالي علي نحو يترتب عليه أن تصبح مص عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية . <br />
<br />
على هذا النحو أرست الخارجية البريطانية القواعد التي يتم بموجبها التدخل في شئون [[مصر]] الداخلية ومن المؤكد بريطانيا لا يعنيها من [[مصر]] إلا القدر الذي يحقق مصالحها سواء العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أما حقوق العرش أو حقوق الأمة أو الديمقراطية فهي قضايا تتشدق بها بريطانيا بهدف تحقيق أغراضها .<br />
<br />
ومما يلفت النظر أن [[علي ماهر]] رئيس الديوان الملكي – قد لعب دورا مميزا في الصراع الدائر بين القصر و[[الوفد]] اتسم بالدهاء والمكر ومن الطريف ما نلاحظه في خديعته للسير لامبسون ففي الوقت الذي أحس فيه السفير برغبة الملك في إقالة الحكومة نجح [[علي ماهر]] إلى درجة كبيرة في إقناع السفير بأن الملك لا يمكن أن يفكر في مثل هذه الأمور مما اضطر لامبسون أن يرسل إلى حكومته يطمئنها على بقاء حكومة [[الوفد]] .<br />
<br />
واضطرت الحكومة الانجليزية إلى استعمال أسلوب التهديد وأبلغت املك صراحة انه سيفقد ثقة الحكومة البريطانية إذا ما استمر في سياسته وأنه يعرض عرشه للخطر .<br />
<br />
ومن خلال هذا الصراع الدائر أعلن الدكتور [[أحمد ماهر]] رئيس مجلس النواب بيانا أدان فيه الوزارة [[الوفد]]ية متهما إياها بإفساد المن والتعليم وخنق الحريات وأنها تعد من أسوأ الحكومات التي حكمت [[مصر]] <br />
<br />
وعندما حانت اللحظة الحاسمة وعلم السفير البريطاني أن إقالة الوزارة قد تحققت تراجعت الحكومة البريطانية عن اتخاذ محدد ولعل اختيار [[محمد محمود]] باشا ليتولي رئاسة الحكومة بما عرف عنه من صادقته الوطيدة مع الانجليز كان من بين العوامل التي شجعت بريطانيا على عدم التدخل .<br />
<br />
وبعد خطاب الملك بإقالة الوزارة أغرب خطاب إقالة لأية حكومة يؤيد طريقة الوزارة في الحكم وأنه يأخذ عليها مجافاتها روح الدستور وبعدها عن احترام الحريات العامة وحمايتها وتعذر إيجاد سبيل لاستصلاح الأمور على يد الوزارة التي ترأسونها لم يكن بد من إقالتها تمهيدا لإقامة حكم صالح يقوم على تعرف رأي الأمة الخ "<br />
<br />
وتأصيلا للحقيقة التاريخية فإننا نعتقد أن [[علي ماهر]] قد لعب دورا خطيرا في تدعيم سلطة الملك على حساب الحقوق الدستورية واستطاع [[علي ماهر]] أن يلفت نظر املك الشاب إلى ضرورة إقالة الوزارة [[الوفد]]ية بلا أى تقدير لمبدأ الشرعية الدستورية .<br />
<br />
ويبدو أن هذا المسلك من [[علي ماهر]] كان بسبب موقف [[الوفد]] من تعيينه رئيسا للديوان الملكي ففي الوقت الذي استبشرت فيه صحف القصر لهذا التعيين واعتبرته مطابقا لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب على اعتبار [[علي ماهر]] هو أفضل من يصلح لهذا المنصب في نفس الوقت تتحفظ صحف [[الوفد]] على هذا التعيين بل أن إحداها ذكرت أن هذا التعيين قد تم بناء على الصلاحيات التي حصل عليها القصر بمقتضي مرسوم 8 [[فبراير]] [[1925]] الذي أصدرته وزارة زيور باشا وأن الوزارة القائمة تنوي عرض هذا المرسوم على البرلمان بهدف تعديله أو إلغائه .<br />
<br />
بل إن [[علي ماهر]] شخصيا هو الذي قام بكتابة كتاب الإقالة وعندما أثيرت هذه المسألة في مجلس الشيوخ سنة [[1940]] قال [[علي ماهر]] : إذا تساءل البعض لماذا أقيلت حكومة [[1937]] فالجواب أن سبب الإقالة خلاف على حقوق العرش وكان من واجبي '''(''' أى [[علي ماهر]] ''')''' وقتئذ أن أتقدم لإيجاد حلول بخصوص هذا الموضوع .<br />
<br />
وهكذا تمت إقالة حكومة [[الوفد]] بطريقة مهينة على يد [[الملك فاروق]] وبتوجيه من رئيس ديوانه [[علي ماهر]] الذي ضرب عرض الحائط برغبة السفير البريطاني في بقاء حكومة [[الوفد]] في الحكم ولذا فقد اعتقد السفير أن [[علي ماهر]] هو السبب الحقيقي وراء كل المتاعب التي تلاقيها بريطانيا في [[مصر]] .<br />
<br />
ولقد تمخضت أزمة إقالة الوزارة عن مزيد من سوء العلاقة بين [[علي ماهر]] والجانب البريطاني كما دفع السفير إلى أن يكتب لحكومته '''قائلا : ''' أن [[علي ماهر]] رجل مخادع لا يمكن الوثوق فيه أو الاعتماد عليه .<br />
<br />
وبصدد مناقشتنا لإقالة الوزارة الدستورية سنة [[1937]] يدفعنا هذا إلى السؤال عمن تقع على عاتقه مسئولية هذه الإقالة ؟..<br />
<br />
ولعل التفسير الذي يتفق ومنطق الأحداث يدفعنا إلى إدانة العديد من الأطراف ولعل [[علي ماهر]] في مقدمة تلك القائمة لأنه المسئول الأول عن هذه الإقالة ولأنه سعي إلى توسيع سلطات الملك على حساب الأمة حتى يبدو بمظهر الرجل الأمين على حقوق العرش لا شك أن هذه [[السياسة]] قد أفرزت نتائج خطيرة تمثلت في فتح عيون الملك على سياسة التحدي للمبادئ الدستورية وإقالة الوزارات وتعطيل البرلمان تلك [[السياسة]] التي اكتوي بنارها حزب الأغلبية وأحزاب الأقلية على حد سواء ولعل [[علي ماهر]] نفسه قد شرب من نفس الكأس حينما أقاله الملك بطريقة مهينة سنة [[1952]] '''(''' [[مارس]]''')'''.<br />
<br />
وتعد حكومة [[الوفد]] مسئولة بتصرفاتها حيث مهدت الطريق لإقالتها وذلك بسبب اعتقاد [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن الملك '''(''' شاب صغير ''')''' يمكن احتواؤه بشكل أو بآخر وكانت معظم تصرفات [[مصطفى النحاس|النحاس]] تصدر انطلاقا من هذا المفهوم وأسقطت حكومة [[الوفد]] من حساباتها وجود [[علي ماهر]] في معسكر القص تلك الشخصية التي شهد لها كل من عاصرها بالمكر والدهاء وبدلا من أن تنهج حكومة الأغلبية نهجا دستوريا ابتدعت فكرة [[القمصان الزرقاء]] التي ضج منها الجميع بسبب سلوكها الإرهابي عن طريق الاعتداءات المتكررة على خصوم [[الوفد]].<br />
<br />
ويعتبر [[الملك فاروق]] نفسه أحد المسئولين عن هذه الإقالة فما كان عليه أن يبدأ حياته بهذا المسلك الديكتاتوري وكان عليه أن يلجأ إلى الأمة ليأخذ رأيها إذا ما أعتقد أن الحكومة لام تعد تحظي برضاء الشعب .<br />
<br />
وإذا ما علمنا أن [[الملك فاروق]] لم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة عاما بالتاريخ الميلادي فإن هذا يضاعف من مسئولية [[علي ماهر]] .<br />
<br />
أما السفير البريطاني ومن ورائه تعليمات وزير الخارجية فلقد لعب دورا هاما وأساسيا في إفساد العلاقات بين القصر والحكومة وما كان لبريطانيا أن تقبل بأي حال من الأحوال أن يتحدد المصريون جميعا في جبهة واحدة لأن هذا معناه أن تتنبه الأمة للخطر الذي بها من جراء الهيمنة البريطانية '''وهناك سؤال يستحق أن يجاب عليه :''' كيف قبل البريطانيون أن يهزموا في أول معركة يخوضونها ضد [[الملك فاروق]] '''؟'''...<br />
<br />
'''أولا : ''' لقد حدد وزير الخارجية البريطاني المسائل التي يمكن للسفير أن يتدخل تدخلا مباشرا من أجلها ولم يكن من بينها إقالة الحكومة [[الوفد]]ية ..<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لعل الحكومة البريطانية قد اعتقدت أن إقالة [[الوفد]] لا تستحق التضحية ب[[معاهدة 1936]] ومن لمؤكد أن الحكومة البريطانية مصالحها في خطر .<br />
<br />
'''ثالثا: ''' أكد السفير البريطاني في حديثه مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] عقب الإقالة حينما لامه الأخير على عدم تدخله ليحول بين رغبات الملك الطائشة وبين إقالة الحكومة الدستورية – أكد السفير أنه لم يكن في وسعه أن يفعل أكثر من ذلك وليس من مصلحة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه أن تتدخل بريطانيا لكي تستبقيه بالقوة .<br />
<br />
إلا أن [[الوفد]] لم يكن ليقتنع بالحجج والمبررات التي ساقها السفير البريطاني وأخذت صحف [[الوفد]] تلوح بأن التحالف الانجليزي المصري قد أخفق وأن على [[مصر]] أن تبحث لها عن حليف جديد وأشارت الصحيفة إلى أن بريطانيا ما زالت تتعامل مع [[مصر]] بروح الاستعمار القديم والواجب على الحليفة إذا كانت حريصة على عوامل الود والصداقة أن تترفع عن استغلال محنتنا وإهدار استقلالنا.<br />
<br />
'''وتساءلت صحيفة وفدية أخري : ''' هل بلغ سوء الظن بين المصريين والانجليز إلى الحد الذي لا سبيل معه إلى إقرار الوضع بين الحليفتين على أساس من التعاون الصادق السليم '''؟''' وأشارت الصحيفة إلى مسئولية بريطانيا عن إقالة الحكومة الدستورية .<br />
<br />
ولقد انتهز [[الوفد]] كل الفرص لإحراج الانجليز والقصر معا وهذا الموقف من [[الوفد]] يدفعنا إلى الاعتقاد بأن موقفه من الانجليز وهو خارج الحكم يغاير موقفه وهو في الحكم فلقد أخذ زعماء [[الوفد]] يصرحون في كل مكان بأنهم ضد رغبة وتأيد جماهير الشعب المصري وترتيبا على ذلك وجد [[الوفد]] نفسه مدفوعا لمهاجمة السياسية الانجليزية وخصوصا ما يتعلق منها بتأييد المعاهدة بل والأكثر من هذا أعلن ممثلو [[الوفد]] في مجلس النواب بأن السفارة البريطانية ورئيس البعثة العسكرية البريطانية يحكمان [[مصر]] كما كان يحكمها المعتمد البريطاني والمفتش العام قبل المعاهدة .<br />
<br />
'''ومن خلال الخلافات والمشاحنات بين القوي السياسية في [[مصر]] والذي كان حقل خصب لنمو النفوذ الانجليزي المدعوم ب[[معاهدة 1936]] أعيدت صياغة العلاقات بين القوي المؤثر في [[السياسة]] المصرية على النحو التالي: '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لقد اعتقد [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن الملك وحده غير قادر على اتخاذ تلك الخطوة الخطيرة وهي إقالة الحكومة الدستورية معتقدا أن الانجليز كانوا وراء تلك المؤامرة ومن هنا أعلن [[الوفد]] صراحة عن عدائه للإنجليز والتلويح بنقض [[معاهدة 1936]] .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' زيادة حدة الصراع بين حزب [[الأحرار الدستوريين]] والقصر إلا أن هذا الصراع لم يتعد إطار التحالف ضد [[الوفد]] وهذا التصارع كان منشئوه أن القصر يريد أن يملك ويحكم وحده , وأن حزب [[الأحرار الدستوريين]] كان يريد أن يشارك الملك في الحكم , ويلاحظ أن مصدر الخلاف قد دار حول أمور سبق أن تصارعت من أجلها كل الأحزاب ضد ديكتاتورية القصر وهي حق رئيس الحكومة في اختيار أعضاء وزارته وهو ما رفضه القصر تماما .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أما عن العلاقات بين الانجليز والقصر وخصوصا بعد أن أهمل فاروق نصائح لامبسون بالإبقاء على حكومة [[الوفد]] فقد تزايد العداء بين الطرفين لنفس السبب السابق بالإضافة التي تزايد النفوذ الايطالي داخل القصر عن طريق البنداري باشا وكيل الديوان الملكي <br />
ومن هنا فقد دخلت العلاقات المصرية البريطانية في مرحلة جديدة اتسمت بالتصادم الواضح بين الملك والانجليز .<br />
<br />
====الوجود البريطاني في [[السياسة]] المصرية '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]] – [[يونيه]] [[1940]]''')'''====<br />
<br />
لقد اعتبرت الحكومة البريطانية أن تصمم [[الملك فاروق]] على إقالة حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] وتكليف [[محمد محمود]] باشا بتأليف الوزارة الجديدة يعد انقلابا ضد الديمقراطية وعودة إلى سلوك فؤاد الاستبدادي .<br />
<br />
وقد ألف [[محمد محمود]] وزارته في 30 [[ديسمبر]] [[1937]] حيث جمع فيها بعض المستقلين والمنشقين على [[الوفد]] وبمجرد الانتهاء من إجراءات تشكيل الحكومة جرت زيارتان متبادلتان بين السفير البريطاني و[[محمد محمود]] باشا تم فيهما وضع أسس التعاون بين [[مصر]] وبريطانيا وقد حملت رسائل لامبسون إلى حكومته في لندن – رغبة رئيس الوزراء المصري في إقامة علاقات متينة تحكمها المصالح المشتركة والتعاون الصادق بين الطرفين وقد اتفق على وضع أولويات العمل المشترك فيها يتعلق بقضية الدفاع عن [[مصر]] , وما يتطلبه ذلك من نفقات وأضاف لامبسون في برقيته :ط أن [[محمد محمود]] باشا قد ابدي رغبة أكيدة في منع المظاهرات التي تحدث في الشوارع كل يوم والتي تسبب ارتباكا في كافة المصالح والمؤسسات الحكومية ويضيف لامبسون أن رئيس الوزراء المصري قد تفهم جيدا طبيعة العلاقات المصرية الايطالية وأنه مقدر تماما للإخطار القائمة وأستطيع أن أكرر أن رئيس الوزراء الجديد صديق قديم وحتما سيكون تعاوننا صادقا ومريحا .<br />
<br />
ولعل [[الملك فاروق]] قد وضع اختياره على [[محمد محمود]] باشا بسبب علاقته الوطيدة مع الانجليز ويبدو أن [[الملك فاروق]] كان على ثقة من أن بريطانيا لن تعترض حتى لا تقع في حرج نظرا للعلاقات الوطيدة التي تربط رئيس الوزراء الجديد بالسفارة البريطانية وقد بدأت الوزارة الجديدة في تنفيذ خطة القصر باستصدار المرسوم الملكي بحل البرلمان لوفدي '''(''' 3 [[يناير]] [[1938]]''')''' وقد هاج النواب [[الوفد]]يون وأصروا على الاعتصام داخل البرلمان احتجاجا على تلك [[السياسة]] إلا أن الشرطة قد تمكنت من إخراجهم بالقوة .<br />
<br />
وخلال الشهر الأول من عمر الوزارة أجريت أكبر حركة تنقلات داخل الجهاز الإداري للدولة وتمت عمليات فصل واسعة النطاق للعناصر [[الوفد]]ية حتى لقد شهد السفير البريطاني باه بات واضحا أن الانتخابات " ستزيف " بواسطة الحكومة وبموافقة القصر الملكي .<br />
<br />
ومضت الوزارة في إدخال العديد من التعديلات في الدوائر الانتخابية تم معظمها تلبية لرغبات مرشحي تلك الدوائر ووجدت الفرصة مواتية في التعداد الجديد للسكان حيث زادت عدد الدوائر الانتخابية لمجلس النواب 23 دائرة جديدة فصار عدد الدوائر 264 بدلا من 232 وتدخلت الحكومة في هذه الانتخابات تدخلا إداريا لصالح كثير من مرشحيها وأنصارها فلم تكن في جملتها انتخابات حرة أو سليمة وهذا يعد مخالفة صريحة للدستور وتزييفا لإرادة الأمة وتواطؤ مشبوها مع القص .<br />
<br />
وكان الخارجون على [[الوفد]] يتزعمهم الدكتور [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] قد كونوا " الهيئة السعدية" ولم يعتبروا أنفسهم خارجين على [[الوفد]] بل اعتقدوا أن عامة [[الوفد]]ية بقيادة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا هي التي خرجت عليهم – وعلى المبادئ الأصلية للوفد ووجد هؤلاء أنفسهم في معسكر القصر الذي يعتبر الخصم الأول للوفد وتقدموا إلى الانتخابات مع حزب [[الأحرار الدستوريين]] على أمل الفوز بمقاعد تتناسب وما أثير من أن [[الوفد]] الحقيقي هو ما يتزعمه الدكتور [[أحمد ماهر]] .<br />
<br />
وحصلت الهيئة السعدية على ثمانية مقاعد في مجلس النواب وفضل الدكتور ماهر أن يبقي بهيئته بعيدا عن الحكم يرقب ما تأتي به الوزارة الجديدة إلا أن هذا الموقف كان موضع ريبة من الوزارة الجديدة فما زالت المساعي تبذل لتعاون الحزبين في الحكم حتي أثمرت هذه المساعي وأشترك السعديون في الوزارة في [[يونيه]] [[1938]] بعد أن تمكنت الحكومة بالتعاون مع القصر من إقصاء [[الوفد]] عن الحكم عن طريق تزييف الانتخابات إلى حد أن زعيمي [[الوفد]] [[مصطفى النحاس]] و[[مكرم عبيد]] – قد سقطا في دائرتيهما وعلى ضوء ما ترتب على ذلك من صراع أخذ يدب بين القصر يمثله [[علي ماهر]] '''(''' رئيس الديوان ''')''' وبين [[محمد محمود]] '''(''' رئيس الوزراء ''')''' على اعتبار أن كلا منهما يريد أن يستأثر لنفسه بقدر كبير من السلطة .<br />
<br />
وتشير العديد من المصادر إلى أن [[علي ماهر]] باشا لم يترك الوزارة تمضي في طريقها بل عمل على وضع العديد من العقبات كوسيلة للخلاص منها حتى يقفز هو إلى موقع رئيس الحكومة .<br />
<br />
وبقدر ما بذل [[علي ماهر]] من جهد للعمل على إضعاف الحكومة والنيل منها كان [[محمد محمود]] باشا يتردد على دار السفير البريطاني مابيا وبسخاء كل ما يري أنه ينم عن رغبة انجليزية ووفقا لمراعاة مصالح الحليفة فلقد اتخذت الحكومة المصرية قرارا بمنع الرعايا الأجانب من حمل السلاح والذي كان مقصودا به بالدرجة الأولي الإيطاليين المقيمين في [[مصر]] ومن المؤكد أن السلطات البريطانية كانت ترقب وبحذر شديد التطورات السياسية في [[مصر]] حيث كانت الأوضاع الدولية تنذر بقدوم حرب ضد ألمانيا ففي 12 [[مارس]] [[1938]] أقدمت ألمانيا على ضم النمسا ثم تحولت إلى إقليم السوديت الذي تفاقمت فيه الحركة النازية وقد نصحت انجلترا وفرنسا وتشيكو سلوفيا بعد لقاء ميونيخ الأول بين تشمبرلن وهتلر بالخلص من الأقاليم التي يقطنها الألمان بنسبة تزيد عن 50 في المائة وتطورت الأمور تطورا خطيرا بعد لقاء ميونيخ الثاني 29 [[سبتمبر]] [[1938]] وبقدر تفاقم الحالة الدولية فقد تضاعف قلق بريطانيا وزاد من رغبتها في فرض سيطرتها على [[مصر]] بحجة أن ما يحدث يرتبط بأمن بريطانيا ذاتها ومن هنا نظرت بريطانيا إلى موقف القصر بشئ من الريبة والشك ومما ضاعف من هذا الاعتقاد العلاقة الوطيدة بين القصر والجالية الايطالية التي كانت تعد أكبر جالية بعد الجالية اليونانية وكانوا منتشرين في مدن القطر ولهم منشئات مالية وثقافية ضخمة منها البنك التجاري الإيطالي والبنك الإيطالي المصري والمعهد الإيطالي وغير ذلك من المشروعات التجارية الكثيرة ولذا فقد كان الإيطاليون يشكلون عنصرا خطيرا على الانجليز في [[مصر]] ولذا فقد كان أهم ما يقلق الانجليز هو امتداد النفوذ الايطالي الفاشي إلى القصر الملكي حيث أثار الانجليز صلة بعض موظفي السراي بالطليان وأن الوزير الايطالي في [[مصر]] يحسن استقبالهم عند زيارتهم له واعتقدت الحكومة البريطانية أن من حقها وضع حد لهذا الميول وضرورة إقصاء موظفي السراي الذين لا ترضي عن وجودهم .<br />
<br />
ووفقا لتطور الحالة الدولية بما ينذر بقيام حرب مع ألمانيا وانطلاقا من المفهوم البريطاني السائد والذي يعني أن أمن بريطانيا فوق كل اعتبار فلقد بدأت الحكومة البريطانية تعيد فهم [[معاهدة 1936]] بما يتفق ومصالحها بالدرجة الأولي .<br />
<br />
ولعل من بين المسائل التي كانت تثير السفير البريطاني أن يري الكونت ما تزوليني '''(''' السفير الإيطالي ''')''' في مدن [[مصر]] الكبرى وهو يستعرض بقميصه الأسود الشباب الفاشي ويردد شعارات الدعاية للإمبراطورية الرومانية .<br />
<br />
ولقد خشي الانجليز مغبة توثق الصلة بين البنداري باشا '''(''' وكيل الديوان الملكي ''')''' وبين فيروتشي كبير المهندسين بالسراي والذي كان يعد من وجهة النظر البريطانية كادرا هاما من كوادر قلم المخابرات الايطالية بل لقد أذاع الانجليز أن فيروتشي يطلع على أوراق الدولة ووثائقها من خلال مكتب البنداري بالقصر الملكي .<br />
<br />
وأخذت [[السياسة]] البريطانية تتحين الوقت المناسب لكي تدخل بكل ثقلها لا لوضع أسس ومبادئ تحدد العلاقة بين القصر والحكومة وإنما لوضع أسس جديدة تحدد من خلالها قواعد التدخل البريطاني , وساء في أعمال الحكومة أو في أعمال القصر واستثمر السفير البريطاني '''(''' لامبسون ''')''' الخلافات المستمرة سواء بين القصر والحكومة أو بين المعارضة التي أصبح يمثلها [[حزب الوفد]] وبين القصر وحكومة [[محمد محمود]] باشا من جانب آخر وقد بدأ هذا واضحا خلال ما يسمي بأزمة '''(''' حرس الموتسيكلات ''')''' حيث اعتاد السفير البريطاني أن يحيط به موكبه منذ كان مندوبا ساميا '''(''' قبل توقيع المعاهدة''')''' وكانت حكومة [[الوفد]] قد تركت هذا الأمر بصفة استثنائية بعد توقيع المعاهدة إلا أن [[الملك فاروق]] طلب إلغاء هذا التقليد وألح فيطلبه مما اضطر [[محمد محمود]] إلى مفاتحة السفير وطلب منه رفع هذا الحرس .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن السفير البريطاني لم يشأ أن يجعل من موضوع لحرس أساسا للخلافات مع القصر وإنما أراد أن يتحين الوقت المناسب حتى يرد الصاع صاعين للملك ووجد لامبسون أن الفرصة مناسبة حين طلب من [[محمد محمود]] أن يبعد كبير مهندسي القصر '''(''' فيروتشي ''')''' الايطالي إلا أن الملك طلب مهلة قصيرة وبعدها سيتخلص منه نهائيا .<br />
<br />
ولعلها كانت مناورة من القصر حتى لا يصطدم اصطداما مباشرا مع السفير في الوقت الذي كان [[الوفد]] يشن أكبر حملاته ضد الانجليز والقصر معا مؤكد على أن [[معاهدة 1936]] قد سقطت في الاختبار الأول .<br />
<br />
وكما أوضحنا فقد كان الصراع بين القصر والحكومة من الأسباب الهامة التي أتاحت الفرصة لتدخل السفير البريطاني حتى لو كانت هذه الخلافات من أخص القضايا الداخلية وتصور برقية لامبسون التالية كيف يمثل الخلل القائم بين القصر والحكومة فرصة مناسبة لمزيد من التدخل البريطاني :" أن العلاقة بين القصر والحكومة تتأزم يوما بعد يوم مما دفعني إلى إجراء محادثات مع كل من [[علي ماهر]] رئيس الديوان و[[حسين سري]] وزير الحربية و[[عبد الفتاح يحي]] وزير الخارجية ولقد خرجت من محادثاتي بأن [[علي ماهر]] وراء كل هذه المؤامرات في محاولة للقضاء على هذه الحكومة .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت فيه الجالية الايطالية تحظي باهتمام خاص لدي فاروق كان [[علي ماهر]] يبذل جهدا كبيرا لدي بريطانيا أثناء تواجده في لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة في محاولة ليبعد عن نفسه تهمة التعاطف مع ايطاليا تمهيدا لتوليه رئاسة الحكومة .<br />
<br />
وعلى الرغم من التعاطف الواضح بين القصر والجالية الايطالية في [[مصر]] إلا أن هذا التعاطف لم يرق إلى درجة التعاون المطلق في هذه الفترة بالذات '''(''' [[1938]] – [[1939]]''')''' وإنما كان فاروق يتعامل مع الطليان من منطلق كراهيته للسفير البريطاني والذي كان يتعامل مع فاروق باعتباره شابا متهورا وليس باعتباره ملكا على [[مصر]] .<br />
<br />
ولقد استطاع [[علي ماهر]] بدهائه وذكائه أن يقنع الخارجية البريطانية بأهمية التغيير في [[مصر]] بحجة أن الشعب المصري قد مل هذا الطراز من الحكام وأن الملك قد اعتزم أن يسقط الوزارة القائمة وأن يعهد إليه بتأليف الوزارة الجديدة .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن اختيار فاروق ل[[علي ماهر]] لكي يمثل [[مصر]] في مؤتمر المائدة المستديرة كان قائما على أساس أجراء حوار مع الخارجية البريطانية تمهيدا لإقالة الحكومة ومما يضاعف من هذا الاعتقاد أن [[علي ماهر]] لم يكن وزيرا للخارجية ولا رئيسا للديوان الملكي ومن هنا فإن تمثيله ل[[مصر]] في هذا المؤتمر يعد مخالفة صريحة للدستور والقانون حيث كان من الأولي أن يمثل [[مصر]] رئيس الوزراء أو وزير الخارجية أو أى عضو في الحكومة على اعتبار أن أي اتفاق قد يحدث في المؤتمر ستترتب عليه التزامت سياسية هي من صميم عمل الحكومة .<br />
<br />
ولقد روي [[محمد محمود]] أنه لما اجتمع [[علي ماهر]] باللورد هاليفاكس أرسلت الخارجية البريطانية محضر الحديث إلى لامبسون في [[القاهرة]] ومن بين الحديث تلميح من [[علي ماهر]] بأنه سيترأس الحكومة وأضاف [[محمد محمود]] باشا : أن السير لامبسون قد أطلعه على هذا المحضر .<br />
<br />
ولعل السفير البريطاني كان يهدف من راء اطلاع [[محمد محمود]] على محضر الاجتماع السابق إلى عدم مسئولية بريطانيا عن إقالته التي تمت بإيعاز من القصر وعن طريق [[علي ماهر]] .<br />
<br />
وفي حديث ل[[علي ماهر]] أشار إلى أن إقالة وزارة [[محمد محمود]] تمت بمعاونته ولقد بذل جهدا كبيرا لإقناع كبار الساسة بالاشتراك فيها وتمكنت الوزارة عن طريق كبار السياسيين والذين بلغ عددهم ستة عشر وزيرا من توجيه الإدارة نحو إجراء انتخابات برلمانية أسفرت عن حرمان [[الوفد]] من أية أغلبية .<br />
<br />
ومن ثم سعي [[علي ماهر]] لكي يثبت لمحمد أن وزارته ليست سوي شكلا دستوريا زائفا لحكم القصر الحقيقي على الرغم من أن الحكومة كانت تعاني من العديد من المشاكل سواء بسبب عدم الوئام بين أعضاء الحكومة أو بسبب الحملات المكثفة والتي كان يشنها [[الوفد]] متهما الحكومة بأنها لا تمثل إلا نفسها إلا أن عدم رضاء [[علي ماهر]] هو صاحب المشورة والرأي النافذ في أمر الوزارة .<br />
<br />
وحملت العديد من الصحف الموالية للقصر حملة عنيفة على الوزارة وشجع [[علي ماهر]] جماعة [[مصر الفتاة]] على الهجوم العنيف على الوزارة ووصفها بأنها حكومة تتصف بالخمول وعدم النشاط .<br />
<br />
وأدرك [[محمد محمود]] حجم المؤامرة التي يدبرها [[علي ماهر]] بهدف إسقاط وزارته ولعله أراد أن يفوت الفرصة على القصر عن طريق أشراك السعديين في الوزارة حتى يدعم وزارته بعناصر لها ثقلها السياسي والوطني وتمكن [[علي ماهر]] من إقناع قطبي السعديين – [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] – بالاشتراك في الوزارة وتم تشكيل الوزارة الجديدة في 24 [[يونيه]] [[1938]]م .<br />
<br />
ولقد رحب [[علي ماهر]] بهذا التعديل الوزاري الجديد على أساس أنه جزء جديد من مخططه وهو عدم تولي الحكم إلا بعد الفراغ من كل المرشحين لتولي الحكم وإعلان إفلاسهم وعجزهم عن ملأ الفراغ السياسي الذي تركه [[الوفد]] وأخذ [[علي ماهر]] يلاحق الوزارة الجديدة ويظهر عيوبها وفلها في تحقيق النمو الاقتصادي والسياسي معلنا بأن البلاد في حاجة إلى وثبة قوية وسريعة وأن هذه الوزارة عاجزة عن تحقيق ذلك وقد وجد من جماعة [[مصر الفتاة]] ما شجعه على المضي في خطته وتبنت صحيفة [[مصر الفتاة]] الدعوة إلى مقاطعة الحكومة والعمل على إسقاطها .<br />
<br />
وأخذت الإشاعات تنتشر مع مرض رئيس الوزراء مرة بالقول بأنه في طريقه إلى الاستقالة ومرة أخري بأنه في طريقه إلا الإجازة بل أن بعض الإشاعات حددت [[علي ماهر]] باعتباره الخليفة المنتظر .<br />
<br />
وقد ظل الصراع بين [[محمد محمود]] وبين [[علي ماهر]] بين مد وجزر في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء يصارع المرض حتى اضطر إلى تقديم استقالته '''(''' 12 / 8/ [[1939]]''')'''<br />
<br />
وقد اختلفت الآراء حول استقالة [[محمد محمود]] فالبعض يؤكد أن الاستقالة تمت برغبة ملكية حملها سعيد ذو الفقار إلى رئيس الوزراء والبعض الآخر يؤكد أن الاستقالة تمت برغبة [[محمد محمود]] الذي عزم على تقديمها بعد أن علم [[علي ماهر]] يتصل ببعض الزعماء ويطلب منهم الاشتراك معه في تشكيل الحكومة الجديدة .<br />
<br />
أما [[محمد محمود]] نفسه فيؤكد في حديثه للسير لامبسون أن حالته الصحية كانت السبب في استقالته حيث لم يتمكن من الجلوس في آخر جلسة لمجلس الوزراء أكثر من بع ساعة وذلك مما يضاعف من حرجه أمام أعضاء الحكومة .<br />
<br />
وبغض النظر عن أن الملك هو الذي طلب من رئيس الحكومة أن يقدم استقالته أو أن رئيس الحكومة نفسه هو الذي بادر بتقديم استقالته فمن المؤكد أن الاستقالة قد وجدت قبولا لدي [[الملك فاروق]] .<br />
<br />
'''والسؤال الذي يستحق أن يجاب عليه : ''' هل كانت بريطانيا تعلم بأن في نية إسناد رئاسة الحكومة إلى [[علي ماهر]] '''؟'''<br />
<br />
:إن كل الدلائل تشير إلى هذا سواء منذ زيارة [[علي ماهر]] إلى لندن حضور مؤتمر المائدة المستديرة أو مراسلات السفير البريطاني إلى حكومته حيث يفهم من احدي برقيات السفير معرفة لندن بكل التفاصيل ووفق بعض البرقيات التي بعث بها السفير البريطاني إلى حكومته ما يؤكد هذا المعني حيث يقول :" لقد أسندت رئاسة الحكومة إلى [[علي ماهر]] كما كان يتوقع الجميع ولكن المهمة لم تكن سهلة فقد توقفت الإدارة الحكومية مدة أسبوع بينما تجاهل رئيس الوزراء الجديد [[حزب الوفد]] تجاهلا تاما وسمح للسعديين و[[الأحرار الدستوريين]] بالتصارع على مراكز الوزارة وهم يدركون تماما أنهم إذا لم يقبلوا شرطه فقد يستغني عن تأييدهم .<br />
<br />
وهذا ما ضاعف من اعتقادنا من أن إسناد الوزارة إلى علي ماهر كان متوقعا وأن الدوائر البريطانية كانت على بينة من أمر هذا التغيير .<br />
<br />
ويلاحظ أن [[علي ماهر]] قد شكل وزارته من أصدقائه المقربين ومن الشخصيات المستقلة ولم يراع في اختيارهم أن لهم أنصارا في البرلمان أو أحزابا تناصرهم وجعل كل غايته أن تتشكل الحكومة من الذين يتفقون معه في الرأي والاتجاه وممن يؤمنون بعبقريته وكتابته وهذا ما يؤكد عدم إيمان [[علي ماهر]] بالحياة النيابية السليمة حيث كان يعتقد أن القصر هو المصدر الفعلي لكل السلطات وأن أى حاكم مصري يفتقد تدعيم القصر له فقد حكم على حكومته بالمضي في طريق وعر لا نهاية له . <br />
<br />
وعلى الرغم من أن المجئ ب[[علي ماهر]] رئيسا للحكومة كان رهنا بموافقة السلطات البريطانية إلا أنه منذ اللحظة الأولي التي باشر فيها سلطاته كرئيس للحكومة عمل على ممارسة سلطاته بعيدا عن النفوذ البريطاني ولعل عدم أخذ رأي السلطات البريطانية في اختيار أعضاء الحكومة ما يؤيد هذا الاعتقاد مما سبب ضيقا شديدا لدي الدوائر البريطانية وعلى حد تعبير الوثائق الأمريكية :" على الرغم من محاولات رئيس الوزراء الاستقلال عن بريطانيا العظمي فلن يمضي وقت طويل حتى تعمق العلاقات وتجاب رغبات بريطانيا في أكثر المسائل أهمية وفي [[سبتمبر]] سنة [[1939]] أعلنت [[الحرب العالمية الثانية]] وأخذ الخوف يتملك المصريين سنة [[1939]] أعلنت [[الحرب العالمية الثانية]] وأخذ الخوف يتملك المصريين لما يدركونه من عجز الجيش عن الدفاع عن البلاد وكذا عدم كفاية القوات البريطانية في [[مصر]] للقيام بهذه المهمة لذلك نلاحظ أن إلحاح المسئولين المصريين أخذ يزداد طلبا لزيادة القوات البريطانية في [[مصر]] – أى على العكس تماما مما قد يتبادر إلى الذهن- ولعل هذا التغيير في نظر المسئولين المصريين إلى القوات البريطانية في [[مصر]] يعد أبرز ما حمله التهديد الغاشي بقيام [[الحرب العالمية الثانية]] وبدت العيون البريطانية في [[مصر]] ساهرة ترقب تطور الأحداث وتسجل كل نبضة من نبضات الشارع المصري في حذر واهتمام شديدين .<br />
<br />
وأدركت [[السياسة]] البريطانية أهمية حاجة [[مصر]] إلى الدفاع عن نفسها ولذا فقد بادرت الحكومة البريطانية بالإعلان عن إمداد [[مصر]] بالقوات البرية والبحرية والجوية اللازمة لضمان سلامة البلاد وتشير الوثائق الأمريكية أيضا إلى أن رئيس الوزراء المصري قد اضطر أمام تلك التطورات الخطيرة إلى أن يقطع على نفسه عهدا بأن [[مصر]] سوف تقوم بكل دقة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الحليفة .<br />
<br />
وهكذا بدت [[معاهدة 1936]] محك اختبار عملي أمام السلطات البريطانية وأدركت السلطات المصرية حجم المسئولية الكبيرة التي فرضتها [[معاهدة 1936]] واجتمع البرلمان المصري في جلسة سرية – 12 [[يونيه]] [[1939]]م – حيث أفضي رئيس لحكومة ببيان عن سياسة حكومته وخلاصته تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب مع التزامها بما ورد في نصوص [[معاهدة 1936]] وكان دخول ايطاليا الحرب بجانب ألمانيا من أهم العوامل التي أقنعت السلطات البريطانية بأن وزارة [[علي ماهر]] ليست هي الوزارة المطلوبة وقد يكون هذا راجعا إلى العلاقات الوطيدة التي تربط القصر بالجالية الايطالية وبالتالي فإن ولاء [[علي ماهر]] للقصر ليس موضع شك ولذا نسبت السلطات البريطانية إلى القصر وإلى [[علي ماهر]] ما يؤكد بأن لهما ميولا محورية نحو ايطاليا .<br />
<br />
وفي محاولة من [[علي ماهر]] لتبديد مخاطر تلك الاتهامات فقد بعث بعدة رسائل إلى [[حسن نشأت]] السفير المصري في لندن لإبلاغها إلى الحكومة البريطانية يبرز فيها موقفه مؤكدا على أن السفير البريطاني في [[القاهرة]] لا يراعي المصالح المصرية وأنه يتخذ منه موقفا شخصيا يتعارض تمام مع العلاقات الوطيدة التي تربط [[مصر]] بالحليفة .<br />
<br />
إلا أن محاولة [[علي ماهر]] واتصاله بالحكومة البريطانية لم تثمر الثمرة المرجوة ولم تلبث الحكومة المصرية قد خالفت المادة الخامسة من [[معاهدة 1936]] وأن بقاء فاروق ملكا على [[مصر]] مرهون بتنفيذ كل المطالب البريطانية التي تتفق مع روح المعاهدة . وأدرك [[الملك فاروق]] ومن ورائه الحكومة المصرية ثقل التبعة التي ألقتها [[معاهدة 1936]]على كاهل الشعب المصري ومن هنا فقد دخلت العلاقات المصرية البريطانية دورا جديدا وخطيرا يتنافي تماما مع بنود المعاهدة وهذا مما يضاعف من اعتقادنا بأن [[معاهدة 1936]] لم تكن إلا لعبة سياسية قصد من ورائها ما هو أبعد خطرا من نصوص المعاهدة ذاتها .<br />
<br />
==الفصل الأول : جذور [[حادث 4 فبراير]] [[1942]]==<br />
<br />
===سياسة تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب ===<br />
<br />
لقد شبت [[الحرب العالمية الثانية]] في [[سبتمبر]] سنة [[1939]] على أثر اجتياح الجيش الألماني حدود بولندا في أول [[سبتمبر]] من تلك السنة وفي 3 [[سبتمبر]] أعلنت انجلترا وفرنسا الحرب على ألمانيا بعد أن رفضت سحب قواتها من الأراضي البولندية وفي مساء أول [[سبتمبر]] الذي شهد الهجوم النازي على بولندا قابل السفير البريطاني '''(''' سير لامبسون ''')''' رئيس الوزراء المصري '''(''' [[علي ماهر]] باشا ''')''' وطلب إليه اتخاذ الخطوات لتطبيق المادة السابعة من [[معاهدة 1936]] .<br />
<br />
وفي الحال قطعت [[مصر]] علاقتها الدبلوماسية مع ألمانيا واتخذت كل الإجراءات التي نصت عليها معاهدة التحالف حيث أعلنت حالة الطوارئ وفرضت الرقابة على جميع دور النشر وأيضا فرضت مجموعة من القيود العسكرية والاقتصادية وتم تعيين [[علي ماهر]] حاكما عسكريا وقسمت البلاد إلى أربع مناطق عسكرية ووضعت جميع المواني والمطارات تحت تصرف بريطانيا وتم القبض على الرعايا الألمان كما تم الاستيلاء على أملاكهم .<br />
<br />
ومن أجل أحكام السيطرة على كل المرافق المصري فقد أغلقت [[قناة السويس]] في وجه السفن المعادية ولم يلبث المرور أن أصبح قاصرا فيها على سفن الحلفاء مما ترتب عليه أن السفن المحايدة لم يسمح لها أحيانا بالمرور .<br />
<br />
وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات فإن السفير البريطاني طالب [[مصر]] بضرورة إعلان الحرب ضد ألمانيا على اعتبار أن فكرة الموقف الوسط بين الحرب والحياد ليست إلا فكرة وهمية وأن موقف الحياد يخلق صعوبات في مواجهة أعمال التخريب والجاسوسية ثم أشار إلى أهمية [[مصر]] ودورها الرائد في العالم العربي ولابد من إعلانها الحرب حتى تكون قدوة لغيرها من الدول العربية وخصوصا [[العراق]] .<br />
<br />
ووجدت الحكومة المصرية نفسها في موقف شديد الخطورة وهل تعلن قيام حالة الحرب بين [[مصر]] وألمانيا وفقا لرغبة بريطانيا أن تتمسك بالحيادة ؟ لقد أثار هذا الموقف العديد من المخاوف التي قدرتها الحكومة المصرية على اعتبار أن ألمانيا لا تقهر وأن تنفيذ رغبة بريطانيا بإعلان الحرب خطير النتائج وخصوصا إذا ما اشتركت ايطاليا في الحرب بجانب ألمانيا لهذا الاعتبار ولعدة اعتبارات أخري ظل [[علي ماهر]] متمسكا بموقفه محاولا قدر طاقته أن يقنع السفير البريطاني بأن [[مصر]] ليست ضد مبدأ دخول الحرب وإنما توقيت إعلان الحرب هو مصدر الخلاف في مجلس الوزراء مسايرة للرأي العام إلى أن يعود الرعايا المصريون الذين كانوا في ألمانيا وقت قيام الحرب وإلى أن يتم التجاء السفن التجارية المصرية التي كانت في عرض البحر إلى مراسي آمنة وكذلك أشار رئيس الوزراء إلى ضرورة نقل لواء من قوات [[فلسطين]] إلى [[مصر]] كما طالب بتزويد [[الجيش المصري]] بالمدافع الحديثة وتسليح الجيش المرابط بالبنادق.<br />
<br />
وعلى الرغم مما أبداه [[علي ماهر]] من استعداد لإجابة كل طلبات بريطانيا ما عدا فكرة دخول الحرب والتي طلب مزيدا من التريث في شأنها إلا أن الحكومة البريطانية تكونت لديها قناعة بأن [[علي ماهر]] ذو ميول محورية وأنه متآمر مراوغ لا يمكن الوثوق به ولعل السفير البريطاني قد بني اعتقاده هذا على ضوء العلاقة الوطيدة التي تربط [[علي ماهر]] بالسفير الايطالي في [[القاهرة]] مما دفع لامبسون إلى الاعتقاد بوجود تفاهم أو اتفاق سري بين [[مصر]] وايطاليا .<br />
<br />
ووفقا لبنود [[معاهدة 1936]] فلم يكن هناك ما يلزم [[مصر]] بدخول الحرب إلى جانب بريطانيا التي اعتبرت أن إعلان الحرب من جانب [[مصر]] يتطابق تماما وروح المعاهدة وعلى الرغم من تمسك الحكومة المصرية بمبدأ عدم إعلان الحرب – إلا أن موارد [[مصر]] وموانيها مطاراتها وكل مرافق الحياة فيها قد وضعت تحت تصرف انجلترا دون أن تكون رسميا في حالة حرب ضد ألمانيا وهكذا ظل وضع [[مصر]] الدولي شاذا إذ أن الفرق العملي الوحيد بين وضع [[مصر]] وحالة الحرب هو أن القوات المسلحة المصرية لم تكن ملزمة بالاشتراك في الحرب ولم تعط لها الأوامر بضرب الأهداف الألمانية .<br />
<br />
ووجد [[علي ماهر]] نفسه في حالة مواجهة مباشرة مع السفير البريطاني الذي أخذ يلاحق [[علي ماهر]] في كل مكان وحاول الأخير – قتلا للوقت أن يطرح أفكارا جديدة إلا أن السفير كان يتعجل القرار ويضغط على رئيس الوزراء المصري بضرورة استصدار قرار الحرب وأمام هذا الضغط المتواصل لمتزايد وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة ب[[الإسكندرية]] مساء 7 [[سبتمبر]] [[1939]] على إعلان حالة الحرب ضد ألمانيا وإنما علق على موافقته على خطاب يبعث به السفير البريطاني إلى ماهر باشا يقول فيه : أن إجراءات إعلان الأحكام العرفية في [[مصر]] وقطع العلاقات مع ألمانيا لم تعد كافية لمواجهة التدابير اللازمة للمحافظة على أمن البلاد وسلامة القوات البريطانية وأن المطلوب هو إعلان قيام حالة الحرب .<br />
<br />
وأدرك السفير البريطاني أبعاد الدبلوماسية التي يمارسها [[علي ماهر]] '''فهو يريد أن يقول : ''' " أن [[مصر]] قد غلبت على أمرها لإعلان الحرب وعلى الرغم من ذلك فقد وافقت الحكومة البريطانية على توجيه الخطاب المشار إليه . إلا أن [[علي ماهر]] قدر حجم المخاطر التي ستحلق ب[[مصر]] من جراء هذا الاتجاه ولشد ما كانت المفاجأة حيث تلقي [[علي ماهر]] برقية من سفير [[مصر]] في لندن '''(''' 7 [[سبتمبر]] ''')''' بأنه قابل مستر بتلر '''(''' وكيل وزارة الخارجية البريطانية ''')''' وأوضح له المزايا التي سوف تترتب على موقف [[مصر]] الحيادي غذ أن ذلك من شأنه أن يسهل ورود السلاح والعتاد من أمريكا إلى الحلفاء عن طريق [[مصر]] , '''وقد عبر [[حسن نشأت]] عن ذلك بقوله : ''' أن مستر بتلر أبدي ارتياحه لتلك الفكرة ووصفها بأنها خطة ذكية وماهرة ووعد بعرضها على لورد " هاليفاكس" وزير الخارجية .<br />
<br />
وقد شعر السفير البريطاني بالمرارة لفشله أمام حكومته في تنفيذ ما سبق أن وعد به [[علي ماهر]] كتابة ومشافهة " دخول الحرب "<br />
<br />
ومن الواضح أن برقية [[حسن نشأت]] '''(''' سفير [[مصر]] في لندن ''')''' إلى [[علي ماهر]] قد أخرجته من الموقف الذي كاد أن ينزلق إليه حيث أخذ يتذرع بأن مصلحة بريطانيا في عدم إعلان [[مصر]] الحرب وأن أعضاء مجلس الوزراء المصري قد غيروا موقفهم على ضوء رسالة [[حسن نشأت]] وأن [[الملك فاروق]] قد اقتنع بفكرة التريث حتى تتبين الحقيقة .<br />
<br />
ولعل برقية [[حسن نشأت]] قد أعطت الفرصة للملك فاروق و[[علي ماهر]] لكي يعيدا مناقشة الأمر بشئ من الهدوء والتروي ولا شك أن [[الملك فاروق]] كان يميل إلى عدم دخول [[مصر]] الحرب ولذا فقد طلب من [[عبد الحميد بدوي]] باشا – رئيس لجنة قضايا الحكومة – إعداد مذكرة قانونية عن موقف [[مصر]] من الصراع الدائر وفقا ل[[معاهدة 1936]] وجاءت مذكرة – رئيس لجنة قضايا الحكومة – لتتفق تماما مع الرأي القائل بأن المعاهدة لا تلزم [[مصر]] بدخول الحرب .<br />
<br />
'''والسؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه في هذا لمجال : هل كان [[علي ماهر]] هو صاحب فكرة أبعاد [[مصر]] عن ميدان الحرب وهي [[السياسة]] التي عرفت " بتجنيب [[مصر]] ويلات الحرب " ؟'''<br />
<br />
:ومن الملاحظ أن غالبية الذين سجلوا هذه الأحداث قد تغافلوا عن دور [[الملك فاروق]] في هذا الصدد مع العلم بان [[علي ماهر]] لم يكن يستطيع أن يصمد أمام ملاحقة السفير البريطاني له لولا أن [[الملك فاروق]] كان يناصر هذه الفكرة ويدعمها من خلال تأكيداته المتسمرة لرئيس وزرائه [[علي ماهر]] ويؤكد أحد المؤرخين أن [[الملك فاروق]] قد أخبر " فيش " المفوض العام للولايات المتحدة الأمريكية في [[القاهرة]] بأن [[علي ماهر]] كان قد وعد انجلترا في مناسبات ثلاثة بإعلان الحرب على ألمانيا ولكنه " فاروق " منعه من القيام بذلك .<br />
<br />
وتشير بعض المصادر قريبة الصلة من القصر الملكي إلى أن [[الملك فاروق]] كان صاحب فكرة تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب إلا أن دور الملك لم يكن واضحا نظرا لأن الاتصالات كانت تتم بين رئيس الوزراء المصري والسفير البريطاني في [[القاهرة]] ومما يؤكد وجهة النظر السابقة أنه في اليوم التالي لإعلان الحرب دعا [[علي ماهر]] مجلس الوزراء للاجتماع وقال لزملائه الوزراء أنه دعاهم لاتفاق حول صيغة قرار إعلان الحرب <br />
ضد ألمانيا '''؟'''... إلا أن [[عبد الرحمن عزام]] " وزير الأوقاف " اعترض على هذا القرار وأخذ يفند الرأي القائل بان معاهدة [[1936]] تلزم [[مصر]] إعلان الحرب وبعد مناقشة طويلة طلب [[عبد الرحمن عزام]] من [[علي ماهر]] أن يترك له هذه المسألة ليسويها مع السفير البريطاني ووافق [[علي ماهر]] وذهب [[عبد الرحمن عزام]] وقابل مايلز لامبسون وناقشه طويلا في نصوص المعاهدة واستطاع أن يقنعه بأن مصلحة بريطانيا نفسها عدم إعلان [[مصر]] الحرب على ألمانيا وهكذا سويت المسألة .<br />
<br />
وعلى الرغم من التناقض الذي بدا واضحا في موقف [[علي ماهر]] بخصوص تلك القضية الهامة إلا أنني أعتقد أن [[علي ماهر]] لم يكن ينوي الزج ب[[مصر]] في الحرب ولم يكن صادقا في وعوده التي قطعها للسفير لبريطاني ولعل مرد ذلك إلى أن [[علي ماهر]] كان صاحب فكرة التعاون مع ألمانيا وكان [[الملك فاروق]] وراء هذا الاتجاه .<br />
<br />
وكان [[علي ماهر]] يحرص على عدم إظهار مشاعره الحقيقية وهي كراهية الانجليز مفضلا الألمان الذين يحققون انتصارات أسطورية على بريطانيا العدو الأول ل[[مصر]].<br />
<br />
وأمام الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات الألمانية في بداية الحرب فإن الحكومة البريطانية طلبت من سفيرها في [[القاهرة]] أن يوقف الضغط على الحكومة المصرية حتى لا تحدث أثرا عكسيا ..<br />
<br />
لقد أعتقد الدوائر السياسية البريطانية بأن المشكلة الحقيقية لم تعد وفاء [[مصر]] بالتزاماتها قبل بريطانيا بقدر ما تمكن في الثقة التي تبددت منذ اللحظة الأولي لقيام الحرب الكبرى وأن ولاء [[علي ماهر]] لبريطانيا لم يعد مثل رصيدا ايجابيا في العلاقات المصرية البريطانية وعلى ضوء ل هذه الاعتبارات كان على الحكومة البريطانية أن تعيد حساباتها من جديد وفقا لمصالحها في المرتبة الأولي .<br />
<br />
'''وأعتقد أننا لسنا بصدد إصدار حكم على مشاعر [[علي ماهر]] الشخصية وإنما يكفينا أن نشرح الأسباب الكامنة وراء [[السياسة]] التي اعتقد [[علي ماهر]] أن عليه أن يتبناها لصالح [[مصر]] : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لم يكن لدي رئيس الوزراء المصري أى سبب يغريه بالانضمام إلى صف الحلفاء حيث تهاوت فرنسا واضطرت إلى عقد اتفاقية هدنة بعد اجتياح اكثر من نصف أراضيها وبعد انهيار الجيوش الفرنسية التي كانت تحتفظ بمكانة قوية منذ [[الحرب العالمية الأولى]] وظهرت ألمانيا بمظهر الدولة التي يستحيل أن تقهر .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد استطاعت الدبلوماسية الايطالية أن تقنع [[علي ماهر]] بأن يظل بعيدا عن الصراع ولم يكن الكونت ما تسوليني سفير ايطاليا في [[القاهرة]] يكف عن التصريح حتى [[يوليو]] سنة [[1940]] بأن بلاده لا تضمر أية نوايا عدوانية تجاه [[مصر]] وتمكنت الدبلوماسية الايطالية أن تكسب غلى جانبها ليس [[علي ماهر]] فقط وإنما [[الملك فاروق]] أيضا في الوقت الذي أعلنت فيه ايطاليا رسميا أنها تنوي أن تجر إلى صراع البلدان المجاورة مثل اليونان و[[تركيا]] و[[مصر]] .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لم يكن [[علي ماهر]] يستند إلى قاعدة حزبية أو جماهيرية وإنما كان دعامته الأولي هو [[الملك فاروق]] في الوقت الذي رمي فيه الملك بكل ثقله في جانب المحور اعتقدا بأن الاعتماد على الحلفاء هو من باب الرهان على جواد خاسر .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لقد كانت الغالبية العظمي من الشعب المصري تميل إلى سياسة تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب لقد أدركت الحكومة البريطانية صدق هذه الحقيقة ولم تشأ أن تصدم مشاعر المصريين بفرض الحرب على شعب لا يميل إليها .<br />
<br />
ولقد أدركت الحكومة البريطانية وفقا لمصادرها في [[القاهرة]] أن [[الملك فاروق]] وراء كل هذه المشاعر المعادية البريطانية ولعل [[الملك فاروق]] في محاولة منه لتقليل من هيبة بريطانيا كان لا يتذرع عن إظهار كراهيته لبريطانيا واعتزازه بألمانيا وقوتها حتى في أحاديثه مع سيفر الولايات المتحدة في [[القاهرة]] فقد عبر عن أمله في هزيمة بريطانيا واتهم الدول التي تقف إلى جانبها بأنها تفتقد الحنكة السياسية لأن الحرب أوشكت على النهاية .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية قد اقتنعت بأهمية عدم إعلان [[مصر]] دخول الحرب إلا أن لامبسون في محاولة منه لكشف جذور الاتجاه الموالي للمحور عاد يقترح من جديد إقالة [[علي ماهر]] إذا لم يعلن الحرب ضد ألمانيا .<br />
<br />
ومن الواضح أن مطلب السفير هذه المرة يعد نوعا من المناورة حتى يتأكد من ميول [[علي ماهر]] يضاف إلى ذلك الخوف من إحراز ألمانيا بعض الانتصارات في المستقبل مما قد يؤدي إلى تردد [[مصر]] في الموافقة على أية إجراءات قد تقدم عليها بريطانيا أى أن بريطانيا إصرارها كانت تريد أن تقطع الطريق على ذلك وتضمن استمرار [[مصر]] إلى جانبها وارتباطها نهائيا بمعسكر الخلفاء وعلى حد تعبير لامبسون أما أن نطفو معا أو نغرق معا . <br />
<br />
وعلى ضوء العديد من البرقيات التي بعث بها لامبسون إلى حكومته والتي أكدت جميعها أن [[الملك فاروق]] شخص لا يؤمن جانبه ومن هنا فقد بدأت [[السياسة]] البريطانية تعيد حساباتها من جديد وخصوصا فيما يتعلق بموقف [[علي ماهر]] والذي يسانده القصر وحملت رسائل لامبسون إلى هاليفاكس " وزير الخارجية" قدرا كبيرا من القلق بسبب تصرفات أعوان القصر – على حد تعبير السفير – '''ويضيف السفير قائلا : ''' يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أننا لا نستطيع أن نتخلص من [[علي ماهر]] دون أن نشهر عصانا في وجه [[الملك فاروق]] لأن ما انتابه من جنون العظمة بالإضافة إلى نفوذ [[علي ماهر]] قد جعله شخصا مكابر يصعب التعامل معه وحين نعتزم اتخاذ إجراء سيكون من الضروري أن نستعمل قدرا كبيرا من العنف وإذا قاومنا بعناد فعليه أن يذهب هو أيضا ولكن يجب علينا في هذه الحالة أن نضع في اعتبارنا اتجاه الرأي العام المصري وموقف الجيش هذا الموقف لا نقدم عليه في الظروف الحاضرة إلا إذا كنا على استعداد لتنفيذه بالقوة وهو أمر يصعب تنفيذه في الوقت الحالي والخلاصة في رأيي هو أن نرخي ل[[علي ماهر]] الحبل حتى يقضي على نفسه وستأتي اللحظة المناسبة لنا حين يزداد الشعور المعادي له إلى الحد الذي يجعل تدخلنا يبدو الشعب أمرا مطلوبا .<br />
<br />
وفي أول [[يونيه]] [[1940]] تمت مقابلة بين الملك والسفير البريطاني وقد أومأ السفير إلى الدعاية الايطالية المتزايدة حول حياد [[مصر]] فوعده الملك بأنه سيتعهد المسألة بمزيد من الاهتمام بل أنه أبلغ السفير أنه '''(''' الملك''')''' أمر بوضع أحد أعمام الملكة فريدة تحت الحراسة نظرا لتشيعه للإيطاليين ولميوله المحورية .<br />
<br />
وعقب إعلان ايطاليا الحرب '''(''' 10 [[يونيه]] [[1940]]''')''' قابل السفير [[علي ماهر]] وأبلغه تطورات الموقف العسكري والغارات الجوية على [[ليبيا]] و[[مصر]] '''وراح يذكره بوعوده السابقة عندما قال : ''' أنه إذا حدث هجوم على [[مصر]] من أى نوع فإن لانجلترا أن تعتمد على أننا سنعلن الحرب ضد الحور وهنا أجاب [[علي ماهر]] : أنه تلقي في الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة ممن يرون أن [[مصر]] وهي لا تملك على حدودها أكثر من خمسة آلاف جندي كسف لها أن تلقي بنفسها إلى التهلكة بإعلان الحرب ؟... الأمر الذي أغضب السفير واعتبره تجاهلا للقوات البريطانية في [[مصر]] وتقديرا خاطئا لعدد [[الجيش المصري]] الذي تعلق عليه حكومة لندن أهمية كبري أملا في معاونته لها .<br />
<br />
وأخذت العلاقات المصرية البريطانية تدخل إلى مرحلة حاسمة حيث أخذ [[علي ماهر]] برفض توجيها الانجليز وخصوصا في بعض المسائل التي تتعلق بأمن بريطانيا من ذلك رفضه أن يكون الحاكم العسكري لمناطق الحدود انجلترا كما قرر سحب القوات المصرية بضعة كيلوا مترات من الحدود الغربية تفاديا من وقوع اصطدام مباشر مع جنود المحور .<br />
<br />
لكل ما سبق ومع تتطور أحداث الحرب في غير صالح الحلفاء اعتقد الانجليز أن [[علي ماهر]] ليس هو الشخص القادر على الاحتفاظ ب[[مصر]] قاعدة صلبة تدعم من جبهة الحلفاء وكان إعلان ايطاليا الحرب بجانب ألمانيا هو الصخرة التي تحطم عليها كل أمل في تعاون الانجليز مع جبهة القصر على الرغم من استجابة [[علي ماهر]] لطبلات السفير حيث أمر باعتقال الايطاليين وشرع في ترحيل وزير ايطاليا المفوض وأعضاء المفوضية والقنصليات الايطالية إلا أن ما أقدم عليه [[علي ماهر]] بشان الرعايا الايطاليين لم يخل من الضجر والضيق وكأنه تنفيذ لأمر أرغم عليه '''وعلى حد تعبير أحد المعاصرين : ''' أن ما أقدمت عليه حكومة [[علي ماهر]] بشأن الرعايا الايطاليين قد بدأ وكأنه إجراء بريطاني تنفذه حكومة لا تملك الخيار.<br />
<br />
وأمام المناورات التي استخدمها [[علي ماهر]] ببراعة شديدة لم تملك حكومة لندن إلا أن تقترح وجوب اتخاذ إجراء سريع ضد [[علي ماهر]] وتري أنه من الأهمية البحث عن وزارة جديدة تكون أكثر تمثيلا للقوي السياسية المختلفة ويكون على رأسها سياسي يقف إلى جانب بريطانيا بولاء ويجب أن يكون الجيش البريطاني يقظا لمواجهة معارضة [[الملك فاروق]] وذلك بتخيره بين الموافقة أو التنازل عن العرش وقد اقترح لامبسون الأمير محمد على ليخلف فاروق فهو موال لبريطانيا ويحظي بقدر لا بأس به من الشعبية ويمكن الاعتماد عليه بدرجة أكثر من غيره .<br />
<br />
وعندما تأكد لامبسون أن [[علي ماهر]] لن يقبل موضوع دخول [[مصر]] الحرب في الوقت الذي كانت ظروف الحرب تشكل ضغطا كبيرا على بريطانيا خصوصا بعد سقوط فرنسا ودخول الحرب بجانب ألمانيا بدأ لامبسون يتذرع بالعديد من المواقف التي تمكنه من تحقيق كل رغباته وفي مقدمتها الإطاحة بعلي ماهر وقد أعلن [[علي ماهر]] في شهادته أثناء نظر قضية مقتل [[أمين عثمان]] أن السفير البريطاني قد طلب منه أن يعتقل الوزير الايطالي في المفوضية وأن يقوم بتفتيشها كما طالبه أن يفتش أمتعة الدبلوماسيين الايطاليين وجيوبهم وقت السفر وألا يسمح لطلياني بالسفر إلا للسفير وموظفي المفوضية '''ويضيف [[علي ماهر]] : ''' لقد كان ردي ''': ''' إذا اعتقلتم أنتم انجلترا الكونت جراندي سفير ايطاليا أعمل المثل أنا في [[مصر]] , وأما التفتيش فاتني أرفضه . ... '''وقلت : ''' وإذا أردتم فتشوا ومن ناحيتي فلن أحتج '''وقلت لهم أيضا: ''' أن هذا التفتيش في الواقع لن يكون لأن الكونت جراندي موضع التكريم في بلادكم فلن أعاملهم أنا إلا بقواعد العرف الدولي والذين يسافرون معه لن احجزهم إلا إذا تبينت موقف المصريين في روما وما يتخذ بشأنهم .<br />
<br />
وأعتقد أن هذا الموقف من على ما هو ينم عن دهاء سياسيا فهو يريد أن تقدم بريطانيا لاتخاذ ما تراه بشأن الايطاليين المقيمين في [[مصر]] حتى يبدو أمام الطليان وكأنه مغلوب على أمره ومن جانب آخر فهو يضمن سلامة الرعايا المصريين المقيمين في ايطاليا .<br />
<br />
وأمام الضغط المتزايد على [[علي ماهر]] فقد أشار عليه [[الملك فاروق]] بنقل القضية – دخول [[مصر]] الحرب – إلى البرلان ليتخذ بشأنها ما يشاء – ويعد قرار البرلمان صدمة أخري للسفير حيث أقر البرلمان وجهة نظر الحكومة بأن المعاهدة لا تلزم [[مصر]] بدخول الحرب وأنها ستكتفي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايطاليا ولن تعلن عليها الحرب '''إلا إذا اعتدت عليها بإحدى الطرق الآتية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' إذا ابتدأت القوات الايطالية بغزو الأراضي المصرية.<br />
<br />
'''ثانيا : ''' إذا ضربت ايطاليا المدن المصرية بالقنابل.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' إذا شنت غارات جوية على مواقع [[الجيش المصري]] . وفي يوم 13 [[يونيه]] 1490 بدأ السفير البريطاني يتبع سياسة جديدة تتفق مع توجيهات الخارحية البريطانية وتحقق نفس الغرض وهو ضرورة الحصول على تعاون [[علي ماهر]] وعدم التنازل عن أى شئ أكثر من نصوص المعاهدة مما جعل لامبسون يقول عنه أن [[علي ماهر]] يتبع سياسة ذات وجهين بين بريطانيا وايطاليا وأنه يعمل على تسهيل الأمور للإيطاليين وأنه يتلاعب بطريقة مقلقة فيما يختص ب[[الجيش المصري]] .<br />
<br />
وأمام تدهور الحلفاء وخصوصا بعد سقوط باريس وتولية بيتان السلطة وطلبه الهدنة أصبح تسليم بريطانيا في نظر الكثيرين مسألة وقت ولعل هذا كان من أهم العوامل التي جعلت السلطات البريطانية في [[مصر]] تعتقد بأن [[علي ماهر]] شخص لا يمكن الاعتماد عليه بل أن السلطات البريطانية بدأت تفقد أعصابها تماما وتطلب ن الخارجية البريطانية صراحة إقالة [[علي ماهر]] بل أن السلطات البريطانية اعتقدت بأن [[علي ماهر]] على علاقة بالمحور وأن هناك اتصالات لاسلكية سرية كانت ترسل إلى وكلاء المحور وسلطاته البريطانية كل الحرص على كتمانه – كما أن هذه المحطات السرية كانت تتلقي من وكلاء المحور وسلطانه الحربية التعليمات عما يجب عمله .<br />
<br />
'''وبدأت السلطات البريطانية تتلقي العديد من التقارير في الفترة من [[يونيه]] [[1940]] وحتى أواخر عام [[1941]] من أقلام مخابراته في [[القاهرة]] و[[تركيا]] و[[لبنان]] وقد جاء فيها : '''<br />
<br />
'''1- ''' أن [[سمير ذو الفقار]] التشريفاتي السابق – واحد أصدقاء [[علي ماهر]] – قد سافر أكثر من مرة إلى [[تركيا]] بحجة التجارة في الجلود والتبغ وأنه اجتمع بسفير ألمانيا في أنقرة عدة مرات وأنه قابل أيضا بعض وكلاء الألمان في [[لبنان]] وأنه لما عاد واجتمع ب[[علي ماهر]] وبعض كبار [[السياسة]] المواليين للقصر .<br />
<br />
'''2-''' أن شوقي الهان , وزير [[تركيا]] المفوض في [[مصر]] قد سافر أكثر من مرة إلى [[تركيا]] بحجة مراجعة حكومته في بعض الشئون بينهما هو في الحقيقة قد سافر موفدا " من سلطات مصرية عليا " للاتصال بالسلطات الألمانية في [[تركيا]] وإبلاغها أخبارا خاصة لكي تبلغها هي بدورها غلى السلطات العليا في برلين .. كانت [[تركيا]] يومئذ أى في عام [[1941]] على الحياد ولكنه كان حيادا مشوبا بالميل لألمانيا وتأييد المحور .<br />
<br />
'''3-''' أن الآنسة " دولوس" الملحقة السياسية بمفوضية أسبانيا في [[القاهرة]] كانت واسطة اتصال بين فريق الكبراء المصريين الموالين للمحور وبين سفارة ألمانيا في مدريد .<br />
<br />
وكان على بريطانيا أن تقطع الشك باليقين أن تبلغ سفيرها في [[القاهرة]] لكي يتصل ب[[الملك فاروق]] ويبلغه الرسالة التالية '''؟''' [[علي ماهر]] يجب أن يخرج من الحكم فورا كما أننا لا نوافق على عودته إلى منصة في القصر لأن التجارب أظهرت أن جوده في ذلك المنصب يجعل فاروق أن يحمي رئيس وزرائه واستسلم للإنذار البريطاني لكن بعد العديد من المحاولات التي بذلها القصر في محاولة منه للإبقاء على [[علي ماهر]] .<br />
<br />
واستمرارا في سياسة كسب الوقت فإن [[الملك فاروق]] قد بعث في الثامن عشر من [[يونيه]] [[1940]] برسالة إلى ملك انجلترا يشكو فيها أسلوب التعسف والتشدد الذي يمارسه السفير البريطاني وفي نفس الوقت أوفد الملك [[أحمد حسنين]] ليقابل السفير ويخبره بأمر تلك الرسالة ويوضح له بأن التعديل الوزاري يتوقف على إجابة ملك انجلترا على تلك الرسالة ولعل مقابلة حسنين باشا للسفير كانت معني الوساطة كي يسمح ل[[علي ماهر]] بالعودة إلى منصبه السابق كرئيس للديوان الملكي مراعاة لكرامة [[الملك فاروق]] بعد أن بات من المستحيل الاحتفاظ به رئيسا للوزارة ولكن السفير رفض ذلك رفضا باتا وأكد في الوقت نفسه أن ليس في نية حكومة لندن التصميم على مطالبة أى حكومة مصرية بإعلان الحرب ولم تكن رسالة [[الملك فاروق]] إلى ملك انجلترا لتحدث أثرا في موقف الحكومة البريطانية فهي المسئولة عن القرار الذي اتخذته وهي السلطة التنفيذية أمام البرلمان وكل مشتغل بالقوانين الدستورية يعلم أن الملك في انجلترا يملك ولا يحكم ولم يأت يوم 22 [[يونيه]] حتى كان السفير البريطاني قد تقلي موافقة حكومته على تنازل [[الملك فاروق]] عن العرش إذا تمسك برئيس وزرائه على أن لا يترك طليقا وإنما يوضع تحت الرقابة الانجليزية حتى لا يلجأ إلى ايطاليا أو ألمانيا ليطالب بعرشه ولعل بريطانيا تبريرا منها لما سوف تقدم عليه من إجراءات عنيفة فقد اتخذت المادة الخامسة من المعاهدة كذريعة على اعتبار أن تلك المادة تقضي بتعهد [[مصر]] أن لا تتخذ في علاقاته مع الدول الأجنبية موقفا يتعارض مع المعاهدة .<br />
<br />
وأخذ [[الملك فاروق]] يفكر في من عسي سكون الرجل الذي يعهد إليه بتأليف الوزارة وكان طبيعيا أن يكون هذا الرجل موضع ثقة السفير البريطاني ومن الأفضل أن تكون وزارة وفدية أو تحظي بتأييد [[الوفد]] على الأقل حيث تكون قادرة على التعاون مع بريطانيا إلى حد أن تقبل أن " تطفو معنا أو تغرق معنا " كما قال لامبسون .<br />
<br />
واستقر الرأي أخير على [[حسن صبري]] باشا لكي يؤلف الوزارة الجديدة '''(''' 28 [[يونيه]] [[1940]]''')''' وشهدت قاعات مجلس النواب والشيوخ <br />
العديد من الأسئلة عن الظروف والملابسات التي أحاطت بإقالة الوزارة وحمل الأعضاء على بريطانيا لتدخلها في مسائل تعد من صميم [[السياسة]] المصرية وأصدر المجلس بيانا يستنكر فيه ما حدث من اعتداء على رئيس الوزراء .<br />
<br />
'''والسؤال الذي يظل قائما : هل كانت هناك علاقة بين المحور و[[علي ماهر]] دفعت بريطانيا إلى هذا الموقف ؟'''<br />
<br />
:من المقطوع به أن الخلاف بين انجلترا و[[علي ماهر]] كان السبب في استقالته وهو خلاف قائم على التشكك وفقدان الثقة من الجانب البريطاني في [[علي ماهر]] اعتقاد بأنه على علاقة بالمحور وهذا واضح من خلال وثائق وزارة الخارجية البريطانية ووفقا لما ذكره الدكتور هيكل فإن بريطانيا وجهت إلى [[الملك فاروق]] تبليغا بأن حكومته لا تقف منها موقف الصديق وأنها في ريب من نواياها .<br />
<br />
ولقد أكدت السلطات البريطانية أنها اكتشفت من بين الوثائق الألمانية التي عثر عليها أن [[علي ماهر]] كان يتلقي مساعدات من المحور عن طريق بنك درسدنر , وعلى الرغم مما تشير إليه الوثائق البريطانية من أن [[علي ماهر]] يعمل لحساب الألمان إلا أن مثل هذه الاتهامات لا يمكن أن نقبلها على أنها حقيقة مجردة وخصوصا إذا ما تضاربت المصادر البريطانية في هذا الصدد فإن اللورد ويلسون القائد العسكري لمنطقة البحر المتوسط يقول تعقيبا على هذا : أنه لما يدعو إلى الدهشة أن المعلومات التي وصلت إلى المحور من [[مصر]] كانت ضئيلة القيمة ولا أعرف حالة واحدة تضمنت معلومات عن تحركاتنا أو عملياتنا العسكرية تسربت إلى العدو في الوقت المناسب الذي يتيح له استخدام تلك المعلومات لمواجهتنا وهذا يعد دليلا لا على وجود علاقة من نوع ما بين وزارة [[علي ماهر]] والمحور بالضرورة لكنه ينهض دليلا على مبالغة الحلفاء وقت الحرب ومؤشرا على أن [[علي ماهر]] لم يعد موضع ثقة الحلفاء وقد تعمق هذا الانطباع لدي السفير البريطاني نتيجة تعامله مع [[علي ماهر]] ولم تعد قضية وفاء [[مصر]] بالتزاماتها تجاه المعاهدة هي الأساس وإنما أصبحت الثقة في ولاء [[علي ماهر]] للحليفة ومدي استجابته للمطالب البريطانية بعيدا عن نصوص المعاهدة ولما كنت تلك الثقة قد أصبحت معدومة ولذا فإنني أعتقد أن [[علي ماهر]] لم يكن جاسوسا ألمانيا بقدر ما كان سياسيا مصريا حاول أن يستغل لعبة الأمم وصراعاتها في تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلال وكما أوضحنا من قبل فلم يكن هناك أى سبب يشجع [[علي ماهر]] لكي يلقي بكل ثقله تجاه بريطانيا التي كانت على وشك التسليم .<br />
<br />
وتشير الكثير من المصادر الهامة عن وجود اتصالات بين فاروق والمحور حيث كشفت الوثائق الألمانية عن جوانب متعددة من تلك الاتصالات حيث يشير المؤرخ " لوكازهيرزوير " إلى تلك الاتصالات من خلال الوثائق الألمانية والتي اعتمد عليها حيث أن القائم بالأعمال المصري في بون – عسل بك – والبرنس [[محمد إبراهيم]], والقنصل المصري العلم في استنبول '''('''[[حافظ عمرو]] ''')''' والسفير المصري في طهران – يوسف ذو الفقار – صهر [[الملك فاروق]] وآخرين اتصلوا بالبيئات الدبلوماسية الألمانية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر وكانت أهم تلك الاتصالات المحادثات التي أجراها ذو الفقار باشا الذي اتصل في طهران باسم [[الملك فاروق]] شخصيا وبتعليمات خاصة منه وعبر عن عطف فاروق على هتلر واحترامه له ولألمانيا وعن أطيب تمنياته بالانتصار على بريطانيا وان [[الملك فاروق]] وشعبه يودان مشاهدة قوات التحرير الألمانية في [[مصر]] في أسرع وقت ممكن وأن المصريين واثقون من أن الألمان قد أتوا كمحررين لا كطغاة جدد .<br />
<br />
ولا شك أن تلك الميول المحورية من جانب [[الملك فاروق]] لم تكن إيمانا منه بنزعات فاشية أو نازية وإنما كانت بسبب تطور الموقف العسكري في أوربا وانهيار فرنسا مما شجع في [[مصر]] الميول التي كانت تتعاطف مع المحور شعبية كانت أم رسمية لا على اعتبار أن المحور صادق النية فيما يتعلق باحترام السيادة المصرية واستقلال دول منطقة الشرق الأوسط ولكن على اعتبار أنه لن يكون احتلال أسوأ من الاحتلال البريطاني أو الفرنسي والذي عانت منه شعوب المنطقة سنوات طويلة هذا من ناحية ومن ناحية أخري كان هذا الميل يحمل في طياته دوافع التشفي نحو حليف أكرهت [[مصر]] على محالفته ضد رغبة شعبها كما أنه كان يتضمن في الوقت نفسه معني الإعجاب بالعسكرية الألمانية التي لا تقهر من جانب بعض قطاعات الرأي العام المصري وقادته بل وحتى [[الملك فاروق]] ذاته ولعل [[الملك فاروق]] كان يهدف من وراء اتصالاته بالمحور أن يستغل هذا التناقض الدولي القائم إلا أنه لم يستطع أن يحقق أية فائدة سواء لعرشه أو لبلاده بل على العكس فقد عرش عرشه للخطر في 4 [[فبراير]] [[1942]] وكادت الأمور أن تتطور إلى ما هو أسوا من الاحتلال وهو أن تحكم بريطانيا [[مصر]] حكما مباشرا وبقدر ما حرص [[الملك فاروق]] على التقرب من هتلر بقدر ما حرصت المخابرات الألمانية على تبديد أية مخاوف قد تساور [[الملك فاروق]] ووفقا لهذه [[السياسة]] التي نسجت خيوطها المخابرات الألمانية فقد تلقي [[الملك فاروق]] مذكرة عن طريق السفير المصري في طهران '''(''' 30 [[أبريل]] [[1941]] ''')''' يؤكد فيها هتلر بأن الحرب ليست موجهة ضد [[مصر]] أو اى بلد عربي وإنما ضد انجلتا وحدها وجاء في المذكرة أن دولتي المحور تريدان طرد بريطانيا من أوربا والشرق الأدنى إلى غير رجعة وإقامة نظام جديد يقوم على مبدأ المصالح المشروعة لكل الشعوب وأكدت المذكرة أيضا على أن ألمانيا ليست لها أطماع إقليمية في البلدان العربية على حين أن هتلر وموسليني يرغبان في أن يتحقق استقلال [[مصر]] وكل الأقطار العربية .<br />
<br />
وفي 29 [[يونيو]] [[1941]] أى بعد فشل الهجوم الانجليزي الذي شنه الجنرال " ويفل ط على الحدود المصرية الليبية أرسل فاروق برقية إلى السفير المصري في طهران ليبلغ السفير الألماني أن لدي فاروق معلومات تؤكد بأن الانجليز سيحتلون مناطق البترول الإيرانية لكي يحموها من الهجوم الألماني المحتل من ناحية روسيا .<br />
<br />
إلا أن فاروق قد تملكه القلق والانزعاج بسبب ما وصل إلى علمه من اتصالات كانت تجربها المخابرات الألمانية مع خديوي [[مصر]] السابق [[عباس حلمي]] والذي كان صديقا قديما لألمانيا وكانت له ادعاءات في عرض [[مصر]] منذ خلعه الانجليز في أوائل [[الحرب العالمية الأولى]] وعلى الرغم من أنه قد تنازل عن عرش [[مصر]] وأصدر بيانا بهذا الخصوص '''(''' 12 [[مايو]] [[1931]] ''')''' إلا أنه قد أوضح فيما بعد أنه يطالب بالعرش لابنه ''')'''.<br />
<br />
ويبدو أن اتصالات [[عباس حلمي]] بالألمان قد أثارت قلقل في الدوائر الملكية المصرية مما جعل [[الملك فاروق]] يكتب إلى هتلر – عن طريق السفارة البلغارية في [[القاهرة]] – يحثه على قطع العلاقات الألمانية مع عباس حلمي وبالفعل فقد توقفت تلك الاتصالات كما قررت الحكومة الايطالية أيضا قطع اتصالاتها بخديوي [[مصر]] السابق [[عباس حلمي]] إرضاء للملك فاروق .<br />
<br />
وأعتقد أن [[الملك فاروق]] لم يكن وحده الذي يميل إلى ألمانيا وإنما كانت الأغلبية العظمي من المصريين يميلون إلى نفس الاتجاه ولعل ذلك يرجع إلى عدة اعتبارات فقد كان أول من اكتشف فيروس البلهارسيا عالم ألماني وكان هذا المرض من الأمراض المنتشرة في [[مصر]] وكان أول من اكتشف معابد أبي سنبل عالم أثار ألماني ثم كانت هناك تلك الثقة التي تتمتع بها الآلات الألمانية بشكل واضح وكان العرب عموما معجبين بألمانيا بسبب انضباطها وقوتها والطريقة التي بنت بها كيان وحدتها من مجموعة من الدويلات ذات لغة مشتركة وتراث مشترك ولكنها كانت عديمة القوة إلى أن التحمت أواصرها وانصهرت في بوتقة الوحدة الجرمانية وعندما كان العرب '''(''' وما يزالون ''')''' يتدارسون تحقيق وحدتهم كان بعضها يتطلع إلى ألمانيا على اعتبار أنها قدوة يمكن الاحتذاء بها .<br />
<br />
وعلى ضوء المعني السابق فقد اتهمت السلطات المصرية بأنها صنيعة للمحور في شخص ملكها – على الرغم من أن تلك التهمة لا تحمل قدرات من الحقيقة فالواقع أن [[مصر]] وألمانيا وجدتا نفسيهما تحاربان عدوا واحدا الأمر الذي خلق نوعا من الترابط بينهما ليس القصد منه خدمة ألمانيا وإنما قصد من هذا الترابط حصول [[مصر]] على استقلالها ولعل فاروق في محاولة الاتصال بالألمان كان يهدف إلى أن يحصل على وعد من هتلر بأن يمنح الألمان [[مصر]] الاستقلال إذا انتصر المحور في الحرب .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن المحور قد علن في العديد من المناسبات أنه لا يضمر أى نوايا عدوانية نحو [[مصر]] أو غيرها من الأقطار العربية وبينما الاتصالات قائمة بين [[الملك فاروق]] وهتلر لنفس لفرض فإن الوثائق الألمانية والتي اعتمد عليها أحد المؤرخين المعاصرين تشير إلى ما يسمي بتقسيم التركة – عقب انتصار المحور – حيث أرادت ايطاليا أن تحصل من هتلر على وعد بأن تكون [[مصر]] من نصيبها في نطاق السيطرة الايطالية على ساحل شمال أفريقيا وعلى الرغم من أن هتلر قد قطع على نفسه وعدا بذلك إلا أنها كانت خطة تكتيكية بهدف البقاء على جبهة التضامن متماسكة .<br />
<br />
ويبدو أن المخابرات البريطانية كانت متيقظة تماما لكل ما يحدث في [[مصر]] وتجمعت تقارير المخابرات البريطانية وتقارير السفير البريطانية في [[مصر]] وتقارير عملاء بريطانيا سواء في [[مصر]] أو في البلدان التي تمت فيها الاتصالات بين المحور وفاروق وأجمعت كلها على أن فاروقا يلعب لعبة خطيرة ولابد من توجيه لطمة لشخص الملك الشاب المتهور حتى يعود إلى حظيرة [[السياسة]] البريطانية.<br />
<br />
وقبل أن ننتهي من دراسة بعض المواقف التي هيأت ل[[حادث 4 فبراير]] يجدر بنا أن نسجل ملاحظة هامة : لقد كان في مقدور السلطات البريطانية أن تقدر نشاط القصر لا على أنه خيانة لقضية بريطانيا وحلفائها نما على أنه إخلاص لقضية [[مصر]] واستقلالها وأن هؤلاء المصريين ذوي النشاط المحوري لا يحبون المحور لذاته ولا يكرهون الانجليز لذاتهم أيضا , ولكنهم كانوا يعملون لتحقيق ما يعتقدون بإخلاص أنه في مصلحة [[مصر]] ولقد كانت الدول المحايدة أو معظمها تؤمن إيمانا راسخا بأن النصر للمحور وأن الهزيمة ستلحق ببريطانيا .<br />
<br />
ولم تكن هناك إذن خيانة لقضية الديمقراطية وإنما كان هناك إخلاص لقضية [[مصر]] وحرص على تحقيق أمانيها في السيادة والاستقلال ولعل البريطاني الوحيد الذي فهم هذا المعني وقدره هو الجنرال ويلسون حيث عبر عن النشاط المصري والذي يطلق عليه " محوري" بأنه نشاط بين ولاءين بين ولاء الساسة المصريين لقضية بلادهم والعمل على استقلالها وبين ولائهم لقضية الحلفاء والديمقراطية .<br />
<br />
===بريطانيا تستنفذ أغراضها من وزارتي [[حسن صبري]] و[[حسين سري]]=== <br />
<br />
===='''أولا : ''' وزارة [[حسن صبري]] '''(''' [[يونيه]] – [[نوفمبر]] [[1940]]''')'''==== <br />
<br />
لم يجد [[الملك فاروق]] بدأ من الخضوع للتهديدات البريطانية الموافقة على إقالة حكومة [[علي ماهر]] ورغبة من فاروق في تدارك الموقف حفاظ على عرشه استدعي عددا من الساسة القدامى وزعماء الأحزاب إلى قصر عابدين للتشاور في الأمر , وقد رأي المجتمعون وفي مقدمتهم [[أحمد ماهر]] أنه من الخير أن تستقيل الوزارة بعد أن انعدمت الثقة بينها وبين الحكومة البريطانية ومعني بعد أن انعدمت الثقة بينها وبين الحكومة البريطانية ومعني ذلك هو الإذعان للتبليغ البريطاني وفي مساء '''(''' 22 [[يونيه]] [[1940]]''')''' وكان [[علي ماهر]] قد قدم استقالته ذهب [[أحمد حسنين]] '''(''' أمير القصر ''')''' إلى دار السفارة البريطانية ليبلغ السفير موافقة الملك على اعتزال [[علي ماهر]] رياسة الوزارة ولن يعود إلى منصبه في القصر وفي محاولة من [[علي ماهر]] لاستثمار الموقف لصالحه ذهب إلى مجلس الشيوخ وألقي بيانا أوضح فيه أسباب استقالته مؤكدا على أن السلطات البريطانية تقدمت إليه بالعديد من المطالب وأنه استجاب إلى الكثير منها في نطاق معاهدة التحالف الأمر الذي استوجب شكر السلطات البريطانية عليها وأن بعضا من هذه المطالب قد رفضه لمنافاته لاستقلال [[مصر]] .<br />
<br />
ويلاحظ أن [[علي ماهر]] قد لجأ إلى مجلس الشيوخ وليس إلى مجلس النواب الذي يملك وحده إعلان الثقة بالوزارة وذلك خشية المعارضة التي قد يثيرها رئيس مجلس النواب – [[أحمد ماهر]] – بسبب ما أبداه من موافقته على استقالة الحكومة .<br />
<br />
أما المطالب البريطانية بشأن الوزارة الجديدة فقد اتسمت بالتضارب إلى حد كبير حيث كان من رأي الخارجية البريطانية أن تكون وزارة قومية أكثر تمثيلا للقوي السياسية المختلفة بشرط أن يؤيدها [[الوفد]] وتقوم بتنفيذ المعاهدة نصا وروحا وهكذا عاد [[الوفد]] إلى الظهور كقوة مؤثرة على مسرح [[السياسة]] المصرية أم لامبسون فكان يريدها وزارة وفدية خالصة أو يؤيدها [[الوفد]] على الأقل ولا أهمية لكونها قومية أو حزبية بشرط أن " تطفو معنا أو تغرق معنا " على حد تعبيره <br />
واعتقد أن اختبار [[حسن صبري]] لرئاسة الحكومة '''(''' 28 [[يونيه]]''')''' لم يكن استجابة كاملة لرغبات بريطانيا إلا أن الحكومة البريطانية قد اعتبرته حلا وسطا وأكد وزير الخارجية البريطانية هذا المعني في تصريح له في مجلس اللوردات '''إذ قال : ''' " إن علاقة بريطانيا بالوزارة المصرية الحاضرة تدعو إلى أشد الاغتباط وأنه كان يود أن يشترك [[الوفد]] في الحكم .<br />
<br />
'''ولعل واقفه بريطانيا على اختيار [[حسن صبري]] رئيسا للحكومة قد حكمته عدة اعتبارات من بينهما : ''' صداقة [[حسن صبري]] لبريطانيا ورفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا الاشتراك في وزارة قومية وعدم التأكد من ولاء القوات الفرنسية بعد سقوط فرنسا ورغبة الخارجية البريطانية في حسم الأمور مع [[الملك فاروق]] بقدر من اللباقة دون حدوث انفجار .<br />
<br />
وعلى الرغم مما عرف عن [[حسن صبري]] من ميول انجليزية إلا أن زيارته لدار السفارة البريطانية في اليوم الثاني لتوليه منصب رئيس الحكومة كانت تحمل معني كبيرا بأنه يحرص على إرضاء السلطات البريطانية بقدر يمكنه من ممارسة سلطانه كرئيس للوزراء ولذا فقد كانت هذه الزيارة موضع استنكار شديد من بعض أعضاء مجلس الشيوخ المصري .<br />
<br />
ولم يكن من الممكن أن تتبني الوزارة الجديدة سياسة مضادة لسياسة الوزارة السابقة ولذا فقد ألقي [[حسن صبري]] بيانا في مجلس النواب والشيوخ أشار فيه إلى: أن [[مصر]] الحريصة على استقلالها وسلامتها تحرص كذلك على الوفاء بتعهداتها لحليفتها بتطبيق المعاهدة نصا وروحا وفق ما اقره مجلسكم الموقر بجلسة 12 [[يونيه]] [[1940]] وكان معني ذلك هو تمسك وزارة [[حسن صبري]] بمبدأ تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب وعلى الرغم من ذلك فقد قوبل رئيس الوزراء بمعارضة قوية من بعض أعضاء مجلس النواب والشيوخ بسبب الملابسات والظروف التي أحاطت بتشكيل الوزارة على اعتبار أن الوزارة السابقة قد حظيت بثقة البرلمان بمجلسيه '''(''' النواب والشيوخ''')''' قبل أيام معدودات وإقالتها بهذه الطبقة بعد مخالفة صريحة للدستور والذي يقضي بأن الوزارة تستقيل إذا افتقدت ثقة البرلمان وتبقي في مناصبها إذا فازت بهذه الثقة ... '''وتساءل أحد أعضاء مجلس الشيوخ : ''' فمن أى ناحية إذن جاءت هذه الاستقالة ؟ '''وأجاب الشيخ [[عبد الرحمن الرافعي]] : ''' أن أمر الإقالة جاء من ناحية التدخل السافر في شئون البلاد ولذا فإن الملابسات التي أحاطت بتشكيل الوزارة الحالية واستقالة الوزارة السابقة يدعونا إلى الامتناع عن تأييد تلك الوزارة .<br />
<br />
ويلاحظ وفقا للعديد من المصادر الهامة أن بريطانيا بدأت تعمل على إرضاء [[الوفد]] وضح هذا من خلال الوزارة الجديدة وحث [[الملك فاروق]] <br />
على أخذ رأي [[الوفد]] على اعتبار أن أية حكومة لا تحظي برضاء [[الوفد]] فلن تنال قدرا كبيرا من الأهلية التي تمكنها من الاستمرار ولذا فإننا نعتقد أن موقف [[الوفد]] وامتناعه عن تأييد هذه الحكومة على اعتبار أنها لا تحوز ثقة البلاد يعد صدمة لبريطانيا ومؤشرا واضحا إلى تلك [[السياسة]] التي أوصلت العلاقات المصرية البريطانية إلى طريق مسدود وقد بدأ هذا واضحا من خلال مقابلة لامبسون لفاروق '''(''' 28 [[يونيه]] [[1940]]''')''' ولذلك فقد سعي [[حسن صبري]] جادا للحصول على تأييد [[الوفد]] تقوية لمركزه .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فان لامبسون كان يهدف من وراء ذلك إلى أن يظل مبدأ التعاون مع [[الوفد]] قائما وبقدر تأزم الموقف الدولي فإن بريطانيا ستعمل على عودة [[الوفد]] في الوقت الذي تري فيه أن الإقدام على تلك الخطوة مسألة تحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة ولذا فقد لفت لامبسون نظر فاروق إلى أن فشل وزارة [[حسن صبري]] ستترتب عليه نتائج خطيرة قد لا يتوقعها وهو يريد بذلك تحذير فاروق من سياسته التي اتبعت أيام وزارة [[علي ماهر]] تلك [[السياسة]] التي يري لامبسون أنها أدت إلى أزمة أفلت فاروق من نتائجها الخطيرة الصعبة .<br />
<br />
وبصدد اختيار [[حسن صبري]] باشا رئيسا للوزراء وعدم الأخذ بنصيحة لامبسون بإسناد رئاسة الحكومة إلى [[الوفد]] أو وزارة يؤيدها [[الوفد]] يتحدث [[أحمد حسنين]] باشا رئيس الديوان الملكي والمستشار الأول للملك فاروق – يتحدث عن السبب في اختيار [[حسن صبري]] '''فيقول : ''' " لقد كان رأيي دائما أن [[الوفد]] هو القوة الشعبية الوحيدة في هذا البلد وأنه بهذه الصفة أحق بالحكم من جميع الأحزاب الأخرى وأنا أعتقد أن [[الوفد]] قوة يمكن استغلالها في استخلاص حقوق البلاد من الانجليز ولقد عملت ولا زلت أعمل على إزالة الخلاف بين [[الملك فاروق]] و[[مصطفى النحاس|النحاس]] وهذه الخطوة لابد منها قبل عودة المياه إلى مجاريها – أى قبل عودة [[الوفد]] إلى تولي الحكم – ومن هنا كان رفضي العمل بنصيحة لامبسون – لأن العمل بهذه النصيحة كان معناه أن [[الوفد]] وهو القوة الشعبية الوحيدة " إنما يعود إلى الحكم بإرادة الانجليز وهو أمر ليس في مصلحة البلاد ولا في مصلحة الملك ولا في مصلحة [[الوفد]] نفسه ".<br />
<br />
'''ويضيف [[أحمد حسنين]] قائلا : ''' " ورأيت أن أقوم بمناورة تمويه وتضليل ذرا للرماد في العيون , فطلبت من الملك أن يوفد عبد الوهاب طلعت لمقابلة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في كفر عشما لكي ألفت أنظار السفارة وعيونها إلى حيث يقيم [[مصطفى النحاس|النحاس]] وأصرفها عما يجري في [[القاهرة]] .. وهكذا بينما كان عبد الوهاب طلعت في كفر عشما كنت أنا قد اتصلت ب[[حسن صبري]] وأعضاء وزارته وأعددت المراسيم بتشكيل الوزارة وهكذا فوجئ السفير البريطاني بالأمر الواقع صحيح أن حسن صديق لبريطانيا ولقد اخترناه لهذا السبب كسرا لحدة التحدي فقد كان إغفال نصيحة السفير تحديا منا لا شك فيه "<br />
<br />
ووفقا لهذا الرأي فإن القصر الملكي كان يحاول أن يظهر وكأنه حريص على عودة الأغلبية الشعبية في البلاد وهذا يعطي دلالة خفية على أن إسناد الحكم إلى وزارات الأقلية يعد مخالفة دستورية بحرص القصر على تجاوزها بعودة [[الوفد]] إلى الحكم تحقيقا لمبدأ الشرعية الدستورية إلا أن هذه العودة مشروطة بإيجاد نوع من التفاهم مع [[الوفد]] أى – عودة المياه إلى مجريها – على حد تعبير [[أحمد حسنين]] باشا , وهذه العودة التي يعنيها القصر تتمثل في نوع من التضامن بين القصر و[[الوفد]] وهذا ما لا تسمح به بريطانيا إطلاقا لأنه يعني – من وجهة النظر البريطانية – أن ينضم [[الوفد]] إلى سياسة القصر مما يسبب كثيرا من المشاكل وإعاقة للعديد من المخططات البريطانية .<br />
<br />
وفي الوقت الذي تولت فيه وزارة [[حسن صبري]] الحكم كان الهجوم العنيف الذي سنه الايطاليون في خريف سنة [[1940]] في اتجاه [[الإسكندرية]] وسرعان ما جعل مهمة الوزارة الجديدة بالغة الدقة حيث وصلت القوات الايطالية إلى السلوم في 14 [[سبتمبر]] وعقب ذلك بيومين احتلت سيدي براني ومن جديد نوقشت قضية هامة شغلت الجانب الأساسي في العلاقات المصري البريطانية ابتداء من نشوب الحرب – وهي قضية إعلان الحرب من جانب [[مصر]] على المحور – وتوترت العلاقات مع السعديين والذين كانوا يشكلون أهم المجموعات الحزبية التي تتألف منها الوزارة وبدأ الدكتور [[أحمد ماهر]] في شن حملة سياسية تستهدف أن يكون ل[[مصر]] دورا هاما في الحرب بأن تعلن الحرب على المحور في القوت الذي رأي فيه [[حسن صبري]] وغالبية أعضاء وزارته أن [[مصر]] يجب ألا تعلن الحرب لمجرد اجتياز الايطاليين الحدود عند السلوم لأن القوات المصرية لم تكن ترابط هناك وبين السلوم و[[مرسى مطروح]] مسافة ثلاثمائة كيلو متر لم يحسب من قبل حساب الدفاع عنها ولا مسوغ لأن تعلن [[مصر]] الحرب دفاعا عن هذه المنطقة وهي لا تملك هذا الدفاع ولا تريد أن تجعل من إعلان الحرب مجرد مظاهرة كلامية لا حربا بالفعل وكان من رأي [[حسن صبري]] عدم إعلان الحرب من جانب [[مصر]] ولو بلغ الايطاليون [[القاهرة]] .<br />
<br />
وكان توتر الأعصاب في [[القاهرة]] شديدا وفي دور السينما قوبلت المعلومات التي عملت السلطات البريطانية بعناية على إذاعتها بمظاهرات صاخبة كالموج وكثرت الأخبار المغلوطة وانتشرت الشائعات بأن الحرس الملكي قد دعم بعناصر انجليزية جعلت [[الملك فاروق]] واقعا تحت الرقابة المشددة من السلطات البريطانية .<br />
<br />
وأمام الهزائم المتلاحقة لقوات الحلفاء وتحت تأثير الرأي العام المصري والذي يميل إلى عدم التورط في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل – على حد تعبير الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] – تمسكت حكومة [[حسن صبري]] بموقفها من الحرب على الرغم من انسحاب السعديين من الوزارة إيمانا منهم بأن فشل [[مصر]] في الدفاع عن نفسها إنما يعني الاعتراف بالحماية البريطانية عليها وأجمعت العديد من تقارير السفارة البريطانية على أن مشاعر المصريين لا تميل إلى إعلان الحرب ومن المستحيل إجبار [[مصر]] على اتخاذ قرار الحرب على ضوء اتجاهات الرأي المصري في ذلك الوقت .<br />
<br />
وأمام الإجماع الشعبي على مبدأ عدم دخول الحرب فلقد تجاوزت العديد من الصحف المصرية حدود الرقابة المفروضة عليها ونشرت العديد من المقالات دفاعا عن حق [[مصر]] في تمسكها بالموقف الذي تقف ومصالحها على اعتبار أن ايطاليا في حالة حرب مع انجلترا وليس مع [[مصر]] وأن الهجوم الايطالي يستهدف القوات البريطانية ولم يقصد به العدوان على المدن والقوات المصرية فهي طرف حرب يخوضها طرف محارب ضد طرف محارب آخر فوق أرض طرف ثالث بعيدا عن دائرة الصراع الدائر بين المتحاربين .<br />
<br />
وسري اعتقاد – بالحق أو بالباطل – بان انسحاب القوات البريطانية من السلوم وسيدي براني مرجعه أسباب سياسية وليست عسكرية وأن بريطانيا لم تكن لتقرر أن تجلو عن هاتين المدينتين إلا لكي تجر [[مصر]] وراءها في الحرب وذلك بأن تهيئ لدخول [[مصر]] الحرب سببا معقولا.<br />
وكان على بريطانيا وفقا لما أجمع عليه الشعب المصري من تجيب ويلات الحرب أن تواجه الموقف بدون الاعتماد على [[الجيش المصري]] لكنها ستحاول أن تعطي تفسيرا يزداد صرامة لمواد المعاهدة " [[1936]]"كما أنها لن تردد – عندما يلوح لها أن مصالحها الفعلية في خطر – في أن تتدخل بحزم في الشئون الداخلية ل[[مصر]] ولو اضطرها الأمر إلى استخدام القوة العسكرية وهذا ما حدث في 4 [[فبراير]] [[1942]] م.<br />
<br />
وفي الأسبوع الثاني من [[ديسمبر]] [[1940]] تمكنت القوات البريطانية من إحراز بعض الانتصارات في موقف سيدي براني وأوقفت زحف القوات الايطالية على [[مصر]] ولذا فقد استرد الانجليز بعضا من أنفاسهم المضطربة مما مكن السفير البريطاني من استشارة القادة العسكريين في المنطقة حول دخول [[مصر]] الحرب '''وقد اجمعوا على أن الوقت غير مناسب للأسباب الآتية :- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن وقوف [[مصر]] على الحياد ساعد على تخفيف تعرض [[قناة السويس]] والمواني المصرية للقصف من جانب ايطاليا ... ومن تلك القواعد المصرية يتدفق السلاح والعتاد إلى قوات الحلفاء .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن احتمال هجوم ايطاليا من الجو على الأراضي المصرية ما يزال قائما ولدي الايطاليين في [[ليبيا]] ثلاثة أسراب مقاتلة يتكون كل سرب من 18 طائرة بالإضافة إلى سرب قاذف ناقل وأن هناك حوالي 110,000 آلاف مقاتل بالإضافة إلى وحدات البوليس الحربي .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن اطمئنان القائد العام '''(''' الجنرال ويفل – إلى هدوء الجبهة الخلفية كان عونا له في نجاح معركته الأخيرة .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لقد بدأت الحكومة المصرية تشير إلى بعض مطامعها الإقليمية في [[ليبيا]] كمقابل لإعلانها الحرب بالإضافة إلى رغبتها في أن تمثل في مؤتمر السلام المزمع عقده عقب الحرب .<br />
<br />
'''للأسباب السابقة : ''' رأت الخارجية البريطانية صرف النظر عن هذا الموضوع بصفة مؤقتة لحين انجلاء الموقف الدولي .<br />
<br />
إلا أن لامبسون وجد نفسه يدور في دائرة مفرغة وأن ما يكسبه من ناحية يخسره في ناحية أخري بسبب سياسة القصر , لذلك كتب غلى هاليفاكس شاكيا ما يصادفه من متاعب ومن وضع لا يبعث على الاطمئنان ولكي يمهد الطريق لما قد يطلب اتخاذه من إجراءات شديدة في المستقبل فقال أنه :ط لا يثق مطلقا في تصرفات [[الملك فاروق]] وأن هناك همسات تدور بأن [[الجيش المصري]] قد صدرت إليه الأوامر بمقاومتنا إذا أجبرناه على مقاتلة الايطاليين لذلك فقد اقتربت اللحظة التي علينا فيها أن تكون حازمين مع الحكومة المصرية ومن ورائها السراي حتى ولو وصل الأمر إلى اللجوء باستعمال القوة المسلحة .<br />
<br />
وقد أدرك لامبسون ضعف [[حسن صبري]] في مواجهة السراي لحاجته إلى الاعتماد عليها وهكذا بدأت كل الدلائل تشير إلى أهمية عودة [[الوفد]] كضرورة تحتمها المصالح العليا لبريطانيا ولو استخدمت في ذلك من الوسائل ما يتناقض بصورة واضحة مع المعاهدة المصرية البريطانية .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن [[السياسة]] البريطانية قد لجأت إلى وسيلة أخري كبديل عن قيام القوات المصرية بإعلان الحرب ضد المحور حيث اقترح البريطانيون على الحكومة المصرية أن تبيعهم بعض الأسلحة المصرية خصوصا المعدات الميكانيكية والمدفعية ويشير نفس المصدر إلى أن هذا الاقتراح من الجانب البريطاني كانت تحكمه عدم الثقة في القوات المسلحة المصرية من جانب البريطانيين بالإضافة إلى افتقار القوات البريطانية إلى العديد من الأسلحة وخصوصا بعد الهزائم التي منيت بها في الصحراء الغربية .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن أحد أعضاء مجلس النواب قد تقدم بسؤال إلى رئيس الوزراء حول مدي صدق هذه الدعاية إلا أن الحكومة المصرية قد أعلنت في بيان رسمي عدم صدق هذا الادعاء مما يؤكد على أن بيان الحكومة كان مخالفا للحقيقة ولعل الحكومة البريطانية قد طلبت هذا المطلب من رئيس الوزراء المصري وعلى ما يبدو فإنه قد رفض هذا المطلب بسبب ما قد يتركه من أثر لدي الرأي العام وخصوصا وأن [[حسن صبري]] لا يستند إلى قواعد جماهيرية أو حزبية وهكذا تجمعت العديد من الأسباب التي تؤكد أهمية عودة [[الوفد]] باعتباره الحزب الوحيد الذي يستند إلى جماهيرية تمكن [[السياسة]] البريطانية من تجاوز [[معاهدة 1936]] بحجة أن ضرورات الحرب تقضي بمناصرة الحليفة من منطلق الدفاع عن الديمقراطيات في العالم .<br />
<br />
وانطلاقا من مفهوم أن [[الملك فاروق]] ذو ميول محورية وأنه يكره الانجليز فقد بدأت [[السياسة]] البريطانية تعيد علاقاتها بالقصر وفقا لهذا الاعتقاد في الوقت الذي كانت فيه القوات البريطانية تترنح من الضربات المتكررة التي تتلقاها من قوات المحور ومن المؤكد أن من أولي مهام السفير البريطاني أن يصون ظهر الجيش من أية مفاجأة قد يحدثها الملك ولابد من تهديده والزجر به .<br />
<br />
ووفقا لما اعتقده السفير من أن [[علي ماهر]] يناصر فاروق في عدائه للإنجليز وأنهما يعملان على خلق مناخ مشبع بروح اليأس والهزيمة مما يقلل من هيبة الجيش البريطاني فقد طلب لامبسون إلى [[حسن صبري]] بوصفه السلطة القائمة على تنفيذ الأحكام العرفية أن يعتقل [[علي ماهر]] بحجة أن له نشاطا ضارا بالمجهود الحربي ويعتقد بعض المعاصرين أن السفير لم يقدم دليلا مقنعا ينهض حجة لم طلب مما جعل رئيس الوزراء المصري يلوح باستقالته إذا تشبث السفير بطلبه .<br />
<br />
ولعل لامبسون قد خشي من الضغط على [[حسن صبري]] في هذا الموضوع بسبب ما قد يقدم عليه من أمر استقالته وعلى ما أعتقد فقد كان لامبسون حريصا على أن تبقي وزارة [[حسن صبري]] أطول وقت ممكن حتى يقتنع الرأي العام بعدم جدوي أية وزارة لا تستند إلى قاعدة شعبية وهذا يقف دليل على حجته في عودة [[الوفد]] ومن جانب آخر فلعله خشي أن يظن أنه إنما أراد أن ينتقم من [[علي ماهر]] بسبب التصريح الذي أدلي به عشية استقالته والذي حمل فيه حملة شديدة على لامبسون متهما إياه بالدكتاتورية والاستبداد وأنه يريد أن يكون الحاكم الفعلي ل[[مصر]] وهذا الموقف من [[حسن صبري]] يعتبر موقفا وطنيا يتطابق إلى حد كبير مع مشاعر الرأي العام والشعبية التي حصل علها [[علي ماهر]] بسبب الظروف والملابسات التي أحاطت باستقالته . <br />
<br />
وقد استمر الجانب البريطاني قلقا لضعف رئيس الوزراء وخوفه من الإقدام على تنفيذ المطالب البريطانية ووقوعه إلى حد كبير تحت سيطرة القصر لكن الذي كان يخفف من ذلك القلق هو ثقة الحكومة البريطانية في ولاء [[حسن صبري]] وقد تكرر تعبير الخارجية البريطانية وثقتها في نوايات رئيس الوزراء بل أن [[حسن صبري]] قد أعلن صراحة بأنه يفضل أن يستقيل إذا ما تأكد أنه لم يعد يحظي بثقة أصدقائه الانجليز مؤكدا أن وزارته موالية لهم دون تحفظ .<br />
<br />
وإذا كان السفير البريطاني عملا بفكرة " تقليم أظافر القصر " قد تراجع عن فكرة اعتقال [[علي ماهر]] إلا أنه عاد مطالبا رئيس الوزراء بإبعاد أشخاص بذواتهم من القصر الملكي وفي مقدمتهم عبد الوهاب طلعت وكيل الديوان الملكي بحجة أنه متشبع بسياسة [[علي ماهر]] وكذلك بعض الايطاليين الذين يعملون في وظائف مختلفة بالقصر ورأي [[الملك فاروق]] في هذا المطلب من المساس بذاته ما لا يسمح بالنظر فيه وتدخل [[حسن صبري]] بهدف التغلب على صدام يوشك أن يقع بين الملك والسفير وبعد أيام قلائل صدر الأمر الملكي بتعيين [[أحمد حسنين]] رئيسا للديوان وإعفاء عبد الوهاب طلعت من خدمته داخل القصر وهكذا رضخ فاروق هذه المرة وقبل مبدأ التدخل البريطاني في أمر هو من أخص الأمور التي تدخل في نطاق [[السياسة]] الداخلية مما كان سببا في العديد من التدخلات الأخرى .<br />
<br />
وبينما [[حسن صبري]] يلقي كلمته في البرلمان بمناسبة افتتاح دورة جديدة إذا به يقع على الأرض وقد فارق الحياة '''(''' 14 [[نوفمبر]] [[1940]]''')'''<br />
<br />
====ثانيا : وزارة [[حسين سري]] '''(''' [[نوفمبر]] [[1940]] – [[فبراير]] [[1942]] ''')'''====<br />
<br />
يعتبر تعيين [[حسين سري]] خلفا ل[[حسن صبري]] دبلوماسية ماكرة ابتكرها [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان الملكي ''')''' على اعتبار أن [[حسين سري]] رجل مقبول عند بريطانيا وسوف لا يعترضون على تعيينه ولن يتمسكوا بوجوب قيام وزارة وفدية أى أن اختبار [[حسين سري]] كان تفاديا لحتمية الاصطدام بالانجليز .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[حسين سري]] كان شخصية محببة لدي الانجليز إلا أن [[الملك فاروق]] رأي فيه بعض المميزات التي تقدمه على غيره فهو أولا يكن ولاء لشخص الملك وللأسرة الملكية عموما أى أن ولاءه للبريطانيين يأتي بعد ولائه للملك وهو ثانيا قريب للأسرة المالكة'''(''' خال الملكة فريدة''')''' وهو من هذه الناحية أحرص الناس على حقوق الملك , أما الاعتبار الثالث : فإن [[الوفد]] صاحب الأغلبية الحقيقية مقصي عن الحكم وتعيين رجل مستقل غير حزبي مثل [[حسين سري]] في رئاسة الوزارة قد يخفف ولو قليلا من حدة خصومه [[الوفد]] للقصر.<br />
<br />
ولقد رأي [[أحمد حسنين]] أن مهمة وزارة [[حسين سري]] تعد مؤقتة تمهيدا لعودة [[الوفد]] إلى الحكم بعد أن يقدم [[الوفد]] إلى الملك الترضية الكافية والضمانات اللازمة على عدم تكرار ما فعله [[الوفد]] سنة [[1937]] .<br />
<br />
ومن المؤكد أن وفاة [[حسن صبري]] كانت مفاجأة للإنجليز حالت دون دراسة الموقف دراسة جيدة تمهيدا لإقناع [[الملك فاروق]] بعودة [[الوفد]] والملاحظ أن القوتين المتصارعتين – القصر والانجليز – كانتا ترغبان في عودة [[الوفد]] لكن الاختلاف بينهما كان قائما حول الكيفية التي يعود بها بمعني أن القصر كان يشترط أن يقدم [[الوفد]] الترضية المناسبة للشخص الملك وأن يتعهد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بعدم تكرار محاولة التعدي على الحقوق الملكية وكان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يعلم جيدا حاجة فاروق إلى تضامنه مع [[الوفد]] في وقت بدأت ملامح الصراع تتصاعد إلى الأفق بين القصر والانجليز.<br />
<br />
أما الانجليز فقد كانت حاجاتهم إلى [[الوفد]] تشتد حينما تتأزم الأوضاع العسكرية على الجبهة المصرية اعتقادا منهم أن [[الملك فاروق]] سيطعنهم من الخلف وأن وجود [[الوفد]] هو الضمان الوحيد لكسر شوكة القصر وعلي الرغم من أن الانجليز لم يكن لديهم شروط يفرضونها على [[مصطفى النحاس|النحاس]] مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة إلا أنهم كانوا حريصين جيدا على أن ظهروا أنفسهم في صورة أصحاب الفضل الأول في تلك العودة وهذا ما كان يعيه القصر جيدا ويحرص تماما على عدم تحقيقه .<br />
<br />
وعموما فلقد كان اختيار [[حسين سري]] في وقت أحرز فيه البريطانيون بعضا من انتصاراتهم العسكرية على الجبهة الغربية سببا كافيا لتأجيل عودة [[الوفد]] وقد أبدي لامبسون ارتياحه لاختيار [[حسين سري]] ووصفه بأنه صديق للبريطانيين ورجل على قدر كبير من الناشط والتصميم شئ آخر دعا لامبسون لإبداء ارتياحه لاختيار [[حسين سري]] باشا وهو ما كان يجهر به دائما من أقوال تتسم بالكراهية ل[[علي ماهر]] العدو اللدود آنذاك للبريطانيين .<br />
<br />
وتعتبر الوزارة الجديدة امتدادا للوزارة السابقة من حيث التشكيل ومن حيث [[السياسة]] نحو الحرب فالوزارة الجديدة قد شكلت إلى حد كبير من أعضاء الوزارة السابقة ثم أن رئيسها كان أحد ثلاثة رشحتهم السفارة البريطانية للرئاسة أثناء الأزمة مع القصر حول التخلص من [[علي ماهر]] .<br />
<br />
أما موقف البريطانيين من دخول الحرب فقد قنعوا بالمعونة الجادة التي تقدمها لهم الوزارة المصرية مما دعا لامبسون إلى وضع قضية " إعلان الحرب " جانبا معلنا بأن المستقبل يعتمد إلى حد كبير على طبيعة سير القتال وان أى نجاح عسكري كبير قد يؤدي إلى تغيير جذري في الموقف السياسي المصري أى أن السفير البريطاني قد اقتنع تماما بأن السبب في تردد الحكومة المصرية في إعلان الحرب راجع إلى تردي الحالة العسكرية للقوات البريطانية وليس مرده إلى أن [[معاهدة 1936]] لا تقر مبدأ دخول الحرب .<br />
<br />
ويلاحظ أن ردود الفعل البريطانية بخصوص دخول [[مصر]] الحرب قد اتسمت بالتردد وعدم وضوح الرؤيا ولذا فقد تباينت وجهات النظر البريطانية حول تلك القضية الهامة وكان من الأولي ن تقتنع السلطات البريطانية برغبة [[مصر]] في عدم إعلان الحرب والاكتفاء بما تقدمه [[مصر]] من معونات اقتصادية وسياسية وعسكرية إلا أن هذا التردد قد تفسره المواقف العسكرية المتباينة في الصحراء الغربية فبينما تتقدم قوات المحور تطفو قضية دخول [[مصر]] الحرب على السطح وتحتل المكانة أول في المطالب البريطانية أما في حالة تقدم القوات البريطانية محققة بعضا من الانتصارات فإن القضية تتراجع لتأخذ المرتبة الثابتة في المطالب البريطانية وهكذا .<br />
<br />
وما لبثت وزارة [[حسين سري]] أن واجهت أزمة تموينية حادة نجمت عن الصعوبات التي أحاقت ب[[مصر]] بسبب الحصار الذي فرضته ظروف الحرب مما أدي إلى اضطراب في الحياة الاقتصادية المصرية ورغم ما عرضته بريطانيا من استعدادها لشراء محول القطن المصري ورغم ما بذلته الحكومة من مجهودات للمحافظة على بقاء المعدل الطبيعي للمواد التموينية إلا أن أوجه النقص التي كان لابد منها سواء في المواد التموينية أو غيرها من ضرورات الحياة قد جعل وزارة [[حسين سري]] هدفا لنقد الأحزاب ومحاولة إظهار الحكومة في صورة من العجز وعدم القدرة على استيعاب المرحلة الراهنة .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن القوات البريطانية قد أحرزت بعض الانتصارات في الفترة من [[ديسمبر]] [[1940]] وحتى [[فبراير]] [[1941]] إلا أن القوات الألمانية بقيادة الجنرال روميل قد استطاعت أن تحرز نصرا كبيرا حتى اجتازت حدود [[مصر]] واحتلت السلوم ثم وصلت إلى [[مرسى مطروح]] في الوقت الذي امتدت الحرب لتشمل اليونان ويوغسلافيا وبدأ وكأن انهيار الحلفاء مسألة وقت فقط وفي نفس الوقت كانت ثورة [[العراق]] بقيادة [[رشيد علي الكيلاني]] وفي [[سوريا]] قد حدثت انتفاضات متكررة مما حدا بقوات فرنسا الحرة أن تطلب المساعدة والإمدادات من بريطانيا في الوقت الذي اضطرت فيه بريطانيا إلى احتلال إيران خوفا من أن يمتد الاحتلال الألماني لمنابع البترول الإيرانية .<br />
<br />
وهكذا بدأ واضحا أن بريطانيا تواجه صعوبات بالغة الخطورة ومما لا شك فيه أن كل هذه الأحداث تركت انعكاساتها على الساحة المصرية وخصوصا بعد القبض على [[عزيز المصري]] في محاولة منه لمغادرة [[مصر]] على متن طائرة حربية , وفي [[الإسكندرية]] كانت الغارات الجوية تبث الرعب في نفوس المواطنين مما حدا بأعضاء مجلس النواب المصري إلى مطالبة الحكومة بممارسة مسئوليتها بوضع حد لوقف الاعتداءات على مدينة [[الإسكندرية]] التي يذهب ضحيتها مئات المصريين كل يوم وبلغ توتر الأعصاب في العاصمة مداه ولنقسم الوزراء فيما بينهم مما اضطر الملك إلى دعوة زعماء الأحزاب للالتقاء بهم حيث جرت المباحثات حول الموقف الدولي والاعتداءات المتكررة على مدينة [[الإسكندرية]] وعرض الملك في هذا الاجتماع فكرة تشكيل حكومة قومية برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا الذي اشترط حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة .<br />
<br />
إلا أن هذه المحادثات قد فشلت بسبب مناورات القصر والتي قصد من ورائها نوعا من التمويه على بريطانيا واثبت حسن نية القصر وعدم مسئوليته عن الاضطرابات الكثيرة التي انتشرت في العاصمة وبفشل هذه المحادثات سعي رئيس الوزراء '''(''' [[حسين سري]] ''')''' لى التقارب مع السعديين بالغرم من تعثر هذه المساعي في البداية إلا أنه انتهي أخيرا بتشكيل وزارة جديدة عرفت " بالوزارة السرية الثانية " وغضب [[الوفد]] الذي رأي أن ضم السعديين الأعداء الألداء هو خيانة كبري قام بها القصر في لوقت الذي بدأ فيه البرلمان المصري بمجلسيه '''(''' النواب والشيوخ''')''' في إخراج الحكومة عن طريق العديد من الأسئلة والاستجوابات والتي أظهرت مدي التردي الذي وصلت إليه الأوضاع المصرية وفي محاولة من الحكومة البريطانية لإعادة الاستقرار والطمأنينة إلي نفوس المصريين فقد أوفد وزير خارجية بريطانيا وفدا إلى [[مصر]] برئاسة " أوليفر لتلتلون" مندوب وزارة الحرب بهدف إبلاغ الحكومة المصرية إلى أن بريطانيا مصممة على النصر مهما كانت الوسائل بالإضافة إلى تخفيف عبء المسئوليات التي يضطلع بها رؤساء الأسلحة البريطانية تزويدهم بالإرشادات السياسية العامة وأخيرا التنسيق بين بريطانيا العظمي وأقطار الشرق الأوسط .<br />
<br />
ولعل اختيار [[القاهرة]] بالذات لكي تكون مقرا للوزير البريطاني باعتبارها مركزا وسطا لدول الشرق الأوسط وعلى اعتبار أن [[مصر]] تشهد على جبهتها الغربية أهم معركة يتوقف عليها حسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط .<br />
<br />
وأخذ [[الوفد]] في شن حملة عنيفة على الوزارة الجديدة وعلى الانجليز أيضا بدأها [[مصطفى النحاس|النحاس]] بخبطة عنيفة 14 [[أغسطس]] [[1941]] – اتهم فيها الانجليز بخرق المعاهدة وتحطيم استقلال البلاد.<br />
<br />
في نفس الوقت فإن النكسات المتكررة التي واجهها البريطانيين آنذاك بالإضافة إلى اشتداد الغارات الجوية على المدن المصرية قد أعطي وقودا للحملة ضد الانجليز '''وتحمل تقارير السفير البريطاني مع نهاية [[1941]] صورة كئيبة للأحداث الجارية حيث يقول لامبسون في أحد تقاريره : '''<br />
<br />
" أن هيبتنا قد تدهورت إلى حد كبير و[[الوفد]] يضاعف من حملاته ضد الحكومة المصرية وفاروق يغذي كل هذه الاتجاهات والأحزاب تجد في حملاتها على الحكومة هدفا وطنيا يكسبها قدرا من الشعبية وعودة [[الوفد]] قضية هامة تتعلق بمستقلنا في [[مصر]] "<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن ما يحدث في [[مصر]] من سوء الأحوال وتفاقهم في المشاعر المعادية لبريطانيا مرجعه إلى [[الملك فاروق]] والسفير البريطاني حيث تحول العداء بينهما إلى قضية ثأر فكل منهما يريد أن يقتص من الآخر بطريقته الخاصة .<br />
<br />
ومع نهاية [[1941]] ازدادت المتاعب البريطانية بسبب الارتفاع الملموس في أسعار الحاجيات الضرورية وما صاحبه من اعتقاد بين الرأي العام المصري بأن مرده إلى عمليات النهب التي تمارسها السلطة البريطانية في [[مصر]] لحساب جيوشها والقوات المتحالفة معها وصاحب كل ذلك فشل الحكومة في أن توقف موجة الكراهية ضد بريطانيا وظهرت طبقة من المرابين والمضاربين الذين قاموا بتخزين المؤن أملا في ارتفاع أسعارها وانتشرت السوق السوداء في كل مكان ويلاحظ أن كل الصحف المصرية كانت تشير من طرف خفي إلى مسئولية بريطانيا عن حدوث تلك الأزمات نظرا لاعتماد جيوشها على المواد التموينية المخصصة للشعب المصري ولقد أعلن [[إسماعيل صدقي]] باشا '''(''' رئيس الوزراء السابق''')''' أن وجود قوات الحلفاء هو أحد الأسباب الرئيسية في عجز المواد الغذائية على اعتبار أن الجنود البريطانيين يستهلكون في أجازاتهم بالإضافة إلى يستهلكونه في ثكناتهم ما يقرب من 50,000 أردب شهريا من القمح يصل إلى 60,000 ألف أردب في العام الواحد .<br />
<br />
ولقد أحدث هذا القول دويا واسعا في كل الأوساط الشعبية والرسمية وانتشرت الأقاويل حول النهب البريطاني ل[[مصر]] وعن المجاعة والفوضى وسوء الإدارة وتضاعف موقف الحكومة حرجا حينما تقدم وزير المالية باستقالته لأسباب غامضة '''(''' 2 [[يناير]] [[1942]] ''')''' في الوقت الذي كانت الأحوال العسكرية في الجبهة الغربية تمر بأدق وأخطر مراحلها ومن هنا فقد كان على بريطانيا '''(''' مدفوعة إلى الحفاظ على مصالحها''')''' أن تتدخل تدخلا حاسما لتعيد الأوضاع إلى الاستقرار مهما كان شكل هذا التدخل وكانت عودة [[الوفد]] تمثل حيويا بالنسبة لبريطانيا .<br />
<br />
===تعطش [[الوفد]] إلى الحكم ===<br />
<br />
في أوائل سنة [[1941]] تجمعت عدة عوامل دفعت ب[[الوفد]] إلى اتخاذ سياسة نشطة فيما يختص بالعلاقات المصرية البريطانية لاستغلال الموقف لصالحها فقد عرضت على الحكومة المصرية شاء جانب من المحصول بشعر أقل من السعر المعروض في الأسواق بما يقدر بخمسين في المائة '''('''100''')''' يضاف إلى ذلك تردي الحالة الاقتصادية والمالية وثقل الأعباء التي فرضتها ظروف الحرب وزيادة الضرائب وارتفاع الأسعار مما أثقل كاهل المصريين وخزانة الدولة حينئذ نشط [[الوفد]] لتصدر الصف الوطني مطالبا بريطانيا بتحديد موقفها من بعض القضايا التي تشغل الرأي العام '''وتقدم [[مصطفى النحاس]] بمذكرة باسم [[الوفد]] إلى السفير البريطاني '''(''' أوائل [[أبريل]] سنة [[1940]]''')''' متضمنة عددا من المطالب الآتية :- '''<br />
<br />
'''1-''' جلاء القوات البريطانية عن [[مصر]] بعد انتهاء الحرب.<br />
<br />
'''2-''' اشتراك [[مصر]] اشتراكا فعليا في مفاوضات الصلح .<br />
<br />
'''3-''' الدخول في مفاوضات مع [[مصر]] بعد انتهاء مفاوضات الصلح يعترف فيها بحقوق [[مصر]] كاملة في [[السودان]].<br />
<br />
'''4-''' التنازل عن الأحكام العرفية التي أعلنت بناء على طلب بريطانيا .<br />
<br />
'''5-''' حل مشكلة القطن المصري وذلك بتمكين [[مصر]] من تصديره إلى البلاد المحايدة أو أن تشتريه بريطانيا بالأسعار والشروط المناسبة .<br />
<br />
والملاحظ على مذكرة [[الوفد]] أنها مست مشاعر المصريين جميعا لأنها قد تناولت قضايا غالبية الشعب المصري وبلورت مطالب كل المصريين وأبرزتها ولذا فقد تصدر [[الوفد]] حركة النضال الوطني بعد أن اعتقدت الجموع الغفيرة من المصريين أن [[الوفد]] قد ألقي بأسلحته منذ توقيعه على [[معاهدة 1936]] كان لذلك كله أكبر الأثر على القوي السياسية المختلفة في [[مصر]] ف[[الحزب الوطني]] و[[مصر الفتاة]] قد أيدا موقف [[الوفد]] على اعتبار أن تلك المطالب تمثل الحقوق المشروعة لكافة المصريين على اختلاف اتجاهاتهم الحزبية .<br />
<br />
أما القصر و[[علي ماهر]] والسعديون فقد شككوا في تلك المطالب وأعلنوا اعتراضهم على أساس أنه ما كان يجوز للوفد أن يتقدم بمطالب إلى دولة أجنبيه مدعيا أنه وحده يمثل الشعب إلا أنهم أعلنوا اتفاقهم من حيث المبدأ على هذه المطالب لأنها تتفق ورغبات الشعب المصري .<br />
<br />
أما الدستوريون فقد أعلنوا موافقتهم بلا تحفظ على الرغم من اعتراض زعيمهم [[محمد محمود]] باشا مبديا عدم موافقته متهما [[الوفد]] بالانتهازية واستغلال الفرص واقترح بعض زعماء الحزب إصدار بيان يطابق مطالب [[الوفد]] على اعتبار قومية المطالب التي أعلنها [[الوفد]] .<br />
<br />
ويبدو أن تلك المطالب قد سببت قدرا كبيرا من الإحراج للحكومة المصرية سواء أمام الرأي العام أو أمام بريطانيا ولذا فقد تقدم أحد أعضاء مجلس النواب باستجواب إلى رئيس الحكومة حول موقف الحكومة من مذكرة [[الوفد]] وأعتقد أن هذا الاستجواب كان بإيعاز من الحكومة بهدف أن تستصدر قرارا من مجلس النواب بطرح الثقة بها من جديد على أمل أن تقوي من موقفها سواء أمام الانجليز أو أمام الرأي العام المصري.<br />
<br />
ولما كان نفس الاستجواب معروضا على مجلس الشيوخ للنظر فيه فقد تحدث النائب – عبد الحميد عبد الحق – متهما رئيس الحكومة بأن هدفه من مناقشة الاستجواب في مجلس النواب هو الحصول على أغلبية تؤيد الحكومة حتى تتمكن من مواجهة مجلس الشيوخ والانجليز معا ..<br />
<br />
واعترض احد أعضاء [[الحزب الوطني]] على مناقشة الموضوع باعتباره أمرا غير دستوري '''وتقدم العديد من الناب بعدة اقتراحات وأخيرا وافقت الأغلبية على الاقتراحات التالية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' يعلن المجلس استنكاره لكل عمل فيه محاولة لإقحام دولة أجنبية في شئون البلاد الداخلية ولو كانت تلك الدولة صديقة أو حليفة .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' استنكاره أيضا لمعالجة المسائل المصرية وبخاصة علاقتها بحليفتنا بغير الطريق الدستوري .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' استنكاره أيضا لكل إجراء يقلل من الثقة القوية القائمة بيننا وبين حليفتنا في وقت فيه التعاون والتآزر واجبان لمصلحة البلدين والمجلس يؤيد الحكومة ويعلن ثقته بها .<br />
<br />
وقد علق النائب محمد بهي الدين بركات على قرار المجلس السابق بقوله : افهم أن يستنكر المجلس عملا من أعمال الحكومة أما استنكاره عمل هيئة أو شخص خارج هذا المجلس فلا علاقة له بالأعمال البرلمانية وهكذا تحول الاستجواب من سياسة الحكومة تجاه تصريح [[الوفد]] إلى طلب منح الثقة للحكومة وهو ما كان يقصده [[علي ماهر]] .<br />
<br />
وعلى الرغم من موقف مجلس النواب من مذكرة [[الوفد]] إلا أن [[الوفد]]يين قد هزوا الرأي لعام هزة عنيفة وأيقظوه من سباته ولذا فقد كسبوا جميع الأراضي التي كانوا قد فقدوها عقب توقيع [[معاهدة 1936]] ولما قيل لهم أنكم بهذه القرارات قد كسبتم الرأي العام في [[مصر]] ولكنكم قد تخسرون صداقة الانجليز قالوا وبلسان زعيم وفدي كبير : فقد كسبنا شيئا لم يكن كله موجودا وخسرنا شيئا لم يكن كله مضمونا .<br />
<br />
تشير احدي التقارير الهامة إلى أن طلبة المدارس والجامعات كانوا أكثر قوي الشعب اهتماما بمذكرة [[الوفد]] حيث عقدت العديد من التجمعات الطلابية ودا النقاش حول الأسلوب الأمثل لمعارضة [[الوفد]] في موقفه وهتف الطلبة بسقوط الانجليز وسقوط المعاهدة .<br />
<br />
على أية حال فإن موقف [[الوفد]] بتقديمه تلك المذكرة لم يكن خالصا لوجه الله الوطن وإنما قصد من هذا الموقف إحراج بريطانيا واستغلال الأوضاع العسكرية المتردية على الجبهة الغربية وكذلك سوء الأوضاع الداخلية في [[مصر]] لكي يثبت لبريطانيا أن [[الوفد]] هو القوة الوحيدة القادرة دوما على خدمة الخليفة وخصوصا وقت الشدائد والمهام الصعبة بدليل أن حكومة [[الوفد]] بعد أن ترأست البلاد في 4 [[فبراير]] [[1942]] لم تحاول أن تعيد تلك المطالب وإنما هادنت الاحتلال بصورة لم تشهدها [[مصر]] منذ توقيع المعاهدة .<br />
<br />
ومع أن هذه المذكرة كما يقول أحد المؤرخين تعب بكل تأكيد عن نوع من اليقظة السياسية من جانب [[الوفد]] ألا أنها تعتبر سابقة خطيرة حيث أنها جعلت من – حق أى هيئة سياسية – أن تلجأ إلى السفير الذي يمثل الدولة المحتلة على اعتبار أنه صاحب الرأي النافذ والقول الصائب في كل ما يتعلق بقضايانا القومية والوطنية ومما يضاعف من اعتقادنا بأن [[الوفد]] قد لجأ إلى المناورة بهدف الوصول إلى السلطة أن تلك المذكرة لم تتعرض لمسألة إعلان الحرب على اعتبار أنه لو قالها في مذكرته فقد يغضب جمهرة الشعب وأن هو عارض اشتراك [[مصر]] في الحرب أغضب الانجليز فاختار طريق السلامة ولم يشر في تلك المذكرة إلى تلك المسألة الشائكة بكلمة واحدة وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن بقاء [[الوفد]] بعيدا عن الحكم سيضاعف من مشاكل بريطانيا ومن الأفضل وفقا لرأي السفير الأمريكي أن يعود [[الوفد]] إلى الحكم وإذا لم تعجل بريطانيا بتلك العودة فإن الأمور ستزداد تعقيدا أما عن موقف الحكومة البريطانية من مذكرة [[الوفد]].<br />
<br />
فلقد حمل الرد البريطاني على تلك المذكرة نوعا من الذكاء والبراعة في تحليل المواقف والإحداث حيث عكس الرد فهما أكيدا بأن المذكرة كانت مناورة من جانب [[الوفد]] بهدف إحراج بريطانيا في الظروف الدقيقة ومن جانب آخر فلقد حمل الرد البريطاني نوعا من إحراج [[مصطفى النحاس|النحاس]] بين القوي السياسية والشعبية باعتبار أن هذه المذكرة – تؤدي إلى تدخل بريطانيا في [[السياسة]] الداخلية المصرية .<br />
<br />
ولعل بريطانيا قد قصدت إلى أن تفوت على [[مصطفى النحاس|النحاس]] فرصة الاستفادة من الموقف وكانت مقابلة لامبسون رئيس الوزراء المصري وتسليمه رد الحكومة البريطانية على مذكرة [[الوفد]] مما يؤكد أن بريطانيا قد قصدت إحراج [[الوفد]] أمام الرأي العام المصري وأمام الحكومة المصرية أيضا واعتراف واضح على أن [[الوفد]] لا يمثل الهيئة الرسمية التي تتعامل معها بريطانيا ويمكن القول على وجه العموم أن الرد البريطاني كان سلبيا وأنه في جملته يستند إلى أن مذكرة [[الوفد]] كانت تفتقر إلى العناصر النظامي والسند القانوني وإيمانا من بريطانيا بأهمية العلاقات المستقبلية مع [[الوفد]] فقد نوهت المذكرة البريطانية بأن الحكومة البريطانية يسرها أن يدرك زعماء [[مصر]] حقائق الموقف الدولي الحاضر وخطورة النتائج التي سوف تسفر عنها هذه الحروب القائمة وان الحكومة البريطانية تنتظر من أصدقائها قدرا كبيرا من التعاون والإخلاص في هذه المرحلة الحاسمة .<br />
<br />
ووفقا لما جاء في الرد البريطاني فقد عقدت الهيئة [[الوفد]]ية اجتماعا انتهي بإرسال مذكرة أخري لبريطانيا حرص [[الوفد]] على نفس المطالب التي ذكرها في مذكرته الأولي مبديا أسفه الشديد على تأويل القرارات بما لا يتفق مع م وضعت من أجله بل يناقضه وطالبت الهيئة [[الوفد]]ية بتبليغ هذا الاحتجاج إلى وزير خارجية بريطانيا '''؟'''<br />
<br />
ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد وجد نفسه وقد تورط في تصعيد الموقف بما لا يتفق والهدف الذي كان يقصده لذا فقد زعمت بعض الدوائر السياسية – وهي ليست وفدية – أنه لما اجتمع السفير البريطاني مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] ليتسلم الأخير رد الحكومة البريطانية قال السفير للنحاس باشا أنه يسمح لنفسه كصديق شخصي أن ينصح صديقه بالعدول عن هذا الموقف في الظروف الحاضرة وتزعم نفس الدوائر أيضا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] تمني لو استطاع العدول إلا أن الهيئة [[الوفد]]ية قد قطعت شوطا يصعب التراجع عنه .<br />
<br />
وبصرف النظر عن الدوافع التي كانت وراء هذه المطالب إلا أن [[الوفد]] قد أكد قدرته على الشغب وأحداث قدر كبير من القلق والاضطراب في العلاقات المصرية البريطانية ولا شك فقد انعكس هذا على الشارع المصري الذي تحرص بريطانيا على بقائه هادئا ضمانا لحماية ظهر القوات المحاربة '''وتحمل تقارير لامبسون عن هذه الفترة : ''' أن الأحزاب السياسية تتباري في إظهار وطنيتها حتى تكسب أرضا جديدة على حساب [[الوفد]] في الوقت الذي يتمتع فيه [[الوفد]] بشعبية كاسحة ليس في [[مصر]] وحدها وإنما في العالم العربي كله ومن هنا فقد حرصت الحكومة البريطانية على إرضاء [[الوفد]] باعتباره الحزب الذي يحظي بشعبية كاسحة وأن أبعاده من الحكم لحساب الأحزاب التي تفتقر إلى قاعدة شعبية يتعارض مع مبدأ بريطانيا والتي تعلن دوما أنها تحارب من أجل الديمقراطيات في العالم كله بالإضافة إلى أن عودة [[الوفد]] تعني استقرار الشارع المصري وهو ما تحرص عليه الحكومة البريطانية '''ولذا فقد أعلن لامبسون صراحة : ''' " بأن [[الوفد]] سيظل يمثل عامل شعب واضطراب ومن الأفضل عودته إلى الحكم .<br />
<br />
ووفقا للمصالح البريطانية فقد درس السفير البريطاني الموقف المصري جيدا ووقف على اتجاهات الأحزاب ودسائس القصر واستطلع الرأي العام من كل جوانبه وتأكد من أن عودة [[الوفد]] تعني استقرار الأوضاع المصرية وان التطرف الوطني الذي [[مارس]]ه [[الوفد]] وهو خارج الحكم يختلف تماما عن موقفه وهو في الحكم وفي نفس الوقت فإن [[الوفد]] لم يتردد في إعلان ارتباطه بقضية الديمقراطية مؤكدا على أن [[مصر]] تمد يدها للشعب الحليف '''(''' بريطانيا ''')''' وأن الشرف يقتضي مؤكدا من كل مصري أن يساعد الدولة الحليفة ويشد أزرها وأن تتجنب بوجه عام كل ما يمكن ان يؤخذ على أنه " طعنة في الظهر "<br />
<br />
وما لبث [[الوفد]] أن تناسي مذكرة [[أبريل]] سنة [[1940]] وظل يعلن أن الوقوف بجانب الحليفة هو قضية مبدأ اقتنع بها [[الوفد]] وسيظل يدافع عنها على اعتبار أن [[معاهدة 1936]] تحتم هذا الموقف الأخلاقي وهكذا خففت هذه [[السياسة]] من شكوك السفارة البريطانية كما جعلتها تأخذ في الاعتبار رغبات الشعب المصري والذي يميل إلى عودة [[الوفد]] وهكذا تمكن [[الوفد]] من أن يلعب بمهارة وأن يستغل الموقف البريطاني المتأزم أفضل استغلال ولذا فقد تداركت بريطانيا الموقف على اعتبار أن الحكومة التي لا تملك المساندة البرلمانية لن تستطيع أن تحكم بروح المعاهدة مع الوضع في الاعتبار بأن أى جهد يبذل في هذا الطريق لابد وأن يصطدم بمعارضة القصر ولن تستطيع أى حكومة بدون المساندة العصبية أن تحارب القصر ومعني هذا أن بريطانيا تريد حكومة تحد من نفوذ القصر سواء النفوذ الرسمي أو الشعبي في الوقت الذي كانت فيه وزارة [[حسين سري]] تتعرض لأكبر هجوم شنه [[الوفد]] على اعتبار أن الوزارة قد فشلت تماما في حل أى مشكلة بل تفاقمت المشاكل والحكومة عاجزة عن اتخاذ أى موقف .<br />
<br />
وللحقيقة التاريخية نقول :" أن موقف [[الوفد]] من بريطانيا منذ قيام [[الحرب العالمية الثانية]] كان موقفا غير ثابت على الإطلاق ففي بعض الأحيان يعمد [[الوفد]] إلى أن يلقي بكل ثقله وراء الحليفة لتنتصر الديمقراطية وفي أحيان أخري يكون حرص [[الوفد]] على تحقيق الديمقراطية في العالم بانتصار بريطانيا وفرنسا كما أن موقف [[الوفد]] من الوزارات القومية التي تشترك فيها كل الأحزاب يكون متأرجحا مرة يقبل [[الوفد]] تشكيل تلك الوزارة ومرات أخري يرفضها مرة يمد يده لأحزاب الأقلية ومرات أخير يقبضها .<br />
<br />
وهناك من يقول أن [[الوفد]] كان يقبل بفكرة الوزارة القومية عندما يشعر بضعف موقفه وعندما يكتشف أن الظروف تجري في غير صالحه أو عندما يتعب من البقاء في المعارضة وكان يرفض فكرة الوزارة القومية عندما يري ضعف بريطانيا في أوربا أو على الحدود الغربية .<br />
<br />
إلا أن [[الوفد]] كان حريصا على أن يذكر بريطانيا بين حين وآخر بأن قضية الديمقراطية في [[مصر]] هي جزء من قضية الديمقراطية التي تدافع عنها بريطانيا وتحارب من أجلها في العالم كله مما سبب لبريطانيا كثيرا من المشاكل التي تمثلت في العديد من الاضطرابات والمظاهرات والعديد من مظاهر الاستياء العام .<br />
<br />
ومزيدا من استغلال الموقف فقد تقدم [[الوفد]] – 2 [[يناير]] [[1941]] – بمذكرة إلى لملك فاروق استعرض فيها أثر الحرب على أحوال [[مصر]] الداخلية الخارجية وطالب بإجراء انتخابات لوضع الأمور في نصابها الصحيح من حيث الرجوع إلى الأمة باعتبارها مصدر السلطات انقاذا للبلاد من المصير المجهول .<br />
<br />
'''وأعلنت الهيئة [[الوفد]]ية عدة قرارات كان الهدف منها هو القضاء على الباقية من هيبة الوزارة وتمثلت هذه القرارات فيما يأتي : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن [[الوفد]] لا يرتبط بأية نتائج أو مفاوضات تتخذها الوزارة الحاضرة ويكون فيها مساس بمصير البلاد واستقلالها أو حقوقها وأمنها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' ينسحب حضرات الشيوخ والنواب [[الوفد]]يين من جلسات المجلسين '''(''' النواب والشيوخ ''')''' ولجانبهما إلى يوم 7 [[مايو]] [[1941]] – يوم انتهاء المدة الدستورية لعضوية الشيوخ المقترع على خروجهم – على أن يقدم استجواب أثر عودتهم يطالبون فيه بموقف لحكومة من المخالفات الدستورية التي قامت بها وعلى ضوء ما يسفر عنه هذا الاستجواب يحدد مركز الشيوخ والنواب في المجلسين ومن السهل أن يفسر هذا الموقف من [[الوفد]] على اعتبار أن [[الوفد]]ين يعتبرون أنفسهم موكلين بالنيابة عن الشعب المصري وأن أى التزام من أى حكومة أخري يعتبر من وجهة نظرهم مخالفة صريحة للدستور من هنا نري أن [[الوفد]] لم يكن موضوعيا حيث حصل الحكومة أكثر من طاقاتها مستغلا بعض الأحداث التي هي بلا شك خارج مقدرة الحكومة فمثلا يحمل [[الوفد]] حملة عنيفة على الحكومة بسبب الغارات الجوية التي تقع على مدينة [[الإسكندرية]] ويحمل الحكومة المسئولية كاملة على الرغم من أن [[الوفد]] حينما عاد إلى الحكم في [[فبراير]] سنة [[1942]] لم يستطع أن يفعل شيئا أمام هذه المسألة بالذات بالرغم من أن القصف قد تضاعف وأصبح عدد الضحايا يعدون بالمئات في اليوم الواحد وهكذا عمل [[الوفد]] على الاستفادة من الظروف القائمة بانتهاز الفرص المناسبة التي أوجدتها الحرب ليجعل منها مناورة سياسية تقربه يوما بعد يوم من الحكم .<br />
<br />
وفي الوقت الذي أدركت فيه بريطانيا أهمية عودة [[الوفد]] كان القصر وأعوانه يقومون بسياستهم المعهودة وهي محاولة النيل من سمعة الحلفاء عن طريق الإشاعات التي كانت تتردد ومنها أن الحرب ما هي إلا مشكلة وقت فقط وأن النصر في جانب المحو لا محالة .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فقد كان هناك ما يدعو إلى كثرة الإشاعات وتضخميها وخصوصا فيما يتعلق بمعنويات الجيش البريطاني في [[مصر]] حيث يذكر أحد المعاصرين قائلا :" لقد كانت قيادة الجيش البريطاني في يد الجنرال '''(''' رئتش''')''' والذي كان يدير المعركة بالتليفون تارة من [[القاهرة]] وتارة من [[الإسكندرية]] وإلى جواره صديقته المصرية الحسناء''')''' يضيف صاحب هذه الرواية " لقد اشتري أحد الفلاحين في مركز منيا القمح مدفعا رشاشا من الجنود البريطانيين وأن [[مصطفى أمين]] كان يسير في الشارع بينما أحد الجنود الهنود يدفع أمامه فردتي " كاوتش" للسيارة وقد عرضهما عليه بدولارين اثنين وأن حسين أو أبو الفتح ذكر أن بعض الضباط البريطانيين أبدي استعداده لأن يورد له أى عدد يشاء من سيارات الجيش البريطاني بسعر مائتي جنيه للسيارة الواحدة .<br />
<br />
وعلى الرغم من المبالغة في رواية الرواه إلا أن هذا يعطي مؤشرات أكيدة على أن معنويات الجيش البريطاني كانت هابطة لدرجة كبيرة وخصوصا بعد الانتصارات الكاسحة التي كان يحرزها الألمان على جبهات القتال مما حمل وزير الحربية البريطانية إلى الحضور إلى [[مصر]] وقابل معظم الزعماء المصريين واحدا بعد الآخر وخرج من مقابلاته إلى أن [[الملك فاروق]] هو سبب كل المشاكل في [[مصر]] وبشهادة كل من قابلهم من الزعماء .<br />
<br />
ولقد اقتنعت الحكومة البريطانية بنتيجة واحدة وهي – طرد [[الملك فاروق]] – '''ويضيف السفير البريطاني قائلا : ''' ما دام هذا الغلام جالسا على العرش فإننا لن نلقي تعاونا حقيقيا وسيبقي لدينا الإحساس بأنه متى ساءت الأحوال فإننا سنطعن من الخلف .<br />
<br />
وأمام هذا الكم الهائل من المشاكل أبدي [[حسين سري]] رئيس الوزراء ''')''' عزمه على الاستقالة حيث أعلن صراحة بأن الموقف يقتض قيام وزارة قومية تضم كل الأحزاب ويرأسها [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وأبدي [[الأحرار الدستوريون]] موافقتهم تفاديا لأي خطر يمس سيادة البلاد أبدي [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا موافقته حينما فوتح في الأم بل أنه قبله مسرورا ويضيف [[إبراهيم عبد الهادي]] – عضو مجلس الوزراء – أن السفير البريطاني قد فاتح [[حسين سري]] بضرورة عودة [[الوفد]] وهذا ما يؤكده الدكتور هيكل في مذكراته أيضا .<br />
<br />
واضطراب الجو السياسي عرف الناس حقيقة ما يجري وراء الستار وما أسهل إثارة الاضطرابات والمظاهرات في [[القاهرة]] والتي تنادي بسقوط الوزارة وشجعت أنباء الحرب وتقدم الألمان في أرض [[مصر]] على خلق جو ملائم لعناصر الاضطراب حيث قامت المظاهرات ترفع شعارات عدائية ضد انجلترا وذهب بعضها إلى السفارة البريطانية يسبون الانجليز بألفاظ مهينة – تقدم يا روميل – إلى الأمام يا روميل – ولم يكتفوا بترديدها بالعربية بل كانوا يقولونها بالانجليزية أيضا .<br />
<br />
ومن المرجح أن السفير البريطاني لم يكن خالص النية في معالجة تلك الأزمة ويبدو أنه بإصراره على عودة [[الوفد]] إلى الحكم كان يرمي إلى رد الاعتبار إلى نفسه في نظر حكومته إذ كان وزير الخارجية مستر " ايدن" قد وجه إليه نوعا من اللوم لفشله في الوساطة بين [[الوفد]] والقصر سنة [[1937]] وهي الأزمة التي انتهت بإقالة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في [[ديسمبر]] من نفس العام .<br />
<br />
والعجيب أن تقف وزارة [[حسين سري]] موقفا سلبيا من المظاهرات التي اندلعت لتشمل [[القاهرة]] كلها والحرب قائمة والأحكام العرفية معلنة ولم تحرك ساكنا وكان بإمكانها تفريق هذه المظاهرات وهذا ما لم يحدث مما يجعلنا نشك في أن [[حسين سري]] كان ضليعا في مؤامرة اتفق عليها مع الانجليز حتى يبرروا ما هم مقدمون عليه في مساء 4 [[فبراير]] وتشير مراسلات السفير البريطاني إلى حكومته أثناء تفاقم تلك المظاهرات إلى رغبة السفير في استغلال الموقف والتدخل في الوقت المناسب بهدف عزل الملك وفرض حكومة [[الوفد]] .<br />
<br />
ويضيف أحد المعاصرين في محاولة لإلقاء اللوم على [[الوفد]] باعتباره كان ضليعا في تلك المظاهرات '''فيقول : ''' " أن الجماهير التي كانت تهتف إلى الأمام يا روميل انقلبت لتحيي الوزارة الجديدة وتظهر من الابتهاج بولايتها الحكم ما أثار عجب الأجانب وإعجاب السفير لبريطاني والجالية البريطانية بأسرها فقد دلت مظاهرات الابتهاج هذه على أن للوفد من القدرة على توجيه المظاهرات ما مكنه من أن يقلب المأساة عيدا وأن يحول التيار المتدفق المعادي لانجلترا فيجعله بين عشية وضحاها تيارا متدفقا يظاهر انجلترا ويناصرها .<br />
<br />
والسؤال الذي يفرض نفسه عند معالجتنا لتلك القضية الهامة لماذا وقع اختيار بريطانيا على [[الوفد]] بالذات '''؟'''..<br />
<br />
تؤكد كل المصادر الهامة بما فيها زعماء [[الوفد]] أنفسهم أن [[الملك فاروق]] قد حاول في أواخر حكومة سري الاتصال ب[[الوفد]] بهدف تأليف وزارة ائتلافية أو قومية يرأسها [[مصطفى النحاس|النحاس]] وبالفعل فقد أبدي [[الوفد]] موافقته على الفكرة ورحب بها فإذ كان القصر يحرص على مبدأ التضامن مع [[الوفد]] معني هذا أن كل القوي السياسية في [[مصر]] أصبحت موالية للملك فاروق لأن كل أحزاب الأقلية كانت تدور في فلك القصر – من هنا فقد حرصت بريطانيا على فصم كل رابطة بين [[الوفد]] والقصر فلا يستطيع [[الوفد]] أن يصل إلى الحكم مهما كانت شعبيته إلا بواسطة الانجليز وتضيف الوثائق البريطانية – أن لامبسون قد بذل قدرا كبيرا من الجهد في محاولة لعدم تمكن [[الوفد]] من العودة إلى الحكم عن طريق القصر حتى لا يتحول [[الوفد]] إلى أداة تدور في فلك القصر مما يضاعف من حجم المشاكل التي تواجهها بريطانيا .<br />
<br />
أما بريطانيا فقد كانت تحرص جيدا على عودة [[الوفد]] وبطريقتها الخاصة الأمر الذي يعني ارتباط [[الوفد]] بها وليس بالقصر '''ويبدو أن هذه القضية كانت تحكمها عدة اعتبارات استراتيجية هامة من أهمها:- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' الشعبية الكاسحة التي يتمتع بها [[الوفد]] بخلاف غيره من الأحزاب الأخرى وهذا يؤهل [[الوفد]] للقيام بأدق الأمور وأخطرها اعتقادا بأن أى معارضة لن تكون لها أهمية طالما بقي [[الوفد]] في الحكم .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن التدخل البريطاني بهدف فرض حكومة وفدية سيقطع خط الرجعة بين القصر و[[الوفد]] وهو ما تحرص عليه بريطانيا وفقا لمخططها الاستراتيجي.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن اختيار [[الوفد]] صاحب الأغلبية الكاسحة لتمثيل الدور الذي أعدته بريطانيا لتنقذه في 4 [[فبراير]] لم يكن بهدف المصلحة العامة للوفد بقدر ما كانت تهدف إليه بريطانيا من أن هذا الموقف سيكون بداية النهاية الشعبية الكبيرة التي يحظي بها [[الوفد]] وهذا ما تحقق بالفعل .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لقد كان هذا الاختيار – ومن وجهة النظر البريطانية تدعيما لفكرة الديمقراطية حيث أن عودة [[الوفد]] أمر تقره الديمقراطيات التي تحارب بريطانيا من أجلها كما أن هذا التصرف سيحظي بتأييد حلفاء بريطانيا الذين يحاربون دفاعا عن الديمقراطية .<br />
<br />
وهكذا تجمعت العديد من الأسباب لتخلق ما يسمي ب[[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]]م.<br />
<br />
===قطع العلاقات المصرية مع حكومة فيشي===<br />
<br />
لم تعد حكومة [[حسين سري]] موضع ثقة [[الملك فاروق]] بسبب أزمة حكومة فيشي فقد طلبت بريطانيا من [[حسين سري]] قطع علاقات [[مصر]] بحكومة فيشي التي قامت أثر انهيار الجمهورية الفرنسية الثالثة وتقسيم فرنسا إلى شطرين شطر احتله الألمان وفيه باريس وشطر يخضع لحكومة بيتان وعاصمة فيشي وكان طبيعيا أن تكون حكومة فيشي موالية للمحور وعلى أثر ذلك انقسم الفرنسيون إلى فريقين جماعة ديجول الذي فر إلى لندن ليقود حركة " فرنسا الحرة , وجماعة فرنسية أخري مؤيدة لحكومة فيشي وتتبعها سلطات فرنسية في بعض مناطق الشرق العربي [[سوريا]] و[[لبنان]] – وفي 6 [[يناير]] [[1942]] أقدمت وزارة [[حسين سري]] على قطع العلاقات مع حكومة فيشي بناء على طلب تقدم به السفير البريطاني ولقد ترتب على تعيين الجنرال " كاترو" " مندوبا عاما للجنرال " ديجول" في أواخر [[نوفمبر]] سنة [[1940]] قيام تمثيليين متناقضين لفرنسا في [[مصر]] أحدهما يرأسه جان بوتسي يمثل حكومة فيشي المتعاونة مع ألمانيا وكان على صلة وثيقة بدوائر القصر والآخر يرأسها " كاتور " ويمثل ديجول وتسانده الحكومة البريطانية ومن ثم كان من الطبيعي أن تضغط بريطانيا على حكومة [[حسين سري]] لقطع العلاقات لمصرية مع حكومة فيشي .<br />
<br />
وبناء على رغبة الحكومة البريطانية فقد اجتمع مجلس الوزراء المصري في 5 [[يناير]] سنة [[1942]] لمناقشة قطع العلاقات مع فيشي واعترض [[مصطفى عبد الرازق]] من الدراسة على اعتبار أن أهمية الموضوع تقتضي مزيدا من التأني أما الدكتور هيكل وزير المعارف فقد طلب التريث حرصا على مستقبل الطلاب المصريين الذين يدرسون في فرنسا إلا أن رئيس الوزراء أصر على طرح الموضوع للتصويت ويصف الدكتور هيكل الموقف بقوله " لقد تولتني الدهشة حين رأيت جميع الوزراء يوافقون على قطع لعلاقات مع فيشي وقد امتنعت وامتنع [[مصطفى عبد الرازق]] عن التصويت .<br />
<br />
ومن الواضح أن رئيس الوزراء قد أقدم على هذه الخطوة باتفاق مع السفير البريطاني وباتفاق سابق أيضا مع غالبية أعضاء مجلس الوزراء ولذا فقد أحدث هذا القرار دويا هائلا واندلعت الأزمة لأن القرار السابق قد اتخذ في غيبة [[الملك فاروق]] الذي كان يقوم برحلة على ساحل البحر الأحمر وما أن عاد حتي سعي [[علي ماهر]] ورجاله إلى تصوير الموقف له على اعتبار أن الوزارة قد تجاوزت اختصاصها وتعدت على حقوق الملك التي اقرها الدستور والقانون باعتبار أن السفير هو نائب الملك الأمر الذي دعا [[الملك فاروق]] إلى استدعاء رئيس الوزراء ووزير الخارجية '''(''' [[صليب سامي]] ''')''' وعنفهما تعنيفا شديدا وفي اليوم الثاني صدرت الأوامر لوزير الخارجية بأن يلزم داره .<br />
<br />
ويلاحظ أن ما أقدمت عليه الحكومة يعد تجاوزا خطيرا في العلاقات مع القصر وخصوصا وأن التقاليد المتبعة كانت تقضي بأن يرسل إلى القصر صورة من الموضوعات التي ستعرض على مجلس الوزراء قبل انعقاده بوقت كاف إلا أن هذا الموضوع الخطير قد اسقط من " الرول " الذي أرسل إلى القصر وهذا يؤكد تواطؤ [[حسين سري]] مع الانجليز في هذا الأمر في وقت كانت فيه الحكومة تترنح من الأزمات الاقتصادية الخطيرة التي وصلت إلى حد أن الناس كانوا يختطفون الخبز في الشوارع وعجزت الحكومة عن وضع حلول سريعة لكثير من المشاكل التي بدت وكأنها معقدة ثم ما كان من الهجمات التي يشنها [[الوفد]]يون وأحزاب الأقلية ضد لوزارة فلم يكن من المعقول والموقف هكذا أن تقدم الحكومة على اتخاذ هذه الخطوة الخطيرة إلا إذا كان هناك اتفاق مبيت بين سري باشا والسفير البريطاني على اعتبار أن هذا الموضوع سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأنه سيعجل بالمواجهة المباشرة بين السفير و[[الملك فاروق]] وتصفية كافة الحسابات القديمة .<br />
<br />
'''ويعلق أحد أعضاء مجلس الوزراء بقوله : ''' لم أتوقع أن يكون لهذا القرار من الآثار العميقة والبعيدة بعض ما حدث ولم يخف على أحد أن انجلترا هي التي أصرت عليه .<br />
<br />
وعقب عودة الملك من رحلته في الصحراء والبحر الأحمر – بعد ثلاثة أيام – إذ نشرت الصحف أن [[صليب سامي]] وزير الخارجية اعتكف في منزله لوعكة صحية .<br />
<br />
ولا غرابة أن يكون الموضوع الرئيسي في الصحف المصرية في تلك الأيام هو قطع العلاقات مع فرنسا نظرا للعلاقات الثقافية الوطيدة التي كانت تربط [[مصر]] بفرنسا ولقد أحدث هذا الموقف دويا داخل البرلمان المصري حيث تقدم عدد كبير من أعضاء مجلس النواب باستجوابات إلى الحكومة تحمل نوعا من الاستنكار الشديد وعجزت الحكومة المصرية عن إيجاد رد مقنع لتساؤلات الأعضاء مما دعا وزير الخارجية إلى تأجيل مناقشة الموضوع بعد أسبوعين أو ثلاثة مما دفع بعض الأعضاء إلى القول :" أنا لا أفهم معني لتأجيل الإجابة فهل عندما أوقفت العلاقات فعلا وصدر قرار الحكومة بذلك لم تكن قد تجمعت لدي الجهات المسئولة أسباب الوقف "<br />
<br />
ونظرا لأن قرار الحكومة قد قوبل بموجة من الاستنكار داخل مجلس النواب فقد اقترح وزير الخارجية – [[صليب سامي]] – أن يناقش الموضوع أمام لجنة الشئون الخارجية باعتبارها جهة الاختصاص في الأمر وقد قوبل هذا الرأي بعاصفة من الرفض على اعتبار أن هذا يعد تقليدا جديدا في الحياة البرلمانية المصرية.<br />
ووفقا لمحاضر مجلسي النواب والشيوخ فإن تأجيل أحد الاستجوابات قد يكون بسبب حاجة الحكومة إلى بعض بيانات يطلبها المجلس أو غيرها من المعلومات التي يصعب على الحكومة الإجابة عنها في الحال أما الموقف هذه المرة والحكومة تعلم كل الظروف والملابسات التي دعت إلى قطع لعلاقات مع فيشي '''ولذا يمكننا القول : ''' أن موقف [[صليب سامي]] وزير - الخارجية – كان نوعا من المراوغة والاستفادة بعامل الوقت حتى يتأكد من مصير الوزارة التي بدا مؤكدا أنها على وشك الاستقالة .<br />
<br />
وعلى الرغم مما لجأت إليه الحكومة من إصدار بيان في 8 [[يناير]] سنة [[1941]] ذكرت فيه : أن الحكومة البريطانية تلقت أنباء خطيرة دفعتها إلى المطالبة باتخاذ قرار سريع من الحكومة المصرية حول هذا الموضوع إلا أن وقع هذا القرار على المصريين كان سيئا نظرا للعلاقات التاريخية التي تربط [[مصر]] بفرنسا ولأن غالبية الساسة المصريين كان سيئا نظرا للعلاقات التاريخية التي تربط [[مصر]] بفرنسا ولأن غالبية الساسة المصريين كانوا متشبعين بالثقافة الفرنسية ولذا فإننا نرجع عدم موافقة الدكتور هيكل لهذا السبب وكذلك كان لبوتسي الوزير المفوض من قبل حكومة فيتشي – والذي كان يمثل الجمهورية الفرنسية الثالثة قبل سقوطها – صلات واسعة جدا بالساسة المصريين وصلات اجتماعية بالارستقراطية المصرية كما كان مقربا إلى حد بعيد من فاروق .<br />
<br />
وعرف البريطانيون ما حدث مع وزير الخارجية – [[صليب سامي]] – واعتبروه عملا غير ودي وأبلغوا رأيهم إلى سري باشا الذي شعر بجسامة التبعة الملقاة على عاتقه وتذكر ما حدث من قبل لشاه إيران رضا بهلوي وخشي أن تفاجأ [[مصر]] بمثل هذه المفاجأة التعسفية وهو رئيس وزرائها ولقد أفضي سري باشا بكل هذه المخاوف إلى الملك وأشار عليه بقبول الأمر الواقع إلا أن الملك قد تمسك بموقفه من ضرورة إقالة [[صليب سامي]] وبينما كان [[حسين سري]] ير ي أن إقالة وزير الخارجية بسبب قرار مسئول عنه هو أيضا لابد وأن يصاحبه استقالة الوزارة والسفارة البريطانية تري أن إجراء قد اتخذ بناء على طلبها لا يجز تحديه من جانب القصر على اعتبار أن استقالة الوزارة لهذا السبب سيدفع الانجليز مباشرة إلى المواجهة الفعلية مع [[الملك فاروق]] باعتبارهم طرفا من أطراف الأزمة .<br />
<br />
وفي محاولة من بريطانيا لاستثمار الموقف بهدف حسم الصراع الدائر بين القصر والانجليز فقد بالغ الانجليز في طلباتهم من حيث طرد جميع الايطاليين الذين يعملون في القصر وكل أذناب [[علي ماهر]].<br />
<br />
وأمام استعمال العصا الغليظة فقد تراجع [[الملك فاروق]] وطلب من [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان ''')''' التوسط لدي البريطانيين حتى يتنازلوا عن مطالبهم بشأن استعداد من طلبوا استبعاده من القصر مقابل أن يبقي وزير الخارجية في منصبه وبينما الأزمة في طريقها إلى الانتهاء إذا بقوات روميل قد نجحت في إحراز انتصار كبير في الصحراء الغربية وتقدمت صوب [[مصر]] وبدأ أن القوات الألمانية لن يعوقها عائق أمام هدفها الكبير وهو سحق القوات البريطانية واحتلال [[مصر]] ومن هنا فقد اضطربت الحياة في [[مصر]] وانطلقت المظاهرات تنادي نداءات عدائية ضد الانجليز من [[القاهرة]] امتدت لتشمل باقي المدن الكبرى ك[[الإسكندرية]] وطنطا وغيرهم وفي الوقت نفسه انفتح باب الأمل أمام الانجليز حيث أعلن هتلر قراره الذي أحدث دويا عالميا وهو إعلان الحرب على روسيا .<br />
<br />
وقد ابتهج الحلفاء حيث أن فتح جبهة جديدة تحارب فيها ألمانيا من شأنه أن يخفف الضغط على قوات انجلترا وفرنسا في [[مصر]] ولذا فإنني اعتقد أن القرار الألماني بغزو الاتحاد السوفيتي يعد المقدمات المباشرة ل[[حادث 4 فبراير]] [[1942]] فلقد كان قطاع كبير من المصريين ومن ورائهم القصر يعتقدون أن هزيمة السوفيت ستؤدي إلى اضطراب موقف بريطانيا كله في الشرق الأوسط وسينتهي بانسحابها تماما من المنطقة .<br />
<br />
إلا أن الانتصارات الكاسحة التي أحرزها السوفيت قد أثارت قلقا كبيرا خشية انتصار التحالف السوفيتي الانجليزي لذلك لم يكن غريبا أن يعلن [[إسماعيل صدقي]] باشا أن ايطاليا تهاجم [[مصر]] لا بقصد غزوها ولكن لأن بريطانيا تحتلها وهكذا اندفعت [[مصر]] لكي تكون جزءا من الصراع الدائر بين القوي الكبرى في الوقت الذي كان الألمان ينتصرون في الجبهة السوفيتية كما تضاعفت قوة الألمان في [[ليبيا]] وكذلك دخول اليابان الحرب في [[ديسمبر]] [[1941]] بهجومهم المفاجئ على بيرل هاربر كل هذه الانتصارات من جانب المحور دفعت بريطانيا لكي تجعل من [[مصر]] " القاعدة الرئيسية " في الموقف وهذا لن يتحقق ما بقي القصر يلعب بمشاعر الحلفاء وعلى الرغم من أن جذور الصراع بين القصر والانجليز يمتد لسنوات طويلة إلا أن تردي الأوضاع العسكرية لقوات الحلفاء وعلى كل الجبهات قد دفع بريطانيا إلى الموقف الذي يمثل مصالحها الفعلية على اعتبار أن عودة [[الوفد]] وخلع فاروق كفيلان باستقرار الأوضاع المصرية وأيقن سري باشا أن لا مفر من أن يستقيل بعد أن فقد ثقة البرلمان وثقة فاروق أيضا كما أن الانجليز أنفسهم على الرغم من صداقتهم لسري باشا إلا أنهم قد أيقنوا جيدا أن حكومة سري قد أصبحت عاجزة تماما عن مواجهة الموقف .<br />
<br />
والحقيقة أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن [[الملك فاروق]] كان يهدف إلى بقاء الموقف برمته كما هو نظرا للظروف العسكرية غير المرجحة لكنه الحلفاء في الصحراء الغربية حتى إذا ما تمكن روميل من أن يخترق وادي النيل فإن فاروقا يمكنه الاحتفاظ بعلي ماهر لكي يتولي رئاسة الحكومة ويكون قادرا على التافهم مع المحور بعكس أى شخص آخر نظرا لما عرف عن [[علي ماهر]] من خلافات مستمرة مع الانجليز لم تكن خافية على الألمان أو الايطاليين .<br />
<br />
وهكذا تفاقمت الأزمة وتعددت أسبابها في الوقت الذي يقوم فيه لامبسون بتسجيل كل الأحداث أولا بأول ويبعث بها إلى حكومته ونظرا لتصاعد الموقف بشكل ينذر بالمخاطر فقد طلب من حكومته أن تعطيه تفويضا كاملا لحسم الموقف مع [[الملك فاروق]] <br />
وأدرك [[أحمد حسنين]] رئيس الديوان الملكي ''')''' خطورة الموقف وفي محاولة منه لتهدئة المشاعر الملتهبة تقديرا لما يحيق بالعرش من أخطار فقد حاول إقناع لامبسون بترك وزير الخارجية " [[صليب سامي]] " يخرج من الوزارة من أجل الصالح العام ويحاول إقناع السفير بأن [[مصر]] كلها وراء الملك الذي يحظي بشعبية كبيرة إلا أن السفير يرفض التضحية بوزير الخارجية بسبب إجراء قام به تنفيذا لقرار من مجلس الوزراء المصري وبناء على طلب من بريطانيا ولهذا أعلن السفير : أننا سنقف وراء [[صليب سامي]] حتى ولو تخلي عنه رئيس الوزراء .<br />
<br />
وهكذا تجمعت العديد من الأسباب التي دفعت [[حسين سري]] إلى تقديم استقالته . ووفقا للوثائق البريطانية فإن لامبسون قد أدرك أهمية استقالة سري باشا '''ويعلق لامبسون على هذا لموقف قائلا : ''' " لقد طلبت من سري باشا أن يرشح بعض الأسماء التي تصلح لمنصب رئيس الحكومة إلا أنه اقترح أسماء '''مثل : ''' بركات باشا [[أحمد ماهر]] باشا أو الدكتور هيكل باشا إلا أنني أعرف أن هذه الأسماء غير مناسبة لسبب أو لأخر ولذا فإن عودة [[الوفد]] أصبحت ضرورة تحتمها مصالحنا العليا .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى مسئولية [[حسين سري]] عن تازم الموقف بين فاروق والسفير البريطاني ففي الوقت الذي كانت تبذل فيه العديد من المحاولات لحل مشكلة " فيشي" كان رئيس الوزراء المصري يقوم بمحاولات مكثفة لدفع بريطانيا إلى تأديب [[الملك فاروق]] وتضيف نفس المصادر " لقد حاولنا إقناع السفارة البريطانية بخطورة المضي في هذا الطريق الذي يتناقض تماما مع مشاعر المصريين ولكنه يبدو أننا لم نحقق أى هدف ووفقا لهذه الحقيقة فإن الوثائق البريطانية تؤكد أن [[حسين سري]] كان على علم بتطور الأحداث ولم يخف كراهيته الشديدة لفاروق وكان من رأيه دائما – تأديب الولد – الذي يلعب بالنار على حد تعبيره .<br />
<br />
ولما كان لامبسون قد بعث إلى حكومته يطلب تفويضا في حسم الموقف فقد وافقت الحكومة البريطانية على تطور الأحداث أولا بأول وتمضي رسائل لامبسون إلى حكومته حول أهمية عودة [[الوفد]] وفي احدي البرقيات '''يقول السفير : ''' " قابلت حسنين باشا '''وقال : ''' إن هناك محاولات تجري لتشكيل وزارة قومية ولما كان هناك خطر واضح من أن نواجه بوزارة يرأسها مرشح ل]]علي ماهر[[ فلقد عقدت اجتماعا لمناقشة الموقف برمته وحضره وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط والقائد العام للجيوش البريطانية في المنطقة وتردد بوضوح في هذا الاجتماع أن الأزمة الحالية قد أيدت بواسطة العناصر المعادية لبريطانيا لاستغلال مصاعبنا الحالية في الشرق الأقصى وفي [[ليبيا]] وأننا إذا أخفقنا في إظهار الشدة فقد تحدث مخاطر أخري وأوضح القائد العام للشرق الأوسط أنه يفضل تجنب حدوث مواقف قد تؤدي إلى اضطرابات عامة وقد يتحرك [[الجيش المصري]] لحماية الملك وقد قمت من جانبي بالرد على هذه لمخاوف بحكم معرفتي بالأحوال العامة .. '''وتم الاتفاق على أن أقابل [[الملك فاروق]] في الواحدة بعد ظهر اليوم '''(''' 2 [[فبراير]] [[1942]]''')''' وأبلغه بالأتي : '''<br />
<br />
'''1-''' يجب أن تقوم وزارة تحرص على الولاء للمعاهدة وتقدر على تنفيذها نصا وروحا .<br />
<br />
'''2-''' أن تكون وزارة قوية وقادرة على الحكم وتحظي بتأييد شعبي كافي .<br />
<br />
'''3-''' أن هذا يعني الإرسال في طلب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بصفته زعيما لحزب الأغلبية والتشاور معه بقصد تشكيل الوزارة .<br />
<br />
'''4-''' يجب أن يتم ذلك في موعدا أقصاه ظهر غد.<br />
<br />
'''5-''' أن الملك سيكون مسئولا بصفته الشخصية عن أى اضطرابات قد تحدث خلال ذلك .<br />
<br />
وفي خلال الواحدة من بعد ظهر 2 [[فبراير]] [[1942]] توجه لامبسون إلى [[الملك فاروق]] وشرح له أنه بصفته ممثلا للحلفاء في [[مصر]] فمن الضروري ألا يعين خلفا لسري باشا لا تكون له المؤهلات المشروطة للوفاء بالتزامات المعاهدة ووافق الملك على عودة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ليتولي وزارة قومية باعتباره زعيما للأغلبية وبخصوص الاضطرابات داخل العاصمة فقد أظهر الملك موافقته على عدم أحدا ث أى نوع من التظاهر وأكد السفير أن غدا - 3 [[فبراير]] – هو آخر موعد لدعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا .<br />
<br />
ولعل وجهة نظر [[الملك فاروق]] والتي أبداها دون تحفظ هو استدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] لتشكيل وزارة قومية حيث كان الملك يعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] لن يرفض هذا العرض على أساس التحسن الذي كان قد بدأ في العلاقات بينهما .<br />
<br />
وأعتقد بعض رجالات القصر '''(''' [[أحمد حسنين]] ''')''' بضرورة التمهيد لتأليف هذه الوزارة القومية انتقالية على أساس أن [[الوفد]] سيكتسح كل الأحزاب الأخرى في الانتخابات مما قد يترتب عليه عدم قيام معارضة قوية بمثابة " فرملة " متي تشكلت الوزارة في آخر الأمر .<br />
<br />
وبينما كانت الاتصالات قائمة بين القصر والسفير البريطاني بخصوص عودة [[الوفد]] كانت نفس الاتصالات قائمة بين السفارة البريطانية و[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بواسطة [[أمين عثمان]] لنفس الهدف مع فاروق بسيط وهو أن الانجليز عرضوا على [[مصطفى النحاس|النحاس]] تشكيل وزارة وفدية خالصة وأصبح [[الوفد]] أمام خيارين أما أن يقبل حكومة قومية وفقا لرغبة القصير أو يقبل حكومة وفدية لحما ودما وفقا لرغبة الانجليز واختار [[مصطفى النحاس|النحاس]] وجهة النظر البريطانية التي كلفت [[مصر]] ثمنا غاليا من استقلالها وكرامتها وكلفت [[الوفد]] نفسه ثمنا باهظا من شعبيته وتاريخه الوطني الطويل .<br />
<br />
'''وبني [[الوفد]] رفضه لفكرة الوزارة القومية أو الائتلافية على عدة اعتبارات : '''<br />
<br />
'''أولها : ''' أن الشعب المصري قد فقد ثقته في حكومات الأقلية وإذا قبل [[الوفد]] الارتباط بهذه الحكومات فسوف يفقد ثقة الشغب.<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' ما كان يعرفه [[الوفد]] جيدا من الدسائس التي سيحدثها القصر ومدي ما يمكن أن يقدم عليه من إقالة الحكومة بحجة تصدع الائتلاف .<br />
<br />
ولذا فقد فرضت وجهة النظر البريطانية نفسها على الأحداث وأعطت بريطانيا لنفسها الحق في تنفيذها بقوة السلاح وتحولت القضية إلى تصفية حسابات قديمة بين القصر والسفارة حيث اعتبرت بريطانيا أن إقامة حكومة قومية يعد انتصارا لصالح القصر وهذا ما ترفضه بريطانيا تماما .<br />
<br />
ويلاحظ أن [[الملك فاروق]] كان تحريضا على تجاوز هذه الأزمة وعدم الاصطدام مع الانجليز أكثر من ذلك إلا أن السفير قد اعتبرها فرصته التي يستطيع من خلالها أن يحجم من دور القصر حتى لا يعاود أعماله العدوانية ضد بريطانيا مرة أخري حتى لو كان الثمن هو عزل الملك نهائيا '''وفي الوقت نفسه فإن عودة [[الوفد]] بهذا الشكل يحمل بعض الاعتبارات التي حرصت بريطانيا على إقراراها ومن بينها : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' ضمان عدم قيام أى نوع من التعاون بين القصر و[[الوفد]] مما يضاعف من حجم التدخل البريطاني .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' إطلاق يد [[الوفد]] في كبح جماح القصر إذا ما ثبت أنه غير متعاون مع الحليفة .<br />
<br />
'''ثالثا: ''' لقد حرصت بريطانيا على أن يتعهد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بأن يقف مع الحليفة وأن يرجئ كل مطالبة إلى ما بعد الحرب .<br />
<br />
وهكذا تفاقمت عوامل الصراع بين القصر والانجليز في الوقت الذي تمكنت فيه الدسائس البريطانية من استقطاب [[حزب الوفد]] سواء بقصد أو بغير قصد '''وقبل أن ننتهي من هذا الفصل يمكننا أن نسجل عدة نتائج يمكن استخلاصها من الدراسة السابقة وتعتبر جميعها تمهيدا ل[[حادث 4 فبراير]] [[1942]]:- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' انعدام الثقة بين بريطانيا و[[الملك فاروق]] وهذا ما أشارت الوثائق البريطانية في أكثر من وضع .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' تأسيسا على الحقيقة الأولي فقد رغبت بريطانيا من خلال أحداث الحرب في التخلص من فاروق على اعتبار أن [[مصر]] لن تتحول إلى قاعدة أساسية لخدمة الحلفاء ما دام الملك على عرشه .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد أدركت بريطانيا ضعف حكومات أحزاب الأقلية التي تعاقبت على الحكم منذ إقالة [[الوفد]] سنة [[1973]] على الرغم من تعاونها الكامل إلا أنها افتقدت دائما إلى قاعدة شعبية وظل مركزها دائما ضعيفا على اعتبار أن حكومة لا تملك التأييد الشعبي لن تستطيع أن تحكم بروح المعاهدة المصرية الانجليزية اعتمادا على الحقيقة القائلة بأن أى جهد يبذل في هذا السبيل لابد وأن يصدم بمعارضة القصر ولن تتمكن أى حكومة بدون التأييد الشعبي أن تحارب القصر .<br />
<br />
'''رابعا : ''' إن أحدي عناصر الصراع بين الانجليز والقصر كان قائما على أساس أيهما يستطيع أن يتضامن مع [[الوفد]] وبدت القضية وكنها تسابق مع الزمن وكلما تفاقم الوضع العسكري لبريطانيا كلما ضاعفت من جهودها لعودة [[الوفد]] وعلى ضوء الدراسة السابقة فإن قضية عودة [[الوفد]] كانت تمثل المطلب الأول في العلاقات المصرية البريطانية منذ نشوب [[الحرب العالمية الثانية]] .<br />
<br />
وهكذا تجمعت العديد من الأسباب لتخلق في النهاية مأساة 4 [[فبراير]] [[1942]] والتي تركت أثارا كبيرة على تاريخ [[مصر]] السياسي والاقتصادي ليس فقط إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وإنما إلى قيام [[ثورة 23 يوليو 1952]]م.<br />
<br />
==الفصل الثاني : وقائع 4 [[فبراير]]==<br />
<br />
===شكل التدخل البريطاني ===<br />
<br />
فكرت بريطانيا في عزل [[الملك فاروق]] أكثر من مرة كان أولها سنة [[1937]] '''('''[[ديسمبر]]''')''' حين أقدم على إقالة حكومة [[الوفد]] دون أخذ رأي السفير البريطاني وكان الأخير قد بذل جهدا في محاولة الإقناع فاروق بعدم على مثل ذلك التصرفات التي تناقض مبدأ الديمقراطية على اعتبار أن [[حزب الوفد]] هو القوة السياسية التي تحظي بالأغلبية البرلمانية وكان فشل السفير في تلك المهمة موضع لوم من حكومته وقد ترددت في تلك الأزمة فكرة تنحية [[الملك فاروق]] عن عرش [[مصر]] ولكن انطوني أيدن وزير خارجية بريطانيا لم يوافق على تلك الفكرة بحجة أن الظروف الدولية لا تشجع على الإقدام على مثل هذا النوع من التدخل .<br />
<br />
ثم تجددت نفس الفكرة في [[سبتمبر]] [[1939]] حين تأكد السفير '''(''' طبقا لما يقوله''')''' أن هناك عناصر في القصر تميل نحو الألمان وأن [[الملك فاروق]] يشجع هذا الاتجاه وأن مصلحة الحرب تقتضي بإخراج [[علي ماهر]] من الحكم فإذا عارض فاروق وجب أن يعتزل العرش <br />
ثم عادت الأزمة مرة أخري إلى الظهور في [[يونيه]] [[1940]] حين دخلت ايطاليا الحرب ويومئذ اقترح السفير على حكومته تغيير الوزارة فإن عارض الملك فعليه أن يتخلي عن العرش ووجه السفير إنذارا إلى الملك بضرورة استدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] والعمل بمشورته ووافقت حكومة لندن على تنازل فاروق عن العرش بقاء على اقتراحات لامبسون أن فاروق قد أحس بخطورة الموقف بناء على نصائح كبار مستشاريه واستدعي [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لكن ليس من أجل عودة [[الوفد]] وإنما لكي يشاوره في الموقف عموما وأخذ الترضية المناسبة على حكومة [[حسن صبري]] وقد أشار السفير البريطاني في نهاية تقييمه للأزمة بقوله " قد تخرج من الأزمة الحالية دون حاجة إلى تغيير الملك ولكني أشك كثيرا في أنه سيبقي طويلا .<br />
<br />
وهكذا فإن التفكير في عزل فاروق وفرض وزارة مصرية معينة وزعيم مصري معين ليتولي الحكم كان موضع تفكير واهتمام دائمين من جانب لحكومة البريطانية ومن ثم يمكن القول أن [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] لم يكن نتيجة قرار سياسة اتخذت فجأة وتحت ضغط الأحداث الخطيرة وإنما كان الفصل الأخير أو الخاتمة لساسة مر سومة كان قد بدأ تنفيذها وهكذا تحققت مشورة لامبسون والتي تقدم بها إلى حكومته في [[يونيه]] سنة [[1940]] وهي أن تتولي الحكم وزارة يؤيدها [[الوفد]] وكان الاعتقاد السائد – كما يقول بعض المعاصرين – أن الدوائر البريطانية تري أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا هو وحده الزعيم الشعبي القادر على تحويل الدفة – دفة عواطف الشعب – من الاتجاه إلى ألمانيا إلى الاتجاه نحو بريطانيا وحلفائها وتعد استقالة [[حسين سري]] – 2 [[فبراير]] [[1942]] – والتي قدمها بناء على طلب بريطانيا من بداية لمرحلة خطيرة وفاضلة في تاريخ [[مصر]] السياسي حيث اتصل السفير البريطاني '''(''' لامبسون ''')''' برئيس الديوان الملكي '''(''' أحمد باشا حسنين''')''' <br />
وابلغه أن الحكومة البريطانية تحرص على أن تعرف اسم من سيعهد إليه بتأليف الوزارة الجديدة قبل إعلانها وعلى الرغم من أن رئيس الديوان أجاب بأن الشخص الذي يؤلف الوزارة سيكون صديقا لبريطانيا إلا أن السفير قد أكد على أن الحكومة البريطانية حريصة على أن تعرف سلفا من سيعهد إليه بتأليف الوزارة قبل أن يكلف بهذا التأليف رسميا .<br />
<br />
ومن الواضح أن لامبسون قد حرص هذه المرة على أن يمسك بزمام المبادرة حتى لا يفاجأ حكومة لا تتفق ومصالح بريطانيا كما حدث من قبل سواء في تعيين [[علي ماهر]] '''(''' 18 [[أغسطس]] [[1939]] ''')''' أو [[حسن صبري]] '''(''' 27 [[يونيه]] سنة [[1940]] ''')''' أو [[حسين سري]] '''(''' 15 [[نوفمبر]] [[1940]] ''')''' حيث فوجئ السفير في كل تلك الحالات دون أن يكون له الرأي الأول في هذا الاختيار ولما كان موقف بريطانيا العسكري قد وصل إلى درجة كبيرة من السؤل أمام الانتصارات الساحقة التي تحرزها القوات الألمانية ولما كانت مشاعر المصريين قد بدأت تميل نحو الجانب المنتصر في الحرب فإن لامبسون قد أدرك خطورة المواقف هذه المرة ومن هنا فقد حرص جيدا على أن يكون في حالة من التيقظ الدائم حتى لا يفاجأ بغير ما يتوقع '''وانطلاقا من هذا المفهوم فقد تقدم إلى الملك في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم2 [[فبراير]] بمجموعة من الطلبات حددها في ثلاث نقاط : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن الشخص الذي سيعهد إليه بتأليف الوزارة يجب أن تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة للوفاء بالتزامات بريطانيا العظمي فترة الحرب .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن هذا يعني دعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بوصفه زعيما لحزب الأغلبية في البلاد والتشاور معه بقصد تشكيل الوزارة على أن يتم ذلك في موعد أقصاه ظهر غد '''(''' 3 [[فبراير]] ''')''' <br />
<br />
'''ثالثا: ''' أن [[الملك فاروق]] شخصيا سيكون مسئولا عن أى اضطرابات قد تحدث خلال تلك المدة <br />
وعلى الرغم مما بذله [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان ''')''' من محاولات لإقناع لامبسون بأن عودة [[الوفد]] بمثل هذه السرعة يؤدي إلى عدم قيام معارضة قوية من الأحزاب الأخرى وفي نفس الوقت فقد وعد حسنين باشا باستبعاد العناصر المرتبطة بعلي ماهر من الحكومة المؤقتة '''(''' المقترحة ''')''' وخروجا من هذا الموقف وافق السفير بشرط استدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] وضرورة موافقته باعتباره ممثلا لأغلبية في البلاد .<br />
<br />
وتحرك لامسون مخاطبا حكومته في نفس اليوم '''(''' 2 [[فبراير]] ''')''' ليصف لها الخطة لتي بحثها واقرها كل من وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط '''(''' وليفر ليلتون''')''' وقائد القوات البريطانية في [[مصر]] للتعامل مع فاروق إذ ما رفض طلبات انجلترا على اعتبار أن هذا الموقف تفسره المادة الخامسة من [[معاهدة 1936]]<br />
<br />
ووفقا لما أقره مجلس الحرب البريطاني فقد وضعت خطة عسكرية تضمنت محاصرة قصر عابدين بالدبابات ومقاومة الحرس الملكي فيما لو اضطر لاستخدام القوة وعلى ضوء هذا الإجراء يتقدم السفير مطالبا فاروق باعتزال العرش وإذا رفض يكفي بإبلاغه بأنه قد خلع عن عرش [[مصر]] ثم دعوة الأمير محمد على لكي يتولي مهام [[الملك فاروق]] وإذا ما رفض الأمير محمد على فإن بريطانيا ستحكم [[مصر]] عسكريا بمقتضي الأحكام العرفية حتى تستقر الأمور بقبول احد الأمراء ولاية العرش أو بإعداد نظام آخر .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن مجلس الحرب البريطاني قد واجه مشكلة حيث لا يوجد نص في الدستور بخصوص خلع الملك وعلى حد تعبير لامبسون " مهما حاولنا أن نظهر كحماة الدستور بينما نخرقه بالقوة فإن ذلك يقود إلى المتاعب وعلينا أن نضع ملكا جديدا على العرش ونصر على أن يعلن أن ما جرى كان دستوريا " وفي نفس الوقت فقد وافق مجلس الحرب على عدم عزل فاروق إذا ما وافق على دعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] فورا.<br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن قضية عزل فاروق قد شغلت حيزا كبيرا من اجتماعات وزارة الحرب البريطانية في الوقت الذي كان الموقف يقتضي قدرا كبيرا من السرعة والحسم معا لذا فقد وافق مجلس الوزراء البريطاني على تفويض المستر ايدن وزير الخارجية لمعالجة الموقف على ضوء ما يراه السفير البريطاني في [[القاهرة]] .<br />
<br />
ويري بعض المعاصرين أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد فوتح في فكرة تأليف الوزارة القومية والتي تضم كل الأحزاب وقبل الفكرة بل ورحب بها إلا أن الانجليز قد أرسلوا رسولا إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وكان يمضي أياما في الأقصر يطلبون إليه أن يتولي الوزارة ويتركون له الحرية المطلقة في تأليفها . أما قد خوطب [[مصطفى النحاس|النحاس]] من قبل القصر في تأليف وزارة قومية فقد أصبح الخيار له بين قبول هذا العرض المصري وبين هذه الحرية التي تركها له الانجليز .<br />
<br />
إنصافا للحقيقة التاريخية فإننا نعتقد أن [[الوفد]] قد قبل من قبل وفي مناسبات مختلفة قيام وزارة قوية بشرط أن يحل مجلس النواب وتجري انتخابات جديدة ووفقا لرأي [[مصطفى النحاس|النحاس]] فليس من الممكن أن يتعاون [[الوفد]] مع مجلس غالبيته من أحزاب الأقلية '''ولقد طرحت احدي صحف [[الوفد]] هذه الفكرة بقولها : ''' '''(''' أن [[الوفد]]يين على أتم استعدادات لعقد اتفاق مع الأحزاب الأخرى لإجراء انتخابات هادئة أما إذا كان إجراء الانتخابات متعذر فهم في هذه الحالة يقبلون أن تحكم الوزارة القومية بدون برلمان إلى أن يحين الوقت المناسب لإجراء الانتخابات وأضافت نفس الصحيفة على لسان [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا : أننا نرحب بالوحدة على أن يكون أساسها أن لا تتحكم الأغلبية في الأقلية وإلا تتحكم الأقلية في الأغلبية وأن تحقيق الوحدة يتم بطرقتين أحدهما تأليف وزارة محايدة والأخرى تأليف وزارة قومية وأنه يجب في الحالتين حل مجلس النواب .<br />
<br />
وفي إطار المساعي التي بذلت لإيجاد نوع من المصالحة بين القص و[[الوفد]] فقد أعلن [[مصطفى النحاس|النحاس]] صراحة بأنه موافق على قبول وزارة محايدة تقوم بإجراء انتخابات نزيهة .<br />
<br />
وهكذا فقد وافق [[مصطفى النحاس|النحاس]] على قيام حكومة يترأسها بنفسه سواء كانت حكومة قومية أو إدارية وفي كلتا الحالتين فإن إجراء الانتخابات يعد أمرا استراتيجيا يتفق تماما مع سياسة [[الوفد]] على اعتبار أنه الحزب الذي يخطي بالأغلبية التي تمكنه من الوصول إلى الحكم وفي هذه الحالة فإنه ليس لأحد الفضل في عودة [[الوفد]] مما يمكنه لبلا شك من الحفاظ على استقلاله سواء من جانب القصر أومن جانب الانجليز .<br />
<br />
وانطلاقا من هذا المفهوم فقد استدعي الملك رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة بما فيهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا والذي كان في رحلة إلى الصعيد وتم استدعاؤه على عجل وفي محاولة من [[الملك فاروق]] لحسم الموقف فقد عرض على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يترأس حكومة قومية إلا أنه رفض رفضا قاطعا متذرعا بعدم وجود أى نوع من التفاهم مع أحزاب الأقلية .<br />
<br />
وهكذا تعقد الموقف فقد كان [[الملك فاروق]] حريصا على أن لا يترك للوفد من الحرية إلا بالقدر الذي يمكن الملك من توجيه [[السياسة]] العامة للدولة وهذا لن يتحقق إلا باشتراك أحزاب الأقلية الموالية للقصر والحريصة على إرضائه حتى ولو كان الثمن هو توسيع سلطاته على حساب الوزارة .<br />
<br />
ولما كان اجتماع فاروق بالزعماء السياسيين قد انتهي إلى لا شئ فقد طلب السفير البريطاني مقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي '''(''' [[أحمد حسنين]] ''')''' وأخبره بأن يرفع إلى الملك النصيحة بأن يكلف [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بتأليف وزارة وفدية لأن بريطانيا ترغب في ذلك .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن السفير البريطاني قد تمسك بفكرة الوزارة [[الوفد]]ية بعد أن استطلع وجهة نظر كل من [[حسين سري]] '''(''' رئيس الوزارة الأسبق ''')''' و[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على اعتبار أن تشكيل حكومة انتقالية يعد مضيعة للوقت وفرصة لتآمر القصر وأن الموقف السياسي والاقتصادي غاية في السوء وأن أعضاء الائتلاف سيكونون من رجال الملك وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] لن يستطيع أن يكون مخلصا لقضية الديمقراطية التي تحارب بريطانيا من أجلها إلا إذا أطلقت يده تماما في التعامل مع القصر وهذا لن يتحقق إلا بقيام حكومة وفدية خالصة .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن لامبسون كان يعمل وفقا لتقويض كامل من الحكومة البريطانية إلا أنه قد بعث إلى حكومته مسترشدا برأيها في تلك القضية وحملت برقيات وزير الخارجية كل الرضا عن سياسة لامبسون على اعتبار أن قيام حكومة وفدية خالصة يعد أفض الوسائل لتحجيم دور القصر والذي يلعب لعبة خطيرة .<br />
<br />
ويبدو من تسلسل الأحداث أن موقف بريطانيا ومساندتها للوفد قد دعم موقف [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا مما جعله يتمسك بفكرة الوزارة [[الوفد]]ية ضاربا عرض الحائط برغبة [[الملك فاروق]] من قيام الحكومة الائتلافية والتي سبق للنحاس باشا الموافقة عليها مرارا , وهذا الموقف يعد تراجعا في سياسة [[الوفد]] مما يدفعنا إلى لقاء مزيد من التساؤل ؟ كيف يمن لبريطانيا أن تفرض رئيس حكومة وهي لا تعرف مسبقا وجهة نظره . إلا أن هذا السؤال يمكن الإجابة عليه سواء من خلال الدراسات السابقة أو اللاحقة .<br />
<br />
وعندما حمل [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان ''')''' رسالة لامبسون إلى فاروق بضرورة دعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] ليشكل وزارة وفدية خالصة اعترض الملك ورأي أن الموقف يعد تدخلا في أخص خصائصه الدستورية وعلى ذلك لم يجب السفير إلى رغبته .<br />
<br />
ولعل فاروق ومن ورائه [[أحمد حسنين]] لم يدركا خطورة الموقف على اعتبارا أن هذا التصادم في العلاقات لم يكن الأول من نوعه وإنما سبقته العديد من مظاهر الخلافات والتي توصل الطرفان إلى حلها عن طريق الالتقاء في منتصف الطريق تعددت الاجتماعات والمشاورات والسفير ينتظر ما تسفر عنه من نتائج مما اضطره أخيرا إلى الاتصال ب[[أحمد حسنين]] لمعرفة ما أسفرت عنه هذه المقالات ولما أجاب بأن المشاورات لا تزال جارية مع رؤساء الأحزاب بهدف تأليف وزارة قومية وأنه واثق من وطنيته الزعماء والتي سوف تتغلب على كل شئ أدرك السفير خطورة ما قد تسفر عنه هذه الاجتماعات والمشاورات والتي قد تنتهي إلى نتائج مخالفة للمخطط الذي رسمته الدوائر البريطانية وهكذا تباينت وجهات النظر بين القوي الثلاثة المتصارعة – القصر و[[الوفد]] والانجليز –<br />
فلقد كانت وجهة نظر القصر الموافقة على استدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] لرئاسة الوزارة الجديدة بشرط أن تكون وزارة قومية وكان القصر واثقا من موافقة [[مصطفى النحاس|النحاس]] بناء على استطلاع وجهة نظرة في مناسبات عديدة .<br />
<br />
'''أما عن وجهة نظر [[الوفد]] والتي تكشفت في الآونة الأخيرة سواء في لقاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] مع [[الملك فاروق]] أو في اتصالات [[مصطفى النحاس|النحاس]] مع السفير البريطاني والتي تمت من خلال [[أمين عثمان]] هو رفض فكرة الوزارة القومية والتمسك بوزارة وفدية خالصة وذلك لسببين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' أن المصريين قد فقدوا ثقتهم في حكومات الأقلية وإذا ما قبل [[الوفد]] الارتباط بهذه الأحزاب فسوف يفقد شعبيته العريضة ولن يتمكن من تحقيق أية مكاسب بسبب الاتجاهات المتضاربة .<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' المكائد الحزبية إلي ستحدث نظر لقيام حكومة تفتقد إلى الألفة والوئام وهو شرط لقيام أية حكومة .<br />
<br />
'''وحتى لا يبدو [[الوفد]] وكأنه في صورة المتشدد ضد الآخرين فقد تقدم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باقتراحين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' بتخصص بعض المقاعد لأحزاب الأقلية في مجلس النواب المزمع إجراء انتخابات لتكوينه .<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' بتشكيل مجلس استشاري يختا أعضاؤه من سار الأحزاب كرمز للاتفاق بين الأحزاب ويكون رأيه استشاريا في جميع المسائل العامة .<br />
<br />
أما وجهة النظر البريطانية – وهي التي فرضت نفسها بقوة السلاح فكانت تعني بناء على تعليمات أيدن عدم قبول أى مرشح لا يستند إلى قاعدة شعبية لأن هذا يعني انتصارا أكيدا لوجهة نظر [[الملك فاروق]] .<br />
<br />
والموقف يقتضي بالضرورة عودة [[حزب الوفد]] باعتباره الحزب القادر في الظروف الراهنة على كبح جماح الملك وإرغامه على تحقيق وجهة النظر البريطانية حتى ولو وصل الأمر إلى حد خلع فاروق عن العرش بل وإلي أكثر من ذلك وهو إعادة النظر في النظام الملكي نفسه .<br />
<br />
ومن المرجع أن السفير لم يكن خالص النية في معالجة تلك الأزمة ويبدو أنه بإصراره على عودة [[الوفد]] إلى الحكم كان يرمي إلى رد الاعتبار إلى نفسه في نظر حكومته إذ كان وزير الخارجية قد وجه إليه نوعا من اللوم لفشله في الوساطة بين القصر و[[الوفد]] في أزمة [[ديسمبر]] [[1937]] والتي انتهت بإقالة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وفي الوقت نفسه فإن فاروق كان يسيطر عليه حماس الشباب وحويته واستهوته فكرة أن يظل'''(''' يشاغب''')''' ممسكا بطرف الحبل بينما لامبسون ممسكا بطرفه الأخر .<br />
<br />
وهكذا بدأت الأحداث تتطور بشكل خطير للغاية بينما تشير الوثائق البريطانية إلى الدور الهام الذي لعبه [[أمين عثمان]] والذي ورد اسمه في معظم مراسلات السفارة البريطانية والذي وصفه السفير بأنه المفاوض المصري لصالح الانجليز ويذكر لامبسون '''(''' لورد كليرن''')''' أن [[أمين عثمان]] قد حمل إليه رغبة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في التعاون مع السفارة بغض النظر عن أن [[معاهدة 1936]] تعني التعاون التام بين الجانبين ويضف لامبسون في برقيته إذا كان قد تعاون مع السفارة في زمن السلم مرة فإنه مستعد أن يتعاون معها في زمن الحر ب عشر مرات وكل ما يطالبه هو أن تطلق يده في التعامل مع القصر وهكذا استوثق لامبسون من الأرض التي يقف عليها بعد أن وعد [[أمين عثمان]] بأن كل أطراف القضية أصبحت في متناول السفير وما عليه إلا أن يبدأ الخطوة الأولي .<br />
<br />
وفي صباح 4 [[فبراير]] [[1943]] طلب السفير مقابلة رئيس الديوان وسلنه إنذار نصه '''(''' إذ لم أعلم قبل السادسة من مساء اليوم '''(''' 4 [[فبراير]] ''')''' أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد دعي لتأليف الوزارة فإن [[الملك فاروق]] يجب أن يحتمل تبعه ما يحدث .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[الملك فاروق]] قد أجتمع بزعماء الأحزاب وقادة الرأي وتناقش معهم في الموقف في محاولة للخروج من تلك الأزمة إلا أن كل المحاولات قد انتهت بالفشل نظرا لإصرار [[مصطفى النحاس|النحاس]] على تشكيل حكومة وفدية خالصة بينما تمسك الملك بوجهة نظرة التي تعني قيام حكومة قومية .<br />
<br />
وظهر الملك بمظهر المتحدي للمطالب البريطانية وفي اعتقادي أن هدف الملك من ذلك هو الحصول على مساندة الرأي لعام المصري والظهور بمظهر المحايد بين الانجليز والألمان حتى يظل الباب مفتوحا إذا ما تبدلت الأحوال وانتصر الألمان في بحربهم ضد بريطانيا .<br />
<br />
وعلي الرغم من أن بريطانيا كانت قد أعدت كل الترتيبات اللازمة لمحاصرة قصر عابدين وإجبار فاروق على التنازل عن العرش إذا ما رفض عودة [[الوفد]] إلا أن الشخص الذي يخلف فاروق كان موضع خلاف لدي الدوائر البريطانية فبينما يشير أحد المؤرخين المعاصرين إلى أن بريطانيا قد وقع اختيارها على الأمير محمد على باشا لكي يخاف فاروق على عرش [[مصر]] إلا أن الوثائق البريطانية كانت متضاربة في هذا الرأي فبينما تشير احدي الوثائق إلى أن محمد على باشا هو الشخص الوحيد المناسب لهذا المنصب تشير بعض الوثائق الأخرى إلى التقليل من شأنه على اعتبار أنه طاعن في السن وغير مرغوب من الشعب المصري بالإضافة إلى أنه ليس لديه أبناء مما يسبب مشكلة بعد وفاته التي قد تحدث قريبا ولكل هذه الأسباب بدأت الدوائر البريطانية تعيد النظر في الشخص الذي يخلف فاروق .<br />
<br />
ثم يعاود وزير الخارجية البريطاني الكتابة إلى لامبسون مقترحا قيام مجلس وصاية يرأسه الأمير محمد على ويؤكد في نفس البرقية على ضرورة الاتصال ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وأخذ رأيه في هذا الموضوع الحيوي على اعتبار أنه زعيم الأغلبية ويضيف وزير الخارجية قائلا : ومن الأفضل أن نسمح بفترة للرأي العام المصري يعلن خلالها موقفه عما إذا كان من الضروري استبقاء الملكية على الإطلاق أو التفكير في النظام الجمهوري كبديل يفضله الشعب المصري .<br />
<br />
ويذكر [[محمد التابعي]] رواية أخري مضمونها أن [[فؤاد حمزة]] الوزير المفوض للمملكة العربية [[السعودية]] '''قال : ''' أنه لما كان في زيورخ سويسرا – في عام [[1942]] قابله اللورد الذي كان يدير قلم المخابرات البريطانية في سويسرا وقال له أن الحكومة البريطانية هالها ما يجري في [[مصر]] وفكرت في عزل فاروق والصعوبة كانت في اختيار الذي يخلفه وفكرت الحكومة البريطانية في [[عباس حلمي]] '''(''' الخديوي السابق ''')''' واتصلوا به في سويسرا ثم سافر إلى استانبول لكي يكون قريبا من مجري الحوادث ولكن المخابرات الألمانية أحست أن هناك شيئا مريبا وأحس الخديوي أن الألمان يشكون فيه وأن عيونهم ترقبه فخشي على نفسه وأسرع بالعودة إلى سويسرا '''وعندما سأل التابعي [[فؤاد حمزة]] لماذا لم يرشح الانجليز محمد على : أجاب :''' أن الانجليز يعرفون أنه مكروه من الشعب المصري وطاعن في السن أما [[عباس حلمي]] فقد كان محبوبا من الشعب المصري ومن هنا رأوا أن يعيدوه إلى عرضه ترضية للشعب المصري .<br />
<br />
وعلى الرغم من أهمية هذا الرأي إلا أننا لا نميل إلى الأخذ به لسبب بسيط وهو أن المخابرات البريطانية كانت تعلم جيدا أن [[عباس حلمي]] يتعامل مع المخابرات الألمانية وأنهم يرشحونه ملكا على [[مصر]] ولم تكن هذه الحقيقية خافية عن [[السياسة]] للبريطانية فليس من المعقول أن يقع اختيارهم عليه إلا أذا كان من باب كشف نواياه لدي المخابرات الألمانية ما يضاعف من صعوبة موقفه .<br />
<br />
ووفقا للتفسير التاريخي فإننا نعتقد أن بريطانيا لم تكن عازمة على توليه محمد على باشا خلفا لفاروق حيث تجمعت العديد من تقارير المخابرات البريطانية وبعد استطلاع رأي العديد من الشخصيات السياسية سواء مصرية أو انجليزية واتفقت كل الآراء على أن محمد على بتربيته التركية وتعاليه على الشعب المصري وبعده عن الشارع السياسي لا يصلح بأي حال لكي يكون ملكا على [[مصر]] ولذا فإننا نعتقد أن الأكثر احتمالا أن بريطانيا كانت تفكر في إعلان الجمهورية وتنصيب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا رئيسا لأول جمهورية مصرية وهذا يتفق مع رأي [[فتحي رضوان]] والذي عاصر كل هذه الأحداث .<br />
<br />
وعلى الرغم من خطورة الأحداث وتطورها بشكل سريع إلا أن فاروق قد تمسك بوجهة نظره وأسرع إزاء هذا الإنذار بدعوة الزعماء السياسيين بكل شئ فلا شئ يعنيني غير مصلحة [[مصر]] وكرامتها ويبدو أن فاروق لم يكن صادقا فيما يقول وإنما أراد أن يعد بهؤلاء الزعماء السياسيين مظاهرة للضغط على بريطانيا على اعتبار أن الشعب المصري كله ممثلا في هذا الاجتماع وبالرغم من كل هذا فلم يكن فاروق واثقا من أن بريطانيا ستمضي في تهديدها إلى آخر الطريق ومن هذه الناحية فإن [[أحمد حسنين]] باشا – رئيس الديوان – يتحمل التبعة الكبرى حيث كان يعلم أن بريطانيا كانت جادة في عزمها مصممة على المضي فيما اعتزمته وهذا ما يؤكده [[علي ماهر]] باشا .<br />
<br />
ويذكر الدكتور هيكل في مذاكرته عن اجتماع الملك بالزعماء بعد ظهر 4 [[فبراير]] فيقول عندما فرغنا من مداولتنا طلب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا الكلمة وقال '''(''' أنه ساعة أن حضر هذا الاجتماع لم يكن يعرف شيئا مما حدث وجاء ذكره في الرسالة الملكية فهو لم يكن يعلم أن الانجليز طلبوا إليه تأليف الوزارة ولم يكن يعلم بهذا الإنذار الأخير ولم يسمع به إلا وهو في طريقه إلى القصر . أما وذلك موقفه فإنه لا يرفض تأليف الوزارة إذا عهد إليه الملك بتأليفها .<br />
<br />
'''ويعلق الدكتور هيكل على كلمات رئيس لوفد بقوله :''' لقد سمع الحاضرون عبارات رئيس [[الوفد]] وعلى ثغر بعضهم ابتسامة ذات مغزي معناها '''(''' يكاد المريب يقول خذوني ''')''' فلو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] لم يكن يعرف شيئا من هذا الذي قال أنه لا يعلمه لكانت النتيجة المرتبة عليه أنه وقد عرف ما كشفت عند الرسالة الملكية فإنه يرفض أن يؤلف الوزارة ولو دعاه الملك لتأليفها حتي لا يكون الملك قد أكره على ذلك من جانب بريطانيا أما أن يقول أنه لم يكن يعرف هذه الوقائع وأنه مستعد بعد أن عرفها أن يؤلف الوزارة إذا عهد إليه الملك فمعني ذلك في أيسر صورة أنه لا ينكر على الانجليز حقهم في هذا التدخل ولا ينكر توجيهيهم الإنذار وأنه غير مستعد لأية تضحية في سبيل رد هذا الإنذار هذا أن صح أنه لم يكن يعرف .<br />
<br />
وتدخل الحاضرون فمنهم من نصح [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا برفض الوزارة ومنهم من طلب إليه أن يشكلها وزارة قومية وبعضهم طلب إليه أن يشكلها إدارية لإجراء الانتخابات وعرض آخرون وزارة محايدة إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد رفض كل هذه الحلول وأصر على أن تكون وزارة وفدية لحما ودما .<br />
<br />
ويلاحظ وفقا لهذ الاجتماع أن الزعماء السياسيين قد وقعوا جميعا في مغالطة شديدة حيث أنهم تصوروا أن تشكيل وزارة قومية أو محايدة سوف يخرجهم من دائرة الإنذار البريطاني ومن الطبيعي أن رئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا للوزارة سواء كانت وفدية أو قومية بعد تطبيقا عمليا للإنذار مهما كان شكل ولو الوزارة إلا أنها العصبية الحزبية والرغبة في الحكم فالكل يجتهد كي يكون له نصيب من الوزارة المقترحة .<br />
<br />
وبعد أن تأكد المجتمعون أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] لن يقبلها إلا وفدية خالصة بدأ التفكير في رفض الإنذار وعدم العمل به من حيث المبدأ '''واقترح [[إسماعيل صدقي]] الرد على الإنذار بمماثل هذا نصه : ''' أن في توجيه التبليغ البريطاني اعتداء على استقبل البلاد ومساسا بمعاهدة الصداقة ولا يسع الملك أن يقبل ما يمس استقلال البلاد ويخل بأحكام المعاهدة ووافق الحاضرون جميعا بما فيهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على التوقيع على هذا الرد وحمله [[أحمد حسنين]] إلى السفير البريطاني .<br />
<br />
ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد وقع على هذا الاحتجاج حتى لا يقع في مزيد من الحرج وهذا ما ذكره [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه في حديثه مع رئيس محكمة النقض '''(''' [[زكي علي]] باشا ''')'''<br />
<br />
وأعتقد أن فاروق لم يكن ينوي الخضوع للإنذار البريطاني في بداية الأمر ولعله يقصد من وراء ذلك ارتداء ثوب البطولة كما أنه كان واثقا من إمكانية الوصول إلى حل وقف ويذكر الدكتور هيكل أن الملك قال له أثناء المقابلة التي تمت مع رؤساء الأحزاب في 3 [[فبراير]] – كل على حده – لا تبالغ في مخاوفك يا دكتور هيكل فستمر هذه الأزمة كما مرت غيرها من قبل وسنجد رئيس الوزارة الجديدة على نحو ما وجدنا [[حسن صبري]] و[[حسين سري]] ولعل فاروق كان يفكر في [[محمد محمود]] خليل رئيس مجلس الشيوخ ليشكل الوزارة ومما يؤكد هذه الرواية ما ذكره [[صليب سامي]] في مذكراته حيث يقول : أنه في نفس اليوم الذي حدثت فيه أحداث 4 [[فبراير]] وأثناء مقابلة الملك للسفير البريطاني والقادة العسكريون في ذلك اليوم كان [[محمد محمود]] خليل بالسري لابسا بدلته '''(''' الرد نجوت''')''' في انتظار الملك لتسليمه الأمر بتشكيل الوزارة .<br />
<br />
وعموما فلقد كان فاروق يرفض أن يؤلف [[مصطفى النحاس|النحاس]] وزارة وفدية خالصة لا من أجل أن يقال أنه خضع للإنذار وإنما لأنه كان لا يريد أن يجعل مقاليد الأمور في يد خصومه [[الوفد]]يين والاحتفاظ بقدر كبير من السلطة في يده عن طريق حزب الأقلية وهذا لن يتحقق في حالة وجود حكومة وفدية .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن فاروقا أراد أن يحدث نوعا من المناورة البارعة وذلك يرفض الإنذار البريطاني حتي يتطاير الخبر إلى أصدقائه الألمان حيث أ البيانات التي كانت تصله من جبهات الحرب كانت تبالغ في انتصارات المحور مؤكد على أن المعركة قد حسمت ولم يبق إلا عامل الوقت فقط .<br />
<br />
وعلى ضوء المقابلات التي جرت بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] وغيره من الزعماء السياسيين وبين لامبسون و[[أمين عثمان]] كان الخلاف ينحصر في نوعية الوزارة الجديدة وكيفية تشكيلها واعتقد أن كل هذه الخلافات والمصادمات لم ترق إلى حجم الأزمة التي انتهت إليها بل إن الأمر في حقيقته كان صراعا علي السلطة بين قوتين متعارضتين الأولي تتمثل في حزب الأغلبية يسانده الانجليز والثانية تقوم على أحزاب الأقلية يساندها القصر فكان لابد من انتصار احدي القوتين على الأخرى .<br />
<br />
===الدبابات البريطانية حول قصر عابدين===<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت تبذل فيه السفارة البريطانية قدرا كبيرا من الجهد لعودة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا فإن لامبسون كان يعد العدة لإجبار فاروق على التنازل من العرش إذا ما رفض المطالب البريطانية .<br />
<br />
وتم الاتفاق في مجلس الحرب على انه إذا لم يصل رد فاروق حتى الساعة السادسة '''(''' من مساء 4 [[فبراير]] ''')''' فسوف يتوجه لامبسون إلى قصر عابدين وبصحبته قائد القوات البريطانية في [[مصر]] " الجنرال ستون " وستتخذ كافة الإجراءات العسكرية وتم الاتفاق أيضا على وضع الخطة النهائية لمحاصرة القصر وإجبار الملك على التنازل واصطحابه إلى خارج القصر واقترح أميرال البحرية اعتقال فاروق في احدي سفن الأسطول البريطاني حتي يتقرر مصيره من قبل وزارة المستعمرات البريطانية .<br />
<br />
ولعل امتناع فاروق عن التنازل عن العرش كان من بين المسائل التي شغلت حيزا كبيرا من تفكير الدوائر البريطانية على اعتبار أن [[معاهدة 1936]] لا تتضمن مثل هذا النوع من التدخل ولا يوجد نص في الدستور المصري يمكن أن تتذرع به بريطانيا لعزل الملك ولقد أشار السفير إلى كل هذه المخاوف بقوله : وإذا ما أصر فاروق على عدم التنازل فإن خلع من جانبنا يعد عملا غير مشبوه وإن أية محاولة ونحن نبدو كحماة الدستور وفي الوقت نفسه نخرقه بالقوة فإن هذا سيضاعف من متاعبنا أمام الرأي العام المصري .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فقد انقسم مجلس الحرب البريطاني إزاء تلك القضية الشائكة إلا أن تطور الأحداث والخوف من حدوث أية مفاجأة غير متوقعة وخصوصا من الرأي العام المصري قد جعل فريق المترددين وعلى رأسهم " الجنرال ستو " ينضمون إلى فكرة لامبسون والتي تحبذ إجبار فاروق على التنازل بالقوة .<br />
<br />
وبدأ التفكير في المكان الذي سينقل إليه الملك واختلفت وجهات النظر أيضا فبينما رأي البعض إرساله إلى كينيا أو سيشل فقد رأي البعض الآخر أن ينزل به إلى احدي سفن الأطول البريطاني حتي يتقرر مصيره من قبل وزارة المستعمر .<br />
<br />
'''ووضعت الصيغة النهائية لوثيقة التنازل عن العرش : ''' " نحن فاروق ملك [[مصر]] إذ نضع في اعتبارنا مصالح بلادنا نتخلي من ثم بالتسوية لأنفسنا وبالنسبة لورثتنا عن عرش مملكة [[مصر]] وجميع الحقوق الملكية والمميزات والسلطات على جميع أنحاء المملكة المذكورة وإعفاء رعايانا المذكورين من ولائهم لشخصنا "<br />
<br />
ولما كانت السلطات البريطانية تعلم جيدا أن اجتماع الملك بالزعماء المصريين لن يحقق أى نوع من الاتفاق بالرغم من الإنذار الصريح بدعوة [[مصطفى النحاس]] لتشكيل الحكومة لجأ الانجليز إلى تنفيذ الخطة المرسومة والتي تقتضي بمحاصرة قصر عابدين وجميع الطرق المؤدية إليه وعدم دخول أو خروج أحد.<br />
<br />
وفي جميع الأزمات التي مرت ب[[مصر]] كانت الحكومة البريطانية تأخذ في الاعتبار موقف [[الجيش المصري]] إلى جانب الرأي العام فعندما طلبت بريطانيا من [[مصر]] إعلان الحرب على دولتي المحور قالت أنها تقدر الأهمية البالغة للقوات المسلحة المصرية وعندما أنذرت فاروق بتغيير وزارة [[علي ماهر]] أصرت على أن تجئ الوزارة الجديدة حائزة لولاء الجيش وعند الاستعداد لمحاصرة عابدين '''(''' 4 [[فبراير]] ''')''' احتفظت السلطات العسكرية بأسرار العملية إلى ساعة الصفر واتخذت جميع الاحتياطات لكيلا يقع تصادم بين [[الجيش المصري]] والقوات البريطانية ووفق رواية المسئول عن أمن القوات البريطانية في[[مصر]] " الماجور سانسوم " '''حيث قال : ''' لقد كانت الحكومة البريطانية قد أصدرت أوامرها إلى " سيرما يلز لامبسون " بأن يوجه إنذار إلى الملك '''وكنت مرتبطا بهذه العملية عن طريقتين : '''<br />
<br />
'''الأول : ''' كان استشاريا فوفق معلوماتي عن الوضع داخل [[الجيش المصري]] ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لتحول بين [[الجيش المصري]] والتدخل المسلح في العملية المزمع القيام بها '''؟''' وبصدد هذا الإجراء فقد اقترحت أن توصد كل الطرق والشوارع لمؤدية إلى قاب [[القاهرة]] أن الضباط الصغار لا يحبون الملك ولكنهم يكرهوننا أكثر وسيكون رد الفعل عندهم عنيفا لمثل هذه والإهانة وبالفعل أغلقت جميع الطرق الموصلة بين ألماظة و[[القاهرة]] وقبل ساعة الصفر مباشرة قامت فصيلة من قواتنا بالهجوم على ثكنات الحرس الملكي في ميدان عابدين وقبضت على كل الموجودين وكذلك ثم القبض على الحراس الذين كانوا يقفون عند باب القصر وحل محله جنود بريطانيون ثم دخل لامبسون بسيارته إلى داخل القصر وكانت تصحبه مجموعة من العربات المصفحة والدبابات ويمضي سانسوم في روايته قائلا ولم تكن [[القاهرة]] .<br />
<br />
تعلم شيئا عن الحادث وكان عدد من المارة يحملقون في الجنود البريطانيين الذين احتلوا مكان الحرس الملكي وكان المارة ينظرون إلى العربات المصفحة التي دخلت إلى فناء القصر دون استغراب أول الأمر غير أن البعض بدأ يدرك أن ثمة شيئا غير طبيعي يحدث وأخذ الناس يتجمعون حتى اضطر الجنود البريطانيون إلى إقامة كردون من أنفسهم لإبعاد الناس عن القصر في الوقت الذي كان السفير يقدم إنذاره لفاروق .<br />
<br />
'''أما المهمة الثانية : '''<br />
هي التأكيد من أن السفير لن يصيبه ضرر وكانت أعتقد أن الخطر الرئيسي قد يصدر من ضابط ثائر من ضباط الحرس الملكي الذي قد يدفعه غضبه إلى إطلاق رصاصة على السفر ولذلك قبضنا على جميع الضباط المصريين داخل القصر إبان عقد المؤتمر بين السفير وفاروق .<br />
<br />
'''ووفق رواية السفير والتي ضمنها أحد تقاريره إلى حكومته قائلا : '''<br />
لقد وصلت إلى قصر عابدين في التاسعة تماما وفي الطريق مررنا بطوابير المصفحات وناقلات الجنود والدبابات والتي كانت تبدو كأشباح في الشوارع المظلمة وهي تأخذ مواقعها حول القصر وكنت أستطيع وأنا بالطابق العلوي داخل القصر أن أسمع أصوات الدبابات والمدرعات مما تحدث جوا مثيرا وشك أن أصبح في رجال الديوان أنني غير مستعد للأنظار أكثر من ذلك . لذلك تأخذ استدعائي إلى غرفة الملك لمدة خمس دقائق وكفت على عندما دعيت لمثول أمام الملك وحاول كبير الأمناء ن يمنع الجنرال ستون " قائد القوات البريطانية " من الدخول إلى القاعة التي تم فيها لقائي مع الملك ولكني نحيته جانبا ودخلت والجنرال ستون معا إلى الملك .<br />
<br />
القص وجردتهم من سلاحهم مما اضطر بعض أفراد الحرس إلى المقاومة ولكن البريطانيين تكاثروا عليهم بعد أن صدرت التعليمات الملكية بعدم المقاومة حتى لا تحدث مذبحة أمام قصر عابدين وكان قد أصيب بعض أفراد الحرس بكسور في العظام وبجروح مختلفة وفي نفس الوقت كانت الطائرات البريطانية تقف على أهبة الاستعداد للتحليق فوق ثكنات [[الجيش المصري]] ومعسكراته وقذفها بالقنابل إذا ما بدت من الجيش أية مقاومة وحاصر الجنود الانجليز أقسام البوليس في [[القاهرة]] وقطعوا جميع الأسلاك التليفونية بين قصر عابدين وخارجة كما حاصروا محطة الإذاعة المصرية لكي يحولوا دون وصول الخبر إلى الشعب المصري. <br />
ويلاحظ أن الروايات الثلاث السابقة تتفق مع بعضها في الإطار العام إلا أنها تختلف عن بعضها في كثير من التفصيلات فبينما يذكر الماجور سانسوم '''(''' مسئول الأمن في [[القاهرة]] ''')''' أن القوات البريطانية قامت بقطع الطرق المؤدية إلى [[القاهرة]] بواسطة العديد من الفصائل العسكرية وكذلك القبض على جنود وضباط الحرس الملكي فهو لم يذكر الإجراءات التي قامت بها القوات البريطانية فيما يتعلق بالطيران وكذلك محاصرة أقسام البوليس وقطع الاتصالات التليفونية عن قصر عابدين وكذلك محاصرة مبني الإذاعة المصرية .<br />
<br />
'''إلا أننا نعتقد أن الرواية الأخيرة والتي ذكرها بعض المعاصرين تعد أقرب الروايات التي الحقيقة لعدة أسباب : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' تطابق رواية [[محمد التابعي]] مع رواية [[حسين الشافعي]] والأول قريبا من دوائر القصر بحكم عمله الصحفي والثاني كان أحد الضباط الشبان والذي كانت تربطه صداقات وطيدة بعدد من ضباط الحرس الملكي والروايتان في مجملهما تتفقان مع روايات كثير من الساسة المصريين .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد استقي التابعي معلوماته عن [[أحمد حسنين]] والذي شاهد كل هذه الأحداث بحكم عمله كرئيس للديوان الملكي .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' ووفقا للمصادر البريطانية فغن قادة كل الأسلحة قد اشتركوا في كل المؤتمرات التي عقدها السفير وهو بصدد وضع الخطة النهائية للتدخل ومن الطبيعي أن يتولي قادة الأسلحة كل في موقعه ترتيبات الأمن اللازمة سواء في مجال الطيران أو الشرطة أو القوات البرية أو غير ذلك .<br />
<br />
إلا أن هناك بعض الروايات التي لم نجد لها سندا في أى رواية أخري حيث يذكر صاحب هذه الرواية أن السفير وهو في طريقه إلى مكتب الملك وبصحبته الجنرال ستون قد فتح غرفة الملك ضاربا إياها بقدميه .<br />
<br />
وعلى كل فإن لامبسون قد دخل على فاروق وبصحبته الجنرال ستون بينما الضباط الانجليز يحرسون الباب وفي أيديهم المسدسات ووفقا لبرقيات لامبسون إلى حكومته فقد كان فاروق ينتفض من الخوف بينما [[أحمد حسنين]] كان يبتسم بقدر لا بأس به من الشجاعة .<br />
<br />
ويضيف لامبسون في احدي برقياته والتي تتسم بقدر كبير من التشفي '''(''' كان من الواضح أن الملك قد أخذ على غرة واقترح بقاء حسنين باشا أثناء المقابلة فوافقت على ذلك ودخلت في الموضوع مباشرة حيث قلت : لقد كنت أتوقع ردا بنعم قبل الساعة السادسة مساء على رسالتي التي بعثت بها هذا الصباح وبدلا من ذلك فقد بعثت إلى حسنين باشا في السادسة والربع برسالة لا أستطيع إلا أن اعتبرها رفضا . ويجب أن أعرف الآن ودون أية موارية ما إذا كان معني هذه لرسالة هو لا . وحاول الملك أن يجادل '''ولكني قطعت عليه الطريق بقولي : '''<br />
" أني أعتبر الجواب بالنفي وقرأت عليه البيان الذي أعددناه في السفارة وفي النهاية قدمت إليه خطاب التنازل عن العرش وطلبت إليه التوقيع فورا ويمضي لامبسون قائلا : لقد تردد الملك قليلا وقد كنت أظنه سيوقع الخطاب " وثيقة التنازل" إلا أن حسين باشا قد تدخل محدثا إياه بالعربية وبعد فترة من الاضطراب الشديد الذي بدا على الملك سألني بشكل يدعوا للرثاء عما إذا كنت على استعداد لإعطائه فرصة أخري مبديا موافقته الشديدة على دعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لتشكيل الحكومة فورا .<br />
<br />
ثم ترددت '''(''' عمدت إلى التردد ''')''' وأخيرا وافقت على إعطائه تلك الفرصة تحدوني الرغبة في تجنيب أى تعقيدات محتملة في البلاد .<br />
<br />
وهناك العديد من التفصيلات التي لا تنفق والغرض الحقيقي من هذه الدراسة ومنها على سبيل المثال أن السفير قد وضع وثيقة التنازل أمام فاروقا وقت قراءة البيان ومن المحتمل أن يكون الملك قد قرأها ومن المحتمل أيضا أنه لم يرها .<br />
<br />
وببساطة شديدة فإننا نعتقد أن فاروقا قد قرأ وثيقة التنازل لسبب بسيط وهو أنه قد هم بالتوقيع عليها لولا تدخل [[أحمد حسنين]] والذي حددته بالعربية " وفقا للوثائق البريطانية " طالبا منه عدم التوقيع .<br />
<br />
'''وهناك رواية أخري تقول : ''' أن السفير قد قدم إلى الملك وثيقة التنازل عن العرش وطلب إليه توقيعها وبعد أن قرأ الملك نظر إلى قائد القوات البريطانية '''(''' المصاحب للسفير ''')''' وقال له " كنت أود لو أنك ما زالت في خدمة جيشي " '''ثم قال للسفير : ''' أنني مستعد لتوقيع هذه الوثيقة إلا أنك توافقني على أنها وثيقة تاريخية خطيرة ولا يجوز أن تكتب على ورق عادي ومن اللائق أن أكلف من يقوم بكتابتها على ورق يليق بشخصي وعجب السفير لهذا الهدوء والذي يبدو على الملك '''ثم أضاف [[الملك فاروق]] : ''' هل لى أن أسالك عن السبب الذي دعا إلى كتابة هذه الورقة '''؟''' ... أنا من ناحيتي موافق عل أن يشكل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وزارته كما يراها .<br />
<br />
ويبدو أن الرواية السابقة لا تتفق بأى حال مع الحالة النفسية التي سيطرت على فاروق والتي وصفها السفير في برقياته من أن الملك كان يرتعد من الخوف ومن غير المعقول أن يبدو فاروق على هذه الصورة في وقت يعلم أن عرشه ومستقبله معرضان للضياع والأمل في إقناع السفير بالعدول عن هذا المسلك يبدو ضعيفا وتلك الرواية تتسم بعدم الموضوعية مما يجعلنا نعتقد أنها تحتمل تخريجات اجتهادية لا ترق إلى مرتبة التفسيرات التاريخية الجادة , وعلى هذا فرواية السفير والتي ذكر فيها أن فاروقا قد استمع إليه وبلا أى إضافات هي أقرب الروايات إلى المنطق الصحيح وأقرب في تصورنا إلى العقل .<br />
<br />
وهكذا استسلم فاروق بعد أن انكشف الوجه الحقيقي ل[[معاهدة 1936]] ولم يكن من باب الشجاعة أن يمضي فاروق في عناده إلى آخر الطريق حيث تأكد تماما أن مصيره ومصير أسرة محمد على بأكملها مرهونة بموافقة بريطانيا ولذا فإنني أعتقد إن الآثار النفسية التي تركها هذا الحادث على حياة الملك الشاب كانت خطيرة ويمكن القول بأنها كانت مدمرة .<br />
<br />
وبمجرد أن انصرف لامبسون بعد أن اصدر أوامره إلى الدبابات والمصفحات بالانصراف من حول القصر صدرت الأوامر لملكية بدعوة الزعماء الذين حضروا الاجتماع الأول '''(''' في نفس اليوم''')''' وترأس لملك هذا الاجتماع '''ويصف الدكتور هيكل ما حدث في هذا اللقاء بقوله : ''' لقد وجه الملك كلامه إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا '''قائلا : ''' أني أكلفك يا نحاس باشا بتأليف الوزارة وأطلب إليك أن يكون حكمك قوميا لا حزبيا كما أطلب إليك حين انصرافك من هنا أن تمر بالسفارة البريطانية فتبلغ السفير بأنني عهدت إليك بتأليف الوزارة وقال [[مصطفى النحاس|النحاس]] لدي سماعه هذه العبارة . أنني أتلقي الأمر من جلالتكم ولا أري ضرورة لإبلاغ السفير '''فكر الملك : ''' لكني أري ضرورة في أن تمر بالسفارة وتبلغ ما طلبت إليك أن تبلغه إياه .<br />
<br />
ولعل إصرار فاروق على ذهاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى قصر الدوبارة يعد نوعا من الدبلوماسية الماكرة بهدف إخراجه والتنويه على أن عودته كانت بناء على ضغط السفارة البريطانية '''ولقد أفصح الدكتور حمد ماهر عن هذا المعني بقوله : ''' أنك يا نحاس باشا تؤلف الوزارة على أسنة الحراب البريطانية بعد أن رأيت الدبابات بعيني راسك '''وأجاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] : ''' أنا لم أر دبابات و حرابا فقال [[إسماعيل صدقي]] باشا . نعم يا باشا أنك جئت متأخرا بعد انصرفت الدبابات حتى لا تراها أمام نحن جميعا فقد رأيناها ساعة جئنا إلى القصر .<br />
<br />
وهو ما كرره [[أحمد ماهر]] بعد ذلك في الرسالة الشهيرة التي أرسلها للسفير احتجاجا على الإنذار البريطاني وقد قال فيها مخاطبا لامبسون " أنكم لا تستطيعون أن تقنعونا بحال أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لم يكن على علم بالنيات الخفية لتي اعتزمتموها وغلا فهل كان من المعقول أن تحتموا تشكيل وزارة وفدية بذلك الإلحاح البالغ وتجازفوا في هذا السبيل بتقديم إنذار تؤيدونه بالقوة المسلحة للو لم تكونوا على يقين سابق وتأكيد صريح باتفاق [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا معكم اتفاقا تاما على تلك الخطة المبيتة .<br />
<br />
ونشرت احدي الصحف ما يسمي بمحضر اجتماع 4 [[فبراير]] وذكرت هذه الرواية وبعد أن انتظم الاجتماع في الساعة التاسعة مساء حضر جلالة وقال . أرجو أن تنسوا ما دار بينكم من الحديث وما قررتموه بعد ظهر اليوم وأني أكلف [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بأن تشكيل الوزارة وأطلب إليه عند انصرافه من هنا أن يمر على دار السفير حيث أن هذه هي رغبة السفير الخ أما باقي المحضر فلا يختلف عما ذكرناه من قبل .<br />
<br />
ولقد اعتبر [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أن ما نشرته الصحيفة يعد مخالفا لمحضر الجلسة '''(''' مساء 4 [[فبراير]] ''')''' وذكر في روايته والتي بعث بها إلى نفس الصحيفة ما يأتي ؟ ذكرت الصحيفة أن جلالة الملك طلب إلى أن أمر بعد انصرافي من القصر على دار السفير وابلغه أني كلفت بتشكيل الوزارة لأنه طلب ذلك إلى جلالته , وهذا لا يطابق الواقع إذ لم يقل جلالة الملك ان السفير ولكن جلالته أمرني بذلك فقد كان من المتعين معالجة الموقف مع الانجليز .<br />
<br />
'''وبصدد دراسة الروايات السابقة فإننا نشير إلى عدة اعتبارات؟'''<br />
<br />
'''أولا: ''' أن ما نشر تحت عنوان " محضر اجتماع 4 [[فبراير]] " لم يكن محضرا بالمعني الوثائقي وإنما هو عبارة عن تصوير للأحداث التي وقعت مساء 4 [[فبراير]] من وجهة نظر [[محمود حسن]] باشا كبير المستشارين الملكيين والذي حضر الاجتماعيين وعلي الرغم من أنه لم يوقع على هذا الحضر إلا أن المناقشات التي تلت ذلك في الصحف وردود الفعل الكبيرة التي أحدثها نشر هذا الموضوع كشفت عن اسمه وعرفه الجميع .<br />
<br />
'''ثانيا: '''<br />
يختلف محضر اجتماع 4 [[فبراير]] عما ذكره الدكتور هيكل في روايته التي أشار فيها إلى أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد اعترض على ذهابه إلى السفارة باعتبار أن الأمر بتشكيل الوزارة صادر من الملك وليس من السفير إلا أن الملك كرر طلبه بضرورة ذهاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى السفارة <br />
وهذه الرواية تمثل إضافة لم ترد في رواية [[محمود حسن]] باشا حيث يذكر أن الملك قد طلب من [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يمر على السفارة ولم يذكر أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد اعترض على هذا المطلب.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن رواية الدكتور هيكل تتفق مع رواية [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في عدم ذكرها قول لملك للنحاس باشا " اطلب منك أن تمر على السفارة البريطانية حيث طلب السفير إلى ذلك , ومن مقارنة رواية [[مصطفى النحاس|النحاس]] بما ذكره الدكتور هيكل ومطابقتها بما ذكره [[محمود حسن]] باشا تظهر أن رواية هيكل أقرب إلى رواية [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولما كان هيكل يعد خصما سياسيا للوفد فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه عمد إلى الدفاع عن [[مصطفى النحاس]] .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لم يذكر الدكتور هيكل ولا [[محمود حسن]] باشا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كرر رفض قبول الوزارة وأن فاروقا قد بذل قدرا كبيرا من المحاولات لإقناع [[مصطفى النحاس|النحاس]] في الوقت الذي كان يعتقد أن عدم تشكيل الوزارة يعد نوعا من الالتزام بما اتفق عليه في الاجتماع الأول حيث وقع الجميع علي الاحتجاج المقدم للسفير البريطاني أمام إصرار الملك فقد اضطر [[مصطفى النحاس|النحاس]] أخيرا للموافقة .<br />
<br />
والتزاما بالموضوعية التاريخية فإننا نعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد تردد كثيرا في قبول الوزارة وخصوصا بعد ما علم من حصار قصر عابدين ولذا فقد تضمن خطاب قبول الوزارة '''(''' لقد تفضلتم جلالتكم وعهدتم إلى تأليف الوزارة وأعربتم بلسانكم الكريم المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة الخ ''')'''<br />
<br />
ولما كان خطاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بقبول تأليف الوزارة يعد وثيقة هامة نشرت في كثير من الصحف [[الوفد]]ية وغير [[الوفد]]ية وليس من لمعقول أن تتضمن إضافات لم تحدث وإلا كان القصر أول من بار بتكذيبها فإننا نعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد حاول مرارا أن يرفض قبول الحكم في مثل هذه الظروف الدقيقة والخطيرة ووفقا لما ذكره أحد زعماء [[الوفد]] من أن رفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] للوزارة كان يعني بالضرورة خلع [[الملك فاروق]] من منصبه ولذا فقد ضحينا ببعض من سمعتنا في سبيل إنقاذ الملك.<br />
<br />
ويبدو ان [[الملك فاروق]] قد أراد أن يستنجد بالسفارة الأمريكية لحمايته من التعنت البريطاني ولذا فقد استدعي مستر كيرك '''(''' سفير الأمريكي ''')''' لمقابلته في منتصف الساعة السابعة من مساء 4 [[فبراير]] ليخبره بالإنذار البريطاني إلا أن السفير الأمريكي قو طيب خاطره بسبب الحالة النفسية التي كانت تسيطر على الملك وقد حاول فاروق أن يطلب من السفير الأمريكي الضغط على لامبسون لكي يحول دون عودة [[الوفد]] إلا أن إجابات '''(''' كيرك ''')''' قد اتسمت بالتعقل الشديد مطالبا فاروق بتنحية الخلافات الداخلية جانبا لأن ما يشغل أمريكا وانجلترا في الوقت الحاضر هو هزيمة هتلر وأنه يأمل أن يكون الملك عاملا في هذا الاتجاه .<br />
<br />
وتؤكد الوثائق الأمريكية أن موضوع عزل [[الملك فاروق]] قد ترك أثر سيئا لدي وزارة الخارجية الأمريكية على اعتبار أن تلك الخطوة ستجعل من فاروق شهيدا في نظر الشعب المصري وقد يترتب عليها حدوث اضطرابات في المنطقة مما يضاعف من نشاط المحور ولذا فقد أعدت إدارة الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية تقديرا لتقديمه إلى الحكومة البريطانية تطلب منها أن يظل [[الملك فاروق]] محتفظا بعرضه . ووفق المصدر " أننا نأمل أن لا تؤدي هذه الأحداث الأخيرة إلى انصراف جزء من القوات البريطانية عن قضيتها الأساسية في المنطقة.<br />
<br />
إلا أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لم تر أن مصالحها تتطلب مثل هذا التدخل المقترح لأن [[مصر]] تقع في دائرة النفوذ البريطاني كما أننا لا نسمح لحكومة بريطانيا أن تتدخل في الشئون الداخلية لاحدي دول أمريكا اللاتينية فإننا لن نتدخل في تلك القضية على اعتبار أنها مشكلة بريطانية مصرية بحتة وأن تدخلنا سيحملنا قدرا كبيرا من المسئولية إذا ما تضاعف الأحوال سوءا في [[مصر]] .<br />
<br />
وهكذا امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية من أن تقحم نفسها في تلك القضية على اعتبار أن [[مصر]] تقع في دائرة النفوذ الأمريكي ولا أعتقد أن بريطانيا ما كانت لتسمح لحليفتها بالتدخل فعلي الرغم ن التحالف بينهما إلا أن نوعا من التوجس قد بدأ يراود وزارة الخارجية البريطانية بسبب لتفوق العسكري الأمريكي من جانب المطامع الأمريكية التي قد تبدو مؤكدة إذا ما انتهت الحرب.<br />
<br />
وعلى العموم فقد هدأت الأمور بعد أن صدرت الأوامر الملكية بدعوة [[مصطفى النحاس]] ليشكل حكومة وفدية خالصة وعلى الرغم من الهزيمة الساحقة التي لحقت ب[[الملك فاروق]] إلا أن رسالته التي بعث بها الي [[مصطفى النحاس]] بتأليف وزارة 4 [[فبراير]] تعد تراجعا أكيدا أمام التسلط البريطاني '''وقد يبدو هذا المعني من نص تلك الوثيقة والتي ورد ذكرها كالآتي : '''<br />
<br />
'''(''' عزيزي [[مصطفى النحاس]] يسرني وقد عرفت فيكم أصالة الرأي وسداد التدبير وقوة الإخلاص أن أسند إليكم رياسة مجلس وزارتنا أن [[مصر]] وطننا العزيز لأحوج ما تكون في هذه الآونة الدقيقة إلى تضافر الجهود وضم الصفوف وجمع القوي وبذل التضحية وإنكار الذات في سبيل حفظ كيانها وإعلاء شأنها ورفاهية شعبها وذلك ما أرجو أن يكون بتوفيق الله وعظيم تأييده ... ''')''' الخ .<br />
<br />
والملاحظ على خطاب الملك إلى [[مصطفى النحاس]] أنه يشير وبأسلوب رقيق إلى أصالة رأي [[مصطفى النحاس|النحاس]] وسداد تدبيره وإخلاصه سواء للعرش أو للشعب وعلى ما نعتقد فإن هذه الوثيقة تحمل قدرا كبيرا من النفاق السياسي والذي حكمته الظروف الموضوعية والملابسات التي أحاطت بتشكيل الوزارة وعلى الرغم من المعاناة النفسية التي أحدثها هذا الموقف في نفسية الملك إلا أنه قد أراد للأزمة أن تمر بعد أن أقسم بالإيمان المغلظة أن ينتقم لشرفه ولكرامته .<br />
<br />
وبالنظر إلى "وثيقة " إقالة [[الوفد]] سنة [[1937]] والتي تؤكد وجهة نظرنا السابقة حيث أشارت إلى لأعداء التقليدي بين القوتين المتصارعتين - القصر و[[الوفد]] – " نظرا لما اجتمع لدينا من الأدلة على أن شعبنا لم يعد يؤيد طريقة الوزارة في الحكم وأنه يأخذ عليها مجافاتها لروح الدستور وبعدها عن احترام الحريات العام وحمايتها وتعذر إيجاد سبيل لاستصلاح الأمور على يد الوزارة التي ترأسونها لم يكن بد من إقالتها تمهيدا لإقامة حكم صالح يقوم على تعرف رأي الأمة الخ .<br />
<br />
ويبدو من الخطابين السابقين إلى أى حد وصل التناقض في سياسة القصر ومن المؤكد أن الخطاب الأولي والخاص بعودة حكومة 4 [[فبراير]] كن يعكس قدرا كبيرا من الحالة النفسية التي انتابت الملك أثر حصار الدبابات وبعد أن تأكد الملك أن بقاءه ملكا على [[مصر]] كان رهنا بعودة حكومة بالإضافة إلى أن فاروقا كان في حاجة إلى استرداد أنفاسه حيث كان يلهث من أثر الصدمة التي بلا شك لم يكن يتوقعها وكان من الضروري أن يهادن [[الوفد]] ولو لفترة حتى يسترد بعض الواقع التي فقدها أثر هذا الحادث من هنا كان خطاب فاروق إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] لا يحمل أى إشارة ولو من بعيد إلى أن [[الوفد]] قد أفتقد الطريقة الشرعية في عودته . أما الخطاب الثاني والخاص بإقالة [[الوفد]] سنة [[1937]] فقد تضمن أحكاما مطلقة تعبر لبلا شك عن المشاعر الحقيقية التي تتسم بها العلاقة بين القصر و[[الوفد]] وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا صاحب مبدأ الانتقاص من الحقوق الملكية لصالح الحكومة وقد رسخ في ذهن فاروق أن [[الوفد]] بقيادة [[مصطفى النحاس|النحاس]] يخطط إلى عزل فاروق وأن خطة [[الوفد]] قائمة على استراتيجية ثابتة غايتها التخلص من النظام الملكي عموما وكان فاروقا دائم الاستماع إلى مستشاريه من أمثال [[علي ماهر]] و[[أحمد حسنين]] واللذين تمكنا من إقناعه بوجهة النظر السابقة .<br />
<br />
ولما كانت عودة [[الوفد]] 4 [[فبراير]] قد قوبلت بردود فعل متفاوتة ليست في مجلمها لصالح [[الوفد]] فإن طريقة العودة هذه المرة تعد سابقة خطيرة لا تتناسب وتاريخ [[الوفد]] .<br />
<br />
ووفق تطور الأحداث بشكل افقد الكثيرين من الزعماء المقدرة على التفكير الصحيح واتخاذ القرار المناسب إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] يحكم علاقته الوطيدة بجماهير حزبه فقد أراد أن يحدث مناورة سياسية تصحح المعلومات لدي الرأي العام والذي بدأ يعرف حقيقة حصار القصر منذ اليوم الثاني على الرغم من أن الصحف لم تتناول هذا الموضوع حيث كانت الأحكام العرفية والرقابة الشديدة على الصحف .<br />
<br />
إلا أن كلمات الدكتور [[أحمد ماهر]] لقد قبل [[مصطفى النحاس|النحاس]] الحكم على أسنة الحراب البريطانية كانت قد انتشرت وتطايرت وسط جموع الشعب المصري ومن المؤكد أن هذا الشعور قد أزعج [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قبل أى إنسان آخر على اعتبار أن [[الوفد]] يستند إلى جماهيرية شبه مطلقة وأن سريان هذا الثر قد يحدث ردود فعل خطيرة لدي الرأي العم ومن هنا فقد توصل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا إلى فكرة ارتضاها الطرفان – [[الوفد]] والسفارة – وفي اللقاء الأول بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولامبسون – مساء 4 [[فبراير]] تم الاتفاق على تبادل خطابين رسميين بين [[الوفد]] والسفارة يبدي [[مصطفى النحاس|النحاس]] اعتراضه على التدخل في شئون [[مصر]] الداخلية وتبدي بريطانيا رغبتها في عدم التدخل في الشئون المصرية والالتزام ب[[معاهدة 1936]] ولأهمية هاتين الرسالتين فإننا نذكرهما لأهميتهما في العلاقات بين [[الوفد]] والانجليز ولأنهما دليل واضح على التناقض في العلاقات المصرية البريطانية .<br />
<br />
'''رسالة [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى السفير البريطاني: '''<br />
<br />
" يا صاحب السعادة لقد كلفت بمهمة تأليف الوزارة , وقبلت هذا التكليف الذي صدر من جلالة الملك بما له من الحقوق الدستورية وليكن مفهوما ان الأساس الذي قبلت عليه هذه المهمة هو أنه لا [[معاهدة 1936]] ولا مركز [[مصر]] كدولة مستقلة ذات سيادة يسمحان للحليفة بالتدخل في شئون [[مصر]] الداخلية وبخاصة في تأليف لوزارة أو تغييرها وأتمنى يا صاحب السعادة أن تتفضلوا بتأييد ما تضمن خطابي هذا من معاني وبذلك تتوطد صلات الود والاحترام المتبادلين " .<br />
<br />
'''وكتب السفير البريطاني ردا على خطاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بقوله : ''' <br />
<br />
" يا صاحب المقام الرفيع : لي الشرف أن أؤيد وجهة النظر التي عبر عنها خطاب رفعتكم أن أؤكد لرفعتكم أن سياسة الحكومة البريطانية قائمة على تحقيق التعاون بإخلاص مع حكومة [[مصر]] مستقلة وحليفة في تنفيذ المعاهدة البريطانية المصرية من غير أن نتدخل في شئون [[مصر]] الداخلية ولا في تأليف الحكومات أو تغيرها... " الخ . واعتقد أن هاتين الرسالتين تفتقدين في مجملهما إلى الصدق وهما من قبيل الدعابة فقط تهدئة المشاعر الثائرة . ويبدو أن الشعب المصري قد أدرك بفطرته حقيقة تلك المناورة وإذا كان [[الوفد]] قد اتفق عليهما مع السفير البريطاني لتبديد الأثر الذي أحاط بمجئ حكومة 4 [[فبراير]] إلا أنني أعتقد أنها قد أحدثت أثرا عكسيا ولعلها كانت فرصة استغلتها القوي السياسية الأخرى حيث عملت على التشكيك في صدق هاتين الرسالتين على اعتبار أنها مناورة سياسية " مكشوفة " تهدف إلى إرضاء الرأي العم الثائر ضد [[الوفد]] والوجود البريطاني معا .<br />
<br />
'''ووفقا لما أحاط هاتين الرسالتين من ملابسات فإننا نسجل بعض الاعتبارات ؟'''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن هاتين الرسالتين قد تم الاتفاق عليهما بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ولورد كليرن '''(''' لامبسون ''')''' في اللقاء الذي تم بينهما مساء 4 [[فبراير]] وأن كان أحد أقطاب [[الوفد]] لا ينكر هذا الاتفاق إلا أنه يعده من منطلق تمسك [[الوفد]] بحقوق [[مصر]] الوطنية وأهمية التأكيد على أن [[الوفد]] لا يتولي الحكم إلا برغبة الملك وحده وأن هذه نقطة لا تؤخذ على [[الوفد]] بل تسجل له .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد نجحت بريطانيا وحققت رغبتها في عودة [[الوفد]] على اعتبار أنه الحزب الشعبي الكبير والقادر على استتاب الأمن وإعادة الهدوء إلى البلاد حتى تتفرغ الحليفة إلى قضيتها الأولي وهي الحرب فلا مانع لديها من أن تتبادل مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] هاتين الرسالتين تقديرا منها للأثر الذي أحاط بعودة [[الوفد]] وحرصا منها على أن يظل الحزب قويا مؤثرا في المجتمع المصري .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد حرصت بريطانيا على أن تبدو أمام الرأي العام المصري وكأنها الدولة الحريصة على قضية الديمقراطية وفي نفس الوقت فإن عودة [[الوفد]] باعتباره الحزب المتمتع بالشعبية لكبري يعد انتصارا أكيدا للديمقراطية التي يرضاها الشعب المصري الحليف.<br />
<br />
ولكن لماذا فوت [[الوفد]] على نفسه فرصة التخلص من الملكية الملك ولا سيما وقد كانت الظروف مواتية في ظل أحداث 4 [[فبراير]] ؟<br />
<br />
من المؤكد أن هذه الفكرة قد راودت زعماء [[الوفد]] وخصوصا وأن رسائل الخارجية البريطانية إلى سفيرها في [[القاهرة]] قد أشارت إلى هذا المعني '''ويمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال عدة نقاط : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' على الرغم من الخلافات التي لم تتوقف بين فاروق و[[الوفد]] منذ اعتلاء فاروق عرش [[مصر]] سنة [[1937]] إلا أن [[الوفد]] لم يكن من سياسته إلغاء الملكية أو التفكير في عزل فاروق ومن المؤكد أن [[الوفد]] لم يكن حريصا على الملكية كمبدأ وإنما اعتقادا بأن فاروق يحظي بشعبية من الصعب تجنيب آثرها لدي الرأي العام المصري وقد يتهم [[الوفد]] بأنه ضليع مع الانجليز في الاتفاق على خلع فاروق ولقد بني [[الوفد]] سياسته دوما على مبدأ أن العبرة ليست في لنظام الملكي أو الجمهوري وإنما الأساس هو الشكل الدستوري الذي من الممكن لو طبق تطبيقا فعليا لجنب البلاد كل الأخطار التي مرت بها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' على ضوء الوثائق البريطانية فإن بريطانيا قد فكرت بالفعل في إقامة نظام جمهوري وحاولت استطلاع وجهة النظر المصرية إلا أن هذه الفكرة لم تجد استجابة سواء لدي [[الوفد]] أو الرأي العام المصري وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن بريطانيا لم يكن يعنيها بأن يكون النظام ملكيا أو جمهوريا وإنما كان حرصها بالقدر الذي يمكنها من تحقيق رغباتها ويبدو أن بريطانيا قد بدأت تراودها هذه الفكرة إلغاء الملكية – ابتداء من [[يناير]] [[1942]] بعد أن تأكد لها عدم إخلاص فاروق لقضية الحلفاء إلا أن هذه الفكرة ما لبثت أن تلاشت سواء بسبب رفض [[الوفد]] أو لأن تجربتها سنة [[1914]] حين أقدمت على عزل الخديوي السابق [[عباس حلمي]] كانت ماثلة أمام أعينهما حيث عبر الشعب ال[[مصر]] عن غضبه في العديد من المناسبات ولعل محاولة اغتيال السلطان حسين كامل '''(''' والذي نصب سلطانا على [[مصر]] بعد خلع الخديوي [[عباس حلمي]] ''')''' كانت ماثلة أمام أعين الانجليز ومن هنا فقد ترددت بريطانيا كثيرا في محاولة عزل فاروق ولو استطعت أن تقدم على تلك الفكرة لكانت قد أحدثتها إلا أن [[السياسة]] البريطانية كانت حريصة وخصوصا في تلك المرحلة الراهنة على التوفيق بين رغباتها ورغبات الشعب المصري بالرغم من تجاوزات 4 [[فبراير]] إلا أنها كانت الضرورة التي تحتم " من وجهة نظرها " الإقدام على مثل هذه التجاوزات .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' ووفقا للظروف الموضوعية التي أحاطت بالموقف فقد كان من الممكن أن يؤيد [[الوفد]] عزل فاروق لو أن هناك بديل مناسب بدلا من الأمير محمد على والذي يفتقد إلى قدر من الشعبية بل بالعكس فقد عرف عنه أنه دائم التشكيك في الشعب المصري وغالبا ما كان يفتخر بمعرفة التركي الذي يميزه عن بقية المصريين بالإضافة إلى كبر سنه كل هذه العوامل قد دفعت [[الوفد]] إلى التمسك بفاروق لكن بشرط أن يبقي رمزا للسلطات وليس مصدرا لها .<br />
<br />
'''وخلاصة القول يمكن أن نسجل بعض الدوافع التي دفعت بريطانيا إلى ارتكاب [[حادث 4 فبراير]] فيما يأتي : '''<br />
<br />
'''1-''' رغبة بريطانيا في قيام حكومة مصرية موالية تكون أكثر إخلاصا ل[[معاهدة 1936]] وتتمتع بثقتي بريطانيا والشعب المصري معا خاصة بعد أن تدهور موقف الحلفاء في ميادين أوروبا والشرق الأقصى والشرق الأوسط .<br />
<br />
'''2-''' لقد كانت بريطانيا في ذلك الوقت تفكر في إعداد خطتها لما بعد الحرب ولما كان أساس هذه الخطة يدور حول أحكام سيطرتها على الشرق الأوسط الذي صار مركز الثقل في [[السياسة]] العالمية ولما كانت [[مصر]] من أهم بلدان الشرق الأوسط وتضم أكبر قاعدة عسكرية بريطانية فقد كان من الضروري قيام حكومة موالية لبريطانية حتي يمكن التعاون على نجاح هذه الخطة .<br />
<br />
'''3-''' لما كانت [[مصر]] هي أكبر الدول لعربية عددا وعدة وأكثرها تقدما رأت بريطانيا أن قيام حكومة برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد يساعد في قيام شكل من أشكال الوحدة العربية لكي ترتبط في النهاية مع بريطانيا بصورة أو بآخري .<br />
<br />
===مسئولية [[الوفد]] عن [[حادث 4 فبراير]]===<br />
<br />
'''قبل الحديث عن مسئولية [[الوفد]] عن [[حادث 4 فبراير]] ينبغي أن نذكر بعض الملاحظات كمدخل لهذا الموضوع : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن قيام الحكم في الفترة من [[1938]] وحتى [[1942]] لم يقم على أساس من الشرعية الدستورية بل كان أبعاد [[الوفد]] عن الحكم [[1937]] يعد تحديا واضحا من القصر نحو مشاعر الجماهير ولعل انتخابات [[1938]] تعد أكثر تحديا لمشاعر الجماهير حيث زيفت أرادة الأمة في تلك الانتخابات .<br />
<br />
'''ثانيا: ''' لقد قدرت بريطانيا أهمية عودة [[الوفد]] منذ اندلاع [[الحرب العالمية الثانية]] [[1939]] ومنذ هذا التاريخ وحتى 4 [[فبراير]] [[1942]] مرت العاقلات بين بريطانيا و[[الوفد]] بعدة مراحل اتسمت في معظمها بالتصادم ويبدو هذا من خلال الدراسة السابقة إلا أن ما أقدمت عليه الحكومة البريطانية في 4 [[فبراير]] يعد بداية جديدة وصفت بأنه أقصي ما وصل إليه التفاهم بين [[الوفد]] والانجليز .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد كان اندلاع الحرب على الجبهة المصرية ودخول ايطاليا طرفا في هذا الصراع بجانب ألمانيا من العوامل التي أدت إلى فزع الجماهير المصرية بسبب الانتصارات الكاسحة التي كان يحرزها المحور وخصوصا بعد القصف المتكرر على مدينة [[الإسكندرية]] والذي راح ضحيته مئات من المصريين وعجزت حكومة [[حسين سري]] عن السيطرة على زمام الموقف في الوقت الذي اندلعت فيه المظاهرات في معظم أنحاء المدن المصرية تنادي بسقوط الانجليز وبلغ موقف الحكومة حدا من التدهور بسبب أزمة الخبز حيث أضيف إلى قائمة الهتافات التي يرددها الناس في الشوارع " تريد الخبز قبل الكساء "<br />
<br />
وعجزت الحكومة المصرية عن حل لعديد من المشاكل اليومية والتي كان يعاني منها المواطن المصري وبسبب كل ذلك فقد أدركت السياسية البريطانية أن عودة [[الوفد]] تعني استقرار الشارع المصري ووضع حد لمؤامرات القصر على اعتبار أن عودة [[الوفد]] تعني تهدئة المشاعر الثائرة .<br />
<br />
وتأسيسا على هذه الحقائق يمكن القول أن [[مصطفى النحاس]] ليس مسئولا عن تصور بريطانيا ورغبتها في المجئ به فقد بني الانجليز تصورهم هذا على اعتبار أن عداء [[الوفد]] الفاشية والنازية يعتبر من أهم الأسس التي تقوم عليها سياسة [[الوفد]] واندفع الانجليز يمدون أيديهم للوفد انطلاقا من الضيق الشديد بسبب النشاط الممالئ للمحور والذي كان القصر بعد بؤرته الأولي وهو ما كان يعرقل نشاط الحلفاء العسكري أو يعرضه للخطر وعلى الرغم من قيام [[الوفد]] بالعديد من المؤامرات السياسية والتي سببت قدرا كبيرا من الإحراج لدي الدوائر البريطانية سواء في مذكرة [[أبريل]] [[1940]] أو في خطبه [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في مدينة [[الإسكندرية]] في صيف[[1941]] – إلا أن بريطانيا كانت تدرك جيدا أن كل هذه المواقف تعد من باب المناورات السياسية بهدف تمكين [[الوفد]] من العودة باعتباره الحزب الحائز على ثقة الجماهير لهذا الاعتبار رأت بريطانيا الارتباط ب[[الوفد]] وهي الذي يعني من وجهة نظرهم الارتباط بالشعب المصري كله.<br />
<br />
ومجمل القول أن ما حدث في 4 [[فبراير]] كان مظهرا للصراع بين القصر و[[الوفد]] في إطار الصراع العالمي بين الحلفاء والمحور وبالتالي فغن قبول [[الوفد]] للحكم في هذه الظروف بعد إسهاما من [[الوفد]] في خدمة الحلفاء .<br />
<br />
أما القضية القائلة بحدوث اتصال بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] والانجليز وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد تأمر بليل مع الانجليز على ما حدث في 4 [[فبراير]] وعبر هذا التصور لقوله خيانة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا يقدم خصوم [[الوفد]] العديد من الدلائل ولعل الدكتور [[أحمد ماهر]] كان أكثر لزعماء السياسيين إدانة للنحاس حيث وجه احتجاجه الشديد على الإنذار البريطاني مخاطبا لامبسون :" أنكم لا تستطيعون بحال أن تقنعونا بأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] لم يكن على علم بالنيات الخفية وليس من المعقول أن يشكل وزارة وفدية بذلك الإلحاح البالغ وبهذا التمسك العنيف من غير أن يكون له يد في الأمر .<br />
<br />
ويبدو أن هذا الاعتقاد كان موجودا لدي معظم زعماء المعارضة وكذلك القصر حيث أن [[الملك فاروق]] عندما رأي إصرار [[مصطفى النحاس|النحاس]] على رفض كل اقتراح لا يضمن انفراد [[الوفد]] بالحكم قال لحسنين باشا " بالانجليزية " من المؤكد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا واثق من الأرض التي يقف عليها <br />
وقد عبر الدكتور هيكل عن نفسي هذا المعني حيث يشير في مذكراته '''(''' لقد كان [[أمين عثمان]] في استقبال [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في محطة السكة الحديد عند عودته من الأقصر في 3 [[فبراير]] <br />
ثم يتساءل الدكتور هيكل عما إذا كان [[أمين عثمان]] قد أبلغ [[مصطفى النحاس|النحاس]] رسالة السفير والتي دفعته إلى التشدد في موقفه وأبدي هيكل شكه من أن يكون [[مصطفى النحاس|النحاس]] على علم بخطة السفارة في القصر .<br />
<br />
حتى أن [[مكرم عبيد]] والذي كان ما يزال وقت وقوع الحادث يمثل الرجل الأول في [[الوفد]] بعدد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ثم انشق عليه بعد الحادث بقليل فقد شنت صحيفة الكتلة حملة ضارية مؤكدة أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان على علم بمخططات السفارة واعتمدت في روايتها على شهادة – زكي ميخائيل بشارة – والذي كان وفديا ثم انشق مع [[مكرم عبيد]] ذكر فيها أنه رأي [[مصطفى النحاس|النحاس]] في الأقصر في [[يناير]] [[1942]] وهو يلتقي ببعض كبار الانجليز وعلق [[مكرم عبيد]] على هذا الرأي من أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان بأسوان في نفس الوقت الذي كان يزور فيه الجنرال ستون – قائد القوات البريطانية في [[مصر]] – [[أسوان]] وأن عدة لقاءات تمت بينهما .<br />
<br />
أما موقف [[الحزب الوطني]] فقد عبر عنه [[عبد الرحمن الرافعي]] بقوله أن مسئولية [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا تبدأ من يوم أن علم برغبة الانجليز في إسناد رئاسة الوزارة إليه وقد كان ولا ريب عالما بهذه الرغبة قبل يوم 4 [[فبراير]] راضيا عنها بل مغتبطا بها متلهفا على تنفيذها وتدل الظروف والملابسات على أن أمر هذا الانقلاب قد بليل وكان السفير بين الانجليز و[[الوفد]] هو [[أمين عثمان]] الذي كان موضع ثقتهما معا .<br />
<br />
ويشير [[فتحي رضوان]] إلى العديد من الدلائل التي يفهم منها أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان ضليعا في المؤامرة مع الانجليز '''ويقول [[علي ماهر]] من خلال شهادته في قضية مقتل [[أمين عثمان]] : ''' أن العملية كلها دبرت من داخل القطر المصري وأن السفير البريطاني لم يأت بها وحده بل لابد أن اشترك معه في تدبيرها بعض المصريين و[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لا يمكن أن يشترك في هذا المسألة بأكملها وجزئياتها وأن الذي دبر ذلك من الجانب المصري هو [[أمين عثمان]] .<br />
<br />
أما موقف بقية الأطراف المعادية للوفد فقد كان اتهامها للنحاس قائما على الاستنتاج إذ ليس من المعقول أن يتقدم السفير البريطاني إلى القصر يطلب منه استدعاء [[مصطفى النحاس|النحاس]] وتكليفه بتشكيل إلا إذا كان هذا متفقا عليه مسبقا بين السفير و[[مصطفى النحاس]] كان هذا هو منطق [[عباس العقاد]] و[[إسماعيل صدقي]] .<br />
<br />
أما [[إبراهيم عبد الهادي]] باشا فقد خرج على هذا الإجماع مؤكدا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] برئ من كل تلك الاتهامات ووفق اعتقاده فغن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان صادقا ومخلصا وليس من المعقول أن يقدم على هذا العمال الشنيع .<br />
<br />
وعلى ضوء العديد من شهادات خصوم [[الوفد]] يلزم أن نتعرف على وجهه لنظر [[الوفد]]ية ثم نتبع ذلك بما نعتقد انه الحقيقة على ضوء الوثائق البريطانية .<br />
<br />
ويؤكد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في أكثر من بيان وأكثر من مناسبة عدم معرفته بما كان يرتبه الانجليز حيث يقول : يشهد الله أني لم أس إلى الحكم ولم تكن مظاهرة لتستهوي نفسي ولكني تقبلته في ساعة عصيبة تلبية لصوت الضمير وطاعة لأمر الملك وإجابة لداعي الوطن فلقد كانت المهمة ثقيلة ودقيقة ولكن الحمل يخف ما دام هذا لوجه الله والوطن . وفي محاولة من [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لإلقاء التبعة على أحزاب الأقلية قال : إن المسئولية تقع على خصوم [[الوفد]] لأنهم زيفوا إرادة الأمة سنة [[1938]] وظلوا يتعاقبون على الحكم ضد إرادة الشعب حتى أوائل [[فبراير]] [[1942]] حيث تفاقمت الأحوال واضطربت الأمور ولم تكن لى أية صلة بما كان بل كنت في أسوان خالي الذهن تماما عمنا يحدث ولما تطورت الأحداث كنت أول الموقعين على رفض التبليغ البريطاني ولما طلب مني الملك تشكيل حكومة أبديت عدم رغبتي بعد أن اتفق رأينا على الاحتجاج ولكن جلالته لم يقبل اعتذاري .<br />
<br />
أما عن شهادة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في قضية مقتل [[أمين عثمان]] فقد جاء فيها إننا كنا في الأقصر حين دعيت لمقابلة الملك وكان برنامج زيارتي للصعيد سيستمر لمدة شهرين أو ثلاثة إلا أن دعوة الملك أدت إلى ارتباك في نظام الرحلة وعدت إلى [[القاهرة]] واكتشفت أنني تركت مفاتيح منزلي وكانت المشكلة هي الحصول بدلة المناسبات " الردنجوت " التي سأتشرف بمقابلة الملك بها وقام [[الحسيني زغلول]] بجمع الملابس من كل مكان إلى أن أعد لى بدلة " الردنجوت " <br />
<br />
ولما كانت قضية [[أمين عثمان]] قد تحولت سياسة تفجرت في إطارها مأساة 4 [[فبراير]] فقد حاول [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أن يتخذ من هذه المحاكمة ما يقوم دليلا على براءته من تلك التهمة ولعل ما ذكره سواء من تركه مفاتيح منزله أو ما كان معدا من برنامج للرحلة سيستمر شهرين أو ثلاثة ما يؤكد سواء لهيئة المحكمة أو للرأي العام المصري خلو ذهن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا من أى شكل من أشكال التأمر مع الانجليز على اعتبار أنه ليس من المعقول أن يترك [[الوفد]] مدينة [[القاهرة]] في رحلة إلى الصعيد قد تستمر شهرين أو ثلاثة في الوقت الذي تحاك فيه مؤامرة بهدف عودة [[مصطفى النحاس|النحاس]] رئيسا للحكومة .<br />
<br />
ويبدو أن التناقض الذي وقعت فيه أحزاب الأقلية قد أتاح للوفد مزيدا من فرص الدفاع عن نفسه حيث يضيف [[مصطفى النحاس|النحاس]] لقد اتفقنا على كتابة احتجاج ثم عاد الزعماء ليقترحوا من جديد تشكيل حكومة من بين كل الأحزاب '''يعلق [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على هذا الموقف قائلا : ''' لقد اعترضت على هذا الموقف لأن هذا يعد قبولا لرأي الانجليز وتنفيذا لأمرهم '''فقالوا : ''' ما دام معنا كلنا لا يعتبر تنفيذا لأمرهم .<br />
<br />
وهكذا تمكن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا من أن يحمل المعارضة قدرا كبيرا من المسئولية على اعتبار أنهم لا يمانعون في التدخل البريطاني شريطة أن يكون هذا لصالحهم أما إذا استقل [[مصطفى النحاس|النحاس]] بتشكيل حكومة وفدية فإن هذا من وجهه نظرة يعد تنفيذا للإنذار ويستشهد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا برفضه تشكيل الحكومة عندما طلب إليه الملك ذلك ويواصل [[مصطفى النحاس|النحاس]] دفاعه '''؟'''... لقد طلب مني الملك تشكيل الوزارة '''فقلت : ''' ما هي الظروف التي دعت لتغيير الموقف '''؟''' قال '''(''' فاروق ''')''' أمرك '''قلت : ''' '''(''' [[مصطفى النحاس|النحاس]] ''')''' لقد تعهدنا أنه إذا ما دعي أحدنا إلى تأليف الوزارة لا يقبل ولو كان ذلك من جلالة الملك '''قال : ''' '''(''' فاروق ''')''' : أنا صاحب الشأن وأمرك '''وقال [[أحمد ماهر]] : ''' أن قبل يكون على أسنة الرماح الانجليزية '''قلت : ''' '''(''' [[مصطفى النحاس|النحاس]]''')''' : اخرس أنتم جئتم على أسنة الر ماح الانجليزية ووصلتم بالبلد إلى هذه الحالة .<br />
<br />
'''ويضيف [[فؤاد سراج الدين]] : ''' '''(''' سكرتير [[حزب الوفد]] ''')''' قائلا ''': ''' لم تكن فكرة الوزارة الائتلافية واردة في سياسة [[الوفد]] فلقد جربها [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا سنة [[1928]] وكانت سببا من أسباب تصدع الوزارة ثم إقالتها بحجة تصدع الائتلاف ولقد كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] صريحا مع الزعماء في اجتماعه معهم صباح 4 [[فبراير]] حيث ألقي كل المسئولية على حكومات الأقلية فهي التي وصلت البلاد إلى هذه الحالة من الفوضي وبناء على ذلك فلم يكن [[مصطفى النحاس|النحاس]] على استعداد لكي يشترك مع شخصيات أسهمت في وقوع هذه الحالة لأن وجودهم سيعرقل المهمة '''ويضيف [[فؤاد سراج الدين]] قائلا : ''' ومن الغريب أنهم كانوا متقبلين للإنذار البريطاني بشرط أن يشتركوا في الوزارة وإلا يعتبر قبول الحكم خيانة وعلى أسنة الرماح البريطانية وبالرغم من كل هذا فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا '''قال لهم : ''' إذا قررتم الرفض فسوف أكون أول الموقعين وبالفعل كان أول الموقعين .<br />
<br />
ويؤكد [[فؤاد سراج الدين]] أن الوثائق البريطانية التي نشرن أخيرا لا تتضمن أى اتفاق مسبق بين السفير و[[مصطفى النحاس|النحاس]] مباشرة أو بواسطة [[أمين عثمان]] .<br />
<br />
ووفقا لرأي [[فؤاد سراج الدين]] فلو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا صمم على رفض الوزارة وهو بالفعل كان مصمما على ذلك وخصوصا بعد حصار الدبابات وقال للملك فاروق أنا كنت موافق لكن بعد حصار القصر وحكاية الدبابات أنا أرفض تماما فتوسل إليه الملك وكرر عليه الرجاء وعمد [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يذكر ذلك في كتاب تشكيل الوزارة حتى يسجل على الملك هذا الرجاء .<br />
<br />
ويجيب [[فؤاد سراج الدين]] بأنه لو رفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] وصمم على الرفض لكانت النتيجة الحتمية هي عزل الملك ولقد أكد السفير ذلك في مذاكرته '''حيث يقول : ''' لقد شعرت بيأس وخيبة أمل حيث ضاعت منى فرصة إخراج فاروق عن العرش ولو أن فاروقا كان قد عزل إلا نكون متهمين وقتها بأن هناك مؤامرة بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] والإنجليز ليرفض الأول الحكم حتى يعزل فاروق وكان على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يقبل الوزارة وينقذ العرش .<br />
<br />
ويؤكد [[فؤاد سراج الدين]] أن رحلة [[الوفد]] إلى الصعيد برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا والتي كان مقررا لها شهرين أو ثلاثة بدأت من منتصف [[يناير]] [[1942]] ما كان لها أن تقوم في هذا الوقت بالذات لو أن هناك اتفاقا مع الانجليز أن عودة [[مصطفى النحاس|النحاس]] بهذه السرعة وتركه زوجته ومفاتيح منزله كل تلك الدلائل تؤكد على صدق ما نقول وإذا ما نحينا كل الأدلة المادية جانبا فإن الدليل العقلي دائما هو أقوي الأدلة حيث أن إلصاق هذه التهمة للوفد من غير النظر للقرائن والملابسات التي اقترنت بالأحداث يعتبر خروجا على بديهيات يقرها العقل ويقبلها المنطق السليم .<br />
<br />
وأعتقد أن الوثائق البريطانية لم تحسم تلك القضية الهامة والخطيرة من هنا فقد اختلفت وجهات النظر بين الباحثين والمؤرخين كل يدلي بدلوه على قدر اجتهاده فمنهم من يعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا حين استدعي من الصعيد لم يكن يعرف شيئا عن نية الانجليز وهنا يأتي دور [[أمين عثمان]] عميل الانجليز المعروف والذي أطلق عليه لورد ويلسون " المفاوض المصري لحساب السفارة البريطانية وقت الأزمات السياسية " ومن المعروف أن [[أمين عثمان]] قد التقي ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أكثر من مرة عقب عودته من الصعيد وأنه هو الذي أبلغه تصميم الانجليز على تكليفه بالوزارة ولعل [[أمين عثمان]] هو الذي شجع [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على تمسكه بفكرة الوزارة [[الوفد]]ية .<br />
<br />
ويعتقد أحد المؤرخين اليساريين أن العبرة ليست في مشاركة [[مصطفى النحاس|النحاس]] في الإعداد لحادث 4[[فبراير]] أو عدم مشاركته لأن الهدف كان واضحا وهو ضرب مخططات المحور والعناصر الموالية له في [[مصر]] وذلك في فترة تتطلب شجاعة خاصة من أى زعيم سياسيا في حين يبدو أن عدم علم [[مصطفى النحاس|النحاس]] بمخططات الانجليز يعد أكتر إدانة له حيث يبدو أنهم واثقون من التزامه في تنفيذ مطالبهم في أى وقت يطلب منه هذا والبعض الآخر من المؤرخين المعاصرين قد ترك الخوض في هذا الموضوع بالرغم من تناوله هذه الفترة بالدراسة وبصدد تحديد مسئولية [[الوفد]] عن إحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] يلزم أن نناقش أولا تلك المقولة التي تتهم [[الوفد]] بأنه كان كان على اتصال بالانجليز أثناء [[مصطفى النحاس|النحاس]] رحلة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا إلى الصعيد والتي بدأت منذ [[يناير]] [[1942]].<br />
<br />
ووفقا للمصادر البريطانية فإن السفير البريطاني لم يكن على علم باتجاهات [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا هل يفضل وزارة وفدية أو من الممكن قبوله لفكرة الوزارة القومية وأن الذي اقترح دعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] لرئاسة الوزارة وإرغام الملك على قبوله هو [[حسين سري]] نفسه والذي قال للسفير " أرغموا الملك على أن يرسل في طلب [[الوفد]] وهو ما توصل إليه السفير بالفعل "<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الانجليز كانوا يريدون وزارة وفدية منذ نشوب الحرب ولعل هذا كان معروفا للوفد ولأحزاب المعارضة وللقصر أيضا ولم يكن هذا حبا في [[الوفد]] ولا رضاء عن [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولكن لاعتقادهم أن حكومات الأقليات السياسية مكروهة من الشعب وهذا لا يكفل هدوء الجبهة الداخلية في [[مصر]] مما يهدد الخطوط الخلفية لجبهات القتال ومن الجانب آخر فقد اعتقدت [[السياسة]] البريطانية أن الموقف يقتضي المجئ بالرجل .<br />
<br />
الذي وقع [[معاهدة 1936]] ليلتزم بتنفيذها والأهم من هذا لمجابهة الميول المحورية لدي فاروق وبعض وزرائه وكثير من الشخصيات السياسية لقد كانت استقالة [[حسين سري]] '''(''' 2 [[فبراير]] [[1942]] ''')''' مدخلا عمليا لوضع حد للصراع القائم بين القصر والانجليز ولذا فقد كان لامبسون في غاية اليقظة حتى لا يفاجأ بأن فاروقا قد أصدر أمرا بتعين أحد أتباعه رئيسا للوزارة وبما أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان في الصعيد ولم يحضر إلا صباح 3 [[فبراير]] ووفق رواية السفير :" أنني أشك كثيرا في حكمه اتصالي مباشرة ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] قبل مقابلته للملك ولست أعتقد أنه سيكون راغبا في لقائي في الوقت الحاضر لأن ذلك قد يحرجه بل قد يمنعه من الذهاب للقاء الملك إذا ما علم أننا ندفعه مقدما للاتفاق معنا .<br />
<br />
ومن الواضح أن السفير لم يكن قد توصل بعد إلى أى اتفاق مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولعل هذا واضحا من حرص السفير على عدم اتصاله ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] مخافة أن يتراجع حتى لا يتهم بالاتفاق مع الانجليز .<br />
<br />
ولقد طلب [[أمين عثمان]] أن يقابلني هذا الصباح وكنت قد نجحت عن عهد لقاءه خلال الأشهر الثلاثة الماضية لا منع أى أساس للشائعات أما الآن فقد تغير الموقف تماما وقد أصبح الآن من جديد ذا قيمة بوصفه موضع ثقة [[مصطفى النحاس|النحاس]] كما وافقني على أنه من الخطأ مقابلة [[مصطفى النحاس|النحاس]] بأن عليه أن يرفض الاقتراح القائل بتشكيل وزارة انتقالية لكن عليه أن يعرض بكل ما في وسعه لتشكيل وزارة ائتلافية وهذا من شأنه أن يدعم موقفه بالنسبة للشعب المصري وبالنسبة إلينا .<br />
<br />
ومن الواضح وفقا للوثائق البريطانية أن مصطفي لنحاس لم يكن بينه وبين الانجليز أى اتصال قبل 3 [[فبراير]] ولديه علم بالمؤامرة أو أن الانجليز قد اتصلوا به أثناء رحلته إلى الصعيد ولا يبقي سوي أن يكون هذا التواطئ قد حدث في وقت ما بين صباح 3 [[فبراير]] وبين الساعة التاسعة والنصف من مساء يوم 4 [[فبراير]] [[1942]] وهي الساعة التي كانت ختام هذا اليوم العاصف .<br />
<br />
وأعتقد أن أول اتصالات جرت بين السفير البريطاني و[[مصطفى النحاس]] كانت صباح 3 [[فبراير]] وكان [[أمين عثمان]] هو الواسطة بينهما حيث اتفق الطرفان على رفض الوزارة الائتلافية واتفقت وجهة نظر [[حسين سري]] مع وجهة نظر النحاس في أن الحكومة الائتلافية نوع من تضييع الوقت وفرصة لتآمر القصر '''وعاد [[أمين عثمان]] بأول رسالة حملها إلى [[مصطفى النحاس]] ومعه القرائن الآتية : '''<br />
<br />
'''1-''' [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا سيرفض عند مقابلته للملك فض قاطعا تشكيل وزارة ائتلافية على اعتبار أن الوضع في البلاد سيئ جدا وأن قيام حكومة ائتلافية ستكون عرضة مؤامرات القصر .<br />
<br />
'''2-''' أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا سيكون مخلصا لقضية الحلفاء بكل جوارحه فقد عمل ذلك دائما من قبل وسيفعل هذا سواء وجدت المعاهدة أم لم توجد .<br />
<br />
'''3-''' يرغب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في مزيد من الوعود بأن بريطاني ستظل على مساندتها له ولن تحيد عن ذلك .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن المساندة التي كان يطمع فيها [[مصطفى النحاس|النحاس]] لا يمكن أن تكون إلا مساندة معنوية تتمثل في الضغط على [[الملك فاروق]] وفي محاولة من [[مصطفى النحاس|النحاس]] لتقريب الهوة بين القوتين المصارعين – الانجليز والقصر – فقد أعلن أنه على استعداد لتخصيص بعض المقاعد لسائر الأحزاب الأخرى ولا مانع من قيام مجلس استشاري يختار أعضاؤه من سائر الأحزاب كرمز للائتلاف .<br />
<br />
وعقب اللقاء الذي تم بين فاروق و[[مصطفى النحاس|النحاس]] صباح 3 [[فبراير]] استوثق كل من الطرفين – [[الوفد]] والانجليز من موقف الآخر رفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] فكرة الوزارة القومية وأصر على رفضه وبناء على ذلك قام السفير باستدعاء [[أحمد حسنين]] رئيس الديوان وأخبره بأنه علم برفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] وطلب إليه أن يرفع إلى الملك نصيحة السفير بدعوة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لتأليف الوزارة [[الوفد]]ية إلا أن [[أحمد حسنين]] قد لجأ إلى أسلوب المناورة السياسية [[الوفد]]ية لكسب مزيد من الوقت حتى يتمكن فاروق من إقناع [[مصطفى النحاس]] بالعدول عن موقفه .<br />
<br />
'''ومن هنا فقد بدأت الخطوة العملية في المخطط البريطاني حيث تقدم لامبسون بالإنذار البريطاني والذي يتضمن : '''<br />
<br />
إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة من مساء اليوم '''(''' 4 [[فبراير]]''')''' أن لنحاس باشا قد دعي لتأليف الوزارة فإن جلالة [[الملك فاروق]] يجب أن يتحمل ما يترتب على ذلك من نتائج .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد أدرك مدي الحرج الذي وقع فيه وفي محاولة من لامبسون لتبديد هذا الإحساس من جانب [[مصطفى النحاس|النحاس]] فقد حمل [[أمين عثمان]] بعض الاقتراحات إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لكي يتمكن من الرد على [[الملك فاروق]] أثناء اجتماعه به في نفس اليوم ومما يضاعف من مسئولية [[مصطفى النحاس|النحاس]] " من وجهة نظرنا " أن المبررات التي ساقها [[مصطفى النحاس|النحاس]] للرد على فاروق هي نفس المبررات التي حملها [[أمين عثمان]] والتي اقترحها لامبسون '''وبخصوص هذه الاقتراحات بعث لامبسون إلى حكومته قائلا : ''' لقد اقترحت على [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا من خلال [[أمين عثمان]] أن يرد على الملك أثناء اجتماعه به اليوم بأنه لا علم له لوجود تدخل بريطاني وأن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعين رئيس الوزارة هو الملك وأن الموقف في البلاد قد بلغ مرحلة خطيرة لأنها لا تحكم بواسطة حزب ديمقراطي حقيقي وأنه – [[مصطفى النحاس|النحاس]] - باعتباره ممثلا للأغلبية فلا مانع لديه من قبول رئاسة الحكومة وإنقاذ لموقف إذا عهد إليه جلالة الملك بذلك .<br />
<br />
ولعل هذا التطابق الغريب قد يبدد المقولة التي أوردها أحد زعماء [[الوفد]] والتي تعني أن [[أمين عثمان]] لم يكن يعمل لحساب [[الوفد]] أو بتكليف منه وإنما كان يعمل لحساب نفسه فقط .<br />
<br />
'''وعلى ضوء كل ما تقدم يمكننا أن نسجل بعضا من الاعتبارات ؟'''<br />
<br />
'''أولا: ''' أن عدم مقابلة لامبسون للنحاس باشا لا يقيم دليلا على عدم وجود اتصالات بينهما لأن رسولهما في ذلك كان [[أمين عثمان]] والذي لعب دورا خطيرا طوال اليومين اللذين سبقا الحادث '''(''' 3,4 [[فبراير]] [[1942]]''')'''.<br />
<br />
'''ثانيا : ''' وفي محاولة من أحد زعماء [[الوفد]] لتبديد تلك الاتهامات فقد ساق في احدي مبرراته من أن الوثائق البريطانية قد نصحت صراحة على عدم قيام أى نوع من الاتصالات الشخصية بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولامبسون إلا أننا نعتقد أن ما ذكره الزعيم [[الوفد]]ي جاء على ما ذهب ولا تقربوا الصلاة من أن يكمل بقية الآية حيث أن نص برقية السفير إلى حكومته قد وردت على النحو لتالي : عندي تحذير واحد وهو أنه لم يحدث في أى وقت خلال هذه القضية سواء في تشكيل الوزارة الجديدة أو في فكرة عزل الملك أن أجريت اتصالا شخصيا مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] والنتيجة أنه لم يعد متاحا فقط للنحاس أن يذكر علنا – وهو بالقطع سينكر – أن لنا يدا في مساعدته بشئ أو أنه ملتزم بشئ ما تجاهنا وليس معنا في الحقيقة ما نلوح به في وجهة ولو بصفة سرية أنني لا أعتبر الرسائل التي تبودلت عن طريق [[أمين عثمان]] بمثابة بديل مرض على الإطلاق لأن مثل هذه الرسائل ربما لا تكون قد سلمت أو على الأقل قد سلمت في شكل مخالف تماما لما أرسلت به تلك هي نص الوثيقة التي يسوقها أحد زعماء [[الوفد]] ليقيم بها دليلا على عدم وجود أى نوع من الاتصالات بين الانجليز و[[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وعلى الرغم من أنها تنفي وجود أى اتصال شخصي بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ولامبسون إلا أنها تؤكد أن الاتصالات قد تمت عن طريق [[أمين عثمان]] والذي كانت تعتبره الدوائر البريطانية المفاوض المصري لصالح الانجليز .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' ومن خلال هذه الدراسة يمكننا القول أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لم يكن مسئولا مسئولية مطلقة حيث أن الظروف الموضعية والملابسات التي أحاطت بالقضية قد دفعت [[الوفد]] تلقائيا إلى التضامن مع الانجليز , وإذا كان هذا التضامن يمثل نقطة التقاء أعتقد أنها جديرة لكي يتضامن [[الوفد]] من أجلها وهي تحقيق الشرعية الدستورية وأن عودة [[الوفد]] تعني التجسيد الحي لتلك الشرعية باعتبار أن [[حزب الوفد]] هو الحزب الذي يحظي بالأغلبية البرلمانية وبالنظر إلى ظروف العصر وفهم العلاقات المصرية البريطانية من منطلق [[معاهدة 1936]] وما تلا ذلك من قيام [[الحرب العالمية الثانية]] والمواقف الصعبة التي كانت تواجهها بريطانيا ووجهة النظر [[الوفد]]ية التي تعني أن لتعاون مع الحليفة في شدتها تعتبر نوعا من الوفاء وتقديرا للمسئولية إذا نظرنا إلى كل هذه الاعتبارات وقيمناها تقييما موضوعيا يبدو أنه من الطبيعي جسدا أن يتضامن [[الوفد]] مع الانجليز طالما أن هذا التضامن يعد في إطار من الشرعية الدستورية وإذا ما وضعنا في الاعتبار أيضا أنن كل أحزاب الأقلية ما كانت تنكر هذا التضامن لو أنه جاء لمصلحتها .<br />
<br />
القضية الهامة والتي اعتبرها لب الموضوع هي حصار قصر عابدين بالدبابات لأنها السبب المباشر في كل ما ترتب على هذا الحادث فوفقتا لكل المصادر التي تناولت هذا الموضوع وفي مقدمتها الوثائق البريطانية فلم أجد ما يشير ولو من بعيد إلى أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان على علم بما يعده مجلس الحرب البريطاني ومن خلال لمراسلات التي حملها [[أمين عثمان]] كواسطة التقاء بين الطرفين المتصارعين – الانجليز والقصر – لم أجد ما يفهم من أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان ضليعا في تلك المؤامرة ولعله كان يتصور أن الموقف سيقف عند حد الضغط المعنوي على [[الملك فاروق]] وعند هذا الحد يكون التضامن مع الانجليز أمرا يبدو إلى حد كبير قضية عادية ولذا فإنني أعتقد أن المسئول الأول هو السفير البريطاني ثم تتعدد المسئوليات بعد ذلك كل على قدر دوره . '''وعلى الرغم من انتهازية [[الوفد]] ورغبة الكثير من أعضائه في الوصول إلى الحكم إلا أن هناك عدة عوامل موضوعية دفعت [[الوفد]] إلى مسلكه الذي سلكه في 4 [[فبراير]] : '''<br />
<br />
'''1-''' العداء التاريخي بين [[الوفد]] والقصر ثم تحمس القصر المتزايد للمحور – كان يحدث أثرا مضادا داخل دوائر [[الوفد]] ويضاعف من حدة الصراع القائم بينهما.<br />
<br />
'''2-''' لم يكن أمام [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلا أن يلقي بكل ثقله تجاه الحليفة بسبب علاقة القصر بالمحور في الوقت الذي يعتقد فيه [[الوفد]] أن قضية الحرب التي يدافع من أجلها الحلفاء هي قضية الديمقراطية في العالم كله والتي هي أساس التضامن بين [[الوفد]] والاحتلال .<br />
<br />
'''3-''' لقد اعتمدت كل أحزاب الأقلية على القصر اعتنقت فكرة " الحقوق الدستورية للقصر " والتي كانت تعني من وجهة نظرهم أن القصر يملك ويحكم وأصبح [[الوفد]] هو الهيئة السياسية الوحيدة التي تفتقد معاضدة القصر .<br />
<br />
وهو عامل لا يمكن التقليل من شأنه حيث أن قضية الديمقراطية كانت تفسر تفسيرات خاطئة تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بحزب الأغلبية ومن هنا فقد قدر [[الوفد]] المقولة القائلة – حرام علينا حلال على غيرنا ومن هنا أيضا كان اعتماد [[الوفد]] على الانجليز هذا الاعتماد الذي أدي إلى نتائج خطيرة ليس على سياسية [[الوفد]] وشعبية فقط وإنما على تاريخ [[مصر]] السياسي عموما .<br />
<br />
==الفصل الثالث : سياسة حكومة 4 [[فبراير]]==<br />
<br />
<br />
===إعادة الانتخابات البرلمانية===<br />
<br />
لقد كان السؤال الوحيد الذي وجهه تشرشل لأنتوني أين في اجتماع حكومة الحزب عند نظر موضوع تكليف [[مصطفى النحاس|النحاس]] بتولي الوزارة : هل سيؤدي ذلك إلى انتخابات جديدة ؟ وكانت لندن لا تري ضرورة من إجراء الانتخابات الجديدة في ظل الجو السياسي المضطرب وف يجو عسكري يميل ميزانه لصالح الألمان .<br />
<br />
إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على ما يبدو قد استطاع أن يقنع الدوائر البريطانية بأهمية إعادة الانتخابات البرلمانية على اعتبار أن [[الوفد]] لم يعط ثقته للبرلمان القائم منذ انتخابات سنة [[1938]] والتي قاطعها [[الوفد]] والنتيجة المنطقية أن حكومة [[الوفد]] لا يمكنها أن تمارس سياستها في ظل برلمان يميل في سياسته إلى أحزاب الأقلية وقد تحدث عملية سحب الثقة من الحكومة وهذا أمر يضاعف من حرج [[الوفد]] ويقلل من هيبته ويفقده الشرعية في البقاء وعلى ضوء كل ذلك فقد وافقت وزارة الخارجية البريطانية وعبرت عن وجهة نظرها بأن هذا الإجراء يدعو للأسف ولكن لابد لنا من احتماله والانتخابات التي يجريها [[الوفد]] أقل تزويرا من الانتخابات التي يجربها خصومه .<br />
<br />
'''وهناك دلائل تشير إلى أن الحكومة البريطانية كانت تود أن يترك [[الوفد]] عددا من المقاعد البرلمانية لأحزاب المعارضة وهي بذلك ترمي إلى غرضين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' حتى لا تترك الساحة خالية أمام [[الوفد]] وبذلك تكون بريطانيا قد ألقت بكل أوراقها في جبهة واحدة وهو أمر لا تضمن عواقبه . <br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد أرادت بريطانيا أن يظل الباب مفتوحا أمام أحزاب المعارضة حتى لا تتعرض المصالح البريطانية لهجمات المعارضة والقصر معا '''ولقد عبر ايدن عن هذا المعني بقوله : ''' أننا لا نستطيع أن نقترح تزوير الانتخابات ولكننا نطالب بتخصيص عدد من المقاعد في مجلس النواب للمعارضة أى لا يرشح [[الوفد]] أحد من أعضائه في تلك الدوائر وهذا يعد أفضل طريقة حيث لا يستطيع [[الوفد]] إثارة نشاط سياسي في البلاد إذا اقتصر البرلمان على [[الوفد]]يين وهذا ضاعف من قوة خصوم [[الوفد]] في البلاد.<br />
<br />
ومن المؤكد أن حرص بريطانيا على قيام معارضة من نوع ما لم يكن خدمة لقضية الديمقراطية في [[مصر]] ما كانت تحرص عليه من استقرار الأوضاع وهو ما كانت ترمي إليه من وراء أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]].<br />
<br />
وعلى ضوء هذا المعني بدأت عدة اتصالات مع حزب [[الأحرار الدستوريين]] وكان [[مكرم عبيد]] هو واسطة الاتصال إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد اشترط قبل الاتفاق على عدد المقاعد التي سوف تترك خالية للأحرار الدستوريين أن يعلنوا أن [[مصطفى النحاس]] قد أدي خدمة جليلة للعرش وللبلاد بقبوله الوزارة في 4 [[فبراير]] وهذا ما رفضه [[الأحرار الدستوريين]] رفضا قاطعا .<br />
<br />
ولما كانت هذه الاتصالات تتم من غير علم الهيئة العمة للحزب ولم يكن هناك تفويض لإجراء مثل تلك الاتصالات فقد اجتمعت هيئة الحزب واتفق الأعضاء على الدخول في مفاوضات مع [[الوفد]] بشرط أن تترك للمعارضة ثلث مقاعد النواب بلا أى مناقشة من [[الوفد]].<br />
<br />
إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لقد رفض هذا الاقتراح حرصا على بقاء الأغلبية المطلقة للوفد وحتى لا تثأر أحداث 4 [[فبراير]] في البرلمان وعاد [[الأحرار الدستوريون]] ليقترحوا رفع الأحكام العرفية أثناء الانتخابات ليقول المرشحون ما شاءوا وضربوا مثلا بما حدث في 4 [[فبراير]] مما جعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] يصر على رفضه إلا أن الدكتور هيكل قد أراد أن يسجل على [[الوفد]] هذا الموقف فأرسل إلى رئيس الوزراء كتابا يطلب إليه فيه التصريح بحرية الخطابة والنشر والاجتماع خلال فترة الانتخابات إلا أن كل هذه لمحاولات قد باءت بالفشل حيث رفض [[مصطفى النحاس|النحاس]] رفضا قتطعا متهما أحزاب الأقلية بمحاولة إيقاظ الفتنة وتجديد الأزمة والتحريض على الإخلال بالنظام وتعكير الأمن العام ويضيف [[مصطفى النحاس|النحاس]] قائلا : تطلبون وقف الأحكام العرفية والرقابة الصحفية لتهيئ لكم الحكومة بأيديها جوا تفرخ فيه الدسيسة وتشب الفتنة ويمهد السبيل للكارثة التي لها تعلمون فهل تحسبون أنكم توقعون في الحرج ولزموننا الحجة بذلك العبث المفضوح ؟ أننا لو حققنا لكم غرضكم بإجابتكم ما تطلبون ؟ إننا إذن شركاؤهم وزملاؤكم في العبث .<br />
<br />
وهكذا لم تحقق تلك الاتصالات أى نوع من التفاهم مما اضطر الدستوريون إلى الإعلان عن مقاطعة الانتخابات ولعل هذا الموقف من الدستوريين كان يحمل قدرا من التناقش فلم يكن موقفهم نابعا من مبدأ أو فلسفة فهم مستعدون لدخول الانتخابات بشرط الاتفاق على الدوائر الانتخابية أو رفع الأحكام العربية متناسين تماما انتخابات [[1938]] وأن [[الوفد]] قد طلب منهم التفاهم ضمانا لحيدة الانتخابات إلا أنهم قد رفضوا أن يكون للوفد أى وجود في البرلمان ولذا فقد أجمع أصدقاء المعارضة بأنها كانت انتخابات مزيفة صادرت رأي الشعب وجردته من هويته سواء فيما يتعلق بتعديل الدوائر الانتخابية لصالح أحزاب الأقلية أو في نقل رجال الإدارة بما يتفق وأحزاب الأقلية .<br />
<br />
أما عن موقف حزب السعديين فلم يختلف كثيرا عن موقف الدستوريين حيث بادر الدكتور [[أحمد ماهر]] رئيس لحزب بإرسال خطاب إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] يطلب إليه فيه رفع الأحكام العرفية بما يتفق وحرية الانتخابات على اعتبار أن هذا مطلبا طبيعيا اتفقت عليه كل الأمم وحمل رد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على خطاب الدكتور [[أحمد ماهر]] الرفض القاطع على اعتبار أن الحرية التي تعنيها المعارضة هي العبث الضار بأمن الوطن وسلامة الدولة .<br />
<br />
وأصدر [[الأحرار الدستوريون]] والسعديون قرارا بمقاطعة الانتخابات ولعل غرضهم من وراء ذلك هو المزيد من إحراج [[الوفد]] وتبريرا لموقفهم الذي ارتضوه من أحداث 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
والجدير بالذكر أن موضوع الانتخابات ومنذ صبيحة يوم 15 [[فبراير]] كان الشغل الشاغل للأحزاب المصرية التي تعودت أن تعطي لموضوع الانتخابات الأولوية على غيره من الموضوعات الهامة والخطيرة حتى فيما يتعلق بالقضايا المصيرية كقضية الاستقلال والتحرير وقد كان الاستعمار ورجاله قد تعودوا على أن يشغلوا الأحزاب المصرية بفكرة الانتخابات لينشغلوا بها عما عداها من الأمور بالغة الخطورة حدث هذا في عام [[1923]] عندما رأت بريطانيا تصفية [[ثورة 1919]] وحدث هذا عندما التأمت الأحزاب بعد " تصدع " في [[نوفمبر]] [[1925]] وحدث هذا أيضا لامتصاص ثورة الشعب المصري سنة [[1936]] ثم هذا ما حدث بالضبط عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] .<br />
<br />
وبالرغم من أن بريطانيا كانت حريصة هذه المرة على أرجاء عملية الانتخابات نظرا لتدهور الأوضاع العسكرية على الجبهة المصرية إلا أنها قدرت في النهاية أهمية الانتخابات كوسيلة لانصراف الشعب عن التدخل المهين الذي أهان كرامة [[مصر]] وهز من كبريائها استقلالها بهدف أن تنشغل الأحزاب المصرية بمعارك جانبية .<br />
<br />
وأعتقد أن انتخابات [[1942]] قد شهدت أكبر مهزلة في تاريخ الانتخابات البرلمانية حيث تسابق الناس في إظهار وفديتهم حتى أولئك الذين أوقفوا جهودهم للنيل من [[الوفد]] وتجريح زعمائه سرعان ما تحولوا بقدرة عجيبة وغريبة إلى مناصرة [[الوفد]] ومحاولة التقرب إلى زعمائه بكل الوسائل الممكنة بما فيها إراقة مياه وجوههم وسرعان ما امتلأ النادي السعدي بمرضي [[السياسة]] وهواة الانتخابات وخلت أندية الأحزاب الأخرى إلا من أعضاء مجالس إدارتها بل أن الكثيرين من أعضاء مجالس الإدارات لم يكونا – في كل حزب – وحدة واحدة بل كانوا منقسمين على أنفسهم بعضهم يدعو إلى التقرب من [[الوفد]] للحصول على نسبة محترمة من المقاعد وبعضهم يرفض هذه " الصدقة " من [[الوفد]] ويصر على الانتخابات حرصا على كرامة الحزب <br />
وعلى الرغم من اتفاق الدستوريين والسعديين على مقاطعة الانتخابات إلا أن مواقف كلا من الحزبين لم تكن أبدا متفقة حيث أن بعض قادة [[الأحرار الدستوريين]] قد حاولوا الاتفاق مع [[الوفد]] من وراء ظهر حلفائهم السعديين كرد على اتفاق [[أحمد ماهر]] من وراء ظهر الدستوريين ولكن قادة آخرين من [[الأحرار الدستوريين]] أصروا على الاتفاق مع السعديين فيما يتعلق بموقفهم من الانتخابات ذلك لأن اختلاف الحزبين المعارضين يضعفهما معا واتفاقهما يكتب لهما القوة وبالرغم من قرار المقاطعة الذي اتخذه الحزبان المعارضان إلا أن عدد المرشحين من الحزبين قد زاد على المائة كان منهم من حارب [[الوفد]] يوم أن كانت محاربة [[الوفد]] جواز المرور إلى السلطان .<br />
<br />
وكان من بين الذين خرجوا على قرار حزبهم بمقاطعة الانتخابات من السعديين – على أيوب ومن الدستوريين عبد المجيد إبراهيم باشا ورشوان محفوظ باشا وعبد الجليل أبو سمرة باشا وسيدر خشبة باشا وقد علق الدكتور [[أحمد ماهر]] بأن حزبه لن يتخذ أى إجراء ضد من يرشح نفسه رغم أن قرار مقاطعة الانتخابات كان بإجماع أعضاء الهيئة السعدية .<br />
<br />
أما الدكتور هيكل زعيم الدستوريين فقد صرح بأن قرار حزبه بمقاطعة الانتخابات لم يكن بالإجماع بل كان بالأغلبية وكل من رشح نفسه من [[الأحرار الدستوريين]] له مكانته في الحزب وله رأيه أيضا .<br />
<br />
ولقد اختلف موقف بعض القوي الأخرى ذات التأثير الفعال في المجتمع المصري ومنها [[جماعة الإخوان المسلمين]] والتي أكدت من خلال مبادئها على مبدأ الشورى في [[الإسلام]] في [[الإسلام]] ولكنها اعترضت على الشكليات الفارغة والتقليدية والتي جربتها الأحزاب السياسية في [[مصر]] خلال عشرين عاما ولم يترتب عليها إلا الفرقة والخوف وتساءل الشيخ [[حسن البنا]] هل البلاد التي ليس فيها أحزاب ليست بلادا دستورية نيابية .<br />
<br />
وعلى الرغم من موقف [[حسن البنا]] من فكرة الأحزاب وعدم إيمانه بمبدأ الحزبية إلا أنه قد نزل عل رغبة الجماعة وقرر ترشيح نفسه في الانتخابات لكن ليس من خلال حزب وإنما من خلال الدعوة إلى إصلاح المجتمع بتطبيق مبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية ومن المؤكد أن هذا الموقف الاستراتيجي لجديد قد أزعج [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا مما اضطره إلى استدعاء [[حسن البنا]] حيث طلب منه العدول عن فكرة الانتخابات بشروط وعد [[الوفد]] بتنفيذها ومن بين هذه الشروط اهتمام حكومة [[الوفد]] بمشروع فرض الزكاة ومشروع تحسين الصحة وإلغاء الدعارة .<br />
<br />
ويبدو أن قرار الشيخ [[حسن البنا]] بالعدول عن فكرة الانتخابات كان صدمة لأعضاء [[جماعة الإخوان]] ومن المؤكد أن [[حسن البنا]] قد عدل عن فكرة ترشيح نفسه بعد أن اتخذ معه [[مصطفى النحاس|النحاس]] سياسة الترهيب قبل الترغيب حيث يشي أحد تقارير الأمن العام إلى أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد هدد باتخاذ إجراءات قاسية ضد [[الإخوان]] ولما استوضح الشيخ [[البنا]] عن تلك الإجراءات '''قال [[مصطفى النحاس|النحاس]] : ''' إنها حل [[جماعة الإخوان]] نفي زعمائها خارج القطر وتلك هي رغبة هؤلاء الناس – يقصد الانجليز – فوافق [[البنا]] على التنازل لا خوفا من النفي ولكن حرصا على قيام جماعة واستمرارها وذهب الشيخ [[البنا]] وقدم التنازل بعد أن أخذ وعدا بعدم التعرض لأعضاء الجماعة ولنشاطاتهم وعدم مراقبتها أو التضييق عليها ووعده [[مصطفى النحاس|النحاس]] بذلك.<br />
<br />
وأعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد قرر خطورة أن يرشح الشيخ [[البنا]] نفسه من خلال الدعوة لمبادئ الشريعة [[الإسلام]]ية حيث سيضاعف من إحراج حكومة [[الوفد]] بالإضافة إلى ما عرف عن الشيخ [[البنا]] من صراحة في القول ستؤدي بلا شك إلى زعزعة ثقة الجماهير في حكومة [[الوفد]] لهذا كان موقف [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومساومته للشيخ [[حسن البنا]] '''وقد لخص [[البنا]] أسباب تنازله فيما يأتي : '''<br />
<br />
'''1-''' الحرص على قيام الجماعة في مختلف البلاد <br />
<br />
'''2-''' كسب ثقة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بوصفه رئيس الحكومة وزعيم الأغلبية <br />
<br />
'''3-''' عدم الاطمئنان نتيجة الانتخابات خوفا من التلاعب واستغلال خصومهم ذلك لتشويه سمعتهم .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن السعديين والدستوريين بالإضافة إلى [[الإخوان المسلمين]] قد قرروا جميعا مقاطعة الانتخابات إلا أن حكومة [[الوفد]] خشيت أن يكون من بين المستقلين ن ينافس مرشحيها وقد يفوز عليهم لذلك لجأت إلى تعديل لدوائر الانتخابية تعديلا يلائم أهواء أنصارها . <br />
<br />
ويعترف الدكتور هيكل بأن تعديل الدوائر الانتخابية من الوسائل التي لجأت إليها الوزارة المختلفة متذرعة بحجة أو بآخري وغايتها الحقيقية " إغلاق " الدوائر على مرشح بذاته .<br />
<br />
ويؤكد أحد زعماء [[الوفد]] أن ما قامت به الحكومة لا يعني تعديل الدوائر الانتخابية وإنما يعني إعادة الدوائر إلى ما كانت عليه قبل انتخابات [[1938]] حيث لجأت حكومة [[محمد محمود]] إلى تمزيق الدوائر الانتخابية أو إضافة بعضها إلى بعض بما لا يتفق والحدود الجغرافية والتوزيعات السكانية للأقاليم وكان هدف حكومة [[محمد محمود]] هو توزيع الدوائر على الأصدقاء والمحاسيب.<br />
<br />
وإنصافا للحق فإن وزارة [[محمد محمود]] والتي أجرت انتخابات سنة [[1938]] قد زيفت إرادة الأمة عن طريق العديد من الإجراءات ويعترف الدكتور هيكل بأن ما أقدمت عليه الحكومة سنة [[1938]] كان مما لا يسيغ لعقل إقراره لبعد البلد الذي يراد إضافته لدائرة أخري أو لأن السلخ أو الضم يجعل شكل الدائرة غير مقبول جغرافيا وهذا يدل على أن أحزابنا وهيئاتنا السياسية لا تفرق بين الاعتبارات القومية والمصالح الحزبية .<br />
<br />
ولم تقتصر حكومة [[محمد محمود]] [[1938]] على تعديل الدائر فقط بل لجأت إلى إجراء الانتخابات على مرحلتين الوجه القبلي في يوم والوجه البحري بعد ثمان وأربعين ساعة ويعترف الدكتور هيكل أيضا بأن المحافظة على الأمن والنظام كانت الحجة والرسمية لتسويغ إجراء الانتخابات في يومين بدلا من إجرائها في يوم واحد ولعل [[محمد محمود]] كان أكثر اطمئنان إلى الوجه اقلبي فإذا جرت فيه الانتخابات وظهرت نتيجتها وكانت الأغلبية الكبري فيها لأنصار الحكومة أثر لذلك في مجري الانتخابات في الوجه البحري تأثيرا كبيرا .<br />
<br />
وإذا كان تعديل بعض الدوائر الانتخابية له ما يبرره من وجه النظر [[الوفد]]ية إلا أن ما أقدمت عليه حكومة [[الوفد]] من فصل بعض العمد والمشايخ الذين يؤازرون خصومها وتعيين العمد والمشايخ الذين يناصرنها هذا الإجراء لا يتفق ومبدأ الديمقراطية التي يزعم [[الوفد]] أنه ما جاء إلى الحكم إلا من أجلها , وتشير مضابط مجلس النواب إلى أنه قد تم فصل سبعة عشر عمدة من مركز اسنا وحده ويبدو أن هذا الإجراء قد أثار ردود فعل متباينة مما اضطر أحد أعضاء مجلس النواب إلى أن يتقدم باستجواب أجابت عليه الحكومة مستندة إلى المادة الخامسة من الأمر العالي الصادر في 16 [[مارس]] [[1885]] والتي أجازت رفد العمد والمشايخ بقرار من وزير الداخلية وأنها لم تعلق هذا الحق على إجراءات أو بواعث بل تركت ذلك لمجرد تقدير الوزارة التي ليست مكلفة بأن تدن الباعث على الرفت في قرارها وكان هذا الرأي في صراحته قاطعا بأن رفت لعمد من أخص خصائص السلطة التنفيذية التي ليست مسئولة أمام البرلمان إلا فيم يتعلق بالأمن العام أو مخالفة للأوضاع التي تقرها القوانين وثم خطوة أخري كان لها أكبر الأثر في الحركة الانتخابية وكانت موضوع عناية الوزارة وهي رؤساء اللجان التي تتولي الإشراف على عملية لا انتخابات والتي اختارتهم من الموظفين أنصارها حيث أن رؤساء للجان هم الذين يقضي إليهم الناخبون الذين لا يعرفون القراءة والكتابة وهؤلاء يكادون يبلغون السبعين في المائة من مجموع الناخبين , <br />
ونشرت جريدة التيمز مقالا علقت فيه على انتصار [[الوفد]] في الانتخابات فقالت أن مما ساعد [[الوفد]]ين أن الحزبين الرئيسيين اللذين يعارضان [[الوفد]] وهما الحزب السعدي و[[الأحرار الدستوريين]] قررا عدم الاشتراك في الانتخابات ولو فرض وقرر الحزبان دخول معركة الانتخابات فإنهما كانا لا يستطيعان الفوز بعدد من المقاعد يزيد كثيرا على ما نالته المعارضة الآن . وقد حرم الحزبان من أى تأييد واسع النطاق من جانب الشعب المصري بسبب اتحادهما في سلسلة من الوزارات كانت لا تمثل أكثر من أقلية يسيرة بل لسبب أهم من ذلك وهو فشل السلطات المصرية في العهود السابقة في حل مشاكل أهم من ذلك وهو فشل لسلطات المصرية في العهود السابقة في حل مشاكل أجور العمال ومسألة التموين ويبدو أن الصعوبات التي تواجه حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا اقتصادية أكثر منها سياسة وقد يضطر [[الوفد]]يون إلى اتخاذ قرارات حماسية لتقريب الهوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية في [[مصر]] .<br />
<br />
وكذلك أجريت انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ في الدوائر التي خرج أعضاؤها بالقرعة في [[مارس]] [[1941]] بمناسبة التجديد النصفي للمجلس فأسفرت أيضا عن أغلبية وفدية كبري .<br />
<br />
واستصدرت الوزارة ومرسوما في 22 [[فبراير]] [[1942]] بإبطال مرسوم 24 [[مارس]] [[1941]] الصادر في عهد وزارة [[حسين سري]] فيما قضي به من تعين أعضاء المجلس الشيوخ خلفا للأعضاء المعينين الذين خرجوا بالقرعة وكانت حجة الحكومة في إسقاط عضوية الشيوخ أن تعيينهم كان يجب ألا يحدث إلا بعد إجراء الانتخابات في الدوائر التي خرج أعضاؤها بالقرعة في التجديد النصفي .<br />
<br />
وعينت الوزارة بدلا من الذين أبطلت تعيينهم شيوخا آخرين معظمهم من [[الوفد]]يين أو من الذين عرفوا بصداقة [[الوفد]] , وافتتح البرلمان بمجلسيه '''(''' النواب والشيوخ''')''' يوم الاثنين 30 [[مارس]] [[1942]] وألقي [[مصطفى النحاس|النحاس]] خطبة العرش والتي خلت تماما من الظروف والملابسات التي أحاطت بتشكيل وزارة 4 [[فبراير]] وهكذا أسدل ستار كثيف على مسرح [[السياسة]] المصرية حول أحداث 4 [[فبراير]] فلم يسمح لأحد بمناقشته أو التعرض إليه فالصحافة نظرا لقيام الأحكام العرفية لم تذكر شيئا على الإطلاق سوي الأمر الملكي بدعوة [[مصطفى النحاس]] لتأليف الوزارة ولما قدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ استجوابا عن الظروف والملابسات التي أدت إلى تأليف الوزارة ثارت ضده ضجة من الشيوخ [[الوفد]]يين في المجلس فقير الاستجواب في الحال حيث دفعت الحكومة بعدم جواز مناقشة قال مقدم الاستجواب : أنا لا أريد أن أتعرض لهذا الحق لأنه حق مسلم به ولكن أريد أن أتعرض لصحة الاحتيار وهل كان هذا الاختيار حرا صحيحا – أم أن هناك ضغوطا قد وقعت هذا هو موضوع الاستجواب .<br />
<br />
وقد أثار ذلك ضجة من مقاعد [[الوفد]]يين قال على اثر رئيس المجلس " أن قولك هذا يعتبر ماسا بالعرش ومخالفا لنص الدستور ولا أسمح بالاستمرار فيه "<br />
<br />
ويبدو أن الحكومة قد أغلقت كل المنافذ لتي من الممكن أن يثأر من خلالها [[حادث 4 فبراير]] فعلي الرغم من أن موضوع الاستجواب قد أثير داخل مجلس الشيوخ وهي الهيئة النيابية الوحيدة الكفيلة بحماية نوابها من ديكتاتورية الأغلبية إلا أن هذا الحق قد سلب أيضا من الأعضاء وحرصا من الحكومة على عدم تداول هذا الموضوع لدي المعارضة فقد صدر أمر عسكري في 24 [[أكتوبر]] [[1942]] بتشديد العقوبة المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 22 لسنة [[1929]] والتي جعلت عقوبة الحبس إجبارية لمن يحرض الطلبة على القيام بالمظاهرات أو تأليف لجان أو جماعات أو الاشتراك بأية طريقة في تحرير أو توقيع أو طبع أو نشر أو توزيع محاضرات سياسية أو اجتماعية موجهة إلى السلطات بشأن مسائل أو أمور ذات صبغة سياسية أو الامتناع عن تلقي الدروس أو مغادرة معاهد التعليم أو الانقطاع عنها .<br />
<br />
وعلى الرغم من قرار مقاطعة الانتخابات والذي تم بالتضامن بين حزبي الدستوريين والسعديين إلا أن الدكتور هيكل زعيم الدستوريين قد خرج على هذا الاتفاق وقبل التعيين في مجلس الشيوخ على اعتبار أن الحزبية ليست أشخاصا وإنما هي فكرة وعقيدة وما دام رجال الحزب متمسكين بالفكرة التي أنشي من أجلها فإن خروج فرد أو أفراد على قرار من القرارات لا يعتبر خروجا من الحزب أو خروجا على فكرته فليس من الضروري أن يكون جميع رجال الحزب أو خروجا على فكرته فليس من الضروري أن يكون جميع رجال الحزب الواحد متفقين على واحد في كل مسألة من مسائل بل أن حرية الرأي هي أول مظهر من مظاهر قيام الأحزاب وأهم ميزة من ميزات الحياة الديمقراطية ويواصل لدكتور هيكل الدفاع عن مواقفه قائلا: " أن نظريتنا في قبول تعين الوزارة القائمة لنا عضوا في مجلس الشيوخ هي أن وزارة سري أصدرت في 27 [[مارس]] [[1941]] مرسوما بتعيين 29 عضوا في مجلس الشيوخ على أن تبدأ مدة عضويتهم في 8 [[مايو]] من تلك السنة وقد أقر مجلس الشيوخ عضوية كل من هؤلاء المعينين بعد عرضهم واحدا واحدا على لجنة الطعون فأصبح حق فصل هؤلاء من حق المجلس بمقتضي المادة 95 من الدستور وليس من حق الوزارة فإذا كانت الوزارة اعتبرت المرسوم الذي أصدرته وزارة [[حسين سري]] باطلا فإن هذا الاعتبار ليس من حقها ولذلك فإن تعيني تكرار للتعيين الذي حدث في عهد الوزارة السابقة ثم يضيف الدكتور هيكل سببا آخر فيقول : أن لى آراء سياسية أحرص على إبدائها والرقابة الصحفية تمنعني من ذلك فأي مكان آخر يمكنني أن ابدي فيه رأيي غير مجلس الشيوخ .<br />
<br />
ومن الصعب أن نتقبل وجهة نظر الدكتور هيكل استنادا على أن هذا التعيين لا يعتبر خروجا على فكرة الحزبية أو لأن قرار التعيين أمر ملكي واجب الطاعة .<br />
<br />
أما القول بأن هذا التعيين لا يعتبر خروجا على فكرة الحزبية على اعتبار أن حرية الرأي هي أول مظهر من مظاهر قيام الأحزاب فلا أتصور أن تكون حرية الرأي إلا من خلال الهيئة السياسية والتي يعبر عنها بالحزب أى أن من حق الأعضاء أن يختلفوا على موضوع ما إلا أنه من الضروري أن يكونوا متفقين على اتخاذ سياسة وليس من الضروري أن يتفق جميع الأعضاء على فكرة واحدة إنما المهم أن تخضع الأقلية لرأي الأغلبية وهو ما يعبر عنه بموقف الحزب '''أما أن يخرج الدكتور هيكل على الإجماع بحجة أن القرار لم يكن جماعيا فهو قول مردود من عدة وجوه : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' على اعتبار أن الدكتور هيكل من بين الزعماء البارزين في الحزب فكان من الضروري أن يكون قدوة لحزبه .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن قرار مقاطعة الانتخابات لم ينص فيه على هذا الاستثناء والذي يعني التزام الحزب بوجهة نظر الأقلية وهو ما يعتبر موقف متناقضا في سياسة الحزب .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن وجهة نظر الدكتور هيكل تعتبر خروجا طبيعيا على تضامن السعديين والدستوريين وهو ما يضعف من جبهة المعارضة ولعل القرار الذي اتخذه الحزبان كان يعني مقاطعة كل شكل من أشكال الانتخابات سواء منها ما يتعلق بمجلس الشيوخ أو النواب .<br />
<br />
'''أما القول بأن التعيين أمر ملكي واجب الطاعة : ''' فيرد عليه بأن القواعد المرعية تحتم على الجهة التي تعين أن تأخذ في البداية رأي من يصدر المرسوم بتعيينه قبل إصدار المرسوم وإذا كان الملك هو الذي يصدر المرسوم فإن الحكومة هي التي تعد قائمة الأسماء ومن غير المعقول أن ترفع القائمة إلى الملك من غير أن تأخذ الحكومة رأي من وقع عليهم الاختيار وأعتقد أن هذا الموقف يؤكد من جديد تهافت زعماء أحزاب الأقلية على الفوز بمقاعد البرلمان مهما كانت الوسيلة .<br />
<br />
ونود ونحن بصدد الحديث عن قضية الانتخابات أن ننوه إلى ما أشبع من أن حكومة [[الوفد]] زيفت الانتخابات لصالح [[الوفد]]يين ونظرا لأهمية هذا الادعاء على اعتبار أنه يعد سابقة خطيرة في تاريخ [[الوفد]] فقد أعطيت اهتماما خاصا بهذه القضية '''وعلى ضوء العديد من المصادر وثيقة الصلة بهذا الموضوع يمكنني أن أقرر عدة اعتبارات ترقي إلى درجة الحقائق : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' إذا كان [[الوفد]] قد لجأ إلى تعديل الدوائر الانتخابية فإن هذا الإجراء في مجمله كان عودة إلى التقسيمات الإدارية التي كانت قائمة قبل سنة [[1938]].<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لم يثبت بالدليل المادي أن الحكومة [[الوفد]] زيفت الانتخابات بمعناها المعاصر وإنما كل الطعون التي قدمت سواء للبرلمان أو للقصر لم تستند إلى دليل واضح وإنما اعتمدت على أدلة ظنية لا ترقي إلى قوة الدليل وقد عرضت جميع الطعون على لجان مخصصة لفحص الطعون وثبت عدم صحتها جميعها .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد لجأ [[الوفد]] إلى العديد من التجاوزات وخصوصا ما يتعلق منها بالعمد والمشايخ ومديري الأقاليم لكن [[الوفد]] كانت له حجته التي يدافع عنها ووفق المصادر الأصلية فإن حكومة [[الوفد]] كانت أقل الحكومات التي لجأت إلى هذا الأسلوب كوسيلة لضمان نجاح أنصارها .<br />
<br />
===الاعتقالات السياسية ===<br />
<br />
لقد عرف عن [[الوفد]] معارضته الشديدة لفكرة إعلان الأحكام العرفية وحطمت مذكرة [[الوفد]] – [[أبريل]] [[1940]] حملة شديدة على هذا الإجراء وطالبت بريطانيا بإلغائها بل أن أهم ما طالب به [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في خطابه الشهير والذي ألقاه في رأس البر هو أن إعلان الأحكام العرفية قد فرض في غير ضرورة وهاجم وزارة [[علي ماهر]] بسبب اتخاذها الأحكام العرفية وسيلة لاضطهاد خصومها .<br />
<br />
ولم يكد [[مصطفى النحاس|النحاس]] يتولي الحكم في 4 [[فبراير]] حتى استند إلى الأحكام العرفية واتخذ منها وسيلة لاضطهاد خصومه وخصوصا فيما يتعلق بالاعتقالات السياسية والنفي الإداري حتى بات الأحزاب وقادة الرأي في البلاد في غير مأمن على حياتهم من استخدام هذا السلاح الخطير ولم يقتصر الأمر على تكميم الأفواه من خلال الصحافة فقط بل بات البوليس السياسي يتعقب كل صاحب رأي أو فكرة في الاجتماعات الخاصة وفي الأحزاب السياسية .<br />
<br />
واتخذت حكومة [[الوفد]] من قضية – الحفاظ على المصالح العليا للبلاد – ذريعة لاعتقال خصومها السياسيين وشهدت قاعات مجلس النواب والشيوخ العديد من اجتماعات وتقدم عدد كبير من نواب المجلسين – النواب والشيوخ – بالعديد من الاستجوابات حول المبررات التي تسوقها الحكومة لاعتقال الخصوم السياسيين إلا أن الأغلبية [[الوفد]]ية قد قبرت هذا الاستجواب في محاولة منها للقضاء على صوت المعارضة داخل المجلسين ولما كان جواب الحكومة لم يقنع المعارضة فقد تكررت تلك الاستجوابات في محاولة يائسة لإحراج الحكومة إلا أن رد الحكومة كان مزيدا من الاستهانة بالمعارضة في محاولة لتبرير أمر الاعتقال بحجة دواعي الأمن التي تتعلق بالمصلحة العليا للبلاد وامتد أمر الاعتقال ليشمل طلاب الجامعة وإيداعهم في السجون من غير تحقيق معهم مما حمل النائب [[عبد السلام الشاذلي]] إلى اتهام الحكومة بأنها تزج الشباب في السجون بناء على تقارير يعدها البوليس السياسي من غير أن يتحري الحقيقة .<br />
<br />
والحق أن وزارة [[علي ماهر]] التي أعلنت الأحكام العرفية لم تأخذه من سلاح الاعتقال ذريعة لمعاقبة خصومها حتي أنه حينما استسلمت ألمانيا وأشرفت الحرب على نهايتها أعلن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أن الأحكام العرفية باقية حتى تنتهي الحرب مع اليابان .<br />
<br />
وفي خلال الشهور الثلاثة الأول من عمر وزارة [[الوفد]] فقد وصل عدد المعتقلين لدواعي المن 2136 أما المعتقلون السياسيون فقد بلغ عددهم 72 معتقلا .<br />
<br />
وامتد الاعتقال ليشمل عددا كبيرا من الشخصيات العامة مثل [[علي ماهر]] [[أحمد حسين]] [[عزيز المصري]] النبيل عباس حليم ظاهر باشا وصالح حرب وهؤلاء جميعا تم اعتقالهم لاعتبارات سياسية وكان اعتقال [[علي ماهر]] أول مطلب من السفير البريطاني إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] يوم 7 [[فبراير]] حيث أشار لامبسون إلى ضرورة إبعاد [[علي ماهر]] إلى [[السودان]] أو أى جهة نائية أخري وبالفعل فقد قام [[مصطفى النحاس|النحاس]] بمقابلة [[علي ماهر]] وبعد أن شرح له الموقف ترك له الخيار بين أن يعتكف في غدارة بالقصر الأخضر '''(''' بضواحي [[الإسكندرية]] ''')''' أو يعين سفيرا في احدي دول أمريكا الجنوبية أو أن يرسل إلى الخرطوم وقال [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن الوزارة مستعدة للإشراف على أملاك [[علي ماهر]] وشئونه المالية أثناء غيابه عن [[مصر]] ولما رفض [[علي ماهر]] كل هذه العروض استقله [[مصطفى النحاس|النحاس]] وصدر بذلك بيان رسمي من رياسة مجلس الوزراء في 18 [[أبريل]] [[1942]] <br />
<br />
ووفق المصادر البريطانية فقد تم اعتقال عدد كبير بناء على نصائح بريطانية ويشير رئيس قلم البوليس السياسي إلى أن قضية الاعتقالات كانت تحتل المرتبة الأولي في العلاقات المصرية البريطانية فقد تعددت قوائم الاعتقال حتى اختلطت الأسماء وأصبحت مهمة البوليس السياسي غاية في الصعوبة وتحولت [[مصر]] إلى مستودع اعتقال حيث جئ بإعداد هائلة من المعتقلين من الدول المجاورة أودعوا جميعا في السجون المصرية وتتابعت طلبات الانجليز حتى وصل الأمر إلى اعتقال بعض أقارب [[الملك فاروق]] بتهمة أن لهم ميولا محورية .<br />
<br />
ويبدو أن معظم الذين اعتقلوا لدواعي الأمن تم اعتقالهم لأسباب سياسية حتى لا تقع الحكومة في مزيد من الحرج ولم يقتصر أمر الاعتقال على الرجال فقط بل تعداه إلى اعتقال بعض السيدات وفي مقدمتهن السيدة / نبوية موسي حيث لقيت في عهد حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] أشد أنواع العسف والطغيان فأغلقت مدارسها ومنع عنها الإعانة السنوية ولأول مرة في تاريخ [[مصر]] تعتقل سيدة حيث قبض عليها وأودعت في السجن لا لشئ إلا لأنها كتبت مذكرة تدافع فيها عن المدارس [[الإسلام]]ية وبالرغم من قرار النيابة الإفراج عنها إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد استخدم سلطته كحاكم عسكري وأدر أمرا عسكريا بإحالتها إلى المحكمة العسكرية حيث بقيت في السجن لمدة عشر شهور تحت التحقيق وأفرج عنها حيث لم يثبت إدانتها .<br />
<br />
ويبدو أن [[الملك فاروق]] لم يكن يملك أن يحول دون اعتقال أقاربه فقد كانت أحداث 4 [[فبراير]] ما تزال عالقة بذهنه وتأكد أن بقاءه ملكا على عرش [[مصر]] مرهون بالرغبة البريطانية ولعل ما حدث في 4 [[فبراير]] كان حدا فاصلا بين شخصية فاروق المتقدة بالحيوية والنشاط والاهتمام بالقضايا السياسية وبين شخصية أخري قد تملكته بعد 4 [[فبراير]] – كان من أبرز سماتها اليأس واللامبالاة والانصراف نحو العبث واللهو وفقد أن الثقة في الشعب المصري حيث كان يتصور أن الشعب المصري سيثور لكي يثأر لما أصاب ملكه من جرح للكرامة وإهدار للحقوق الشرعية والدستورية إلا أن الشئ الذي لم يستطع فاروق أن ينساه أو أن يتناساه هو موقف [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا حيث أعتقد فاروق أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان ضليعا في أحداث 4 [[فبراير]] وهذه القضية لأهميتها سوف نتعرض لها في فصل آخر .<br />
<br />
وأمتد أمر الاعتقال ليشمل عددا ممن موظفي القصر كان على رأسهم عبد الوهاب طلعت وكيل الديوان الملكي والذي كانت تربطه علاقات وطيدة ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] الذي تمكن ن إقناع السفير بالعدول عن أمر الاعتقال وأن يكتفي بإحالته على المعاش .<br />
<br />
ونظرا لأن قضية الاعتقالات السياسية كانت على رأس القضايا التي شغلت الرأي العام المصري – حينذاك – ولأن شخصية [[علي ماهر]] والطريقة التي تم اعتقاله بها قد شغلت جانبا كبيرا من الرأي العام بالإضافة إلى منافاتها للدستور والقانون فإننا سوف نتناولها بقدر من التفصيل لتقف حجة أكيدة على ما يزعمه البعض من أن اعتقال [[علي ماهر]] هو إجراء قانوني اتخذته حكومة [[الوفد]] لحماية أرواح الملايين من الشعب المصري .<br />
<br />
أن قضية اعتقال [[علي ماهر]] لم تكن مطلبا بريطانيا جديدا وإنما سبقته العديد من المحاولات حيث طلبت السفارة البريطانية إلى [[حسن صبري]] ثم [[حسين سري]] أن يعتقلا [[علي ماهر]] وأن الرجلين ل يستجيبا لهذا الطلب على خلاف في الطريقة التي اتبعها كل منهما .<br />
<br />
ولعل السفارة البريطانية كانت واثقة من أن طلبها لن يرد هذه المرة نظرا للكراهية الشديدة التي يكنها [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ل[[علي ماهر]] ولأن بريطانيا كانت واثقة من أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] متفهم لإبعاد هذه القضية مقدر خطورتها ولن يتردد في اعتقال [[علي ماهر]] .<br />
<br />
وحتى لا ينفرد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باتخاذ مثل هذا القرار الخطير فقد حاول استئذان الملك قبل الإقدام على أمر الاعتقال إلا أن فاروق كان غاضبا أشد الغضب واتهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] صراحة بأنه ينفذ تعليمات بريطانيا من غير تقدير لصالح [[مصر]] وأشار من طرف خفي إلى أن بريطانيا لن تظل بجانبه وإنما ستتخلي عنه في الوقت الذي تري أن مصالحها تحتم عليها البحث عن حليف جديد.<br />
<br />
ويلاحظ أن فاروقا قد أصاب لب الحقيقة ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يقصد من وراء استئذانه الملك أن يتخذ من ذلك حجة لمواجهة الخصوم السياسيين على اعتبار أن اعتقال [[علي ماهر]] قد تم بناء على أوامر الملك إلا أن فاروقا كان يقظا لهذا المعني وعلى الرغم من رفضه إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد أقدم على اعتقال [[علي ماهر]] في قريته بالقصر الأخضر – قرب [[الإسكندرية]] – لم يطق [[علي ماهر]] أن يذعن لهذا الأمر وأعد عدته للخلاص من هذا الاعتقال ولما كان عضوا في مجلس الشيوخ فقد اعتقد أن الحصانة البرلمانية تحميه وأنه لو استطاع أن يصل إلى المجلس وأن يرفع إليه أمره فسوف تقف الحصانة لبرلمانية حائلا بينه وبين الاعتقال ولهذا تمكن من أن يفلت من حراسة وجاء إلى [[القاهرة]] ونزل في منزل ل[[مصطفى الشوربجي]] عضو مجلس الشيوخ وعلم [[مصطفى النحاس|النحاس]] بما حدث إلا أنه آثر الحيطة حتى لا يعتدي على حصانة منزل الشوربجي وبينما [[علي ماهر]] قد وصل إلى فناء مجلس الشيوخ فقد استوقفه رجال البوليس في محاولة لمنعه من دخول المجلس إلا أن [[علي ماهر]] قد اندفع مسرعا ودخل حرم مجلس الشيوخ .<br />
<br />
وأغلب الظن أن مهابة [[علي ماهر]] وماضيه الطويل حال بين رجال البوليس والتشبث بالقبض عليه بالإضافة إلى أن حرمة المجلس من الداخل كانت مسئولية بوليس البرلمان .<br />
<br />
وما يلفت النظر أن رئيس مجلس الشيوخ – [[محمد محمود]] خليل قد عرف ما حدث إلا أنه تجاهل الأمر بحجة أن ما يراد الحديث عنه لم يرد في جدول الأعمال وعلى الرغم من أن [[علي ماهر]] قد وقف مرارا في محاولة مستميتة لكي يلفت نظر المجلس إلا أن رئيس المجلس قد منعه بعنف محذرا إياه بالطرد إذا ما حاول مرة ثانية .<br />
<br />
وهذا الموقف من رئيس المجلس يضاعف من قناعتنا بأنه كان ضليعا في هذه المؤامرة حيث لم يتخذ من الإجراءات ما يحول دون القبض على عضو متمتع بالحصانة البرلمانية وعندما انتهت أعمال المجلس لم يبرح [[علي ماهر]] موقعة بل ظل محتميا بحرمة المجلس وأسرع أحد الأعضاء – عب القوي أحمد – إلى [[محمد محمود]] في إقالته وقص عليه ما أصاب [[علي ماهر]] وطلب إليه بوصفه رئيس المجلس أن يحمي الرجل إلا أن [[محمد محمود]] خليل قد تذرع بأنه لا يملك شيئا خارج حدود المجلس .<br />
<br />
وأطفئت الأنوار في قاعات المجلس مما اضطر [[علي ماهر]] أن يغادر المجلس فلما غادره قبض عليه البوليس ليذهب به إلى معتقل جديد لا يستطيع مغادرته كما ستطاع مغادرة القصر الأخضر .<br />
<br />
ويبدو أن رئيس المجلس إنما أعطي الحصانة البرلمانية فسحة من الوقت لأن مدة رياسته للمجلس كانت تنتهي بعد أسابيع من هذا الحادث وحرصا منه على أن تجدد الحكومة مدة رياسته هو الذي دفعه إلى أن يتصرف هذا التصرف الذي يتعارض وأبسط القواعد الدستورية ومع الأسف الشديد فقد سيطرت المصالح الشخصية على المبادئ العامة والتقاليد البرلمانية ولذا فإننا نحمل [[محمد محمود]] خليل قدرا كبيرا من المسئولية بسبب هذا الموقف الذي وقفة مع أحد أعضاء المجلس والذي يفتقد إلى أى تقاليد برلمانية ونظر لاعتقال [[علي ماهر]] بهذه الصورة المنافية لكرامة المجلس وأعضائه فقد تلقت رئاسة مجلسي النواب والشيوخ العديد من الاستجوابات وتحدث عدد كبير من النواب مؤكدين على أن الحرية في [[مصر]] أصبحت لا وجود لها وأن الدستور أصبح لا قيمة له بعد ان أهدرت حصانة عضو من أعضاء البرلمان البارزين فضلا عن كونه رئيس وزراء سابق ورئيس ديوان وصاحب مقام رفيع .<br />
<br />
ويلاحظ أن إجابة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كانت أكثر تحديا للمجلسين النواب والشيوخ – مؤكدا على أمر الاعتقال بصرف النظر عن مركز المعتقل وأنه لن يتردد بوصفه الحاكم العسكري والقائم على تنفيذ الأحكام العرفية من اعتقال أى شخص يري أن له نشاطا ضارا بالأمن والنظام مهما كان مركزه والمدهش في الأمر أن رئيس الوزراء قد أعطي لنفسه حقوقا لم تقرها إجراءات الطوارئ القائمة لأن حق الاعتداء على الحريات محدود فيما يختص بالحرية الشخصية '''حيث أن قانون الأحكام العرفية قد أطلق يد الحاكم العسكري في عدة مسائل : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' سحب الرخص بإحراز السلاح وحمله والأمر بتسليم الأسلحة على اختلاف أنواعها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' الترخيص بتفتيش الأشخاص أو المنازل في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' الأمر بمراقبة الصحف والنشرات الدورية قبل نشرها وإيقاف نشرها من غير إخطار سابق هذا فيما يتعلق بالأشخاص العاديين أما أعضاء البرلمان فيجب أن تصان كل حقوقهم لأن الحصانة هي للبرلمان وهذه لحصانة لها مثيل في القضاء فاستقلال القضاء يفيد القاضي<br />
ولكن لمصلحة العدل ولمصلحة نزاهة القضاء .<br />
<br />
وشهدت قاعات مجلس النواب والشيوخ أهم مرافعة قانونية قامت بها المعارضة مؤكدين على أهمية الحصانة البرلمانية وأنها ألزم كثيرا أثناء قيام الأحكام العرفية وهذا ما أقره علماء الفقه الدستوري وتساءل أحد الأعضاء : إذا كانت الصحافة مكممة لا تستطيع أن تقول شيئا لأنها تحت الرقابة والاجتماعات ممنوعة والأندية مغلقة كل ذلك حاصل أثناء قيام الأحكام العرفية فمن إذن يستطيع أن يعمل في هذا الجو ؟ فإذا سلب البرلمان أيضا الحصانة ضاع استقلاله إذا كان النائب وسيف الأحكام العرفية فوق رأسه فأي شئ يمكن للناس أن يتنفسوا الأحكام العرفية فوق رأسه فأي شئ في البلد يمكن للناس أن يتنفسوا منه وإذا كان الرأي العام لا يستطيع أن يتكلم أو يتنفس وكذلك الهيئات النيابية فكيف تستطيع أن نرشد الوزارة .<br />
<br />
ولأن الموقف كان يتعلق بمستقبل الحياة البرلمانية فقد أصرت المعارضة على أن تعرف موقف لحكومة من التقاليد البرلمانية المتبعة '''وفي محاولة لتبديد نشاط المعارضة فقد عاد [[مصطفى النحاس]] ليلخص أسباب اعتقال [[علي ماهر]] بما يأتي : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن الأسباب التي كانت تقضي اتخاذ إجراءات مع [[علي ماهر]] باشا التي أدت في آخر الأمر إلى اعتقاله تتعلق بأمور خطيرة وأن هذه الأمور ذات مساس بأمن الدولة وسلامتها ومن الصعب الإفصاح عنها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد تحدثت مع [[علي ماهر]] واتفق معي على أن يترك كل نشاط ويلزم منزله تجنبا للإضرار بمصالح البلاد إلا أنه أخل بتعهده .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' وأمم الإخلال بالوعد وإصراره على أن يذهب لأبعد الحدود فلم أر بدا من اعتقاله وأضاف [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن ما تركه من أسباب الاعتقال هو ما تسمح به المصلحة العامة وعلى الرغم مما بذله [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ليبدد الآثار الناجمة من اعتقال [[علي ماهر]] إلا أن المعارضة قد ضاعت من نشاطها في محاولة للفت الرأي العام إلى أن قضية اعتقال [[علي ماهر]] قد تمت وفقا لرغبة بريطانيا وهذا مما دفع المعارضة إلى أن تسلك طرقا أخري لتعميق هذا المفهوم حيث اجتمع زعماء المعارضة وكتبوا خطابا إلى [[مصطفى النحاس]] يطلبون فيه التحقيق مع [[علي ماهر]] وإذا ما أسفر لتحقيق عن إدانته فيكون هذا مبررا لاعتقاله وإذا ما ثبتت براءته تطمئن البلاد إلى أنها غير مهددة في أمنها وسلامتا . ولعل الهدف من وراء تلك المذكرة كان مزيدا من إحراج حكومة [[الوفد]] أمام الرأي العام ومن المؤكد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يقظا لكل تلك المحاولات حيث أحاب على خطاب المعارضة بالرفض مبديا أسفه لأن التحقيق مع [[علي ماهر]] يمس سلامة الدولة وأمنها .<br />
<br />
وهكذا اتخذ [[مصطفى النحاس|النحاس]] من سلامة الدولة وأمنها ذريعة لصرف المعارضة عن غرضها الحقيقي والذي يعني الأسباب الحقيقية في أمر الاعتقال وهذا مما دفع أحد الأعضاء إلى أن يعلن صراحة من أن جهة أجنبية هي التي أوحت باعتقال على [[علي ماهر]] .<br />
<br />
ووفق مضابط مجلس لنواب والشيوخ فإن قضية اعتقال [[علي ماهر]] قد أحدثت دويا هائلا داخل البرلمان فقط وإنما امتد ليشمل الطلاب والعمال ويلاحظ أن المعارضة قد نجحت في استغلال هذا الحادث أكبر نجاح وتمكنت من أن تنقل القضية من داخل مجلس النواب إلى الرأي العام باعتباره قضية قوميه تتعلق بمستقبل الديمقراطية في [[مصر]] .<br />
<br />
وتحدث صيحة في مجلس النواب عندما يقول النائب عبد العزيز الصوفاتي أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا بينه وبين ضميره لا يقر مطلقا ما نسب إلى [[علي ماهر]] وأن ديكتاتورية [[مصطفى النحاس|النحاس]] ستنقلب إلى ديكتاتورية برلمانية وهذا شر الديكتوريات في العالم '''ويحذر الصوفاني قائلا : ''' اعلموا أن الذي تستونه اليوم قد يتخذه غيركم سلاحا ضدكم في الغد ويقول لنائب فكري أباظة لقد أعلن [[علي ماهر]] الأحكام العرفية ولكنها مع الأسف الشديد انقلبت عليه ونحن نخشي يا رفعة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا أن تكونوا أنتم الفريسة وأن يكون تشريعكم هذا هو السيف لأن هذه الدولة منيت مع الأسف بالزلازل والبراكين لا في أرضها بل في دستورها وأن غدا لناظره قريب. وهكذا كان [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] وعودة [[الوفد]] إلى الحكم على أسنة الحراب البريطانية – كما يذكر الدكتور [[أحمد ماهر]] – سببا في لعديد من التجاوزات حيث مضت حكومة [[الوفد]] تتحدي المشاعر الوطنية مؤكدة من خلال سلوكها أن بقاءها في الحكم مرهون برغبة بريطانيا وبالرغم من الرقابة الشديدة على الصحف والاجتماعات إلا أن صوت المعارضة داخل مجلس النواب والشيوخ كان يصل إلى مسمع رجل الشارع حيث تناقل الناس العديد من القضايا التي تثار داخل المجلسين ولم تستطيع الحكومة أن تكمم أفواه الناس بالرغم من أن سيف الاعتقال كان مسلطا على رقاب المواطنين حيث ملئت السجون بالمعتقلين والذين كانوا يؤخذون إليها زرافات ووحدانا ولا تسمح الرقابة على الصحف بذكر أسمائهم ولعل قضية اعتقال [[علي ماهر]] كانت البداية ثم تبعها اعتقال محمد طاهر باشا عضو مجلس الشيوخ وفي هذه المرة لم يعترض أحد ولم يستجوب أحد لأن القضية لم تعد تمثل أى مفهوم للديمقراطية وإنما الذي يحكم هو الذي يعتقل بصرف النظر عن أى اعتبار آخر .<br />
<br />
وبالرغم من أن حكومة [[الوفد]] لم تأخذ بانتقادات المعارضة فيما يتعلق بأمر اعتقال المدنيين سواء من الشخصيات العمة أو من المواطنين العاديين إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في محاولة لكسب ضباط لجيش المصري عقب لعديد من حالات الاستنكار التي أعقبت 4 [[فبراير]] من هنا كان قرار الحكومة بالإفراج عن [[عزيز المصري]] وزميلاه – [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] و [[حسين ذو الفقار]] – وأصدر مجلس الوزراء بيانا أعلن فيه أن [[مصطفى النحاس]] '''(''' صاحب المقام الرفيع''')''' رئيس الوزراء والحاكم لعسكري العام قابل عزيز باشا المصري والضابطان [[حسين ذو الفقار]] و[[عبد المنعم عبد الرؤوف]] وأعلنهم بأنهم منذ الأن أحرارا في الذهاب إلى منازله على أن يكونوا تحت الرقابة المؤقتة لحين الانتهاء من اتخاذ ما يلزم من الإجراءات التي عهد إلى وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الحرب في إتمامها وبالرغم من أنني لم أتمكن من تحديد الجهة التي طلبت الإفراج عن عزيز باشا المصري وزميلاه , هل هي قوي أجنبية أم أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد بادر من نفسه لاتخاذ هذه الخطوة تهدئة للنفوس الثائرة سواء داخل الجيش أو خارجه ألا أني أعتقد أن حكومة [[الوفد]] قد أقدمت على هذه الخطوة بسبب العديد من حالات الاضطرابات التي وقعت عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] لدرجة أن بعض القادة العسكريين قد تقدم باستقالته من الجيش احتجاجا على الانتهاكات الصارخة التي حدثت وجاء في صيغة الاستقالة ما يؤكد أن الملك كان يتمتع بشعبية كبيرة لدي ضباط الجيش وحيث أني أستطع أن أحمي مليكي وقت الخطر فإني لأخجل من ارتداء بذلتي العسكرية والسر بها بين المواطنين ولذا أقدم استقالتي .<br />
<br />
ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد وجد في الإفراج عن [[عزيز المصري]] ورقة رابحة ليكسب بها أرضا جديدة من تحت أقدام المعارضة وليس من المعقول أن يقدم [[مصطفى النحاس|النحاس]] من تلقاء نفسه على اتخاذ هذه الخطوة من غير أخذ رأي الانجليز لأن قضية [[عزيز المصري]] وزميلاه كانت موضع اهتمام خاص من السلطات البريطانية حيث كان قرار إحالة [[عزيز المصري]] إلى التقاعد - في عهد حكومة [[علي ماهر]] – بإيعاز من بريطانيا ولنفس السبب الذي قدرته حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] للإفراج عن [[عزيز المصري]] فقد كانت موافقة بريطانيا أيضا .<br />
<br />
وعموما فقد كان قرار الإفراج عن [[عزيز المصري]] وزميلاه له وقع طيب لدي جماهير الشعب المصري عموم والجيش على وجه الخصوص حيث كانت حركة [[الضباط الأحرار]] والتي كانت ما تزال في مهدها تعتبر [[عزيز المصري]] الأب الروحي للحركة الوطنية المعاصرة وكان موضع تقدير واعتزاز من الضباط الشبان .<br />
<br />
وإيمانا من حكومة [[الوفد]] بعدم شرعية الحكومات التي تعاقبت على البلاد ابتداء من [[ديسمبر]] [[1937]] وحتى 4 [[فبراير]] [[1942]] فقد أصدرت الحكومة قانونا بالعفو عن الجرائم التي وقعت في نفس المدة ولعل الغرض هو كسب مؤيدين ومناصرين للوفد .<br />
===سياسة [[الوفد]] تجاه بريطانيا عقب 4 [[فبراير]] ===<br />
<br />
لقد حرص [[مصطفى النحاس|النحاس]] منذ اليوم الأول لتوليه الحكم على أن يوضح للسفارة البريطانية وللرأي العام المصري أنه " لا المعاهدة المصرية البريطانية ولا مركز [[مصر]] كدولة مستقلة يسمحان بالتدخل في شئون [[مصر]] وبخاصة في تأليف الوزارات أو تغييرها ورحب اللورد " كليرن" عن طيب خاطر بهذه المناورة التي كانت تهدف إلى تناسي عمل القوة الذي حدث بالأمس في قصر عابدين كما أوضح السفير البريطاني في نفس اليوم وفي تصريح نشر في الصحف أن [[السياسة]] البريطانية تهدف إلى ضمان تعاون كامل مع حكومة [[مصر]] باعتبارها بلدا مستقلا وحليفا وذلك بتنفيذ بنود المعاهدة البريطانية لمصري دون التدخل في الشئون الداخلية ل[[مصر]] أو في تشكيل الوزارات أو تعديها .<br />
<br />
أما على الحدود الليبية فقد كانت المعارك تدور بشراسة وبدأ روميل يواصل تقدمه إلى الأمام حتى وصل إلى طبرق '''(''' 21 [[يونيه]] [[1942]] ''')''' وبسقوط طبرق تم أسر 25 ألف أسير في ايدي القوات الألمانية ثم تقدمت القوات الألمانية واجتازت الحدود المصرية وأصبح من المؤكد أن الحرب ستحسم لصالح المحور .<br />
<br />
وعلى الرغم من كل ذلك فلم يتردد [[الوفد]] في إعلان ارتباطه ببريطانيا بحجة أن الارتباط بها يعني الارتباط بالديمقراطية في العالم كله وأن [[مصر]] ستظل تمد يدها للشعب الحليف وستقدم كل إمكاناتها صالح بريطانيا .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن موقف الحكومة المصرية قد ازداد صعوبة وخصوصا بعد أن أعلنتا كلا من ألمانيا وايطاليا التزاماتهما باحترام وضمان استقلال وسيادة [[مصر]] بل أنهما قد أكدتا أن قواتهما لن تدخل [[مصر]] " كبلد معاد وإنما ستدخلها بهدف طرد الانجليز من الأراضي المصرية وتحرير الشرق الأوسط من السيطرة البريطانية وتلقت [[مصر]] تأكيدا بأنها بعد أن تتحرر من قيودها ستتبوأ مكانها بين الدول المستقلة ذات السيادة "<br />
<br />
وأمام الدعاية المحورية الماكرة والتي وجدت صدأها لدي قطاع كبير من المثقفين المصريين نظرا لأن عودة [[الوفد]] إلى الحكم في 4 [[فبراير]] كنت جرحا غائرا في قلوب المصريين فقد كان من الصعب على الحكومة المصرية أن تجد مبررا معقولا لكل ما يمكن أن تقدم عليه لخدمة الحلفاء وكان من الصعب على [[الوفد]] أن يخلق حوارا ديمقراطيا مع أحزاب الأقلية ليحدد من خلاله موقع [[مصر]] من هذا الصراع القائم وحتى لو أراد [[الوفد]] ذلك فقد كان من الصعب إقناع بريطانيا بهذا النوع من الحوار على اعتبار أنه قد يفسر بأن [[الوفد]] يتراجع عن مناصرة الحليفة بسبب تردي موقفها العسكري هذه واحدة أما الثانية فإن سياسة بريطانيا في 4 [[فبراير]] قد ألبست [[الوفد]] ثوبا يصعب الخلاص منه من هنا كان قرار [[الوفد]] القاطع بانتهاج سياسة التعاون المطلق وتأجيل أى نوع من المطالب القومية ريثما تنتهي الحرب .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فقد كان هناك عامل آخر دفع [[الوفد]] إلى عدم التردد في سياسته تلك وهو أن [[الوفد]] قد قطع شوطا في علاقته ببريطانيا تلك لعلاقة التي كانت موضع اهتمام خاص من المحور عبر عنها " كليرن " في مذكراته بقوله :" أما أن نغرق معا وأما أن نطفو معا "<br />
<br />
ويبدو أن تلك [[السياسة]] التي اختطها [[الوفد]] لنفسه لم تكن على قدر كبير من الصواب فقد كان من الممكن ووفقا للأوضاع المتردية لبريطانية على كل الجبهات العسكرية ان تحصل [[مصر]] على تأكيدات وثائقية تقرر حقها في الاستقلال الكامل بكل أبعاده إلا أن العلاقة بين [[الوفد]] والانجليز عقب 4 [[فبراير]] ظلت قائمة على احترام رغبات بريطانيا وسوق العديد من المبررات للدفاع عن سياستها وقد يقال أن هذا الموقف كان تأمينا لقضية الديمقراطية ضد الفاشية والنازية وبالرغم من سوق كل المبررات '''إلا أننا نستطيع أن نقول : ''' أن سياسة [[الوفد]] طيلة وجوده في الحكم لم تكن تتفق والمصالح الوطنية المصرية حيث كانت الأوضاع الاقتصادية في [[مصر]] تمضي من سيئ إلى أسوأ ففي [[القاهرة]] هجم الناس على نوافذ البنوك وجرت حركة سحب جماعية للأرصدة ووصلت في يوم واحد إلى ما قيمته مائة مليون جنيه ودب الفزع في قلوب الأجانب مما دفع الكثيرون منهم إلى الهروب إلى [[فلسطين]] .<br />
<br />
وذكر أحد شهود العيان أن أعمدة الدخان كانت تشاهد وهي تعلو في سماء [[القاهرة]] حيث أخذت السفارة البريطانية تحرق وثائقها وملأت قوافل السيارات الطرق الصحراوية حيث بدأت أكبر هجرة جماعية وبدأ الناس من كل الجنسيات وهم يلوزون ب[[فلسطين]] و[[سوريا]] و[[لبنان]] وجنوب أفريقيا.<br />
<br />
وعلى الرغم من كل ذلك فقد قام [[الوفد]] بدور هام ورئيسي في تأمين الانجليز وتقديم كافة الضمانات المطلوبة لتأمينهم وإظهار شعور الولاء والامتنان لهم في المناسبات المختلة ف[[مصطفى النحاس|النحاس]] يهنئ السفير البريطاني بمناسبة الإنعام عليه بلقب لورد ويستعرض معه قوات جيش الاحتلال في ميدان [[الإسماعيلية]] .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت فيه السفارة البريطانية تحزم أمتعتها وتحرق وثائقها استعدادا للرحيل كانت تصريحات [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ودعوته إلى طمأنة الرأي العام مؤكدا بأن الأحوال العسكرية مرضية للغاية ويؤكد أحد زعماء [[الوفد]] أنه بينما كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يلقي بمثل هذه التصريحات كانت الحكومة جميعها ترقب قدوم الألمان بين وقت وآخر إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان حريصا على أن تتملكه الشجاعة لأن انهياره يعني انهيار [[مصر]] كلها .<br />
<br />
وعلى الرغم من تدهور الأوضاع العسكرية لقوات الحلفاء إلا أن الأنباء قد تواترت عن سعي انجلترا ب[[السودان]] نحو الحكم الذاتي وتأييدا لهذا الاتجاه فقد ألقي الحاكم العام في الخرطوم بمناسبة افتتاح المجلس الاستشاري للمديريات الشمالية حث فيه [[السودان]]يين على الاستعداد لحكم أنفسهم .<br />
<br />
وعلى الرغم من هذا التصريح الخطير والذي يهدف على ما يبدو إلى توسيع دائرة الخلاف بين [[مصر]] و[[السودان]] إلا أن حكومة [[الوفد]] لم تعلق على تراخي لحكومة في حماية مصالح [[مصر]] في القطر الشقيق كما استدعي السفير البريطاني وأبلغه ما يشعر به من القلق نحو ما يجري في [[السودان]] .<br />
<br />
ولعل هذا الموقف من [[الملك فاروق]] قد دفع [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى إنشاء لجنة برئاسة وزير التجارة والصناعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والثقافية بين [[مصر]] و[[السودان]] وعندما حانت فرصة الاحتفال بذكري توقيع معاهدة الصداقة بين [[مصر]] وانجلترا في 26 [[أغسطس]] '''خطب [[مصطفى النحاس|النحاس]] فقال : ''' أنه على اتصال مستمر بالحاكم العام في [[السودان]] والذي يمثل الحكومتين المصرية والبريطانية وأنه طلب إليه احترام مصالح [[مصر]] وحقوقها في [[السودان]] وعلى أثر هذا الخطاب هرع السفير البريطاني إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وحذره من مسألة موضوع [[السودان]] في الوقت الحاضر إذ أن ذلك قد يضر بالمصالح المصرية ولا يبقي لها إلا ما نصت عليه اتفاقية مياه النيل المعقودة في سنة [[1929]] .<br />
<br />
ومن المؤكد أن تلك النصيحة كانت قاسية هدد فيها السفير بفصم العلاقة بين [[مصر]] و[[السودان]] ويبدو أن ما شجع السفير على توجيه هذا التحذير هو شعوره بأن له يدا على الوزارة القائمة منذ 4 [[فبراير]] '''وهكذا وجد [[مصطفى النحاس|النحاس]] نفسه في موقف غاية في الصعوبة وخصوصا وأن العلاقات المصرية البريطانية بدأت تواجه مشكلتين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' محاولة إقناع بريطانيا بالعدول عن إغراق الدلتا بمياه البحر المتوسط حيث استعدت القوات البريطانية إلى الرحيل عن [[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] والتمركز على الجبهة الشرقية ل[[قناة السويس]] ووفقا لرأي القائد العام للقوات البريطانية فإن هذا الموقف يقتضي عرقلة القوات الألمانية لمدة يوم واحد على الأقل ولن يتحقق هذا إلا بإغراق الدلتا بمياه البحر المتوسط.<br />
<br />
'''ويعلق أحد المعاصرين والذي كان عضوا في لجنة المحادثات الخاصة بتلك القضية قائلا : ''' لقد هاج [[مصطفى النحاس|النحاس]] وغضب غضبا شديدا لسماعة هذا القول من السفير البريطاني وأخذ يعدد للسفير حجم الأضرار الخطيرة التي ستلحق بالتربة الزراعية بسبب انغمارها بالمياه المالحة وقد تمسك السفير برايه على اعتبار أن ضرورات الحرب تقتضي ما هو أبعد من ذلك وهنا تدخل [[عثمان محرم]] " وزير الأشغال ط مقترحا إغراق الدلتا بمياه النيل بدلا من مياه البحر المتوسط وذلك عن طريق بعض العمليات الهندسية البسيطة . '''ويضيف صاحب هذه الرواية قائلا : ''' وبعد أن خرجنا من مبني السفارة البريطانية '''قلت للنحاس : ''' هل تعتقد أنهم سيستأذنونك ساعة اضطرارهم إلى إغراق الدلتا أنهم لن يستشيروا أحدا إذا ما اضطروا إلى الإقدام على خطتهم .<br />
<br />
وهذه الرواية تتفق والعديد من الروايات التي ذكرها كثير من المعاصرين أنها تختلف عنها في بعض الجوانب ووفق هذه الرواية فإن [[عثمان محرم]] قد قدم البديل عن إغراق الدلتا بمياه البحر المتوسط وهذه الرواية لم تذكرها الروايات الأخرى وأعتقد أن رواية [[فؤاد سراج الدين]] هي أقرب إلى الحقيقة حيث كان طرفا في تلك المحادثات إلا أن هذا الاقتراح الذي قدمه [[عثمان محرم]] ليس ذا أهمية على حد قول [[فؤاد سراج الدين]] وخصوصا إذا ما تأزمت الأوضاع أمام بريطانيا .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن عملية إغراق الدلتا بمياه البحر المتوسط تبدو غير ممكنة جغرافيا إلا أن بعضا من المعاصرين قد أبدي إمكانية تنفيذ تلك الخطة بواسطة إطلاق الماء المالح في ترعة المحمودية .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' ويبدو أن المحادثات بين [[الوفد]] والانجليز قد تناولت ما هو أبعد من إغراق الدلتا وهو تدمير جميع المدنية والعسكرية بما فيها طرق المواصلات والكباري والمطارات وإشعال النيران في آبار البترول حتى لا يستخدمها المحور .<br />
<br />
وهكذا بدأت السلطات البريطانية تفكر في تدمير وسائل الحياة في [[مصر]] حتى تقطع على المحور كل استفادة ممكنة وهذه القضية على الرغم من خطورتها إلا أن [[الوفد]] لم ينكرها ومن المؤكد أن المعارضة كانت متيقظة لكل تلك المحادثات ولعلها حاولت أن تثير هذه القضية أمام مجلس النواب على اعتبار أن الخطر قد تخطي دائرة الحزبية وأصبحت مسألة حياة أو موت إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد رفض أن تنتقل إلى البرلمان بحجة أن المحادثات ما تزال جارية مع الجانب البريطاني.<br />
<br />
ولما كانت المحادثات مع الجانب البريطاني لم تحقق أى قدر من التفاهم فقد حاولت المعارضة أن تجمع صفوفها وأن تتخذ موقفا قوميا يتناسب وخطورة المرحلة الراهنة فاجتمع الدكتور [[أحمد ماهر]], [[إسماعيل صدقي]] ,الدكتور هيكل ,و[[حسين سري]] وتناقشوا في خطورة الوضع وانتهي رأيهم على إبلاغ الانجليز.<br />
<br />
" أن تدمير ما قرروه سيضرهم ضررا كبيرا لأن جلاءهم عن [[مصر]] لن يكون إلا لفترة يعودون بعدها لنهم سيكسبون الحرب في النهاية ما في ذلك شك ومن الخير أن يعودوا إليها وهي سليمة بدلا من أن يجدوها وقد انتشرت بها المجاعة والخراب وما يتبعها من انتشار الأوبئة القاتلة , وذهب الدكتور هيكل لينقل وجهة النظر هذه إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا الذي أكد أنه مدرك لكل ما تفكر فيه بريطانيا وأنه بعث بتعليماته إلى محافظ [[الإسكندرية]] ليستقبل القوات الألمانية استقبالا كريما باسم الحكومة المصرية .<br />
<br />
وعلى ضوء الحالة العسكرية المتردية لقوات الحلفاء وخصوصا على الجبهة المصرية وأمام التضحيات الباهظة التي قدمتها [[مصر]] لتأمين ظهر القوات المحاربة ووفق ما أجمع عليه بعض المعاصرين للأحداث من أن بريطانيا بدأت تعد خطتها لتدمير كل مرافق الحياة المصرية وعلى ضوء كل هذا فإننا نعتقد أن السفارة البريطانية قد قطعت على نفسها بعضا من الوعود مثل اقتسام غنائم الحرب مع [[مصر]] أو إعادة النظر في [[معاهدة 1936]] بما يحقق ل[[مصر]] قدرا كبيرا من الاستقلال يتفق والتضحيات التي قدمتها [[مصر]] للدولة الحليفة.<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن تلك الوعود لم تكن إلا من باب أحلام اليقظة ولعل الهدف من وراء ذلك هو طمأنة الحكومة المصرية بأن تضحياتها لن تذهب هباء . ومما يضاعف من اعتقادنا بأن مثل هذه الوعود '''(''' أن وجدت ''')''' كانت من اختراع السفير البريطانية أن محادثات تشرشل مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] والتي جرت بينهما في [[أغسطس]] [[1942]] قد خلت تماما من أى إشارة إلى تلك الوعود وإنما تناولت المباحثات قضايا أخري من بينها ما طلبه تشرشل من انتقال الحكومة المصرية إلى [[السودان]] ولم يقطع [[مصطفى النحاس|النحاس]] على نفسه وعدا بتنفيذ هذا المطلب بل أجاب بأن هذه مسألة متروكة للظروف ولرأى جلالة الملك والأمة ثم تباحثا في مسألة البترول وتدمير خطوط المواصلات وإغراق الدلتا وأبدي [[مصطفى النحاس|النحاس]] عدم موافقته على كل تلك المطالب ثم تباحثا في مسألة نقل النقد الذهبي خارج [[مصر]] ولم يتفقا على أية نتائج بخصوص هذا الموضوع أيضا ثم تباحثا في مسائل حربية وسياسية تتعلق برعايا أمريكا وجيوشها .<br />
<br />
'''والملاحظ أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد اقتصر في تلك المحادثات على مطلبين تقدم بهما إلى تشرشل : '''<br />
<br />
'''المطلب الأول: '''<br />
تسهيل استيراد بعض المواد الغذائية.<br />
<br />
'''المطلب الثاني : '''<br />
شراء القطن المصري ومقابل هذا فقد قطع [[مصطفى النحاس|النحاس]] على نفسه وعدا بأن مص لن تقطع علاقاتها بانجلترا إذا ما اضطرت إلى الخروج من [[مصر]] ولعل هذا المطلب يبدو غريبا بعض الشئ لأن بريطانيا إذا ما خرجت من [[مصر]] ودخلتها القوات الألمانية لن يكون أمام الحكومة المصرية فرصة للاختبار أو المفاضلة وقد بعث [[مصطفى النحاس|النحاس]] برسالة سرية إلى [[الملك فاروق]] ينبئه فيها بنتائج تلك المحادثات .<br />
<br />
ومما يسجل الحكومة [[الوفد]] أنها كانت جادة في محادثاتها مع تشرشل ولم تقدم أى نوع من الوعود التي تتعارض مع المصالح المصرية سواء فيها يتعلق بإغراق الدلتا أو تدمير المنشآت المصرية مع قناعتنا بأن هذا الموقف يبدو عديم الأثر خصوصا إذا ما دخلت القوات الألمانية [[مصر]] وهذا لم يحدث .<br />
<br />
ولعل تلك المحادثات تشير إلى أكثر من دلالة أهمها أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] بدأ يأخذ موقفا متشددا في سياسته مع بريطانيا وأعتقد أن تفسير هذا الموقف يرتبط بتدهور الحلفاء عسكريا وخصوصا في معارك شمال أفريقيا بعد سقوط [[مرسى مطروح]] وتقديم القوات الألمانية صوب [[الإسكندرية]] ولعل هذا يفسر محاولة الاتصال بالألمان عن طريق محافظ [[الإسكندرية]] وتوضيح وجهة النظر المصرية على اعتبار أن [[مصر]] لا شأن لها بهذه الحرب .<br />
<br />
وأمام تحرج موقف الانجليز على الجبهة المصرية إلا أن [[الوفد]] لم يحاول الماسومة على ضوء هذا الموقف فقد كان من الممكن الضغط على الانجليز واستخلاص وعد منهم بالجلاء التام عقب انتهاء الحرب .<br />
<br />
حتى عندما أشرقت الحرب على نهايتها لم يحاول [[الوفد]] ذلك أيضا ولم يكن هناك أثر ما لبعض التصريحات التي ألقاها [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا : " أن حوادث الحرب قد غيرت الموقف كله حتى أصبح تعديل [[معاهدة 1936]] ضرورة لابد منها ونتيجة لا مناص عنها .<br />
<br />
وبدلا من أن يأخذ [[الوفد]] مواقف عملية لصالح القضية انصرف في مواجهة خصومة وتبديد طاقاته في مسائل فرعية لا تخدم القضية الأساسية ولو أخذ [[الوفد]] موقفا فمن المؤكد أن يجد كل الشعب المصري من خلفه يشد أذرة ويناصره ولعلها تكون مناسبة لعودة [[الوفد]] إلى مكانته الطبيعية باعتباره حزب الكفاح الوطني وخصوما بعد أن فقد رصيدا هائلا من شعبيته عقب أحداث 4 [[فبراير]] إلا أنه لم يبدأ بعامل المباغتة وإنما ترك الفرصة للمعارضة لكي تضع الحكومة هدفا لهجمات شديدة بهدف أن تعيد إلى الأذهان باستمرار ظروف مجئ [[الوفد]] إلى الحكم . <br />
<br />
ولم يستثن بريطانيا من هذه الهجمات فقد وجهت إليها الاتهامات من فوق منصة البرلمان باعتبارها مسئولة عن الغلاء المستمر في تكاليف المعيشة وسيطرتها على الاقتصاد المصري في طريق مركز تموين الشق الأوسط.<br />
<br />
وعلى الرغم من أن مشاعر الشعب المصري كانت تتسم بالكراهية الشديدة للاحتلال وسياسته إلا أننا نعتقد أن سياسة [[الوفد]] لم تكن متطابقة ولعل هذا الموقف قد ضاعف من حدة العداء بين القصر و[[الوفد]] إذا لم ينس [[الملك فاروق]] قط ذلك الضغط الذي تعرض له في 4 [[فبراير]] [[1942]] كما كان يضيق<br />
برئيس الوزراء بسبب جولاته في الأقاليم ويحظي بمظاهرات ترحيب موحي بها تهتف له " عاش [[مصطفى النحاس|النحاس]] زعيم الأمة"<br />
<br />
ثم تحولت تلك المعارك الصامتة إلى صراع عنيف لأن ثلاثة من الضباط حاولوا تنظيم مظاهرة ولاء للملك احتجاجا على [[حادث 4 فبراير]] واقترح [[مصطفى النحاس|النحاس]] الاستغناء عن خدماتهم بينما رأي القصر تقديمهم لمحاكمة عسكرية بحيث تتاح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم فيما نسب إليهم .<br />
<br />
ولم تتوقف سياسة [[الوفد]] عند حد القصر وإنما امتدت لتشمل كل من يناصر القصر في موقفه ضد [[الوفد]] حيث اعتقلت الحكومة كلا من الشيخ [[عبد اللطيف دراز]] وكيل [[الأزهر]] والشيخ [[أحمد حسن الباقوري]] والشيخ [[سليمان نوار]] من شيوخ المعاهد بدعوي أنهم يحرضون طلبة [[الأزهر]] على الإضراب والسير في مظاهرة إلى عابدين لهيئة الملك بعيد ميلاده.<br />
<br />
وأمام العديد من العقبات التي وضعتها الحكومة في طريق [[الأزهر]] وأ÷مها ما قام من خلاف على رئاسة الاحتفال بالعيد الألفي والذي كان مقرا إقامته وهل توجه الدعوة باسم رئيس الحكومة أو باسم شيخ [[الأزهر]] '''(''' الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] فقد قدم الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] استقالته من شيخه [[الأزهر]] .<br />
<br />
وقد رفض الملك استقالة شيخ [[الأزهر]] وأصر [[مصطفى النحاس]] – ضد رغبة الملك – على تعيين خليفة لشيخ [[الأزهر]] بحجة أن تعيين شيخ [[الأزهر]] حق من اختصاص الحكومة .<br />
<br />
ويبدو أن هذا الموقف قد واكبه ما أقدمت عليه الحكومة من إقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي مما أثار رجال [[الأزهر]] وطلابه وانطلقت المظاهرات من [[الأزهر]] منددة ب[[الوفد]] وسياسته .<br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية إلى مسئولية بريطانيا عن عودة العلاقات المصرية مع الاتحاد السوفيتي على اعتبار أنه ضمن جبهة الحلفاء وكان السفير البريطاني في [[القاهرة]] هو واسطة الاتصال مع الحكومة المصرية ,<br />
وهكذا تحولت [[مصر]] إلى دولة مشاركة في الحرب بالرغم من أنها لم تعلن الحرب عمليا إلا أنها قد قدمت للحلفاء من خلال خدماتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ما يجعلنا نعتقد بأن [[مصر]] قد أسهمت بدور لا يقل خطورة عن الدور الذي قامت به الدول المحاربة .<br />
<br />
بل لقد طلبت الحكومة الأمريكية إلى الحكومة المصرية الإقرار لقواتها الحربية في الأراضي المصرية بنفس المميزات الممنوحة للقوات البريطانية بمقتضي اتفاقية [[1936]] واستندت الحكومة الأمريكية في تبرير وجهة نظرها إلى أن هذه الامتيازات التي تطالب بها قد منحت لقواتها في انجلترا واستراليا والهند واعترف بها أخيرا في البرازيل .<br />
<br />
وفي محاولة لإيجاد مبررات لأعمال الحكومة فقد أبدت احدي صحف [[الوفد]] دهشتها بسبب موقف المعارضة من هذا الموضوع لأن العرف الدولي قد أكد هذه الحقوق للقوات الأمريكية في [[مصر]] حيث أن هذه لامتيازات سبق وأن منحتها الحكومة المصرية منذ بداية الحرب إلى القوات المتحالفة '''(''' اليونانية واليوغسلافية ''')''' والتشكيو سلوفلاكية – التي سمح لها بدخول الأراضي المصرية والإقامة فيها وقد تم الاتفاق مع القوات المذكورة بعد تبادل وجهات النظر مع السفارة البريطانية والأمر فيما يتعلق بالقوات الأمريكية مخالف لأنها مع السفارة البريطانية والأمر فيما يتعلق بالقوات الأمريكية مخالف لأنها لا تعتبر جزءا من القوات البريطانية ويعتبر هذا الاتفاق تأييدا لقاعدة من قواعد القانون الدولي فلا ينطوي على أى مساس بحقوق السيادة فضلا عن أنه لا يحمل الخال مصرية التزاما من أى نوع ولذا فهو ليس في حكم المعاهدات التي تقتضي المادة 46 من الدستور بعرضها على البرلمان ووجوب إقراره لها .<br />
<br />
ويبدو أن ما أقدمت عليه الصحيفة من تبرير لسياسة الحكومة يعد محاولة لاقناع الرأي العام بأن مثل هذا النوع من الاتفاقيات مما لا يقضي بعرضه على البرلمان ومن المؤكد أن الحكومة قد لجأت إلى تلك [[السياسة]] حتى لا تتعرض لمزيد من الإحراج داخل مجلس النواب .<br />
<br />
ثم صدر بلاغ رسمي عن وزارة الخارجية المصرية بإقرار هذا الاتفاق وجاء في بنود الرسائل المتبادلة :" أن الحكومة المصرية قد أعطت هذه الامتيازات للقوات الأمريكية رغبة في توكيد علاقات الود والصداقة بين البلدين وجريا على سياسة [[مصر]] منذ نشوب الحرب من تسير مهمة القوات المتحالفة الموجودة في الأراضي المصرية وهذه الاتفاقات لا تمس حقوق السيادة المصرية بأى حال .. وقد اتفق على أن تنتهي هذه المعاهدة من تلقاء نفسها بانتهاء الحرب ".<br />
<br />
وهكذا فلم يقتصر الأمر على إن تقدم [[مصر]] أرضها واقتصادها وكل إمكاناتها بلا ثمن وبلا أى مقابل لبريطانيا لم يقتصر الأمر على هذا فقط بل تعداه إلى الدول الكبرى الأخرى مثل أمريكا .<br />
<br />
وفي هذه المرة أيضا لا ثمن , إلا أن تكون الوعود والأمنيات الطيبة ثمنا عظيما من وجهة نظر الحكومة المصرية ودفعت [[مصر]] ثمنا باهظا من كرامتها وحريتها نتيجة لهذا التسرع الغريب على اعتبار أن هذا الاتفاق من النوع الذي لا يحق للحكومة أن تأخذ رأي البرلمان فيه .<br />
<br />
ونظرا لأن المادة الثانية من هذا الاتفاق قد نصت على أن أفراد قوات الولايات المتحدة الأمريكية الموجودون في [[مصر]] لا يخضعون لقضاء المحاكم الانجليز والأمريكان على الأهالي المصريين وتنوعت حالات الاعتداء ما بين القتل وهتك العرض إلى اقتحام المنازل والسرقة وشهدت قاعات مجلس النواب اعتراضات مدوية بسبب سلبية الحكومة إذاء هذه التصرفات الغاشمة والتي أوجدتها سياسة الحكومة الخاطئة '''وعلى الرغم من أن الحكومة قد استنت هذا الاتفاق من غير الرجوع إلى البرلمان إلا أن المعارضة قد أعدت دراسة قانونية اعتبرت بمقتضاها أن هذا الاتفاق باطل من أساسه وأرجعت ذلك إلى عدة أسباب : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' ورد في المذكرة الإيضاحية للاتفاق أنه جاء لقاعدة من قواعد القانون الدولي فلا يخضع الاتفاق للمادة 46 من الدستور ولا يعرض على البرلمان وهذا خطأ على اعتبار أن الحكومة لم تبين من أى وجه من الوجوه جاء هذا الاتفاق مطابقا لقواعد القانون الدولي .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' الاتفاق في مجموعة وفي الأمر العسكري الملحق به ماس بالسيادة المصرية وهو ما يقضي القانون بعرضه على البرلمان لإقراره.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' سبقت هذا الاتفاق حادثة قتل فيها أحد الجنود الأمريكان مصريا فماذا كانت وجهة نظر الحكومة قبل الاتفاق '''؟''' ولماذا تغيرت وجهة النظر '''؟'''<br />
<br />
'''رابعا: ''' أن هذا الاتفاق يشجع على الحوادث المؤلمة وقد كثرت , وكان المجني عليهم مصريين في مختلف بلاد القطر فهل عرفت الحكومة نتائج المحاكمات وهل تعقبتها ؟<br />
<br />
واستطاعت المعارضة أن تحرج الحكومة في هذا الموضوع لدرجة أن أحد أعضاء مجلس النواب قد وصف الحالة في [[مصر]] بأنها مخالفة لكل قانون أو دستور.<br />
<br />
وعلى الرغم من الرقابة الشديدة على الصحف والاجتماعات وعدم التعرض من قريب أو بعيد لشئون [[مصر]] السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية إلا ان وقع الحياة المريرة على الغالبية العظمي من المصريين بالإضافة إلى المعارضة الشجاعة التي أبداها المعارضون داخل مجلس النواب والشيوخ وما كان يتناقله الناس كصدي لتلك المعارضات كل هذا قد أعطي المعارضة أرضا جديدة لصالح القصر وأحزاب الأقلية وظل [[مصطفى النحاس|النحاس]] مستندا إلى دعم بريطانيا له مستخفا بخصومة حيث كان يقابل الاستجوابات المقدمة إليه في مجلسي النواب والشيوخ بمزيد من الاستخفاف تمرسه بمناورات الحياة السياسية ولقيام الأحكام العرفية ولثقته أيضا في قدرته على الحصول على أصوات أغلبية المجلسين .<br />
<br />
وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان يحاول بكل ما أوتي من فصاحة في القول أن يلقي بكل المسئولية على معارضيه على اعتبار أنهم أعداء البلاد وأعداء الدستور وعن طريق رحلاته العديد التي كان يجوب بها القري والمدن المصرية في محاولة لاحتواء الرصيد المتنامي لصالح خصومة إلا أنه لم ينجح في حصر نطاق المعارضة بل تحولت إلى رصيد هائل بانفصال [[مكرم عبيد]] والذي أقصي عن الوزارة في 26 [[مايو]] [[1942]] حيث كان يشغل وزير المالية .<br />
<br />
ولقد قدرت الحكومة البريطانية مدي التعاون الذي ظل قائما بين [[الوفد]] والجيوش المتحالفة وكيف أن هذا كان دعامة أساسية في العلاقات المصرية البريطانية ولم يكن هذا التعاون قاصرا على النواحي العسكرية فقط بل شمل النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية أيضا .<br />
<br />
ونظرا لأن مشاكل التموين كانت من أهم ما واجه حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] وجريا على مبدأ التعاون المطلق مع الحليفة فقد شكلت لجنة مشتركة " انجليزية مصرية " بناء على اقتراح السفير .<br />
<br />
وفي محاولة من هذه اللجنة لوضع حد للمشاكل الاقتصادية المتفاهمة فقد تقرر أن تقوم الحكومة بشراء القمح بشراء القمح المصري بسعر ثلاثة جنيهات للأردب وبيعه للجمهور بنصف تلك القيمة ثم إلغاء القيود التي كانت مفروضة علي نقل الحبوب ثم شكلت لجنة انجليزية مصرية اقتصرت مهمتها على جمع القمح إجباريا من الفلاحين وإعادة توزيعه بطريقة البطاقات التموينية إلا أن كل الجهود الانجليزية المصرية لم تثمر عن أى قدر من التقدم بل تفاقمت المشكلة الاقتصادية يوما بعد يوم حتى وصل الأمر أن الناس كانوا يتخطفون الخبز في الشوارع وظهرت الطوابير على الخبز لأول مرة في تاريخ [[مصر]] المعاصر .<br />
<br />
ويبدو أن سياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان لها وقع طيب لدي الدوائر البريطانية حيث أخذت الصحف البريطانية تشيد بموقف الحكومة المصرية وكتبت " التايمز" تقول : أن الكثير من الناس لا يدركون مبلغ ما تدين به الجيوش البريطانية في [[مصر]] للحكومة المصرية فلقد وضعت مواني البلاد وطرقها والكثير من مرافقها تحت تصرف الجيوش المتحالفة وقال المستر تشرشل حين مر ب[[القاهرة]] : أن [[مصر]] ولو أنها ما تزال بلدا محايدا فليس من الحق مطلقا أن يقال أنها لم تقم بدور مهم ومشرف له نتيجة لا في دفاعها عن نفسها فحسب بل في الصراع العالمي الذي أخذ الآن يتقدم تقدما عظيما نحو نهايته .<br />
<br />
ولعل هذه المواقف من [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد أدت إلى عطف الانجليز عليه وتأييدهم له في صراعه مع القصر حيث تدخل السفير البريطاني وفي أكثر من مناسبة ليكبح جماع القصر لصالح [[الوفد]] ووصل الأمر إلى حد تهديد [[الملك فاروق]] بإعادة الكرة مرة ثانية – مشيرا إلى أحداث 4 [[فبراير]] – '''وعلى حد تعبير السفير: ''' " أن [[الوفد]] قادر على إثارة المتاعب في حالة إجباره على الانتقال إلى صفوف المعارضة .<br />
<br />
وهكذا بدا من المؤكد أن بريطانيا لا يعنيها من بقاء [[الوفد]] إلا بالقدر الذي يحقق مصالحها ولا يعنيها أن [[الوفد]] قد دفع الثمن غاليا من شعبيته ومن رصيده الهائل .<br />
<br />
وفي 12 [[أبريل]] سنة [[1944]] استدعي [[الملك فاروق]] السفير البريطاني وأبلغه بنيته بخصوص إجراء تغيير في الحكومة بحجة تفش الفساد وسوء الإدارة وأن عناصر الأمة أصبحت لا تنظر باحترام كاف للعرش واستطرد [[الملك فاروق]] مؤكدا عزمه على أن تكون الوزارة الجديدة قائمة على عناصر حزبية ومعروفة بعلاقتها الطيبة نحو بريطانيا .<br />
<br />
وبعث السفير إلى حكومته برغبة فاروق في إقالة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وجاء رد الحكومة البريطانية '''وفحواة : ''' أن رغبة الملك في إقالة حكومة يتمتع رئيسها بأغلبية كبيرة في البرلمان يعتبر محفوفا بالمخاطر ولكن إذا أراد الملك حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة فإن لندن لن تتدخل بشرط أن يتلي رئاسة الوزارة أحد رجال القصر أو زعيم لا يحصل على أغلبية البرلمانية .<br />
<br />
وهكذا تداعت المقولة البريطانية التي ترددت كثيرا والتي تعني أن بريطانيا تناضل من أجل تدعيم فكرة الديمقراطية في العالم وهي نفس المقولة التي تذرعت بها بريطانيا أثناء أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] وفي الوقت الذي ألقي فيه [[الوفد]] بكل ثقله تجاه بريطانيا لمعاضدتها في الحرب بدأت الحكومة البريطانية تفكر في إعطاء الضوء الأخضر للملك فاروق لكي يقيل الحكومة [[الوفد]]ية بعد أن استنفدت كل أغراضها ويبدو أن [[السياسة]] البريطانية بدأت تفكر في صياغة علاقاتها مع [[مصر]] من جديد على ضوء المتغيرات الجديدة .<br />
<br />
ولعل في انتصار الحلفاء وزوال خطر الحرب ما شجع [[السياسة]] البريطانية على بدأ صفحة جديدة من العلاقات مع القصر أى أن بريطانيا بدأت تفكر من جديد في التخلص من [[الوفد]] بعد أن استنفذته جماهيريا وبعد أن حققت غرضها منه تماما ونجحت في تشويه صورته إلى حد كبير أمام الرأي العام المصري حيث انفصلت عنه قطاعات كبيرة من الجماهير وخصوصا الطبقة المثقفة والتي تجاذبتها تيارات سياسية أخري بعضها قديم والبعض الأخر نشأ عقب أحداث 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
وما أن أقبل [[الوفد]] في [[أكتوبر]] [[1944]] حتى أخذ موقع المعارضة وبدا يكيل الاتهامات ضد الانجليز والقصر معا على اعتبار أن هذه الخطوة لا يمكن أن يقدم عليها القصر إلا بمساعدة الانجليز.<br />
<br />
والمدهش في الأمر أن [[الوفد]] اعترض على الدخول في انتخابات جديد عندما بدأت حكومة [[أحمد ماهر]] تفكر في الأمر وتعلل [[الوفد]] بأن الأحكام العرفية تحول دون حرية الانتخابات وأخذ يشن حملات هجومية ضد حكومة [[أحمد ماهر]] وهكذا قدر للوفد أن يذوق نفس الكأس الذي أذاق منه خصومة وبنفس المرارة وبنفس التجربة .<br />
* '''المصدر''' :[http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB_4_%D9%81%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B1_1942_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9 حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية] . '''موقع : ويكيبيديا الموسوعة الحرة'''<br />
<br />
{{كتاب حادث 4 فبراير}}<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]] <br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85_%D8%AD%D8%A7%D8%A6%D8%B1_%D8%A8%D9%8A%D9%86_%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%87&diff=644607الإسلام حائر بين أهله2012-03-05T17:24:00Z<p>Elsamary: حمى "الإسلام حائر بين أهله" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>الإسلام حائر بين أهله<br />
<br />
<br />
مهدى إلى روح الشهيد الخالد حسن البنا<br />
<br />
<br />
محمد عبد الله السمان<br />
<br />
<br />
المدرس بالمدارس الابتدائية – القاهرة<br />
<br />
<br />
من تهاون في شرفه فلا مروءة له ...<br />
<br />
<br />
ومن تهاون في كرامته فلا كيان له ..<br />
<br />
<br />
ومن تهاون في وطنه فلا وجود له ..<br />
<br />
<br />
ومن تهاون في دينه فلا مروءة ولا كيان ولا وجود له ... <br />
<br />
<br />
السمان<br />
<br />
<br />
الإهداء<br />
<br />
<br />
إلى روح الإمام الشهيد حسن البنا حيث تطوف وتجول في الملأ الأعلى والفردوس المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.<br />
<br />
<br />
إلى مجدد دين الله، ورافع لواء الفكرة الإسلامية دينا ودولة، وجامع الملايين على كلمة الإسلام.<br />
<br />
<br />
إلى الذي صلح عند فساد الزمن، واستبان به هدى الشريعة بين القلوب الغلف، والآذان الصم والقلوب العمي.<br />
<br />
<br />
إلى الذي بنى لله ورسوله والإسلام والمسلمين، فشيد ما شيد ودعم ما دعم ولم يضع لنفسه ولا لولده لبنة على لبنة.<br />
<br />
<br />
إلى الزعيم الحق، والقائد الصدق والمرشد الناصح الذي تعب حين استراح الناس، وافتقر حين اغتنى الناس وضحى حين جبن الناس.<br />
<br />
<br />
إلى الشهيد الأعزل الذي تكاثرت على قتله كلاب الجبارين وذئاب الباغين فأعاد باستشهاده مأساة الحسين، وأضفى على حياته وذكراه ثوبا من القداسة باركته يد الله ...<br />
<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم<br />
<br />
<br />
مقدمة<br />
<br />
<br />
نظرة خاطفة إلى حالة الإسلام وأمته اليوم، كفيلة بأن تحطم أعصاب الشباب المسلم الغيور، وتلهب في نفوسه أعنف الثورات التي تسلب هدوءه وراحته وصفوه وحسبنا أن نرى أوضاع الإسلام وقد انقلبت إلى صورة تسيء إلى سمعته، وتشوه بهاءه، حتى يخيل إلينا أنها إنما تخدم الاستعمار وتؤيد كبت الحريات واستعباد الشعوب واستذلالها. <br />
<br />
<br />
وحسبنا أن نرى أمة الإسلام مشردة معذبة خافتة الصوت، خاملة الذكر، خامدة العزم، قانعة بأحط قدر، وأوضع مرتبة، وأصغر وضع، وأدنأ كيان.<br />
<br />
<br />
وحسبنا أن نرى قادة الإسلام هم الذين يقودون أمته إلى الهاوية ويسلمونها إلى صناديد الاستعمار ويلقون بها في أفواه الغاصبين ...<br />
<br />
<br />
إذن فحيرة الإسلام حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو أحمق، والخاطرة الجائشة بكل صدر .. إلى من يرفع الإسلام أكفه لينقذ من حيرته ...<br />
<br />
<br />
أيرفعها إلى قادته وزعمائه وهم بائعوه بأبخس الأثمان: جاه وسلطان.<br />
<br />
<br />
أم إلى علمائه وهم أعوان الظلمة في تخدير الشعوب وتضليلها أم إلى شعوبه وهي التي آثرت الذلة والاستكانة واستعذبت العبودية والضياع ...<br />
<br />
<br />
محمد عبد الله السمان<br />
<br />
<br />
السيدة زينب بالقاهرة في <br />
<br />
<br />
رجب 1369هـ<br />
<br />
<br />
مايو 1950م<br />
<br />
<br />
استعراض<br />
<br />
<br />
أمة ضائعة ...<br />
<br />
<br />
دمعات ودمعات على أمتك الإسلامية أذرفها من عينيك بل دماء ودماء اعتصرها من قلبك ...<br />
<br />
<br />
إن كنت تشعر بأنك مسلم معنى لا لفظا وحقيقة لا شكلا فأطلق العنان لعينيك تذرف عبراتها مدرارا، وأرخ الحبل لقلبك يعتصر الدماء اعتصارا، وازهد في الطعام والشراب إن استطعت الزهد فيها واجف النوم إن أمكنك جفاؤه، ومل الحديث إن كان في وسعك ملله، واعرض على نفسك صورة صادقة لأمتك الإسلامية فلعل نفسك تكسر أغلال الغفلة فتهب من نومها وتفيق من سباتها ...<br />
<br />
<br />
قلب النظر يمنة ويسرة في هذه الأمة فهل يروقك منها هذا الانهيار الشائن؟ وهذا الضعف الفاضح؟ وهذه المسكنة المفزعة وهذه العبودية المزرية التي ما زالت ترسف في قيودها وتتخبط في سلاسلها؟<br />
<br />
<br />
أم هل يروقك منها الاستهتار بكرامتها والاستهانة بحقوقها والتلاعب بقضاياها والتنافس على استلاب حريتها واغتصاب هدوئها وامتصاص دمائها ...<br />
<br />
<br />
قل لي بربك – إذا لم يرقك شيء مما ذكرت فهل يروقك منها إعراضا عن دينها وصدوفها عن كتاب ربها وتنكبها سبل شريعتها وتنكرها لآدابها وتقاليدها؟<br />
<br />
<br />
أم هل يروقك منها انحلال أخلاقها وتدهور نفوسها وانغماسها في بحار شهواتها وانقيادها لأهوائها؟<br />
أم هل يروقك منها تحاسدها وتباغضها وتشاحنها وتفرقها وتخاذلها وتبعثر صفوفها وتفرق أيديها، وتمزق شملها وتشتت جموعها – أم هل يروقك منها تقاعدها وتقاعسها وتباطؤها وخمولها، وإخماد جذوتها وإطفاء شعلتها؟<br />
<br />
<br />
إذا لم يرقك هذا أو ذاك فهل يروقك منها نسيانها ماضيها، وتهاونها في حاضرها وتشاغلها عن مستقبلها – أم هل يروقك منها تأخرها والأمم في تقدم مستمر، وتقهقرها والأمم في طموح متواصل، وإرضاؤها برنق العيش والأمم أوشكت أن تسأم أعذبه ...<br />
<br />
<br />
لعله إذن يروقك أنانية زعمائها، وأثرة قادتها، وصغار المبرزين من رجالها – وخيانة الوضعاء من ولاتها، وتلاعب العلية من صناديدها.<br />
<br />
<br />
فإذا لم يرقك أيها المسلم شيء أبدا من أمتك فاخل بنفسك لحظات واستجد عينيك لتذرف دموعها غزارا، واستعطف قلبك ليعتصر دماءه اعتصارا، واستمل نفسك لعلها تبكي بكاء وتنتحب انتحابا!!<br />
<br />
<br />
أيتام على مائدة اللئام<br />
<br />
<br />
أحقا يوجد في العالم الآن ما نسميه دولا إسلامية؟ لا أظن ذلك أبدا – اللهم إلا إذا استغنينا بالألفاظ عن المعاني واكتفينا بالأشكال عن الحقائق وقنعنا بالخيال دون الواقع ...<br />
<br />
<br />
نعم كانت دولا إسلامية يوم أن كانت جيوشها – بعد أن فتحت آسيا – تتوغل في أوروبا وعلى أسوار فيينا تهدد النمسا وفرنسا وألمانيا.<br />
<br />
<br />
ويوم أن استطاعت هذه الجيوش أن تقتحم إيطاليا وتستولي على نابولي وصقلية.<br />
<br />
<br />
نعم كانت دولا إسلامية يوم أن وقفت جيوشها تصد غارات أوروبا الصليبية، التي تكتلت دولها لتكيد للإسلام كيدا، فقلمت أظفارها، وردتها ناكصة على أعقابها.<br />
<br />
<br />
أما اليوم – وقد أضحت تتخاذل أمام شرذمة من أراذل الخلق، وتقهرها كتائب من اللصوص المشردين، فمن المكابرة أن نسميها حتى دويلات، ومن الحق أن نطلق عليها سائغات تتخطفها الأمم الطاغية كما تتخطف الحدأة الأنقاف، وتبتلعها الدول الجائرة كما يبتلع الحوت صغار الأسماك.<br />
<br />
<br />
قلب النظر – متى شئت – فلست بعاثر على دولة مسلمة واحدة تتنسم نسيم الحرية العذبة والاستقلال الخالص الذي لا تشوبه شوائب الخداع الدولي ولا الالتواء السياسي.<br />
<br />
<br />
وليست عينك بواقعة على أرض مسلمة يتخللها الهدوء والسكينة، وترفرف عليها أعلام الأمن والسلام.<br />
فلسطين الشهيدة:<br />
<br />
<br />
ظلت تغلي غليان المرجل عشرات السنين وتتخبط تخبط المخبول، وأخيرا ابتلعتها الصهيونية الأثيمة لقمة سائغة وأقامت دولتها في غمرة الفوضى على أنقاض بيوت الله ومساكن المسلمين!<br />
<br />
<br />
وكشمير:<br />
<br />
<br />
أخت فلسطين، في غفلة الحق وغفوة العدل وفي ظلمة الجور تنهشها دولة الهندوكيين، فلا يسمع لصياحها ولا يستجاب لاستغاثتها ولا يسأل عنها في حشرجة النفس ولا في سكرات الموت.<br />
<br />
<br />
وبلاد المغرب:<br />
<br />
<br />
لا زالت تعاني آلام الصدمة العنيفة التي أطاحت بها: شعب آمن في سربه يفاجأ بالأغلال توضع في أعناقه، وبالأيدي المخربة تغتصب أرضه، وتمتص قوته، وتختلس حريته، وتفاجأ بالقوة الغاشمة تنتزع لغته وقوميته وترغمه على الانسلاخ من عقيدته ...<br />
<br />
<br />
وإندنوسيا الجريح:<br />
<br />
<br />
لا يمكن أن يقال عن مأساتها إلا ما يحز في النفس، إن عشرة ملايين من الهولانديين يأبون إلا استعباد سبعين مليونا من المسلمين يكونون جمهورية أندنوسيا، ولا يمكن أن يقال في قضيتها إلا ما يمزق الكبد، وإن من البلاهة أن يعتمد على الحق وحده ليستخلص الحقوق من قوة غاشمة يؤيدها التعصب الأحمق ...<br />
<br />
<br />
ووادي النيل:<br />
<br />
<br />
ليست مأساته بأقل من مآسي جيرانه، شعب لم يكتب له الهدوء ولا الاستقرار منذ سبعين عاما، منذ أن احتلته جيوش المستعمرين لتحفظ العرش ولتمكث أياما فبقيت سبعين عاما والتهمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها: <br />
<br />
<br />
واد واحد يقطنه شعب واحد، ويسقى بماء واحد ويدين بدين واحد وينطق بلغة واحدة، ولكن القط (الإنجليزي) الذي ألجأته الظروف العمياء ليكون قاضيا، يأنف أن يخرج من غير نصيب، ويأنف أن يكون نصيبه أقل من شطر الوادي الذي احتله ليستتب الأمن والنظام فوق أرضه، وكأنه ندم أن يكون نصيبه الشطر الجنوبي فحسب، فراح يزاحم في الشطر الشمالي باسم الأمن الدولي.<br />
<br />
<br />
والقط الإنجليزي لا يعرف السياسة المكشوفة سياسة البلهاء، فإن له أشياعا من الفئران المأجورة الممناة تنادي باستقلال شطرها تحت ظل القط الإنجليزي الوديع.<br />
<br />
<br />
والجزيرة العربية:<br />
<br />
<br />
اليمن لا تزال في عزلة عن العالم تعاني في الداخل آلام الفقر المدقع، والجهل المطبق، والتأخر المزمن – هكذا تود أن تظل ميتة في عداد الغابرين، والحياة البدائية التي تحياها وتجعلها أحط قدرا من مجاهل أفريقيا – ويدعي (رعاتها) أن هذا من صميم الإسلام، ونضيف نحن إلى هذا – أنه من صميم الإسلام أيضا أن يموت الشعب جوعا والأحمر والأصفر مكدسان في بيت المال أو بيت الإمام، ومن صميم الإسلام أن يستخرج الذهب من أرض المسلمين ليحرم على المسلمين، ويستمتع به أمراؤهم في صالات باريس وحانات نيويورك ومعارض لندن.<br />
<br />
<br />
عزلة اليمن عزلة مصطنعة لم تحررها من مطامع الاستعمار بل جعلتها عضوا أشل لا يؤدي الواجب، وتستطيع اليمن أن تكون عضوا مجدا إذا دب الخطر، ولكن إذا ما حسنت نيات سادتها .. وهيهات ...<br />
<br />
<br />
والمملكة العربية: <br />
<br />
<br />
ها هي ذي تفسح المجال للأصبع الأمريكية بغير ما حيطة ولا حذر، حتى أصبحت مستعمرة أمريكية، نعم إن الأصبع الأمريكية تسوق الذهب سوقا، ولكن إلى عرين الأسد ليتخذ منه عرشا يتربع عليه، ويتخذ منه الأمراء مقوما في رحلاتهم حول الدنيا الجديدة وعواصم أوروبا، وعندئذ تستطيع أن تتصور حكم الشريعة في المملكة السعودية كيف ينفذ في الشعب الذي يضطره الجوع إلى مد يده فتقطع، ومن يقطعها، أولئك الذين سلبوا قوته وهم أصل فقره وجوعه، ومبعث شقائه وحرمانه .. ومع هذا فليست المملكة العربية تستطيع إثبات وجودها إذا ما جد الجد وحزب الأمر، وما مأساة فلسطين عنا ببعيد.<br />
<br />
<br />
والعراق وشرق الأردن، ما قيل عن اليمن والبلاد السعودية يقال عنها، وليس ثمة كبير فرق بينهما، فتلكما استراحتان أمريكيتان، وهاتان محميتان إنجليزيتان، والفرق التافه: أن استراحتي أمريكا قانعتان بالانتكاس، ومحميتي الإنجليز تودان تحقيق مشروع سوريا الكبرى لتقدما إلى الأسد البريطاني (فلسطين وسوريا ولبنان) لقمة سائغة ...!<br />
<br />
<br />
وتركيا وإيران والأفغان:<br />
<br />
<br />
أما تركيا فقد طلقت الإسلام والشرق والعرب، فهي لن تنسى يوم أن تكتلت جيوش العرب والمسلمين لتحطيمها تحت قيادة صناديد الدول الصليبية، دون أن تراعي للإسلام ولا للأخوة إلا ولا ذمة.<br />
<br />
<br />
ولنفرض أنها في طريقها لتتقرب من الإسلام مرة أخرى، فلا يفوتنا أنها واقعة تحت نفوذ أمريكا، ولا يمكنها التحول عن السياسة التي ترسمها لها قيد شبر.<br />
<br />
<br />
وأما إيران: فهي في وضع قريب من تركيا، والاضطراب الداخلي المتوالي يوضح لك مدى الاستقرار الذي تستمتع به، ومع هذا فهي واقعة تحت النفوذ الأجنبي من غير ما شك أوروبية.<br />
<br />
<br />
وأما الأفغان: فهي في مهب المطامع الدولية، ولا يداخل الإنسان ريب في أنها لم تسلم من النفوذ الأجنبي، وإلا فلم هذا التوتر السائد بينها وبين جارتها الباكستان المسلمة؟<br />
<br />
<br />
والباكستان: ميلاد دولة الباكستان الفتية اهتزت له جوانب المسلمين فرحا، ولم يكن عجبا أن يحيط بميلادها جو من الاضطراب والقلق، فما كان الاستعمار ليدع دولة (إسلامية) تتنسم أنسمة الهدوء ساعات، فمشكلة الهجرة وتبادل السكان على أساس ظالم أدى إلى احتكاك دموي رهيب سقطت في حومته آلاف الضحايا – ومشكلة كشمير وحيدر أباد، فكشمير أغلبية سكانها مسلمون وحاكمها هندوكي، وعندما أرادت الانضمام إلى الباكستان بحكم أغلبيتها مانعت الهندستان واشتبك المسلمون مع الهندوك في معركة دموية لا زالت رحاها تدور إلى الآن – وكذلك (حيدر أباد) أغلبية سكانها هنوك وحاكمها (النظام) مسلم وقد أنذرته الهندستان بالاحتلال إذا ما رغب في الانضمام إلى الباكستان.<br />
<br />
<br />
وليبيا: <br />
<br />
<br />
ليبيا بقسميها: طرابلس وبرقة، احتلها الطليان بعد الترك، وفي الحرب الأخيرة أدت الواجب بجانب الحلفاء وعلى أيدي رجالها تمت هزيمة الطليان – وكان أتفه قدر من المروءة – لو وجد – يحتم على إنجلترا أن تطلق حرية الشعب واستقلاله من عقالها وتهب البلاد جوا آمنا من الراحة والحرية جزاء ما قدمت – ولكن إنجلترا وعدت – وما أصدقها إذا وعدت – وجاءت لتنفذ وعدها، فجرت على أسلوبها التقليدي من تقسيم الوطن الواحد إلى ثلاثة أقسام: طرابلس وبرقة وفزان، وأخذت تلوح للمتزعمين في كل قسم بكراسي الحكم لإقرار هذا التقسيم، ولك أن تضحك أو تبكي إذا ما قرأت أن للإيطاليين الذين قطنوا البلاد في ظل الاحتلال رأيا يجب أن يقدر عند تقرير مصير البلاد .. وعلى كل فهذا الوطن العزيز في انتظار السكاكين التي تعدها إنجلترا في الخفاء لتقوم بتقسيمه بأيدي أبنائه عشاق الزعامة وطلاب العروش ...<br />
<br />
<br />
وأريتريا ومصوع والصومال وجعبوب:<br />
<br />
<br />
هذه البلاد كانت إلى عهد قريب تابعة لمصر، وبغت عليها إيطاليا كما بغت الدول الاستعمارية على غيرها – وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب الأخيرة – أخذت أصابع الاحتلال هناك تحرك بعض الصنائع لينادوا بتفضيل حكم الذئب البريطاني الذي يساومهم في الخفاء ...<br />
<br />
<br />
والمسلمون في الاتحاد السوفيتي:<br />
<br />
<br />
يضم الاتحاد السوفيتي أربعين مليونا من المسلمين ذاقوا في عهد القيصرية صنوف القسوة والاستبداد، وفي ظل الشيوعية الآن زادت حالهم سوءا، وكان نصيب الكثير من زعمائهم النفي إلى سيبريا أو الموت والإعدام، ولا يدري الآن غير الله والاتحاد السوفيتي حالة هؤلاء المنكوبين، ولا القلق والاضطراب اللذين يسودانهم، ولا الكبت والعنت اللذين يشملانهم ...<br />
<br />
<br />
المشردون في أوروبا والأقليات الإسلامية في كل مكان:<br />
<br />
<br />
في كثير من البلدان أقليات إسلامية كما في الصين والحبشة، وفي بلدان أخرى مهاجر لفئات من العرب والمسلمين كما في أمريكا الشمالية والبرازيل.<br />
<br />
<br />
وهناك في أوروبا آلاف المسلمين شردوا في معسكرات الاعتقال كأسرى حرب من يوغسلافيين وألبانيين وأتراك وأوكرانيين وشراكسة وغيرهم.<br />
<br />
<br />
هذا استعراض خاطف للدول الإسلامية والأقليات المسلمة في بقاع الأرض فهي بين راكع أمام الاستعمار الغاشم وبين ساجد تحت أقدام القوى المستبدة، وبين يتيم تفضل الاستعمار عليه بالكفالة، وقاصر تكرم عليه بالوصاية.<br />
<br />
<br />
وبين مستقل استقلالا كاذبا، الاستعمار السافر خير منه وبين فزع يخشى أن تعصف به رياح المطامع، وبين مضطرب لا يهدأ له روع ولا يسكن له خاطر، وبين مشرد يعيش عيشة الوحوش الهائمة، وبين مكبوت لا يكاد يسمع بالحرية إلا على ألسنة الطيور الطليقة في الهواء ... <br />
<br />
<br />
ونستطيع أن نقدم من جولتنا السريعة هذه (اللافتات) في صورة صريحة صادقة لتوضع دائما أمام أعين المسلمين الأغيار كعوامل بارزة على نكبة الإسلام في أمته:<br />
<br />
<br />
1- عروش ديكتاتورية – وليدة ظروف حمقاء – لا تثبت أمام نهضات الشعوب الحرة المستقلة التي ترغب في الحياة، ومن الخير لهذه العروش أن تعيش في كنف الاستعمار والاحتلال كحصن حصين لها ..<br />
<br />
<br />
2- زعماء تمخضت عنهم تيارات دخيلة يشغلهم الاستعمار بكراسي الحكم كما يشغل اللصوص الكلاب بقطع العظام.<br />
<br />
<br />
3- شعوب علمها السيف والسوط والمعتقل والسجن والنفي والتشريد كيف تهدأ قليلا، فهي مغلوبة على أمرها منكوبة في حياتها .. لو أخرجت من أنفسها قادة وزعماء يكفرون بالحكم كما يكفرون بالوثن، ويفرون منه كما يفرون من الجذام – لاستطاعت الشعوب الهادئة أن تثأر لنفسها وترد الحقوق إلى نصابها ...<br />
<br />
<br />
وبعد هذا فليس مثار دهشة أن ترى أمة الإسلام معذبة في الأرض ليس لها كيان تحمد عليه ولا وضع تغبط من أجله ولا شأن يؤبه له ولا قدر يلتفت إليه، وليس مثار غرابة أيضا أن نرى الدول الإسلامية، لا تستطيع حل مشكلاتها الأليمة، ولا أن تربح قضية من قضاياها المهضومة، ولا أن تسلك إلا طريق الاستجداء والخنوع في نيل حقوقها – وما أشبهها دائما في كل حركة باليتامى حول مائدة اللئام ...<br />
<br />
<br />
جهود وتضحيات مخجلة<br />
<br />
<br />
"يا أماه ... أتمي صلاتك ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي، ألا تعلمين أن إيطالية تدعوني وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة، ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان ...<br />
<br />
<br />
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن ..<br />
ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطاليا حقا ...<br />
<br />
<br />
لا تموتي لأننا في طريق الحياة، وإن لم أرجع فلا تبكي على ولدك، ولكن اذهبي في كل مساء وزوري المقبرة، ونسائم الأصيل تحمل إلى طرابلس وداعك الذي يأبى الحداد على قبر فلذة كبدك، وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه:<br />
<br />
<br />
إنه مات في محاربة الإسلام ..."هكذا وقف شاب من شباب إيطاليا يرتل هذا النشيد مودعا أماه، وهو راحل عن الديار ليحارب الإسلام في طرابلس، وليس يعنينا ما يفيض من النشيد، من حقد وكيد للإسلام، وإنما يعنينا ما ينبئ عنه من روح طموح وثابة تواقة إلى بناء المجد لأمتها ولو على أسس من البغي والعدوان: <br />
<br />
<br />
هذه حال شباب إيطاليا، وهذه أرواحهم عند ما يحتاجهم الوطن ليتخذ منهم عدة البغي والجور، فكيف يكون حالها لو أن الوطن أراد أن يتخذ منهم عدة للنصرة والذود؟ ولنرجع إلى شهور قليلة لنرى كيف كان الشباب الذاهب إلى الميدان لنصرة الإسلام يودع بالنحيب والبكاء – وكيف كانت الأسرة تقيم المآتم شهورا إذا استشهد منها واحد في ميدان الكرامة والبطولة، وكيف كانت عبارات السخط تتردد على الألسنة في كل مكان، وأنات التذمر تنفجر في كل صدر، لأننا تدخلنا فيما لا يعنينا، ومصر في واد وفلسطين في واد ...<br />
<br />
<br />
الدول الغربية عندما نهضت وارتقت وعظمت دفعت الثمن غاليا: جهودا جبارة لا تعرف الملل، وتضحيات عالية لا تعرف التفاهة، ونحن نريد أن ننهض بغير بذل ونرتقي من غير جهد، ونعظم بدون تضحية، ونسود بدعوات طيبات نرددها في بيوت الله ...<br />
<br />
<br />
لقد فقد الألمان في الحرب مليوني قتيل، والفرنسيس مليونا ونصف مليون، والإنجليز أكثر من نصف مليون والطليان كذلك والروس ما يفوق الإحصاء فما سمعنا تبرما ولا شكوى، ونحن عندما فقدنا في الحرب الفلسطينية بضع مئات أقمنا الدنيا وأقعدناها، وأشبعنا فلسطين سبا ولعنا ...<br />
<br />
<br />
وفي عام 1929 حدثت وقائع دموية بين العرب واليهود في فلسطين فهب يهود العالم يساعدون المصابين منهم فبلغت الإعانة مليون جنيه، وأراد العالم الإسلامي أن يساعد عرب فلسطين فبلغت التبرعات ثلاثة عشر ألفا من الجنيهات أي نحو جزء من مائة.<br />
<br />
<br />
وفي عام 1911 بلغت تكاليف إيطاليا في الحرب الطرابلسية مائة مليون من الجنيهات، وبلغت تبرعات المسلمين مائة وخمسين ألف جنيه أرادوا أن ينقذوا طرابلس من بين فكي الذئب الإيطالي الجائع بهذا المبلغ التافه الضئيل.<br />
<br />
<br />
ومنذ سنين قام أهل الريف المغربي في وجه الأسبان وطردوا جيوشها بعد أن قتلوا في معركة واحدة 26 ألف نسمة، ثم تألب الفرنسيس مع الإسبانيول وحشدوا لحرب الريفيين 300 ألف مقاتل وحصروا الريف، وكانت طياراتهم القاذفة بالديناميت تحصد بالمئات، ولم تكف طياراتهم بل جاء سرب طائرات أمريكية من نيويورك لفرنسا وإسبانيا النصرانيين .. <br />
<br />
<br />
هذا كله والمسلمون ينظرون نظر المغشي عليه .. وأخيرا – وبعد عام كامل – قام بعض الأفراد لجمع التبرعات لجرحى الريف فبلغ مجموع الإعانات من كل العالم الإسلامي 1500 جنيه لا غير.<br />
<br />
<br />
هذه أمثلة خاطفة أردنا بها إثبات جهود الأمة الإسلامية وتضحياتها التي تحمر لها الوجوه خجلا وتطرق الرءوس حياء والتي تود بها دول الإسلام أن تحفظ كيانها وتصون كرامتها وتذود عن حوضها وترد كيد أعدائها ...<br />
<br />
<br />
ومعاذ الله أن نقصد بهذه الأمثلة أن نسجل الشح على أغنياء المسلمين وعظمائهم، فإن قائمة التبرعات لنادي العلمين في مصر مثلا لتسجل بكل فخر الرقم القياسي في السخاء لأغنياء المسلمين، وإن صالات باريس وأندية الدنيا الجديدة، وفنادق لندن لتشهد جميعا بالسخاء المفرط لأمراء المسلمين، لا سيما سيوف الإسلام، ونصراء الإسلام...<br />
<br />
<br />
انهيار<br />
<br />
<br />
الحصن المحطم <br />
<br />
<br />
كان يوم 22 مارس 1924 هو آخر يوم في حياة الخلافة الإسلامية، حيث قضت فيه نحبها وأسلمت الروح إلى خالقها ونفسها تفيض حسرة وتذوب أسى، فانهار الحصن الحصين الذي صان الإسلام قرونا، وتقوض البناء الشامخ الذي ظل أمدا بعيدا يحفظ له كرامته.<br />
<br />
<br />
إن المعاول التي تعاونت على هدم هذا الصرح لم ترفعها سوى أيد مسلمة – وإن كانت أصابع الغرب العدو هي التي كانت تحركها في الخفاء – ولم تكن لدى هذه الأيدي المسلمة حجة غير أن الخلافة انحرفت واستبدت .. <br />
<br />
<br />
وهل من المعقول أن تنحرف الخلافة وتستبد، وهي لم تزد عن كونها رمزا ثابتا تقر به أعين المسلمين، وحصنا صامدا تفزع إليه قلوبهم؟ وما ذنب الخلافة إذا انحرف القائمون بأمرها واستبدوا؟ أما كان الأجدر بهؤلاء الهدامين أن يأخذوا على أيدي المنحرفين المستبدين ليبقى للأمة الإسلامية رمزها وحصنها وهي على الدوام في أمس الحاجة إليهما؟<br />
<br />
<br />
ولا نكران في ذلك الظلام الذي ساد الخلافة في أواخر أيامها، ولا في انصراف الخلفاء إلى حياة القصور، وتصريفهم الأمور على ضوء تقريرات بطانة السوء والجواسيس النشاط، ولا في أن كل همهم كان منصبا على جباية الضرائب من ممتلكاتها الواسعة لتتخم وتثرى على حساب الشعب الجائع المسكين، أما هذا الشعب فحسبه أن يستمع في المساجد إلى عظات الزهد في الدنيا وملذاتها طمعا في الآخرة ونعيمها ...<br />
<br />
<br />
ومهما تخيلت من فظائع الفوضى والتعسف والجور والانهيار في عهد أواخر الخلفاء فالحقائق تربو كثيرا عما تخيلت، ولكن لا ينهض كل هذا مبررا ولا يقوم حجة على تقويض أركان الخلافة والتفاني في تمزيقها لأن الخلفاء جاروا واستبدوا – فهل يقر العقل تقويض صرح القضاء إذا جار القضاة .. أو إغلاق المعاهد إذا ضل الأساتذة، أو إلغاء الجيش إذا تمرد القواد، أو تعطيل الأرض إذا اعوج الزراع ...؟<br />
<br />
<br />
إن الأيدي التي تعاونت في تقويضها كان في استطاعتها أن تقوم اعوجاجها وتصلح ما فسد منها ما دام الإخلاص متوفرا للإسلام وأمته، ولكن العسير هو التوفيق بين الإخلاص وبروق المطامع ونزوات الأهواء ...<br />
إن انحراف الخلفاء، وتعصب الغرب، ومطامع الولاة – هي من أهم العوامل التي أعانت على تقويض أركان الخلافة، فانحراف الخلفاء جعل الفرصة سانحة للغرب لأن يتدخل، ومطامع الولاة كانت حافزا لهم على التآمر والاندفاع بغير تفكير.<br />
<br />
<br />
كان العداء المتحكم في نفس الغرب المتعصب يدفعه لأن يتسلط على دولة الخلافة تسلط الظالم الحاقد الذي يتأكل قلبه على الأمة القرآنية التي كان لها في التاريخ مكان مرموق، والتي صرعت أوروبا في عدة مواقف وردتها مهزومة محطمة في الأندلس وإيطاليا والآستانة ...<br />
<br />
<br />
وقف الغرب الغشوم على أقدامه لا يهدأ له خاطر، وهو ينظر إلى الخلافة الإسلامية التي تمتد سيادتها على اليونان وألبانيا ويوغسلافيا وبلغاريا ورومانيا وكريت وقبرص والقوقاز والشام وفلسطين والجزائر ومراكش – والتي تخفق راياتها على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض وقد صار البحر الأحمر بحيرة إسلامية ... <br />
<br />
<br />
وقف الغرب ينظر إليها كأنها الأسد الهصور، فأبى إلا أن يهجم على الأسد في عرينه ليوهن من عزيمته ويضعف من شوكته، وراح يعد العدة لتمزيق شمل الخلافة وانتقاصها من أطرافها، فأخذ يبعث المؤامرات ويحوك الدسائس في الأرجاء، ويلوح لزعماء الممتلكات ببروق المطامع لتأليب ممتلكات الخلافة على الخلافة .. <br />
<br />
<br />
وقد تم للغرب ما أراد فقد تجمعت جيوش المسلمين تحت قيادة قواد أوروبا في الحجاز وصوبت ضرباته بغير ما رحمة إلى الخلافة حتى قضت عليها غير آسية ولا آسفة لتتحرر وتتخلص – ولم تمض لحظات حتى أيقنت الدول الإسلامية المتآمرة أنها لم تسلم من نيران المؤامرة، وأنها كانت فريسة الغدر والبلاهة، وأن الحفرة التي حفرتها بمعاول المطامع للخلافة قد سبقت الخلافة إلى التردي فيها .. ففي اللحظات التي كانت فيها ممتلكات الخلافة المتآمرة تحكم تصويب السهم إلى صدر الخلافة، كانت أوروبا تتقاسمها بالقسطاس ...<br />
<br />
<br />
لقد أسدل الستار على هذه الحرب الصليبية التي شنتها دول الصليب على دول القرآن، وسخرت فيها سيوف المسلمين ليتعاونوا مع الصليب على تحطيم الإسلام ولينزلوا رايات القرآن لتحل محلها رايات الصليب .. وفي نشوة النصر وقف مجرم من مجرمي الاستعمار يقول كلمته التي دوت في آذان المسلمين ...<br />
<br />
<br />
"إن الحرب الصليبية قد انتهت اليوم"<br />
<br />
<br />
"وأخيرا – فليس حنيننا إلى الخلافة يجعلنا نرجو تكرار المأساة بإعادة الخلافة – كما يقول المتشائمون من الخلافة – ويعلم الله أن هذا الحنين قد امتزج بالأسى قبل أن يمتزج بالعاطفة، فالضياع الذي لحق الأمة الإسلامية، والانهيار الذي دب دبيبه إلى أرجائها، والتصدع الذي هز أركانها – كل أولئك يحتم على المسلم أن يفكر تفكير الجاد لا الهازل والعازم لا العابث، ويجعل المسلم يرفع كفيه طالبا النجدة وراجيا الغياث ...<br />
<br />
<br />
ونحن إذا تطلعت أعيننا إلى الخلافة فلا نقصد الخلافة الوراثية الاستبدادية التي تفرض على شعوبها الخضوع قبل أن تنشر العدل – وتفرض التسليم قبل أن تنشر الحرية، وتفرض الطاعة قبل أن تنشر النظام، وتفرض الضرائب قبل أن تنشر الرخاء – أجل لا نقصد الخلافة التي يستحل في حكمها دم من يقول لأميره: لم؟ وتقدم إلى السيف رقبة الناصح للأمير قبل أن يقدم نصيحته بحجة أنه شق عصا الطاعة .. ويصلب صاحب الرأي الحر قبل أن يبدي رأيه بحجة أنه مثير للفتنة وعامل على تفرق الكلمة.<br />
<br />
<br />
وإنما نريد الخلافة التي تعيش رعيتها في كنفها سواسية كأسنان المشط، وتمنحها حرية الرأي كما تمنح النسيم العذب، والتي يجعل خليفتها أو الأمير من أمرائها من نفسه خادما لرعيته، لو ضاع عقال بعير داخل حدودها لخشي أن يسأله الله عنه، لأنه مسئول عن الأمن، ولو عثر بعير في طريق لخشي أن يسأله الله عنه لأنه مسئول عن إصلاح الطريق، والتي يستطيع أحد رعاياها أن يقول لخليفته أو أميره: اتق الله – لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا ...<br />
<br />
<br />
التراث المعطل<br />
<br />
<br />
حين نتكلم عن التراث الإسلامي، فإنما نقصده كاملا وافيا لا جمود فيه ولا غموض، ينهض بالأمة ويخطو بها نحو المجد، ويرقى بها في مدارج الرقى – نقصده نظاما يسعد الأمة الإسلامية في عيشها، وقانونا يهبها الأمن والاستقرار في حياتها.<br />
<br />
<br />
لا تسأل لم أوقف نظام الإسلام وعطل قانونه؟ ولكن سل المسلمين لم تنظرون إلى هذا الاعتداء نظر المغشي عليه؟ تتمتمون بشفاهكم وألسنتكم لا تنطق وقلوبكم لا تتحرك ...<br />
<br />
<br />
أي جواب يجيب به المسلمون، وأي عذر يقدمونه، إذا ما وقف الإسلام منهم موقف الخصم يوم الحشر وقال: رب! هؤلاء قومي عشت بينهم حائرا .. أضاعوني أيما إضاعة، وتهاونوا في أمري أيما تهاون ... خذلوني حيث تلزمهم نصرتي، وتولوا عني حيث يجب عليهم الوقوف بجانبي ... <br />
<br />
<br />
أوقف نظامي رغم أنوفهم وعطل قانوني استخفافا بشأنهم، كانوا يثورون إذا سلبت أموالهم أو هضمت حقوقهم أو مست كرامتهم – ولكنهم لم يثوروا عندما عطلت حدودي وشوهت مبادئي واعتدي على أنظمتي، ونسوا أني أحق من دمائهم وأموالهم.<br />
<br />
<br />
لعلهم يقولون: إنه الاستعمار .. وإنها الحكومات .. فيكون العذر أقبح من الذنب والحجة أوهى من بيت العنكبوت فلم ذللتم بأيديكم الطريق للاستعمار؟ لم لم تصرخوا في وجهه وقد غزاكم في عقر دياركم، ووطئ بنعاله حرماتكم حتى يرد على أعقابه ناكصا فتحيوا حياة طيبة وإلا متم ميتة أبية مكرمة ..؟<br />
وأما الحكومات فلم واليتموها وهي الظالمة؟ ولم أبدلتموها باعتدائها طاعة وانقيادا وهي المتمردة؟ ولم لم ترغموها على إقرار أنظمتي وهي البادئة؟<br />
<br />
<br />
ولعل البعض يلمس في هذا الحوار التواء في الأسلوب وهربا من المسئولية، والواقع أنه ليس هناك ما يدعو إلى الالتواء ولا إلى الهرب، لأن هذا هو الحق الذي أومن به – والحق بلا ريب – فوق كل قوة وفوق كل حكومة، إن المسلمين قد ضرب بنظام دينهم وقانونه عرض الحائط وهما من لدن حكيم عليم، وهم لا يثورون ولا يتحركون بل إنهم صابرون جبنا وساكتون ضعفا، لا حمية على دينهم تأخذهم، ولا غيرة عليه تحركهم، وإن كان لا يفوتهم السخط باللسان والإنكار بالقلب والتمتمة بالشفاه.<br />
<br />
<br />
<br />
وتكاد تذهب نفسك حسرات إذا حاولت أن تثير الحمية الدينية في المسلمين، فإنك لسامع أجوبة متفقة مهيأة: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه .." ولهم في هذا الميدان تفسيرات أكبر الظن أن تقاعدهم وضعفهم هما اللذان صوراها لهم، لا "يا سادة" ليست المسألة مسألة منكر كالغيبة والنميمة وشرب الخمر ولعب الميسر حتى تقنعوا بأضعف الإيمان – وإنما المسألة مسألة دين معرض للضياع وقد أخذ عليكم نصرته وعدم التخلي عنه ولو تخلت رءوسكم عن أبدانكم ...<br />
<br />
<br />
وهذه الحكومات الإسلامية لفظا .. لم لا يضطرها المسلمون إلى تحديد موقفها من الإسلام .. فإما أن تكون مقتنعة بأنه دين صالح لإسعاد دولها - إذن فلم تهمل نظامه وتعطل قانونه؟ وإما أن تكون غير مقتنعة فعندئذ يحتم على الشعوب الإسلامية في بقاع المعمورة أن يروا لهم رأيا .. لأن القضية قضيتهم، وكما تشغلهم قضايا الحياة الدنيا شهورا وأعواما، فقضية دينهم أحق ...<br />
<br />
<br />
أما كون المسلمين يقنعون من الإسلام بصلوات يؤدونها لا خشوع فيها، وشهر يصومونه كل عام لا بركة فيه، ويكتفون من القرآن بتلاوة آياته تلاوة لا تتجاوز حناجرهم، وقراءة سوره قصد البركة – فهذا ما لا يليق بالإسلام الذي جاء لإقامة دولة حية ذات مصحف وسيف، ولا يليق بالقرآن الذي أنزل ليكون منار الدولة تهتدي بهديه، وتسير على ضوئه.<br />
<br />
<br />
إن المسلمين لن يعفيهم من عقاب الله ونقمته أن يلقوا التبعة على العلماء ورثة الأنبياء، فليس الإسلام دين العلماء وحدهم ولا الزعماء وحدهم ولا الأمراء وحدهم – وإنما هو دين المسلمين جميعا وهم المسئولون عن ضياعه وإهدار حقوقه أمام الله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه – فأما الذين اسودت وجوههم، أكفرتم بعد إيمانكم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – وأما الذين ابيضت وجوههم، ففي رحمة الله هم فيها خالدون ...<br />
<br />
<br />
الأخوة المضطربة<br />
<br />
<br />
كلما اعتورت الأمة الإسلامية المنكوبة المحن، وتأججت بين أرجائها نيران الفتن، وكلما ادلهمت عليها الخطوب وتألبت عليها المصائب، تطلعت الأعين إلى الأخوة الإسلامية، وأرهفت الأسماع لصوتها، ولكن هيهات أن يرى لها شبح أو يسمع لها صوت ...<br />
<br />
<br />
إذن، فأين هي الأخوة الإسلامية اليوم .. لقد أطاح بها الدهر كما أطاح بقوم عاد وثمود .. وما أطاح بها حقيقة غير أولئك الذين تصدوا لقيادة الأمة الإسلامية فقادوها إلى موارد الهلكة والضياع، وباعوها بأبخس الأثمان .. وسلموها لعدو ظالم لا يعرف العدل، مستبد لا يعرف الحق، نذل لا يعرف الرحمة .. <br />
<br />
<br />
إن من المجازفة أن نضيع الوقت في محاولة التماس الأخوة الإسلامية اليوم، لأن المطامع والأهواء والأثرة والأنانية التي يتمتع بها قادتنا وزعماؤنا تجعل الأمل القريب سرابا والجائز الممكن مستحيلا ...<br />
<br />
<br />
إن لنا من ماضينا وحاضرنا عبرة – فحكيم الشرق الثائر – جمال الدين الأفغاني – حاول ربط الأمة الإسلامية برباط واحد ليجعل منها أمة حية ذات وضع وكيان، وعبأ لدعوته كل جهوده، ووهبها كل وقته وراحته وعقله وتفكيره، وراح ملوك الدول الإسلامية ورؤساؤها يتنافسون في دعوة حكيم الشرق إلى بلادهم، لعل كلا منهم ينال المكان المرموق في الجامعة الإسلامية المنشودة، ولا يكاد يحس الواحد منهم بأن قوة إيمان الحكيم الثائر لا تجعل من دعوته مطية إلى نيل مطمع أو تحقيق هوى، حتى ينقلب عليه، وبقدر ما استقبلته بلاده من الحفاوة والتكريم تودعه من الإهانة والسخرية، وبقدر ما تضفي عليه عند قدومه من صفات الإخلاص والشجاعة تكيل له عند رحيله من عبارات الخيانة والنفاق – وليس لدى الملوك حجة في طرد المجاهد الصادق من بلادهم إلا اتهامه بالزندقة والمروق والإلحاد .. <br />
<br />
<br />
مما يثير الشعب المسلم الجاهل عليه .. وبارك الله في العلماء ورثة الأنبياء الذين لا يتهاونون في تقديم الفتوى تطوعا .. وكان من الطبيعي أن ضاعت محاولاته سدى لأنه لم يستجب لمطامع السادة، وقضى نحبه والحسرة تكاد تشغله عن سكرات الموت، وأغلق جفنيه الإغلاقة الأخيرة وشفتاه ترددان: لا أخشى على المسلمين إلى من المسلمين ...<br />
<br />
<br />
وحاضرنا مزدحم بالشواهد، وأبرزها "الجامعة العربية" التي خلقتها الظروف الدولية فشيدها "إيدن" وباركها "روزفلت" وشرب لعبتها العرب الأبطال، فقلنا لعلها للعرب نصرا وعلى الغرب حسرة، ثم توالت الأعوام فإذا عواصف المطامع تجعل من البناء الشامخ شبحا مضطربا وشيك الانهيار .. <br />
<br />
<br />
الملك الهاشمي المنتسب إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ثائر، لأن صبره عن تحقيق مشروع سوريا الكبرى قد نفد، والعراق من وراءه تشجع ثورته .. والجامعة العربية تهدده بالفصل إذا هو ضم العظام المتبقية من الذئب اليهودي من فلسطين الفريسة، وسوريا ولبنان تقطعان العلاقات بينهما خشية أن تتأثر بانقلابات سوريا، ومصر والعراق تتبادل كل منهما منع طائرات الأخرى من نزولها في مطاراتها، والعراق يكشف حقيقة مصر بأنها دخيلة على العرب، وسوريا تتهم مصر بأنها تفرض عليها الزعماء تنفيذا لخطة إنجليزية مدبرة .. وما إلى ذلك من المهازل التي تواريها عن العيون العمى تصريحات أمين الجامعة:<br />
<br />
<br />
إن الجامعة على أتم وئام ووفاق ..<br />
<br />
<br />
إذن فمحاولة إيجاد رابطة أخوية بين دول الإسلام ضرب من المخاطرة إذا حيكت بصورة رسمية وتقدم الملوك والأمراء والزعماء ليباركوا هذه الرابطة – والشعوب وحدها غير كفيلة بالقيام بأعباء هذه المهمة لأنها شعوب ركنت إلى الذلة والضعة، وطاب لها أن تعيش أغناما تساق أو عبيدا يرهبون بالسياط.<br />
<br />
<br />
إذا استغنت الأمة الإسلامية عن كل شيء فلن تستغني بحال من الأحوال عن الأخوة التي تربطها وتشد أزرها – والمهمة سهلة إذا استطاعت الشعوب الإسلامية أن تخلق نفسها خلقا آخر، وتبدأ صفحة جديدة في العصامية والاعتماد على ذاتها، والتحرر جهد المستطاع من الشعوب بحاجتها إلى حكوماتها، فإن قوة الشعب تجعل من حكومته وسيلة من وسائل خدمته والسهر على راحته، وضعف الشعب يجعل من حكومته سادة يبيعون فيه ويشترون كقطائع الأغنام أو كتائب الرقيق ...<br />
<br />
<br />
فإذا دب الوعي الإسلامي في الشعوب الإسلامية، وعز عليها أن تسام بلادها الخسف والهوان، وأوحى إليها الاستعباد والاستبداد الغيرة الملتهبة – كان من السهولة أن يمهد لرابطة أخوية قوية يدعمها الإخلاص والصدق ونكران الذات .. وتستطيع هذه الرابطة بعدئذ أن تجمع شتات المسلمين في الأرض، وتلم شعث الأقليات المبعثرة في أرجاء العالم، والقطائع المطمورة في مجاهل المعمورة، وتستطيع أن تعيد الحياة في النفوس التي قضى عليها تخلف الأمة الإسلامية عن ركب الحياة، وتبعث الأمل في القلوب التي أذابها تردي الأمة الإسلامية في أسفل الدركات ...<br />
<br />
<br />
عقبات<br />
<br />
<br />
العدو الرابض<br />
<br />
<br />
"لقد أصبحنا نعتقد أن أوروبا تحارب المسلمين كافة، - وبدون استثناء – حربا صليبية في شكل سياسي، والدليل على ذلك أن أوروبا قد حررت في القرن التاسع عشر أمما مسيحية عديدة، ولم تحرر أمة مسلمة واحدة.<br />
<br />
<br />
وإننا نرى أن إنجلترا لا تعمل ولا تتأثر إلا بالجرائم والمذابح فهل تريد أن يستعمل المسلمون أيضا هذه الأسلحة البربرية لينالوا حريتهم وخلاص وطنهم؟<br />
<br />
<br />
ولقد أصبح من الأمور البدهية – بل من الحقائق التي لا تنكر أن أوروبا إذا تساهلت وتركت الإنجليز في البلاد الإسلامية، كانت الحافرة بيدها أعمق هوة دولية، والمعرضة بنفسها منافعها للخطر" مصطفى كامل.<br />
<br />
<br />
لم يكن لنا أن نقول شيئا إلا بقدر يسير، بعد هذا التقرير الموجز الشامل الذي نطق به وطني مصر الأول، وزعيمها الصادق من أعماق نفسه، وليس لدينا ما نقوله غير أن هناك إسلاما، وهنالك عربا، وأن الغرب هو العدو اللدود للإسلام، يتربص به الدوائر، ويقعد له كل مرصد، ويقف عقبة كأداء في سبيل رسالته، لا يسره أبدا أن تقوم له دولة، أو تكون له صولة، أو يسمع له صوت ...<br />
<br />
<br />
استنطق دول الإسلام دولة دولة، تحطك بتعصب الغرب الأحمق المشتعل في قلبه، وكيده الدنيء المضطرم بأحشائه .. إن مطيتي الغرب (أو الاستعمار) هما قرتا آسيا وأفريقيا، لا لشيء سوى أنهما حاضنتا الإسلام وفيهما شع نوره، وباسم المروءة والخدمة الإنسانية يبث الغرب الجشع فيهما مبادئ الاستعمار، فالمدارس التبشيرية والكنائس الدينية، والأندية الثقافية كلها مؤسسات تمهد للاستعمار قبل أن يحل، وتدعم أركانه عندما يستقر، وليتها تقنع بجنوبي أفريقيا ومجاهل آسيا لتضيق على الإسلام في البقاع التي حل بها، ولتقيم دونه سدا منيعا في البقاع التي لم يصل إليها، ولكنها تأبى إلا أن تؤدي رسالتها في حواضر الدول، والويل كل الويل لمن يمسها بسوء من المسلمين الأغيار، ولو أن خطرها مقصور على بث دعايتها الدينية أو الطعن في رسالة الإسلام وتشويهها لهان الأمر، فإن لها مهمة أسمى، فقد حدث مثلا (أيام مفاوضة صدقي – بيفن) <br />
<br />
<br />
أن أوحت هذه المؤسسات إلى أذهان بعض عناصر الأقباط – لا سيما الشباب منها – أن الجلاء عن وادي النيل خطر يستر وراءه أوخم العواقب لطوائف الأقباط، وكان أن اتخذت دورها أماكن لاجتماعات طوائف الشباب القبطي لتوقيع عرائض إلى وزارة الخارجية البريطانية بأنهم لا يوافقون على الجلاء، لما يحجب وراءه من خطر يهدد حياتهم ومصالحهم، وكان من الطبعي أن يمد (بيفن) رجليه ليقول لصدقي باشا: كيف تطلبون الجلاء ومنكم من لا يرغب فيه ...؟<br />
<br />
<br />
وما لنا نذهب بعيدا، وها هي ذي جمعية الصليب الأحمر، إنها ملاك رحمة يخفى تحت جناحيه شيطانا رجيما، ونعجب عندما نرى نشاطها بارزا في الحروب التي يكون أحد طرفيها دولة مسلمة لتؤدي واجبها نحو الجبهة المعادية، ومن بينها التجسس على حركات المسلمين، كما حدث في ثورات المغرب ومأساة فلسطين، وحسبك أن تعلم أن (برنادوت) الجائر الطاغية كان رئيسا لجمعية الصليب الأحمر إبان حرب فلسطين ..<br />
<br />
<br />
وأخشى إذا نحن استعرضنا تعصب الغرب أن ننسى إنجلترا فننسى كل شيء – فهي زعيمة كل كيد للإسلام، ومدبرة كل مؤامرة عليه، وهي اليوم في دولة مبعث كل فتنة وأصل كل محنة، لا تطأ أقدامها أرضا حتى تسبقها الفوضى والقلاقل والاضطراب ..<br />
<br />
<br />
إن إنجلترا هي بمثابة الرأس للعدو اللدود الذي تكتلت دول الغرب في جسده، وإن هذا العدو لهو بمثابة الشوكة في حلق الأمة الإسلامية، ومن المؤلم أن تظل هذه الأمة العريضة مستعذبة لهذه الشوكة دون أن تعمل حتى على زحزحتها – ولو قليلا، وأخشى أن تظل هذه الشوكة ثابتة في حلقها ما دمنا نعتمد على المفاوضات والمساومات والمراوغات – وإذا كنا نرى إنسانا قد وقفت في حلقه شوكة يقبل مفاوضة الطبيب في إخراجها، أو إنسانا غريقا يصارع الموج يقبل مساومة المنقذ في انتشاله، أو إنسانا في الخلاء التهمت النار كوخه يقبل مراوغة صاحب الساقية في مده بالماء .. <br />
<br />
<br />
فبم نتهم هؤلاء؟ إنها لتهمة يسيرة .. إذا نحن اتهمناهم بالخبل والبلاهة والغباء ..<br />
وتستطيع أن تستسيغ كل شيء من الغرب – إن راغما وإن راضيا – ولكنك كيف تستسيغ تفكير ما نطلق عليهم "عشاق الغرب" من أبناء المسلمين ...؟<br />
<br />
<br />
إن المرء الذي يشيد بعدل عدوه الجائر وبرحمة مستعبده المتجبر، للموت خير له من الحياة، ولبطن الأرض خير له من ظهرها .. عشاق الغرب لا يخجلون أن يشيدوا بديمقراطية الغرب التي لا تتعدى حدوده، وإنسانيته التي لا تخرج عن دياره، وينسون أنه باسم ديمقراطيته تمنح دول المغرب الإسلامية إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وإنجلترا، وباسم ديمقراطيته يضع الإنجليز نعالهم فوق هامتي العراق والأردن، وباسم ديمقراطيته يلتهم الهندوك كشمير بين عشية وضحاها، وباسم ديمقراطيته تستحل هولاندة استعباد سبعين مليون مسلم في أندونيسيا .. وباسم ديمقراطيته تبسط أمريكا نفوذها على تركيا وإيران والأفغان واليمن والمملكة السعودية مهبط الوحي!<br />
<br />
<br />
وأخيرا .. وليس بآخر فباسم ديمقراطيته .. تستعبد إنجلترا المصريين وتحتل ديارهم ومنذ سبعين عاما .. وينسون أيضا أنه باسم إنسانية الغرب دارت رحى المذابح في الهند والقوقاز والبلقان، وباسم إنسانيته ألقت طائرات إيطاليا وأسبانيا الديناميت على الشعب المغربي الآمن، وباسم إنسانيته شرد عرب فلسطين وأخرجوا من ديارهم – بعد أن مثل بشيوخهم وأطفالهم واعتدى على أعراضهم – فاستهدفوا لعواصف الجوع والعراء ...<br />
<br />
<br />
أما كيف نتخلص من هذا العدو المتمكن فأقول لك: نريد أولا شعبا يعرف قدر نفسه فيتقوى، وكرامته فلا ينافق، ونريد ثانيا قادة يتفانون في خدمة الوطن لا في الوصول إلى الحكم، ويتسابقون إلى نصرته لا إلى كراسي الحكم .. ونريد ثالثا: صحافة لا تساوم ولا تفاوض ولا تقبض الثمن .. ولك بعدئذ أن تسأل عن العدو كيف تلاشى وتقهقر وولى الدبر ...<br />
<br />
<br />
الحزبية العمياء ...<br />
<br />
<br />
إن الغرب الاستعماري الجشع استطاع أن يثبت دعائم الاستعمار في البلاد التي احتلها على أكتاف زعمائها، وأن يجد بواسطة أبنائها مسوغا لبقائه والتدخل في شئونها، ألقى إلينا بداء الحزبية البغيضة زاعما أنه دواء لإيقاظ الوعي في الشعوب، ويؤيد زعمه بأن هذا الدواء لا يخلو منه دولة من الدول الغربية الراقية – هو مؤمن كل الإيمان بأن هذا الدواء الذي استطاع أن يظل دواء في بلاد الغرب الناهضة المستقلة الحرة، سيكون بلاء في البلاد الشرقية الإسلامية المستعمرة المستعبدة، يفرق كلمة الأمة ويمزق صفوفها ويقيم صرحا من الفولاذ يبقى فيه الاستعمار مرفوع الرأس بحجة المحافظة على الأمن والاستقرار وحراستهما من الفوضى والاضطراب ..<br />
<br />
<br />
هذه الأحزاب المتعددة في كل دولة لا خير فيها ولا فائدة مرجوة منها، فهي لا تلد إلا أضرارا، ولا تثمر إلا شرورا، ولا تنتج إلا فتنا، ولو لم يكن من سماتها غير تسابها في غير ما حياء، وبذاءتها في غير ما خجل – ولو لم يكن من ثمراتها غير الضغائن تزرعها في النفوس، والإحن تغرسها في الصدور لكان ذلك كفيلا بأن ينفر العاقل منها نفوره من الفاقة، ويسحقها الوطني الصادق بنعله ليطهر الوطن من أرجاسها، إذا سألت عن أهداف الأحزاب جميعها وجدتها متفقة، إذن فلم التعدد وعلام الاختلاف؟ إنها الأثرة والأنانية، وشهوة المناصب وكراسي الحكم؟<br />
<br />
<br />
تعدد الأحزاب يستفيد منه المستعمر الغاصب وحده، فهو الذي بيده الحول والطول، وهو الذي يقدم هذا الحزب إلى منصة الحكم ويؤخر الأحزاب الأخرى، ولن ينال حزب رضاه إلا إذا برهن على الإخلاص والولاء له، وجنات المستعمر لا يخشى صوت الأحزاب أبدا، فقد يقوم الحزب المعارض بدور من "التهويش" ويبالغ في الثرثرة إلى حد الطيش، ويوهم بإيقاظ الشعب وإثارته، ويبتسم المستعمر سخرية ويمهد الطريق له إلى الحكم، ليعمل مخدرا ومسكنا ومضللا ومزيفا، وليتولى من جديد قتل الحريات التي كان بالأمس ينادي بإطلاقها – وربما خيل إليك أننا أعطينا المستعمرين صفة أصحاب العروش في بلاد غير بلادهم، والحقيقة أن هناك استعمارا صريحا واستعمارا "مؤولا" فهم في بلاد النوع الأول أصحاب عروش حقيقة لا خيالا، وسادة لفظا ومعنى، يأمرون وينهون ويحلون ويربطون ويشترون ويبيعون، أما في بلاد النوع الثاني فهم أصدقاء صداقة الند للند والرأس للرأس غير أنهم أذكياء، علمتهم الأيام أن التدخل السافر في البلاد التي اقتنعت شعوبها بأنها مستقلة – <br />
<br />
<br />
وهي لم تنل من الاستقلال غير اسمه حسبها أن تترنم به – يعتبر مواجهة لشعوبها، ولا يشق على المستعمرين إلا مواجهة الشعوب، فهم يتدخلون ولكن في غير سفور، ويأمرون وينهون ولكن من وراء حجاب، ولقد بلغ الاستعمار من السياسة منزلة يحسد عليها، فالمستعمرون في البلاد المستقلة لفظا لا يؤمنون الآن بالسفور في التدخل، ولا يرتاحون لزيارة سفيرهم رئيس الحكومة يأمر وينهى في قالب نصيحة، فتثير زيارته الأحزاب المعارضة، فارتضوا أخيرا أن تلقى المهمة على عاتق صحافتهم في الخارج، ويصاغ الأمر والنهي في قالب التوجيه والنقد السياسي النزيه على طريقة .. واسمعي يا جارة .. وقد يكفي خبر قصير – لإقصاء حزب وإدناء آخر – تنشره جريدة استعمارية .. بأن لندن مثلا غير مستريحة لكذا وكذا ...<br />
<br />
<br />
هذه الأحزاب المتعددة نشأت تنشئة هزيلة، ومما يزيد في هزالها أنها لا تستمد قوتها من قوة الشعب، اللهم إلا إذا كنا نعتبر الشعب ممثلا في طبقة المأجورين الهتافين الذين تجمعهم أندية الأحزاب من الأزقة والشوارع وأسوار الحدائق، لتدوي صيحاتهم ولترتفع عقائرهم كلما احتاجت الأحزاب إليهم، وإنما تستمد قوتها من حفنة من الأثرياء الذين تصير الأمور إليهم إذا أقبلت الدنيا على أحزابهم، والذين يطلب منهم أن يشعروا بفقر الشعب وخزاناتهم مكتظة، وبجوعه وبطونهم متخمة، وبتشريده وقصورهم تتحدى السحاب ...<br />
<br />
<br />
وليس من العدل أن نتجاهل وفاء هذه الأحزاب، فالحزب إثر توليته الحكم يشغله شاغلان أساسيان: أحدهما رسم سياسة محكمة يموه بها على الشعب ويخدر، والآخر كتابة تقرير واضح شامل عن الأنصار والمخالفين، لتقريب الأولين والإغداق عليهم بغير حساب، وإقصاء الآخرين والتنكيل بهم بلا ميزان ...<br />
<br />
<br />
وليس من الحق أن نغمط إخلاص الأحزاب للبلد الذي تعيش فيه على حسابه، فالحزب الحاكم لا يقبل نصيحة المعارضة ولو نطقت بإخلاصها، ولا يستنير برأيها ولو كان فيه انتشال الوطن من وهدة الشقاء، وكذلك المعارضة، لا تقر الحزب الحاكم ولو كان على حق، ولا تعترف له بفضل ولو رفع الوطن من الحضيض، ونثر على أرضه الذهب والفضة ...<br />
<br />
<br />
وأخيرا – فلنا أن نضحك قليلا مع المجالس النيابية، ولا نسأل: كيف توزع كراسيها أو تباع، ولا ممن يتألف أعضاؤها: من طبقة الهتافين، أو أثرياء الحرب أو أصحاب العصبيات، ولا ما مهمة هؤلاء، أهي الثرثرة الجوفاء، أم تحريك الرءوس وإطلاق عبارات الموافقة والاستحسان ...<br />
<br />
<br />
العصبية الجهلاء ...<br />
<br />
<br />
إذا كان من شرور الحزبية أن تفرق الكلمة وتمزق الوحدة وتورث الضغائن – فإن من شرور العصبية أن تقتل الشجاعة الأدبية وتوهن الروح المعنوية وتنمي بذور الهمجية والفوضى.<br />
<br />
<br />
لا يكاد يسلم بلد من بلدان المسلمين من أقوام اطمأنوا إلى كثرة عددهم وكثرة عصيهم وسياطهم، فراحوا يفرضون سيادتهم على البلد فرضا، ويأبون إلا أن يكونوا لسانه الناطق وقلبه النابض ورأسه المفكر وعقله المدبر ..<br />
<br />
<br />
ولسنا ندري بأي وجه نطلب من الشعب أن يصيح في وجه الاستعمار إذا كان مهددا من الداخل باستعمار العصبية الحمقاء، وكيف نطلب منه أن يتحرر وهو مقيد بقيود العنجهية البغيضة، وكيف نطلب منه أن ينال حريته وهو لم يذق طعم الحرية بين جدران مساكنه حتى يعرف قيمتها فيبذل دماءه من أجلها ..<br />
<br />
<br />
إن العصبية تحجب الكفاءة والموهبة والنبوغ، لأن أصحاب العصبيات علموا الشعب أن يقول: ابن من هو؟ - قبل أن يقول: ما كفاءته ...؟ كثيرون في أوروبا وأمريكا لم تحل دون وصولهم إلى أرقى المناصب كون آبائهم مكارين أو صيادين أو كواءين، أما في بلاد المسلمين فالنسب له دخل كبير في إبراز الشخصيات ولو كانت أجهل من الدواب – إن العصبية لا يستقر معها العدل والمساواة، فلم يزل في بلاد المسلمين أسر ذات سياط، وهي صاحبة الحل والربط في بلادها، وإلى أين يتوجه الضعيف الأعزل إذا لفحت وجهه هذه السياط، وهو يعلم أن لها سادة منهم النائب والوزير ..<br />
<br />
<br />
لن يمهد الفقر وحده للشيوعية في بلاد الشرق الإسلامي، فهناك مزاحم آخر هي العصبية، فلنعط الفقير حريته، ولنكفل له صون شخصيته من الذلة والهوان والاستخفاف، قبل أن نزيل فقره ونشبع بطنه، إن العصبية كانت أولى العقبات التي اعترضت طريق الإسلام فحطمها، وهي اليوم تحتل مكانة مرموقة بعد أن تلاشى نفوذ الإسلام، لقد وجد الإسلام في عصره الأول من يقول: <br />
<br />
<br />
كلكم لآدم وآدم من تراب، الناس سواسية كأسنان المشط، ومن يأمر سوقة ليلطم أميرا اقتصاصا، قائلا للأمير عند احتجاجه: إن الإسلام قد سوى بينكما – ولكنه لا يجد اليوم من يرد الرعاديد عن غيهم، والعصبية اليوم هي عقبة العقبات في طريق نهضة الشعوب، ولكن أين يوجد الذي يحطمها فيقطع اليد التي تمتد لتسلب إنسانا حريته، أو ترفع لتلطم خدا، أو تشهر السوط لتلفح وجها – ويصرخ في وجوه السادة: لا سادة ولا عبودية، ولا نعرة ولا عنجهية، ولكنها المساواة والأخوة الصادقة ...<br />
<br />
<br />
آلام<br />
<br />
<br />
تقاعد وتخاذل ..<br />
<br />
<br />
إن التقاعد الذي منيت به الأمة الإسلامية منذ أمد هو الذي ألبسها ثوبا من التخاذل حطم نفوسها وطأطأ رأسها وأرغم أنفها ..<br />
<br />
<br />
فهل كان في استطاعة محمد – صلوات الله وسلامه عليه – أن يقيم دولة بغير جهاد؟ وهل كان في استطاعة المسلمين الأول أن يفتحوا في نصف قرن ما يحير كبار الفاتحين، لو أنهم اكتفوا بالصلوات والتسبيحات والدعوات المباركات ..<br />
<br />
<br />
بدأ ظل الأمة الإسلامية يتقلص وسلطانها ينكمش، ومجدها يتلاشى، عندما آثرت التقاعد على الجهاد، والانزواء على النضال، والقبوع على الكفاح، وكان من جراء هذا أن استسلم أبناؤها لحياة الدعة والخمول ..<br />
<br />
<br />
والأمة التي تود أن تعيش بغير جهاد أشبه في مكابرتها بالطائر الذي يحاول الطيران بدون جناح، والإسلام حين كتب الجهاد على أمته، فإنما أراد لها أن تظل حية لا تمتد إليها يد الفناء – ولم يكتب الجهاد عليها إلى أمد محدود، لأنها ستبقى إلى أن يرث الله الأرض، ولأن ملازمة الجهاد ضروري لتتخذ منه سياجا يصد عنها غوائل الدهر وحادثات الأيام ..<br />
<br />
<br />
عجيب أمر الأمة الإسلامية اليوم .. تعلم أن التاريخ ليشهد لماضيها الأول بأروع الأمثلة في البطولة والتضحية، يوم أن كانت تجاهد لنشر كلمة الله، ولتوسيع رقعة دولتها فيتسابق شبابها وكهولها وشيوخها إلى الموت كالأسود تتسابق إلى الفرائس، ويندفعون إليه كاندفاع السهم إلى الهدف، ويتهافتون عليه تهافت الأسير على نسائم الحرية، ويصول أحدهم وسط المعمعة وهو يقول: إني لأشم رائحة الجنة، حتى إذا خر صريعا قال: هذا يوم الفرح الأكبر، ويسمع أحدهم داعي الجهاد فيلقى بتمرات كن في يده وهو يقول: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة .. <br />
<br />
<br />
ويحتضر أحدهم على فراشه – ولم يفز بالشهادة في سبيل الله رغم ما أحرزه من نصر لجيوش المسلمين في زهاء مائة موقعة – فيردد عبارات الأسف: هأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء ..<br />
<br />
<br />
وهذه الأمة الإسلامية التي تعلم عن ماضيها ذلك كله ترى رأي العين، ما حاق بحاضرها: من عبودية في كل شبر من أراضيها، واستبداد بكل شعب من شعوبها – ولسنا ندري متى تبدأ تحرر أوطانها وترد لها اعتبارها؟ وإلى متى تظل عربة يجرها قطار إحدى الكتلتين .. وإلى متى تظل قطاطا تنتظر فتات الموائد .. وإلى متى تظل عالة تتكفف الدول الكبرى ...؟<br />
<br />
<br />
شباب اليوم يسمعون مثل هذا القول فيقولون ذلك: ما هذا الهراء ..؟ أين نحن من الدول الكبرى؟ لا بد لنا من أن نرتبط بإحدى العجلتين، لتكون لنا القوة والناصر إذا حاولت الأخرى أن تدوسنا ..<br />
<br />
<br />
ولا يسعك إلا أن تضرب كفا على كف، فإن فقدان الثقة في النفس وعدم الاعتداد بها، لهما أشد خطرا على الأمة من فقدانها عدتها، وإن أمة هذه حال شبابها لهي أمة ليست جديرة بالحياة .. هؤلاء المعوقون يعلمون أن الأمة الإسلامية يجب أن تظل أمد الدهر أمة حية لها كيانها، وأنها مكلفة بإعداد القوة التي تحفظ لها كرامتها، وأن في استطاعتها في أية لحظة أن تتلافى تفريطها، فتعيد بقوتها مجدها وتسترد حريتها، فأصغر دول أوروبا، والتي كانت من قبل إحدى ممتلكات هذه الأمة الإسلامية – <br />
<br />
<br />
أصبحت ذات شوكة يحسب لها حسابها، ولو أن الأمة الإسلامية نفضت غبار الدعة واستعذبت الكفاح في سبيل مجدها، لما عانت ما تعانيه اليوم من آلام، ولما لجأت إلى استجداء الأمم الطاغية، والهيئات الجائرة، وإلى التطفل على موائد الحكام التي أقيمت على أعمدة الباطل لاسترداد حقوقها وحرياتها، إنه لمن دواعي الأسف ألا يتجه تفكير الأمة الإسلامية إلى الجهاد والنضال، وما ذلك إلا لأن فيها مشقة على شعوبها التي اطمأنت إلى الحياة الدنيا – <br />
<br />
<br />
والمستعمر الأجل لم يفته أبدا أن يساهم بنصيب الأسد في إقعاد الأمة الإسلامية عن الجهاد، فخططه التي رسمها لدولها المستضعفة تجعل الشعب في واد والحكومة في واد، ولماذا يفكر الشعب وله حكومة تزعم أنها مسئولة أمامه؟ والحكومة لا تفكر إلا بتفكير سادتها المستعمرين الأخيار، وكأن المستعمر عز عليه ألا يسخر من الحكومات والزعماء، فراح يوحي بإنشاء منظمات منها الجامعة العربية مثلا، وما يقصد بها إلا تلهي الشعوب والحكومات معا، وتضياع الأوقات وتفويت الفرص، ولست في حاجة إلى التنقيب في (دوسيه) أعمالها، فما أغناك عن قراءة مئات التصريحات والقرارات عقب الاجتماعات، ولك أن تسأل أين الجامعة العربية اليوم؟ لنقول لك إنها في جهاد مستمر لا من أجل العروبة والإسلام، ولكن من أجل القضاء على الشيوعية استجابة للسادة المستعمرين...<br />
<br />
<br />
والمؤلم أن جهادها الشيوعية من أجل الديمقراطية الواضعة نعالها فوق رقابنا، ينم عن منتهى الإخلاص الذي دفع ملك الحجاز إلى المطالبة بإبعاد (الدواليبي) وزير اقتصاد سوريا لأنه صرح بقوله: لأن نكون جمهورية سوفييتية خير لنا من أن نكون مستعبدين لأمريكا وإنجلترا ...<br />
<br />
<br />
ويعلم الله أن نعال روسيا – إذا أخلصت في معونتها – لهي أفضل لدى الشعوب المسلمة المغلوبة على أمرها ألف مرة من إنجلترا الفاجر، وأمريكا العاهر، وفرنسا المخنثة ...<br />
<br />
<br />
إقصاء وإبعاد ..<br />
<br />
<br />
إن الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك، وكلاهما مرتبط بالآخر وقائم عليه، وللهدف الأول كافح الإسلام في بادئ دعوته، حتى قوض صرح الوثنية وأقام على أنقاضها صرح التوحيد، ونقل البشر إلى أخلاق وعادات تتفق والعقيدة السليمة الجديدة، وللهدف الثاني أسس أمة حية ذات أنظمة وقوانين، رمزها المصحف والسيف، لتصون صرح العقيدة، وتحيا حوله حياة عزة وكرامة ...<br />
<br />
<br />
هكذا ظل الإسلام يقطع المنهج الذي رسمه لنفسه منذ إشراق شمسه، حتى جاء الوقت الذي أخذ فيه على غرة، فأقصي وأبعد، واختيرت له المساجد ليبقى نزيلها يعمل بين جدرانها لا يتعدى عتباتها إلى ميدان الحياة .. وكأنه خيف أن يكون في هذا الإقصاء مصادمة للشعور فمنحت دولة كلمة ترضية: <br />
<br />
<br />
"وهي الاعتراف بأن دينها الرسمي هو الإسلام" وهكذا كما يمنح المستعمر الدول المستعمرة لفظة الاستقلال لتتحلى صدورها بحروفها .. وفي حدود كلمة الترضية تجعل الدولة العطلة الرسمية يوم الجمعة، وتحتفل بالمولد النبوي وذكرى الهجرة وتوديع المحمل واستقباله .. وكفى، ولها بعد ذلك أن تسمح بفتح الحانات والمراقص وبيوت الدعارة وأندية الميسر، وتجيز التعامل بالربا، وتستمد قوانينها من التشريع الفرنسي أو الروماني ..<br />
<br />
<br />
ولئن كانت الشعوب الإسلامية قد ارتضت لفظة الترضية – إن طوعا أو كرها – فإن هناك خفافيش مسلمة تنادي بحذف كلمة الترضية، ووجوب فصل الدين عن الدولة، ويظهر أن هذه الخفافيش لا تطن إلا نهارا حيث لا تبصر، وإلا فأين هي الرابطة التي تصل الإسلام بالدولة حتى تنادي بقطعها؟ <br />
<br />
<br />
وأنت إذا جاريتها في خيالها وطالبتها بالحجة قالت لك على الفور: إن أوروبا قد فصلت الدين عن الدولة، وتأخذك الحيرة لهذا المنطق الذي هو أشد اضطرابا وعقما من منطق عبدة الأوثان عندما كانوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون: فهو اعتزاز منهم بتراث آبائهم – أما هذه الخفافيش فلسنا ندري سر اعتزازها بأمم لا تربطنا بها إلا روابط استعمارها لأوطاننا واستعبادها شعوبنا، واعتدائها على حرياتنا! وقد تأخذك الشفقة فتصرخ فيها: <br />
<br />
<br />
أيتها الخفافيش الحمقاء، اقبعي في خرائبك، فإن أوروبا مسيحية، والمسيحية عقيدة فحسب، ما كان لها أن تتدخل في شئون الدولة لأنها لم تهيأ لهذا – أما الإسلام فهو عقيدة وقانون متصلان اتصالا وثيقا وكلاهما معتمد على الآخر لتنتظم بهما حياة الأمة، وقد تكابر الخفافيش فتقول لك: إن عدم الفصل بينهما يوجد مشكلات بسبب الأقليات من غير المسلمين نحن في غنى عنها، ونرمي في نظر العالم المتمدن بالتعصب.<br />
<br />
<br />
فتعاودك الشفقة عليها لتقول لها: إن الأقليات المسلمة، في البلاد الغربية لا تسبب مشكلات بسبب تطبيق قوانين هذه البلاد عليها إلا ما يتصل بعقيدتها، وإن المسلمين لم يبد منهم في أي بلد فتحوه تعصب يطيح بحقوق الأقليات المسلمة ولكن تعصب الغرب الأحمق هو الذي أطاح – ولا يزال – بالأقليات في بلاده، وليست ببعيدة عنا تلك المذابح التي دارت رحاها في رقاب الأقليات المسلمة في البلقان واليونان والهرسك والبوسنة في يوغسلافيا.<br />
<br />
<br />
فضيحة لا تمحى ..<br />
<br />
<br />
تلك فلسطين الشهيدة تتقلب في قبرها، ودماء الشهداء تموج في أرضها، وزئير العفاف الذي هتك يدوي بين أرجائها، وأرواح الأطفال الأبرياء ترفرف تحت سمائها، وأنين المنازل التي خلت يرج جدرانها، وزفير القطائع البشرية المشردة يبعث الأسى بين أضلاعها ..<br />
<br />
<br />
مأساة سجلت على الأمة الإسلامية عارا لا يمحي، وفضيحة لن يزيلها كر الأيام والأعوام ..<br />
<br />
<br />
لن يرحم التاريخ عندما يكتب: أن شرذمة من حثالة الخلق تقهر أمة ملء الأرض، وتنتزع كبدها من قلبها، وتوقفها موقف الذليلة المغلوبة على أمرها .. أجل! سيكتب التاريخ أن الشرذمة التافهة صدقت في عزمها، وثبتت في جهادها وعلت في تضحيتها، وعملت في صمت، وأعدت في سكون، وحصنت في هدوء، وبعدئذ تقدمت فلم تتقهقر، وأرادت فبلغت ما أرادت ...<br />
<br />
<br />
وسيكتب التاريخ: أن الأمة العربية العريضة، وهنت في عزمها، واضطربت في جهادها، وأخجلت في تضحيتها، وقالت ولم تعمل، وثرثرت ولم تعد، وأقامت حصنا من الكلام وبعدئذ تقدمت فتقهقرت وأرادت فما بلغت .. وسيكتب: أن الجامعة العربية عاونت على بيع فلسطين، فلم تكن جادة في إنقاذها حين أرسلت جيوشها، وأنها كانت ضحية لمؤامرة إنجليزية ترمي من ورائها إلى شغلها عن قضاياها، وتطهير أراضيها من الشيوعية عند تسليط الأحكام العرفية على شعوبها، والقضاء على الفكرة الإسلامية التي راحت توقظ الشرق من نومته وتزيل غشاوته من أعينه ...<br />
وسيكتب: أن ثمة مؤامرة دبرها وسط المعمعة الجيشان الأردني والعراقي لإفناء الجيش السوري، ليمكن تحقيق مشروع سوريا الكبرى، وإفناء الجيش المصري استجابة لرغبة خسيسة كامنة في صدر إنجلترا ..<br />
<br />
<br />
وسيكتب: أن الدول العربية لبت رغبة الإنجليز في القضاء على كتائب المتطوعين المسلمين حتى لا تكون خطرا على الاستعمار وعلى دولها بعد رجوعها، وأن تحمس مصر لهذه الرغبة جعلها تعيد الباقين من كتائب (الإخوان المسلمين) مصفدين في الأغلال بتهمة الإرهاب ..<br />
<br />
<br />
وسيكتب: أن الملك (الهاشمي) ساهم بنصيب الأسد في تقسيم فريسة فلسطين وقنع بنصيب القط .. لا ليأكله القط، ولكن ليكبر بها اللقمة فيقدمها إلى سيده الأسد البريطاني فخورا ..<br />
<br />
<br />
وسيكتب التاريخ: أن تركيا وإيران المسلمتين بادرتا بالاعتراف بدولة اليهود التي أقيمت على الظلم لتكيد للإسلام وتكدر صفو أمته ...<br />
<br />
<br />
ولن ينسى التاريخ أن يكتب: أن ملك (الحجاز) كان في استطاعته أن ينقذ فلسطين لو أنه أبدى الرغبة في مقاطعة الأمريكان إذا لم يحولوا دون تقسيمها أو تسليمها لليهود، ولن يرحمه أن مثل هذا يعرض بلاده للمجاعة، فالدولة التي تعتمد في حياتها على كائن مهما كان لن يكتب لها البقاء ..<br />
<br />
<br />
وسيكتب: أن همم الأمة الإسلامية الفاترة وجهودها الخائبة، وتضحياتها التافهة، وسوء نية حكوماتها، وموت الضمائر في نفوس قادتها .. كل أولئك قد ألبسها ثوب الهزيمة في فلسطين وألصق بها عارا أكسبته الحوادث بروزا، وسجل عليها فضيحة لا يزيدها مر الأيام إلا انتشارا ...<br />
<br />
<br />
هل هناك أمل ..؟<br />
<br />
<br />
معاقد الأمل<br />
<br />
<br />
حكومات الدول الإسلامية:<br />
<br />
<br />
لا يستطيع الإنسان أن يقنع نفسه بأن هناك أملا في إنقاذ الوطن الإسلامي وأمته، وقد يكون من المغالطة إذا كان هناك أمل أن نضعه في أعناق حكومات الدول الإسلامية، فقد قلنا ولا زلنا نقول: إن هذه الحكومات كموظفة لدى حكومات الاستعمار لرعاية مصالحه والقيام بخدماته وتضليل الشعوب وتزييف إرادتها ...<br />
<br />
<br />
ولا تخدعنك هذه المناورات التي تحدث كثيرا بين الحكومات والاستعمار فليست إلا ضربا من التهويش .. كما يقول (أولاد البلد) حتى مناورة النقراشي باشا في مجلس الأمن بشأن القضية المصرية .. <br />
<br />
<br />
وكأن هناك اتفاقية بين المستعمر والحكومة تتعهد الأخرى للأولى بالتزامات، أهمها العمل على تحقيق مطالبها سواء رضي الشعب أم سخط، ولقد كان المستعمر يخشى دائما يقظة الشعب، مما يدفعه إلى التدخل بالحديد والنار، ليحمل الشعب على الإغفاء مرة أخرى، ولكنه اليوم أصبح مطمئنا إلى الحكومات التي تتولى باسم الشعب لتنوب عنه في مهمته، ولذلك، فليس عجيبا أن نرى أن الشعب الذي يحاول النهوض لا تصفع وجوهه إلا بسياط حكومته، ولا تسعه إلا سجون وطنه – إذن فلا بد أن يظل الشعب والحكومة عدوين مهما ادعى بعض الأحزاب أنه وكيل الأمة أو حزب الشعب<br />
– <br />
<br />
<br />
ما دام المستعمر هو الذي يعين الحكومة وما دامت الحكومة تقر سيادة المستعمر، ومن هنا تؤمن بألا إرادة مستقلة لمثل هذه الحكومات، وأنها تستمد تفكيرها من وحي سفارات المستعمر، وتستطيع أن تدرك: لماذا تقهقرت الجامعة العربية بعد أن أرغت وأزبدت وهددت بفصل الأردن إذا حاول ضم فلسطين، ولماذا تحداها "الشريف المحظي" ونفذ رغبته رغم أنفها ..؟ وتؤمن أيضا بأن هناك قوتين متحالفتين على الشعب المنكوب: هما الحكومة والمستعمر، فإذا حاول التخلص من الأولى خشي بطش الأخرى وإذا حاول التخلص من الأخرى خشي سجون الأولى ومعتقلاتها وسيوفها وسياطها ..<br />
<br />
<br />
ومن العسير على الحكومة أن تغضب المستعمر أو تتوانى في إرضائه أو تسكين روعه ..<br />
<br />
<br />
مات محمد بك فريد رئيس الحزب الوطني عام 1919 غريبا في ألمانيا مجاهدا من أجل قضية مصر، ولكن الحكومة لم تجرؤ يومها على نقل رفاته حتى لا تثير ريب المستعمر الذي كان لا يكره على الأرض إنسانا كراهيته لفريد، وادعت أن ميزانية الدولة لا تسمح، وأن أموال الأمة يجب أن تنفق في تكريم السفراء – لا على نقل رفات الوطنيين الأغيار الذين باعوا في سبيل وطنهم آلاف الأفدنة، ولم يبق غير راحتهم وصحتهم بذلاها حتى آخر رمق ..<br />
<br />
<br />
وهب رشيد علي الكيلاني لتخليص العراق من استعباد الإنجليز فطالبت حكومته برأسه لأنه من مجرمي الحرب ...<br />
وقام الإخوان المسلمون يوقظون الوعي في الشرق الإسلامي، فاستجاب النقراشي رئيس الحكومة لقلق بريطانيا وأمريكا وحذف الجماعة بجرة قلم، وجاء خلفه إبراهيم عبد الهادي يبرهن على تمام ولائه فقدمت في عهده رأس قائد الجماعة (الشهيد الأعزل حسن البنا) قربانا للندن ونيويورك ...<br />
<br />
<br />
زعماء البلاد الإسلامية:<br />
<br />
<br />
من العبث أن نضع زعماء البلاد الإسلامية في الميزان، فلن ترجح كفتهم، ولو لم يوضع في الكفة المقابلة غير مثقال – فضلا عن أن نعقد الأمل فيهم.<br />
<br />
<br />
ولعن الله تلك الثورات الطائشة التي تمخضت عن شرذمة من الشباب العابث الذي لم يجد هواية غير التهريج وسط الثورات ليلفت نظر المستعمر وليجعل منهم زعماء يتحكمون اليوم في الأمة بسياطهم .. إن قواد الثورات الطائشة بالأمس هم أدعياء الزعامة اليوم، وأولئك الذين قدمت رءوسهم إلى مقاصل المستعمر هم الذين يقدمون رءوس الوطنيين الأغيار قربانا للمستعمرين ..<br />
<br />
<br />
هؤلاء الزعماء ولدوا وهم ينظرون إلى الأرض حيث تصف كراسي الحكم – لا إلى السماء حيث يتألق المجد، ونشأوا في أحضان المستعمر الذي يملك كراسي الحكم لا في أحضان الوطن الذي يملك المجد، وشبوا على خدمة المستعمر والولاء له، والتنكر للوطن والوطنية المنكوبين .. استماتت فرنسا في تنصير البربر بالمغرب وكان (الوزير المقري) أشد تعصبا لقضية رفع الشريعة الإسلامية من بين البربر من الفرنسيين أنفسهم و (البغدادي باشا فاس) طرح نحو مائة شاب من شباب فاس وجلدهم بالسياط لأنهم اجتمعوا في جامع القرويين وأخذوا يرددون داء (يا لطيف .... يا لطيف) وشن الزعيم الصادق مصطفى كامل باشا حريا لا هوادة فيها على إنجلترا المتوحشة من أجل مأساة دنشواي المصرية، حتى اضطرت إنجلترا إلى سحب طاغيتها وسفيرها (كرومر) من مصر – وإذا بزعماء مصر يعدون حفلات التكريم له – وفي مقدمتهم سعد باشا زغلول الذي أشاد ومجد في (المكرم) وكان أتفه بواعث الشهامة يحتم عليهم أن يودعوه باللعنات ...<br />
<br />
<br />
ورثة الأنبياء:<br />
<br />
<br />
إنه لمن الخبل أن نعقد الأمل في علماء الدين الأدعياء لإنقاذ الأمة الإسلامية وهم أصل نكبتها .. فإذا حير الحكومات شيء في تخدير الشعوب لجأوا إلى علماء الدين فهم يملكون مخدرا أشد تأثيرا وأبعد ما يكون عن الطعن والريبة، ولم يعدم المستعمر أبدا في أي بلاد إسلامية فتوى علمائها بما يثبت أقدامه، فقد أفتى (مفتي فاس) بأن رفع الشريعة من بين البربر بالمغرب ليس بإخراج لهم من الإسلام، وقد أمضى (علماء سوريا) في أوائل عهد الاحتلال برقية إلى جمعية الأمم يستنكرون فيها المؤتمر السوري الفلسطيني الذي يطالب باستقلال سوريا وفلسطين، إن سفساف الأمور يشغل دائما قرائح مصابيح الهدى، فالسنة والبدعة، والتوسل والكرامات مواد دسمة لا زالت تشغلهم، والحركات المصطنعة تجعل منهم أتونا لا يخمد لهيبه، يدعى مخبول النبوة، وتزعم مخبولة أنها ستلد المهدي، وتهب المرأة تطالب بحقوقها الدستورية، فيملأون الدنيا صياحا وثرثرة.<br />
<br />
<br />
والحركات التي تمس صميم الإسلام وأمته تخلق منهم أشباحا لا أرواح فيها ولا ألسنة لها، فالإسلام يطرد من فلسطين، ويخنق في بلاد المغرب ويذبح في أندونيسيا، ويضطهد في جنوب أفريقيا، ويهان في مصر – وورثة الأنبياء يشغلون المسلمين بالمسيخ الدجال والمهدي المنتظر .. وصدق ذلك الطاغية الاستعماري حين قال:<br />
<br />
"نحن بخير ما دام علماء الدين يتكلمون".<br />
<br />
<br />
إن للمسلمين المثقفين عذرا عندما ينفرون من علماء الدين ويرون أنهم سر نكبتهم، فهم لا يرون منهم موقفا يثبت لهم كرامتهم ورجولتهم، ففي بلاد المغرب يقر العلماء هناك الرقابة المضروبة على الآيات القرآنية التي تقرأ في الصلاة الجهرية ليحال دون قراءة الآيات التي تثير النفوس ضد الاستعمار، وفي مصر والشام والعراق والمملكة العربية توزع وزارات الأوقاف الخطب المنبرية على علماء المساجد، لتجعل منهم أبواقا تبلغ المصلين الأضاليل.<br />
<br />
<br />
يرون منهم اللجوء إلى أبواب الأمراء ليظهروا الولاء في ثياب تشف عن النفاق، ويباركوا أعمالهم ولو كان فيها هدم للإسلام وضياع لأمته – ولا يرون منهم شجاعة تقول لهم: هذا حق وذاك باطل، وهذا حسن وذلك شر.<br />
ويسمعون منهم المواعظ المملة ولا يسمعون منهم صيحة واحدة في وجه أي حكومة جائرة مستبدة بحقوق الشعوب وحرياتها ...<br />
<br />
<br />
أين علماء الدين من هذه الأوضاع المقلوبة؟ هل يجيز الإسلام السكوت عن الفقر المنتشر في الحجاز حيث يحمل الجوع الشعب هناك على التقاط قشور الموز – والذهب المستخرج من أرضه يوزعه الأمراء على راقصات القاهرة وباريس؟ وعن انزواء اليمن في ركن يحيط به الفقر والجهل والمرض، والأحمر والأصفر مكدسان في بيت الإمام؟ وعن الفقر الفاغر فاه في مصر ليلتهم أولئك الذين يكدحون طول يومهم لإخراج الذهب والفضة ويبعثرهما ذوو الأملاك في صالات الرقص وأندية الميسر وحانات الخمور ..<br />
<br />
<br />
فلماذا لا نسمع لرجال الدين صوتا في مصر أو في الحجاز؟ وهل يجيز الإسلام السكوت عن هذه الحرية التي تآمر على سلبها الاستعمار والحكومات؟ وعن هذا الكبت الذي لا يجرؤ مسلم واحد على قول الحق لأن سوط الحكومة فوق رأسه، وسجنها تحت قدميه ..<br />
<br />
<br />
نريد أن يسبقنا ورثة الأنبياء إلى أفضل الجهاد، فطالما أسمعونا قول الرسول المجاهد الصادق: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" فهل هم فاعلون ...؟<br />
<br />
<br />
الجماعات الإسلامية<br />
<br />
<br />
ما كان بودي أن أتعرض لهذه الجماعات، لولا أنها تشغل حيزا كبيرا من الفراغ، فسقوط هممها وانحطاط جهودها يثيران في النفوس آلاما كبارا – ولو أن الأمة المسلمة بخير، آمنة مطمئنة لغضضنا الطرف عنها كضرب من ضروب التسلية، ولكن والحالة واضحة فما الذي يشغل هذه الجماعات عن إيقاظ الوعي، والجهاد من أجل إنقاذ الأمة المسلمة المعذبة ..؟ <br />
<br />
<br />
جماعات ضخمة تحصر همتها في محاربة الصوفية والأولياء .. وأخرى في محاربة السفور والاختلاط وتحدي النساء .. وثالثة في الدفاع عن اللحية والذؤابة .. ورابعة في الاستعداد طول العام لحفلتها السنوية، وخامسة في إثبات التوسل والكرامات ... <br />
<br />
<br />
ولك أن تضحك إذا علمت أن للجماعات الإسلامية اتحادا في مصر بلغ إنتاجه في مدى أربع سنوات، نحو خمسة خطابات مفتوحة أرسلت لملوك العرب وأمرائها، للفت أنظارهم إلى نكبة السفور والاختلاط، وسبعة احتجاجات على بعض رجالات الحكومة لحضورهم حفلات اشتركت فيها النساء .. أما عندما قذفت حكومة النقراشي بأكبر جماعة إسلامية ناهضة في البحر، فليس لك أن تسأل أين كان الاتحاد وهي عضو فيه .. ولا يدفعنا إلى هذا النقد سوى أننا ننتظر من الجماعات واتحادها ما نؤمله فيهما ...<br />
<br />
<br />
إن المستعمر يستفيد كثيرا من الثرثرة والمهاترة، ولا يهمه أن يشيد مائة مسجد في اليوم، أو يقام مائة مولد في الأسبوع، ولا أن تؤسس مائة جمعية في الشهر ما دام الوعي الإسلامي نائما راكدا.<br />
وما أشقى هذه الأمة المسلمة المعذبة حين ترى أن معاقد أملها هي عوائق نهوضها، ومناط رجائها هو أصفاد حريتها ...<br />
<br />
<br />
المؤامرة الكبرى على الفكرة الإسلامية<br />
<br />
<br />
إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر – ولله عاقبة الأمور.<br />
<br />
<br />
في الظلام<br />
<br />
<br />
لغط في السفارتين:<br />
<br />
<br />
ما هذا اللغط الذي ينبعث من بين جدران السفارتين: الإنجليزية والأمريكية بالقاهرة، فيدوي صداه بين أرجاء لندن ونيويورك؟<br />
<br />
<br />
الإخوان المسلمون .. الإخوان المسلمون ..<br />
<br />
<br />
لقد أصبح السكوت عن أمرها ضرب من التهاون يخفى وراءه الخطر الأكبر ...3<br />
<br />
<br />
كنا ننتظرها ملهاة دينية تتلهى بها الشعوب الإسلامية، فإذا هي مشعل يوقظ الوعي، ويتهدد حياتنا، ويتوعد مصالحنا وينذر أقدامنا في الشرق كله، وبل وفي كل بقعة إسلامية.<br />
<br />
<br />
إنها اليوم ملتقى الشباب الثائر الملتهب، وكعبة الأقليات المعذبة، والشعوب الصغيرة المستعبدة – كنا نحسب أن شبابها يقنع بالهتاف يفرغ فيه ثورة نفسه، ولكن حرب فلسطين أثبتت أنه لا يقنع إلا بالدماء – وما كتائبه المتدفقة إلى الميدان في نشوة الراجع إلى الديار بعد طول غياب، أو الظافر بعد طول جهاد – إلا دليل وبرهان.<br />
إنها إذن لنذير .. وأي نذير ..<br />
<br />
<br />
بين لندن ونيويورك:<br />
<br />
<br />
القلق يساور لندن ونيويورك – فإن التقريرات الواردة من سفاراتهما في الشرق عن حركة الإخوان واستفحال أمرها تبعث على الوجل – إذن فالاستعماران السياسي والاقتصادي معرضان للخطر .. ولم لا؟ وهذه الجماعة في كل بلد شرقي قوة لا يستخف بها، وتستطيع في كل وقت أن تعوق – والدولتان مقدمتان على أمرين لا بد منهما، فنيويورك تتهيأ لإلقاء الشاة العربية في جوف الثعلب الصهيوني – ولندن تريد أن تعقد صفقة الوادي مع مصر في جو من الهدوء.<br />
الثعالب الناصحة:<br />
<br />
<br />
سفراء الدول الاستعمارية يتقدمهم سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا في وزارة الخارجية المصرية، والجميع ممسكون بنصائح وردت من دولهم لتبليغها .. فإن دولهم يهمها استقرار الشرق – لا سيما – وأن العالم في مهب العاصفة – وهي لا تستطيع أن تصبر أمام حركة الإخوان، التي تثيرها في الشرق عاصفة لا تهدأ، وإذا اشتعلت لا تذر، وهي إذ تنصح فإنما تؤدي واجبا تمليه عليها ضمائرها.<br />
<br />
<br />
تشاور:<br />
<br />
<br />
في ندوة الجامعة العربية، أو وزارة الخارجية يجتمع سفراء الدول العربية، وإذا الجميع متفقون على إراحة الشرق من ثرثرة الإخوان وضجيجهم، فقد بلغت نصائح الثعالب دولهم، وقبلتها شاكرة، وعلى مصر أن تصوب السهم الأول ليستجيب لها الجميع ...<br />
<br />
<br />
في ندوة الحزب السعدي:<br />
<br />
<br />
النقراشي مقتنع ومصمم .. وليكن ما يكون، ولأن يمثل به خير من أن يقال جبن أو تقهقر، والواقع أنه لا داعي إلى الاقتناع أو التصميم، فهذا أمر مفروض من أمريكا وإنجلترا على مصر وشقيقاتها، والحكومات التي ارتضت أن تدفع في كراسي الحكم أوطانها، ليس بغريب عليها أن تضحي في مقابل البقاء عليها بهيئة طائشة متطرفة .. قد تستريح فيما بعد من ثرثرتها وجلبتها ..<br />
<br />
<br />
إرهاصات:<br />
<br />
<br />
كان لا بد أن تسبق المؤامرة إرهاصات يصوغها وكيل الداخلية في قالب تهم للجماعة، لتكون مبررا للقضاء عليها، وسترا للدوافع الخفية التي حيكت في الظلام، فحوادث الإرهاب والتخريب والانفجارات وخطابات التهديد وما إلى ذلك، مما اقتضته ظروف فلسطين، وتحمس الشباب المسلم الغيور، لم يتهم بها غير هيئة الإخوان، وكان مقتل الخازندار القاضي، وسليم زكي حكمدار العاصمة، فرصة نادرة لتدعيم هذه الإرهاصات ...<br />
<br />
<br />
والمؤلم انسياق الرأي العام انسياقا أعمى دون روية أو تدبر، بينما لم تثبت حادثة من هذه على أحد بخصوصه، وعلى فرض ثبوتها على أحد من صميم الإخوان، فلم يثبت أن الهيئة أمرته بهذا أو شجعته عليه، أو أذنت له فيه ...<br />
<br />
<br />
على أن حكومة النقراشي لم تكن في حاجة إلى الافتراء على الإخوان، فهي مع ما لها من السلطة والقوة تستند على اتهامين خطيرين: أهونهما كفيل بتبرير ما هي مقدمة عليه من إجراء طائش، أما الأول فهو أن الإخوان يعملون على قلب نظام الحكم، ويعلم الله أن مثل هذا الاتهام ضرب من الهذيان، وقد تكون حكومة النقراشي قد نطقت به من قبيل الإيحاء، وهي لا تفقه معنى لما تقول، فالجماعة التي تهدف إلى قلب نظام الحكم تنشأ قوية سريعة في تكوينها، معتمدة على قوة تسندها عند قيامها بمهمتها، حاصرة نشاطها في بلدها التي تود قلب نظامه، وليس كذلك جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها ثلاثة في زاوية، وظلت تسير بخطى وئيدة عشرين عاما، تنتقل من دار إلى دار، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن مملكة إلى مملكة، تطرق القلوب وتوقظ الوعي حتى عمت، وهذه هي طبيعة الفكرة الناهضة التي تهدف إلى أسمى المعاني.<br />
<br />
<br />
وأما الاتهام الآخر، فهو انحراف الدعوة عن الدين إلى السياسة، ولك أن تضحك سخرية أو ألما، فما هذا بمنطق يصلح لمن ارتضوا أن يكونوا ساسة، أم أن القول يلقى جزافا سليما كان أم عقيما؟<br />
<br />
<br />
إن الإسلام دين سياسة قبل أن يكون دين عبادة وجاء ليقيم دول قبل أن ينشئ مسجدا – ورغم كل مكابر – وإن المشتغلين بالحركات الإسلامية هم الأصل في السياسة، والدخلاء عليها هم عشاق الزعامة وطلاب الكراسي.<br />
إن الإسلام دين ودولة ومصفح وسيف، وإن هؤلاء الحمقى الذين يجاهرون بإقصاء الإسلام عن مهمته التي رسمها الله له، ويضطرونه إلى أن يكون دينا لاهوتيا، ليصوبون إلى صدره أفظع الضربات.<br />
<br />
<br />
ما أشد سفاهة وصفاقة هذه الحكومات الهزيلة التي تتوكأ دائما على رجلين خشبيتين هما من صنع المستعمر، حين تستسيغ أن تحرم على أكبر هيئة ناهضة مثقفة التحدث في شئون وطنها، وفيها المحامي والمهندس والطبيب والعالم والمدرس – أمثال هؤلاء يحرم عليهم الاشتغال بالسياسة لتكون وقفا على طبقة الهتافين من المشردين، والمهرجين من المحتالين، الذين تضمهم الأحزاب إلى حوزتها، والحكومات إلى رحابها ليتخذ الجميع منها وقودا لحركات الشعوذة والتضليل.<br />
<br />
<br />
أما الدوافع الحقيقية فقد استطاع الكبت وقتها أن يلجم الألسنة حتى لا تنطق بها، ولكنه لم يستطع أن يهاجم القلوب لمطاردتها – فإذا علمت أن أمريكا وبريطانيا تعتبران الجماعة قوة وطنية متطرفة، تقف عقبة كأداء أمام الامتداد لمطامعهما، وتستطيع تعطيل مشروعات التعاون الممقوت مع مصر والشرق الإسلامي، وأن حكومات الدول العربية ترغب في إنهاء فلسطين، والانتقال إلى حياة الدعة والخنوع مع المستعمر الغاصب، وضح لك جليا أن المؤامرة الدنيئة قد اشترك فيها الاستعمار وحكومات الدول العربية، وأن هذا يعتبر بمثابة الخطوط الأولى الرئيسية للمؤامرة ...<br />
<br />
<br />
وإذا علمت أن حكومة النقراشي فشلت فشلا ذريعا في قضية وادي النيل بضعفها، وفي قضية فلسطين بسوء تصرفها ورغبت في التمهيد لمفاوضة المستعمر على حساب الوطن المنكوب، وفي الإعداد للانتخابات التي كانت في طريقها – أدركت أن حكومة النقراشي نفذت المؤامرة لستر فشلها في قضيتي الوادي وفلسطين، ونيل رضا المستعمر بمفاوضته والتخلص من أكبر هيئة منافسة في الانتخابات – وأن هذا كله لهو بمثابة الخطوط الأمامية المباشرة.<br />
<br />
<br />
على أنه لا ينكر نشاط الأصابع الخفية والدسائس من ذوي الغايات – فاليهودية العالمية، والشيوعية الدولية، والدول الاستعمارية – وأنصار الإلحاد والإباحية، كل هؤلاء خاصموا الدعوة من أول يوم، لأنهم يرون فيها السد المنيع الذي يحول بينهم وبين ما يبتغون.<br />
<br />
<br />
في ظلال الكارثة<br />
<br />
<br />
الساعة الآن الحادية عشرة من مساء الأربعاء (8 ديسمبر سنة 1948) ومذياع القاهرة يذيع نبأ حل الإخوان، وهذه موجة دهشة ووجوم تصيب بلاد العروبة بل العالم الإسلامي – وما أن صوبت مصر الضربة الأولى حتى تتابعت ضربات حكومات الدول العربية بعدها – وفي ظل الأحكام العرفية الغاشمة صودرت أموال الجماعة، وتم الاستيلاء على ممتلكاتها ومؤسساتها، وزج بآلاف الأبرياء من خيرة شبابها في غياهب السجون والمعتقلات – وهكذا حكم على الدعوة السامية ألا تؤدي رسالتها في إيقاظ الأمة الإسلامية المستسلمة للدعة والذلة، وفي خدمة المجتمع المتعطش إليها ...<br />
<br />
<br />
النتيجة المنتظرة:<br />
<br />
<br />
النقراشي نفسه كان يؤمن بنتيجة الأمر المقدم عليه، كما أثبتت الصحف، وهذا اعتراف من جانب آخر بأن الاندفاع كان مسيطرا على تفكيره – كان من الميسور أن يعالج الأمر بشيء من الحكمة، كما فعلت حكومة قبله سنة 1942 حين اضطرتها السلطات البريطانية إلى إلغاء هذه الجماعة – والنقراشي الذي أوهم الشعب أنه شتم الإنجليز في مجلس الأمن، يتراخى أمامهم في مصر فيستجيب لإشارتهم، ويلقى في البحر بأكبر هيئة ظلت تخدم مصر والشرق عشرين عاما، وأحيت مليونا من الشباب كان بين أنياب الغواية وفي هوة الانحدار، ولو أن شيئا من الشجاعة واتت النقراشي فصاح في وجه الإنجليز الذين تدفعهم وقاحتهم إلى التدخل في كل شيء، ولمس الإخوان هذه الرجولة، ماذا تكون النتيجة؟ بلا شك أن النقراشي سيجد من الجماعة أقوى سند يربح للبلاد به خيرا كثيرا.<br />
<br />
<br />
والذين يتهمون الجماعة بمقتل النقراشي يجانبون الإنصاف فقد زالت عن الجماعة صبغة الجماعة، كبارها معتقلون، ومن تبقوا كانت أنفاسهم – فضلا عن خطواتهم – معدودة عليهم.<br />
<br />
<br />
والكل متفقون على أن قاتل النقراشي باشا قد ارتكب محظورا، وإن لم يلتمسوا له عذرا، فقد كان التفكير المسيطر على شاب يفيض قلبه إيمانا – أن النقراشي حين استجاب لأوامر المستعمرين الكفار حارب الإسلام باعتدائه على دعوته الحية الناهضة، وحارب الوطن باعتدائه على أكبر هيئة من صميم أبنائه، وليس معنى هذا أننا نقر الجريمة والإجرام، أو نشجع عليهما.<br />
<br />
<br />
جاءت الطامة:<br />
<br />
<br />
قتل النقراشي فكان مقتله سبب كارثة حلت بمصر – فقد مرت بمصر فترة عقب مقتله من أحلك الفترات، سجلت لها بين صفحات التاريخ صفحة من أسود الصفحات: فترة رحمت فترة محاكم التفتيش في أسبانيا من سخط التاريخ، ووصمت مصر بوصمة من الهمجية في أحط عصورها: كبت صادر الأنفاس في الصدور، وإرهاب زلزل كيان الجماد، واستهانة بالأرواح طار لها كل صواب ...<br />
<br />
<br />
قتل النقراشي فجاءت الطامة الكبرى: الشباب المخنث في جنازة النقراشي يردد: رأس النقراشي برأس البنا، ورئيس الوزارة (خلفه) يبيت في الوزارة يشرف بنفسه على مهاجمة منازل الإخوان وإطلاق أيدي التخريب فيها، والاعتقال بالعشرات والمئات، ورجال البوليس يعيثون في الأرض فسادا، يزيلون كلمات الإخوان من فوق الجدران، ويخطفون المصلين من المساجد، وينتزعون كل من يسمعونه يكبر الله أو يحمده، أو يذكر الإسلام بخير ...<br />
<br />
<br />
الاغتيال الدنيء:<br />
<br />
<br />
في مساء السبت 12 فبراير 1949 غمرت شارع الملكة نازلي موجة من السكون على غير عادة، ولو قدر للشارع أن ينطق لاحتج على ما أصابه، ولتساءل: أي حدث جلل سيحدث؟ ولو قدر للظلام المخيم عليه أن يجيب لأجاب: إن هناك مؤامرة دنيئة تدبر في الخفاء لاغتيال أكرم شخصية على الله والإسلام والإنسانية ...<br />
<br />
<br />
وفجأة كما أشيع توقفت حركة المرور، وأطفئت الأنوار، وأحاط رجال البوليس بدار الشبان المسلمين يشاهدون المباراة بين جناة آثمين وبطل أعزل، يهم بركوب السيارة، فيصوب الآثمون الرصاص إلى ظهره، فتسيل دماؤه على الأرض تسطر للفجرة الغدرة صفحات من الخزي، وفي منتصف الليل فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها تشكو إليه بغي القوم وعدوانهم، أولئك الذين بطعن الشهيد الأعزل طعنوا الإسلام في صدره، ونكسوا بأيديهم رايته ...<br />
<br />
<br />
أما الإمام الشهيد فقد ذهب إلى ربه – وأما الجناة الآثمون فلا زالوا يمرحون في الأرض طلقاء .. لقد فاتهم أن العدل إذا اختفى في الأرض فلن يختفي في السماء، وأن ميزان الحق إذا اختل في الدنيا فلن يختل في الآخرة، يوم يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا .. وحسبنا الله ونعم الوكيل.<br />
<br />
<br />
أحط ضروب النذالة:<br />
<br />
<br />
إن القلم ليرتعش حين يسطر شيئا عن نذالة القوم، وقد طعنت الكرامة الإنسانية في صدرها – هذا شعور الجماد، فما بال شعور هؤلاء أصابها الخبل، فانحطوا إلى أسفل الدركات، لقد خلت نفوسهم من قيم الرجولة والكرامة والمروءة ..<br />
<br />
<br />
ولو أن نذالتهم وقفت عند حد الاغتيال الدنيء المسلح بأسلحة الغدر الوضيع لهان الأمر – ولكن عندما تتعداه إلى النيل من الفريسة بعد أن فاضت روحها، وحيث أصبح الشهيد الأعزل المبغي عليه بين يدي ربه، فقد حق للإنسانية أن تصعق، وللكرامة أن تنتحر، وللشهامة أن تودع دنيا الإنسان لتعيش مكرمة في دنيا الوحوش الضارية ..<br />
<br />
<br />
اغتلتم الرجل اغتيالا دنيئا لم يدع للرجولة طرفا تفتحه، ولا رأسا ترفعه، وتسلحتم بقوى البغي، واستترتم بظلمات الاستبداد، فما بالكم تكيدون له بعد موته – مات الأفغاني الذي أيقظ صوته الشرق وهز الغرب، فلم يسمح سلطان تركيا وقتها لأكثر من أربعة يشيعونه هم حملة نعشه، ولكن الأيام عبثت من حمقه فظلت بطولة الأفغاني خالدة – واغتيل "حسن البنا" الذي كان ملء الأرض، نورا للشرق النائم ليفيق، ونارا على الغرب الغاصب ليقف عند حده، فلم يشيعه غير حملة نعشه: شيخ حطمه الأسى، وثلاث نسوة أذبلهن هول الفجيعة .. ولكن الأيام سوف تسخر من نذالتكم فتظل (بطولة البنا) خالدة تضيء الطريق للأجيال المتعاقبة .. وتؤرق الزعامة الزائفة.<br />
<br />
<br />
واستسمح القلم مرة أخرى ليسطر نوعا جديدا من النذالة لم يسبق له مثيل حتى في أحلك عصور الهمجية الأولى – هؤلاء الشباب اتهموا وزجوا في غياهب السجون أبرياء – ولكن لا يكفي هذا، بل لا بد أن يقروا ظلما، السياط تلفح وجوههم صباح مساء، والأظفار تخلع من أصابعهم، والنار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم .. <br />
<br />
<br />
ومع هذا فهم مصرون على الثبات أمام صولة الباطل .. إذن فلتحضر أمهاتهم وأخواتهم – وليهجم رجال البوليس على أعراضهن أمام أعينهم، وعلى مرأى ومسمع من رئيس الحكومة وكبار رجال الأمن .. الإنسانية تستغيث فلا يسمع لصيحاتها صدى ...<br />
<br />
<br />
الإنسانية تستغيث بالرأي العام .. وماذا يفعل والكبت قد أخرس ألسنته، والمعتقل قد أنساه وجوده.<br />
<br />
<br />
الإنسانية تستغيث بالعلماء .. والعلماء قد أجهدهم الفتوى التي أصدروها عقب مقتل النقراشي فهم في حالة استجمام لا تسمح لهم بالكلام .. الإنسانية تستغيث بالصحافة .. والصحافة مغلولة الحرية إلا الساقط الرقيع منها ...<br />
<br />
<br />
فكرة لن تموت<br />
<br />
<br />
لن تكون هذه الجماعة تحت رحمة – أحد كائنا من كان – حتى هؤلاء الذين اتخذوا من أصداء كارثتها مادة استعانوا بها في الوصول إلى كراسي الحكم .. ولم يتربعوا عليها إلا بعد أن ارتدوا ثياب النكران لها – إنها فكرة كتب الله لها الحياة الأبدية فلن يجرؤ الموت على تحديها، ولو قدر لأنصارها أن يفنوا عن آخرهم في ساعة من نهار، لوجدت معانيها بعد عشرات السنين منقوشة فوق صدور أبنائهم وأحفادهم.<br />
<br />
<br />
لقد اعتنقها شباب مؤمن لم يؤثر فيه التعذيب ولا التنكيل، ولم يثنه السوط ولا السيف، ولم يزلزل عقائده السجن ولا المعتقل – سيبذل في سبيلها أمواله ودماءه، وسيذود عنها بنفوسه وأرواحه.<br />
<br />
<br />
شباب آمن بأن الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف وعبادة ونظام وآمن بأن الوطنية صدق وإخلاص وتضحية وجهاد شباب مليء قلبه بالإيمان وصدره باليقين، فلن يفت الحديد عزمه ولن يفل همته، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تصمد أمام إيمانه، أو تواجه صبره وجلده.<br />
<br />
<br />
شباب أخذ على عاتقه أن ينتصر للإسلام ولدعوته ومعانيه ومبادئه، وأن يقف بجانبه كلما حاول متمرد أن ينال من قدره، وأن يركب الخطر في سبيل تصحيح أوضاعه وأفكاره، لتكون كلمته العليا، وصوته المسموع، وأمره النافذ المطاع.<br />
<br />
<br />
شباب راسخ العقيدة، عميق الإيمان، لو كشفت عن قلبه لوجدت نبضاته في هتاف دائم.<br />
<br />
<br />
الله غايتنا<br />
<br />
<br />
والرسول زعيمنا<br />
<br />
<br />
والقرآن دستورنا<br />
<br />
<br />
والجهاد سبيلنا<br />
<br />
<br />
والموت في سبيل الله أسمى أمانينا<br />
<br />
<br />
والله أكبر ولله الحمد <br />
<br />
<br />
خاتمة المطاف<br />
<br />
<br />
حيرة الإسلام أكبر من أن يستوعبها كتيب كهذا، ولو تركنا للقلم حريته لما توقف أو تعثر، ولما مل أو ضجر، والذي أخذ على نفسه أن يتقصى حيرة الإسلام لا بد أنه سيحار، فلا يدري من أي نواحي حيرته يبدأ، وعند أيها ينتهي ..<br />
<br />
<br />
فإذا علمت أن لدينك أوضاعا لم تسد، ولقرآنك مطالب لم تحقق، ولوطنك الإسلامي قضية لم يسلم بها – وأن الإسلام أضحى رمزا روحيا، لا أمة ولا دولة ولا شعوب له ... قد تكون هناك أمة ودولة وشعوب، ولكنها أمة لا كيان لها فهي في غيابة الضياع، ودولة لا سلطان لها فهي في مهب الرياح، وشعوب لا حياة لها فهي في زوايا الإهمال ..<br />
<br />
<br />
وإذا علمت أن الإسلام أضحى مضغة في أفواه المستخفين يجب أن يهمل، ومبدأ هداما في نظر صنائع المستعمر الغاصب يجب أن يكافح، ودجلا وشعوذة في نظر الجهلة من أبنائه يجب أن يظل كذلك، وخنوعا واستسلاما في نظر المرتزقة من علمائه يجب أن يكون إلى الأبد.<br />
<br />
<br />
وإذا علمت أن شعوبه المستضعفة لم تعرف ما لها، فلم تعرف حكوماتها المستبدة ما عليها، وأن بغي الاستعمار يعتمد على نفاق زعمائه، وأن استبداد حكوماته يعتمد على نفاق شعوبه – وأن الدعوة التي تحاول تصحيح أوضاعه المشوهة وإيقاظ الوعي الراكد في شعوبه المستعبدة – مآلها التنكيل والاغتيال .. <br />
<br />
<br />
إذا علمت هذا كله – وهو قليل من كثير – أدركت أن الإسلام في حيرة يذوب لها أسى، وتتمزق من أجلها كبد شبابه الغيور، وتستجيب لها خفقات قلبه ...<br />
<br />
<br />
وأخيرا – فلعل هذا القلم العاجز استطاع أن يسجل ما أعتقد – بريئا من كل جبن ونفاق، ومن كل تجن وافتراء – فيكون قد أرضى الله وأرضى دينه الخلص من أبنائه – ولن يضيره بعد هذا أن ينطح الصخر أحمق، أو يتخبط في الأرض سفيه.<br />
<br />
<br />
فإن حسبه الله، الذي يحق الحق ويبطل الباطل – ولو كره المجرمون ..<br />
<br />
<br />
والله غالب على أمره <br />
<br />
<br />
السمان</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9&diff=644606نظرات في اداة الحكومة2012-03-05T17:20:18Z<p>Elsamary: حمى "نظرات في اداة الحكومة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5>نظرات في إصلاح الأداة الحكومية </font></font></center>'''<br />
<br />
بقلم: فتحي رضوان <br />
<br />
بإشراف: الدكتور شكري محمد عياد<br />
<br />
1 – تبدي الدولة الآن، اهتماما خاصا بإصلاح الأداة الحكومية،<br />
<br />
والحق أن إصلاح الأداة الحكومية، وأداة الإدارة عموما جدير بأن يكون موضوع هذه الساعة، بل موضوع كل ساعة، فما من أمل ترتجيه الدولة، أو يطمح إليه المواطنون، إلا ويناط تحقيقه بإحدى الإدارات في الحكومة، أو مما يتفرع عنها ويتصل بها، مما نسميه الآن "بمؤسسات" و "هيئات" وهي لا تخرج عن أن تكون وحدة إدارية من وحدات الدولة.<br />
<br />
ولقد اتسع نشاط الدولة وترامت آفاقه، فاختفت من مصر الدولة التقليدية: دولة البوليس والجباية والقضاء، فأصبحت – فيما يشبه القفزة الطويلة – دولة الزراعة والصناعة والثقافة، والمواصلات والتربية والتنمية، أي الدولة التي تبسط نشاطها على رقعة فسيحة تمتد من تربية الدواجن، إلى إنتاج الصواريخ.<br />
وهو عبء ضخم غاية الضخامة، فضلا عن تعقيده وتداخله وتأثره بعالم مرئي وغير مرئي من المشكلات والصعوبات والآمال والمخاوف، والاندفاعات غير المدروسة، والتلكؤات غير المبررة.<br />
<br />
ولهذا كان كل جهد وكل دراسة وكل تحضير، في سبيل رفع كفاية الأداة الحكومية أقل مما تقتضيه الأهداف الكبرى الواسعة البعيدة التي أصبحت غاية هذه الأداة، وهدفها.<br />
<br />
ومن ثم فقد أصبح من واجب كل من يستطيع أن يقول كلمة في هذا الموضوع العظيم والمثير معا، ألا يتردد في قولها، فقد يكون من ورائها نفع، لا بما تنطوي عليه من حق فقط، بل أحيانا بما تحتويه من خطأ، فرب كلمة غير صائبة، تكشف حقيقة مخبوءة، أو تؤكد حقيقة لم تمتلئ القلوب والعقول إيمانا بصحتها، ووجوب الدفاع عنها.<br />
<br />
وبهذه الروح، كتب هذا الكتيب الذي أرجو أن يكون نواة لدراسة شاملة بعد الصقل والإضافة، والتوسع والإحاطة.<br />
<br />
وقد رأيت أن أقسم هذه الخواطر والنظرات إلى مقدمة وثلاث أقسام، يتناول القسم الأول: أصل الداء.<br />
ويتناول القسم الثاني: الإسعاف، ويتناول القسم الثالث العلاج.<br />
<br />
مقدمة في إصلاح الأداة الحكومية<br />
<br />
2 – ترجع شكوى الإنسان من الأداة الحكومية إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد، وقد صاحبت هذه الشكوى خطوات الإنسان في طريقه الحضاري.<br />
<br />
ولو قرأنا ما تركه لنا الأدب الفرعوني، وما سجلته التوراة، والقرآن، لرأينا أن الحاكم الظالم والموظف المرتشي، والعدل الضائع، والشكوى المهملة، وتأخير صاحب الحق وتقديم من لا حق له، وانشغال الرؤساء بما لا ينفع الناس، هي موضوعات خالدة، ينقلها جيل إلى جيل، قد يزيد فيها، وقل أن ينقص منها، وهي موضوعات أوحت بالشعر والنثر، والقصص والمسرحيات والمقالات، والخطب، وأثارت شعوبا، وأسالت دماء، وأرخصت أرواحا، وأطارت أعناقا، وبقيت في انتظار دراسات وبحوث معاهد الإدارة المتوسطة والعليا، وتقارير الخبراء والباحثين، من أساتذة الجامعات، والمنتدبين والمعارين من الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.<br />
<br />
3 – والسبب في ذلك أن مشكلة الأداة الحكومية، هي مشكلة "السلطة"، أي مشكلة "الإنسان".<br />
<br />
مشكلة "السلطة".<br />
<br />
وإذا حللنا "السلطة" وجدنا أن لها طرفين، يشبهان طرفي المقص فليس ثمة حاكم بغير محكومين.<br />
<br />
فالطرف الأول في السلطة هو "الحاكم" صاحب السلطة الذي يباشرها ويمارسها، ويكابد في سبيلها، ويتمتع في الوقت نفسه بمزاياها من جاه ونفوذ وثراء.<br />
<br />
والطرف الثاني في السلطة هو "المحكومون" الذين يخضعون للسلطة وينفذون أوامرها، وقد يجنون خيرها إن صلحت، ويدفعون ثمن أخطائها إن فسدت.<br />
<br />
4 – وبتحليل طرفي السلطة أي "الحاكم" و "المحكوم" وجدنا أن كلا منهما يتكون من عنصرين متعارضين:<br />
فالحاكم هو "الإله"، ثم ابن "الإله" ثم "مختار الإله" "صاحب الحق الإلهي الذي لا يعارض" ثم ظل الله في الأرض" ثم "ممثل الشعب الذي لا تعلو على كلمته كلمة".<br />
<br />
فهو بذاته قوى غيبية، أو تسنده قوة غيبية أو تحركه هذه القوة، والحق أن الحال لم يتحسن كثيرا حينما تغير اسم هذه القوى فأصبح "الشعب" بدلا من (الله).<br />
<br />
فالشعب معنى مجرد، ومن هنا كان يمكن أن تحكم الأغلبية باسم "الشعب" وأن تعارض الأقلية باسم "الشعب"، وأن يعمل النظام القائم في دولة على تثبيت قواعده باسم "الشعب"، وأن يثور على هذا النظام ذاته الثوار باسم "الشعب" كذلك، فالحاكم على أي حال يهمه أن يبدو من طبيعة خاصة، تؤهله للحكم، وتسمو بأحكامه عن المعارضة والنقد والتشكيك.<br />
<br />
ولكن الحاكم في الماضي مع ميله إلى (الألوهية) أو ما يشبهها، يرى نفسه مضطرا إلى القول بأنه خادم الشعب، وهو يقول هذا المعنى في مختلف القرون والحقب وإن كان قد استعمل في التعبير عنه مئات من الصيغ والعبارات، ولكنها جميعا تلتقي في جوهرها.<br />
<br />
فإذا انتقلنا إلى (المحكومين) وجدنا نفس (المعقد) COMPIEX فالمحكومون يطلبون الحاكم ويرفضونه، أي يقيمون السلطة، ويثورون عليها، وفي الوقت نفسه يفعلون أمرين متناقضين، يؤلهون الحاكم، ويرجمونه حين تكمل (ألوهيته).<br />
<br />
ويبدو أن الناس وقد وجدوا أنفسهم مضطرين للخضوع إلى سلطة، رأوا مما يخفف عنهم ألم هذا الخضوع أن يكون حاكمهم (إلها).<br />
<br />
5 – ولما كانت الأفكار قادرة على الثبات على جوهرها وإن غيرت أثوابها ومظاهرها الخارجية، فقد انتهى الحديث عن الملك الإله، وحل محله الحديث عن الدولة، فوجدت من المفكرين المحدثين (كهيجل) من يؤلهها، ووجدت أحزابا ضخمة تقيم حكمها وفلسفة سياستها على هذا التأليه كالنازية والفاشية.<br />
<br />
وفي الطرف الآخر، وجد من يرى في (الدولة) كل شر، فدعا إلى الانتقاض عليها، وتحطيمها أشلاء، وتذريه ترابها في الهواء، وهؤلاء هم الفوضويون في حين بشر كارل ماركس بذبول الدولة ثم زوالها حينما تختفي الطبقات، ويظهر المجتمع الذي يضم طبقة واحدة، لا تحتاج إلى القهر، إذ لا دولة إلا بتعدد الطبقات، وصراعها، فبانقضاء هذا الصراع تستحيل (سيادة الدولة على الأشخاص) إلى (إدارة للأشياء)، ويصبح الحاكم كما يقول "جروشنين" أشبه شيء بالمايسترو – قائد الفرقة الموسيقية – يتبعه العازفون عن طواعية وسرور، لا عن خوف وقسر.<br />
وفي جانب هؤلاء هتف الإنسانيون المسيحيون وعلى رأسهم (تولستوي) بإقامة العلاقات داخل المجتمع على (الحب) ونبذ (العنف)، وادخلوا في وسائل العنف وأداته: القانون، والمحكمة، ورجل البوليس، والسجن وقالوا إن هذه الوسائل كلها، لا تقمع الجريمة، ولا تقيم بناء الأمن، وإنما تسخر الضعفاء والفقراء، لحساب الأقوياء والأغنياء.<br />
<br />
وليست هذه الآراء على اختلاف نزعات أصحابها، منقطعة الصلة ببحث إصلاح أداة الحكم، فقد أثبتت التجربة في القديم والحديث، أن أداة الحكم ليست آلة يديرها مديرها على هواه، فهي تستعصي على التوجيه، لأنها لا تتكون من أشياء وأشخاص، بل من اعتقادات وتقاليد وتصورات وأوهام وأحلام.<br />
<br />
فأداة الحكم ليست القانون الذي يحدد اختصاصات القائمين عليها، وليست الموظفين والعمال الذين يكونون جهازها البشري، وليست الدواوين والمباني الحكومية التي تضمهم، وليست الأقلام والمحابر، والأضابير والملفات، والأختام والسجلات، فهي هذا كله، وإلى جانب هذا كله نظرة المحكومين إلى الحاكم وما يطلبونه منه، وما يحتملونه من أذاه، وما يدفعونه إليه من خراب الذمة وتلوث اليد، أو ما يلزمونه به من أمانة واستقامة.<br />
<br />
وقد يكون من المفيد أن نروي هذه الحادثة الصغيرة التي وقعت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لأنها تكشف عن اختلاف نظرة الناس إلى العمل القانوني الواحد.<br />
<br />
فبعد هزيمة ألمانيا النازية قامت حملة لمقاومة الفكرة النازية في عقل الشعب ........ فدعي الشعب إلى ممارسة الديمقراطية والانتخابات، فذهبت سيدة إلى مقر اللجنة الانتخابية، فوجدت لوحات في كل مكان تبين الطريق إلى مقر اللجنة، فلما وصلت إلى هذا المقر وجدت صندوقين خصص أحدهما لأصوات مرشح والثاني لأصوات منافسه، فسألت السيدة عسكري الشرطة الواقف لحراسة مقر اللجنة: في أي الصندوقين أضع ورقة الانتخاب؟<br />
<br />
فقال الشرطي: حيث تريدين يا سيدتي" فصاحت السيدة: ولماذا أوقفوك هنا إذن؟!<br />
<br />
6 – فنظرة المواطنين إلى القانون هي (القانون) وليست نصوصه وأحكامه، ونظرة المواطنين إلى الحكومة هي (الحكومة)، وليست قواعدها المكتوبة وأحكامها الموضوعة ونظمها المرسومة، وقد قال مرشال ديموك: لقد تبينا أن معظم المشكلات الإدارية التي تواجهنا في تركيا حضارية أو متعلقة بالسياسة العامة، فإن مرد هذه المشكلات الداخلية المتصلة بالتنفيذ إلى التقاليد والحضارة التركية وليست الذكاء التركي، وقال يوجين بوسيك: إن عدم نجاح الخطة الخمسية الأولى في يوغوسلافيا لا يرجع للأسباب الاقتصادية وحدها، ولكن إلى عوامل اجتماعية متعددة، وقال إن تغيير أسلوب الحياة وطريقة النظر للأمور، وأسلوب فهمها ومواجهتها تؤثر كل التأثير في أهداف التخطيط.<br />
<br />
7 – وبناء على هذه الملاحظات العديدة يمكن أن نقول إن الحاكم كالطفل، فأنت إن أردت أن تصلح الطفل، وأن تخرجه للحياة قويا قادرا على التغلب على أمراضها وآفاتها، كفء لمواجهة صدماتها وآلامها وجب أن تربيه قبل أن يولد، أي أن تربي أمه وأباه، كذلك إذا أردت أن تصلح (الحاكم)، وجب عليك أن تصلح (المحكوم) فالمحكومون، وإن بدوا في معظم الأحايين مغلوبين على أمرهم يسيرهم الحاكم بعصاه ويستبد بهم، ويقودهم إلى حيث يريد، إلا أنهم في واقع الأمر هم الذين يكيفون الحاكم ويصعنونه، فإصلاح أداة الحكم لا يجب أن ينصب على إصلاح هذه الأداة مباشرة، وإلا كان جهدا ضائعا، ومحاولة محتومة الخيبة والفشل، إذ لا بد أن يتجه جزء غير قليل من هذا الجهد إلى إصلاح حال الشعب، ورفع مستواه الروحي والثقافي، ثم المادي والاقتصادي.<br />
<br />
8 – ولعل هذه الحقيقة هي التفسير المعقول لما نلاحظه من أن القانون أو النظام يتغير في الظاهر، ويبقى على حاله في الواقع، وقد لاحظ "دي فرنجيه" في كتاب (دساتير فرنسا) أن من دساتير فرنسا ما وضعته الجمهورية) وطبقته (الملكية) ومنها ما وضعته (الملكية) وطبقته (الجمهورية) – بل إنه يرى في دستور فرنسا الديجولية روحا وأفكارا من الدستور الذي وضعته أسرة أورليان الملكية في فرنسا منذ مائة وثلاثين سنة خلت.<br />
<br />
فالأحوال السائدة في الوطن هي التي تحدد مصير القوانين جميعا وتكيف أسلوب تطبيقها، ونطاق أحكامها، من ابتداء باللائحة والقرار الوزاري، وانتهاء بالقانون والدستور أبي القوانين جميعا.<br />
<br />
وقد كان (رمزي ماكدونالد) رئيس أول وزارة عمالية في بريطانيا، يحسب أنه قادر على أن يحول الحكومة في بلاده من اليمين إلى اليسار، في حين بدا لخصومه أن حزب العمال هو الذي تحول من اليسار إلى اليمين، وأن قدامى الموظفين البورجوازيين استولوا على الحكومة الاشتراكية، ورضوها.<br />
<br />
9 – رأيت أن أقدم بين يدي هذه الخواطر بهذه المقدمة، لا لأشعر القارئ بأن إصلاح أداة الحكم محاولة عسيرة، وأنها تعلو على الجهد الإنساني، ولكن لأبين إذا غيرنا القانون والقواعد الضابطة للحكومة، لم نكن فعلنا أكثر من أننا نقشنا نقوشا على ظاهر جدار البناء دون أن نغير البناء نفسه، فلست أدعو إلى اليأس، بل أدعو إلى أن تتسع نظرتنا، فننظر إلى أصول العلل التي انتابت أداة الحكم في بلادنا، وألا نحمل (الحاكم) وحده في الماضي والحاضر وزر ما وصلنا إليه، وأن نعرف أن ما تراكم في رءوسنا ونفوسنا من أوهام لا أصول لها، وما أصاب تجارتنا وصناعتنا على مر الحقب من كساد وتدهور، وما انحدرت إليه ثقافتنا وحضارتنا من جمود وركود، هو أصل من أصول العلة التي نشكو منها ونحاول علاجها، وأن كل مدرسة تقام، وكل مصنع يشاد، وكل طريق يفتح، وكل كتاب يطبع، وكل صحيفة تظهر، وكل محاضرة تلقى، وكل مريض يعالج، وكل وهم يقهر، وكل أكذوبة تطارد، وكل نصر يتحقق، وكل مليم يدخر، هو جهد يبذل في سبيل إصلاح أداة الحكم، وتطهيرها من العيوب والآفات، وإننا لهذا جديرون بأن يقوى أملنا في هذا الإصلاح، لا أن يضعف.<br />
<br />
عرفنا إذن طبيعة مشكلة التي نواجهها، والتي نسميها "إصلاح أداة الحكم" وعرفنا – في سرعة وإيجاز – عناصر هذه المشكلة، وقررنا أن أكبر هذه العناصر، وأكثرها استعصاء على الحل، هي عناصر روحية تكمن في عقول الناس ونفوسهم، ولا تبدو للعين سواء كانت عينا مجردة أو عينا استعانت بالمجهر.<br />
<br />
وعلى هدي ما عرفناه لا بد أن نحلل أداة الحكم الموجودة الآن في بلادنا، وأن ندرك بالضبط مما تكونت.<br />
<br />
10 – ولكي نقف على الأجزاء المادية والروحية المكونة لأية أداة حكم يتحتم أن نسألة:<br />
<br />
أولا: لمن يعمل هذه الأداة الحكومية؟<br />
<br />
ثانيا: بمن تعمل هذه الأداة الحكومية؟<br />
<br />
ثالثا: كيف تعمل هذه الأداة الحكومية؟<br />
<br />
القسم الأول<br />
<br />
أصل الداء<br />
<br />
إذا أردنا أن نوفي هذا البحث حقه، وجب أن نصل في مراجعه الماضي، والتأمل فيه، إلى عهد الفراعنة، فإن (الحكومة المصرية) ولدت في هذا العهد، وبنى أساسها على قاعدة من عقائد وفلسفات أجدادنا، وبقيت هذه القاعدة في أعماق الفكر الحكومي المعاصر، فكما بقيت الساقية والشادوف في حقولنا على ما كانت عليه في عهد الفراعنة، بقيت صورة (شيخ البلد) و (كاتب الديوان) و (محصل الضرائب) في عقولنا.<br />
<br />
ولكن دراسة مستفيضة من هذا الطراز قد تخرجنا من نطاق البحث المحدد إلى إطلاقات التاريخ ومحيطه الواسع.<br />
فحسبنا أن نقصر أنفسنا على الحكومة المصرية من عهد محمد علي.<br />
<br />
ولكي لا تفلت مرة أخرى الدراسة من أيدينا، ولكي لا يغرينا التاريخ بطرائفه المثيرة، يجب أن نبادر بتقرير هذه الحقيقة التي أصبحت من المسلمات العلمية، وهي أن في كل مجتمع طبقة هي التي تدير الحكومة وتغذيها بالرؤساء والقادة، وتملي عليها الإرادة، وترسم لها السياسة، فتصبح الأداة الحكومية، أداة هذه الطبقة، وقد تتسع هذه الطبقة الحاكمة فيدخل فيها أكثر من درجة من درجات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، وقد تضيق فتكون مجموعة صغيرة من الأقوياء تقف على رأس المجتمع مستأثرة بكل خيراته، بعيدة عن كل متاعبه وضرائبه وخسائره.<br />
<br />
فإذا أردت أن تدرس أداة حكومية في بلد من البلاد، وجب أن تسأل عن الطبقة التي تعمل لها هذه الأداة، ويكون هذا السؤال والرد عليه، مفتاح الدراسة كلها، وهو يعينك على تعرف أدواء هذه الأداة وتشخيصها، ثم اقتراح العلاج.<br />
<br />
12 – ويمكن للباحث أن يقول أن مصر قبل عهد محمد علي، بل ابتداء من سنة 1517 التي دخلت فيها مصر في نطاق الدولة العلية، دولة بني عثمان، لم تعرف (للموظف العمومي) أو (الخدمة العامة) معنى، فالموظف الذي يعينه السلطان ليكون في خدمة الناس، لم يدخل في قاموس الإدارة العثمانية، في كل أو أكثر إيالاتها وأقاليمها، فالموظف العثماني كان جابيا للأموال، وحارسا للأمن (العثماني) وعدوا لجميع المحكومين فقد كان في عزلة تامة عن الشعب، وكانت شئون الزراعة والصناعة والتجارة وشق الترع والطرق وإنشاء المدارس وتعمير المساجد – فضلا عن بنائها – أمورا لا تساور بال الحاكم، ولا تخطر له على ذهن، وإن وجد ولاة عثمانيون يعمرون في مصر أو الشام، أو بلغاريا، أو صربيا، فهم شواذ لا يقاس عليهم، وغالبا ما يكونون ألبانا أو سوريين، ومن أجناس أخرى تجنست بالجنسية العثمانية.<br />
<br />
فالحكومة في العهد العثماني، أو الأداة الحكومية كانت أداة فطرية بدائية قوامها "الكرباج" ودستورها الإرهاب وهدفها جمع المال، ولذلك كانت بسيطة غاية البساطة، خالية من التعقيد، عرف المحكومون في ظلها أن مهمة الحاكم إفقارهم، ومهمتهم الفرار من هذا الحاكم وخداعه، ولعنه في السر، واتقاء شره في العلن.<br />
<br />
ولما تضعضعت الدولة (العلية)!، وسقط الحكم في أخريات القرن الثامن عشر في أيدي المماليك زالت فكرة (الحكومة) نهائيا عن النظام القائم آنذاك في مصر فلم يعد هناك (حاكم) ولا (حكومة)، وإنما أصبح الأمر عراكا بدائيا سوقيا بين جماعة من (قطاع الطرق) يسمون (أمراء) أو (مماليك)، لا يحترمهم أحد، حتى ولا أنفسهم، وعلى كثرة ما أرهقوا الشعب وضربوا مقومات تجارته وزراعته وصناعته، وعلى فداحة ما ألحقوه بمقام مصر وثقافتها ومكانتها من هوان فقد كانوا أبعد الناس عن حياة الشعب الداخلية والوجدانية، فاضطلع المصري بأمور حياته، مسقطا من حسابه هذه (الطغمة).<br />
<br />
13 – ولما وصل محمد علي إلى سدة الحكم في مصر، كان التطور الروحي في مصر قد بلغ مرحلة من مراحل نضجه، حضرت له دولة (علي بك الكبير) التي ظفرت بنوع من الاستقلال عن تركيا، وحالة الانهيار التي شملت حكم المماليك وأدت إلى تصفيتهم التي عجلت بها الحملة الفرنسية، وأكملتها مذبحة القلعة عندما استتب الأمر لمحمد علي.<br />
<br />
في هذه المرحلة تحركت تقاليد الحكم القديمة في مصر وأصبح للشعب زعماء يطالبون بحقوقه ويدافعون عنه أمام الحاكم سواء أكان البقية الباقية من المماليك أم نابليون بونابرت أم محمد علي نفسه وكان هؤلاء الزعماء من شيوخ الأزهر ونقباء الطرق الصوفية هم المعارضة التي أسلمت الراية لعرابي فتلقفها منه مصطفى كامل ومحمد فريد حتى كانت ثورة سنة 1919 فثورة سنة 1952.<br />
<br />
هذه المعارضة مع مبادئ الحكم التركي هي التي حددت صورة الحكم في عقل الشعب المصري.<br />
<br />
14 – في عهد محمد علي ألقيت بذور (الحكومة) وبدأت هياكلها الأساسية تظهر وبدأ (الموظف العمومي) يوجد واتضحت بجلاء الطبقة التي تدير الأداة الحكومية وترسم سياستها وتعطيها القادة والزعماء وكانت طبقة ضيقة النطاق، محدودة العدد، إذ لم تتجاوز شخص محمد علي وأولاده ومن يستقدمهم من الأجانب سواء أكانوا ألبانا أو أوربيين أكثريتهم الساحقة من الفرنسيين.<br />
<br />
وكما كان نظام الحكم في عهد تصفية النفوذ العثماني والمرحلة الأخيرة لسلطان المماليك بسيطا غاية البساطة لأن جوهره هو انعدام الحكومة بمعناها المفهوم فإن نظام الحكم في عهد محمد علي كان بسيطا كذلك ولكن بصورة أخرى إذ كان يتلخص في أن كل شيء مرده إلى إرادة (محمد علي) فقد اجتمعت في شخصه كل السلطات فكان المشرع والمنفذ والقاضي، وكان هو المالك والزارع والتاجر والجندي.<br />
<br />
ولكن لأنه كان يود أن يؤسس إمبراطورية وكان تأسيس الإمبراطورية يقتضيه إنشاء جيش وأسطول وكان الجيش والأسطول في حاجة إلى مصانع ومخازن ومستشفيات ومدارس وفنيين وكتبة وسجلات فقد نشأت طبقة من الفنيين وعدد غير قليل من الموظفين، وبدأت الحكومة تظهر وتستتب وتتضح ... ولكن ما يهمنا في هذه الحقبة هو أن نستخلص أن الحكومة كانت تعرف سيدا واحدا هو محمد علي وأولاده وقواده ومعاونوه وكان الجميع يعرفون ذلك، فالحكام يمارسون سلطتهم لهذا الغرض وأفراد الشعب يرون هذه الممارسة ويشهدون مظاهرها وهم يعلمون أنه لا نصيب لهم في الحكم ولا حق لهم فيه ولا رقابة لهم عليه.<br />
<br />
15 – وبقي الأمر هكذا حتى جاء عهد إسماعيل فتعقد الأمر نوعا ما وإن بقي على جوهره القديم.<br />
<br />
بقي للحكومة سيد واحد، هو الخديو، وبقيت تخدم طبقة واحدة هي هذا الخديو وأولاده وأقاربه ومساعدوه ومعاونوه وبقي الشعب منفيا عن حظيرة الحكم لا نصيب له فيه، ولا حق له في خيراته، ولا في رقابته.<br />
ولكن جدت مع ذلك أمور منها:<br />
<br />
أولا: أرسل محمد علي من أبناء الفلاحين إلى أوروبا شبانا حصلوا العلم في عواصمها، وعادوا يشغلون بعض الوظائف، ويؤلفون بعض الكتب، وينثرون آراء جديدة.<br />
<br />
ثانيا: سمح الخديو محمد سعيد لأبناء الفلاحين بأن يترقوا في سلك الجيش ووصل بعضهم في عهد الخديو إسماعيل إلى رتب البكباشي والقائمقام، وكان من هؤلاء أحمد عرابي وزملاؤه.<br />
<br />
ثالثا: ازدادت صلة مصر بأوروبا – وكثرت ديون الخديو، وزاد النفوذ الأجنبي، وأخذت السيادة المطلقة (للخديو) على الحكومة تنحسر، ويدخل له شركاء فيه بطريق غير مباشر من الأجانب.<br />
<br />
رابعا: دبت الحياة إلى الحركة الفكرية في مصر، وأصبح الخضوع التام للحكم المطلق، أمرا يناقش بعد أن كان مغلقا، وحرما لا تطؤه الأقدام.<br />
<br />
ففي هذه الفترة توالي صدور الصحف فظهرت جريدة (النحلة الحرة) للويس صابونجي و (الكوكب الدمشقي) لسليم حموي سنة 1870 كما صدرت (الأهرام) لسليم وبشارة تقلا سنة 1875 ثم صدرت مجلة (مصر) الأسبوعية لسليم نقاش وأديب إسحاق في الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة ثم ظهرت مجلة (أبو نظارة زرفا) الأسبوعية للصحفي اليهودي يعقوب صنوع سنة 1877 وفي سنة 1879 أصدر سليم منحوري وإبراهيم اللقاني "مرآة الشرق".<br />
<br />
16 – ولما ثقلت ديون الخديو، وأحب أصحاب الديون وأكثرهم من كبار بيوت المال والمصارف المملوكة للرأسمالية اليهودية العالمية – أن يتخذوا من هذه الديون سبيلا لبسط نفوذ سياسي على مصر، كمقدمة لاستثمارات مالية ضخمة في الشرق العربي، وكتحضير لإقامة نظام استعماري يرث الدولة العثمانية ... ولما حدث هذا كله أصبح من أكبر هموم الدولة الغربية وأهدافها أن تروج للفكر الحديث في مصر، وأن تنشر مبادئ (الليبرالية) الغربية، التي تقوم على برلمان منتخب، وصحافة حرة، ولم يكن قصد الغرب – ممثلا في المصارف وأصحاب البيوت المالية اليهودية – إقامة ديمقراطية صحيحة، وإنما إقامة نظام سياسي يمكنهم من العبث في أحشاء السياسة المصرية والخوض فيها بأصابعهم ولذلك لم يكن غريبا أن يظهر (يعقوب صنوع) الإسرائيلي وأن يؤلف المسرحيات والقصص ويصدر الصحف، يملؤها طعنا في الخديو إسماعيل، ولما أحس إسماعيل بأن أجل سلطانه وافى وأن الغرب سيطبق عليه، وسيضيق عليه الخناق، اضطر اضطرارا إلى أن يسند ظهره للشعب وأن يؤلب العناصر الوطنية على النفوذ الأجنبي المتسلل، وأن يظهر تبرمه من صنائع الغرب أمثال (نوبار) وممثليه الرسميين أمثال (ريفرز ويسلون) و (دوبلنير).<br />
<br />
ونجم عن هذا التطور الذي التهبت وقائعه، وتزاحمت فصوله، قبيل خلع الخديو إسماعيل في 26 يونيه سنة 1879، والذي بلغ قمته بقيام الثورة العرابية، أن الدولة والحكومة لم تعد تخدم سيدا واحدا، فلم يعد الخديو هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيما يعمل وفيما يقال وتنازعت السيادة عناصر عديدة كان منها:<br />
<br />
1 – الأسرة الخديوية وأقاربها وأشياعها من العناصر التركية والشركسية والألبانية، وكبار الموظفين ورؤساء المصالح والدواوين الذين يدينون بمناصبهم ونفوذهم وثرواتهم لأسرة محمد علي.<br />
<br />
2 – أصحاب المصالح المالية من الأجانب.<br />
<br />
3 – الطبقة الجديدة من الوطنيين من أصحاب المزارع وكبار التجار وكبار العسكريين.<br />
<br />
17 – ثم وقعت نكبة الاحتلال فأصبح في الحال هو سيد البلاد الحقيقي وأصبحت الحكومة في خدمته، هو الذي يشرع، وهو الذي ينفذ، وهو الذي يمسك بخيوط القضاء الأصلية.<br />
<br />
ولكن الدولة أو نظام الحكم فقد بساطته التي كان يتمتع بها عهد المماليك وفي عهد محمد علي، فلم تعد فكرة الحكم هي الفوضى والصراع الدائب على السلطة كما كان الأمر في عهد المماليك، ولم تعد الخضوع المطلق لمحمد على أولاده، كما كان الحال حتى 14 سبتمبر سنة 1882، وإنما وجدت دولة حديثة، واتضحت معالم فكرة (الوظيفة) و (الموظف العمومي)، ولكن الاحتلال اضطر أن يدخل في تحالف ثلاثي أو رباعي قوامه:<br />
<br />
أولا: الاحتلال على رأس نظام الحكم، يضع السياسة العامة، ويشرف على تطبيقها ويراقبه.<br />
<br />
ثانيا: الخديو والأسرة المالكة، يحدد لها نطاقا معينا من النفوذ الذي يكاد يخلو تماما من العنصر السياسي، ويقتصر على الثروة الزراعية، وبسط اليد على الأوقاف، والمعاهد الدينية.<br />
<br />
ثالثا: الأجانب عموما، وأصحاب الامتيازات الأجنبية خصوصا، والرأسمال الأجنبي الذي كان يزداد على مر الأيام نموا واتساعا وقوة.<br />
<br />
رابعا: الأرستقراطية المصرية الحديثة الممثلة في العائلات التي رحبت بالاحتلال والتي أقطعها الاحتلال اعترافا بجميلها أراضي واسعة من مزارع الخديو المعروفة بالدائرة السنية.<br />
<br />
وكان يقف على مقربة من هذه العناصر الرئيسية جاليات شرقية تقوم بالخدمات الصغيرة للاحتلال، وجاليات من أوروبا الشرقية الجنوبية (يونان – بلغار – وصرب) وكانت هذه الجاليات تكتسب الخصائص المصرية في معيشتها، لفقرها في الأغلب – وتنتسب إلى الأجانب الأغنياء في أيام المحن والاضطرابات.<br />
<br />
أما الشعب فكان يكافح وسط هذه الغابة المليئة بالذئاب، باحثا عن طريقه إلى السلطة.<br />
<br />
18 – كان لمركب السلطة المعقد الذي حللناه بسرعة أثره في البناء الحكومي وفي كفاية الأداة الحكومية.<br />
<br />
فمما يعين على كفاية الأداة الحكومية أن تخدم سيدا واحدا ولكن حينما يتنازع توجيه الأداة الحكومية أكثر من سيد حتى ولو تفاوت هؤلاء السادة في النفوذ والقوة فإن هذه الأداة تنهك وتعجز عن أداة رسالتها.<br />
ولكن هؤلاء السادة على تعددهم لا تتناقض مصالحهم فيما يتعلق بالأداة الحكومية التي يجب خلقها في العهد الجديد، عهد السيطرة الأجنبية والاحتلال البريطاني. وقد قضت المصالح المشتركة لهؤلاء السادة كالآتي:<br />
<br />
1 – فلاح مستريح البال محدود الرزق لكنه يعرف بالضبط الضرائب المطلوبة منه تحميه الحكومة من الكرباج والسخرة، وتبعده ما استطاعت عن التعليم والثقافة وعن الاتصال بالمدينة، فحكومته هي العمدة وشيخ البلد، وخضوعه المباشر لهما ولصاحب الأرض.<br />
<br />
2 – موظف مصري يعين في الوظيفة بناء على شهادة يحصل عليها تجعله قادرا على القراءة والكتابة وتحد طموحه إلى ما هو أعلى وتوفر له مرتبا مضمونا ومعاشا مكفولا وتحقق له تفوقا على سائر المواطنين من الفلاحين الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون.<br />
<br />
3 – قلة من الموظفين الفنيين المصريين الذين يكونون صلة الوصل بين الموظف المصري والرؤساء الفنيين الأجانب الذين يتزعمون النظام الحكومي ويجلسون فوق قمة هرمه.<br />
<br />
4 – طبقة أرستقراطية مصرية حديثة مدينة بثرائها للاحتلال الأجنبي توزع ولاءها بينه وبين الخديو وتتذبذب بينهما ذبذبة محدودة فهي إن مالت مع الاحتلال لا تعلن الثورة على الخديو وإن مالت مع الخديو لا تعلن الثورة على الاحتلال، وهي في مجموعها تكره انتشار التعليم وتنفر من التطور الوطني.<br />
<br />
وغاية هذا النظام كله خلق اقتصاد وطني قائم على الزراعة ومرتبط بالاقتصاد الأجنبي لا يفكر في الصناعة ولا يقترب منها ويترك التجارة للأجانب على اختلاف طبقاتهم فالعمليات الكبرى من نصيب الدول الغربية القوية (إنجلترا – فرنسا – بلجيكا – ألمانيا)، والعمليات الوسطى من نصيب الدول الغربية المتوسطة (إيطاليا – اليونان)، والعمليات الصغيرة من نصيب الجاليات الأجنبية الصغيرة (أرمن – صرب - .. إلخ).<br />
<br />
19 – وفي ظل هذا النظام لم يشعر الموظف المصري أنه في خدمة الشعب أو في خدمة الوطن ولا أنه موظف عمومي ذلك لأن المصالح اقتصرت على عدد قليل جدا هم أصحاب الأطيان وهؤلاء لا يتعاملون تقريبا إلا مع مهندس الري ومأمور البوليس، وهم لا يحتاجون لأن يطلبوا فالأداة الحكومية موضوعة أساسا في خدمتهم بالريف لأن مصلحة النظام تقضي عليه أن يكون القائمون على أمر الزراعة هانئي البال لا يساورهم قلق، ولكنا سنرى أن الأمر لن يبقى على هذا المنوال فإن العناصر الوطنية ستتحرك، وشعور هذه العناصر بأن الأداة الحكومية غريبة عنها سيشتد ولذلك ستبدأ الإدارة الحكومية بالانتقال من دور الركود الهادئ السعيد إلى دور التمزق حينما يحاول جانب من السادة جذبها إليه وإخضاعها لإرادته والتوسل بها إلى غاياته ومصالحه.<br />
<br />
20 – وإذا كنا قد قسمنا محاولة التعرف على أصل الداء إلى أقسام ثلاثة، أولها: لمن تعمل الحكومة. <br />
<br />
وثانيها: بمن تعمل الحكومة، فقد يحسن أن ننتقل الآن إلى هذا القسم الثاني، ولكن على ألا يفوتنا أن ننبه إلى أن القسمين متداخلان، فإن كنا سنتكلم عن العناصر التي تعمل بها الأداة الحكومة فسنضطر إلى العودة للحديث عن الذين تخدمهم هذه الأداة.<br />
<br />
جاء الاحتلال البريطاني، ونمت المصالح الأجنبية، واتصلت مصر بالأفكار الأوربية الحديثة ونشأت الأرستقراطية المصرية التي منحها الاحتلال أراضي زراعية واسعة فوقفت جنبا إلى جنب مع الأرستقراطية التركية التي منحتها عائلة محمد علي المساحات الشاسعة فماذا كان انعكاس هذا كله على الأداة الحكومية؟<br />
كان أثر هذا التعدد في أصحاب السلطة الذين تخدمهم الدولة أن تحولت الأداة الحكومية إلى ما يشبه مرقعة البهلوان، وإليك البيان.<br />
<br />
21 – كانت اللغة التركية طوال حكم محمد علي هي اللغة الرسمية للبلاد تكتب بها الأوامر العالية ثم تترجم إلى اللغة العربية كما تجري بها المكاتبات بين المصالح ثم بدأت اللغة العربية تجاورها في استيحاء، فلما حل عهد الاحتلال أصبحت لمصر أكثر من لغة رسمية، فالسراي الخديوية تتكلم باللغة التركية التي تتخاطب بها أيضا قصور الأمراء وأصهارهم وأنسباؤهم والعاملون معهم والمرتزقون منهم، وكانت لهذه القصور تقاليدها الخاصة بها مظهرها الخارجي: الحرملك، السلملك، الأغوات، الكلفوات واليشمك.<br />
<br />
وكانت اللغة الفرنسية لغة رجال السياسة والحكم والقانون تصاغ بها القوانين ثم تترجم إلى العربية ويتخاطب بها رؤساء النظار والنظار (الوزراء) وتزاحم التركية في القصور والصالونات، ثم جاءت اللغة الإنجليزية فأصبحت لغة التعليم ولغة مصالح معينة، المتصلة بالمواصلات والصحة والأمن العام والجيش.<br />
<br />
وتأتي في الذيل اللغة العربية وكان قد أنهكها وهلهل نسيجها الجهل الذي ران على مصر طوال العهد العثماني والعهد المملوكي، وقد نشأت لغة (دواوينية) تكونت من خليط تركي وأوروبي وعامي.<br />
وقد ظهر هذا (التربيع) في كل ناحية من الحياة، فمن آثاره أن القصر الخديوي كان يضم (الديوان التركي) و (الديوان الإفرنجي) و (الديوان العربي).<br />
<br />
كما كان في مصر أكثر من تقويم (فالتقويم الهجري) هو التقويم المعتبر رسميا وإلى جانبه (التقويم الميلادي) في التجارة وشئون المال وفي الزراعة والريف يعمل (بالتقويم القبطي).<br />
<br />
وقام في مصر أكثر من نظام قانوني وقضائي، وكانت الشريعة الإسلامية أو المذهب الحنفي هو الأساس التشريعي والقانوني للبلاد ثم جاء التشريع الفرنسي (قانون نابليون) ابتداء من سنة 1883، وكان للعربان في الصحراء قانونهم ونشأت على مر الأيام أحكام خاصة بالجيش سميت قانون الأحكام العسكرية لم تزد عن كونها أوامر سردار الجيش المصري الذي أصبح الحاكم العسكري للسودان، وكان يملك بهذه الصفة أن يشرع في السودان فامتد تشريعه إلى الجيش المصري، ثم وضعت قوانين خاصة بالأجانب في المسائل المدنية والتجارية وإجراءات التقاضي وكان لأبناء الطوائف الدينية من غير المسلمين قوانينهم الخاصة التي تفصل في منازعات الأحوال الشخصية وقد كثرت هذه المحاكم إلى حد بعيد.<br />
<br />
وترتب على هذا أن وجدت المحاكم الشرعية والمحاكم الأهلية والمحاكم المختلطة ومجلس العربان والحدود وعدد لا يحصى من مجالس البطركخانات والحاخامانات ومحاكم الأخطاط في القرى والمجالس الحسبية المختصة بشئون القصر والتركات والقوامة والوصاية والوكالة عن الغائبين كما كان للقنصليات الأجنبية حق محاكمة رعاياها في الجنايات والجنح التي تقع في مصر.<br />
<br />
وترتب على هذه الفوضى التشريعية والقضائية أن المنازعة القانونية الواحدة يمكن أن تتصدى للفصل فيها أكثر من محكمة: الأهلية – والشرعية – والمختلطة والمجالس الملية .. وقد يطول النزاع لهذا السبب نصف قرن ثم لا يفصل فيه.<br />
<br />
وإذا كانت القضية جنائية اشترك فيها مصريون وأجانب – حاكمت المحاكم المصرية بعضهم والمحاكم القنصلية البعض الثاني والمحاكم الأجنبية البعض الثالث، ولما اتسع النشاط الأجنبي المالي والاقتصادي في بلادنا وجدت أنظمة اقتصادية مختلفة ومتناقضة، فإلى جانب الوقف والحكر وجدت الشركات المساهمة وشركات التوصية وذات المسئولية المحدودة كما وجدت البنوك وعرف نظام الرهن الحديث مع (الغاروقة) وبقيت الأطيان (العشورية والخراجية).<br />
<br />
22 – وبالجملة وجد مجتمع متحلل منفصل بعضه عن بعض تملأ لغة حياته اليومية وعمله ألفاظ لكل منها تاريخ خاص وأصل مستقل: من ذلك (الفرمان) و (الديكريتو) و (الويركو) والأمر العالي والإرادة السنية والمرسوم والخديو والحكمدار والخازندار والباشمهندس والباشكاتب والأمباشي واليوزباشي والبكباشي والقومندان والكمساري ويحدث أن يسمى الشيء الواحد بأسماء متعددة فالمستشفى هي (الأشلا) وهي (الاسبتالية) وهي الشفخانة (الشفخانة بالتركية هي المستشفى وأطلقت في مصر على دور العلاج للحيوان فقط) والقهوة هي البورصة والكلوب والكازينو.<br />
<br />
وإلى جانب الكتبخانة والأجزخانة واليمكخانة توجد (الكوبانية) و (الفاوريقه) و (الوابور) وفي المدرسة كنت تسمع (الألفة) و (الخوجه) و (البرنجي) إلى جانب السبورة والمؤشر والناظر.<br />
<br />
كما كنا نسمع المكوجي والعربجي والبرمجي والعصبجي إلى جانب الكوماندة والمعلم والأسطى، وهكذا وهكذا خليط يقابلك في كل شيء ولكنه كان أسوأ أثرا في التعليم والثقافة فالأزهر ومدارس المعلمين الأولية الفرير والجزويت ومدارس الليسيه الفرنسية العلمانية ومدارس البعثات والإرساليات الأمريكية ومدارس الإنجليز ككلية فكتوريا وأشباهها.<br />
<br />
فأية أداة حكومية يمكن أن تخرج من تلك الأشلاء المتناقضة والبقايا المتناثرة من أنظمة ومؤسسات حديثة لم تثبت في الأرض ولم تستقر في البيئة، وأي جهاز بشري يمكن أن تستخدمه الأداة الحكومية والمجتمع كله لا يتسق بناؤه بعضه مع بعض، يعيش فريق منه في الماضي السحيق وفريق في أوربا المتطورة، ويتلقى ثقافته وأساليب حياته من أكثر من مصدر ويتبع في تجارته وزراعته وتفكيره وتعليمه وبيته وشارعه ومقهاه طرائق متناثرة.<br />
<br />
كان حسبك أن تتعدى ميدان العتبة الخضراء إلى أحياء الدرب الأحمر والجمالية وباب الشعرية حتى تشعر أنك تجاوزت القرن العشرين بكهربائه وعربات الترام والسيارات وميدان الأوبرا إلى القرن السابع عشر والثامن عشر حيث تجد (السقا) يحمل الماء إلى البيوت في قرب وهو يصيح "يا ساتر" وبدلا من أن تجد الطبيب المولد تجد "الداية" والحلاق، وبدل أن تجد الشوارع الممهدة تجد الحواري الملتوية والدروب المسدودة لا ينيرها مصباح ولا يحرسها في المساء عسكري بل خفير بلبدة ونبوت والأطفال تزحف فيها نصف عارية على بطونها وجوههم أسراب الذباب.<br />
<br />
23 – مثل هذا المجتمع المفكك الذي لا يلتحم أجزاؤه لا تصلح له أداة حكم واحدة لأنه في الواقع عدة مجتمعات لا مجتمع واحد بل لعله عدة دول منها دولة الأتراك الذين يعيشون وراء أسوار تقاليد متصلبة قوامها الثراء المنتزع بغير جهد مع غطرسة وجهل، ودولة أو دول الأجانب الذين ينظرون إلى البلد كمجال للاستثمار ومزرعة للمواد الأولية التي تلزمهم وإلى أفراد الشعب كأيد عاملة رخيصة، وإلى الوطن كله كماض عظيم وجب عليه أن يخلي طريقه لحضارتهم، ثم دولة كبار الأغنياء المصريين الذين يعتقدون أن أداة الحكم مهمتها توفير المياه لأراضيهم وحماية مزارعهم وأشخاصهم، ودولة الموظفين الذين يحمدون الله أن نجاهم من الحظوظ المقسومة لأقاربهم وذويهم من الفلاحين الذين لا يجدون إلا الإهانة والإهمال والتنديد بغبائهم وجهلهم ورذائلهم التي يبالغ الجميع في تجسيمها وإبرازها، أما هؤلاء الفلاحون والعمال فلهم دولة غير قائمة ولكن الجميع يحسون في أعماق وجدانهم بها وبأنها أشد هذه الدول خطرا لو غفلت الدول الأخرى عنها فهي لا بد أن تبقى محاصرة من كل جانب وإلا أطاحت بهذه الدول عن بكرة أبيها، ولما كان قوام الأداة الحاكمة هم الموظفون، ولما كان الموظفون قد تزايد عددهم في ظل النظام الجديد – نظام الاحتلال والامتيازات الأجنبية – وكانت مرتباتهم تستهلك 35% من الميزانية (بلغت في بعض الأحايين 50%) وكانت نسبتهم إلى القوى العاملة تجاوز الثلث وكانت الطبقات التي تحدد مرتباتهم ومكافآتهم هي الاحتلال والأجانب والمنتمون إلى الخديو والسلطان والوزراء، فقد أحسوا بانتمائهم إلى هذه الطبقات، وشعروا أن المطلوب منهم أن يرضوا سادتها، فتضاءلت عندهم فكرة الخدمة العامة، وثبت لهم أنهم من الطبقات الممتازة، وأدركت الطبقات الممتازة الأخرى حاجتها إلى هؤلاء الموظفين فأرضتهم ما استطاعت فأصبحوا قوة يحسب لها أكبر حساب.<br />
<br />
24 – فإذا أردنا أن نرسم للأداة الحكومية في ذلك العهد صورة إجمالية قبل أن ننتقل إلى الخطوة التالية وجب أن نرسم هذه الصورة منظورا إلى الأداة الحكومية من وجهة نظر السواد الأعظم للشعب، ومن هذا الجانب تبدو لنا خصائص هذه الأداة على الوجه التالي:<br />
<br />
1 – هي أداة أجنبية كانت تركية ثم أصبحت محكومة بالإنجليز والأتراك والأجانب ومن يتبعهم.<br />
2 – فهي عدوة لا تنطوي على حب للشعب ولا على احترام للمحكومين.<br />
<br />
3 – وهي قاسية لا يرى منها العامة في الريف إلا الصراف الذي يجبي الأموال ويحجز على المحاصيل، أو مهندس الري الذي يحرر مخالفات قطع الترع والجسور، وعسكري النقطة الذي يضرب، ومفتش الصحة، ومفتش الزراعة، وحتى المدرس في المدرسة الجميع متجهمون ويحررون محاضر مخالفات أو يضربون ويسبون ويلعنون، فليس في موظفي الحكومة واحد فقط يأتي للمواساة والمشاركة أو المنح والإعطاء، ولا يستثني من ذلك خطيب المسجد فهو ينذر بالويل والثبور، ويبشر بعذاب الجحيم.<br />
<br />
4 – الأداة الحكومية نهابة أخاذة تستولي دائما وتحدد دائما وتضيق دائما وتكذب كثيرا.<br />
<br />
5 – ثم هذه الأداة الحكومية لا تعيش معهم ولا يعرفون مقرها ولا يفهمون خططها وأساليبها لأنها تقيم في مصر وكلما علت شكواهم هز الموظفون الذين ينفذون أوامرها أكتافهم ويقولون (هذه أوامر الحكومة).<br />
<br />
6 – الأداة الحكومية لا تتفاهم معهم فهم مأمورون أن يوقعوا على أوراق ونماذج وطلبات وعرضحالات لا يفهمون ما فيها ولا المبرر لكتابتها، فالقانون فوق أفهامهم ولا فائدة من الشرح والإبانة لهم.<br />
<br />
ويمكن لأي إنسان أن يستنتج ماذا يمكن أن تكون آثار هذه العلاقة لأي إنسان أن يستنتج ماذا يمكن أن تكون آثار هذه العلاقة بين الأداة الحكومية والناس وكيف أن مثل هذه الأداة لا يتيسر لها أبدا أن تقوم بعمل مثمر، ولا أن تؤدي وظيفتها المطلوبة أصلا.<br />
<br />
25 – كان المجتمع المصري، في الوقت الذي حلت فيه بالبلاد كارثة الاحتلال، مجتمعا يشكو من هذا الانفصام الروحي والفكري، الذي ذكرنا بعض صوره، وقد كان عمق هذا الانفصام أن المجتمع المصري مر في أقل من مائة سنة بتجارب وتطورات سياسية وإدارية وثقافية، سريعة وحادة، ولم يتح لواحدة من هذه التجارب أو (التقلبات) الوقت الكافي، والمناخ المواتي، لتصل إلى أعماق الوجدان المصري، فكانت كلها ألوانا خارجية، ولكنها مع سطحيتها، كانت حائلا دون تكامل المجتمع، وتماسكه.<br />
<br />
فقد تدهور المماليك في أخريات القرن الثامن عشر، حتى أصبحوا قطاع طريق، ونجحت "مشاجراتهم" على الحكم في صرف الشعب المصري نهائيا عن تتبع هذه المشاجرات، اكتفاء باتقاء شرها، أو محاولة وضع حد لعدوانها على حقوقهم بالاستعانة بعلماء الأزهر ومشايخ الطرق الصوفية.<br />
<br />
2 – ثم جاء نابليون بونابرت وحملته، فكان هذا طورا جديدا في حياة المصريين، ولكنه كان طورا طريفا، ومثيرا فقد كان نابليون وضباطه أول طغاة يعرفهم المصريون منذ عهد الحملة الصليبية في أوائل القرن الحادي عشر من غير المسلمين، وكانت أسلحتهم جديدة وأسلوب حياتهم مخالفا كل المخالفة، للأساليب التي رأوها، وسمعوا عنها، وخبروا الكثير حولها، وفي هذه الفترة كان المصريون يقودون ويتعلمون ويفكرون، وبدأت ملامح جديدة للإدارة تبدو لهم، وتحملهم على توسيع أفق تفكيرهم.<br />
<br />
3 – وجاء في أعقاب ذلك، محمد علي، وكانت الثورة على نابليون، قد تدفقت لها في عروق الشعب المصري دماء جديدة، غير تلك الدماء الراكدة التي أسنت في عهد المماليك، وفي هذا الطور، ولدت الدولة المصرية وولد الجيش المصري النظامي، وولدت الحكومة المركزية التي تمسك في يدها بجميع الخيوط: الإدارة والاقتصاد والجيش والسياسة ووجدت هذه التفرقة التي تلازم كل حكم واضح المعالم مستقر: التفرقة بين الحكام والمحكومين.<br />
<br />
فابتداء بعهد محمد علي، وجدت طبقة حاكمة مستقرة ثابتة، تبسط يدها على المدن والقرى، على الجيش والمدنيين على الفلاحين والتجار، فاكتمل عند الشعب شعور المحكومين، بعد أن كان الأمر في عهد المماليك، شعور المهددين في أرزاقهم وحياتهم من طغمة ليس لها صفة الحاكم، بقدر ما تحمل من خصائص اللص.<br />
<br />
وقد ازداد شعور المصريين بكونهم (محكومين) كلما مرت الأيام، وأحسوا أنهم ممنوعون من الوصول إلى مناصب الحكام.<br />
<br />
26 – لكن هذه الصورة الحادة الملامح لم تلبث حتى فقدت وضوحها، فبعوث محمد علي – كما سبق القول – زادت صلات مصر بالغرب، فقد عاد الشبان المصريون من أوربا، واستعين بهم في الوظائف، وألفوا الكتب ولم تعد سلطة الوالي، في القوة التي وصلت إليها سلطة محمد علي، وزاد نفوذ الأجانب، واتجه سعيد إلى الفلاحين وأصدر اللائحة السعيدية التي منحتهم حقوقا أوسع نسبيا مما كان لهم في عهد محمد علي وإبراهيم وعباس، وسمح لأولاد الفلاحين في الجيش بأن يصلوا إلى رتبة الأميرالاي أو القائمقام، وزادت الوظيفة الحكومية وضوحا، كما زاد ما كان يساور المصريين في عهد محمد علي من التأمل في الحكم ووظائفه، ونقده، الأمر الذي وجدنا إرهاصاته في يوميات عبد الرحمن الجبرتي، وازداد، عندما أصبح في مقدور أحمد عرابي أن يقرأ ترجمة حياة نابليون، في نسخة مهداة من الخديو سعيد نفسه.<br />
<br />
فلما حل عهد الخديو إسماعيل، وغازل بعض الأفكار الحديثة، فأصدر في سنة 1866 لائحة مجلس شورى القوانين، وعلى الرغم من أنه كان مجلسا أبعد ما يكون عن أن يكون مشاركة من الشعب في الحكم، فإنه كان بلا شك تطورا عظيما في هذه المرحلة من مراحل التاريخ المصري الحديث، فلما توالت الأحداث، وأحس الخديو إسماعيل أن سلطان تركيا، والإنجليز، والفرنسيين، قد تحالفوا على خلعه، وسع في سلطات الشعب، فأنشأ في سنة 1878 مجلس النظار، ثم وضع محمد شريف رئيس النظار لائحة لمجلس نيابي جديد، تعتبر بالنسبة لسلطات مجلس شورى القوانين قفزة إلى الأمام، وفي هذا الدور بدأت الصحافة تكتب وتنقد واشتد شعور الطبقة المحكومة، بالحرمان الذي تعانيه، وعقدت العزم، على أن تشارك الحكم، وعلى أن تراقب الحاكم، وأن تجعل الحكومة في خدمة الشعب لا سيدة له مسلطة على أقداره.<br />
<br />
27 – فلما وقع الاحتلال في سنة 1882 تكامل وضوح صورة الوظيفة الحكومية، فوجدت وظائف متميزة ذات اختصاصات محددة، فوجد المهندسون والقضاة ورجل النيابة، وعلماء الأزهر، ومدرسو المدارس الابتدائية والثانوية ومدرسو المدارس العليا وكان أهم تطور في هذا العهد، أن الالتحاق بالوظيفة وشغلها أصبح بمقتضى الحصول على مؤهل دراسي خلافا لما نص عليه الأمر العالي الصادر في 10/ 4/ 1883 والذي توالت تعديلاته في سنة 1885 وفي سنة 1888، 1893، و 1895 ... حتى انتهت هذه التعديلات بصدور الديكريتو الخاص بلائحة المستخدمين الملكية، في مصالح الحكومة في 24 من يونيو سنة 1901 وبعد أن كانت الأوامر العالية السابقة على هذا الديكريتو تنص على وجوب إجراء امتحان للراغبين في شغل وظائف الحكومة وأن الناجحين في هذا الامتحان هم الذين يحق لهم أن يشغلوا الوظيفة الشاغرة، أصبح لكل وظيفة في الحكومة مؤهل يعتبر جواز مرور إليها، فرجال النيابة والقضاة يجب أن يتموا التعليم في مدرسة الحقوق الخديوية، والمهندسون في مدرسة المهندسخانة، والمدرسون في مدرسة المعلمين العليا، أو في مدرسة دار العلوم والأطباء في مدرسة الطب، ثم أنشئت مدرسة الزراعة العليا، والطب البيطري، كما أنشئت معاهد فنية كمدرسة الفنون والصنايع، ومدارس الزراعة المتوسطة، ثم أنشئت أخيرا مدرسة التجارة العليا لتخريج الموظفين الإداريين والكتابيين ثم الوظائف المتوسطة والعليا.<br />
<br />
28 – وإذا أرادنا أن نحصر الملامح الأساسية للأداة الحكومية في عهد الاحتلال البريطاني لوجدنا أن أهم هذه الملامح:<br />
<br />
أولا: صدور قانون عام للوظيفة الحكومية على اختلاف النظارات (الوزارات) والمصالح والدواوين التي تتبعها الوظيفة، فالتعيين والنقل والترقية والتأديب والإحالة إلى المعاش، لها جميعا دستور واحد يخضع له جميع الموظفين سواء أكانوا مدرسين أو أطباء أو مهندسين.<br />
<br />
ثانيا: إنشاء نظام واحد لبناء الأداة الحكومية، يشمل الوظائف من أدناها إلى أعلاها، ويقسمها إلى فئات أو درجات أو سلالم، ويحدد مرتبات أصحاب هذه الوظائف في مختلف هذه الدرجات، وسمى هذا النظام بالكادر اقتباسا للفظ الفرنسي، وقد شاع هذا اللفظ وذاع، وأصبح من أشهر الألفاظ وأكثرها تداولا.<br />
<br />
ثالثا: تقررت لمجلس النظار الذي سمي بعد ذلك بمجلس الوزراء، سلطة استثنائية في العزل والتعيين، يتحرر بفضلها من قيود القوانين الحاكمة والضابطة للوظيفة الحكومية في التعيين والنقل والترقية والإحالة إلى المعاش.<br />
<br />
رابعا: نشأت إلى جانب (الكادرات) العامة، على مر الأيام خاصة لبعض الوظائف، كالقضاة، والسلك السياسي، ورجال الجيش.<br />
<br />
29 – لكن سرد هذه الخصائص العامة للأداة الحكومية في عهد الاحتلال لا قيمة له إلا إذا أحطنا علما بالخصائص الروحية الملابسة للأداة الحكومية في هذا الطور من تاريخنا الإداري.<br />
<br />
ويمكن أن نطلق على هذه الخصائص الأسماء الآتية:<br />
<br />
أولا: عهد الفارس بلا رأس.<br />
<br />
ثانيا: دولة الموظفين وأرباب المعاشات.<br />
<br />
ثالثا: الحمل الثوري.<br />
<br />
رابعا: الإجهاض الدستوري.<br />
<br />
عهد الفارس بلا رأس<br />
<br />
30 – لما كنا أطفالا شاهدنا سلسلة من سلاسل الإثارة والمغامرات البوليسية اسمها سلسلة (الفارس بلا رأس) كان بطلها فارسا مغوارا، لا يقتله رصاص البنادق، ولا طعنات الخناجر، ولا لهيب النيران، وكان يتجول هيكلا بشريا يحارب ويقاتل، يقفز ويقتحم الأبواب المغلقة، فله ذراعان قويتان، وساقان مجدولتان، ولكنه بلا رأس، وكان الكشف عن هذا السر المعمى، هو قمة الإثارة في نهاية السلسلة، لمن يطول صبرهم حتى تكمل حلقاتها الثلاثون.<br />
<br />
وكان في مصر، فارس بلا رأس، ولد عندما ولدت الوظيفة الحكومية بمدلولها الحديث واستمرت حياته طويلا.<br />
فالبناء الحكومي، تشكل في قاعدة واسعة من الوظائف الصغيرة، تعلوها طبقة أقصر قطرا من وظائف أكبر شأنا، حتى ينتهي الهرم في الوزارة، برئيس واحد، هو الوزير رأس هذا الهرم.<br />
<br />
وكان متقضى هذا البناء، أن يكون هذا الوزير صاحب أكبر سلطة في الوزارة، وأن يكون رأسها المفكر، وعقلها المدبر، وقلبها النابض.<br />
<br />
ولكن الملابسات السياسية، وحقائق توزيع السلطة في البلاد منذ عهد محمد علي إلى أن جلا الاحتلال البريطاني عن بلادنا تؤكد أن السلطة الحقيقية كانت دائما في غير يد الوزراء.<br />
<br />
وكان محمد علي هو الآمر الناهي، المانح المانع، المذل المعز، وكان الجميع يأتمرون بأمره وينفذون مشيئته، فلم يكن له وزراء، واستمر الحال على هذا المنوال، حتى كان عهد الخديو إسماعيل، وبدأ ميلاد النظارة أو الوزارة، ولم يكن في أيامه من يشاطره السلطة، أو يتلقى منه بعضها ليمارسها باسمه، إلا رجل واحد هو إسماعيل باشا المفتش الذي أسرف في استعمال هذه السلطة، حتى أشفق الخديوي على نفسه من نمو نفوذه، فاغتاله بليل، على صورة تضاربت فيها أقوال المؤرخين.<br />
<br />
فلما دنت نهاية الخديو إسماعيل أصبح للوزراء سلطة ضيقة النطاق في أمور نظارتهم التي كانت بسبب حداثة ميلاد هذه الوزارات، قليلة الشأن.<br />
<br />
فلما جاء الاحتلال، وتوفي الخديو توفيق، وولي الحكم، الخديو عباس الثاني وأوهمه شبابه، وتأثره بالزعيم "مصطفى كامل" أنه يستطيع أن يخرج على سلطة الاحتلال، أرسل وزير الخارجية البريطانية برقية مشهورة أعلن فيها، أن على الوزراء المصريين، أن يسمعوا ويطيعوا، لمشورة ممثل الاحتلال البريطاني.<br />
<br />
فأصبح الوزراء، بلا سلطة، وبدأ الفارس الذي يعمل بلا رأس، حياته بصورة علنية في مصر.<br />
<br />
فكان الوزراء موظفين إداريين كبارا، لا يؤذن لهم بإقحام أنفسهم في شئون السياسية العامة للدولة ولا في الشئون العامة للوزارة، فلم يبق أمامهم إلا ميدان واحد يصولون ويجولون فيه، هو تصريف شئون صغار الموظفين، والمتوسطين منهم، بالترقية والنقل، وأصبح في المواسم المعروفة في بلادنا، ما سمي بحركة تنقلات الموظفين ولما كانت هذه الحركات، هي ما ينفس به الوزراء عن أنفسهم، فقد أسرفوا في هذه الحركات، فإذا نشرت في الصحف، ملأت أنهارا منها، وتخاطف الموظفون أعدادها وقرأوه، ثم شغلوا بها أياما طويلة، حتى يصدر الوزير الجديد، أو الوزير نفسه، حركة أخرى.<br />
<br />
31 - @@ ولكي نفهم لماذا خلق (الفارس بغير رأس) يجب أن نذكر أن للاحتلال البريطاني دستورا غير مكتوب منذ جثم في بلادنا، وتقضي أحكام هذا الدستور بالآتي:<br />
<br />
1 – السياسة الخارجية من حق سلطات الاحتلال البريطاني العليا وحدها.<br />
<br />
2 – السياسة المالية والاقتصادية من حق سلطات الاحتلال البريطاني العليا وحدها.<br />
<br />
3 – الشئون الكبرى في الوزارات والدواوين يضعها المستشار البريطاني في الوزارة وينفذها الوزير بلا معارضة ولا مناقشة.<br />
<br />
4 – الشئون ذات الأهمية الخاصة يفصل فيها الموظفون البريطانيون في الوزارات المختلفة كمفتش الداخلية والمالية.<br />
<br />
5 – منا عدا ذلك يمارسه الوزراء.<br />
<br />
6 – للخديو سلطة مطلقة في الأوقاف والمعاهد الدينية.<br />
<br />
وقد ترتب على تطبيق هذا الدستور أن الوزراء أسرفوا إسرافا شديدا في تتبع المسائل الصغرى، من تعيين الفراشين والسعاة، ومن الموافقة على شراء مكنسة وأوراق للكتابة.<br />
<br />
وأصبحت هذه الظاهرة (عاهة مستديمة) تلازم الأداة الحكومية وقد أعيت نطس الأطباء، فقد حاول هؤلاء الأطباء أن يعالجوها بما سمي باللامركزية وبما سمي بإنشاء مجالس المديريات والمجالس البلدية، والقروية، وبتخفيف الروتين الحكومي أو تبسيطه، أو هز الأداة الحكومية، فأخفقت هذه المحاولات جميعا.<br />
<br />
فإن الوزراء الذين روى التاريخ أن أحدهم قال عندما عرضت عليه أوراق ليوقعها أشار بيده إلى خاتمه الموضوع فوق مكتبه: هاك الوزير، فوق المكتب، وقع به ما تشاء هؤلاء الوزراء الذين حرموا من السلطة الحقيقية على هذا الوجه كان من العسير فطامهم عن التشبث بفتات هذه السلطة، المتساقط من مائدة المعتمد البريطاني مثل كرومر وكتشنر، ومائدة المستشارين البريطانيين أمثال دنلوب وسكوت، وكبار الموظفين أضراب كيون بويد ورسل.<br />
<br />
كان لا بد لإنقاذ الأداة الحكومية من استئثار الوزراء وكبار الموظفين بالتافه والحقير والتفصيلي من الأمور، أن يدربوا على التفكير في السياسة العامة، وأن يتذوقوا أطايب هذا التفكير، ويتحملوا متاعبه.<br />
ولكن الأمور لم تسمح لهم بذلك.<br />
<br />
فإن الاحتلال اضطر أن ينزل شيئا فشيئا عن بعض سلطات المعتمد البريطاني أو المندوب السامي، أو السفير البريطاني، وهي أسماء لممثل الاحتلال تغيرت على الزمن، فما كان ينزل عنه، يخطفه في الحال، الخديو أو السلطان أو الملك، ليبقى الوزراء، موظفين إداريين كبارا، لا يعرفون ما هي السياسة العامة ولا يتذوقون طعمها ولا يقوون على أداء تكاليفها.<br />
<br />
فبعد تصريح 28 فبراير، أصبح (الملك) أو (السراى) هو صاحب السلطة الحقيقية فيما تخلى عنه الإنجليز، وبات معروفا أن حسن نشأت أو زكي الإبراشي أو أحمد حسنين وأخيرا محمد حسن، وبوللي، وأمثالهم، هم صانعو السياسة العامة وموجهو الوزارات الحقيقيون – وأن أوامرهم تصدر من ناد ليلي، أو عوامة، أو ... أو ... <br />
فإذا انحسرت سلطة الملك لفترة تدوم شهورا، انتقلت السلطة إلى رئيس الوزراء، ولكنها لا تلبث حتى تسترد منه، ويقال ويحل عليه غضب (السراى).<br />
<br />
كان هذا التراث الإداري، عقدة العقد في إصلاح أداة الحكم.<br />
<br />
فكل من سولت له نفسه في الماضي، أن يهاجم (الأسد) في عرينه، نكص على عقبيه لأن الأسد، يبطش به في التو، فيرديه قتيلا، أو يرده مذعورا والأسد هنا، هو الهيام الشديد بالتنفيذ دون التخطيط، وبالتفاصيل دون العموميات، وبما يعلن عنه، ويشار إليه دون الباقي العميق، في القواعد التي هي بطبيعتها أطول عمرا، وأنفع للناس.<br />
<br />
ولا تحسبن أن الثورة لم تعان من هذا البلاء الإداري اللعين، بل إنها اصطلت بناره وشكت منه مر الشكوى، فقد أنشئت مجالس للتخطيط، فغرقت حتى الأذنين في التنفيذ، وأصبح هناك وزارتان وزارة مواصلات مثلا، ووزارة مثلها في المجلس الذي افترض فيه أن يترفع عن التنفيذ وينأى عنه ويحاول أن يكابد التخطيط ويضع السياسة، ويدع لغيره أن ينفذها، ويتابعها، ويمولها ولقد أعانت التقاليد الصحفية في بلادنا على تأصيل هذه العادة، وتثبيتها، فقد درجت الصحف على تعويد قرائها على متابعة أخبار تافهة مثل استقبال الوزراء لزملائهم أو لمرؤوسيهم أو توقيعهم على قرارات وزارية، أو نقل موظفين أو تفتيش مصلحة، أو تأديب موظف.<br />
وأصبح الوزير الخطير في نظر الرأي العام، هو من يكتب عن مقابلاته، وزياراته وحركة تنقلاته، وأحيانا عن أخباره الخاصة، وهي أمور بطبيعتها لا تهم أحدا، ولا يجب أن تهم أحدا، ولو نظرت في صحف العالم الكبرى لما وجدت هذا الهذر التافه، في أنهارها، إلا أن تكون أنهارا أعدت للتسلية والترفيه مما يسمى (ثرثرة).<br />
<br />
فلو اقتصرت الصحف في الماضي على نشر صور الوزراء، إلى جانب الأعمال الوزارية الهامة ولو ناقشت القوانين والأفكار المتصلة بالسياسة العامة، لأعانت الوزراء على الانشغال بالسياسة دون التنفيذ وبالعموميات والكليات، دون التفاصيل، وبالأفكار دون الأشخاص وبالباقي في الأمور دون العابر الذي يستهلكه مر الأيام القليلة.<br />
<br />
32 – وقد انعكس أثر هذه العاهة الإدارية على المجالس التي يوحي اسمها بأنها مجالس السياسة العليا، وعلى رأسها مجلس الوزراء.<br />
<br />
فقد مر بنا أن مجلس الوزراء استثنى من الخضوع للقواعد الخاصة بالوظيفة، وأن من حقه أن يفصل من الموظفين كبارا وصغارا من يشاء بلا قيد ولا شرط فأصبح من الأعمال المفضلة لهذه المجالس أن تفصل كبار الموظفين المنتمين إلى خصوم الوزراء، وتعيين أقاربهم وأصدقائهم وأنصارهم، ولما هبط المستوى الفكري والروحي في هذه المجالس إلى هذا الدرك امتلأ جدول أعمال مجلس الوزراء بمئات من المسائل والأمور الصغيرة التي لا تليق بالمجلس، والتي لا تستأهل دراسة عليا، ولكن لارتباط هذه الشئون بمصالح الوزراء وعائلاتهم، وبما يشغل ذويهم عادة، أصبحت على السطح، واستأثرت بالكثير من الاهتمام، ولقد عملت الحكومة منذ سنة 1952 على تنقية أعمال هذا المجلس من هذه التوافه ليفرغ للكبير من الأعمال، ولوضع السياسة العامة، وتخطيطها.<br />
<br />
فعهد (الفارس بلا رأس) هو العهد الذي باضت فيه وأفرخت، عيوب الأداة الحكومية، وكل تفكير في معالجة هذه الأداة، يجب أن يبدأ بالتأمل في آثار هذا العهد، وفي الوقوف في طريقها، ليحد من استفحالها، حتى يقتلعها من جذورها.<br />
<br />
دولة الموظفين وأرباب المعاشات<br />
<br />
33 – قلت فيما سبق إن سعد زغلول، شكا من الضغط الذي كان يقع عليه، من السراى، ومن الإنجليز، ومن الموظفين.<br />
<br />
ولكن لكي نفهم هذا القول يجب أن ننظر في جدول صغير يبين لنا ميزانية الدولة في سنة 1930 مثلا، وما يستولي عليه الموظفون في هذه السنة من تلك الميزانية كأجور – فضلا عن المعاشات وإعانات غلاء المعيشة.<br />
كانت الميزانية في وكانت الأجور والمرتبات <br />
<br />
1930 29 مليونا 14 مليونا <br />
<br />
1940 42 مليونا 15 مليونا <br />
<br />
فلما كانت سنة 1952 بلغت 206 مليونا وبلغت الأجور والمرتبات والمعاشات 100 مليون و 654 ألفا ومعنى هذا أن ما يتقاضاه الموظفون من خزانة الدولة كأجور أحيانا وكأجور ومعاشات أحيانا أخرى يبلغ مثل ما تنفقه الدولة على الأعمال والمشروعات والخدمات.<br />
<br />
وقد أورد الخبير سنكر الذي استقدمته الحكومة في سنة 1950 ليدرس نظام الوظائف في بلادنا ويقترح الحلول لمعالجة تضخم اعتمادات الوظائف ومشاكل الموظفين، والكادرات الكثيرة، أورد هذا الخبير في تقريره أن نسبة عدد المشتغلين بالوظائف الحكومية إلى عدد سكان البلاد 2.2% في حين أنها في بريطانيا 1.3% وأن الحكومة المصرية تنفق من ميزانيتها على الموظفين 35% في حين تنفق بريطانيا عليهم 9% وليست هذه الحقائق في ذاتها بالشيء الذي يفزع إنما مثار الإشفاق من هذه النسبة ما تدل عليه.<br />
<br />
فالاحتلال البريطاني، كان هو واضع السياسة الاقتصادية والمالية للبلاد، ولذلك كان يضع خطط الاقتصاد المصري على أساس جعل الوظيفة الحكومية هي العمل الوحيد المجزي من ناحية والمضمون من ناحية أخرى، ذلك لأن فتح أي مجال آخر من مجالات النشاط الاقتصادي أمام أبناء البلاد، سيقلب خطط الاحتلال الاقتصادية رأسا على عقب، فاشتغال المصريين بالتجارة أو بالصناعة أو حتى بالزراعة على نطاق واسع، وبالطرق الحديثة، سيؤدي إلى خلق مزاحمة للبيوت التجارية، والمؤسسات الاقتصادية والمصارف المالية، المملوكة للاحتلال وللأجانب.<br />
لذلك وضع الاحتلال خطة محكمة، نفذها بنجاح باهر، تؤدي إلى جعل الوظيفة هي هدف كل مصري يريد أن يزيد من دخله، أو أن يحصل على دخل ثابت، يعقبه معاش مستقر.<br />
<br />
ولذلك يحق لنا أن نقول بلا أي مبالغة، إن مصر شهدت تخطيطا محكما طوال عهد الاحتلال تناول كل نواحي النشاط في البلاد، سواء أكانت تعليمية أو اقتصادية أو إدارية.<br />
<br />
فالإنجليز لكي يخلقوا هذا الميل الثابت عند المواطنين المصريين، أي الميل إلى الوظيفة، بدأوا بالتعليم، فجعلوا أولا الحصول على الشهادة هو جواز المرور إلى الوظيفة، وجعلوا التعليم المؤدي إلى الشهادة، داعيا إلى كره العمل التجاري والزراعي والصناعي، فملأوا برامج التعليم، وكتب الدراسة بالجانب النظري، وأضعفوا ما استطاعوا الجوانب العملية والتطبيقية، وأنقصوا من قدر النشاط المدرسي، والعناية بخلق الشخصية المستقلة.<br />
<br />
ولقد نجحوا نجاحا باهرا في كل ما قصدوا إليه، وطمعوا فيه، فقد أخرجوا أعدادا من المثقفين الذين لا غبار على علمهم العام بلغة بلادهم، وبكفايتهم في الفنون التي تخصصوا فيها ولكن كان جوهر ما حصلوه، يؤهلهم للوظيفة دون غيرها.<br />
<br />
ولما كان الحصول على المؤهل العالي، هو السبيل إلى الوظيفة العليا، وكانت الوظيفة العليا هي قمة المجتمع في مصر، فقد تنافس الشبان في الحصول على هذا المؤهل، والتحلي به، وانصرفوا جميعا عما عداه، وأسبغ عليهم النظام القائم من صنوف التكريم والاحترام، ومن المزايا المادية، والأدبية، ما جعل التفكير فيما عدا الوظيفة أبعد الأمور عن خاطرهم ولسنا في حاجة إلى استقراء التاريخ لنبين هذه الخطة، وللوقوف على آثارها، فإن اللورد كرومر أغنانا عن هذا كله، فقال بصريح النص في تقريره السنوي عن سنة 1899.<br />
<br />
"كانت الحكومة في السنين الأخيرة ترمي إلى غرض ذي شقين – فأما الشق الأول فهو الرغبة في أن تنشر على أوسع نطاق ممكن بين الذكور والإناث على السواء، لونا بسيطا من التعليم ينحصر في الإلمام بمبادئ اللغة العربية والحساب وأما الشق الثاني فهو الرغبة في إعداد طبقة متعلمة تعليما راقيا تفي بمطالب الخدمة في الحكومة".<br />
ثم عاد فقال في تقريره في سنة 1902.<br />
<br />
"إن الغرض الثاني المهم الذي ترمي إليه الحكومة هو إنشاء خدمة ملكية أي إعداد الموظفين ومستخدمين يعتمد عليهم".<br />
<br />
ثم قال في كتابه مصر الحديثة ص 877:<br />
<br />
"ويجب ألا نفترض أن المصريين أحسوا فجأة بالظمأ إلى المعرفة من أجل المعرفة ذاتها أو أنهم استيقظوا على إحساس جاد بالخجل من جهلهم فالروح الجديدة مبعثها عموما أنه يوجد في القطر جزء كبير من الطبقة العليا والسفلى يعتمدون على الوظيفة الحكومية وقد أدرك الآباء أن أولادهم إن لم يبعثوا إلى المدرسة فإنهم لن يستطيعوا كسب قوتهم".<br />
<br />
34 – والعجيب أننا درجنا، بعد أن ارتفعت يد الاحتلال عن الكثير من مرافقنا على الشكوى من تضاعف عدد الموظفين، ومن ارتفاع اعتمادات الوظفية.<br />
<br />
وإعانات الغلاء والمعاش، دون أن نفكر في مواجهة أصل هذه العلة، وهي كائنة فيما يتلقاه أولادنا في مدارسهم من مواد تكرههم في الأعمال الحرة، وتبعدهم عن التفكير الصناعي والتجاري، بل حتى في الزراعة نفسها، دون أن نغير في أساس التربية والتعليم في مدارسنا، لقد غيرنا البرامج كثيرا، فأضفنا مواد كثيرة جديدة، وحذفنا مواد كثيرة قديمة، وبذلنا عناية خاصة بتاريخنا القومي القديم والمعاصر، واحتفلنا بالاقتصاد السياسي وبعلم النفس وتوسعنا في المواد الرياضية والطبيعية في القسم العلمي، ولكن بقي التعليم عندنا أكثر احتفالا بالجوانب الذهنية دون الجوانب العملية، ولا أدل على ذلك من أن عدد المدارس الصناعية والزراعية التي فتحناها أقل بكثير جدا من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية التي فتحت فصولها لاستقبال أولادنا، ولا يزال التعليم الجامعي هدف كل طالب سواء توافرت له الموهبة والاستعداد أم لم تتوافر وحسبك دليلا على ذلك أن مجانية التعليم العالي للمتفوقين لم تتقرر في الاتحاد السوفيتي إلا بالدستور الصادر في سنة 1936 أي بعد قيام الثورة السوفيتية في سنة 1917 بنحو عشرين عاما بينما بينما تقررت مجانية التعليم الجامعي والعالي في ثورتنا التي تكمل حتى الآن عامها الخامس عشر منذ بضع سنوات.<br />
<br />
ولم نسمع عن ابن أحد الوزراء أو رؤساء المؤسسات لم يستطع دخول الجامعة فالتحق بالمدرسة الصناعية أو الزراعية، لننتزع من العقول أن طالب الجامعة وحده، والحاصل على إجازته، هو المستأثر بالاحترام، والمتمتع بالمزايا، وأن المستقبل المضمون هو مستقبل الجامعيين وحدهم، بفضل الوظيفة في الحكومة، أو في ما يشبهها من المؤسسات والشركات وقد جاء في آخر الإحصائيات أن كل من 1000 تلميذ يحصلون على شهادة الإعدادية يدخل 669 المدارس الثانوية العامة و 151 الثانوية التجارية و 42 الثانوية الزراعية و 57 معاهد المعلمين كما تذكر آخر الإحصائيات أن من كل 1000 تلميذ يحصلون على شهادة الدراسة الثانوية العامة يدخل 650 الجامعة والمعاهد العليا ويكتفي 350 بشهادة الدراسة الثانوية، كما تبين مما نشر أخيرا أن عدد التلاميذ الذين يتقدمون لامتحان الثانوية العامة هذا العام يبلغ 145 ألفا.<br />
<br />
35 – وقد نجم عن أسلوب تربيتنا النظري في القسمين الأدبي والعلمي، أن خرج أولادنا تغلب عليهم عقلية الموظف الذي كانت تخرجه مدارسنا الثانوية والعليا منذ سبعين سنة أو يزيد.<br />
<br />
كان الاحتلال يضع خططه ليخرج في المدارس ما تحتاج إليه الوظائف، فلا يتوسع في التعليم، ولا يتوسع في الإنفاق الحكومي، ولا في الخدمات، لذلك لم تكن هناك أزمات بطالة بين المثقفين فكل من يتخرج يجد وظيفة، وكل ما يتعلمه الطالب يؤهله لهذه الوظيفة وحدها، ولا يؤهله لغيرها، فلا يخرج من مدارسنا العليا بحاث ولا مجددون ولا يخرج منها مواطنون يعتمدون على أنفسهم في الحياة الخارجية، ولا يخرج منهم مجازفون أو مبتكرون، بل لا يخرج منها من يفهم الوظيفة باعتبارها خدمة وطنية بل باعتبارها مغنما شخصا من جهة، والتزاما بأوامر الحكومة ورؤسائها، لينال عطفهم وعطفها، فالموظفون حتى الأكفاء الأمناء منهم، لم يكونوا خداما مخلصين لإخوانهم المواطنين، بل كانوا آلات ذات كفاية ملحوظة، في تفهم القوانين، وإنجاز الأعمال بسرعة، وبلا تلكؤ وبلا إثارة لغضب الأهالي واحتجاجهم، أما الشعب فأمره لا يدخل في الحساب، حتى ولو بصفة عميلا أي زبونا للدولة.<br />
<br />
ولذلك كان طابع الوظيفة هو التجهم للمواطنين ولا أدل على ذلك من أن الأغلال والسلاسل هي ما كان يزين حجرة مأمور قسم الشرطة، كأن كل من يدخل إلى هذه الحجرة، مطارد أو مطلوب القبض عليه.<br />
<br />
ولما كان الاحتلال حريصا على أمنه وعلى تنفيذ سياسته الاقتصادية، والمالية، والتعليمية، وهي وجوه متكاملة لسياسة واحدة، فقد صاغ الوظيفة صياغة تجعل شاغليها في خدمة هذه السياسة، فحرص على ألا يغضبهم وتنافست (السراى) والحكومات المتتابعة في ممالأتهم، ونتج عن ذلك أن الوظيفة أصبحت في خدمة الموظف، ولم يعد الموظف في خدمة الوظيفة، وكان من آثار هذه العقلية، أن أصبح مرتب الوظيفة مرتبطا بالمؤهل الذي يحصل عليه الموظف، لا بالعمل الذي يؤديه، مع أن المواطنين لا يهمهم أن يكون سائق السيارة مثلا بلا مؤهل أو كان مهندسا ميكانيكا، كما لا يهم مشتري الصحيفة، أن يكون بائعها حاصلا على الابتدائية أو على الليسانس أو بغير مؤهل علمي، لأن الجريدة التي يشتريها في جميع الأحوال هي هي.<br />
<br />
بدأ تسعير الشهادات ثم توالت محاولات ترضي الموظفين التي سميت بالتيسير والإنصاف .. إلخ.<br />
<br />
وأصبح شغل الدولة الشاغل حل مشكلات هؤلاء الموظفين، والتخفيف عنهم، ولم يصبح للأداة الحكومية من واجب تؤديه أهم من ابتكار الحلول لهذه المشكلات.<br />
<br />
36 – وكانت الحلول التي تتفتق عنها الأفكار، مما كان يندرج تحت عنوان الإصلاح الإداري، أقرب إلى توفير الضمانات للموظفين، دون رفع مستواهم الروحي ودون النظر في التقسيمات الإدارية القديمة، وفي تغيير أسمائها، وتعديل مسمياتها، وفي تغيير طبيعة العلاقات بين الموظفين والمواطنين، فقد كان أهم ما نفذ في مجال الإصلاح الإداري، هو إنشاء مجلس الدولة سنة 1946، وديوان الموظفين سنة 1951، وهما هيئتان تحميان، في الأغلب الأعم، الموظف من شهوات الحكومات، وسوء استعمال السلطة والانحراف بها، ولا يجادل أحد في أن اختيار الموظف وتعيينه وترقيته بعيدا عن الشهوات الحزبية، والأغراض الشخصية وبناء على قواعد عامة، مما يوفر للأداة الحكومية الاستقامة والكفاية، بتعيين الموظف الصالح، وبحمايته في الأوامر المنافية للعدالة والمتحدية للقانون، ولكن لم يبذل إلى جانب إنشاء هذه الهيئات المنطوية على ضمانات وحمايات لحقوق الموظفين، جهد مساو، لإقامة البناء الحكومي على أساس روحي جديد، مع محاولة صرف الشبان عن الوظيفة الحكومية، وزيادة أعداد المؤهلين فنيا وصناعيا للعمل في مجالات جديدة.<br />
<br />
الحمل الثوري والإجهاض الوطني<br />
<br />
37 – أنشأ الاحتلال الجهاز الحكومي ليحقق أغراض هذا الاحتلال فحقق هذه الأغراض على أحسن وجه، وشعر بعض المصريين ممن كانوا يرون أن سبيل التقدم، هو التعاون مع الاحتلال، وتحسين الأداة الحكومية، وزيادة نصيب المصريين في وظائف هذه الأداة والترقي فيها، أن الاحتلال يسدي لمصر خدمات جليلة وعبر عن هذا الرأي حافظ إبراهيم في بعض قصائده إذ راح يعاتب سلطات الاحتلال لأنها كانت تختار في الماضي من أبنائها للوظائف في مصر، الأكفاء الممتازين، ثم أصبحت ترسل لها من تنقصهم الدربة والتجربة، قال حافظ إبراهيم:<br />
<br />
وول أمورنا الأخيار منا نثب بهمو إلى الشأو البعيد <br />
<br />
وأشركنا مع الأخيار منكم إذا جلسوا لا يقام الحدود <br />
<br />
وقال في قصيدته عن دنشواي:<br />
<br />
قد كان حولك من رجالك نخبة ساسوا الأمور فدربوا وتدربوا <br />
<br />
أقصيتهم عنا وجئت بفتية طاش الشباب بهم وطار المنصب<br />
<br />
وقال شيئا في هذا المعنى أحمد لطفي السيد في مقالاته بالجريدة.<br />
<br />
ولكن إلى جانب هذه المدرسة المعتدلة، كانت مدرسة الحزب الوطني تهاجم الاحتلال وسياسته الاقتصادية والتعليمية وأساليبه في الحكم، فأصبح للأداة الحكومية عند طائفة من المثقفين المصريين وأغلبهم من طلبة المدارس العليا والمحامين والأطباء، والموظفين الشبان، وظيفة غير الوظائف التي رسمها الاحتلال وحددها، فلم يعد بناء السدود والخزانات وتحسين نظام الري والصرف – وحماية الأمة، هي وظائف الحكومة الأساسية، لقد طالب مصطفى كامل بزيادة الخدمات وفتح المدارس وجاء مثلا في تقرير الحزب الوطني الذي عن سنة 1907: إن خطة دنلوب (مستشار المعارف البريطاني) ترمي دائما إلى جعل التعليم بسيطا لا يرقي المدارك ولا غرض منه إلا تربية مستخدمين للوظائف، مسلوبي الإرادة عديمي الاستقلال الذاتي ثم حرمان الفقير من التعليم حرمانا تاما ومحو التعليم العالي الصحيح محوا مطلقا وجعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للتعليم وأنه يستقدم المعلمين الإنجليز العشرات ويطارد المعلمين ثم يستورد الكتب والأوراق المدرسية من بريطانيا بأثمان باهظة ليبدد ميزانية التعليم فلا يبقى منها ما تفتح به المدارس لذلك لا توجد في الصعيد مدرسة ثانوية واحدة وبالوجه البحري مدرسة واحدة وأن ما ينفق من الميزانية على التعليم 2.5%" ثم جاء محمد فريد فشن حملات شديدة الوطأة على نظام الاحتلال الذي أسقط الفلاحين من حسابه والذي قضى على الحكم المحلي، وعلى الصناعات الوطنية، والذي لم تمتد يده بالإصلاح إلى نظام الضرائب ومجالس المديريات والبلديات، وبفضل هذه الحملات أصبح من المأمول أن تولد فكرة جديدة للحكومة ووظائفها، وللموظف ورسالته، وقد استمرت هذه الحملات، وتعددت الدراسات في مؤتمرات الحزب الوطني في الداخل وفي الخارج في هذه النواحي جميعا، حتى لم يعد الشك يساور أحدا في أنه حينما تنبسط يد المصريين على الأداة الحكومية، ستتدفق في عروقها دماء جديدة، وستستهدف أهدافا جديدة، وفي أن الموظفين المصريين سيخلقون خلقا جديدا، ولكن الحمل الثوري الذي استمر من سنة 1900 أو قبل ذلك بقليل أفضى إلى ثورة 1919، وهذه الثورة أفضت سريعا إلى قيام الحكم الدستوري سنة 1923 فلم يكن هذا الحكم ميلادا بل كان إجهاضا وطنيا.<br />
<br />
38 – قامت الثورة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، على أساس المطالبة بالاستقلال، ولكنها لم تلبث حتى تركت الاستقلال جانبا، وأصبح الدستور هو محور الصراع بين الأحزاب، والوصول إلى مقاعد البرلمان ثم الحكومة هو غاية هذا الصراع، فلم تعد الأداة الحكومية، وسيلة الثورة إلى هدفها السامي الأول، هدف الاستقلال وتحرير الوطن، بل وسيلة الأحزاب إلى تحقيق مطامعها الدنيا، وفي إرضاء الأنصار، وممالأة المشايعين والأتباع، ومطاردة الخصوم والأعداء ولما كانت الحرب الحزبية، لا تتطلب الأكفاء، ولا ذوي المواهب الخلقية، فقد ناءت الأداة الحكومية، تحت ضربات هذه الحرب الداخلية، وتداولت المناصب الكبرى، مناصب المحافظين والمديرين ووكلاء الوزارات ومديري المصالح بين أنصار كل حزب، على فترات متعاقبة، فلكل حزب دورة تدور بضعة شهور، ينعم فيها بالسلطة ويتربع أنصاره في دستها، ثم لا يلبث أن يحل الدور على غيرهم، فيتركونها على أمل العودة إليها، وفي هذه الفترات المتعاقبة أتخمت دواوين الحكومة بأعداد هائلة من الأنصار والمؤيدين، لا عمل لهم، ولا نفع فيهم.<br />
<br />
وزاد مرض الأداة الحكومية مع الأيام تفاقما، فقد قنعت الأحزاب في بادئ الأمر بتعيين أتباعها، ثم لم يلبث حتى اتجهت إلى القفز بهؤلاء الأنصار من أدنى الدرجات إلى أعلاها ومن أصغر الفئات إلى أكبرها، في أقل وقت بما عرف بعد ذلك بالمحسوبية وبطرق مكافحتها، ثم إعلان اليأس من هذه المكافحة، واعتبارها من الأمراض المتوطنة المستعصية، مما أدى إلى التفكير في إنشاء مجلس الدولة، ثم ديوان الموظفين.<br />
<br />
وسنعرف في الفصل التالي من هذا البحث أن مصر، لم تكن حالة فريدة بين الأمم، فيما يتعلق بنفس أداء المحسوبية في الأداة الحكومية، ولكن مما كان يخفف من أثر هذا الداء في الدول الأوربية والأمريكية أنها كانت دولا مستقلة، وغنية معا، فلم يكن العدو الدخيل رابضا في داخل تلك البلاد، ينتفع من هذه الحرب الداخلية، ويزيد من آثارها الوخيمة، فضلا عن أن الوظيفة الحكومة لم تكن تلعب نفس الدور الذي تلعبه هذه الوظيفة في حياة بلادنا فالجزء الأكبر من نشاط الدول الأوربية القومي تقوم به الشركات والأعمال الحرة، في حين انحصر نشاطنا، في العمل الحكومي، وبقي النشاط القومي هامشيا ومعلقا على إرادة السلطة الحكومية.<br />
<br />
39 – بيد أن حملات مصطفى كامل ومحمد فريد، واندلاع ثورة سنة 1919 وأن انتهت بما سميناه "الإجهاض الوطني" كل ذلك حقق في الفترة التالية للثورة، التي بلغت ربع قرن تقريبا، في مجال إصلاح أداة الحكم، أمرا عظيم الأهمية، ذلك هو تأكيد فكرة أن الحاكم هو خادم الشعب وراعي مصالحه، وأنه خاضع لرقابة هذا الشعب، وملزم بالاستماع لتوجيهاته وإرشاداته، ففي هذه الفترة، فترة صحافة الحزب الوطني، ثم صحافة ثورة سنة 1919 وما بعدها كان الوزراء ورؤساؤهم، هدفا لحملات كتاب أقوياء، امتلأت قلوبهم شجاعة، واتسع نطاق الحملة النقدية فشمل الخديوي ذاته، وتجمعت عناصر الكفاح الوطني ضد الاحتلال سرية وعلنية، فانتهى عهد الحاكم المقدس المعصوم الذي لا يخطئ، وبدأ التنديد بالتكالب على الوظيفة، وبالسخرية من الموظف الذي يسنده في منصبه، ويأخذ بيده في الترقية، شقيقه الوزير، أو أبوه السفير، أو حموه النائب، صحيح أن هذه الحملات سارت جنبا إلى جنب مع اتساع نطاق الفساد الحكومي والتدهور في كفاية الوظيفة والموظفين، إلا أن ذلك لم يحل دون أن تبقى البذور التي بذرتها فترة الحمل الثوري في التربة تنتظر اليوم الذي تعلن عن نفسها فيه.<br />
<br />
40 - ولعله من أغرب المتناقضات في فترة الإجهاض الوطني، أن تكون هي بذاتها فترة الحياة النيابية، وكان الطبيعي أن يكون قيام الحياة النيابية، حارسا على الأداة الحكومية ونظافتها، وكفايتها، ولكن الذي حدث هو العكس تماما، فإن الحياة النيابية أولا أغمضت عينها عن الأداة الحكومية، ولم تفكر في إصلاحها، بل لم تناقش هذا الموضوع ولا مرة واحدة، ولو على سبيل إبراء الذمة، ولم تكتف الحياة النيابية بهذا الموقف السلبي، بل أضافت إليه من دواعي التحلل الحكومي، ما أربى على كل ما تراكم على مدى السنين السابقة من عهد محمد علي وعهد الاحتلال البريطاني.<br />
<br />
فإن الانتخابات دعت الأحزاب إلى إقحام الإدارة في تزييف نتائجها، وإلى تعديل الدوائر الانتخابية لما تقضي به المصلحة الحزبية، وإلى استغلال نفوذ العمد ثم فصلهم في عهد، وإعادتهم في عهد، فلما قامت الحرب العالمية الثانية، جاء في أعقابها تدهور روحي، شمل كل جوانب الحياة، فخرجت الأداة الحكومية، مثخنة بالجراح فاستحالت إلى أداة في أشد الحاجة إلى تقويمها بل إعادة بنائها، ووضع أسس جديدة، وهو عمل شاق لا نزال نعمل له ونفكر فيه.<br />
<br />
فكيف نضطلع به ونؤديه؟<br />
<br />
هذا هو السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه فيما يلي من هذا البحث.<br />
<br />
41 – يجدر بنا بادئ ذي بدء أن نتشاءم، حينما نرى أداة الحكم عندنا، جهازا عتيقا، تأكلت منه بعض أجزائه أو علاها الصدأ، وتورمت أجزاء أخرى أو ملأها الصديد، وتقيحت أعضاء أو اشتدت عفونتها، فإن الشكوى – كما سلف القول – من أداة الحكم، ولدت مع أداة الحكم منذ خطا الإنسان أولى خطواته.<br />
<br />
ففي القرآن مثلا لم يرد لفظ (الحكام) إلا مرة واحدة، ومع ذلك اقترن هذا اللفظ بالرشوة.<br />
<br />
فقد جاء في الآية الكريمة الثانية والثمانين بعد المائة في سورة "البقرة": "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام". وفي تراثنا العربي، شكاوى من عيوب الحكام منها هذه الأبيات التي أوردها "الفخري" في الصفحة 214 من "الآداب السلطانية" عن عهد تدهور الدولة العباسية:<br />
<br />
وزير لا يمل من الرقاعة يولي ثم يعزل بعد ساعة <br />
<br />
ويدني من تعجل منه مال ويبعد من توسل بالشفاعة <br />
<br />
إذا أهل الرشا صاروا إليه فأحظى القوم أوفرهم بضاعة<br />
<br />
وكتاب "الفاشوش في حكم قراقوش" لابن مماتي مستند قائم بذاته في نقد الحاكم، وهو لا يقل أهمية ولا شهرة عن كتاب "هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف".<br />
<br />
ولكن قد يكون تقرير حديث يكتبه خبير ينتمي إلى دولة حديثة، أقدر على إدخال العزاء إلى قلوبنا، مما احتواه التراث العربي من شعر ونثر في نقد الحكام والأداة الحكومية، إذ يسهل القول بأن ما كان يقترفه الحكام في الماضي قد طوته الأيام وأقامت على أنقاضه حكومات ذات كفاية رفيعة، خالية من العطب، قائمة على أسس علمية حديثة.<br />
<br />
فلننظر ماذا قال الخبير (سنكر)، وهو إنجليزي استقدمته الحكومة المصرية سنة 1950 ليشخص داء الأداة الحكومية في مصر ثم يصف علاجا، قال:<br />
<br />
"اجتازت إنجلترا فيما مضى مرحلة كان يجري فيها التعيين في خدمة الحكومة لا على أساس الصلاحية للعمل، بل تحت تأثير العوامل السياسية والنفوذ الشخصي، وقد أسفر هذا النظام عن عدة مساوئ، إذ ينكر على كل مواطن مزود بالمؤهلات المطلوبة الحق في أن يتبارى مع غيره على قدم المساواة للتوظف في خدمة الحكومة، وقد فقدت الحكومة ميزة الانتفاع بخدمات نفر من أقدر الرجال، وذلك لأن غيرهم ممن لم يكن لهم سوى النفوذ السياسي أو الشخصي قد حلوا محلهم، وقد فت ذلك في عزيمة الموظفين الموجودين بالخدمة، وثناهم عن أداء واجبهم لأن سبيل التقدم لم يكن وقفا على جهدهم وكفايتهم في عملهم، بل كان يستند إلى فرص المحاباة السياسية والشخصية.<br />
<br />
ولم تستطع الأداة الحكومية تزويد الحكومات المتعاقبة بالخبرة المتواصلة في الأعمال، لأن شاغلي الوظائف الرئيسية يتغيرون بتغير الوزارات، كما زاد عدد الموظفين الحكوميين أكثر مما هو لازم للعمل نتيجة لإيجاد وظائف للمقربين من الوزراء والرؤساء".<br />
<br />
ولم يكن الحال في الولايات المتحدة بأحسن منه في بريطانيا، فقد كان نظام المحسوبية السياسية هو الطابع المميز لجميع الشئون المتعلقة بالوظيفة.<br />
<br />
وكان مؤدى نظام المحسوبية أن يستأثر الحزب الذي فاز في الانتخابات بغالبية الوظائف، فيقصي عنها شاغليها من أنصار الحزب المنهزم ويحل محلهم أنصاره، واستمر الوضع على هذه الصورة القبيحة، حتى سنة 1801، فزادت قبحا، فقد قرر الرئيس "جفرسون" أن يعتبر الحكومة مغنما يتقاسمه الحزبان الحاكم والمعارض، لكل منهما النصف.<br />
<br />
والله وحده يعلم، كيف كان يوزع الحزب الوظائف على أنصاره، ومقابل أي إتاوات، وبقصد تحقيق أي أغراض، وترضيا لأي طراز من الشخصيات.<br />
<br />
ولكن بغير خوض في التفاصيل، يمكن أن نقول، ونحن مطمئنون، أن الوظائف في ظل نظام الغنائم، كانت من نصيب أكثر الرجال جرأة، وأشدهم حماسة في مناصرة الحزب، وأعلاهم صوتا، وأبرعهم في المناورة، والابتزاز والتهديد.<br />
<br />
وكانت ثالثة الأثافي في هذا الاتجاه قانون أصدره الرئيس "جاكسون" جعل شغل الوظائف مؤقتا، وحدد التأقيت بأربع سنوات، لتتلاءم مع مدة رياسة الجمهورية، ويتيسر للحزب الحاكم، أن يطرد نصف الموظفين، ويعين مكانهم أنصاره.<br />
<br />
جملة القول أن أداة الحكم، وجدت في كل عهد، من الظروف السياسية والاجتماعية، ما يعوقها عن أداء رسالتها.<br />
<br />
أوهام يجب أن تبدد<br />
<br />
42 – ولما كان علاج الأداة، كعلاج أي مرض يحتاج إلى معرفة الحقائق المادية المتصلة بالأداة الحكومية من حيث الظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلتها، وخلقت سماتها وصفاتها وخصائصها، ومن حيث الوقوف الكامل على عناصر تكوينها – أي القوانين واللوائح التي خلقتها ووزعت اختصاصاتها، وعدد الموظفين، والظروف المادية والأدبية التي يعيشون فيها، ونظرتهم إلى المواطنين وإلى الرؤساء، وإلى الوظيفة الموكولة إليهم.<br />
كذلك يجب أن نستبعد كل الأوهام التي تحول بيننا وبين أن نعرف الحقائق المطلوبة، وقد أحاط بموضوع الأداة الحكومية في مصر، واختلالها بضعة أوهام سنحاول تبديدها.<br />
<br />
الوهم الأول: لوائح العهد العثماني، وعهد الاحتلال:<br />
<br />
43 – يتردد على ألسنة بعض الذين يتصدون لعلاج الإدارة الحكومية في بلادنا، أن من العلل التي تشكو منها هذه الإدارة، أنها لا تزال تحكم بلوائح وفرمانات ودكريتات صادرة في عهد الحكم العثماني وحكم محمد علي، وعلى أحسن الفروض، في عهد الاحتلال البريطاني، وليس ثمة شيء أبعد عن الحقيقة من هذا الوهم، فإن جميع قوانيننا الأساسية كالقانون المدني، والإجراءات المدنية، والإجراءات الجنائية، ونظام القضاء، والضرائب، والشهر العقاري، والمخازن والتوريدات، والإدارة المحلية، أو الحكومة المحلية، والنقابات المهنية، والشركات والمؤسسات والهيئات، وما يتفرع عنها من قوانين ثانوية أو لوائح أو قرارات وزارية، كل هذه القوانين الأساسية والفرعية قد صدرت في الحكم المصري قبل الثورة بل صدر معظمها – معدلا أو على أسس جديدة – في عهد الثورة.<br />
<br />
فإذا أردنا أن نعلق عيوب الأداة الحكومية على (شماعة) فلتكن هذه (الشماعة) شيئا آخر غير القوانين، أو لنقل إن هذه القوانين هي مصدر العيب في الأداة الحكومية.<br />
<br />
ولكن لا لأنها صدرت منذ العهد العثماني، أو عهد الاحتلال، بل لأنها قوانين معيبة في ذاتها.<br />
<br />
وسنرى حالا أن القانون وحده ليس قادرا على إصلاح العيوب لا في الأداة الحكومية وحدها، بل في أي نظام سياسي أو اجتماعي ضعيف أو معيب، أو دبت إليه أمراض الطفولة أو الشيخوخة، والأنظمة الاجتماعية والسياسية معرضة لأمراض الفترتين، ولأمراض فترة المراهقة أيضا، مثلها في ذلك مثل الإنسان الفرد، سواء بسواء.<br />
<br />
الوهم الثاني: الروتين هو أصل المصائب:<br />
<br />
44 – ومن الأوهام الشائعة والضارة كذلك، الوهم القائم على أن ما تعانيه أداة الحكم في بلادنا، أو في أي بلد آخر، هو أنها تستند إلى (روتين) أو تقوم عليه. وهو كلام لا معنى له، ولا يصح لباحث مدقق أن يتورط فيه، إذ أن (الروتين) هو النظام، هو (القاعدة العامة) التي تحكم نشاطا ما، أو عملا من الأعمال، و (الروتين) في ذاته هو أعلى مراحل التنظيم، لا يصل إليه العمل القانوني أو النشاط الإنساني، إلا بعد مراحل طويلة من التجربة، وبعد جهود مضنية من السعي الدائب المحفوف من الجانبين بالأخطاء والمخاطر.<br />
<br />
والأنظمة الطبيعية يحكمها (روتين) ثابت مستقر فالشمس تشرق كل يوم من المشرق في الصباح، وتغرب كل يوم في المغرب في المساء، وفصول السنة تتعاقب، فالشتاء يأتي في أعقاب الخريف، والصيف في أعقاب الربيع، وجسم الإنسان يحكمه (روتين) يتمثل في عمليات الهضم والتنفس والتناسل، وإذ يختل (الروتين) يكون اختلاله، أزمة للناس، تتمثل أحيانا في عواصف غير متوقعة، أو فيضانات غير مسبوقة، كما تتمثل للإنسان في أزمات الهضم والأرق والحمى .. إلخ.<br />
<br />
(فالروتين) غاية مطلوبة في ذاتها، وهي تعين العاملين وسائر المتعاملين في الجهاز الحكومي، أو الجهاز في أية جهة من جهات الإدارة، سواء أكانت حكومية أو حرة، على معرفة القواعد والضوابط والمواعيد والنماذج والتكاليف والمطلوبات المالية والمادية المطلوبة منها.<br />
<br />
وسمة (الروتين) الأساسية الثبات، والتبسيط، فإذا كان هناك خلل في القواعد الأساسية الضابطة للأداة الحكومية، فليس مرد هذا الخلل، أن هذه القواعد كونت (روتينا) ثابتا ومستقرا، بل لأن هذه القواعد في ذاتها معيبة فحملتنا لا يجب أن تكون على (الروتين) لأن انعدام (الروتين) لا يؤدي إلا إلى الفوضى، وإلى مضاعفة المتاعب وإلى مزيد من التلكؤ في الأداء، وانفساح فرص التلاعب والغش والرشوة والتمييز بين المتساوين والأنداد.<br />
<br />
فليكن شعارنا إذن (روتينا) سليما وبسيطا وواضحا بدلا من حملة شعارها الهجوم على الروتين.<br />
<br />
إن كثيرين ممن يعودون من بعض بلاد أوروبا أو أمريكا يلهجون بالثناء على سهولة التعامل مع موظفي الحكومة أو الشركات الخاصة، وحسن استجابتهم، لما يطلب منهم، وفهمهم لواجبهم، ورغبتهم في المساعدة والمشاركة، ومعنى ذلك أن هذه الدول وصلت إلى (روتين) يعين على أداء الخدمات، ويحقق الغرض من الأداة الحكومية، فلنعمل ليقوم في بلادنا (روتين مثله).<br />
<br />
الوهم الثالث: إن القانون كفيل بإصلاح أداة الحكم:<br />
<br />
45 – يسيطر على اعتقاد بعض الذين يهمهم إصلاح أداة الحكم في بلادنا، أن نقطة الابتداء هي إصلاح القانون الحالي ويحسبون أن هذا الإصلاح إن لم يكن كل الحل فهو أكثر من نصفه، وهو للأسف اعتقاد مضلل وضار معا، ولقد جربناه في إصلاح النظام القضائي فبسطنا من إجراءات التقاضي، وألزمنا القاضي بمواعيد ليفصل في الدعوى، وأقمنا العقبات في وجه أسباب التأجيل المنتحلة ولكن لم يحقق هذا كله ما نصبوا إليه من أن تكون دار العدالة على النحو الذي يجب لها نظافة ووقارا، وأن يكون التعامل مع المحاكم، عملا سهلا ميسرا، لا تجربة مؤلمة.<br />
<br />
إصلاح الأداة الحكومية دفعة واحدة:<br />
<br />
46 – يشتد أحيانا شعورنا بعيوب الأداة الحكومية في بلادنا، ويشتد شوقنا إلى قلبها رأسا على عقب، وتحليل أجزائها، وتفكيكها ثم إعادة بنائها في أيام أو أسابيع أو شهور، ونقبل في التعبير عن هذا الشعور أو الأمل، تعبيرات تدل على عمقه، فتقول مثلا: "هو الأداة الحكومية".<br />
<br />
وكثيرا ما كان يرتسم على شفتي ابتسامة إشفاق من عبارة (هز الأداة الحكومية) لأن هذه الأداة لو هزت، لانهارت.<br />
<br />
على أن مصدر هذا الشعور، هو شعور آخر، أعني الشعور بما تفرضه علينا الخطط الطموحة التي أخذنا أنفسنا بها، لنقيم بناء اقتصاديا قويا، تزيد بفضله وفي ظله أرزاق المواطنين، وتزداد أمامهم فرص التقدم والرخاء.<br />
<br />
لم نكن بدعا بين الأمم، فقد حاولت كثير منها أن تنشئ لجنة أو لجانا لإصلاح الأداة الحاكمة، وكان الأمل أن هذه اللجان ستنجح في وضع يدها على مواطن العلة، ثم تصف الدواء فتتجرعه الأداة الحكومية، في شهر أو سنة، فينصلح حالها، وتدب فيها العافية، ولكن ثبت بعد هذا الأمل عن الواقع.<br />
<br />
ففي بريطانيا شكلت لجنة في سنة 1918 من كبار العلماء ورجال القانون والإدارة سميت لجنة الأداة الحكومية.<br />
كما شكلت لجنة في سنة 1918 نفسها عرفت باسم لجنة (جلادستون) رئيس وزراء بريطانيا، ولجنة (هوايتلي) سنة 1919 ولجنة (توفلين) سنة 1925.<br />
<br />
ولكن تجربة الولايات المتحدة هي التجربة الجديرة بالنظر والاعتبار، ففي سنة 1910 شكل الرئيس (تافت) لجنة سميت "لجنة الاقتصاد والكفاءة".<br />
<br />
فلما وجدت اللجنة أنها لن تستطيع أن تحقق الغاية من تشكيلها في فترة يمكن التنبؤ بها مقدما، تحولت إلى جهاز دائم وقال الرئيس "تافت" في تبرير هذا التحول ما يجب أن نتأمله طويلا:<br />
<br />
"إن الأعمال التي تتولاها الحكومة يتسع نطاقها يوما بعد يوم، وإلى اليوم لم تقم دولة من الدول بتحقيق كامل للوصول إلى الوسائل المؤدية إلى ضمان إنجازها مع الحد الأعلى من السرعة، والاقتصاد والإجادة، وإني لمقتنع بأننا لن نصل إلا إلى نتائج جزئية إذا قمنا في فترات متقطعة متباعدة بعمل تحقيق عن مساوئ هيئات إدارة معينة، وهذه النتائج مع كونها جزئية فإنها لا بد أن تكون مؤقتة لعدم امتداد البحث إلى ما يرتبط بها من أعمال الهيئات الأخرى، وإن معضلة الحصول على أداة حكومية صالحة ليست من الوسائل التي تعالج دفعة واحدة، بل هي مستمرة الوجود أو دائمة التجدد".<br />
<br />
الوهم الخامس: أن المؤسسة العامة أفضل في ذاتها من المصلحة الحكومية:<br />
<br />
47 – صدر أول قانون منشئ ومنظم للمؤسسات العامة في سنة 1957، وهو القانون رقم 32 الصادر في 31 من يناير سنة 1957، والذي نشر في 4 من فبراير من نفس السنة، وبصدور هذا القانون، دخل في مجال الإدارة الحكومية، عنصر جديد، وإذا كان القانون المنشئ لنظام المؤسسات، قد خلا من تعريف ما هي المؤسسة العامة، واكتفى في المادة الثانية منه بالنص على أن القرار المنشئ للمؤسسة يحدد ما يمنح لها من اختصاصات السلطة العامة اللازمة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله.<br />
<br />
ولكن هذه المادة نفسها، والمادة 14 التي تحتم أن تبدأ السنة المالية للمؤسسة مع السنة المالية للدولة، وتنتهي بانتهائها والمادة 20 التي تنص على أن أموال المؤسسة العامة تعتبر أموالا عامة وتجري عليها القواعد والأحكام المتعلقة بالأموال العامة، والمادة الخامسة التي أقامت لكل مؤسسة عامة جهة إدارية (حكومية) تتبعها، وتمارس في حقها سلطة الرقابة من الناحيتين الإدارية والمالية .. كل هذه النصوص، كشفت بوضوح عن أن المؤسسة العامة، هي قطعة من الجهاز الحكومي، انتزعت منه، ولكن السلطة العامة بقيت تلاحقها بالرقابة والتوجيه. فماذا كان إذن الغرض من إنشاء هذه المؤسسات العامة، ثم الهيئات العامة التي خلقها فيما بعد القانون رقم 61 لسنة 1963 الذي صدر في 29 من أبريل سنة 1963.<br />
<br />
كان الغرض من إنشاء هذه الوحدات الإدارية الجديدة، استحداث طراز من الوحدات الحكومية، متحررة من القيود المفروضة على الوحدات الإدارية التقليدية المعروفة عندنا تحت اسم وزارة ومصلحة حكومية.<br />
<br />
ولا شك أن هذا الهدف جدير بأن نسعى إليه، كلما كانت الوظيفة التي تؤديها المؤسسة، مغايرة للوظيفة التي تؤديها المصلحة الحكومية، وكلما كان ممكنا أن تظفر المؤسسة بمجال أوسع من المجال المخصص للمصلحة الحكومية، فإن كانت المؤسسة العامة ليست إلا نسخة جديدة من المصلحة الحكومية، وكان حظ الاثنين واحدا من الحرية، وكانت الرقابة عليهما واحدة، فإن تغيير اسم المصلحة باسم المؤسسة العامة، هو جهد لا نفع منه، وهو أحيانا ضار لأن انتزاع الاختصاص القديم المتوارث من جهاز قديم تقليدي، وإقامته وحده، يتصدع له الجهاز القديم، ويبقى معه الجهاز الجديد فترة طويلة حائرا يريد أن يستكمل أدواته ووحداته الإدارية، وهذا الاستكمال عادة جهد مضن، ويستنفد من الوقت والمال شيئا غير قليل.<br />
<br />
وقد أثبتت التجربة (ونحن لا نشك في دور تجارب) أن المصلحة الواحدة تلد مؤسسات كثيرة، ولا بد لكل مؤسسة من مقر ومجلس إدارة ورئيس مجلس وأعضاء، ولا تنال ميزانية الدولة من هذا التفتيت إلا الأعباء، ثم يتضح آخر الأمر أن المؤسسة لا تعدو أن تكون مصلحة حكومية، بكل قيودها وأوضاعها، وكل التزاماتها وارتباطاتها، مع عيب خاص بها، هي أنها مولود جديد يتحسس طريقه إلى الحياة ويتعثر، وينشئ لنفسه تقاليده الإدارية.<br />
<br />
وأنه لتتولاني الدهشة كلما عرفت أن مصلحة وليدة استطاعت أن تلد عددا جما من المؤسسات والهيئات فكانت عندي أشبه شيء بفتاة لم تصل إلى سن البلوغ، ولدت رجالا ذوي شوارب ولحى.<br />
شرط لنجاح إصلاح الأداة الحكومية<br />
<br />
48 – قد يكون من لغو الكلام، أن أقول إنه لكي تنجح المحاولة المبذولة لإصلاح الأداة الحكومية، يجب أن نكون راغبين في هذا الإصلاح.<br />
<br />
وقد يبدو غريبا قولي إنه على كثرة ما قلناه وكتبنا وألفنا من كتب في إصلاح الأداة الحكومية، لم يبلغ بعد هذا الكلام من نفوسنا مبلغ الإيمان، قد يكون الإكثار من القول في هذا المعنى دليل على أن إيماننا به يتكون، ولكنه ليس دليلا على أن هذا الإيمان قد تكون فعلا.<br />
<br />
وليست كثرة الكلام بدليل دائما على قوة الإيمان، وقد ضرب الرئيس مثلا نموذجيا، فالذين كانوا يصفقون ويقفزون طربا عندما يسمعون قصيدة شوقي التي وصف فيها الرسول عليه السلام بقوله: "الاشتراكيون أنت إمامهم" هم نفس الأشخاص الذين حينما طبقت عليهم الاشتراكية قالوا إنها كفر يأباه الله والرسول.<br />
<br />
فالذين يتحدثون عن الإصلاح الحكومي، هم نفس الأشخاص الذين ينعمون في ظل القواعد السارية بسلطات لا حصر لها، ونقطة الابتداء في الإصلاح الحكومي، هي توزيع الاختصاصات بين الرؤساء والمرءوسين، وإن بقيت للرؤساء دائما سلطات التوجيه والرقابة، والمكافأة والمجازاة، والحق في التخطيط ووضع السياسة العامة.<br />
<br />
ولقد قضينا دهرا نتحدث – قبل الثورة – عن اللامركزية، وقضينا العشر السنوات الأول على الأقل من عهد الثورة نتحدث عن هذه (اللامركزية) ذاتها، دون أن نتقدم بالقدر المأمول نحوها، كأن هذه (اللامركزية) غول نخشى أن ندنو منه فيلتهمنا.<br />
<br />
القسم الثاني<br />
<br />
الإسعاف<br />
<br />
الوصايا العشر لإصلاح أداة الحكم<br />
<br />
49 – بعد أن نبدد الأوهام التي كانت تتكاثف حول موضوع أداة الحكم، وبعد أن تصدق إرادتنا على إصلاح هذه الأداة، نقول إن لهذا الإصلاح – على سبيل الإسعاف، والعلاج – سبيلا توضحه وصايا عشر، نذكرها في إجمال فيما يلي:<br />
<br />
الوصية الأولى<br />
<br />
"اخرجوا للناس"<br />
<br />
50 – تقوم فلسفة الوصايا العشر لإصلاح أداة الحكم على هذا المبدأ المجرد الشامل: ليس هناك قانون جيد، ولا نظام جيد، ولا أداة جيدة، إنما هناك إنسان جيد، وإنسان رديء سيئ، والإنسان الجيد، هو الذي يجعل القانون جيدا، إن كان القانون جيدا في ذاته، ويصلح من سوءاته إن كان سيئا، ويخفف من مضاره إن كان إصلاحه مستحيلا، ويمتنع عن تنفيذه في شجاعة وبطولة إن امتنع عليه ذلك.<br />
<br />
ولذلك فإن مهمة الأداة الحكومية الصالحة، أن تتيح الفرصة للإنسان الصالح أن يرقى في سلم الوظائف إن كان موظفا، وأن يستوفي حقه إن كان مواطنا.<br />
<br />
وما دام أن الإنسان هو العنصر الأساسي في الأداة الحكومية، لا تصلح إلا به، ولا تفسد إلا عن طريقه، فلا بد أن يكون الاتصال بين الأداة الحاكمة والناس أوثق ما يكون، إذ كلما زادت صلتها قوة، حسنت، وكلما تراخت الصلة فسدت، فلم يفسد حاكم قط أو يتردى في وهدة الظلم أو البطش، أو الخطأ والزلل، أو السرقة والاختلاس، وهو يعلم أن الناس يرونه، ولم يورد التاريخ مثلا واحدا يكذب هذه القاعدة.<br />
<br />
لذلك فإننا إذا أردنا أن نصلح أداة الحكم – على وجه الاستعجال – فلا بد أن نطلب من السادة الوزراء أولا أن يخرجوا من مكاتبهم وألا يعتصموا بها ويديروا وزاراتهم منها، ليس يكفي أنهم يحددون موعدا لكل من يطلب موعدا، ولا يكفي أن يقرأوا التقارير ويطلعوا على ما تكتبه الصحف ضد أعمال وقرارات قاموا بها واتخذوها، وليس يكفي أن يجتمع الوزير بوحدات الاتحاد الاشتراكي، واللجان النقابية، والجماعات القيادية، بل لا بد له من أن يطوف بمكاتب الوزارة في ديوانها العام مرة كل شهر بغير موعد فيأتي الوزير من بيته إلى قسم من أقسام الوزارة يحيي الموظفين ويجلس معهم، ويسأل عن الأعمال المتأخرة ويراها بنفسه، ويعرف على الطبيعة من من الموظفين في مكتبه ومن منهم قد تغيب شرعا أو بغير عذر مشروع، ثم ليرى في أي ظروف يعمل الموظفون، وبأي أقلام، وعلى أي ورق يكتبون، مثل هذه الزيارة يجب أن تقع في مصالح الوزارة المختلفة ومكاتبها خارج الديوان، ثم تجب أن تقع أيضا لفروع الوزارة في المحافظات والمراكز.<br />
<br />
والذي لا نريده زيارات لا تكتب عنها الصحف، بل لا تسمع عنها الصحف ولا يصحب فيها الوزير أحد إلا سكرتيره الخاص على الأكثر، زيارة جد لا زيارة دعاية، زيارة ليس الهدف منها وضع اليد على المخطئين متلبسين بالأخطاء، ولا إشاعة الرعب في النفوس، ولا إظهار الوزير في ثوب الحازم الباطش، بل نريد زيارات تفهم ودراسة، يعرف بها الوزير ظروف مرءوسيه، وما يشكون منه من ظروف العمل وما يشكو منه المواطنون في بلادهم، بلا إعداد ولا تهيؤ كاذب، فيفصحون عن مقترحاتهم واعتراضاتهم إلى الوزير وقد لا يعرفون أنهم يتحدثون معه ويشكون منه إليه.<br />
<br />
فمثل هذه الزيارات فوق أنها ستكشف للوزير عن جوانب لا تصورها له التقارير ولا المقالات، فإنها ستلهمه بأغنى الأفكار، وأكثرها حياة، وأوفرها صدقا، وهي في آخر الأمر، ستخفف من حرج صدور المواطنين بأمور لا سبيل إلى علاجها أو إصلاحها على وجه سريع.<br />
<br />
والمرجو أن يكون الوزراء قدوة الوكلاء ومديري المصالح، فتتوالى زيارات هؤلاء أيضا من غير إعلان سابق عنها، فيجد الموظفون والمواطنون معا، عددا من المسئولين قريبا منهم، يسألونهم، ويتحرون أحوالهم ويفتشون عن العيوب والأخطاء في الوقت نفسه.<br />
<br />
وإني كفيل بإصلاح أكثر عيوب الأداة الحكومية، من تلكؤ الأوراق، واستغلال النفوذ، وطمع في الرشوة، وتضليل للرؤساء، وقهر للمواطنين فيما لو اضطردت هذه الزيارات، وأصبحت (روتينا) مستقرا، ولم تقع في حماسة كحماسة الحمى التي تشتعل ثم تنطفئ، فلا نسمع عنها.<br />
<br />
الوصية الثانية<br />
<br />
"اللجان داء وليست دواء".<br />
<br />
51 – ما أكثر ما يسأل المواطنون عن الوزير والوكيل والمدير، فلا يسمعون إلا هذا الرد التقليدي المسئم "سيادته في لجنة"، وما دام رئيس العمل في لجنة، فالاتصال به متعذر بل ممنوع، وإذا كانت اللجنة منعقدة في ساعات العمل الصباحية، برياسة الوزير فستضم في الأغلب الأعم الوكلاء، ولا نتيجة لهذا كله إلا أن يتوقف العمل في الوزارة، وفي مكاتب الوكلاء، فلا توقع ورقة، ولا يعرض ملف، ولا يصدر قرار، ولا تتم مقابلة، ويبدو أن الرؤساء مشغولون ومنهمكون في الدرس والبحث عن حل للمشكلات.<br />
<br />
ولكن القاعدة الذهبية "ليكن الرؤساء في مكاتبهم في مواعيد العمل الرسمية قبل مرءوسيهم" هي أولى بالاتباع، فإذا كانت الساعة الثامنة هي الموعد الرسمي لبدء العمل اليومي، فأولى الناس باحترام هذا الموعد هو الوزير، وإذا حضر الوزير في هذا الموعد، وجد أن الوكلاء سبقوه إلى مكاتبهم، وسيجد هؤلاء، أن المديرين قد سبقوهم إلى مكاتبهم وسيبدأ يوم العمل منذ الدقيقة الأولى فيه، وستدب في الديوان وفي الفروع والمصالح حياة ونشاط كفيلان بأن يسبغا على عمل الوزارات والمصالح بركة.<br />
<br />
ولست أعرف أن هناك لجنة أو مجلسا حل مشكلة، أو أتقن دراسة مسألة، فأكثر أعضاء اللجان والمجالس، يحضرون الجلسات دون أن يقرءوا المذكرات التي وزعت عليهم، وفي اللجان ميل إلى (الدردشة) والخروج عن الموضوع والتسابق في رواية الفكاهات، والنوادر والغرائب، وتناول المرطبات، وشرب الشاي والقهوة، عنصر رئيسي لا تنعقد لجنة إلا به.<br />
<br />
فإذا كان لا بد من عقد لجنة فليكن موعد انعقادها بعد ساعات العمل، ولنخصص للرؤساء أيا كانت درجتهم دفاتر لإثبات الحضور، وحسبنا أن يحضر الرؤساء مع مرءوسيهم، وأن ينصرفوا آخر النهار معهم، ولسنا في حاجة إلى هذه المظاهرات الفارغة، مظاهرات انصراف الرؤساء من مكاتبهم بعد الثالثة والرابعة، استدرارا لعطف الناس عليهم، بدعوى أنهم مرهقون بالعمل، وهم في واقع الأمر، كسالى مرفهون لا يصلون إلى مكاتبهم إلا حين يحلو لهم.<br />
<br />
الوصية الثالثة<br />
<br />
"استعملوا التليفون ولا تلجأوا إلى البريد"<br />
<br />
52 – لا تدخل مكتب أحد من الرؤساء إلا وتجد على منضدة خاصة كومة من التليفونات، والمفروض أن هذه الأجهزة لم توضع للزينة، وإنما وضعت لإنجاز الأعمال، والاتصال بفروع العمل داخل المدينة وخارجها، ولكن الثابت أن هذه التليفونات هي وسيلة معطلة، لأن الوسيلة الوحيدة المعترف بها للاتصال في ذلك أن القرار لا يكتسب شرعيته إلا بإمضاء يوقع عليه الرئيس، وللخطابات خطوط ملتوية، تتعرج فيها وتتثنى حتى تخرج من مصدرها، وإلى أن تصل إلى أهدافها، على ما سنرى في الفقرة التالية.<br />
<br />
ولكن لا بد من خلق عقلية جديدة تبيح للرئيس أن يتصل مباشرة بمرءوسيه – والعكس – ليفهم الموضوع، وليصدر أمره تليفونيا، على أن يأتي الخطاب بعد ذلك مؤكدا للأمر الشفوي، ويكتفي في الفترة ما بين التفاهم التليفوني، ووصول الكتاب المؤكد له، بتسجيل موجز لأمر الرئيس في دفتر إشارات تليفونية عند طرفي المحادثة.<br />
<br />
ولا بد أن يتقرر أن من حق المرءوسين أن يتصلوا تليفونيا برؤسائهم، وأن تلغى هذه القاعدة البالية التي تقضي بأن الرئيس هو وحده الذي يملك أن يوجه الخطاب، وأن المرءوس لا يملك إلا الرد، لا بد أن يوضع دستور جديد للإدارة يبيح للمرءوسين أن يتصلوا مباشرة بالرئيس المباشر وبالرئيس الأعلى تليفونيا، ليعرضوا الموضوع وليتلقوا الأمر، ليسرعوا بالتنفيذ، دون انتظار للكتاب الرسمي المؤكد للأمر.<br />
<br />
ولقد شكت مصلحة البريد من كثرة المراسلات المسجلة المتبادلة بين مصالح الحكومة في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، ورجت في إلحاح أن يتم تبادل هذه المراسلات عن طريق السعاة الذين يملأون ردهات وممرات الوزارات والمصالح على أن يصحبوا معهم دفاتر المراسلات، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة أكثر نجاعة وأقصر وقتا، فإن الوزارات والمصالح لم تستطع أن تنتزع من قلبها غرامها الشديد بالمراسلة البريدية المسجلة التي قد تتأخر عادة أياما طويلة.<br />
<br />
الوصية الرابعة <br />
<br />
"من المرسل إلى المرسل إليه مباشرة"<br />
<br />
53 – لا تسلك المراسلات الحكومية خطوطا مستقيمة، فهذه المراسلات إما أن تسير في خطوط منحنية، أو خطوط متعرجة أو حلزونية، أو متقطعة.<br />
<br />
فالكتاب الحكومي لا يخرج من مكتب الوزير مثلا إلى مكتب مدير المصلحة أو مكتب الوزير الآخر، بل لا بد أن يمر في القيودات، ليسجل في دفتر الصادر، ثم إذا وصل إلى الوزارة أو المصلحة، استقبلته إدارة القيودات، ليسجل في دفتر الوارد، ثم تتناوله أيد كثيرة قبل أن يعرض على الوزير أو الرئيس المختص.<br />
<br />
ولذلك لا يكون غريبا أن يصدر الخطاب من المرسل، ثم تنقضي أيام ولا يصل إلى المرسل إليه، فيدور البحث في الجهة المرسل إليها، فلا تعثر عليه، ثم يدور البحث في الجهة المرسل إليها، فإذا هو باق لم يتحرك بعد، لأنه لم يقيد في دفتر الصادر، وبين الصادر والوارد، قد تختفي المراسلة، في حين يكون صاحب الحاجة فيها، قد قطع أميالا بين الجهتين ذهابا وإيابا وصعودا وهبوطا، مع تحمل الإهانة ومذلة السؤال عن رقم الصادر ورقم الوارد، وتاريخ الإرسال وساعته.<br />
<br />
ولذلك يجب أن يوضع حد لهذا التعرج والتثني.<br />
<br />
وأن يصدر الخطاب من الجهة المرسلة مباشرة إلى الجهة المرسل إليها، ويكون في كل مكتب دفتر صادر خاص به، يصب في آخر النهار في دفتر عام للصادر تقيد فيه مراسلات الديوان أو المصلحة، برقمها الخاص في الدفتر الخاص، ثم برقمها المتسلسل في الدفتر العام.<br />
<br />
الوصية الخامسة<br />
<br />
"إمضاء واحدة على الورقة الواحدة"<br />
<br />
54 – يجب أن ينتهي عهد الإمضاءات على الورقة الحكومية الواحدة، والتي كان القصد منها قديما التأكد من سلامة الورقة، وإقامة الحوائل في وجه الاختلاس والتزوير وتبديد أموال الدولة، ولكن التاريخ الطويل للإدارة المصرية أثبتت أنه ليس ثمة منافذ أوسع للمزورين والمبددين والمختلسين من كثرة الإمضاءات التي تزدحم على الورقة الواحدة، والتي تلطخ وجهها بأقلام عديد من الموظفين لا يعرفون عن مضمون هذه الورقة شيئا، وإنما يوقعونها لأن اللوائح تطلب ذلك، فإذا ضبط الاختلاس ضاعت المسئولية بين أصحاب هذه الإمضاءات العديدة، كبيرهم يرد المسئولية بأن دوره التوقيع، وصغيرهم يردها بأنه عبد المأمور، فليبدأ عهد الورقة التي تحمل إمضاء واحدا أو إمضاءين على الأكثر، لتتحدد المسئولية، ثم ليصبح من السهل الميسور إعداد وإصدار الأوراق التي يحتاج إليها المواطنون في إنجاز وتصريف أعمالهم.<br />
<br />
ولنجرب، ولو لفترة، نظام الإمضاء الواحدة لنعرف هل ستزيد الاختلاسات أم ستقل، وهل ستشيع الفوضى في جهازنا الإداري أم سيشملها نظام، وستدب فيها حياة؟<br />
<br />
الوصية السادسة<br />
<br />
"إحصاء سريع نشيط موجز كل أسبوع وكل شهر"<br />
<br />
لندخل نظام الإحصاء الأسبوعي والشهري، هو نظام يفرض على كل موظف بأن يعد في آخر الأسبوع بيانا موجزا بالأوراق التي تسلمها والتي لم يستطع أن يصرفها، ويرفع هذا البيان إلى الرئيس المباشر.<br />
<br />
وفي آخر الشهر يرفع إلى الرئيس الأعلى – رئيس الإدارة أو مدير المصلحة – بيان بجمع الملفات والمراسلات المعطلة.<br />
<br />
وليست الغاية من إعداد هذه البيانات إبراز تقصير الموظفين المقصرين، بقدر ما هي تبين مواطن النقص في الوحدات الإدارية المختلفة، واستحثاث الرؤساء للتدخل لدفع العجلة، ومد يد المساعدة، واقتراح الحلول، والاستعانة بالرؤساء الأكبر منصبا، والأكثر نفوذا.<br />
<br />
ومن واقع البيانات الشهرية وتحليلها، ومقارنتها بعضها ببعض في المصالح التابعة للوزارة الواحدة، ثم في المصالح التابعة للوزارات المختلفة، يمكن وضع اليد على مواطن الضعف المشتركة في جهاز الإدارة، وتبين أسباب العلة، وقد يعين هذا على اقتراح الحل الأمثل.<br />
<br />
الوصية السابعة<br />
<br />
56 – "أنشئوا مجلس (الوزارة) ومجلس (المصلحة)"<br />
<br />
إذا قررنا نظام الإحصاء الأسبوعي ثم الشهري للأعمال والملفات والقرارات المتأخرة، فلا بد أن يكون هناك جهاز يتلقى هذه الإحصاءات ويدرسها، ويصدر في شأنها رأيا أو قرارا.<br />
<br />
وليس أليق بالقيام بهذه المهمة من مجلس يعقد برياسة الوزير مرة في الشهر ويضم وكلاء الوزارة ومديري المصالح ووكلائهم، وتعرض عليه هذه الإحصائيات مقرونة بتعليق الإدارة المختصة أما تبريرا لتعطيل الأعمال المعطلة أو كشفا عن خلل أدى إلى التعطيل، إذا كانت معالجة هذا الخلل أو التصدي له مما يخرج عن قدرة المصلحة، وجب أن يبحث مجلس الوزارة عن علاجه، فإن عجز بدوره، وجب رفع الأمر إلى الجهات الأعلى، ولكي يكون عمل مجلس الوزارة مستمرا، يجب أن يعقد قبله في المصلحة مجلس يضم مديرها ووكيلها ورؤساء الفروع فيها، ليبحثوا في مشكلات المصلحة على ضوء التقارير الشهرية وتحليلها والتعليقات المصاحبة لها.<br />
<br />
ولسنا نحب أن نخوض في تفصيلات عمل هذه المجالس، ولكن لا بد أن ننبه إلى أنها لن تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا اضطردت واستقرت، ولم تؤخذ كالعادة في أول أمرها، بالحماسة والاهتمام، ثم تقل العناية بها، ثم تنقطع.<br />
<br />
ولا بد لهذه المجالس من مضابط لإثبات توصياتها، ولا بد لها من جدول أعمال واضح وبسيط، وليست العبرة في هذه المجالس بطول الجلسات، وكثرة ما يقال فيها من كلام، أو حسب أعضائها ساعة عمل جادة، خير من جلسات طويلة فارغة، تسئم الأعضاء، وتشعرهم بأن حضور هذه الاجتماعات ضريبة ثقيلة مفروضة عليهم.<br />
<br />
ولا بد لهذه المجالس من أن تتطور، فتتغير أساليب العمل فيها وتتسع خطتها حسب الحاجة.<br />
<br />
ولا شك أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، قادر على أن يجعل من هذه المجالس وسائل ناجعة لمد الجهاز الإداري بروافد حيوية وتطويره.<br />
<br />
وقد يكون من الطبيعي، بعد إنشاء مجالس المصالح ومجالس الوزارات على ما سيأتي به القول أن يعقد مؤتمر لمشكلات الإدارة، يعقد سنويا برياسة رئيس الوزراء، يضم الوزراء يضم الوزراء والوكلاء ومديري المصالح ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات والهيئات والوحدات التابعة لها، تعرض فيه المشكلات التي واجهت الإدارة في العام المنصرم، والحلول التي انتهجتها كل وزارة، والتعديلات المقترحة في القوانين السارية، كما تلقى فيه بعض البحوث عن الدراسات الإدارية المقارنة، على أن يخصص في جدول أعمال هذا المؤتمر، جانب لمشاهدات ومقترحات العائدين من الخارج من مهمات أو دراسات أو بعثات لينتفع أعضاء المؤتمر بتجارب ومشاهدات المواطنين الذين أتيحت لهم فرص الاتصال والاحتكاك بالأجهزة الإدارية في الخارج.<br />
<br />
الوصية الثامنة<br />
<br />
"مصارف للسلطة تتدفق منها إلى أسفل"<br />
<br />
57 – لا بد أن نراعي في كل قانون جديد لتنظيم الإدارة، أن ننص صراحة وبوضوح على سلطات المديرين والرؤساء، لا سيما سلطات الجزاء والمكافأة، لكن على أن ينص في الوقت نفسه على طريق لتوزيع هذه السلطات على معاوني ووكلاء ومساعدي المديرين والرؤساء.<br />
<br />
ويمكن أن تقسم سلطات هؤلاء الرؤساء والمديرين إلى ثلاثة أقسام:<br />
<br />
1 – سلطات للرئيس الأعلى، وتبقى له إذ يجب أن يباشرها بنفسه إلا في حالة الغياب.<br />
<br />
2 – سلطات للرئيس الأعلى، ويجوز له أن ينزل عنها كلها أو بعضها لمعاونيه ووكلائه.<br />
<br />
3 – سلطات للرئيس الأعلى، ويجب عليه أن يفوض فيها غيره من معاونيه ووكلائه، تحت إشرافه وتوجيهه.<br />
الوصية التاسعة<br />
<br />
"أحيوا قانون الكسب غير المشروع"<br />
<br />
58 – إن قانون الكسب غير المشروع هو ضمانة من ضمانات نظام الجهاز الإداري، وهو حماية للموظفين تقيهم الانحراف والشر، وإذا كان المثل العامي يقول إن (المال السايب يعلم السرقة) فليس ثمة مال يبدو أنه لا صاحب له مثل المال العام، ولقد كان قانون الكسب غير المشروع أملا من الآمال القوية، ولكنه ولد ميتا، ولا سبيل في إحيائه إلا بوضع نصوص تحتم عرض إقرارات الكسب غير المشروع سنويا على جهة من جهات التحقيق العام أو الإدارية.<br />
<br />
فالوزراء ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الذين في درجتهم يجب أن تعرض إقراراتهم سنويا (خلال شهر ديسمبر من كل سنة مثلا) على النائب العام والمحامين العمومين، ولا بد من فتح محضر إذا كان في الإقرار أي عنصر جديد زاد من ذمة الوزير أو رئيس المؤسسة ولو كانت الزيادة مشروعة أو تافهة.<br />
الوصية العاشرة<br />
<br />
"الصيانة أهم من الإنشاء"<br />
<br />
59 – يقول المثل إن الوقاية خير من العلاج، أو أن قيراطا من الوقاية يغني عن قنطار من العلاج، ونقول "إن الصيانة أهم من الإنشاء".<br />
<br />
فالإدارة الحكومية وإن كانت في المقام الأول هي جهاز بشري، وليست قوانين ولا ضوابط وقواعد، إلا أن الجهاز البشري لا يعمل بنفسه، بل له وسائط تكاد تكون جزءا منه تكمله، فإن توافرت له، زادت من كفايته، ومن إنتاجه، ورفعت مستوى قدراته، فالمكان الذي يعمل فيه الموظف، والمقعد الذي يجلس عليه، والقلم الذي يكتب به، والملف الذي يطوي فيه أوراقه، أشياء رئيسية تبعث في الموظف الميل إلى العمل أو تصرفه عنه، وتقلل من أخطائه أو تزيد منها، فالمكان السيئ، الذي لا تتوافر فيه راحة الموظف، يعطل الأداة الحكومية، ويفسدها، ويؤذي مصالح الناس.<br />
<br />
ولكن الحكومة تبني أحيانا مباني صالحة للعمل وجيدة الموقع، وحسنة التصميم، ثم تترك للإهمال يعبث بها، ويحيلها مع الزمن القصير، إلى خرائب، وتضع في هذه المباني الجيدة أثاثا جيدا ثم تنسى أن هذا الأثاث في حاجة إلى صيانة وتجديد، فيبلى، ويتداعى، ويصبح من سقط المتاع.<br />
<br />
الحكومة لا تعرف الصيانة ولا تعترف بأهميتها، ولا ترصد في الميزانية مبالغ واعتمادات كافية للإبقاء على مبانيها وأدواتها من سيارات وآلات كاتبة وآلات حاسبة ومصابيح وأثاثات، ولا أظنني في حاجة لأن أصف لك ما نراه في الدور الحكومية من كراسي مربوطة بالسلك والدوبار، ودواليب المفروض أنها مقفلة على ملفات وأوراق هامة، وهي مفتوحة لأن لمسة من طفل تنتزع أقفالها، والمناضد بلباد كان في يوم من أيام أخضر، فأصبح يحمل ألف لون، ويضم مائة خرق وثقب.<br />
<br />
فلا بد إن من أن تولد عقلية الصيانة، وأن يرصد مبلغ ظاهر كبير في الميزانية مستقل باسم اعتماد الصيانة، ثم يوزع بعد ذلك على الوزارات والمصالح، والإدارات، لتبقى الأبنية سليمة، والأجهزة صالحة للعمل، والأدوات جديرة بالاسم الذي يطلق عليها.<br />
هذه الوصايا هي بعض من كل<br />
<br />
60 – ليس الإسعاف المرجو للأداة الحكومية معلقا على هذه الوصايا العشر وحدها، وإنما هي خلاصة العلاج العاجل، ويمكن تعزيزها بوصايا فرعية إليك بعضها:<br />
<br />
• الغوا القوانين ولا تعدلوها.<br />
<br />
• المحفوظات كالمعدة بيت الداء.<br />
<br />
• نحن في القرن العشرين فلتكن أدواتنا أدوات القرن العشرين.<br />
<br />
• خففوا من العقوبات، عقوبات الرشوة والانحراف وزيدوا من كفاية جهاز الضبط والتحقيق.<br />
<br />
فتعديل القانون المرة بعد المرة يجعل الإحاطة بهذه التعديلات أمرا شاقا حتى بالنسبة للمشتغلين بالقانون كالقضاة والمحامين، ومعرفة القانون نقطة الابتداء في العمل الحكومي السليم، فالأسلوب الأفضل الواجب الاتباع عند تعديل القانون إلغاؤه تماما ووضع قانون جديد بدلا منه.<br />
<br />
ومحفوظاتنا، في حاجة إلى حملة تنظيم وتبسيط، وفهرسة من جديد، وهي حملة لا تحتمل التأخير.<br />
<br />
وأدواتنا الكتابية التي تنتسب إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر يجب أن نلقي بها في البحر، فلا بد من التوسع من استعمال الآلات الكاتبة وأن نخجل من استعمال (البالوظة) في أعمالنا القضائية، وغيرها.<br />
<br />
وحياتنا الحكومية، يجب أن يضع تصميماتها معماريون متخصصون، فالمحاكم والمستشفيات والمسارح لكل منها مهندسون يعرفون احتياجاتها، أما المباني التي تبنى اعتباطا فتسبب للجمهور وللموظفين متاعب لا حصر لها.<br />
<br />
والعقوبات الشديدة لا تمنع الجريمة وإنما جهاز الضبط والرقابة الكفء النشيط المتزن هو الذي يمنعها، وقد أثبتت الأيام الأخيرة أن تغليظ عقوبة الاتجار بالمدخرات لم تمنع محاولات التهريب كما لم تمنع تغليظ عقوبة الرشوة من فشو الرشوة بل إن شدة العقوبة تجعل كل الأجهزة أكثر ترددا وأميل إلى ترجيح كفة البراءة عند القبض والتحقيق والحكم.<br />
<br />
القسم الثالث<br />
<br />
العلاج<br />
<br />
61 – أكدت في وضع سابق من هذا المقال أنه ليس ثمة علاج حاسم لعيوب وأمراض أية أداة حكومية، وقلت إن رئيس الولايات المتحدة (تافت) الذي كان يظن أن لجنة ذات مستوى عال قادرة على تشخيص العلة ثم وصف الدواء بعد عدد من الاجتماعات تبين أن ما ظنه كان أبعد الأشياء عن الحقيقة، فإن الأداة الحكومية جهاز حي، تتجدد مشكلاته وأمراضه، والعلاج الذي ينصح به اليوم، قد لا يصلح غدا، وأن لجنة إصلاح الأداة الحكومية يجب أن تكون دائمة، تأتي إليها المشكلات أولا بأول، فتجمعها وتبوبها، وتحللها، ثم تستخلص منها قواعد عامة، تعرضها للتطبيق بعد التأمل والدراسة والمشاورة، ثم ترى ما يسفر عنه التطبيق، فتغير في القواعد مع التزام خطة التريث والاتئاد، وأن تبتعد قدر ما استطاعت عن القفز إلى النتائج، والتشبث بأول نتيجة يكشف عنها التطبيق.<br />
<br />
لذلك أرى – في ختام هذا البحث أن العلاج الدائم – أو الأطول عمرا، إن أردت الدقة – يقوم على ثلاثة قوائم: <br />
<br />
أولا – الخطة.<br />
<br />
ثانيا – الجامعة.<br />
<br />
وثالثا – الإرشاد.<br />
<br />
أولا: <br />
<br />
62 – الخطة: ما دمنا قد أخذنا أنفسنا بسياسة التخطيط فقد أصبحت لجنة الخطة، وأجهزتها، المتصلة بها، وعاء ضخما لمعلومات لا حصر لها من كل نوع: اقتصادية، وإدارية، وثقافية، وستأتي مع هذه المعلومات سمات وخصائص الأجهزة الإدارية التي تبعث بهذه المعلومات، أو التي تتناولها هذه المعلومات وعندها سيسهل وضع اليد على صور التضارب والتداخل والفراغ الإداري، وستنكشف حقائق الكفاية الإدارية أو نقصها وانعدامها، وفي ضوء هذا كله، سيتيسر وضع بناء إداري جديد، يتفق مع الخطة، وينهض بأعبائها، ويحتوي على طاقات التطور والنمو والاتساع.<br />
<br />
فبناء جهاز إداري جديد سليم، خال من الفروع الزائدة عن الحاجة، تتحدد فيه الاختصاصات على وجه بين، وقابل للرقابة والتوجيه، ومستعد للاستجابة لحاجات الشعب، ولتقديره وإرشاده، هو أساس النجاح في أية خطة، وبغير هذا الجهاز لا يؤمل في نجاح تلك الخطة، كبرت أو صغرت.<br />
ثانيا – الجامعة:<br />
<br />
63 – المعين الأساسي للعنصر البشري في أداة الحكم هو الجامعة، وقد أصبحت الجامعات لدينا، جامعات الأعداد الضخمة، وذلك تبعا لرغبتنا الشديدة في إتاحة كل فرص التقدم المتساوية للمواطنين الذين حرموا طويلا من خدمات التعليم والتثقيف.<br />
<br />
ولكن لا بد بعد أن وصلنا إلى مرحلة جامعات الأعداد الضخمة، أن نفكر في كيف نتدارك عيوب هذه المرحلة، فإن لم يتيسر القضاء عليها، فلا أقل من أن نعمل على تخفيف آثارها، وسبيل هذا التخفيف هو ألا تكون الشهادة الجامعية وحدها جواز المرور إلى الوظيفة، فلا بد من إقامة مراكز تدريب واسعة، في نفس المصالح التي سيعين فيها هؤلاء الخريجون، أو خارجها سواء أكانوا من حملة المؤهلات النظرية أو العملية، ولا بد للجامعة أن تعيد النظر في برامجها على ضوء الخطة، فتنقى من الحشو، ومن الإسراف، ولا بد من العناية بالنشاط الثقافي والاجتماعي للطلاب، ولا بد للجامعة أن تنظم برامج للخروج إلى الشعب بالثقافة العلمية والأدبية، وما تقوم به الجامعات الأوروبية والأمريكية في هذا الصدد لا ينفد الكلام في صدده.<br />
ولسنا قادرين على أن نفصل القول فيه هنا.<br />
<br />
ثالثا – الإرشاد:<br />
<br />
64 – لم نؤمن بعد بالقدر الكافي بالإرشاد، ولا نزال نعتبره من كماليات الإدارة، ولا نزال ننظر إليه، باعتباره أجزاء متناثرة، لا تضمه وحدة، ولا تنتظمه سياسة عامة، فالإرشاد الزراعي، والصحي، والاجتماعي، والديني، والفني والسياسي، والزراعي والسياحي والثقافي، يتبع كل منه وزارة، ولا توجد وزارة واحدة تضم هذه الأجزاء مع أنها متكاملة، ولا تؤدي أثرها المطلوب، إلا إذا قامت عليها هيئة واحدة، وكل وزارة حريصة على أجهزة الإرشاد التابعة لها، ظانة أنها وحدها القادرة على إدارتها، مع أن الوزارة قادرة على أن تحضر المادة العلمية، وأن ترسم سياسة إرشادها، ثم تدع التنفيذ لوزارة الإرشاد القومي، على أن يكون الموظفون الفنيون الصحيون والزراعيون وعلماء الدين، ورجال الفن، منتدبين لوزارة الإرشاد القومي، التي تتجمع لديها أجهزة العرض والمطابع، وسيارات القوافل، والدور التي تضم الجماهير والجماعات، وقاعات المحاضرة، والمكتبات، والنشرات والمطبوعات والملصقات.<br />
<br />
وقيام جهاز كفء يضم هذه الوحدات كلها، هو نقطة تحول في حياتنا العقلية والسياسية والإدارية، فأداة الحكم، كما سبق أن قلت، لا تنهض وحدها، وإنما تنهض وتتقدم وتزداد كفاءة، بكل تقدم مادي وروحي يظفر به الشعب، والشعب المثقف المستنير العارف لحقوقه، المطالب بها، لا يسكت على الاعوجاج والانحراف، بل يصلحه، وهو يلهم الموظف ويعلمه ويقوده ويرشده، وعند الاقتضاء يردعه ويضعه على طريق الصواب.<br />
<br />
فإذا كنا على أبواب خطة تنمية اقتصادية، فإنها تقضي خطة تنمية روحية، وتستلزم خطة تنمية إدارية، فلا سبيل إلى ضمان النجاح لكل هذه الخطط بغير جهاز إرشاد قومي شامل قوي غني ذي كفاية.</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8_%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB_4_%D9%81%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B1&diff=644605قالب:كتاب حادث 4 فبراير2012-03-05T17:14:42Z<p>Elsamary: حمى "قالب:كتاب حادث 4 فبراير" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>===استبداد الأغلبية===<br />
<br />
لقد كانت عودة [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] [[1942]] سببا كافيا لكي تنصرف عنه قطاعات كبيرة من المصريين ولعل هذا مما ضاعف من هواجس [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وخصوصا وأن فاروق قد حظي بشعبية حقيقية واسعة النطاق ليس مصدرها [[حادث 4 فبراير]] وحده بل بسبب زياراته المنتظمة لمساجد [[القاهرة]] والتي كان يزور أحدها في كل جمعة حيث كان يختلط بجماهير المصلين الفقراء مستكملا بذلك مظاهر تدينه وورعه.<br />
<br />
وكان [[الوفد]] يرقب والهواجس تنتابه وبالرغم من محاولات [[الوفد]] نقل الصراع إلى مجال الدستور – كما كان يحدث زمن الملك فؤاد – إلا أن أحدا من المصلين لم تنطل عليه تلك الخدعة ومن هنا تضاعف الصراع بين [[الوفد]] والقصر بسبب وجود ملك ينافس [[الوفد]] نفوذه مع فاروق هام هو أن غالبية المصريين كانوا يتعاطفون مع فاروق في هذه المرة .<br />
<br />
وأعتقد أن [[السياسة]] البريطانية قد أصابت مغنما بسبب سياستها في 4 [[فبراير]] حيث نجحت إلى حد كبير في زعزعة ثقة المصريين تجاه [[الوفد]] تلك المؤسسة السياسية الوطنية التي أقلقت الاحتلال أكثر من عشرين عاما ولعل [[الوفد]] في محاولة منه لإعادة ثقة الجماهير به مرة ثانية قد ضل الطريق حيث انصرفت جهوده إلى خدمة أنصاره وتعقب خصومه ولم يكترث برأي الأحزاب الأخرى أو معارضتها .<br />
<br />
وأعتقد أن تلك [[السياسة]] جاءت بنتائج عكسية ضد مصلحة [[الوفد]] ولحساب القوي السياسية الأخرى لأن العناصر الواعية من أعضاء [[الوفد]] قد انتابها الفزع بسبب تلك [[السياسة]] التي جعلت من [[الوفد]] سندا للإنجليز وتابعا لهم بعد أن كان حربا عليهم ومقاوما لهم .<br />
<br />
وعلى الرغم من الإجراءات العديدة والتي استخدمها [[مصطفى النحاس|النحاس]] بوصفه الحاكم العسكري العام والتي تعد في معظمها تنفيذ لقانون الطوارئ إلا أن كل ذلك لم يمنع حالة الغليان التي كانت تعم معظم فئات الشعب المصري .<br />
<br />
وهكذا اتخذت حكومة [[الوفد]] من الأحكام العرفية والتي عارضها [[مصطفى النحاس|النحاس]] وطالب بإلغائها سنة [[1940]] سلاحا استغله أسوأ استغلال .<br />
<br />
ونظرا لأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يريد أن يستعيض عن أفراد الطبقة الوسطي '''(''' البرجوازية''')''' والتي أخذ اغلبها ينصرف عنه بطبقة أخري من الأنصار من ذوي المصالح فقد سمح للمحامين [[الوفد]]يين بالمرافعة في القضايا العسكرية الناجمة عن الأحكام العرفية دون غيرهم من المحامين وصارت هذه المحاكمات وما اتخذ من وساطات غير مشروعة فتحا كبيرا لهم ومصدرا جديدا لثراء العديد منهم وبدأت المحسوبيات والاستثناءات تغدق على الأنصار والمحاسيب وأصبح الثراء بالطرق الغير المشروعة هدفا لكثير من [[الوفد]]يين كما أحيل كثير من الموظفين إلى المعاش لا لبلوغهم السن القانوني وإنما لكونهم غير وفديين.<br />
<br />
ويبدو أ كل الأحزاب المصرية التي تعاقبت على الحكم منذ العشرينات من هذا القرن قد أسقطت من حساباتها كل المبادئ الديمقراطية التي تتعارض ومصالحها وحدثت تجاوزات في سياسة كل حكومة بما يتفق وظروف كل منها فلقد تولي حزب الأحرار الدستورين الحكم سنة [[1928]] , [[1938]] فعطل الدستور وضغط على الحريات وأنشأ في [[مصر]] ما يسمي بحكم البيونات وكان مهادنا للسراي معتدلا مع الانجليز وحاول أن يرصف الشعب عن مطالبه الوطنية بالدعوة إلى الإصلاح الداخلي .<br />
<br />
وفي سنة [[1925]] ولي حزب الهيئة السعدية فزيف الانتخابات وضغط وقاوم في الحكم مستندا إلى القصر أى أن هذه التجاوزات التي وقعت فيها حكومة [[الوفد]] الوطني كانت من صنع أحزاب الأقلية إلا أن قناعتنا ب[[الوفد]] باعتباره حزب الكفاح الوطني تدفعنا إلى لقاء قدر كبير من المستولية عليه حيث بدأ التناقض واضحا بين موقفه من الديمقراطية قبل مجيئه إلى الحكم وسياسته تجاهها بعد أن تولي الحكم في 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
وبدلا من أن يتخذ [[الوفد]] من الديمقراطية وسيلة وغاية إلا أن ناهضها بالعديد من الإجراءات بدأ من حرية الصحافة وانتهاء بالاعتقالات السياسية .<br />
<br />
ولم يقتصر الأمر عند حد ما يكتب في الصحف بل تخطاه إلى تحديد عدد صفحات الجرائد اليومية إلى أربع صفحات فقط دون أن تصاحبها ملاحق أو تشتملا على نشرات ولا يجوز للصحف اليومية أن تصدر أكثر من ست مرات أسبوعيا ولا يجوز لها بأى حال إصدار جريدة أخري ولو باسم الأسبوعية على ورق يزيد حجمه على 30×44 سم وكل من خالف هذه الأحكام تكون عقوبته من 50 إلى 500 جنيه غرامة .<br />
<br />
ولم يقتصر الأمر عند حد الصحافة إنما تعداه إلى الإرهاب السياسي عن طريق تفتيش مقار الأحزاب بما فيه نادي [[سعد زغلول]] حيث اقتحمته [[صفية زغلول]] زوجة مؤسس [[الوفد]] الأول [[سعد زغلول]] .<br />
<br />
وعندما تقدم أحد نواب الشيوخ بسؤال إلى رئيس الوزراء حول الأسباب التي استدعت هذا التفتيش أجاب بأن أحد أعضاء النادي المشار إليه اعتاد أن يوزع على الشبان الذين يترددون على هذا النادي نشرات مثيرة دون ترخيص من إدارة النشر ومن أجل هذا أصدرت المر إلى البوليس بصفتي الحاكم العسكري العام.<br />
<br />
وعلى الرغم من مبررات الحكومة ودوافعها إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يجب عليه أن ينأي بنفسه عن هذه الأعمال نظرا لمكانة زوجة [[سعد زغلول]] في المجتمع المصري ولأن الاعتداء على مقار الأحزاب وإجراءات تفتيشها يعد ردة أكيدة عن الديمقراطية مهما كان العمل بقانون الأحكام العرفية .<br />
<br />
ووفق مضابط مجلسي النواب والشيوخ فإن قضية الحرية الصحفية قد أخذت حيذا كبيرا في مداولات الأعضاء داخل المجلس بل تطرق الحديث عند تناول هذه القضية إلى [[معاهدة 1936]] حيث اعتبر أحد الأعضاء أن الرقابة ليست من صنع الإدارة لمصرية وإنما هي وليدة المعاهدة وذهب النائب إلى المطالبة بإلغاء [[معاهدة 1936]] وما يترتب عليها من إجراءات تتعلق بالحرية الصحفية .<br />
<br />
وبالنظر إلى مذكرة [[الوفد]] والتي تقدم بها [[مصطفى النحاس]] إلى الحكومة البريطانية في [[أبريل]] سنة [[1940]] يبدو التناقض الأوضح فيما يتعلق بحرية الصحافة حيث أشار [[مصطفى النحاس|النحاس]] في تلك المذكرة بأنه لا معني لأن تمتد الرقابة على الأخبار لعسكرية إلى الرقابة على كل الشئون المصرية حتي أصبح المصريون في عهد الاستقلال وكنهم آلة عمياء لا يسمع لهم صوت في تصريف شئون البلاد ولا يدرون إلى أى مصير مسوقون ولا قدرة لهم على الشكوي مما هم إليه موجهون.<br />
<br />
والجدير بالملاحظة أن الأحكام العرفية لم تطبق في انجلترا نفسها وقت قيام الحرب وعلى حد تعبير المستر براكن وزير الاستعلامات الانجليزي " لن توجد في بريطانيا صحافة تؤيد الحكومة على طول الخط فنحن ننظر إلى حرية الصحافة بنفس النظرة التي ننظر بها إلى استقلال القضاء والبرلمان .<br />
<br />
وأعتقد أن حرية الصحافة في بريطانيا وقعت قيام الحرب كانت حقيقة أكيدة فلقد نشرت العديد من الصحف البريطانية مقالات افتقدت فيها المستر تشرشل لأنه يحتكر لنفسه معظم السلطات وطالبت بتوزيع المناصب حتى توقف الفوضي المتفشية في الوزارات ونشرت صحيفة الأحرار البريطانية مقالا انتقدت فيه جميع وزراء تشرشل وقالت : أن بقاء المستر كوبر في الوزارة محسوبية صارخة فإن العمل الوحيد الذي قام به أثناء توليه منصب وزير الدولة في الشرق الأوسط هو حضور السهرات وحفلات الكوكتيل , '''نشرت صحيفة " الديلي ميل" خبرا قالت فيه : ''' أن أعضاء [[الوفد]] الروسي رفضوا حضور المآدب والحفلات '''قائلين : ''' نحن جئنا إلى لندن لنعمل لا لنشرب الشمبانيا ونأكل الكافيار . '''وعلقت صحيفة المحافظين على هذا الخبر قائلة : ''' كنا نود لو سمعنا هذا التصريح من الوزراء الانجليز كل هذا وأمثاله يكتب في انجلترا زمن الحرب ولا تتعرض له الرقابة '''حتى قيل للمستر تشرشل : ''' استغل الرقابة في حماية وزارتك لقضية الحرب '''فأجاب : ''' أن الوزارة التي تحمي نفسها بغير رضاء الشعب لا يمكن أن تعيش في انجلترا .<br />
<br />
وبعد هذا الاستعراض يمكننا القول بأن بريطانيا وهي الدولة صاحبة المصلحة الأولي في الحرب لم تطبق أى نوع من القيود على حرية المواطن الانجليزي سواء بالحد من حرية الصحافة أو حرية الأفراد على وجه العموم ووفقا لقول [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه في أكثر من مناسبة " أن [[معاهدة 1936]] هي معاهدة الشرف والاستقلال " أى أن [[مصر]] وعلى حد قوله قد حصلت على استقلالها عملا بالمعاهدة وحيث أنها لم تكن طرفا مباشرا في الحرب حيث أنها لم تعلن الحرب فعليا '''(''' إلا في عهد حكومة [[أحمد ماهر]] [[1945]] ''')''' وبناء على كل هذه الاعتبارات فلم أجد مبررا واحدا لكل هذه التسهيلات التي قدمتها حكومة 4 [[فبراير]] وبلا أى مقابل ولعل أعز ما قدمته [[مصر]] هو حرية المواطن المصري الذي بات غريبا في أرضه وعلى وطنه .<br />
<br />
وإذا كان أحد زعماء [[الوفد]] يؤكد أن [[مصر]] قد حصلت من بريطانيا مقابل مل هذه التسهيلات على وعد يمكنها من ممارسة كافة أشكال الاستقلال وحقها في [[السودان]] ويضيف صاخب هذا الرأي . أن بريطانيا عندما أوشكت الحرب على نهايتها قد أعطت الضوء الأخضر للملك فاروق حتى يتخلص من [[الوفد]] وبالتالي يمكن لبريطانيا أن تتخلص من وعودها السابقة .<br />
<br />
إذا كان هذا القول فإنه يحمل كل السذاجة السياسية فليس من المعقول ولا من المقبول شكلا ولا موضوعا أن تقدم [[مصر]] كل عزيز لديها طوال فترة الحرب بما في ذلك تعطيل الديمقراطية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وقتل آلاف من الأبرياء في [[الإسكندرية]] بسبب غارات الألمان , كل هذا مقابل وعد سفهي قطعته بريطانيا على نفسها ونظرا لأهمية هذا الرأي فقد بحثت عن خيط ولو رفيع يرشدني إلى توثيق هذه المعلومة وبكل أسف لم أتمكن من ذلك سواء في المصادر أو الدراسات العديدة التي تناولت العلاقات المصرية البريطانية في القدرة موضع البحث .<br />
<br />
ولقد بلغ من تعاون حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] مع بريطانيا حدا تحدت فيه الحكومة كل مشاعر المصريين حتي أنه في سنة [[1944]] والحرب قد أوشكت على نهايتها فقد تقدم أحد أعضاء مجلس النواب باقتراح وجوب إلغاء الأحكام العرفية على اعتبار أن الأسباب التي من أجلها أعلنت قد زالت ولم تعد هناك ضرورة حربية أو متعلقة بشئون التموين لبقائها بل أن جميع الضرورات حتى الأدبية والخلقية منها تقتضي المبادرة إلى إلغائها وإلغاء الآثار المترتبة عليها وفي مقدمتها الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين .<br />
<br />
إلا أن ديكتاتورية الأغلبية وتحكمها في قرارات المجلس قد دفعها إلى مصادر كل رأي أو فكرة وطنية ولو حدث وأقدم [[الوفد]] على إلغاء الأحكام العرفية – في مثل هذا الوقت لكان من الممكن أن تكون مبادرة طيبة تعيد إلى [[الوفد]] بعضا من هيبته داخل صفوف الشعب المصري إلا أن [[الوفد]] قد ارتضي لنفسه أن يأخذ موقفا مناهضا لمشاعر المصريين جميعا وبلا أى ثمن إلا الوعود والأمنيات الطيبة والتي دفع [[الوفد]] ثمنها باهظا .<br />
<br />
وفي العشرينات والثلاثينات من هذا القرن كانت القاعدة العريضة من الجماهير ترتضي [[الوفد]] حزبا لها وقيادة تتحرك بإشارته فقد نشأ في حوادث [[ثورة 1919]] فالتفت حوله الجماهير باعتباره ممثلا لمطالبها في الاستقلال والحرية ثم كان حفل زفافه إلى السلطة سنة [[1942]] حفل الجناز له كحزب ثوري حيث لم يستطع المضي في الكفاح لأنه وضع أمام الاختبار الصعب الكفاح .. أو المساومة فاختار المساومة وكان تاريخ الانجليز معه هو تاريخ ترويضهم إياه حتى تعب وهدأ ثم كان من تخاذله عن إثارة المسائل الوطنية وهو في السلطة ومن حوادث المحسوبية والثراء والفساد واستغلال النفوذ ما نفر منه الكثير من العناصر الوطنية الجادة وبدأت الجماهير تفقد ثقتها فيه بالتدريج وتبحث عن قيادة جديدة.وفي محاولة من [[الوفد]] لإعادة شعبيته فقد صدر القانون رقم 85 لسنة [[1942]] والذي سمح لعمال الصناعة بتأسيس نقاباتهم الأمر الذي أتاح أمام العمل النقابي أن ينشط حتى وصل عدد النقابات في عام [[1944]] إلى 210 نقابة .<br />
<br />
وشرعت حكومة [[الوفد]] تنفيذ الإصلاحات الضرورية الهامة بهدف تهدئة الخواطر الثائرة ولعل ن بين هذه الإصلاحات إصدار قانون التأمين الإجباري ضد حوادث العمل وتحديد ساعات العمل وعلاوة غلاء المعيشة وتجديد الحد الأدنى للأجور وكان أبرز هذه القوانين قانون الاعتراف بنقابات العمال , حيث اعترف القانون بحق العمال في تكوين النقابات إلا أنه قيد هذا الحق بعدة قيود لعل أخطرها أنه أخضع النقابات للرقابة البوليسية وجعلها معرضة للتفتيش والحل الإداريين وحظر إقامة اتحاد عاما لنقابات العمال .<br />
<br />
ويبدو أن [[الوفد]] كان يقدر أهمية بقاء العمال ركيزة أساسية في بناء الحزب وجريا على سياسة [[الوفد]] فقد بدأ الاهتمام بمشاكل العمال حيث صدر لأول مرة أول قانون ينظم العلاقة بين العامل صاحب العمل ثم قانون مكافحة الأمية وبدأ الاهتمام في تكوين " رابطة النقابات " وأسند رياستها إلى محمد حسنين عضو [[الوفد]] وقامت الرابطة بعقد عدة اجتماعات عامة للعمل لتدارس شئونهم واقترح الرابطة بعقد عدة اجتماعات عامة للعمل لتدارس شئونهم واقترح في أحد هذه الاجتماعات انتخاب فؤاد سراح الدين '''(''' سكرتير عام [[الوفد]] ''')''' زعيما للعمال مدي الحياة وأدي تقديم هذا الاقتراح إلى نشوب انقسام بين العمال ولم يصل المجتمعون إلى قرار .<br />
<br />
ويبدو أن القاعدة العريضة من العمال كانت تقدر محاولات [[الوفد]] بهدف السيطرة على الحركة العمالية ولذا فقد ظلت الحركة العمالية منقسمة على نفسها إلى أن أقيل [[الوفد]] سنة [[1944]] ومع اقتراب الحرب من نهايتها بدأت نذر البطالة تتجمع من جديد لأن وجود القوات المتحالفة في [[مصر]] ق أوجد العديد من مجالات العمل حتى وصل عدد العمال المصريين العلمانيين ضمن القوات المتحالفة 300,000 عامل سنة [[1943]] ومع زيادة الطلب إلى دفع أجور سخية نوعا ما وفجأة يتوقف هذا الدخل مرة واحدة وتتحول هذه الأعداد الهائلة إلى البطالة وهكذا أقبلت الموجة [[الشيوعية]] الجديدة لتجد الساحة العمالية مهيأة تماما ومن هنا بدأ المد الشيوعي يعرف طريقه بصور ة مكثفة نحو العمال .<br />
<br />
والحقيقة أن الانعكاسات المباشرة ل[[حادث 4 فبراير]] على الحركة العمالية يمكن استقراؤه من خلال الاستياء العام لدي الجماهير العمالية وخصوصا أمام الارتفاع الملحوظ في حاجيات الحياة وكان من السهل على الجماهير أن تربط بين تردي الحياة عموما وما حدث في 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
ويبدو أن الجماهير التي غفرت للنحاس و[[الوفد]] " إهانات" كثيرة لم تغفر له مطلقا أحداث 4 [[فبراير]] بما فجره من مشاع وطنية جارفة وظهور العديد من الاتجاهات السياسية التي أثرت بشكل واضح على جماهيرية [[الوفد]] ونالت من قدرته ومكانته لدي الجماهير العمالية. وأستطيع أن أقول أن الديكتاتورية التي مارستها حكومة [[الوفد]] ضد القوي المعارضة بهدف التقليل من شأن المعارضة قد أتت بنتائج عكسية تماما حيث بدأت الجموع الغفيرة من جماهير [[الوفد]] تتعاطف مع تلك القوي بل أن بعضا من القوي [[الوفد]]ية بدأت تبحث لها عن زعامة جديدة وفقا لمفهوم سياسي جديد أوجدته أحداث 4 [[فبراير]] ولذا فإنني أعتقد أن ردود الفعل المتباينة داخل [[الوفد]] نفسه كانت أكبر تأثيرا على [[الوفد]] من القوي السياسية التقليدية والتي عرفت بكراهيتها للوفد وزعامته ولعل انشقاق [[مكرم عبيد]] عن [[الوفد]] قد عجل بالقضاء على انهيار هذا الهرم الشامخ والذي بقي لأكثر من عشرين عاما رمزا للصمود الوطني ..<br />
<br />
==الفصل الرابع : القوي السياسية وموقفها من [[حادث 4 فبراير]]==<br />
<br />
===الهيئة السعدية===<br />
<br />
لعل الدراسة السابقة توضح وبصورة كاملة مسئولية [[الوفد]] عن الأحداث التي وقعت مساء 4 [[فبراير]] [[1942]]م تلك المسئولية التي نعتقد أنها لم تكن مطلقة وإنما شاركت فيها العديد من القوي الأخرى التي ساهمت بشكل أو بأخر في تصعيد حدة الصراع الدائر على الساحة المصرية .<br />
<br />
وبما أن [[حادث 4 فبراير]] لم يكن وليد يومه بل تضافرت على بلوغه عوامل متعددة كان من أهمها سياسة القصر ومحاولته الاستثار بالسلطة وعدم اكتراثه بقوة الشعب وسلك القصر في سياسته طرقا متعددة كان من بينها أحزاب الأقلية حيث اتخذها تكاة للنيل من [[الوفد]] ووجدت الأحزاب ضالتها في القصر فقد كانت هي الأخرى تهدف إلى النيل من [[الوفد]] ولو سلكت في سياستها طرقا تتنافي مع الديمقراطية .<br />
<br />
ويبدو أن ما حدث في 4 [[فبراير]] لم يكن مسئولية جهة محددة أو شخص بذاته لأن الحوادث لا تقع اعتباطا وانحراف الأمور إلى المبلغ الذي لغته مساء 4 [[فبراير]] يعد نتاج سلسلة طويلة من الأخطاء والتجاوزات ترجع في معظمها إلى أطماع شخصية ودوافع حزبية , ومن المؤسف أن الذين حملوا على التدخل البريطاني قبلوا وفي ظروف كثيرة ما يشبه هذا التدخل وارتضوه فتحمسهم من أجل السيادة المصرية لم يكن تحمسا خالصا وإنما لأن هذا التدخل لم يكن في صالحهم ومن هنا فإن تبعة 4 [[فبراير]] أوسع دائرة مما أراد الكثيرون أن يحصروها في هيئة واحدة فإن الرجال الذين استخدمهم القصر وقربهم واستمع إلى مشورتهم – وكان الملك لا يزال حدثا قليل التجربة – وعشرات النواب والوزراء والشيوخ الذين قبلوا أن يشتركون في برلمان ووزارات لا شأن ولا اعتبار لها عند الشعب لذا فإنني أعتقد أن المسئولية يجب أن تشمل هؤلاء جميعا . <br />
<br />
وحزب الهيئة السعدية من بين الأحزاب التي انسلخت عن [[الوفد]] '''(''' [[1927]]''')''' ولا يعنينا في هذه الدراسة صور الخلاف بين [[أحمد ماهر]] و[[مصطفى النحاس]] وإنما الذي يعنينا في المرتبة الأولي إبراز أثر هذا الانشقاق على مجري الأحداث السياسية .<br />
<br />
والجدير بالملاحظة أن خروج [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] من [[الوفد]] ثم ما تبع ذلك من إقالة حكومة [[الوفد]] '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' يعد من أهم العوامل التي أثرت في سلوك [[الوفد]] وسياسته العامة سواء فيما يتعلق بعلاقاته بالقصر أو فيما يتعلق بعلاقاته بأحزاب الأقلية ولعل زيادة حدة الصراع بين القوي المتنافسة قد دفع [[الوفد]] إلى التضامن ولعل زيادة حدة الصراع بين القوي المتنافسة قد دفع [[الوفد]] التضامن مع بريطانيا لهدف ضرب القوي الأخرى '''(''' القصر وأحزاب الأقلية ''')''' .<br />
<br />
أما عن أثر انشقاق الدكتور [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] عن [[الوفد]] فعندما شكل [[محمد محمود]] حكومته'''(''' [[يناير]] [[1938]]م''')''' وحل مجلس النواب تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة شع كثيرون ممن احتفظوا بولائهم للنحاس اعتقادا منهم بأن هذا الولاء يمكن أن يعيده إلى منصة الحكم إلا أنهم تأكدوا أنه لا سبيل لهم إلى العودة لعضوية مجلس النواب إلا إذا أنكروا هذا الولاء له فانضم كثيرون منهم إلى الدكتور [[أحمد ماهر]] وأنضم إليه غيرهم من الذين لم يرشحوا من قبل وكانوا يطمعون في الوصول إلى عضوية مجلس النواب وألف الدكتور ماهر و[[النقراشي]] من هؤلاء وأولئك الهيئة السعدية وبهذا التكوين خرجت الهيئة السعدية إلى حيز الوجود لتأخذ موقعها على مسرح الأحداث السياسية ليس من أجل أن تكون تجمعا سياسيا ينال أن هيبة الاحتلال ونفوذه وإنما لكي تكون جبهة معارضة تقف على الطريق المضاد لحزب الأغلبية '''(''' [[الوفد]] ''')''' وتنضم آليا إلى أحزاب الأقلية والمتعاونة مع القصر بهدف الانتقام من [[الوفد]] والنيل من شعبيته لدي الجماهير ويبدو أن هذه كانت المهمة الأساسية لحزب الهيئة السعدية خلال فترة الحرب.<br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية إلى بعض مظاهر الصراع داخل [[الوفد]] '''(''' قبل خروج ماهر و[[النقراشي]] ''')''' ووفق رواية السفير البريطاني :" أن العناصر المعادية للنحاس لا تحظي بأية شعبية لدي الجماهير ومن ثم فلابد لها من زعامة رمزية تستطيع أن تنافس زعيم [[الوفد]] في شعبيته لدي الجماهير والملك الشاب وحده الذي يستطيع أن يمثل هذه الشخصية .<br />
<br />
وبهذا التحليل يضع لامبسون أصابعه بمهارة فائقة على حقيقة العلاقة بين [[الملك فاروق]] وحزب الهيئة السعدية وهو يشير من طرف خفي إلى القصر كان وراء تفاقم الصراع بين القوتين المتنافستين '''(''' [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] من جانب و[[مكرم عبيد]] و[[مصطفى النحاس|النحاس]] من جانب آخر ''')''' حيث يشير لامبسون في نفس البرقية قائلا " أن فاروقا قد استغل التنافس الدائر وعمل على تصعيده بصورة واضحة ولعل خروج ماهر و[[النقراشي]] من [[الوفد]] يعد من أقوي الدوافع التي شجعت فاروق على إقالة [[الوفد]] سنة [[1937]] م على اعتبار أن شخصية [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] كفيلتان بأحداث خلل في هيكل [[الوفد]] وهو ما يسمي بسياسة الاستيلاء على [[الوفد]] من الداخل .<br />
<br />
ويبدو أن من بين الأسباب التي ضاعفت من حدة التنافس بين فاروق و[[مصطفى النحاس|النحاس]] أن الأخير كان يعتقد أن فاروقا ضليع في تلك المؤامرة .<br />
<br />
ولما كان الدكتور [[أحمد ماهر]] رجلا ماكرا في [[السياسة]] يعلم جيدا حقيقة القوي الأكثر تأثيرا في [[السياسة]] المصرية فقد أدرك أن الوقوف بجانب بريطانيا والاعتماد عليها هو الطريق الأمثل للوصول بحزبه إلى الوزارة من هنا كان قراره :" أن الحزب يري إعلان الحرب على ألمانيا نظرا لأن الحرب فرصة طيبة لتقوية [[الجيش المصري]] وتقوية لمركز [[مصر]] السياسي باعتبارها من أكبر الدول العربية "<br />
<br />
والغريب في الأمر أن يري الدكتور [[أحمد ماهر]] وهو الشخصية التي لعبت دورا رائدا في الحركة الوطنية المصرية منذ [[ثورة 1919]] م أن إعلان [[مصر]] الحرب على ألمانيا هو الحل الأمثل لتقوية [[مصر]] عسكريا متناسيا الثمن الباهظ الذي ستدفعه [[مصر]] لو سلكت هذا الاتجاه منذ بداية الحرب سواء فيما يتعلق بأرواح أبنائها أو تدمير مرافقها العامة حيث ستكون [[مصر]] في هذه الحالة شريك كامل في الحرب وعليها أن تتحمل تبعة ما يحدث .<br />
<br />
والحقيقة أن بقاء [[مصر]] بعيدا عن التورط في إعلان الحرب كان مسلكا جادا ومتفقا إلى حد كبير مع مصلحة [[مصر]] القومية بالرغم من التضحيات الباهظة التي قدمتها [[مصر]] ثمنا لارتباطها ب[[معاهدة 1936]]م إلا أن هذه التضحيات كانت شيئا لا يذكر أمام أهوال الحرب وأضرارها بالإضافة إلى أن هذا الموقف المصري كان حجة تذرعت بها الحكومات المصرية المتعاقبة خلال الحرب لكي تحول دون قذف المدن والمرافق المصرية حتى أن حكومة [[الوفد]] ذاتها قد علمت على استغلال هذه الورقة الرابحة حينما بدأت قوات المحور تتقدم صوب [[الإسكندرية]] حيث ذود محافظها بتعليمات يرسلها بدوره إلى روميل مؤكدا أن [[مصر]] لا ذنب لها وأن الوجود البريطاني داخل الأراضي المصرية يعد شكلا من أشكال الاحتلال الذي لا ذنب ل[[مصر]] فيه ومما يضاعف من مسئولية الهيئة السعدية تجاه قضية دخول [[مصر]] الحرب أن هذا الموقف جاء مناقضا لمشاعر الغالبية العظمي من المصريين حيث كانت قطاعات كبيرة من الرأي العام تنفر من اشتراك [[مصر]] في الحرب على اعتبار أنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل كما عبر عن ذلك الشيخ مصطفي [[مصطفى المراغي|المراغي]] شيخ [[الأزهر]] وهو يخطب في مسجد بيبرس وكان فاروقا حاضرا يؤدي صلاة الجمعة وكانت مشاعر الناس غاضبة أثر وقوع غارة عنيفة على [[القاهرة]] راح ضحيتها 39 قتيلا 33 جريحا . ولعل موقف الهيئة السعدية من دخول [[مصر]] الحرب كان لعبة سياسية بهدف الوصول بالحزب إل موقع الوزارة إلا أن [[السياسة]] البريطانية كانت تدرك أن هذه الدعوة لا تجد قبولا لدي الرأي العام المصري وأن بقاء [[مصر]] بعيدا عن هذا الصراع سوف يترتب عليه العديد من المكاسب التي قدرتها بريطانيا ومن هنا فقد صرفت بريطانيا نظرا عن هذه الدعوة على اعتبار أن الحزب السعدي لا يمثل واقعا ملموسا في صفوف الجماهير وأن فكرة دخول [[مصر]] الحرب لا تجد من يؤيده.<br />
<br />
وجريا على سياسة التفاهم بين الهيئة السعدية وحزب [[الأحرار الدستوريين]] فقد فكر البعض في أن يندمج الحزبان في هيئة واحدة يكون [[محمد محمود]] باشا رئيسا الدكتور [[أحمد ماهر]] نائبا عن الرئيس وراقت هذه الفكرة بعض الجهات فشجعت علها ولم ير الدستوريون بالفكرة باسا ما دام [[محمد محمود]] سيكون رئيسا لكن هذه الفكرة لقيت مقاومة من الهيئة السعدية اعتقادا منهم بأنهم ورثة [[سعد زغلول]] وتشبث أصحاب هذه الدعوة بها تشبثا لم يكن يسيرا على زملائهم التغلب عليه ولذلك استبعدت فكرة اندماج الحزبين .<br />
<br />
ولعل التفاهم الذي طرأ على العلاقة بين الهيئة السعدية و[[الأحرار الدستوريين]] كان تفاهما صناعيا لم يزل ما بينهما من تنافس دل عليه وقوع العديد من الخلافات ومحاولة كل حزب النيل من الأخر .<br />
<br />
ويلاحظ أن محاولة النيل من الدستوريين كان مسلكا تبناه الدكتور [[أحمد ماهر]] حتى يظفر بتشكيل الحكومة عن طريق التشكيك في نزاهة وزارة [[محمد محمود]] وتعد مزرعة الجبل الصفر أكبر دليل على هذا المسلك أما عن موقف الهيئة السعدية من بعض القضايا القومية .<br />
<br />
فقد درج اليسار المصري على وصف هذا الحزب بأنه حزب البرجوازية الصناعية الكبيرة وقد وصفه أحد أقطاب اليسار بأنه الحزب الذي يمثل الرأسماليين الكبار <br />
ومن الطبيعي أن تقوم فلسفة الحزب على الدفاع عن مصالح أعضائه حيث ضم الحزب كثيرا من كبار الإقطاعيين مثل الدكتور محمد حلمي الجيار وعائلة الأتربي أحمد حلمي محمود .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن الحزب كان حريصا على إبراز فكرة الديمقراطية عن طريق توسيع دائرة اختصاص المجالس النيابية والتشريعية '''إلا أن هذه الأفكار النظرية قد تهاوت منذ اللحظة الأولي لتكوين الحزب ولعل هذا راجع إلى عدة عوامل أساسية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لقد كان من بين العوامل الهامة في انسلاخ [[النقراشي]] و[[أحمد ماهر]] عن [[الوفد]] هو عدم موافقتهما على سياسة [[الوفد]] الليبرالية في مجال الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي حيث حمل الدكتور [[أحمد ماهر]] حملة عنيفة على [[الوفد]] وسياسته وخصوصا فيما يتعلق بالعمال '''وكان مما ذكره: ''' " أن الحكومة أغدقت على العمال بالعديد من النعم حتى أبطرتهم وجرأتهم على الإخلال بالنظام والتحكم في رؤسائهم '''وأضاف الدكتور ماهر قائلا : '''<br />
<br />
" إذا انسحبت هذه الفوضي حتى تعم عمال المصانع والزراعة فإنها ستحدث بلا شك فوضي اجتماعية لا يعلم مداها إلا الله ".<br />
<br />
وكان افتقار الحزب إلى الطابع الاقتصادي والاجتماعي من بين العوامل التي أدت إلى انصراف غالبية الشعب المصري عنه ما عدا فئة قليلة من طلاب الجامعات والتي انبهرت بشخصية الدكتور [[أحمد ماهر]] وحجته القومية في العديد من القضايا القومية بالإضافة إلى مقدرته الفائقة على إجادة الحوار والبعد السياسي الكبير الذي كان يتمتع به .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' محاولة الزج ب[[مصر]] في الصراع الدولي القائم عن طريق الحرب ضد ألمانيا وهذه الدعوة لم تجد لها أى صدي لدي الجموع الكاسحة من المصريين بل وقد أتهم [[أحمد ماهر]] صراحة بأنه ينافق الانجليز على حساب المصالح القومية بهدف الوصول بحزبه إلى موقع الوزارة .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد اشترك الحزب في العديد من الوزارات التي افتقدت إلى أى أساس ديمقراطي أو دستوري بدأ من سنة [[1938]]م وحتى 4 [[فبراير]] [[1942]]م وكل هذه الوزارات كانت صنيعة من صنائع القصر والاحتلال وهكذا ارتضي الحزب لنفسه أن يتخذ من القصر والاحتلال تكاة لوجوده واستمراره مقابل العديد من أشكال المساومة التي مست في معظمها مصالح [[مصر]] الوطنية وبدلا من أن يكون الدكتور [[أحمد ماهر]] وحزبه حربا على الاحتلال وسياسته حتى يكون جديرا بتركه [[سعد زغلول]] وحتى تتجمع الجماهير من حوله بالعكس من ذلك فقد بدأ العديد من أعضاء الحزب يبحثون لهم عن موقع جديد بعد أن اكتشفوا أن الجمل الإنشائية والخطب العصماء لا يمكن أن تخلق نظاما دستوريا ولذا فقد انصرف عدد كبير من الأعضاء إلى [[جماعة الإخوان المسلمين]] أو إلى حركات اليسار بعد أن فقدوا الثقة في القيادات التقليدية إلى كانت موضع ازدراء وخصوصا وسط قطاعات الشباب المثقف ولم يعرف عن هذا الحزب أنه أخذ موقفا وطنيا تجاه العديد من قضايا [[مصر]] القومية والوطنية بل أنه صاحب سياسة اللين ومحاولة التقرب من بريطانيا والارتباط بها باعتبارها الإمبراطورية التي تناصر الديمقراطيات في العالم .<br />
<br />
أما عن موقف الحزب من قضية الأحكام العرفية والتي صدرت بمرسوم في أول [[سبتمبر]] [[1939]] م وبمقتضي ذلك وضعت الرقابة على الصحف والمراسلات ووسائل الإعلام فلقد اتفق السعديون على دستورية الأحكام العرفية إلا أنهم طالبوا بدعوة البرلمان للتصديق على هذه الإجراءات عملا بنص الدستور .<br />
<br />
واعتبر الحزب أن إعلان الأحكام العرفية من أهم الالتزامات التي يجب أن تنفذها [[مصر]] لأنها لو لم تعلنها لتعرضت تعرضا واضحا لحرق المعاهدة – [[1936]] – على اعتبار أن المعاهدة نصت صراحة على إعلان [[مصر]] الأحكام العرفية .<br />
<br />
وهكذا دخلت الهيئة السعدية دائرة أحزاب الأقلية التي استخدمها الاحتلال لتحقيق أغراضه وأصبح هذا الحزب ألعوبة في أيدي كبار الماليين الصوريين المرتبطين بالشركات الاحتكارية الأجنبية وما يؤكد العلاقة الوثيقة بين هذا الحرب وبين بريطانيا أن العديد من الأعضاء البارزين لهذا الحزب كانوا أعضاء في العديد من الشركات البريطانية ولعل من مصلحة هؤلاء مهادنة الاحتلال حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم حيث أنه من المسلمات أنه كلما ارتفعت نسبة العناصر التي تمثل قطاعا اجتماعيا معينا في قيادة حزب من الأحزاب كلما كان ذلك مؤشرا على اتجاه سياسة الحزب نحو تحقيق مصالح هذا القطاع . <br />
<br />
'''أما عن موقف الهيئة السعدية من أحداث 4 [[فبراير]] فلقد عبر عنه الدكتور [[أحمد ماهر]] بكلمته المشهورة : ''' " لقد قبلت العودة إلى الحكم يا نحاس باشا على أسنة الرماح البريطانية " وهذه المقولة بقدر ما هي اتهام واضح للنحاس باشا إلا أن النظرة الموضوعية لعمق الأحداث وتطورها تقتضي منا العودة مرة ثانية إلى الأحداث التي وقعت مساء 4 [[فبراير]] وبطرح كل الحلول على المؤتمر الذي عقد بقصر عابدين والذي اشترك فيه زعماء كل الأحزاب ورؤساء الحكومات فقد أجمعت الآراء على قبول الإنذار البريطاني لكن كان الاختلاف فيما بينهم هل يشكل لنحاس الحكومة وفدية خالصة أو حكومة قومية من بين كل الأحزاب أو حكومة إدارية تكون مهمتها إجراء انتخابات نيابية يتولي الحكم على أثرها الحزب صاحب الأغلبية وأجمعت كل الآراء بما فيهم الدكتور [[أحمد ماهر]] " زعيم الهيئة السعدية " على الموافقة على أى حل من الحلول المطروحة ما عدا أن يشكل [[الوفد]] وزارة وفدية خالصة وفي هذه الحالة فقط يكون [[الوفد]] قد قبل المجئ على أسنة الرماح البريطانية – على حد قول [[أحمد ماهر]] – أما أن يشكل [[مصطفى النحاس|النحاس]] حكومة سواء أكانت قومية أو إدارية على الرغم من أنه يعد تنفيذا صريحا للإنذار إلا أنه من وجهة نظرهم " قادة الأحزاب " لا يعتبر تنفيذا للإنذار ويعتبر خروجا عن دائرة التسلط البريطاني .<br />
<br />
ويبدو أن حزب الهيئة السعدية قد عمل على استغلال أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] لا لأسباب وطنية ولا لأن كرامة [[مصر]] قد أهينت واستقلالها قد أهدر وإنما كانت الدوافع الحزبية والكراهة الشديدة التي يكنها الدكتور [[أحمد ماهر]] للنحاس باشا هل العامل الأول في موقف الدكتور [[أحمد ماهر]] وحزبه من أحداث 4 [[فبراير]] حيث اعتبرت كل الأحزاب '''(''' بما فيهم الهيئة السعدية ''')''' أن [[الوفد]] قد حكم على نفسه بالموت البطئ وحقا كانت فرصة مواتية لكل الأحزاب كي تنال من [[الوفد]] ومن شعبيته الكاسحة ومن تاريخه العريق في قيادة النضال الوطني والمهم أن [[الوفد]] قد اختار لنفسه هذا الطريق والذي يعد خطأ سياسيا كبرا .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن سياسة الحزب السعدي كانت تعن التعاون مع الحليفة " بريطانيا " إلى أقصي حد حتى وصل الأمر إلى الإصرار على إعلان الحرب من جانب [[مصر]] ضد ألمانيا إلا أن الدكتور [[أحمد ماهر]] قد وصف ما حدث مساء 4 [[فبراير]] في مذكرته التي قدمها إلى السفير البريطاني " بأنه عدوان صارخ على استقلال [[مصر]] تعارض صراحة مع نص المعاهدة '''(''' معاهدة [[1936]] ''')''' ويعرض العلاقات بين الدولتين لخطر بالغ .<br />
<br />
'''ويبدو أن الدكتور [[أحمد ماهر]] قد اتخذ هذا الموقف وفقا لعدة عوامل أساسية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن هذا الموقف يعد تطييبا لخاطر [[الملك فاروق]] والذي كانت تربطه بالدكتور [[أحمد ماهر]] علاقات وطيدة .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' مواكبة لمشاعر الرأي العام والذي صدم صدمة عنيفة من جراء ما حدث .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' والأهم من كل ذلك أن السعديين كانوا يعتبرون أنفسهم ورثة [[سعد زغلول]] وأن ما حدث يعد فرصة أكيدة لكي يحتل السعديون مكانة لدي الجماهير الساخطة على [[الوفد]] والاحتلال معا .<br />
<br />
ونظرا لأن رد الفعل كان عنيفا سواء لدي الرأي العام أو لدي الأحزاب زعماء الأحزاب وكان الدكتور ماهر أو لمن عمل السفير على الاتصال به حيث بعث إليه السكرتير الشرقي للسفارة في محاولة لإرضاء الدكتور ماهر وحزبه وتشير الوثائق البريطانية إلى موقف مغاير تاما للموقف الذي أعلنه الدكتور ماهر فبدلا من أن يمضي في موقفه والذي عن أن بريطانيا قد انتهكت [[معاهدة 1936]] وارتكبت خطأ سياسيا لا يغتفر أخذ يتحدث في لقائه مع السكرتير الشرقي للسفارة عن ارتباط [[مصر]] ببريطانيا وأهميته وساسة حزبه في إعلان الحرب ضد المحور والتأكيد على أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا هو الذي ارتكب.<br />
<br />
كل الخطأ حيث أهان بريطانيا في خطبة العامة ووافق مع الزعماء الآخرين في اجتماعات القصر '''(''' مساء 4 [[فبراير]] ''')''' على أن ما تطلبه بريطانيا يعد تدخلا لا مبرر له ومع ذلك قبل الحكومة تؤيده الحراب البريطانية .<br />
<br />
وكأن [[أحمد ماهر]] كان يلوم بريطانيا لا لأنها أهدرت استقلال [[مصر]] ولا لأن ما حدث يعوض العلاقات بين الدولتين للخطر ولكن لأن بريطانيا جاءت ب[[الوفد]] هكذا يبدو التناقص الواضح بين ما أعلنه [[أحمد ماهر]] صراحة وبين ما صرح به للسكرتير الشرقي وأخذت السفارة البريطانية انطباعا بأن موقف الدكتور ماهر يعد مناورة موجهة إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] أكثر من بريطانيا . <br />
<br />
وعلى الرغم مما بذله السفير من محاولات لإقناع الدكتور ماهر بالعدول عن سياسة مهاجمة [[الوفد]] إلا أن المعارضة أخذت تضاعف من نشاطها على الرغم من الأحكام العرفية المفروضة على البلاد بهدف النيل من [[الوفد]] وأخذت تقارير الأمن العام تلاحق المعارضة في كل مكان وخصوصا الهيئة السعدية حيث بدأت أكبر حركة اعتقالات في المدن والقرى بتهمة توزيع صور من الاحتجاج الذي قدمه [[أحمد ماهر]] إلى السفير البريطاني .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد انزعج انزعاجا شديدا بسبب الحملة المكثفة التي يتزعمها السعديون لأن حكومة [[الوفد]] كانت حريصة على إخفاء ما حدث 4 [[فبراير]] حيث امتنعت جميع الصحف عن الإشارة إلى هذا الحادث ولو من بعيد إلا أن أحد النواب قد فجر الموقف من خلال استجواب تقدم به إلى رئيس الحكومة بخصوص حرية الصحافة ولماذا لم ينتشر أى شئ عن أحداث 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
ولما كان هذا الاستجواب يمثل إحراجا واضحا لحكومة [[الوفد]] وأن الإجابة عليه تعد أكثر إحراجا للحكومة فقد اعتذر [[مصطفى النحاس|النحاس]] عن الإجابة بحجة أن فيها مساسا بسيادة العرش وهو ما يتعارض تماما مع الدستور .<br />
<br />
ونظرا لأن هذا الموقف يعد تناقضا واضحا في سياسة الحكومة فقد حرصت المعارضة على طرق العديد من الأبواب التي تشير ولو من بعيد أحداث 4 [[فبراير]] وشهدت قاعات مجلس الشيوخ العديد من المواقف التي تمكنت المعارضة بمقتضاها من إحراج الحكومة .<br />
<br />
وعلى الرغم من الأحكام العرفية القاسية والرقابة الشديدة على الصحف والمطبوعات عموما إلا أن الهيئة السعدية قد تمكنت من أن تنال من [[الوفد]] وأضعفت من شعبيته إلى حد كبير نظرا لأن الحكومة قد أخذت في تحري الرغبات البريطانية بصورة قوبلت باستنكار واستياء شديدين من بعض [[الوفد]]يين قبل غيرهم وبشهادة أحد [[الوفد]]يين " لقد كان حكم [[الوفد]] أقرب إلى الديكتاتورية منه إلى النظام الديمقراطي السليم .<br />
<br />
وأسرفت الحكومة في تفسير " ضرورة الحرب" فاعتقلت أعدادا كبيرة من أعضاء الهيئة السعدية دون أن يكون لهم شأن في الإضرار بمجهود<br />
الحلفاء '''وتساءل أحد أعضاء مجلس الشيوخ : ''' هل من حق الحاكم العسكري أن يعتقل ما يشاء بدون ذكر الأسباب '''؟''' '''وأضاف النائب قائلا : ''' قد يكون ذلك مقبولا في بعض الظروف بحجة المحافظة على سلامة الدولة , افهم أن يقول الحاكم العسكري عندما قبض على [[علي ماهر]] باشا أنه يمتنع عن ذكر الأسباب لسلامة الدولة هذا مقبول لأن [[علي ماهر]] رجل متصل بشئون الدولة ولكن من غير المقبول أن يقبض على موظف في الدرجة الثامنة لتوزيع منشورات أو لاشتراكه في مظاهرة فإذا سئل الحاكم العسكري عن أسباب القبض أو الاعتقال امتنع عن ذكرها .<br />
<br />
وفي الوقت الذي أسرفت فيه الحكومة في تفسير " ضرورة الحرب " فإنها قد أسرفت أيضا في مكافأة أنصارها من [[الوفد]]يين وأساءت إلى الآخرين ممن ليسوا من أنصارها ولم يكن لها أن تحتج بأن الحكومات الأخرى تفعل ذلك حيث أن للوفد اعتبارا من آخر لأنه الحزب الذي يؤمن بالدستور وينادي بالديمقراطية ويستند إلى قواعد جماهيرية كاسحة , من هنا كان لزاما على الحكومة أن تسير في الحكم بالطريقة الديمقراطية وإذا كان الحكم الدستوري أصلا له خصومة وله الأحزاب التي تضييق به فلم يكن من المعقول أن تتغاضي حكومة [[الوفد]] عن السلاح الذي تستغله بقية الأحزاب وتشهره في وجه [[الوفد]] حيث أنه من المؤكد أن السلطة ستزول يوما ما عن [[الوفد]] وستذهب أيضا الأحكام العرفية وتبقي الحقيقة التي سيعجز [[الوفد]] عن مواجهتها .<br />
<br />
ومضي الحزب السعدي متضامنا مع غيره من أحزاب المعارضة في محاولة مستميتة لإحراج الحكومة حيث اجتمع المعارضون وكتبوا خطابا إلى [[مصطفى النحاس]] يطلبون فيه التحقيق مع [[علي ماهر]] .<br />
<br />
وكان [[أحمد ماهر]] صاحب فكرة أن يكون للمعارضة رأي في الأمور الخطيرة التي تتعرض لها [[مصر]] مثل محاولة إغراق الدلتا وتدمير آبار البترول وخطوط المواصلات بهدف إعاقة تقدم القوات الألمانية .<br />
<br />
ولما كانت سياسة الهيئة السعدية هي كشف وتعرية حكومة [[الوفد]] بهدف التقليل من هيبتها لدي الرأي العام المصري فقد قاد الدكتور [[أحمد ماهر]] زعماء الأحزاب السياسية في أكبر مظاهرة سياسية توجهت إلى القرى المصري بعد أن ثبت أنه لا جدوي من مواجهة الحكومة في [[القاهرة]] ولعل الهدف من وراء تلك المظاهرة السياسية هو اطلاع الرأي العام على ما تفعله الحكومة ضد المصلحة القومية بدءا بالاستثناءات والاعتقالات وإجراءات فصل الموظفين وانتهاء بأحداث 4 [[فبراير]] واختارت المعارضة مديرية [[المنوفية]] بالذات لكثرة ما فيها من متعلمين يسهل إقناعهم ويعلق أحد زعماء الأحزاب على هذه الزيارة '''فيقول : ''' " لقد عملت الحكومة على مضايقة الشخصيات التي استقبلتنا وأنزلت بهم متاعب كثيرة ونكلت ببعض العمد والمشايخ واعتقلت بعض الطلاب والفلاحين والمدرسين الإلزامي " وارجع صاحب هذه الرواية السبب في ذلك " إلى أن احترام القانون لم يصبح في أخلاقنا ولم يستقر في ضمائرنا بل على العكس يري الكثيرون من الحاكمين التحايل على القانون للتخلص من أحكامه ويعتبرون ذلك " شطارة " ويغتبطون لها وقد يكون مرجع ذلك إلى الاستعمار أذل حكم [[مصر]] أزمانا طويلة حيث فرض على المصريين أحكاما ظالمة بل بلغ منا الاغتباط بالتحايل على القانون أن أصبحنا نتحايل على أحكام الشريعة [[الإسلام]]ية نفسها ".<br />
<br />
ولعل الدكتور هيكل كان يشير إلى فتوي وزير الأوقاف - [[حسين الجندي]]- في وزارة [[مصطفى النحاس|النحاس]] حيث عقد الوزير اجتماعا حضره كثير من الفقهاء انتهي بفتوى كانت موضع سخرية وتعجب من جماهير الشعب وخلاصة الفتوى :"أن [[الملك فاروق]] ينحدر من الدوحة الشريفة عن طريق والدته الملكة نازلي حفيدة سليمان باشا الفرنسي " الكولونيل سيف سابقا " وقد يكون الكولونيل سيف بعد أن ألسلم قد صلح إسلامه وأصبح من أكرم الناس عند الله لكن أن يكون من سلالة النبي عليه الصلاة والسلام فهذا هو العجب العجاب .<br />
<br />
ويلاحظ أن جهود المعارضة قد تركزت كلها ضد حكومة [[الوفد]] في شكل منسق وراحت تبث الدعايات والأقاويل بهدف كسب أرض جديدة على حساب [[الوفد]] وكأن القضية المصرية قد أصبحت قضية صراع بين [[الوفد]] وأحزاب الأقلية بعيدا عن القضية الأساسية وهي الوجود البريطاني والملفت لنظر أيضا أن الحديث عن 4 [[فبراير]] قد انصب على [[الوفد]] بعيدا عن الخطر الحقيقي وهو الاحتلال البريطاني ومما سترعي الانتباه أيضا أن [[الوفد]] لم يعالج تلك القضية '''(''' 4 [[فبراير]] ''')''' بذكاء وحنكة شديدين بل مضي ليسلم لمعارضيه نقطة بعد أخري ولعل أهمها تأثيرا على [[الوفد]] هي قضية [[مكرم عبيد]] .<br />
<br />
وبالرغم من أن السعديين كانوا يعتبرون [[مكرم عبيد]] وراء كل المشاكل والانشقاقات التي أصابت [[الوفد]] بل وكان من بين أسباب خروج [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] من [[الوفد]] هو [[مكرم عبيد]] نفسه إلا أنه وبمجرد أن انفصل مكرم عن [[الوفد]] حتى تلقفوه وصنعوا منه بطلا وطنيا نزيها وعدوه ضحية الانحرافات والسرقات التي ترعاها زوجة [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومن ورائها أقاربها وأصدقائها .<br />
<br />
وبمجرد خروج [[مصطفى النحاس|النحاس]] من الحكم – 8 [[أكتوبر]] [[1944]]م – شن الدكتور [[أحمد ماهر]] حملة ضده متهما إياه بأنه كان يحكم [[مصر]] وفقا لأساليب هتلر وموسليني محتميا وراء برلمان جاء نتيجة انتخابات مزيفة .<br />
<br />
وفي 8 [[نوفمبر]] [[1944]]م صدر مرسوم بقانون رقم 48 لسنة [[1944]]م يقضي بإلغاء كافة الترقيات والعلاوات والمعاشات الاستثنائية التي تمت في عهد الوزارة السابقة وأعيد الموظفون الذين عزلهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى وظائفهم وأحيل إلى المعاش كل ما عرف عنه أنه كان ضليعا مع [[الوفد]] ومن بين هؤلاء الدكتور طه حسين المستشار الفني لوزارة المعارف .<br />
<br />
ولعل من أهم العوامل في تقوية الهيئة السعدية هو معاضدة السيدة [[صفية زغلول]] " حرم [[سعد زغلول]] " لهذا الحزب وكراهيتها الشديد للنحاس , ومما يستوقف النظر أنها رفضت أن تهنئ [[مصطفى النحاس|النحاس]] عقب توليه وزارة 4 [[فبراير]] عندما ذهب ليلتقي تهنئة أم المصريين " كما كان يطلق عليها" وقال [[مصطفى النحاس|النحاس]] وهو يقبل يدها :" جئنا لنتلقي من أم المصريين تهانينا " فقالت له :" أنا أعزيكم ولا أهنئكم " ليس خليفة [[سعد زغلول]] هو الذي يتولي الحكم على أسنة الرماح البريطانية " فقال [[مصطفى النحاس|النحاس]] " نحن أنقذنا العرش وأنقذنا الاستقلال " فقالت" لن تثبت الأيام إلا أن خليفة سعد تولي الحكم على دبابات الانجليز "<br />
<br />
ويبدو أن السيدة [[صفية زغلول]] كانت تناصر الدكتور [[أحمد ماهر]] على اعتبار أن الهيئة السعدية هي الرصيد الوطني الباقي من تراث [[سعد زغلول]] ولذا فقد فتحت أمامهم النادي السعدي وراحت تستقبل أعضاء الهيئة السعدية وتزودهم بنصائحها وحدث في ذكر سعد سنة [[1943]]م أن هاجم الشباب [[الوفد]]يون الشبان السعديين أثناء زيارتهم لبيت الأمة '''وراحوا يقولون في مواجهة الدكتور [[أحمد ماهر]] : ''' <br />
<br />
[[مصطفى النحاس|النحاس]] : [[مصطفى النحاس|النحاس]] '''فما كان من الدكتور ماهر إلا أن قال : ''' انجليزي انجليزي , وردد السعديون هذا الهتاف فأرسلت الحكومة قوات البوليس واقتحموا بيت الأمة وضربوا الشبان السعديين أمام أم المصريين '''من هنا كان إصرار أم المصريين على إعلان عدائها الصريح للنحاس وحكومته وذلك من خلال المواقف التالية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أنها طلبت من [[الوفد]] أن يبحث عن مكان آخر غير بيت الأمة للاجتماع .<br />
<br />
'''ثانيا: ''' أنها ذهبت عقب 4 [[فبراير]] إلى القصر الملكي واعتذرت باسم [[سعد زغلول]] عما فعله خليفة سعد وقالت لحسنين باشا '''(''' رئيس الديوان ''')''' " قل للملك أنه ليس من مبادئ سعد أن يتولي [[الوفد]] الحكم على الدبابات وقد اختلف سعد كثيرا مع الملك فؤاد ولكنه لم يلجأ مرة واحدة للأجنبي وكان يقول : الملك هو رايتنا جميعا , وأضافت السيدة [[صفية زغلول]] " أنني منذ يوم 4 [[فبراير]] لا أنام الليل وأنني أعجب كيف ينام الرجال " <br />
<br />
أما الوسائل التي اتبعها [[مصطفى النحاس|النحاس]] مع السيدة [[صفية زغلول]] فقد قاطع بيت الأمة ومنع جميع وزرائه من زيارتها وصدرت الأوامر إلى الرقابة بأن تحذف مقالات الثناء عليها أو حتى مجرد ذكر اسمها ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد حاول إعادة العلاقات مرة ثانية مع بيت الأمة فقد حاول [[عثمان محرم]] أن يبذل الوساطة تمهيدا لعودة العلاقات إلا أن السيدة [[صفية زغلول]] أجابت بأنها لا تضع يدها في يد [[مصطفى النحاس|النحاس]] وأنها تغفر له إساءته لشخصها أما أساءته ل[[مصر]] ولملك [[مصر]] فهي لا تستطيع أن تنساه "<br />
<br />
ويبدو ان السيدة [[صفية زغلول]] قد تأثرت كثيرا من أحاديث الدكتور [[أحمد ماهر]] – ضد [[مصطفى النحاس|النحاس]] فقد كان الأول كثيرا التردد عليها وكانت تصرح دائما أن [[الوفد]] وزعامته قد خرجا على خط [[سعد زغلول]] وأن الباقي من رصيده هو [[أحمد ماهر]] وهيئته السعدية .<br />
<br />
وعلى الرغم من كل هذا فقد كانت [[صفية زغلول]] تعتبر [[مصطفى النحاس|النحاس]] ضحية للعدد من الشخصيات التي زينت له ما صنع في 4 [[فبراير]] وكانت تقول " أنني حزينة على [[مصطفى النحاس|النحاس]] الذي عرفته قبل [[1942]] ولا أستطيع أن أنسي أنه خدم [[مصر]] حتي ذلك الحين خدمات صادقة أما [[مصطفى النحاس|النحاس]] بعد ذلك " فمنه لله " ولعل هذا يفسر لماذا لم يشترك [[مصطفى النحاس|النحاس]] في تشييع جنازة [[صفية زغلول]].<br />
<br />
وهكذا تجمعت كل أنواع المعارضة لكي تتخذ من [[مصطفى النحاس|النحاس]] وحكومته هدفا حتى تنمو الأحقاد والضغائن ضد [[الوفد]] وحمل النواب السعدون حملة شديدة على الحكومة لدرجة أنهم طالبوا بإلغاء ما جاء في [[معاهدة 1936]] مما يمس استقلال [[مصر]] وكان الزعماء السعديون أنفسهم لم يشتركوا في توقيع هذه المعاهدة بحكم أنهم كانوا أعضاء بارزين في [[الوفد]] وأصبح من الممكن أن نسمع في مجلس الشيوخ أثناء مناقشات دارت حول وباء الكوليرا مثل هذه الكلمات التي يتمثل في سخريتها المرة ذلك العداء الشديد الذي يكنه الأعضاء السعديون ضد حكومة [[الوفد]] " أن [[مصر]] تعيش ساعات عصيبة لقد جاءتنا الملاريا قد جاءتنا على متن الطائرة البريطانية كما جاءتنا الحكومة الحالية على ظهر دبابات بريطانيا العظم وعلى الرغم من أن هذه الكلمات لم تنشرها الصحف إلا أنه قد تنقلها الناس وأصبحت حديث رجل الشرع في [[مصر]] .<br />
<br />
وعموما فلم يترك السعديون فرصة إلا استغلوها بهدف زعزعة ثقة المصريين في [[الوفد]] وقيادته وما كانت مذكرة [[نوفمبر]] [[1943]] إلا انطلاقا من هذه [[السياسة]] تلك المذكرة التي قدمها المعارضون ومن بينهم الحزب السعدي إلى قادة الدول الكبرى المجتمعون في [[القاهرة]] '''(''' تشرشل- روزفلت – ساينج كاء شك ''')''' شهروا فيها ب[[الوفد]] وسياسته '''وحددوا مطالب [[مصر]] في أربع نقاط أساسية : '''<br />
<br />
'''1-''' التسليم باستقلال [[مصر]] ورفع القيود التي أوجدتها المعاهدة وجلاء جميع القوات الأجنبية .<br />
<br />
'''2-''' الاعتراف بحقوق [[مصر]] في [[السودان]] .<br />
<br />
'''3-''' استرداد [[مصر]] كامل سيادتها على [[قناة السويس]] .<br />
<br />
'''4-''' اشتراك [[مصر]] في مؤتمر السلام القادم كدولة مستقلة ذات سيادة .<br />
<br />
'''5-''' وقد تضمنت المذكرة أيضا الشكوى من سوء استخدام الوزارة للأحكام العرفية والرقابة الصحيفة وهذه المذكرة لا تختلف عن مذكرة مفهما تعد مناورة سياسية بهدف لفت نظر [[السياسة]] البريطانية إلى أن المعارضة قد ملت الانتظار .<br />
<br />
والمهم أن هذه المناورة البارعة لم تكن من اختراع المعارضة وإنما كانت بدعوة من [[الملك فاروق]] وهذا ما يؤكد الدافع الحقيقي من وراء تلك المذكرة أو غيرها من المواقف العديدة والتي كان الهدف في مجملها تشويه صورة [[الوفد]] بدرجة تسمح للقصر بإقالته في الوقت المناسب وبلا أى ردود فعل شعبية أو بريطانية .<br />
<br />
وأستطيع أن أقول أن سياسة الهيئة السعدية لم تكن قائمة على أى أساس ديمقراطي أو دستوري وأن مبالغتها في فكرة الديمقراطية تتناقض تماما مع سياسة حكومات الأقلية والتي ترأست الحكم بدأ من [[يناير]] [[1938]] وحتى 4 [[فبراير]] وقد كانت الهيئة السعدية من بين الأحزاب التي اشتركت في الحكم على الرغم من مخالفة ذلك صراحة لنص الدستور الذي يخول لحزب الأغلبية حق تشكيل الحكومة إلا أن أحزاب الأقلية قد تمكنت من تزييف الانتخابات بالعديد من الوسائل وصادرت في ذلك حق الأمة في اختيار مرشحيها وللأسف فقد تعودت العديد من الحكومات على المضي في هذا الطريق الذي يعد انتهاكا صريحا لأبسط حقوق الإنسان المصري .<br />
<br />
===[[الأحرار الدستوريون]] ===<br />
<br />
وهم أول تجمع خرج على [[الوفد]] سنة [[1922]] وتولوا الوزارة منفردين أحيانا ومؤتلفين مع غرهم أحيانا أخري وكانت أخر وزارة لهم تلك التي تولوها عقب إقالة [[الوفد]] [[1937]] واستمروا فيها حتى [[أغسطس]] [[1939]] ولعل من أهم الأسباب التي دعت إلى تأليف الحزب الدفاع عن الدستور والعمل على سرعة إصداره وتنفيذه والحفاظ على الحياة الدستورية وتأكيدا لأهمية الدستور عند مؤسسي الحزب نعتوا أنفسهم باسمه.<br />
<br />
واعتمد الحزب في تكوينه على طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية ذوي الثقافات الأجنبية وعلى ضوء برنامج الحزب يبدو إلى حد كبير أنه جاء متفقا مع التكوين الاجتماعي والفكري للأحرار الدستوريين . <br />
<br />
وبالرغم من أنهم يهدفون إلى استقلال البلاد إلا أنهم يحرصون على مكاسبهم الاقتصادية والاجتماعية حيث نصت المادة السادسة ن برنامج الحزب على ضرورة تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل على أساس من العدل .<br />
<br />
والعدل مبدأ أخلاقي يفهم بأكثر من زاوية حيث يفهمه الرأسماليون بأنه الارتفاع بالمستوي الاجتماع للعامل في إطار النظام القائم ويفهمه الاشتراكيون على اختلاف درجاتهم بأنه تغيير في أساس ملكية وسائل الإنتاج ولذا فقد ظلت مبادئ هذا الحزب مصدر شك وريبة لد قطاعات كبيرة من العمال المصريين لأن الصفة الغالبة على هذا الحزب أنه تجمع يعتمد على العصبيات أكثر من اعتماده على مبادئ سياسية حيث ضم العائلات ذات العصبيات أكثر من اعتماده على مبادئ سياسية حيث ضم العائلات ذات العصبيات الريفية ومن هنا كان أكثر الأحزاب تفككا وتعرضا للخلافات الشخصية حول زعامته .<br />
<br />
ويلاحظ أن كل الأحزاب السياسية فيما عدا [[الحزب الوطني]] انشطرت عن [[الوفد]] أو صدرت عن أشخاص أصلا من أنصار [[الوفد]] ف[[الأحرار الدستوريين]] و[[حزب الإتحاد]] والهيئة السعدية والكتلة [[الوفد]]ية كل هذه القوي تألفت من أشخاص انفصلوا عن [[الوفد]] في هذا الوقت أو ذاك .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن هذا الحزب يعد من أهم الأحزاب مطالبة بالدستور إلا أنه ما أن ترأس [[محمد محمود]] الحكومة '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' حتى قامت حكومته بحركة تنقلات داخل الجهاز الإداري للدولة وشملت أيضا عمليات فصل واسعة النطاق للعناصر [[الوفد]]ية وأحلت الموالين لها محلهم ولعل هذا كان مقدمة لتزيف إرادة الأمة حتى لقد شهد السفير البريطاني بأنه بات واضحا أن الانتخابات سوف " تزيف" بواسطة الحكومة. وبالفعل فقد بدأت الحكومة في القيام بالعديد من الإجراءات التي تؤكد عزمها على تزييف إرادة الأمة ولعل الخطوة الأولي في تلك العملية هي إجراء الانتخابات على مرحلتين '''(''' الوجه القبلي في يوم والوجه البحري بعد ثمان وأربعين ساعة ''')''' وتذرعت الحكومة بحجة الحفاظ على الأمن والنظام وحتى يبدو هذا الإجراء وكأنه لا يتعارض مع الدستور فقد تم إصدار فتوى من قلم قضايا الحكومة بأن هذا الإجراء لا يتناقض مع الدستور .<br />
<br />
ولعل هذه هي المرة الأولي في تاريخ الحياة النيابية المصرية التي تجري فيها لانتخابات على مرحلتين بدلا من إجرائها في يوم واحد كما كان متبعا من قبل لا يخفي نائب رئيس [[الأحرار الدستوريين]] الهدف الحقيقي من وراء هذا الإجراء '''حيث يقول : ''' '''(''' لقد كان [[محمد محمود]] أكثر اطمئنانا إلى الوجه القبلي فإذا جرت فيه الانتخابات وظهرت نتيجتها وكانت الأغلبية الكبرى لأنصار الحكومة أثر ذلك في مجري الانتخابات في الوجه البحري تأثيرا كبيرا ''') ''' .<br />
<br />
ولم تكتف الحكومة بهذا الإجراء وإنما أقدمت على تعديل الدوائر الانتخابية عن طريق فصل بعض المناطق أو ضم مناطق أخري بما يتفق ومصالح مرشحي الحكومة .<br />
<br />
ومن المؤكد أن ما أقدمت عليه الحكومات من تعدل الدوائر الانتخابية أدي إلى الاستهانة بالقانون واقتناع الأحزاب بإمكان تعديل تلك الدوائر على هواهم ولم تفرق الأحزاب بين المبادئ القومية الثابتة والمنافع الحزبية العاجلة ولعل ما أقدمت عليه حكومة 4 [[فبراير]] من إعادة الدوائر إلى ما كانت عليه قبل سنة [[1937]] يعد مثلا واضحا لمدي الاستهانة بفكرة قبات الحدود الجغرافية بين الأقاليم .<br />
<br />
وهكذا سلخ الدستوريين في الحكم أكثر من عام ونصف لم يقوموا إلا بالإجراء التقليدي الذي تتبعه كل وزارة حزبية وهو سن القوانين والتشريعات بهدف التضييق على خصومها السياسيين .<br />
<br />
ووفقا لهذا الاتجاه فقد أصدرت الحكومة مرسوما في 8 [[مارس]] [[1938]] م- بمنع قيام الجمعيات أو الجماعات التي لها صورة تشكيلات شبه عسكرية " [[القمصان الملونة]] "<br />
<br />
ويبدو أن [[الملك فاروق]] كان قاسما مشتركا في حركة الصراع الدائر بين القوي السياسية المختلفة بهدف أن يكون للقصر موقف الريادة أو بالمعني المتعارف عليه أن يكون فاروقا هو المصدر الفعلي للسلطات وفي المقابل فلا مانع من أن يتغاضي الملك عن أى تجاوزات تحدثها حكومات الأقلية حتى ولو كان من بين هذه التجاوزات تزيف إرادة الأمة.<br />
<br />
ويمضي أحد زعماء [[الأحرار الدستوريين]] في تصوير ما حدث عقب فوز الدستوريين في انتخابات [[1938]] فيقول " لقد كان من المتوقع ألا يقبل الملك استقالة الحكومة و يكلف [[محمد محمود]] بإعادة تأليفها لكن ما حدث أن الوزارة قدمت استقالتها فاستبقاها الملك للبت فيها ومضت الأيام ولم يبت في أمر الاستقالة ولا في الوزارة الجديدة بل أن البرلمان افتتح وألقي [[محمد محمود]] بتأليف الوزارة قدم كشفا بأسماء أعضائها فاستبقاء الملك وطلب كشفا آخر وهكذا حتي قدم [[محمد محمود]] ثمانية كشوف .<br />
<br />
ويبدو أن [[علي ماهر]] '''(''' رئيس الديوان الملكي ''')''' قد لعب الدور الرئيسي في إفساد العلاقات بين القصر و[[الأحرار الدستوريين]] ولعل الهدف هو أن يكون كامل البنداري عضوا في الحكومة حتى ينقل للقصر ما يدور داخل جلسات مجلس الوزراء . ولم تستطيع حكومة [[محمد محمود]] أن تقف في وجه هيمنة القصر ومحاولاته المتكررة للنيل من استقلال الحكومة حتى وصل الأمر أن [[علي ماهر]] قد تخطي عمل الحكومة وقام بتمثيل [[مصر]] في مؤتمر المائدة المستديرة في لندن '''(''' [[مارس]][[1939]]''')''' على الرغم من أن [[محمد محمود]] كان حريصا على الذهاب إلى هذا المؤتمر حتى يحظي ببعض الشعبية وخصوصا وأن هذا المؤتمر '''(''' المائدة المستديرة''')''' سيناقش القضية ال[[فلسطين]]ية التي تحظي باهتمام بالغ من الشعب المصري , وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن [[علي ماهر]] كان حريصا على عدم حصول [[محمد محمود]] على تلك الشعبية .<br />
<br />
ويضيف نائب رئيس [[الأحرار الدستوريين]] قائلا :" لقد كان [[محمد محمود]] يريد أن يسافر بنفسه إلى هذا المؤتمر راجيا أن يكون له فخر المشاركة في تفريج أزمة العرب من أهل البلاد المقدسة وكان الرجل مغتبطا بما يرجو أن يقوم به من ذلك أيما اغتباط "<br />
<br />
وإذا كان هذا الموقف يعد تصعيدا في الصراع بين القصر والحكومة فإنه من ناحية أخري يعتبر مخالفة صريحة لأبسط المبادئ الدستورية فلم يكن من الطبيعي أن يسافر رئيس الديوان في مهمة قد تترتب عليها مسئولية ساسة ه بلا شك من اختصاص الحكومة ولما كان [[علي ماهر]] لم يحصل على تكليف رسمي من الحكومة حتى تتحمل مسئولية أعماله فإن هذا الإجراء يعد مخالفة لأبسط القواعد الدستورية والقانونية .<br />
<br />
وكان الأجدر بحكومة [[محمد محمود]] أن تقدم استقالتها ولعلها بذلك قد تحظي بشعبية أكثر من اشتراكها في مؤتمر المائدة المستديرة وهي بذلك تضع فاروق وحاشيته في موقف غاية في الصعوبة إلا أن الدستوريين قد قبلوا على أنفسهم أن يكونون تابعين للقصر على اعتبار انه مصدر السلطات الحقيقية وهم من هذه الناحية يتحملون القدر الأكبر في المسئولية.<br />
<br />
والغريب أن كثيرا من المشاكل التي دار حولها النزاع بين الحزب والقصر كانت بخصوص مسائل سبق أن وقع النزاع حولها من قبل بين حكومة [[الوفد]] والقصر ويومها وقف الأحرار للدستورين إلى جانب القصر ضد [[الوفد]] .<br />
<br />
وكان على [[الأحرار الدستوريين]] أن يدفعوا ثمن عدوانهم على الدستور وكان الثمن غاليا حيث نقلت خيوط السلطة التي تبقت في يد حكومتهم إلى يد القصر وما أن حل عام [[1939]] حتى كانت الحكومة قد وصلت إلى درجة لم تعد ملك من السلطة إلا ما تستمده من القصر وأصبح دستور القصر هو دستور الحكومة .<br />
<br />
وظل الصراع قائما بين [[علي ماهر]] ممثلا للقصر وبين [[محمد محمود]] الذي كان يصارع المرض حتى اضطر إلى تقديم استقالته ولقد اختلفت الروايات حول ظروف الاستقالة فالبعض يعتقد بأن تقديم الاستقالة قد تم بناء على أوامر القصر .<br />
<br />
والبعض الأخر يعتقد أن [[محمد محمود]] قد ابلغ الملك برغبته في الاستقالة بعد أن علم أن [[علي ماهر]] يتصل ببعض الأشخاص ليعرض عليهم الاشتراك معه في الوزارة الجديدة .<br />
<br />
أما [[محمد محمود]] نفسه فيقول للسفير البريطاني غداة تقديم استقالته أنه ليس من سبب سوي ظروفه الصحية وأعتقد أن القصر هو الذي طلب من [[محمد محمود]] أن يقدم استقالته نظرا لأن [[علي ماهر]] كان حريصا على إقالة [[محمد محمود]] حتى تسند إليه رئاسة الحكومة ولما كانت العلاقة بين فاروق و[[علي ماهر]] تتسم بالود المتبادل فمن الطبيعي أن يطلب فاروق من [[محمد محمود]] أن يقدم استقالته ومما يضاعف من هذا الاعتقاد ما تشر إليه الوثائق الأمريكية من أن [[محمد محمود]] لم يعد موضع ثقة [[الملك فاروق]] بسبب مؤامرات [[علي ماهر]] .<br />
<br />
وسواء أكان القصر هو الذي أوعز إلى [[محمد محمود]] بتقدم الاستقالة أو أن [[محمد محمود]] هو الذي أقدم من نفسه على تقديم الاستقالة فالمحصلة واحدة وهو أن الاستقالة قد قبلت لأن الحكومة لم تعد تحظي برضاء الملك .<br />
<br />
وهكذا سلكت أحزاب الأقلية طرقا لا تتفق مع الحياة الدستورية معتمدة على القصر الذي لم يتورع عن إقالة أية حكومة حينما يجد أن الغرض من بقائها قد استنفذ وبخروج الدستوريين من الحكم انتقلوا إلى صفوف المعارضة إلا أن معارضتهم كانت دائما في إطار التعاون مع بريطانيا باعتبارها الدولة الحليفة ولقد ذكر السفير البريطاني " أن الدكتور [[أحمد ماهر]] يبدي قدرا كبيرا من التعاطف مع الدول الديمقراطية وأنه يري ضرورة خلق روح الثقة بانجلترا وإعطائها حقوقا أكثر مما ورد في [[معاهدة 1936]] وأن [[الأحرار الدستوريين]] يشاركون الدكتور [[أحمد ماهر]] في وجهة نظره تلك.<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن موقف [[الأحرار الدستوريين]] لم يكن متفقا في أية قضية من القضايا القومية وإنما كانت السمة البارزة لهذا الحزب هي الانقسام فبينما كان رئيس الحزب موافقا على إعلان الأحكام العرفية كانت الغالبة العظمي تري خلاف هذا الرأي على اعتبار أن [[مصر]] لم تعلن الحرب فضلا عن بعدها عن ميادينها ومن ثم فلا موجب لفرض هذا القانون المقيد للحرية إذا كان الغرض من هذا القانون هو ضمان موقف [[مصر]] بجانب انجلترا ففي استطاعة الحكومة استصدار التشريعات الكفيلة بتحقيق هذا الغرض ولقد صدرت تشريعات مشابهة تتعلق بالسفن والتموين والصحف وأجهزة الإعلام وبعد مناقشة الموضوع داخل اجتماعات الحزب تمكن [[محمد محمود]] من أن يقنع الغالبية بأهمية إعلان الأحكام العرفية بحجة أن الدستوريين لو كانوا شركاء في الحكم لتضامنوا مع الوزارة في هذا الإجراء وليس من الإنصاف أن يكون للإنسان في الموضوع الواحد رأيان متناقشان تبعا لوجوده في الحكم أو كونه في المعارضة .<br />
<br />
أما عن موقف السعديين من قضية دخول [[مصر]] الحرب ضد ألمانيا فلقد اختلفت وجهات النظر فبينما كان [[محمد محمود]] '''(''' رئيس الحزب ''')''' يري أن أفضل وسيلة لتدعيم الصداقة بين [[مصر]] وبريطانيا هو أن تعلن [[مصر]] الحرب ضد المحور كان نائب رئيس الحزب '''(''' الدكتور هيكل''')''' وغالبية الحزب يؤيدون الاتجاه القائل بضرورة تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب .<br />
<br />
وعندما تقدم [[الوفد]] بمذكرته إلى السفير البريطاني – [[أبريل]] سنة [[1940]] – تلك المذكرة التي وصفها السفير البريطاني بأنها تعد تطرفا في المطالب الوطنية بهدف أن يعيد [[الوفد]] هيبته وقدرته على خلق المتاعب وتعتبر نقطة تحول خطيرة في العلاقات المصرية البريطانية وعلى الرغم من أن المطالب القومية التي دعت إليها تلك المذكرة كانت موضع رضاء وقبول من كل القوي السياسية إلا أن [[محمد محمود]] '''(''' زعيم الدستوريين''')''' قد وصفها بأنها محاولة للحصول على شئ بالتهديد والابتزاز وأنه أبعد ما تكون عن الحنكة السياسية .<br />
<br />
'''أما عن موقف الدستوريين من أحداث [[فبراير]] [[1942]] : '''<br />
فلقد انضم الدستوريين بكل قواهم إلى القوي المناهضة للوفد عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] ولا غرابة في ذلك فقد كانوا أول الخارجين على [[الوفد]] سنة [[1922]] وكان العداء بينهما يتفاقم يوما بعد يوم , ولقد رأي الدستوريون في تلك الأزمة تكوين وزارة ائتلافية برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] فهي تضمن اشتراك [[الوفد]] وتحول دون انفراده بالحكم كما يريد هيكل وتنسجم مع ما للوفد من أقلية في البرلمان ولقد اعتبر الدكتور هيكل أن تأليف وزارة قومية برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] يعد حلا كريما للموقف ويجعل رفض الإنذار مأمون العاقبة ويحافظ على استقلال [[مصر]] وسيادتها وبعض [[محمد محمود]] رئس الدستوريين رسالة احتجاج واستنكار للسفير البريطاني حملها " دسوقي أباظة" سكرتير عام الحزب إلى " والتر سمارت" السكرتير الشرق للسفارة " وتضمنت تلك الرسالة العلاقة بين ما حدث في 4 [[فبراير]] و[[معاهدة 1936]] على اعتبار أن ما حدث يعد انتهاكا خطيرا لمعاهدة التحالف والصداقة بين مص وبريطانيا .<br />
<br />
ومن المؤكد أن بريطانيا كانت تقدر أهمية العلاقة الوطيدة مع الدستوريين لذلك أوفدت والترس مارت " السكرتير الشرقي للسفارة " إلى منزل الدكتور هيكل – رئيس الحزب بالنيابة- ليحمل إليه تحيات الحكومة البريطانية وتقديرها لسياسة الحزب ومواقفه في مناصرة الديمقراطية ومما يلفت النظر أن الدكتور هيكل لا يثير موضوع 4 [[فبراير]] كقضية خلاف مع بريطانيا وإنما يطلب من السكرتير الشرقي " والترس مارت" أن تتوسط بريطانيا لدي [[الوفد]] لتخصيص عدد من المقاعد للمعارضة ويحاول الدكتور هيكل أن يربط بين هذا المطلب و[[حادث 4 فبراير]] '''بقوله : ''' " لابد من تخصيص نسبة من الدوائر الانتخابية لأحزاب المعارضة وإلا سنضطر هذه الأحزاب إلى مهاجمة [[الوفد]] على اعتبار أنه جاء إلى الحكم على أسنة الحراب البريطانية .<br />
<br />
ومزيدا في إرضاء المعارضة فقد كتب السفير البريطاني إلى حكومته بأن توعز إلى صحيفة التيمز وإلى الإذاعة البريطانية " ب. ب . س" ليقدما تعليقا على عودة [[الوفد]] إلى الحكم على اعتبار أن بريطانيا تتعاطف أيضا مع السعديين و[[الأحرار الدستوريين]] لإخلاصهم ل[[معاهدة 1936]] ولمناصرتهم قضية الديمقراطية في العالم .<br />
<br />
ويبدو أن السفارة البريطانية في محاولة منها لكسب ود المعارضة قد بذلت محاولات مع [[الوفد]] فيما يتعلق بتخصيص عدد من المقاعد البرلمانية للمعارضة إلا أن حكومة [[الوفد]] اشترطت أن يعلن الدستوريين والسعديون أن [[مصطفى النحاس]] قد أدي خدمة جليلة للعرش وللبلاد بقبوله الوزارة في 4 [[فبراير]] فإذا ما وافق الدستوريين والسعديون على هذا التصريح يمكن الدخول في مفاوضات عدد المقاعد التي يمكن أن تترك للمعارضة وأبدي الدستوريون موافقتهم على الشرط السابق إلا أن عدد المقاعد التي تترك للمعارضة كانت موضع خلاف حيث طلب الدستورين 25% من مقاعد مجلس النواب وتمسك [[الوفد]]يون بنسبة 15 % فقط.<br />
<br />
وهكذا ابدي الدستوريون موافقتهم لأن يعلنوا أن [[مصطفى النحاس]] بقبوله الوزارة في 4 [[فبراير]] قد أد خدمة جليلة للبلاد على شرط أن يتنازل [[الوفد]] عن 25% من مقاعد مجلس النواب وإلا فإن عودة [[الوفد]] تعتبر علي أسنة الحراب البريطانية "<br />
<br />
وعندما فشلت المفاوضات قرر الدستوريين متضامنين مع باقي الأحزاب مقاطعة الانتخابات وهنا فإن الأمر يعد أكثر غرابة لأن امتناعهم عن دخول الانتخابات لم يكن احتراما لمبدأ ولا احتجاجا على حادث وقع ولا إيمانا بعقيدة لأنهم مستعدون كما رأينا الدخول الانتخابات على شرط الاتفاق على الدوائر .<br />
<br />
وهكذا عادت نفس المناورات التي حدثت يوم 4 [[فبراير]] '''يوم أن قالوا ل[[مصطفى النحاس]] : ''' إذا قبلت تشكل وزارة قومية فإن هذا يعد خروجا من دائرة الإنذار البريطاني " وعندما أصر [[مصطفى النحاس|النحاس]] على رفض الحكومة القومية '''قالوا له : ''' " أنك جئت على أسنة الحراب البريطانية واليوم يطلبون عددا من المقاعد في مجلس النواب ويشهدون أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد أفقد البلاد بقبوله الحكم وإذا رفض قالوا لن ندخل مجلس النواب لأنه امتداد للحكومة التي جاءت على أسنة الحراب البريطانية .<br />
<br />
ومن هنا فقد اشترك الدستوريين مع باقي القوي المناهضة للوفد في مقاطعة الانتخابات وأخذوا يعقدون الاجتماعات للتباحث في كيفية واجهة [[الوفد]] على اعتبار أن [[الوفد]] هو قضيتهم الأولي وجريا على سياسة النيل من [[الوفد]] فقد بعث الدكتور هيكل بخطاب إلى [[الملك فاروق]] يتذمر فيه من الحكومة وسياستها واعتبارها الحكم مغنما وعاب عليها تأليفها لجنة لبحث تبعات [[مصر]] وقضايا ما بعد الحرب .<br />
<br />
وظل رئيس الوزراء – [[مصطفى النحاس]] – هدفا لهجمات شديدة وجهتها إله المعارضة مشيرة إلى ظروف مجيئه إلى الحكم ولم تتوان كل الأحزاب عن اللجوء إلى أى الطرق مهما كانت بهدف النيل من [[الوفد]] وقيادته بما في ذلك اللجوء إلى قادة الحلفاء وتناسي الدستوريون أنهم قد أخذوا على [[الوفد]] هذا المسلك في مذكرة سنة [[1940]] حينما تقدم إلى السفير البريطاني بمطالب [[مصر]] حيث اعتبرها محمد محمود مسلكا غاية في الانتهازية وطعنه في ظهر الخليفة .<br />
<br />
ومرة ثانية يحاول الأعضاء الدستوريين في مجلس الشيوخ إثارة مذكرة [[1940]]م في محاولة لإحراج الحكومة على أساس أن ما كان يعتبره [[الوفد]] مطلبا وطنيا سنة [[1940]] قد أصبح أمرا منسيا عقب 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] في محاولة منه لتبديد تلك الاتهامات قد أعلن أن المذكور بكل مطلب من المطالب الوطنية المدونة بها وفي مقدمتها الجلاء عن [[السودان]] هي فخرنا ولا تزال هي نفس مطالبنا نعمل لها جهد إمكاننا حتى يأذن الله بتحقيقيها أو نفني دونها .<br />
<br />
والحقيقة أن ما أعلنه [[مصطفى النحاس|النحاس]] والخاص بمذكرة [[أبريل]] [[1940]] لم يقترن بأية خطوة عملية وإنما كان من قبيل الاستهلاك السياسي لرد الهجمات المتكررة التي توجهها المعارضة بهدف النيل من [[الوفد]] والتقليل من دوره أمام الرأي العام .<br />
<br />
وأستطيع أن أقول أن الأحزاب المصرية قد أضاعت قدرا كبيرا من جهدها في قضايا تعد ثانوية بالنسبة للقضية الأولي وهي الاحتلال حيث لم تشغل هذه القضية المكانة اللائقة بها وبالتالي فإن حكومة [[الوفد]] قد انشغلت بالدفاع عن نفسها وسوق العديد من المبررات في محاولة لإقناع الرأي العام بسياستها .<br />
<br />
وبالقدر الذي كانت تنشط به المعارضة كانت حكومة تندفع للارتباط بالاحتلال ولتبة كل طلباته سواء أكان هذا نكاية في المعارضة أو خوفا من تسلط الاحتلال ولذا فإن [[الوفد]] يعد مسئولا مسئولية مباشرة عن العديد من التجاوزات التي وقعت طوال فترة بقائه في الحكم حيث أتاح لخصومه فرصة قوية لمعارضته حتى وصل الأمر إلى التشكيك في وطنيته .<br />
<br />
وبدلا من أن تقديم الحكومة على تبديد تلك المزاعم راحت تضاعف من هذا الاعتقاد عن طريق الإجراءات الإدارية التي شملت نقل وفصل العديد من المدرين وكبار الموظفين بحجة أنهم يناصرون أحزاب الأقلية .<br />
<br />
والواقع أن الرقابة على الصحف ومنه الاجتماعات العامة والاعتقالات السياسية قد مكن الوزارة من أن تطلق يدها أكثر مما فعلت الوزارات [[الوفد]]ية في أى عهد مضي أو حتى وزارات الأقلية .<br />
<br />
وعملا بقانون النفي الإداري باتت المعارضة تتوجس خوفا من هنا السلاح الذي استعملته الحكومة أسوأ استعمال وحتى دور الأحزاب خضعت لرقابة شديدة من جانب البوليس السياسي مما اضطر الغالبية الكبر من أعضاء الأحزاب إلى الاعتكاف في منازلهم خوفا من الاعتقال .<br />
<br />
والحقيقة أن أحدا لا يستطيع أن يعفي سياسيا مصريا من الاشتراك في إتاحة الفرصة للسفير البريطاني لانتهاك حرية [[مصر]] وكرامتها واستقلالها على النحو الذي حث في 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] وزعماء الأحزاب كانوا يخشون دائما أن يحل البرلمان الذي يضم نوابهم مما جعلهم يخشون الاحتكام من جديد إلى الانتخابات حرصا على مكاسبهم وتأليف حكومة برئاسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] قومية كانت أو إدارية أو وفدية لم يكن ليزيل آثار الإنذار البريطاني والمسئولية عن هذا الحادث قسمة بن القصر والزعماء والأحزاب والسفير البريطاني.<br />
<br />
أما من منهم كانت مسئولية أثقل أو أخف فلا يغير من الحقيقة في شئ وكل الأحزاب كانت تقبل مبدأ التدخل البريطانية ولكن كل منهم يؤثر الزاوية التي تتفق مع مصلحته .<br />
<br />
و[[مصطفى النحاس|النحاس]] يزيد أن تكون الحكومة كلها وفدية لمصلحته ومصلحة حزبه وأحزاب الأقلية تريد أن تكون الحكومة ائتلافية حتى يكون لهم نصيب في الحكم والقصر مرغم تحت ضغط الانجليز ولكنه يكره [[مصطفى النحاس|النحاس]] ويود أن تكون الحكومة مؤلفة من جميع الأحزاب لكي تتاح له فرصة المؤامرة تأييدا لسلطته وانتاقصا من سلطة [[الوفد]].<br />
<br />
ولم يعد [[الوفد]] ذلك الحزب الذي استطاع في الماضي أن يحوز إجماع [[مصر]] في ساعات الثورة العصيبة فانشقاق العديد من أعضائه قد أدي إلى تغير ملامحه الأصلية وما حدث في 4 [[فبراير]] كان بمثابة الضربة القاتلة لنفوذه لقد بعد به العهد عن ذلك الوقت الذي كان من الممكن '''(''' كما حدث سنة [[1935]]''')''' أن نري شابا أصيب بجرح قاتل أثناء احدي المظاهرات فيغمس منديله في دمه ليرسله – حبا وتقديرا – إلى [[مصطفى النحاس]] قبل أن يلفظ آخر أنفاسه .<br />
<br />
لقد فقدت الجماهير المصرية الذي لم يعد يدفعها للموت في سبيل [[الوفد]] ولذا فإنني أستطيع أن أقول أن ما حدث في 4 [[فبراير]] كان أهم الأحداث – وأعظمها تأثيرا على شعبية [[الوفد]] .<br />
<br />
===[[الإخوان المسلمون]] ===<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت دعوة [[مصر الفتاة]] تنتشر وتجد الأنصار من بعض الشباب وتحظي بتأييد صريح أو ضمني من بعض رجال السراي والأحزاب كانت تجري في [[مصر]] دعوة أخري تشابه دعوة [[مصر الفتاة]] من بعض الوجوه وتختلف عنها في وجوه أخري ولكن الدعوتين تتفقان من حيث أنهما خروج على المألوف في قيام الأحزاب فلم تكن الأوضاع الاقتصادية أو السياسية هي محق الارتكاز في قيام الجماعتين وإنما اتخذ كل منهما من [[الإسلام]] أساسا شاملا باعتبار أن الدعوة [[الإسلام]]ية تجمع في إطارها كل جوانب الحياة .<br />
<br />
ولعل قيام [[جماعة الإخوان]] على هذا الأساس يعد من أهم العوامل في شدة الإقبال عيها والاهتمام بها ولما كانت الدعوة ذات طابع ديني فقط في بدايتها لذلك انضم إليها كثيرون من أنصار مختلف الأحزاب القائمة حينئذ دون أن يجدوا في الانضمام إلها والولاء لها ما يخالف أو يتعارض مع ولائهم لأحزابهم السياسية.<br />
<br />
وقبل أن يعلن [[حسن البنا]] نزول [[الإخوان]] إلى مجال العمل السياسي فإن مؤتمر الطلبة [[الإخوان]] بجمعية الشبان المسلمين '''(''' [[مارس]] [[1938]]''')''' قد أبرز في قراراته الاهتمام بالجانب السياسي على اعتبار أن اهتمام المسام بشئون بلده من أهم المبادئ التي تقوم عليها الدعوة [[الإسلام]]ية وانحصار معني الفكرة الاسمية في حدود الواجبات الروحية أمر يتنافي مع طبيعة [[الإسلام]] .<br />
<br />
وكان نزول [[حسن البنا]] إلى ميدان العمل السياسي في [[مايو]] سنة [[1938]] هو الانتقال إلى المرحلة الثانية من مراحل الدعوة وكان المبدأ الأول من مبادئ هذه المرحلة أن [[الإسلام]] نظام شامل متكامل بذاته وهو السبيل النهائي للحياة بكافة نواحيها .<br />
<br />
وفي العدد الأول من مجلة النذير يقول [[حسن البنا]] :" أنه منذ عشر سنوات بدأت دعوة [[الإخوان المسلمين]] خالصة لوجه الله مقتفية أثر الرسول الأعظم صلي الله عليه سلم متخذة القرآن منهاجا ولم يشترك [[الإخوان]] في المنازعات الحزبية بل كرست جهدها في ميدان التربية وتغيير العرف العام وتطهير النفوس وإذاعة مبادئ الحق والجهاد وقد نجحت الجماعة في ذلك وأما اليوم فلن يكون ذلك وستخاصمون هؤلاء جميعا في الحكم وخارجه خصومة شديدة إن لم يستجيبوا لكم ويتخذوا تعاليم [[الإسلام]] منهاجا يسيرون عله ويعلمون به فأمام ولاء وأما عداء ولسنا في ذلك نخالف خطتنا أو ننحرف عن طريقنا أو نغير مسلكنا بالتدخل في [[السياسة]] كما يقول الذين لا يعلمون ولكننا ننتقل خطوة ثانية ولا ذنب لنا أن تكون الساسة جزءا من الدين وأن يشمل [[الإسلام]] الحاكمين والمحكومين '''فليس في تعاليمه : ''' أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله '''ولكن في تعاليمه : ''' قيصر وما لقيصر لله الواحد القهار .<br />
<br />
وكان نزول [[حسن البنا]] إلى ميدان العمل السياسي مثار اهتمام كل القوي السياسية في [[مصر]] وخصوصا في هذا الوقت بالذات ففي هذا العام كان الملك قد تم انتصار له على [[الوفد]] بينما انسلخ عن [[الوفد]] حزب السعديين كما أخذت جماعة [[مصر الفتاة]] تهاجم [[الوفد]] علنا وتتنكر للدستور والحياة النيابية والمناداة بفاروق خليفة للمسلمين في الوقت الذي بدأت [[جماعة الإخوان]] في التقرب من القصر حيث كان الاحتفال بذكري جلوس فاروق على عرش [[مصر]] وتجمع [[الإخوان المسلمين]] في ميدان عابدين وهم يرددون يمين الولاء التقليدي " نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله "<br />
<br />
ويبدو أن نزول الشيخ [[البنا]] إلى ميدان العمل السياسي في هذا الوقت بالذات كان موضع اهتمام ولوم شديدين حيث اعتقد البعض أن هذه الدعوة على علاقة بالفاشية والنازية بل وقد تجرأ البعض وشكك في صدق هذه الدعوة مدعيا أنها تشبه إلى حد كبير الدعوة الفاشية في ايطاليا والنازية في ألمانيا .<br />
<br />
'''ومن الإنصاف أن تقرر بعض العوامل التي قد تبدد مثل هذه الاتهام وتوضيح هوية الدعوة [[للإخوان]] ؟'''<br />
<br />
'''أولا: ''' أن علاقة [[حسن البنا]] بالقصر في فترة بداية الدعوة لا تفسر على أنها ولاء للنظام بقدر ما هي خطة مرحلية لخطة قضية الدعوة في مرحلتها الأولي .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن اختيار سنة [[1938]] بالذات بداية للمرحلة الثانية من مراحل الدعوة وهي مرحلة الإعلان عن الهوية السياسية للدعوة فمن البديهيات أن أية دعوة تختار ما يناسبها من وقت للإعلان عن برامجها وأهدافها على اعتبار أن الجماعة قد وصلت إلى حالة تمكنها من الانتقال إلى هذه المرحلة حيث كثرت شعبها وتعددت وسائلها وأصبح لها صحفها الناطقة باسمها '''(''' [[مجلة النذير|جريدة النذير]] ''')''' و" [[مجلة المنار]] " وأصبحت الدعوة تنعم أرجاء [[مصر]] وخصوصا بين طبقة المثقفين الذين فقدا كل ثقة في الأحزاب التقليدية القائمة.<br />
<br />
وإذا كانت الدعوة قد ارتبطت بالقصر أو بحكومات الأقلية فلم يكن هذا ولاء للقصر أو للحكومات أو ثقة فيهم إنما كان خدمة للقضية ذاتها فليس من المنطق أن تسعدي الحركة وهي ما تزال في دورها الأول القصر والحكومات معا وهو ذكاء يحسد عليه الشيح [[البنا]] أما محاولة بعض المؤرخين الربط بين أمور لا علاقة بينها وإلقاء التهم بلا تحقيق أو تفسير علمي اعتمادا على نظريات مادية وخدمة لبعض القوي على حساب الأخرى فإن هذا يعد مناقضا للحقائق وبعدا عن الالتزام العلمي والموضوعي .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن محاولة بعض المؤرخين إيجاد نوع من الصلة بين جماعة الكشافة التابعة [[للإخوان]] وبين الفاشية هي محاولة لإيجاد صلة بين أشياء لا علاقة بينها إطلاقا فلقد كان للوفد فرقته الخاصة به " [[القمصان الزرقاء]] " وقد كان ل[[مصر الفتاة]] تنظيماتها أيضا " [[القمصان الخضراء]] " وإذا كانت فكرة " النظام والطاعة " من بين أركان الدعوة فأي دعوة مهما كانت لابد لها من إطار عام ينظمها ولابد لها من قيادة مدربة واعية تكون موضع ثقة الجميع والالتزام بما تقره القيادة هو من أهم أركان أى عمل ناجح ولهذا فإن بعض الآراء العاقلة تري أن الدعوة ليست لها أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالدعوات في الدول الغربية .<br />
<br />
ولعل إيديولوجية [[الإخوان المسلمين]] تكاد متقاربة من مدرسة الخار لصاحبها الشيخ رشيد رضا على الرغم من أن الشيخ [[البنا]] لم يشر إلى تأثير هذه المدرسة في نفسه وان اعترف بأنه حضر بعض مجالس رشيد رضا وأنه كان كثير المطالعة في مجلة المنار كما أنه اعتزم في احدي المرات إصدار مجلة شهرية تشبها بالمنار .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن هذه الدعوة قد حظيت بترحيب من القصر الذي كان حريصا على إدخال الجماعة ضمن الصراع التقليدي بين [[الوفد]] والقصر وكان الملك حريصا على أن يمسك بزمام الأمور في يده وفي المقابل فقد حظي فاروق بتأييد [[الإخوان]] ولعل مرجع ذلك ما لمسوه من استعدادا ديني عند الملك الشاب أو أن مرحلة الدعوة كانت تقتضي هذا النهج التزاما بعدم توسيع دائرة الخلاف وفي الوقت الذي كان يشكك في هذه الدعوة وقد يكون هذا التشكيك راجعا إلى ما يعتقده البعض من أن [[الإخوان]] قد قبلوا الدخول في دائرة الصراع بين [[الوفد]] والقصر أو أن [[الوفد]] قد لمس خطر الدعوة بسبب اتخاذها إطارا إسلاميا يدفعها إلى الانتشار السريع على حساب جماهيرية [[الوفد]] ومهما كانت دوافع الخلاف فإن [[جماعة الإخوان]] قد استطاعت وبذكاء شديد أن تستغل الصراع الدائر بين [[الوفد]] والقصر وأن توطد علاقاتها بعلي ماهر الذي احتضن هذه الدعوة نكاية في [[الوفد]] ومن الثابت أن فترة تولي [[علي ماهر]] الحكم تعتبر بداية انطلاقة جديدة ل[[جماعة الإخوان]] حيث خاطب [[حسن البنا]] [[علي ماهر]] صراحة برغبة [[الإخوان]] في تولي الشئون الهامة في الجيش المرابط ووزارة الشئون الاجتماعية وهو ما يؤكد العلاقة الوطيدة بينهما .<br />
<br />
وبالرغم من هذه العلاقة القوية فقد أعلن الشيخ [[البنا]] رأيه صراحة في موقف [[مصر]] من الحرب وقد سجل الموقف في رسالة بعث بها إلى [[علي ماهر]] يستنكر عزم الحكومة على إعلان الحرب بجانب بريطانيا مؤكدا استقلال [[مصر]] وفقا لقانون الدولي وأنه ليس في [[معاهدة 1936]] ما يلزم [[مصر]] بدخول هذه الحرب وعلينا الالتزام بمبدأ الحياد ولعل هذا الموقف ما يؤكد بأن دعوة الشيخ [[البنا]] كان لها طابعها الخاص بها وأن العلاقة مع [[علي ماهر]] لم تكن إلا وسيلة لخدمة القضية [[الإسلام]]ية .وخلال حكم وزارة [[علي ماهر]] ثم وزارة [[حسن صبري]] التي خلفتها '''(''' [[يونيه]] – [[نوفمبر]] [[1940]]''')''' طور [[الإخوان]] نظامهم وتضاعفت شعبهم وتعددت فرق الكشافة التي تتبعهم وتشكل المجلس الأعلي للكشافة وترأسه [[حسن البنا]] نفسه وعين محمود لبيب مفتشا عاما لها .<br />
<br />
وأثناء وزارة [[حسين سري]] '''(''' [[نوفمبر]] [[1940]] – 4 [[فبراير]] [[1942]] ''')''' صدر قرار من وزير المعارف بنقل الشيخ [[حسن البنا]] من [[القاهرة]] إلى قنا ويعترف وزير المعارف بأن هذا النقل كان بإيعاز من السفير البريطاني الذي طلب من رئيس الحكومة '''(''' [[حسين سري]] ''')''' سرعة العمل على نقل الرجل لأنه يعمل لحساب ايطاليا .<br />
<br />
ومن المؤكد أن الحكومة البريطانية كانت تلصق همة العمل لحساب المحور على أى شخص يري السفير من خلال عيونه المنتشرة بأنه لا يكن ولاء لبريطانيا وهذا السلاح الخطير راح ضحيته العديد من المصريين الشرفاء الذين كانوا يعتبرون بريطانيا دولة محتلة لوطنهم بصرف النظر عن الديمقراطية أو الفاشية فلقد كان التطور الموقف العسكري في أوربا وانهيار فرنسا مما شجع في [[مصر]] الميول التي كانت تتعاطف مع المحور شعبية كانت أم رسمية لا على اعتبار أن المحور صادق النية فيما يتعلق باحترام سلامة واستقلال [[مصر]] ولكن ومن ناحية أخري كان هذا الميل يحمل في طياته دوافع التشفي نحو حليف أكرهت [[مصر]] على محالفته ضد رغبة شعبها كما أنه كان يتضمن في الوقت نفسه معني الإعجاب بالعسكرية الألمانية التي لا تقهر من جانب بعض قطاعات الرأي العام المصري وقادته بل وحتي فاروق ذاته .<br />
<br />
ويعلق وزير المعارف على نقل الشيخ [[حسن البنا]] بقوله : لقد أحدث نقل الشيخ [[البنا]] أثرا كبيرا لدي دوائر الحكومة وتعددت الرجاءات من النواب الدستوريين بشأن إعادته إلى [[القاهرة]] وأخيرا أبدي [[حسين سري]] موافقته على إعادة [[حسن البنا]] إلى [[القاهرة]] مرة ثانية ولعل [[حسين سري]] قد استجاب لرجاء [[الأحرار الدستوريين]] خشية أن يزداد ضغط النواب وخصوصا وأن حد أعضاء مجلس النواب قد تقدم بسؤال إلى الحكومة حول المبررات التي اعتمدت عليها في نقل مدرس من [[القاهرة]] إلى [[قنا]] .<br />
<br />
وكان من الممكن أن تقع الحكومة في حرج شديد فليست لديها مبررات معقولة على اعتبار أن [[حسن البنا]] من أكفأ المعلمين في حقل التربية والتعليم وأن ما يقوم به من نشاط إسلامي يعد بعيدا عن نطاق عمله كمدرس في وزارة المعارف .<br />
<br />
وبعودة [[حسن البنا]] مرة ثانية إلى [[القاهرة]] فقد انتقلت حركة [[الإخوان]] إلى مرحلة جديدة وهامة حيث قد استشعر قوته مما ضاعف من نشاطه وكان لهذا أكبر الأثر على دعوة [[الإخوان]] وانتشارها وكانت مصدر إعجاب قطاعات كبيرة من المصريين .<br />
<br />
وبعودة [[الوفد]] إلى الحكم في 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] وكسر شوكة القصر لم تتنكر الجماعة لعلاقتها ب[[الملك فاروق]] وإنما احتفلت بعيد جلوسه علي العرش '''(''' [[مايو]] [[1942]] ''')''' وشبهته [[مجلة النذير|جريدة النذير]] بالفاروق عمر بن الخطاب ولقبته بأمير المؤمنين ونشرت [[مجلة الإخوان المسلمين]] والتي أعيد إصدارها سنة [[1942]] صورة الملك على غلاف عددها الأول ونشرت في عددها الثاني نبأ عن ذهاب وفد من الجماعة إلى الملك على رأسه [[المرشد العام]] ليقدم العدد الأول من المجلة إلى [[الملك فاروق]] .<br />
<br />
ويبدو أن ردود الفعل لما وقع 4 [[فبراير]] لم يكن قويا لدي [[الإخوان]] على الرغم من بعض المظاهر التي أبرزت ولاء الجماعة للملك فاروق وقد يكون هذا الموقف بدافع عدم الاصطدام ب[[الوفد]] وما يترتب على ذلك من حل الجماعة ومصادرة صحفها عملا بقانون الطوارئ وهذه سياسة بلا شك يحسد عليها [[المرشد العام]] [[للإخوان]] وهذا مما يضاعف من اعتقاد بأن ولاء الجماعة لم يكن خالصا للملك ولا لأي حزب سياسي وإنما كانت الضرورة تقتضي التضامن مع هذه الجماعة أو غيرها ولو لفترة تكون بعدها [[جماعة الإخوان]] قادرة على الوقوف كقوة يعتد بها وهذا لن يتحقق إلا إذا هادن الشيخ [[البنا]] كل القوي المؤثرة في [[السياسة]] عن [[يوسف رشاد]] الذي حاول إفهام الملك بأن ولاء [[البنا]] إلى العرش ليس موضع شك '''وكان تعليق الملك على ذلك : -''' " لقد خدعك [[حسن البنا]] " وجريا على سياسة بريطانيا عقب 4 [[فبراير]] في العمل على تهدئة الأعصاب الثائرة فقد تقابل كايتون " وكيل المخابرات البريطانية " مع [[حسن البنا]] تفاهما في دوافع بريطانيا وراء ما حدث في 4 [[فبراير]] وحرصا من [[حسن البنا]] على تأكيد أن [[الإسلام]] دين ودولة فقد قرر الدخول في – انتخابات سنة [[1942]] هذا من جانب ومن جانب آخر فقد أراد أن يعطي لجماعته نوعا من الشرعية التي كانت تفتقدها حيث كانت فرصة للحل والمصادرة في أى وقت وتحت أى ظروف.<br />
<br />
إلا أنه لم يكد يذاع خبر ترشيح [[حسن البنا]] لعضوية النواب عن دائرة [[الإسماعيلية]] حتى اتصل به [[عبد الواحد الوكيل]] '''(''' صهر [[مصطفى النحاس]] ''')''' وطلب منه الرجوع إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] لكي يكون على بينة من أمر هذا الترشيح .<br />
<br />
وبعد بضعة أيام تلقي [[حسن البنا]] دعوة لمقابلة [[مصطفى النحاس]] حيث طلب إليه أن يتنازل عن الترشيح مقابل بعضا من الوعود من أهمها عدم التعرض لأعضاء الجماعة أو لنشاطاتهم وعدم مراقبتهم أو التضييق عليهم '''وقد لخص [[المرشد العام]] [[للإخوان]] أسباب تنازله فيما يأتي : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' كسب ثقة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باعتباره رئيس الحكومة وزعيم الأغلبية .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' العمل على قيام الجماعة بأداء دورها وانتشارها في مختلف البلاد .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' عدم الاطمئنان إلى نتيجة الانتخابات خوفا من التلاعب وسيستغل الخصوم ذلك لتشويه سمعة الجماعة .<br />
<br />
ومن المؤكد أن تراجع [[حسن البنا]] عن الانتخابات قد أعطي هدنة للطرفين عبرت عنها صحيفة [[الإخوان]] بترحيبها بخطوات الحكومة لاهتمامها الخاص بإلغاء الدعارة .<br />
<br />
وفي الوقت الذي اتخذت فيه كل القوي السياسية موقفا عدائيا من [[الوفد]] بسبب أحداث 4 [[فبراير]] نجد أن وزيرا وفديا يقوم بزيارة المركز العام [[للإخوان]] مبديا استعداد الحكومة لتقديم كل الإمكانات خدمة للدعوة [[الإسلام]]ية ويلاحظ أن [[الوفد]] قد قدر أهمية [[جماعة الإخوان]] باعتبارها من أهم الدعوات التي كانت قادرة على التأثير في المجتمع المصري ونظرا لهذه الأهمية فقد ترأس [[فؤاد سراج الدين]] وفدا ضم عبد الحميد عبد الحق وأحمد حمزة ومحمود سليمان غنام ومعهم مجموعة كبيرة من نواب [[الوفد]] وقاموا بزيارة لدار [[الإخوان]] مؤكدين على أن هذه الدعوة سوف يكون لها شأن كبير ووعد الجميع بتنفيذ مطالب [[الإخوان]] وتقديم قطعة أرض لبناء دار لهم ومدهم بالورق اللازم لإصدار صحفهم وتعددت زيارة زعماء [[الوفد]] لشعب [[الإخوان]] ولعل [[الوفد]] كان يسلم بقوة [[الإخوان]] ومقدرتهم الفائقة على التنظيم وإثارة الشغب والاضطراب في وقت كان [[الوفد]] حريصا على أن يثبت لبريطانيا أنه الوحيد القادر على استقرار الأوضاع وعودة الطمأنينة والهدوء إلى المجتمع المصري .<br />
<br />
ومن المهم أن [[جماعة الإخوان]] قد استفادت من هذه العلاقة الطيبة مع [[الوفد]] حيث أعيد إصدار صحفها وتركت لهم الحرية في ممارسة أنشطتهم حيث نحوا الأوضاع السياسية جانبا وبدأ الاهتمام بفكرة تطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية بمفهومها الشامل الكامل مما أثار عليها بعض الصحف متهمة إياها بالرجعية والجمود .<br />
<br />
ومما لا شك فيه أن ما وقع في 4 [[فبراير]] قد أفاد [[الإخوان]] بدرجة كبيرة حيث انصرفت إليه جموع غفيرة من [[الوفد]]يين احتجاجا على سياسة [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] وبعد أن فقدوا الثقة في الزعامات التقليدية التي ارتضت لنفسها أن تهادن الاحتلال وأن تساوم على المبادئ الوطنية مقابل العودة إلى الحكم مهما كان الثمن ووجدت هذه الجموع في دعوة [[الإخوان]] ما يتفق وخلاص المجتمع من كل تلك الشرور التي تحيق به .<br />
<br />
وبالرغم من أن حكومة [[الوفد]] كانت تقدر خطورة هذه الدعوة وأثرها على شعبية [[الوفد]] إلا أنه كان اختيار لابد منه أمام كل القوي التي اجتمعت وتناصرت بالرغم من افتراقها في المبدأ لكي تتخذ من [[الوفد]] هدفا تشهر في وجهة كل أسلحتها ولا ترضي عن سقوطه بديلا .<br />
<br />
للعلاقات الطيبة مع [[الوفد]] وأعلنوا أنهم كانوا وما يزالون من أشد خصوم [[الوفد]] وهذا الموقف يختلف عن موقفهم من [[الملك فاروق]] عقب 4 [[فبراير]] حيث أعلنوا ولاءهم للملك في أكثر من مناسبة وهذا الموقف بقدر ما يدل على ذكاء مطلق ل[[حسن البنا]] إلا أنه يحمل قدرا كبيرا من الانتهازية حيث كان يدرك أن حكومة [[الوفد]] زائلة لا ريب في ذلك أما الملك فسيبقي دائما المصدر الفعلي لكل السلطات .<br />
<br />
وبينما كل القوي السياسية قد انشغلت بأحداث 4 [[فبراير]] حيث أخذت منه مادة خصبة للمزايدة انصرف [[الإخوان المسلمون]] إلى رفع شعارات تتعلق بالتشريع [[الإسلام]]ي وجعل القرآن أساس للتشريع .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن هذه الدعوة قد وجدت قبولا كبيرا لدي قطاعات عريضة من الشباب المثقف وخصوصا طلاب [[الأزهر]] وتشير تقارير البوليس السياسي إلى الدور الرائد الذي كان يضطلع به طلاب [[الأزهر]] وسط [[جماعة الإخوان]] حيث قام عدد من طلاب [[الأزهر]] يتقدمهم محمد الغزالي , حفني أبو زيد من كلية أصول الدين وهلال مصيلحي هلال من معهد [[القاهرة]] قاموا بتوجيه دعوة لطلبة [[الأزهر]] لعقد مؤتمر بمثل طلاب [[الأزهر]] عقب صلاة الجمعة 30 [[يناير]] [[1942]] بالجامع [[الأزهر]] والدعوة غلى تكوين اتحاد إسلامي يقوم بالعمل على الاتصال بالجهات المسئولة بغرض جعل الشريعة [[الإسلام]]ية هي أساس الحكم وهدد الطلاب بالإضراب عاما كاملا في سبيل تحقيق هذه الغاية .<br />
<br />
ومن المؤكد أن الدعوة لهذا المؤتمر قد وجدت قبولا هائلا لدي طلاب لأزهر حيث حضر المؤتمر حوالي 3000 طالب من مختلف الكليات والمعاهد [[الأزهر]]ية وافتتح المؤتمر عبد العزيز عبد الستار بكلية أصول الدين حيث ألقي كلمة قوية مطالبا السلطات المعنية بجعل التشريع [[الإسلام]]ي أساس لنظام الحكم في [[مصر]] .<br />
<br />
وألقي الطالب إبراهيم البسيوني من كلية اللغة العربية قصيدة طويلة مؤكد نفس المطلب ثم تحدث إبراهيم الجندي من كلية الشريعة والطالب حمودة أمام من أصول الدين ثم هلال مصيلحي وهكذا تعددت الكلمات وكلها تطالب بتطبيق الشريعة [[الإسلام]]ية '''وفي نهاية المؤتمر اتفق المؤتمرون على عدة قرارات من بينها : ''' <br />
<br />
'''1-''' دعوة العلماء إلى تكوين اتحاد ينادي بجعل القرآن أساس للتشريع .<br />
<br />
'''2-''' المطالبة بتأليف لجنة من كبار العلماء لتتولي صياغة ما ورد في القرآن من أحكام تتفق والعصر الحديث .<br />
<br />
يواصل طلبة [[الأزهر]] الدعوة للعمل بالشريعة [[الإسلام]]ية حيث اجتمع عدد هائل من طلبة الكليات [[الأزهر]]ية توجه لمقابلة رئيس الوزراء لعرض الفكرة إلا أنه لم يعط وعدا مؤكدا على اعتبار أن الوقت لا يسمح .<br />
<br />
كما أن هذه الدعوة تتعارض مع ما للأجانب من حقوق أقرها التشريع الوضعي واتفق المؤتمرون على أن تطبع المذكرة باللغة الفرنسية والانجليزية لتوزع على الجاليات الأجنبية ليعرفوا أحقية تلك المطالب التي لا تتعارض مع حقوقهم .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى الصلة بين النشاطات المكثفة داخل [[الأزهر]] [[حادث 4 فبراير]] على اعتبار أنها محاولة لمضاعفة مشاكل الحكومة ومحاولة إحراجها في قضاياتهم الغالبية العظمي من الشعب المصري.<br />
<br />
ونظرا لأهمية [[الأزهر]] وخطورته في الصراع الدائر فقد اتجهت أنظار [[مصطفى النحاس|النحاس]] منذ اليوم الأول لتوليه الوزارة '''(''' عقب 4 [[فبراير]] ''')''' إلى الحد من نفوذ القصر داخل [[الأزهر]] مستندا في ذلك إلى المبادئ الديمقراطية القائلة بأن الملك يملك ولا يحكم وإلى ما ورد في الدستور من أن رئيس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة بينما القصر من ناحيته يتمسك بسلطته المستمدة من الدستور أيضا فالملك هو الذي يعين الوزراء ويقيلهم وهو الرئيس الأعلى وهو الذي يعين الرؤساء الدينين .<br />
<br />
'''وفيما يتعلق ب[[الأزهر]] فقد اتجهت الحكومة إلى احتوائه باعتباره مؤسسة من مؤسسا الدولة واتخذت لهذا الغرض من الإجراءات ما يلي : '''<br />
<br />
'''1-''' أنشأت في مجلس الوزراء إدارة للشئون الدينية وعينت الشيخ محمد [[البنا]] مديرا لها وكان معروفا بميوله [[الوفد]]ية وبهذا أصبح ضابط اتصال بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا وأصحاب المناصب القيادية في [[الأزهر]] .<br />
<br />
'''2-''' أعدت الوزارة مشروعا لتحسين حال العلماء والمدرسين والخرجين من [[الأزهر]] ولكنها علقت تنفيذه على إخراج الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] من مشيخة [[الأزهر]] .<br />
<br />
'''3-''' شجعت الوزارة على إشعال الفرقة بين شيخ [[الأزهر]] ومفتي الديار المصرية مما ترتب عليه اضطراب الدراسية في الكليات والمعاهد الدينية ووضعت [[العراق]]يل في سبيل الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] إلى أن قدم استقالته ولكن الملك لم يقبلها .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت حركة [[الإخوان]] تجد صداها لدي الكثرة من الشباب والطلاب '''(''' عقب 4 [[فبراير]] ''')''' كان [[حسن البنا]] متفهما حالة الاستياء العامة لدي غالبية الشعب المصري وخيبة الأمل التي أوجدها [[الوفد]] بمسلكه في 4 [[فبراير]] ليستقطب لجهازه بعض ضباط الجيش من بينهم [[جمال عبد الناصر]] و[[كمال الدين حسين]] و[[عبد اللطيف البغدادي]] الأمر الذي قد أوحي لبعضهم بأن الوقت قد حان للتخلص من الاحتلال وضرب الجيش البريطاني المتقهقر غرب [[الإسكندرية]] . <br />
<br />
ويبدو أن [[المرشد العام]] [[للإخوان]] قد بدأ في هذه الفترة بالذات في تكوين ما يسمي بالجهاز الخاص أو الجهاز السري بهدف التخلص من الجيش البريطاني العائد من العلمين .<br />
<br />
إلا أن هذه الخطوة لم يكتب لها النجاح نظرا لعيون الاحتلال المنتشرة في كل مكان والخوف على الدعوة من جبروت الاحتلال الذي كان يرقب حركات كل القوي السياسية والدينية بدقة متناهية .<br />
<br />
'''وخلاصة القول''' أن [[الإخوان المسلمين]] لم تسهم كغيرها من القوي في تهيئة المناخ الذي أوجد أحدا 4 [[فبراير]] وإنما انشغلت بالعديد من القضايا ذات – الطابع الديني بالإضافة إلى تربية العديد من الكوادر التي أسهمت في نجاح تلك الدعوة دون الدخول في أى نوع من الصراع مع أية حكومة من الحكومات التي تعاقبت على [[مصر]] طوال الثلاثينات وأوائل الأربعينات ولهذا فهي لا تتحمل أية مسئولية من هذه الناحية .<br />
<br />
أما ردود فعل [[حادث 4 فبراير]] على [[الإخوان]] فقد تجاوبوا بالقدر الذي يمكنهم من تحقيق غايتهم بصرف النظر عن الآثار السياسية التي ترتبت علي هذا الحادث وهي أمور في مجملها تسجل [[للإخوان]] ولا تؤخذ عليهم فبينما انصرفت كل القوي للنيل من [[الوفد]] واستنفاذ طاقاتهم في صراع حزبي مرير انصرف [[الإخوان]] وبدقة متناهية إلى تحقيق رسالتهم مستغلين كل الوسائل الممكنة.<br />
<br />
وبحق فقد كان هذا الصراع المرير الذي أحدثه 4 [[فبراير]] بين كل القوي السياسية في [[مصر]] فرصة استغلها [[الإخوان]] واستفادوا منها بقدر يحسدون عليه '''ووفقا لشهادة أحد المعاصرين " لقد كان [[الإخوان]] أقوي قوة تلي [[الوفد]] لأنهم كانوا يتمتعون بأمرين خطيرين جدا : '''<br />
<br />
'''أولهما : التنظيم الشديد والدقة المتناهية . '''<br />
<br />
'''وثانيهما : الطاعة للقيادة . '''<br />
<br />
===[[مصر الفتاة]]===<br />
<br />
تعد جماعة [[مصر الفتاة]] من أكثر الحركات السياسية التي أثرت في المجتمع المصري منذ الثلاثينات وحتى الخمسينات من هذا القرن بالرغم من أن البعض قد حاول التقليل من شأنها على اعتبار أنها صدي للقوي الفاشية والنازية .<br />
<br />
وهذه الاتهامات بالرغم من خطورتها إلا أنها لا تقيم دليلا ضد [[مصر الفتاة]] فهي حركة مصرية أصيلة سبقت فكرتها الحركات الأوربية وهي حركة قد نشأت من خلال الصراع الدائر ضد الاحتلال حيث الفاشية والنازية حركة استعمارية وليس [[جمال عبد الناصر]] و[[أنور السادات]] إلا أعضاء في حركة [[مصر الفتاة]] . <br />
<br />
ولعل مما يميز هذه الحركة عن غيرها من الأحزاب السياسية الأخرى أنها بدأت بعيدة عن [[الوفد]] في الوقت الذي بدأ معظم السياسيين المصريين حياتهم في حظيرة [[الوفد]] حين كان يركب قمة الموجة الثورية ثم انشقوا عليه .<br />
<br />
ولقد ظهرت هذه الفكرة في العشرينات من هذا القرن من خلال المجلات المدرسية حيث توثقت أواصر الألفة بين عدد من طلاب المدارس الثانوية فالتفكير في [[مصر الفتاة]] كان أقدم من ازدهار النازية والفاشية اللذان ظهرا في الثلاثينيات من هذا القرن بل لقد هاجم [[أحمد حسين]] ايطاليا عند هجومها على الحبشة ووصفها بأنها الدولة التي لا يعرفها الشرق الطاغية جبارة في طرابلس تقتل أبناءه وتستحل حرماته وتستعمر أرضه وفي عدد آخر من جريدة " الصرخة" نشرت مقالا هاجمت فيه موسليني بأنه آخر من يتحدث عن [[مصر]] فهو الذي اغتصب منا جغبوب والذي يتهيأ في أقرب فرصة لغزو [[مصر]] والذي يقتل أبناء المسلمين في طرابلس والذي لا يمثل لنا شيئا ذا قيمة إلا القتل والنهب .<br />
<br />
بل إن الحكومة الإيطالية طلبت من وزارة الداخلية المصرية موافقتها على الشكل القانوني الذي يمكن السفارة الايطالية من رفع دعوي قضائية ضد [[أحمد حسين]] بسبب كتاباته العدائية ضد ايطاليا والتي اعتبرتها عملا عدائيا ليس له ما يبرره وتحريضا على كراهيتها .<br />
<br />
ومن الملاحظ أن العلاقة بين [[مصر الفتاة]] والحركتين الفاشية والنازية في كل من ايطاليا وألمانيا لم تكن في يوم ما علاقة مودة أو صداقة حتى يكون التأثير ايجابيا وعلى الرغم من أن العلاقة تبدو واهية إذا ما حاول المؤرخون اليساريون إيجاد رابطة من أى نوع إلا أننا نعتقد أن ظاهرة الربط بين التيارات [[الإسلام]]ية والنازية والفاشية هي محاولة دأب عليها المؤرخون اليساريون انطلاقا من موقف واضح من كل التيارات [[الإسلام]]ية وهذا مما يقلل من قيمة مثل هذه الدراسات ويفقدها أهم أركان البحث العلمي وهذه التهمة قد سبق أن ساقها خصوم [[مصر الفتاة]] وخصوصا [[حزب الوفد]] '''حيث أعلن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا من داخل مجلس النواب : ''' أن [[أحمد حسين]] وجماعته يعملون لحساب دولة أجنبية ضد مصلحة البلاد.<br />
<br />
ولعل هذا الاتهام قد أثار عددا من أعضاء مجلس النواب حيث طلبوا من الحكومة التحقيق في هذا الموضوع وإثبات هذه التهمة حتى تكون درسا لغيرهم من الشباب وردعا لمن تسول له نفسه أن يقدم على مثل هذه التصرفات التي تتسم بالعمالة .<br />
<br />
ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يهدف من وراء هذا التصريح الخطير إلى الإساءة لجماعة [[مصر الفتاة]] بسبب رفضها ل[[معاهدة 1936]] ولأن هذه الدعوة كانت تلقي ترحيبا عظيما من الشعب المصري وخصوصا طلاب الجامعات والمدارس الثانوية ووفقا لسياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] فإن هذا يتناقض مع ما للوفد من موقع الصدارة في المجتمع المصري وبالرغم من إصرار أعضاء مجلس النواب على إقامة الدليل على هذا الاتهام الذي أن صدق يكون كفيلا بالقضاء على مستقبل هذه الجماعة إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] عجز على أن يقدم دليل مقنعا للنواب وبالتالي لم تجر تحقيقات قضائية ضد جماعة [[مصر الفتاة]] مما كان سببا في تعاطف بعض النواب مع الجماعة وهذا مما يضاعف من اعتقادنا بأن هذا الاتهام لم يكن قائما على أسس موضوعية .<br />
<br />
وفي [[أكتوبر]] سنة [[1937]] وأمام المخاطر التي كان يواجهها [[الوفد]] سواء في علاقاته مع القصر أو بسبب انشقاق [[الوفد]] وخروج [[أحمد ماهر]] و[[النقراشي]] رفع [[أحمد حسين]] قضية ضد [[مصطفى النحاس|النحاس]] بصفته الشخصية وبصفته وزيرا للداخلية .<br />
<br />
مطالبا بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض بسبب الإضرار الأدبية التي لحقت به والتي نتجت عن تصريحات [[مصطفى النحاس|النحاس]] في مجلس النواب وما لبث [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن تقدم هو أيضا ببلاغ إلى [[النائب العام]] يطلب فيه التحقيق مع [[أحمد حسين]] بسبب علاقاته مع هيئات أجنبية .<br />
<br />
وبعرض الموضوع على القضاء حسم الموقف لصالح [[مصر الفتاة]] حيث لم يجد [[النائب العام]] ما يقيم دليلا على ما يزعمه [[مصطفى النحاس|النحاس]] وعلى حد تعبير صحيفة [[مصر الفتاة]] " أن [[النائب العام]] قد تغاضي عن بلاغ [[مصطفى النحاس|النحاس]] بعد أن رأي انه لا يستحق مجرد النظر إليه "<br />
<br />
وبسقوط وزارة [[مصطفى النحاس]] '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' والمجئ بوزارة [[محمد محمود]] والتي ضمت من بين وزرائها كامل البنداري صديق [[أحمد حسين]] بالإضافة إلى [[محمد محمود]] نفسه والذي كانت تربطه ب[[أحمد حسين]] علاقات وطيدة.<br />
<br />
دخلت جماعة [[مصر الفتاة]] إلى دور جديد هيأ لها مكانة مميزة وسط القوي السياسية المتصارعة .<br />
<br />
ومن المؤكد أن فترة حكومة [[محمد محمود]] تمثل ذروة النجاح في تاريخ [[مصر الفتاة]] حيث أطلق لها العنان في ممارسة دعوتها سواء من خلال المؤتمرات والندوات العديد التي حرصت الجماعة على إقامتها أو من خلال صحفها ولعل هدف [[محمد محمود]] هو الحصول على قدر من الشعبية واستخدم الجماعة كوسيلة بقصد النيل من [[الوفد]] ألد أعداء الحكومة القائمة .<br />
<br />
'''ومن قيمة النجاح الذي وصلت إليه جماعة إلى منحدر الضيق والاضطهاد ويرجع [[أحمد حسين]] ذلك إلى سببين :- '''<br />
<br />
'''أولاهما : ''' هو الشباب المتحمس الذي كان يتصرف من منطلق المثالية وغني عن البيان أن وزارة [[محمد محمود]] كانت لا تحقق هذه المثالية فهاجمتها الجماعة واشتدت في مهاجمتها واتخذت من شيخوخة [[محمد محمود]] واعتلال صحته ذريعة للهجوم.<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' لقد كانت محلات بيع الخمور منتشرة فدعوة " [[أحمد حسين]]" إلى مهاجمتها وتحطيمها وكان من أشهر هذه الأحداث انقضاض إسماعيل عامر على مهاجمة " الكاب دور" في [[الإسكندرية]] حيث وصلت المأساة إلى ذروتها إذ تعرض لهم أحد الجلوس وكان موظفا كبيرا فاعتدوا عليه بالضرب حتى أصبح بين الموت والحياة واعتبر الانجليز أن عملية تحطيم الحانات من كبري الكبائر فقرروا سحق [[مصر الفتاة]] سحقا حيث أعتقل العدد الأكبر من الجماعة ووجهت إلى [[أحمد حسين]] تهمة قلب نظام الحكم .<br />
<br />
ويبدو أن السلطات البريطانية كانت متيقظة تماما لحركة [[مصر الفتاة]] على اعتبار أنها تندد ب[[معاهدة 1936]] وتصفها بمعاهدة " الخزي والعار ط ناهيك عن محاولة الاعتداء على الأجانب ومهاجمة دور اللهو مما ضاعف من كراهية الاحتلال لمثل هذا النوع من النشاط ووفقا لرأي السفير البريطاني " أن مثل هذا النوع من الأنشطة مما يسبب قلقا لدي الأجانب في [[مصر]] "<br />
<br />
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته [[مصر الفتاة]] وانتشارها وسط قطاعات كبيرة من الشباب أو انحدارها مرة ثانية بسبب موقفها من حكومة [[محمد محمود]] على اعتبار أنها عجزت عن تحقيق أى نوع من الإصلاح الداخلي فإن [[مصر الفتاة]] تعد على رأس القوي التي استهانت بالقيم الدستورية وساهمت بشكل أو بآخر في خلق مناخ سياسي يفتقد إلى الديمقراطية فليس من قبيل المصادفة أن يتقدم [[أحمد حسين]] ببلاغ إلى [[النائب العام]] '''(''' [[أكتوبر]] [[1937]] ''')''' يطلب التحقيق فيما ورد من اتهامات وجهها إليه [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا '''(''' بالتخابر مع دولة أجنبية''')''' بالرغم من مرور أكثر من عام على هذه التهمة وليس من قبيل المصادفة أيضا أن يتضامن [[أحمد حسين]] مع ألد خصومة كي يعملوا جميعا على إسقاط حكومة [[الوفد]] بل ويعتبر [[أحمد حسين]] أن إقالة [[الوفد]] هي البرنامج الوحيد الذي تتبناه الجماعة .<br />
<br />
وأعتقد أن ما تقدم عليه [[الملك فاروق]] من إقالة [[الوفد]] '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' تعد المدخل الفعلي سواء لما أصاب [[مصر]] من حالة عدم الاستقرار السياسي في فترة أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينيات أو لما وقع في 4 [[فبراير]] من أحداث تركت آثارا خطيرة على تاريخ [[مصر]] السياسي طوال فترة [[الحرب العالمية الثانية]] .<br />
<br />
وتعددت أساليب المخطط الذي آمنت به [[مصر الفتاة]] والذي يعني إقالة [[الوفد]] حيث رسمت الجماعة خطة بهدف النيل من الحكومة لا في [[القاهرة]] وحدها بل في القري والمدن المصرية. <br />
<br />
وكان خروج [[النقراشي]] و[[أحمد ماهر]] من [[الوفد]] فرصة ثمينة استغلها [[أحمد حسين]] للوقيعة بين صفوف [[الوفد]]يين حيث استغل هذا الحادث أسوأ استغلال وسواء أكان هذا في إطار سياسة عامة رسمتها أحزاب الأقلية أم أن هذه [[السياسة]] كانت مسلكا خاصا ب[[مصر الفتاة]] فإنها تتحمل قدرا كبيرا من المسئولية على الرغم مما ساهم به [[الوفد]] من تصرفات تفتقد في معظمها إلى الحنكة السياسية ووفقا لرأي أحد زعماء [[الوفد]] " لقد كان فصل [[النقراشي]] و[[أحمد ماهر]] وبكل المقاييس خطأ سياسيا كبيرا .<br />
<br />
ولم يتورع [[أحمد حسين]] في أن يتقدم بالتماس في [[أغسطس]] [[1937]] إلى [[الملك فاروق]] بطرد الوزارة بحجة أنها قد خالفت كل القوانين والأعراف .<br />
<br />
وبالرغم من أن نزاهة [[الوفد]] المالية حتى هذا التاريخ – كانت فوق كل الشبهات إلا أن [[أحمد حسين]] تقدم بالتماس إلى [[الملك فاروق]] يشكك في ذمة [[مصطفى النحاس|النحاس]] ونزاهته المالية .<br />
<br />
وهكذا ساهمت [[مصر الفتاة]] بنصيب لا بأس به من استعداء الملك ضد لحكومة الشرعة التي تمثل وبكل المقاييس الغالبية الفعلية من الشعب المصري وتناسي أصحاب هذه الدعوة بقصد أو بغيره أن اقله حكومة تتمتع بالغالبية العظمي في البرلمان وتلقي تأييدا كاسحا من الجماهير يعد بداية لسلسلة من المخاطر دفعت فاروق إلى الاستهانة بالدستور والقانون ودفعت [[الوفد]] أيضا إلى الاقدام على تصرفات لا تتفق بحال مع تاريخه الوطن العريق ودوره الرائد في قيادة الحركة الوطنية المصرية ويلاحظ أن السمة المميزة لتلك الجماعة هي التناقض في الرأي وافتقاد الرؤية السياسية الثاقبة حيث كانت الغالبية العظمي من أعضاء الجماعة من بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات وحداثة السن والتحمس كلاهما شرط مطلوب في الإيمان المطلق وتقبل النظريات التي تخاطب العواطف أكثر مما تخاطب العقول . ومن بن القضايا التي ظهر فيها التناقض واضحا اشتراك [[مصر]] في الحرب بجانب بريطانيا فعندما تأزم الموقف الدولي وبدأت نذر الحرب أخذ [[أحمد حسين]] يدعو جميع الأحزاب وكل القوي السياسية إلى التضامن في مواجه المخاطر التي قد تتعرض لها [[مصر]] وعندما تعقدت الأوضاع الدولية وبدأ واضحا أن الحرب واقعة لا محالة أعلن الدكتور مصطفي الوكيل '''(''' نائب رئس [[مصر الفتاة]] ''')''' أن التضحيات التي قدمتها الشعوب العربية و[[الإسلام]]ية لكل من انجلترا وفرنسا طوال السنوات الطويلة الماضية قد ذهبت هباءا ولم نحصل في مقابل ذلك إلا على كل ما يسئ إلى وحدة واستقلال هذه الشعوب ولذلك فإن نقف إلى جوار الحلفاء في الحرب ويضيف [[أحمد حسين]] قائلا أن الجلاء عن الأراضي المصرية إذا انتهت الحرب هو ثمن وقوف [[مصر]] إلى جانب انجلترا .<br />
<br />
ثم يتراجع [[أحمد حسين]] عن هذا الموقف وبلا أى مبررات معقولة ليعلن أن علاقاتنا الوطيدة بالدولة الحليفة تلزمنا بالوقوف مع الحلفاء وإعلان الحرب ضد النازية ونشرت صحيفة [[مصر الفتاة]] سلسلة من المقالات تبرر أهمية دخول [[مصر]] الحرب على اعتبار أن بريطانيا ستقدر هذا الموقف من [[مصر]] ومن المؤكد أن النصر سكون في جانب الحلفاء ولذا فإن الفرصة متاحة لكي تحصل [[مصر]] على استقلالها .<br />
<br />
وعندما تندلع الحرب بالفعل تتراجع [[مصر الفتاة]] عن موقفها السابق فيعلن [[أحمد حسين]] أن موقف جماعته من قضية الحرب يتوقف على أن تعلن بريطانيا استقلال [[مصر]] استقلالا عمليا وأن تعترف بحقوقنا في [[السودان]] وحل قضية [[فلسطين]] حلا مرضيا .<br />
<br />
على ضوء كل هذه التصريحات والبيانات المتناقضة فلم يكن ل[[مصر الفتاة]] موقف محدد وإنما كان التردد أهم سمة لازمت تلك الجماعة على الرغم من أن [[أحمد حسين]] قد حاول أن يبرر هذا الموقف '''بقوله : ''' إن الانتصارات الماسحة التي حققها الألمان اقتضت منا أن نعيد خطتنا حيث تحددت مهمة [[مصر الفتاة]] بالثورة المسلحة على الانجليز وطردهم من [[مصر]] وقد قوي من فكرة الثورة المسلحة ضد الانجليز تلك الانتصارات الكاسحة التي أحرزها هتلر في بادئ الأمر وكانت خطتنا أن وقت هجوم الألمان على الانجليز هي ساعة الصفر حيث تعلن الثورة المسلحة في كل أرجاء [[مصر]] .<br />
<br />
ووفقا لخطة الثورة والتي وضعها [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] فإنها تقوم على احتلال عدد معين من القرى حول كل مركز ثم الزحف من القرى لاحتلال المراكز ومن المراكز إلى عواصم المديريات على أن يكون ذلك مشفوعا بقطع السكك الحديدية والتليفونات والتلغرافات وأعدت الخطة في شكل منشورات لا تفتح ولا يعرف محتواها إلا بعد إعطاء كلمة السر وبدأت عملية جمع الأسلحة واستأجر الحزب عددا من المنازل لكي تكون مكانا للأسلحة والمنشورات إلا أن عيون الاحتلال كانت ترقب كل حركة من حركات الحزب ويبدو أن الانجليز كانوا على علم بحقيقة الثورة التي يخطط لها [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] إلا أنهم كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة الكفيلة بالقضاء على هذا الحزب واقتلاعه من جذوره ولعل هذا يفسر اضطهاد بريطانيا ل[[مصر الفتاة]] أكثر من غيرها من القوي الأخرى ولما كانت ثورة [[رشيد علي الكيلاني]] في [[العراق]] وموقف [[مصر الفتاة]] المؤيد لها حزبه بعد أن جاهروا بدعوتهم في أهمية الثورة ضد الانجليز كما فعل [[العراق]] وهكذا صفيت حركة [[مصر الفتاة]] وتمكن الاحتلال من تسديد ضربة قوية مكنته من اقتلاع هذا النبت الذي يعد نتاجا لتربة مصرية خالصة بالرغم من ظاهرة التردد والتي تبرره ثورة الشباب وحماسة وفي الوقت الذي وقعت فيه أحداث 4 [[فبراير]] الفتاة وعلى رأسهم [[أحمد حسين]] و[[فتحي رضوان]] ولذا فلم يكن وقع هذا الحادث عليهم إلا بالقدر الذي تسمح به ظروف الاعتقال حيث تصور [[أحمد حسين]] أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد أنقذ [[مصر]] بقبوله تأليف الوزارة ويضيف [[أحمد حسين]] عن ذكرياته في تلك الفترة قائلا " لم نعلم بالملابسات التي صاحبت تشكيل وزارة 4 [[فبراير]] وبدأ [[مصطفى النحاس|النحاس]] وكأنه المنقذ فاتفقنا أنا وزملائي أن نرسل له برقية تأييد ولم نكن ندري أننا بذلك تصطدم مع عواطف الكثير من زملائنا والذين تركوا الحزب احتجاجا على هذا الموقف .<br />
<br />
'''ويعلق [[فتحي رضوان]] على هذه الرواية قائلا : ''' لقد بعث [[أحمد حسين]] ببرقية تأييد إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] تحكمه عوامل شخصية قد يكون الاعتقال من أهمها وليس صحيحا أنه قد استشار البعض أو أخذ رأينا في ذلك.<br />
<br />
وبالرغم من المبررات التي يسوقها [[أحمد حسين]] والي دفعته إلى أن يبعث إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] مهنئا بما حدث على اعتبار أن حالة الاعتقال كانت حائلا دون معرفة ملابسات الموضوع إلا أن نص البرقية يفيد خلاف ما ذكره حائلا دون معرفة ملابسات الموضوع إلا أن نص البرقية يفيد خلاف ما ذكره [[أحمد حسين]] " لقد منحتكم الأمة ثقتها بأعظم مما فعلت في أى يوم ولن يكون هناك سوي شرذمة قليلة من الرجال الحسودين الحقودين الذين يشرعون في دسائسهم وهؤلاء لن يكون لهم حظ قليل أو كثير .. لقد أصبحت أثق ثقة مطلقة في أن مصلحة [[مصر]] ومستقبلها هو هدفكم في كل ما تعملون أو تقولون .<br />
<br />
والجدير بالملاحظة أن برقية [[أحمد حسين]] تعد البرقية الأولي في تهنئة [[مصطفى النحاس|النحاس]] فلم يحدث أن أقدمت أى قوة سياسية أخري على اتخاذ هذا الموقف وإنما كل الاتجاهات السياسية والحزبية قد استنكرت هذا الحادث من منطلق أن [[الوفد]] ضليع في تأمره مع الاحتلال .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[أحمد حسين]] قد مل أمر الاعتقال أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] من الممكن أن يعيد النظر في أمر اعتقاله وأما القول بأنه يكن يعرف كل ملابسات الموضوع فلا يقيم دليلا على موقفه بدليل أنه قد عرف فيما بعد ولم يقدم على ما يناقض موقفه السابق ومن البراهين التي تقوم دليلا على هذا الاعتقاد هو هروب [[أحمد حسين]] من السجن ثم اتصاله ب[[فؤاد سراج الدين]] الذي وعدة بعدم العودة إلى الاعتقال وبالفعل فقد وافق [[مصطفى النحاس|النحاس]] على الإفراج عن [[أحمد حسين]] بصفة خاصة .<br />
<br />
ويبدو أن [[أحمد حسين]] قد عمل على الخروج من السجن بكل الوسائل إلى درجة أنه بعث برسالة إلى مدير المخابرات بالجيش البريطاني " جنرال كلايتون" يقول فيها : عندما بدأت الحملة الانجليزية على [[ليبيا]] شعرت برغبة شديدة في أن أكتب لك لا عرب لك عن تمنياتي الصادقة لنجاح هذه الحملة إلا أنني توقفت خوفا من أن تفسر كتاباتي بأنها نوع من المراهنة أو الرغبة في أن يطلق سراحي إلا أن توقف المعارك على حدود [[ليبيا]] دفعني إلى أن أكتب لك لقد كان رأيي الذي بسطته لك منذ مقابلتنا الأولي وظللت متمسكا به أن مصلحة [[مصر]] الحاضرة والمستقبلة تقضي بضرورة تعاونه مع انجلترا تعاونا على أوسع نطاق ممكن فإن موقف [[مصر]] بعيدا عن هذا النزاع يعتبر موقفا شاذا .<br />
<br />
'''ولعل هذا الموقف من زعيم [[مصر الفتاة]] يشير إلى عدة اعتبارات هامة :- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن رسالة [[أحمد حسين]] إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] عقب 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] هي محاولة لجس نبضه ولعل [[أحمد حسين]] قد اتخذ من صداقته . ل[[فؤاد سراج الدين]] وسيلة من وسائل الضغط على [[مصطفى النحاس|النحاس]] وهذا ما تحقق فعلا .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن تاريخ الصراع الطويل بين [[حزب الوفد]] وجماعة [[مصر الفتاة]] والخلافات التي لم تتوقف بينهما كل هذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن رسالة [[أحمد حسين]] إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] تعد تراجعا أكيدا بسبب حالة الاعتقال .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن رسالة [[أحمد حسين]] إلى " كلايتون" مدير المخابرات البريطانية تعد تناقضا غريبا في سياسة [[أحمد حسين]] يؤكد من خلالها إيمانه العميق بقضية الحلفاء وهذا ما يتعارض تماما مع سياسته السابقة وهذا الموقف يعد تراجعا ليس له ما يبرره إلا محاولة النظر في أمر الاعتقال وعلى الرغم من موقف [[مصر الفتاة]] من [[معاهدة 1936]] هذا الموقف الذي يتسم بالرفض الشديد إلا أنه لا مانع لدي [[أحمد حسين]] من أن يعتبر بريطانيا دولة صديقة وحليفة وهو يشير من طرف خفي إلى رغبته في الإفراج عنه .<br />
<br />
ولعل عددا كبيرا من أعضاء [[مصر]] لفتاة قد اعتبروا أن موقف [[أحمد حسين]] يعد تراجعا عن الخط الوطني الذي اتخذه الحزب لنفسه حيث تعرض الحزب لأول مرة إلى انقسامات خطيرة حيث اعتبر [[فتحي رضوان]] '''(''' سكرتير عام الحزب ''')''' أن ما حدث في 4 [[فبراير]] يعد صدمة تجمدت بسببها المشاعر فلقد كان الاعتداء على الملك بهذه الصورة اعتداءا على [[مصر]] كلها ولم يكن موقف [[أحمد حسين]] موقفا مسئولا .<br />
<br />
ومن هنا فقد تقدم [[فتحي رضوان]] باستقالته من الحزب احتجاجا على موقف [[أحمد حسين]] من أحداث 4 [[فبراير]] ونجح [[فتحي رضوان]] في اجتذاب عدد من الأعضاء الحانقين على سياسة [[أحمد حسين]] وكونوا اللجنة العليا لشباب [[الحزب الوطني]] .<br />
<br />
وهذه اللجنة لم تقم بأي دور ظاهر خلال سنوات الحرب اللهم إلا بعض النشاطات السرية التي سيرد الحديث عنها في موضع آخر من هذا البحث .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] قد ترك أثرا على حزب [[مصر الفتاة]] يختلف تماما عن أثر نفس الحادث على بقية الأحزاب فبينما كل الأحزاب قد استمدت من أحداث 4 [[فبراير]] قدرا كبيرا لشعبيتها على حساب [[الوفد]] إلا أن [[مصر الفتاة]] قد انقسمت على نفسها مما حدا بالكثيرين من أعضائها إلى البحث عن قوي أخري بخلاف القوتان المتنازعتان .<br />
<br />
ومنذ منتصف سنة [[1941]] فقد صدرت الأوامر باعتقال زعماء [[مصر الفتاة]] والغالبية العظمي من أعضائها وبذلك تجمد نشاطها تماما فلا حزب ولا أعضاء ولا صحيفة ولا نشاط من أى نوع خلال الفترة المتبقية من الحرب '''ويمكن أن نلخص بعض العوامل التي أدت إلى إجهاض [[مصر الفتاة]] : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' موقفها من ثورة [[رشيد علي الكيلاني]] وما ترتب على ذلك من اعتقال معظم أعضائها .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' عدم صلابة [[أحمد حسين]] ومحاولة اتصاله بألد خصومه وعم الانجليز و[[الوفد]]يين مما ترك انطباعا سيئا لدي غالبية أعضاء الحزب .<br />
<br />
'''ثالثا: ''' موقف [[أحمد حسين]] من أحداث 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] وما ترتب على ذلك من خروج [[فتحي رضوان]] لكي يكون " اللجنة العليا لشباب [[الحزب الوطني]] "<br />
<br />
وعلى العموم فإن العلاقة بين [[حادث 4 فبراير]] وحزب [[مصر]] الفتا لم تكن علاقة وطيدة نظرا لأن الاحتلال قد تمكن من القضاء على الحزب في منتصف [[1941]] عن طريق العديد من الإجراءات سواء بالنفي أو الاعتقال ولذا فإن الأثر كان محدودا لدرجة كبيرة وعلى الرغم من كل ذلك فإن عددا كبيرا من الشباب قد انتابته حالة عدم الثقة سواء في [[مصر الفتاة]] أو في غيرها من الأحزاب الأخرى ولذا فقد انصرفت أعداد هائلة للعمل في تنظيمات سرية اعتقادا منهم بأن الاغتيالات هي الطريق الوحيد لخلاص [[مصر]] من أوضاعها المتردية وهذا ما سنتناوله في الدراسة التالية .<br />
<br />
===قوي أخري لعبت دورا هاما في مجري الأحداث ===<br />
<br />
بصدد الحديث عن القوي التي تأثرت بشكل أو بآخر بأحداث 4 [[فبراير]] يتصدر [[الحزب الوطني]] مكانة هامة سواء في خلق المناخ الذي تمخضت عنه الأحداث أو في ردود الفعل التي نجمت عن الحادث بالرغم من أن مساهمة الحزب لم تكن تتناسب والمكانة الهامة التي كان يتبوأها في أوائل هذا القرن حيث كان يتصدر حركة النضال الوطني إلا أن مواقف الحزب من القضايا الوطنية وتشدده بالمطالبة بأحقية [[مصر]] في الحصول على استقلالها بلا قيد أو شرط<br />
وبعده عن أى نوع من أشكال المساومة وتمسكه بمبدأ " لا مفاوضات إلا بعد الجلاء كل تلك العوامل جعلت من [[الحزب الوطني]] هدفا للاحتلال ثم كان موقفه من [[معاهدة 1936]] والتي اعتبرها حماية قاسية تجعل الاحتلال شرعيا وتؤيد تصريح 28 [[فبراير]] [[1922]] وتمكن الانجليز من التسلط على أرضنا وسمائنا .<br />
<br />
وبات الحزب هدفا للقوي التي ساهمت في مفاوضات [[1936]] وموضع تهكم من رجالات الأحزاب والذين كانوا يعتبرون [[معاهدة 1936]] معاهدة الشرف والاستقلال في الوقت الذي تنكر لها [[الحزب الوطني]] واعتبرها معاهدة الخزي العار والاستسلام .<br />
<br />
وهذه [[السياسة]] المتشددة لا تتفق بحال مع ما ارتضاه [[حافظ رمضان]] '''(''' رئيس [[الحزب الوطني]] ''')''' من الاشتراك في حكومة [[محمد محمود]] سنة [[1938]] ثم حكومة [[حسن صبري]] سنة [[1940]] حيث كان الاشتراك في هاتين الحكومتين يعد اعترافا ضمنيا ب[[معاهدة 1936]] لا يتفق و[[السياسة]] العام التي ارتضاها الحزب بالإضافة إلى أن الاشتراك في هاتين الحكومتين يعد مساهمة أكيدة لضرب القوي الديمقراطية لأن قبول العمل مع حكومات لا تستند إلى أى قاعدة جماهيرية يعد خدعة أكيد للقصر ورجالاته والذين أفسدوا للحياة السياسية بتصرفاتهم الأنانية وخلافاتهم الشخصية ولعل اشتراك [[الحزب الوطني]] بماضيه الطويل وكفاحه المشرف يعد صدمة أكيدة قضت على البقية الباقية من نضال الحزب .<br />
<br />
والحقيقة أنه على الرغم من عدم جماهيرية الحزب في تلك القدرة موضع البحث - إلا أن بعضا من أعضائه أمثال فكري أباظة وعبد العزيز الصوفاني قد أثروا الحياة البرلمانية بمناقشاتهم الموضوعية وسلوكهم الحميد ولم تأت مناسبة إلا وكان لأعضاء [[الحزب الوطني]] صوت مسموع منددين دائما ب[[السياسة]] الانجليزية وضرورة وضع حد للعلاقات المصرية البريطانية على ضوء الاعتداءات المتكررة والتي يرتكبها جيش الاحتلال جهارا نهارا ضد المواطنين المصريين وحمل فكري أباظة حملة شديدة ضد المشروعات الاستعمارية صناعية وحربية والتي وصفها بأنها تهدف إلى خدمة الاحتلال وضد مصالح البلاد .<br />
<br />
وفيما يتعلق بموقف الحزب سواء من إعلان الأحكام العرفية أو من قضية دخول [[مصر]] الحرب بجانب بريطانيا فقد رفض أى شكل من أشكال المساعدة لبريطانيا على اعتبار أن [[مصر]] قد قدمت العديد من التضحيات طوال فترة الوجود البريطاني في [[مصر]] ولم تحصل إلا على الجحود والنكران .<br />
<br />
وبوقوع [[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]] اجتمع [[الحزب الوطني]] برئاسة [[حافظ رمضان]] وأعد مذكرة مستفيضة عن مركز [[مصر]] السياسي واعتداء انجلترا المسلح على السيادة المصرية وعدم احترام حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] لأي قانون أو دستور ولم تغفل المذكرة أن تندد ب[[معاهدة 1936]] باعتبار أنها أساس كل بلاء وأرسلت صور من هذه المذكرة إلى [[الملك فاروق]] وإلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] كما بعث بصور منها إلى وزير أمريكا المفوض في [[القاهرة]] ووزير السويد والقائم على مصالح روسيا في [[مصر]] بل وقد حاول [[حافظ رمضان]] - واستطاع [[الحزب الوطني]] ممثلا في رئيسه أن يحصل على توقيع الدكتور [[أحمد ماهر]] والشوربجي بك و[[إسماعيل صدقي]] باشا إلا أن الخطة لم تنجح لأن البعض ك[[حافظ عفيفي]] والشمس باشا لم يقبلا التوقيع على مثل هذه الوثيقة ولذا فقد أخفقت الفكرة . <br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن عددا كبيرا من أعضاء [[الحزب الوطني]] وخصوصا من بين الشباب قد انخرطوا في العمل السري بعد أن فقدوا كل أمل في الأحزاب التقليدية تلك الأحزاب التي تسبح بحمد الاحتلال وتكيل له المديح والثناء .<br />
<br />
من هنا فقد تصدر قطاع كبير من شباب [[الحزب الوطني]] العمل السري واتخذوا من الاغتيالات وسيلة لجبار الاحتلال على الرضوخ لمطالبهم ولعل خطتهم كانت تقوم على إبادة مدرسة [[ثورة 1919]] والتي وصفت بأنها مدرسة المفاوضات والتخاذل حيث كانت [[معاهدة 1936]] من وجهة نظرهم اعتراف واضح بإشراك بريطانيا في حكم [[مصر]] ثم كان [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] وعلى مرأي ومسمع من كل الأحزاب السياسية هو بداية تشكيل جماعة [[حسين توفيق]] والتي وضعت في برنامجها اغتيال كل من ساهم في أحداث 4 [[فبراير]] وفي مقدمتهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ثم [[أمين عثمان]] .<br />
<br />
ويعتقد [[حسين توفيق]] أن [[الوفد]] قد خان خيانة عظمي في مسألة 4 [[فبراير]] وأن زعماء الأحزاب ليس فيهم نفع بل جميعهم قد أضروا البلد ضررا كبيرا .<br />
<br />
'''ووفق ما ذكره [[حسين توفيق]] في قضية مقتل [[أمين عثمان]] تبدو عدة حقائق هامة :- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن جماعة [[حسين توفيق]] كانت تسمي جماعة الشباب المجاهد.<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن هذه الجماعة قد تكونت عقب 4 [[فبراير]] وكرد فعل [[السياسة]] التواطؤ بين [[الوفد]] والانجليز .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن هدف التنظيم هو اغتيال كل من ساهم في صنع أحداث 4 [[فبراير]] بدءا بالسياسيين المصريين .<br />
<br />
ويبدو أن هناك علاقة وطيدة بين جماعة [[حسين توفيق]] والتنظيم الذي أعده القصر والذي يسمي " بالتنظيم الحديدي" والذي كان من أهم أهدافه اغتيال كل صانعي 4 [[فبراير]] [[1942]] '''حيث ذكر [[أحمد مرتضى المراغي]] والذي شغل منصب وزير الداخلية عدة مرات وقبلها كان مديرا للأمن العام وكان على علاقة وطيدة بالقصر : ''' " أن [[الملك فاروق]] قد دفع مبالغ طائلة لإعداد هذا التنظيم بهدف اغتيال [[مصطفى النحاس|النحاس]] و[[أمين عثمان]] وكل من ساهم في 4 [[فبراير]] إلا أن الملك قد فقد ثقته في هذا التنظيم بعد فشل محاولة قتل [[مصطفى النحاس|النحاس]] مرتين مما اضطره إلى التفكير في إعداد تنظيم آخر يكون قادرا على اصطياد الرؤوس الكبيرة .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[مصر]]ع [[أمين عثمان]] '''(''' [[يناير]] سنة [[1946]] ''')''' هو العمل الوحيد الذي قام به هذا التنظيم وكانت الخطة تعني مقتل [[أمين عثمان]] ثم قتل [[مصطفى النحاس|النحاس]] أثناء سيرة في جنازة [[أمين عثمان]] .<br />
<br />
ويؤكد أحد زعماء التنظيم السري والمنتمين إلى [[الحزب الوطني]] أن سعد كامل " ابن شقيقة [[فتحي رضوان]] هو المدبر والمخطط للمجموعة التي اغتالت [[أمين عثمان]] وأن كل الأعضاء كانوا من الشباب المنتمين إلى [[الحزب الوطني]] .<br />
<br />
ووفق اعتقادي فإن انتماء التنظيم إلى [[الحزب الوطني]] لا ينفي علاقاتهم بالقصر على اعتبار أن التنظيم كان يمر بمراحل مختلفة وأن أعضاءه في الغالب لم يكونوا على علم بأن القصر وراء مخططهم حيث كانت الاتصالات تتم عن طريق شخص معين هو قمة التنظيم ولعله الدكتور [[يوسف رشاد]] .<br />
<br />
ويعتقد احد المعاصرين أن باقي التنظيمات السرية لم تكن إلا من حيث الكيف ولا الكم بالقدر الذي تتطلبه حالة البلاد والتنظيم الوحيد الذي كان فعالا هو تنظيم [[حسين توفيق]] والذي اعتمد على شخصية [[حسين توفيق]] فقط .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى العلاقة بين القصر والتنظيم الحديدي والذي امتد ليشمل عددا كبيرا من ضباط [[الجيش المصري]] والذين يؤيدون الألمان بصورة مطلقة وتشير الوثائق الأمريكية أيضا إلى أن عيون المخابرات البريطانية كانت متيقظة لمثل تلك الأنشطة الضارة بقضية التحالف على اعتبار أن ضباط الجيش المصري يخططون لشئ ما ولعل هذا الشئ هو إعلان ثورة عسكرية داخل الجيش أو اغتيال ضباط الحلفاء في [[القاهرة]] وهذا مما ضاعف من قلق السفير البريطاني في [[القاهرة]].<br />
<br />
وتعتبر قضية [[مصر]]ع [[أمين عثمان]] هي مفتاح الوصول إلى هذه الجماعة وتعتبر المحاكمة في هذا القضية من المحاكمات التاريخية الهامة في تاريخ [[مصر]] السياسي حيث دار معظمها حول الكشف عن جنود [[حادث 4 فبراير]] وأن المتهمين جميعا قد ركزوا على هذا الحادث باعتباره دافعا وطنيا " هو نفس الشئ الذي اعتمد عليه الدفاع على اعتبار أن الاعتداء على الملك وهو رمز البلاد يعتبر اعتداء على الوطن كله .<br />
<br />
وتشارك النيابة المتهمين في اعتبار [[حادث 4 فبراير]] وصمة في جبين الإمبراطورية البريطانية ودليلا على البربرية التي هوي إليها الانجليز في ذلك اليوم لا غير .<br />
<br />
وعندما يسحب [[النائب العام]] " [[محمود منصور]] " الكلام السابق الذي أشار إليه " [[أنور حبيب]] " وكيل [[النائب العام]] " يثور المتهمون '''ويعلق [[حسين توفيق]] : ''' عار عليك يا حضرة [[النائب العام]] أن تسحب هذا الكلام الوطني وكن شجاعا ولا تخشي شيئا '''وقال : ''' [[أنور السادات]] أنا أفضل أن أشنق ألف مرة على أن أري [[النائب العام]] يتراجع ويقف هذا الموقف غير المشرف .<br />
<br />
واستند المحامون في دفاعهم عن المتهمين إلى ما نشرته الصحف عقب إقالة [[الوفد]] سنة [[1944]] على اعتبار أن ما اقترفه يعد جرما لا يغتفر ثم تناول الدفاع أيضا مسلك [[أمين عثمان]] وتحيزه الواضح إلى جانب الانجليز حيث شبه [[مصر]] في علاقاتها بانجلترا بالزواج الكاثوليكي ولذا فقد شبه [[مصر]] بامرأة وبريطانيا برجل .<br />
<br />
ولم تقتصي هيئة الدفاع عن تورط [[أمين عثمان]] في [[حادث 4 فبراير]] وإنما أمتد الحديث ليشمل موقفه أيضا من مفاوضات [[1936]]حيث يؤكد [[علي ماهر]] أن طلبات الانجليز كانت كثيرة ولما أشار على السفير البريطاني بهذه الملاحظة أجاب بأن الذنب ليس ذنبه لأن [[أمين عثمان]] أفهمه أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] يساوم كثيرا ويحاول دائما أن ينتقص 50 % من طلبات الانجليز ولذا فقد تقدموا بطلبات مبالغ فيها .<br />
<br />
ولقد أشارت تقارير البوليس السياسي إلى صعود نجم [[أمين عثمان]] اعتمادا على الانجليز ففي أحد التقارير ما يشير إلى قرب تولي عثمان الوزارة كما يشيع هو ذلك ويقول أن معه من الوزراء الحاليين ما يؤيده في وجوده في رئاسة الوزارة عند اعتزال [[مصطفى النحاس|النحاس]] الحكم .<br />
<br />
ومن غير شك فإن هيئة المحكمة قد أكدت على تلك الدوافع التي دفعت هؤلاء الشباب للإقدام على ما فعلوا اعتقادا منها بأن [[مصر]] كلها تشاركهم في دوافعهم الوطنية إلا أنها – هيئة المحكمة – لا تقر مبدأ القتل كوسيلة للوصول إلى أى غرض مهما كان نبيلا ولقد رأت المحكمة أنه لا يرجي من مثل التهم أن يزن ويقدر عوامل الاستفزاز بل دعاها على أنها خيانة للبلاد إلى جانب تاريخ الاحتلال ل[[مصر]] كلها عوامل راعتها المحكمة في الحكم على هؤلاء الشباب . ومن المؤكد أن هؤلاء الشباب كانت تحركهم دوافع وطنية خالصة وبالرغم من اعتقادنا بأن هذا التنظيم كان يعمل في فلك القصر ولأهداف خاصة من وجهة نظر السراي إلا أننا نعتقد أن هؤلاء الشباب لم يكونوا على بينة من مخططات السراي وإنما كان للدكتور [[يوسف رشاد]] طبيب الملك الخاص وزوجته '''(''' نهي ''')''' الدور الرئيسي في استغلال هؤلاء الشباب وتوجيههم بما يتفق وأغراض القصر وفي الوقت نفسه فليس هناك ما يثبت إدانة القصر وهذا ما حرص عليه فاروق جيدا.<br />
<br />
والمؤكد أن أحزاب الأقلية قد نجحت في استغلال [[حادث 4 فبراير]] والنيل من [[الوفد]] مما حدا بالكثيرين من أعضائه إلى الانصراف عنه وكانت الفرصة مهيأة لظهور قوي أحري احتلت حبذا هامشيا على مسرح الأحداث المصرية وتعني قوي اليسار حيث الدعاية السوفيتية قد حققت قدرا كبيرا من النجاح وغاليا وبدون قصد فقد كان الأمريكيون والبريطانيون يقومون بمهمة الدعاية للسوفيت والتأكيد على تطورهم العسكري وتقدمهم الاجتماعي والاقتصادي وعللوا هذا الطفرة في حياة المجتمع الروسي بالثورة الروسية التي تمكنت من استيعاب كل مشاكل المواطن الروسي .<br />
<br />
ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تنتشر وبسرعة الأفكار [[الإشتراكية]] و[[الماركسية]] وخصوصا بين الناقمين على النظام ولعل ظروف الحرب من العوامل التي ساعدت على ازدهار هذا النشاط حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية أخذة في التدهور والقوة الشعبية الوحيدة القادرة على التأثير في المجتمع المصري '''(''' [[الوفد]]''')''' بدأت تنهار عقب أحداث 4 [[فبراير]] ووفقا لشهادة أحد المعاصرين لقد كانت أحداث 4 [[فبراير]] من أهم العوامل التي لفتت الأنظار إلى الأفكار [[الماركسية]] و[[الإشتراكية]] وفوق كل ذلك مراعاة بريطانيا لظروف التحالف مع الاتحاد السوفيتي حيث سمحت بممارسة هذا النوع من النشاط هذا بالإضافة إلى الانتصارات الكاسحة التي حققها السوفيت ضد قوات المحور وإقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي سنة [[1942]] كل ذلك أدي إلى انتشار [[الماركسية]] في [[مصر]] الثانية وإنما ترجع جذورها إلى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين حيث تنشا [[الحزب الشيوعي المصري]] الذي تمكن من ضم مجموعات من العمال الذين أسهموا في [[ثورة 1919]] إلا أن ظروف الحرب وما ترتب عليها من علاقات شاذة خلفتها [[معاهدة 1936]] قد ساعد على خلق المناخ المناسب الذي ترعرت فيه تلك الأفكار بشكل أقلق كل القوي السياسية الأخرى حيث تشكلت العديد من الخليات حملت كل منها اسما مغايرا لأخر فهناك " اللجنة المركزية للمنظمة [[الشيوعية]] المصرية والتي كانت تصدر نشرات إلى الطبقة العاملة .. وأخري تحمل اسم " منظمة المقاومة الشعبية" واقتصرت مهمتها على توزيع الكتب [[الشيوعية]] على الطلبة والعمال ثم " [[الحزب الشيوعي المصري]] " والذي كان يتولي كتابة التقارير والنشرات وحفظها في مكان سري وهناك منظمة أخري تحمل حركة ديمقراطية تقدمية وطنية وكان يختصر اسمها بكلمة " [[حدتو]]" ويرأسها صهيونيات أحداهما مليونير يدعي " موريل " والأخر يدعي " دويك" والأول كان ينفق بسخاء على منظمته وعمل تحت ستار التجارة وكانت المهمة الحقيقية لهذا الجماعة إمداد [[الصهيونية]] في [[فلسطين]] بما تحتاج إليه من معلومات عن [[مصر]] .<br />
<br />
وفي سنة [[1942]] تأسست " الحركة المصرية للتحرر الوطني " ولعل اسمها كافة للدلالة على نوعية النشاط الذي اختاره مؤسسها " هنري كورييل وخلال أحداث 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] وبينما كانت [[القاهرة]] تموج بالمظاهرات قامت الحركة بطبع المنشورات باللغة العربية '''تقول فيها : ''' " لا تتصوروا أيها المصريون أن الألمان أفضل من الانجليز '''ويمضي كورييل في روايته قائلا : ''' وخرجت لأوزع هذه المنشورات أنا وجورج بوانتيه وكان منظرا مضحكا اثنان من الأجانب يوزعان منشورات باللغة العربية وقد وزعنا 400 نسخة من هذه المنشورات . وقد اعتقل هنري كورييل سنة [[1942]] وأودع في معتقل الزيتون ويقول عن هذه الفترة : وفي المعتقل استفدت فائدة كبري حيث مارست احتكاكا مباشرا وجادا مع كثير من السياسيين هم في الأساس أبناء البراجوزية الصغيرة وباختصار لقد أخذت في المعتقل حمام تمصير وأحسست إحساسا عميقا أن البرجوازية الصغيرة تموج بحركة وطنية عارمة وأنه يتعين الاستفادة منها .<br />
<br />
ويعتقد البعض أن هذا التنظيم كان أكثر التنظيمات اليسارية ارتباطا بالواقع المصري حيث تشكل من الطلاب والمدرسين والعمال وغيرهم من ذوي الأصول الصغيرة وكان أسلوب التجنيد يتم من خلال المعارك السياسية والاضطرابات .<br />
<br />
وتستهدف الحركة المصرية للتحرر الوطني تكوين حزب شيوعي إصلاح زراعي , وتنظيم الكفاح المشترك مع الشعب [[السودان]]ي باعتبار أن وحدة وادي النيل قضية مصيرية ووفقا لتقارير البوليس السياسي فد كان هنري كوريول يدير احدي المكتبات بهدف الترويج للكتب [[الشيوعية]] .<br />
<br />
ومن خلال المكتبة استطاعت الحركة أن تجد صداها لدي الشباب خصوصا المتعطش للثقافة والمعرفة وتمكن هنري كورييل أن يضم عددا كبيرا من المصريين الناقمين على القوي السياسية التقليدية في مقدمتهم [[الوفد]].<br />
<br />
وعلى الرغم من أن الحركة المصرية للتحرر الوطني كانت أقوي الحركات التي تشكلت عقب 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] إلا أن هناك مجموعة أخري تكونت عقب نفس الحادث وتسمي " منظمة القلعة" حيث قامت على أكتاف ثمانية أشخاص " خمسة من طلاب الذين يدرسون في المدارس الثانوية وطالب أزهري وحرفي " تأثروا بما حدث في 4 [[فبراير]] تأثيرا هز وجدان هذه المجموعة هزا عنيفا دفعهم إلى البحث عن اتجاه جديد يخالف الاتجاهات التقليدية .<br />
<br />
وبدأت هذه الخلية توسع نشاطها من خلال مجموع الشباب الساخط على [[الوفد]] بعد 4 [[فبراير]] وحددت برنامجها في المطالبة بالاستقلال الوطني والاستقلال الاقتصادي وعلى ضوء العديد من القراءات في الفكر الاشتراكي فقد تمخض نشاطها عن إقامة تنظيم شيوعي يستند إلى برنامج شفوي ومبادء غير منشورة ولم يكن لهذا التنظيم أجهزة فنية ولا مجلة سرية ورغم ذلك فقد وأصل النمو معتمدا على الأرض الخصبة التي مهددتها أحداث الحرب وإلى جموع الشباب الذي تملكته الحيرة والقلق عقب 4 [[فبراير]].<br />
<br />
ثم تمكن التنظيم من أن يضم إليه بعضا من ضباط القوات المسلحة في مقدمتهم " [[أحمد حمروش]] " ورويدا رويدا بدأت الحركة تتسع وتجد لها أنصار بين طلاب الجامعات وعدد لا بأس به من العمال .<br />
<br />
وعموما فإن عام [[1942]], [[1943]] قد شهدا تكون العديد من المنظمات اليسارية في [[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] وتاريخ هذه الجماعات ويكتنفه الغموض نظرا لتعقب البوليس لهم مما كان يدفعهم إلى حرق أوراقهم ووثائقهم حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون إلا أن أسماء التي تسمت بها هذه الجماعات تشير إلى أن عددها كان أكثر من عشرين جماعة تسمت كل منها باسم خاص وتباينت أسماء الدوريات والنشرات التي كانت تصدرها تبعا لأهداف كلا منها واحتدم الصراع بينها من أجل إقامة حزب شيوعي مصري حقيقي .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فقد برزت إلى الوجود اتجاهات سياسية احتلت مكانة لا بأس بها وسط العديد من القوي الأخرى وهذه الاتجاهات الجديدة أخذت مواقف متباينة فإذا كان البعض يتحالف مع المحور ضد الانجليز بدعوي الوطنية وإذا كان البعض الآخر يتحالف مع الانجليز ضد المحور بدعوي الديمقراطية فإن [[الشيوعية]] المصريين قد رفعوا شعارا مغايرا فهم ضد الفاشية وضد الاحتلال البريطاني ل[[مصر]] ورفعوا شعارا ضد الفاشية ولكن ليس مع الانجليز , ولم يكن هذا هو التمايز الوحيد ففي مواجهة شعار أجمع عليه كل الساسة وهو وحدة وادي النيل رفع الشيوعيون شعارا " الاستقلال السياسي والاقتصاد والكفاح المشترك مع الشعب [[السودان]]ي وحقه في تقرير مصيره "<br />
<br />
ولعل قوات الاحتلال قد تغاضت عن النشاط الشيوعي في [[مصر]] على أمل الاستفادة من تأثيرهم الفكري والسياسي المناهض للفاشية ولأول مرة في تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية '''(''' انتخاب [[1944]]''')''' شهدت البلاد مرشحين يعلنون أنهم يدخلون المعركة الانتخابية ويلصقون على الجدران إعلانات يقولون فيها – انتخبوا المرشح الاشتراكي سيناضل في سبيل [[الإشتراكية]] وقد انتشرت هذه الإعلانات في [[الإسكندرية]] بصفة خاصة حيث تقدم ثلاثة من العمال إلى الانتخابات تؤيدهم طائفة كبيرة من سكان دوائرهم .<br />
<br />
'''وعلى ضوء هذه الدراسة يمكننا أن نذكر بعض النتائج الهامة : '''<br />
<br />
'''أولا: ''' لم تكن الحركات [[الشيوعية]] في [[مصر]] وليدة [[الحرب العالمية الثانية]] وإنما ترجع في جذورها إلى العشرينات من هذا القرن إلا أن [[الحرب العالمية الثانية]] وما واكبها من تناقضات سياسية واجتماعية واقتصادية تعد أنسب الفترات التي ساعدت على نمو هذا الاتجاه .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن [[حادث 4 فبراير]] سنة [[1942]] قد ساعد على نمو أكبر الحركات أعمها بسبب الاعتقاد على عنصر الشباب دائما يعد عامل قوة تدفع القوي التي يساندها إلى أخذ مواقف أكثر تطرفا .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن [[السياسة]] البريطانية في [[مصر]] تعد المسئول الأول عن تفاقم هذه التنظيمات المصرية الروسية ولما كانت الحركات اليسارية تعلن دائما عن عدائها السافر ضد الفاشية والنازية فلقد كان لهذا وقعا طيبا لدي الدوائر البريطانية .<br />
<br />
'''رابعا : ''' أن ظهور الاتجاهات اليسارية عموما وفي هذه الفترة يعد تعبيرا أكيدا عن وجود خل هائل في كل مناحي الحياة المصرية اقتصادية واجتماعية وسياسية وبشكل مكن هذه الاتجاهات من أن تجد لها واقعا وسط المجتمع المصري .<br />
<br />
'''خامسا : ''' أن مجمل نشاط هذه التنظيمات وما استطاعت أن تقدمه للمجتمع المصري لم يتعد الفكر النظري المنقول عن مؤلفات لينين – وماركس – وستالين – وبعض المنشورات التي لا تخرج أفكارها عن هذه المؤلفات .<br />
<br />
'''سادسا : ''' أن عددا من المنضمين إلى هذه التنظيمات من المصريين المسلمين قد بهرتهم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ولم يؤمنوا بالفكر المادي حيث دعوا إلى التمسك بتعاليم [[الإسلام]] مع اعتناقهم لفكرتي العمل الاجتماعي والاقتصادي إلا أن محاولة التوفيق بين بعض النظريات [[الماركسية]] وبين إسلام لم تجد لها واقعا ملموسا بين الغالبية العظمي من المسلمين .<br />
<br />
==الفصل الخامس : [[الجيش المصري]] و[[حادث 4 فبراير]] [[1942]]م==<br />
<br />
===[[الجيش المصري]] و[[الحرب العالمية الثانية]]=== <br />
<br />
لقد أصبح [[الجيش المصري]] هو حجر الزاوية في قضية الاستقلال وفقا ل[[معاهدة 1936]] والتي نصت صراحة على أن خروج القوات البريطانية من [[مصر]] مرهونا ببلوغ [[الجيش المصري]] درجة الأهلية اللازمة للدفاع عن [[قناة السويس]] ولذا فلقد حرص [[الوفد]] على أن تكون هذه القوة الوطنية بعيدا عن سلطة القصر وتحكمه . <br />
<br />
ولعل عهد الدفاع الأعلى وهيئة أركان الجيش وبمقتضي هذا القانون فقد أصبح رئيس الوزراء رئيسا لمجلس الدفاع الأعلى ووزيري الحربية والبحرية " نائبان للرئيس " وكل من وزير الأشغال ووزير المالية ووزير المواصلات ووكيل الحربية والبحرية ورئيس هيئة أركان حرب الجيش " أعضاء" ولم تذكر أية إشارة إلى الملك على الرغم من أن المادة 46 من الدستور تقضي بأن الملك هو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية وهو الذي يولي ويعزل الضباط ويعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات ويبلغها إلى البرلمان ولعل هذا الإغفال المتعمد كان له أكثر الأثر على تفاقم الصراع بين القصر و[[الوفد]].<br />
<br />
ولما كانت [[معاهدة 1936]] قد نصت صراحة على إلغاء كافة القيود الموضوعة على عدد القوات المسلحة المصرية فإن حكومة [[الوفد]] حرصا منها على أعداد جيش قوي فقد سعت إلى توسيع القاعدة الاجتماعية للضباط الجدد وأمكن للوفد ولأول مرة أن يضم إلى الجيش شبابا من أبناء الطبقات الفقيرة وليس من قبيل المصادفة أن يكون في طليعة الأحرار. [[جمال عبد الناصر]] و[[كمال الدين حسين]] و[[عبد اللطيف البغدادي]] وغيرهم ممن ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة , ولذا فإن هذه [[السياسة]] تعد حسنة كبيرة تؤكد صدق [[الوفد]] على الارتفاع بتلك القيمة الوطنية الكبيرة حيث سهل نمو التحرك الثوري في صفوف القوات المسلحة وأمكن للجيش ولأول مرة منذ الثورة العرابية بين أن يساهم بقدر كبير في النشاط السياسي لمختلف القوي والاتجاهات والتي تعمل لصالح القضية الوطنية . <br />
<br />
وجريا على سياسة أبعاد الجيش عن مؤامرات القصر ودسائسه ولما كان يمين الجيش أولي المسائل التي تحتاج إلى تعديل لأن صيغة اليمين قد وضعت قبل الدستور ولذا فلم تشر إليه حيث تضمن : أقسم بالله أن أكون خادما مخلصا للملك مطيعا لأوامره الكريمة " فرأي [[الوفد]] تعديل هذا [[اليمن]] بهذه الصيغة : أقسم بالله العظيم وبشرفي العسكري أن أكون مخلصا للوطن ولحضرة صاحب الجلالة وقائد قواتها الأعلى وأن أكون مطيعا الدستور والقوانين الأمة المصرية . الخ.<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[الملك فاروق]] كان على علم بما يهدف إليه [[الوفد]] وقد علقت صحيفة " البلاغ " على " يمين الجيش" في محاولة منها للوقيعة بين القصر و[[الوفد]] فقالت " إن تمام الدستور في اليمين يتضمن إقحام [[السياسة]] في واجبات الجيش الذي تقتصر وظيفته فقط على الدفاع والطاعة فيما يصدر إليه من الأوامر وليس من وظائفه إقامة نظام سياسي معين والمحافظة على هذا النظام وحمايته .<br />
<br />
ونظرا لأهمية الجيش وحرصا من الملك على أن يبقي تحت أمرته بعيدا عن أى منافسة فقد أعلن فاروق صراحة أنه لن يقبل تعديل اليمين بالشكل الذي رأته الوزارة.<br />
<br />
وكان من الصعب على الحكومة أن تتراجع عن موقفها وتمسكت بالمشروع مما دفع فاروق إلى إلغاء الحفل الذي كان معدا لكي يحلف الجيش اليمين في اليوم الثاني لتولي الملك سلطته الدستورية وأن يؤدي وزير الحربية اليمين بالنيابة عن الجيش ولم يعجز فاروق عن توجيه الإهانة إلى الحكومة وذلك بدعوة جميع الضباط العاملين على اختلاف رتبهم إلى حفل شاي بقصر عابدين حيث أعلن بصريح العبارة عدم استغلال الجيش ب[[السياسة]] .<br />
<br />
وظل هذا الوضع معلقا بين القصر و[[الوفد]] حتى إقالة حكومة [[الوفد]] في نهاية [[1937]], ولم تستطيع حكومة [[محمد محمود]] إلا أن ترضخ لأوامر الملك ن وجودها في الحكم مرتبط بالرضاء الملكي وهكذا بقي يمين الجيش القديم كما هو عليه . وبصدد هذه الأزمة ورغبة من [[الوفد]] أن يضمن ولاء الجيش إلى الدستور والذي يعني من وجهة نظرهم – الولاء للوفد – باعتباره حزب الأغلبية فقد حرص [[مصطفى النحاس|النحاس]] على أن يقوم بالعديد من المحاولات بهدف الاتصال بالجيش لمعرفة هل يقف إلى جانبه في موقفه من السراي .<br />
<br />
ولعل من الأمور الجديرة بالملاحظة أن حكومة [[الوفد]] حرصا منها على أهمية الجيش فقد عملت على تطويره سواء بزيادة عدده إلى ثلاث فرق قوامها خمسون ألف جندي أو باستخدام كل وسائل الدفاع الحديث أو بإيفاد البعثات العسكري إلى انجلترا بهدف الارتفاع بمستوي الأداء وعلى ما يبدو فإن تلك الآمال الكبيرة قد اصطدمت بالعديد من المؤثرات التي قد أعتقد [[الوفد]] أن [[معاهدة 1936]] قد وضعت حد لها وأولي هذه المؤثرات هو القصر الذي لم يعجز عن اتخاذ الوسائل الكفيلة للحد من طموحات [[الوفد]] ثم البعثة العسكرية البريطانية التي كانت تمثل عقبة أكيدة في سبيل الارتفاع بمستوي الجيش حيث فرضت شكلا معينا للتسليح وخصوصا بعض الأسلحة التي لم تجد المصانع البريطانية لها أسواقا أخري غير مص أو بوضع نظام معين للتدريب يمثل عقبة أكيدة نحو ارتفاع الجيش سواء من حيث الكيف أو الكم .<br />
<br />
ولعل عودة [[عزيز المصري]] لكي يشغل منصب مفتش عام الجيش خلفا لسبنكس باشا '''(''' 11 [[يناير]] [[1938]] ''')''' هي محاولة حادة لخروج [[الجيش المصري]] من تحت الوصاية البريطانية إلا أن البعثة العسكرية البريطانية كانت تمثل عقبة في سبيل أى محاولة ناجحة ولما كانت الحكومة المصرية قد تعاقدت على شراء سربين من طائرات القتال العسكرية من المصانع البريطانية فإن الحكومة البريطانية قد عادت لتعتذر بحجة أن الحالة الدولية تنذر بالخطر وأن مصانعها لا تستطيع في ذلك الوقت أن تكفي الجيش البريطاني حاجته من الطائرات .<br />
<br />
وعندما قرر مجلس الدفاع البدء في وضع الرسومات اللازمة لبناء نواه لأسطول بحري مصري فإن البعثة العسكرية البريطانية قامت بوضع العديد من العقبات في سبيل تحقيق هذه الأمنية الوطنية .<br />
<br />
ولعل [[عزيز المصري]] قد قدر منذ توليه رئاسة أركان الجيش العقبات التي تضعها البعثة العسكرية البريطانية ولذا فقد طرق الأبواب بما فيها [[الملك فاروق]] حيث التمس من جلالته أن يستغل نفوذه كقائد أعلي للجيش في الإسراع نحو إنشاء جيش قوي لأن الحوادث العالمية خطيرة وإذا لم تلعب فيها [[مصر]] دورها بجدارة وكفاءة فقدت حقوقها في الاستقلال والعالم لا يقر قيمة الأمم إلا بقيمة جيوشها . <br />
<br />
ومن المؤكد أن كل الحكومات المصرية كانت صادقة في عزمها على الارتفاع بمستوي [[الجيش المصري]] وعملا بتلك [[السياسة]] فلقد أصدر [[علي ماهر]] قرارا في 31 [[أغسطس]] [[1939]] بإسناد رئاسة أركان الجيش إلى [[عزيز المصري]] ووفقا لرأي بعض المعاصرين فإن هذا القرار كان له أكبر الأثر على معنويات الضباط والجنود كان حافزا كي تتضافر الجهود تحقيق الغاية الوطنية على اعتبار أن [[عزيز المصري]] كان يمثل للضباط والجنود رمزا وطنيا كريما إلا أن البعثة العسكرية البريطانية كانت تسكك دائما في نوايا [[عزيز المصري]] متهمة إياه بانحيازه نحو ألمانيا نظرا لأنه قد درس الفنون العسكرية في ألمانيا وكان دائم الإعجاب بالعسكرية الألمانية وبمقدرة الألمان الفائقة على إعادة بناء جيشهم فلا عجب أن تمتلئ نفس السفير البريطانية وأعوانه غضبا على [[عزيز المصري]]. <br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن [[عزيز المصري]] يمثل عقبة أكيدة في العلاقات البريطانية المصرية وتنصح الحكومة البريطانية بطرده من رئاسة أركان الجيش حتى تتمكن البعثة العسكرية البريطانية من أن تؤدي دورها المنوط بها لأن [[عزيز المصري]] دائم النقد لكل ما تقدم البعثة على عمله ولأن إهانة البعثة أمر لا يمكن احتماله , وتشير نفس الوثيقة إلى ما يفهم من أن [[علي ماهر]] قد قطع وعدا على نفسه بطرد [[عزيز المصري]] إذا سبب نوعا من المصاعب سواء في طريق البعثة العسكرية البريطانية أو مع القوات البريطانية ووفق رأي السفير فإن [[عزيز المصري]] يعد أحدي صنائع ألمانيا وهو يمثل أمرا في غاية الخطورة .<br />
<br />
والواقع أن هذا الاتهام لا يمثل قدرا من الحقيقة لأن [[مصر]] وألمانيا وجدتا نفسيهما تحاربان عدوا واحدا الأمر الذي خلق بالطبع رابطة ما بينهما بل أن بعض الضباط المصريين الذين كانت لهم اتصالات مع ألمانيا لم يكونوا موالين للنازية وإنما كانوا مناهضين للبريطانية وأن بعض الضباط المصريين الذين كانت لهم اتصالات مع ألمانيا لم يكونوا موالين للنازية وإنما كانوا مناهضين للبريطانية وأن بعض الضباط المصريين الذين كانوا يعملون لتحرير بلادهم لم يكونوا جميعا راغبين في العون الألماني فقد كان بعضهم من أمثال [[جمال عبد الناصر]] يخشون أنهم بالحماس لهتلر لأن يفعلوا أكثر من أن يستبدلوا المحتل الألماني بالمحتل البريطاني .<br />
<br />
وبينما الخلافات قائمة بين البعثة العسكرية البريطانية ورئاسة أركان حرب [[الجيش المصري]] كان قائد القوات البريطانية '''(''' جنرال ولسون''')''' حريصا على إقامة علاقات طيبة مع [[الجيش المصري]] منه على تجنب أى خلافات مع القوات المصرية فقد اتبع طريقة عقد مؤتمر يومي يحضره بنفسه أو أحد كبار مساعديه مع كبار الضباط المصريين للاتفاق على الإجراءات اللازمة لتحقيق التعاون بين القوتين وبهذه الطريقة تم حل العديد من المشاكل من غير الرجوع إلى البعثة العسكرية أو إلى السفير .<br />
<br />
ومن غير شك فإن الجنرال ولسون كان يقدر أهمية التعاون بين الجيش البريطاني و[[الجيش المصري]] وأهميته على استقرار الأوضاع في الجبهة الداخلية وجريا على هذه [[السياسة]] فقد أستن فكرة اشتراك [[الجيش المصري]] مع الجيش البريطاني في التدريبات وقيامهما بمناورات مشتركة واشترك الضباط المصريون كأعضاء فخريون في ميس الضباط الانجليز ولعل كل هذه العامل قد قصد بها توثيق صلات التعاون التفاهم بين الجيشين .<br />
<br />
ولعل الجنرال ولسون كان يؤمن بمبدأ التعاون مع القوات المصرية اعتقادا منه بأن سياسة اللين والتفاهم من الممكن أن تؤدي إلى تحقيق كل الرغبات البريطانية بلا أى تصادم أو خلافات يؤكد هذا موقفه من حادث 4 [[فبراير]] [[1942]] فقد علم به وهو في [[سوريا]] '''حيث يقول :''' لقد ذهلت وفزعت لأنني شعرت بأن كافة الجهود التي بذلتها في الأيام الأولي للحرب بهدف إقامة علاقات طيبة مع المصريين وضمان تعاونهم قد تبددت وكان من الممكن أن يكون لهذا الحادث ردود فعل خطيرة داخل [[الجيش المصري]] بسبب ما يتمتع به فاروق من شعبية وخصوصا وسط الضباط الشبان الناقمين على الوجود البريطاني في [[مصر]] .<br />
<br />
ووفقا لهذا المبدأ فقد تمسك ولسون بوجهة نظره السابقة عندما أراد السفير البريطانية أن يعيد ما حدث في 4 [[فبراير]] [[1942]] حينما أراد فاروق أن يقبل وزارة [[مصطفى النحاس|النحاس]] في أوائل [[1942]] وكان من رأي وزير الدولة البريطاني المقيم في الشرق الأوسط مستر كايس " النصح بعدم اللجوء إلى القوة خشية تدخل [[الجيش المصري]] أو إغضابه وقواته تعاون الحلفاء في منطقة القتال وقال وزير الدولة أن الرأي العام العالمي سوف يفتقد حمايتنا بقوة السلاح لوزارة تحوم حولها الشبهات وأنه يفضل تنحيه الوزارة عن تنحية [[الملك فاروق]] . <br />
<br />
وعلى الرغم من تلك النصائح إلا أن الحكومة البريطانية قد وافقت على إسداء النصح للملك فاروق على اعتبار أن إخراج [[مصطفى النحاس|النحاس]] في الوقت الحاضر يعتبر عملا يتعارض مع مصلحة [[مصر]] ومصلحة المجهود الحربي فإذا صمم الملك على إقالة الوزارة فإن على السفير البريطانية أن يهدد باستعمال القوة العسكرية .<br />
<br />
ورأى القادة العسكريون ضرورة الاستعداد لمواجهة رد الفعل لدي [[الجيش المصري]] إذا ما دعا الحال إلى استعمال القوة ضد الملك , فإذا ما اقتصر الأمر على المقاطعة السلبية أو عدم التعاون فإن في استطاعة القوات البريطانية مواجهة الموقف أما إذا تطور الموقف إلى عداء مباشر فإن الأمر يختلف لأنه سوف يتطلب نزع سلاح القوات المصرية المسلحة .<br />
<br />
ويبدو أن [[عزيز المصري]] رئيس أركان الجيش كان متيقظا لما يدبره الانجليز من محاولات أبعاد الضباط الشبان من الحياة السياسية واعتقادا منه أن الانجليز هم الأعداء الحقيقيون وأن عدة البلاد في التخلص منهم هم الضباط الشبان والجنود فقد اتخذ من السكنات حول [[القاهرة]] ومن مراكز الجنود مقرا لعمله وهجر مكتبه المعد له في وزارة الحربية وبدأ يبث روح التضحية والفداء داخل صفوف الضباط الشبان وليس صحيحا أن [[عزيز المصري]] قد عمل على إقامة تنظيم داخل الجيش وإنما كانت الكلمة سلاحه اللاذع الذي كان يعتمد عليه حيث انتشرت روح [[عزيز المصري]] وكلماته الصريحة في المعسكرات وبين الضباط والجنود وكأنها الكهرباء .<br />
<br />
ويتحدث أحد الضباط عن [[عزيز المصري]] قائلا .. لقد كان للزيارات التي يقوم بها داخل الوحدات العسكرية أكبر الأثر في نفسي فقد شاهدت بعيني هذه الشخصية الاسطورية التي شاركت في الثورة التركية مع كمال أتاتورك كما كان أحد مؤسسي جمعية الاتحاد والترقي وجمعية تحرير الأمة العربية هذا إلى جانب تاريخه الطويل الملئ بالكفاح وولعه بالثقافة والدعوة إليها .<br />
<br />
ومن المؤكد أن بريطانيا قد أقلقها تعيين [[عزيز المصري]] رئيسا لأركان حرب الجيش بسبب طموحاته ومعلوماته العسكرية ومقدرته الفائقة على تنظيم وإعداد الجيش وهذا ما يتعارض تماما مع استراتيجية بريطانيا في [[مصر]] حيث يفقدها احدي حججها الهامة وهي مقدرة [[مصر]] على الدفاع عن نفسها وما يترتب على ذلك فقد من جلاء القوات البريطانية عن منطقة [[قناة السويس]] وفوق كل ذلك فقد كانت الدوائر البريطانية على علم بالعلاقات الوطيدة التي تربط [[عزيز المصري]] بالعديد من الشخصيات الألمانية وما كان يصرح به دائما من إعجابه الشديد بالعسكرية الألمانية ولعل كل هذه العوامل قد جعلت السفير البريطاني يطلب من الملك أبعاد [[عزيز المصري]] عن رئاسة أركان الجيش .<br />
<br />
وتقوم فلسفة [[عزيز المصري]] في بناء الجيش على فكرة المشاركة الشعبية وخصوصا بعد أن تطورت أحوال العالم ولم تعد الجيوش عبارة عن وحدات متفرقة بل ويجب أن تكون الأمة كلها حاملة السلاح ويتعذر على المرء أن يتصور أن الجيش يستطيع أن ينهض في الميدان إلا إذا عبثت قوة الأمة بحيث يؤدي كل عضو في المجتمع دوره على الوجه الأكمل ووفقا للقانون رقم 100 لسنة [[1939]] فقد أنشئت القوات المرابطة بهدف أعداد [[مصر]] المستقلة لحمل رسالتها الجديدة بما يناسب العصر الحاضر وقد يخشي أن تعجز [[مصر]] عن القيام بواجب الدفاع عن النفس إذا هي ذهبت مذهب التقليد والنقل دون أن تراعي حالتها المادية وظروفها الاجتماعية والذي انتهي الرأي إليه هو إنشاء قوات مرابطة تكون أولي وظائفها أن تعفي الجيش العامل من كثير من المسئوليات والواجبات المحلية فتزداد بذلك القوة المقاتلة التي يمكن استخدامها في الميدان على أن ذلك ليس من شأنه أن يسقط عن القوات المرابطة ما يجب أن تؤديه من ضريبة الدم فإن عليها واجب النجدة للجيش العامل في الميدان وفوق كل ذلك فقد روعي في تكوينها عاملا في تربية الخلق القوي .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الدوائر البريطانية قد انزعجت بسبب تلك الطموحات التي يتسم بها [[عزيز المصري]] ولعل من أولي مهام البعثة العسكرية البريطانية الحيلولة دون الارتفاع بمستوي [[الجيش المصري]] بالرغم من أن وجودها كان بهدف ارتفاع بمستواه ولم تعجز البعثة العسكرية عن وضع العديد من العقبات التي تحول دون انطلاقه [[عزيز المصري]] لترقية الجيش ورفع كفاءته ولم تجد السلطات البريطانية ذريعة للنيل من [[عزيز المصري]] إلا مسألة الميول الألمانية وهذه حجة الصفات بالعديد من المصريين لا لأن لهم ميولا ألمانية وإنما لأن لهم ميولا عدائيا ضد بريطانيا وبلا شك فإن وقع خروج [[عزيز المصري]] من الجيش كان له أكبر الأثر على مشاعر الضباط الصغار الذين كانوا يعلقون آمالا عريضة على شخصية [[عزيز المصري]] إلا أنه قد تأكد لديهم أنه لا أمل في أى نوع من الإصلاح طالما بقي الاحتلال متذرعا بحجة او بآخري .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن قرار الحكومة البريطانية بعزل [[عزيز المصري]] عن منصب رئيس أركان حرب الجيش قد سبب اضطرابا كبيرا لدي كل الدوائر السياسية والحزبية بل امتد الأثر إلى [[السودان]] حيث انتشرت موجة من الاضطراب بين [[السودان]]يين الذين ضايقهم عزل [[عزيز المصري]] .<br />
<br />
ووفقا للوثائق الأمريكية أيضا فإن رئيس الوزراء المصري '''(''' [[علي ماهر]] ''')''' قد حاول نقل [[عزيز المصري]] لكي يتولي رئاسة الجيش المرابط إلا أن السفير البريطاني قد طلب صراحة أبعاد [[عزيز المصري]] عن أى موقع سياسي أو عسكري .<br />
<br />
ووفق رواية بعض المؤرخين فإن [[عزيز المصري]] لم يكن يعمل لصالح الألمان لكنه كان يعتقد وهذه سذاجة سياسية منه أى الألمان يستطيعون مساعديه في تحرير [[مصر]] من الاحتلال البريطاني ويعتقد نفس المؤرخ أن الهدف من محاولة هروب [[عزيز المصري]] وصاحباه '''(''' [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] و[[حسين ذو الفقار]] ''')''' فقد كانت تراوده فكرة إنشاء جيش التحرير على غرار ما فعل ديجول بعد سقوط فرنسا .<br />
<br />
ومن الصعب أن نميل إلى هذا الاستنتاج لأن من أولي المهام التي يبدأ بها أى قائد سواء في الأعداد لثورة أو غير ذلك من وسائل الكفاح هو إعداد تنظيم يعهد إليه بالقيام بتلك المهام وليس هناك ما يؤكد أن [[عزيز المصري]] كان صاحب تنظيم معين سواء داخل الجيش أو خارجه . <br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[عزيز المصري]] – وفق رواية [[أنور السادات]] – اتصل ب[[الضباط الأحرار]] وطلب مساعدتهم لتمكينه من السفر إلى [[العراق]] حيث وصلته رسالة من الألمان يطلبون فيها سفرة لمعاونة [[رشيد علي الكيلاني]] في ثورته التي قام بها في [[العراق]] ضد الاحتلال البريطاني .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[عزيز المصري]] لم يحاول ان يقوم بأعداد تنظيم سواء داخل الجيش أو خارجه ولعل مرجع ذلك إلى اعتماده على اتصاله المباشر بالضباط وتكرار نصائحه لهم بأعداد أنفسهم ثقافيا وفكريا وما يواكب ذلك من يقظة قومية سوف تؤتي ثمارها حتى ولو على المدي الطويل , وعندما عرض عليه أحد الضباط العمل على رأس لتنظيم أبدي [[عزيز المصري]] عدم موافقته قائلا ؟" أول درس أقوله لكم اعتمدوا على أنفسكم ولا تنتظروا أى رائد المبادرة يجب أن تأتي منكم أنتم – نابليون وصل إلى رتبة جنرال وكان زعيما ولعل [[عزيز المصري]] كان يعلم جيدا أن عيون الاحتلال ترقب كل خطواته وأن قيامه بإعداد تنظيم من نوع ما سوف يكون مصدر خطر حقيقي على الحركة الوطنية داخل الجيش وإذا اقتصر دوره على النصائح العامة وبث الروح الوطنية لدي الضباط الشبان .<br />
<br />
والحقيقة أن موقف [[الجيش المصري]] من بريطانيا إبان [[الحرب العالمية الثانية]] كان يتسم بنوع من التناقض حيث كان الضباط ذوي الرتب الكبيرة من أعوان الانجليز في جملتهم وكان الانجليز يحسنون الرأي فيهم حيث يشير ولسون '''(''' قائد القوات البريطانية ''')''' بالخدمات الجليلة التي أداها [[إبراهيم عطا الله]] '''(''' رئيس أركان حرب [[الجيش المصري]] والذي خلف [[عزيز المصري]] ''')''' ويري أنه لو لا عطا الله أحدثت أحداث خطيرة وكبيرة داخل [[الجيش المصري]] نتيجة [[حادث 4 فبراير]] والميجور سانسوم رئيس المخابرات البريطانية يذكر أن حجازي مدير المخابرات العسكرية كان متعاونا مع السلطات البريطانية إلى حد كبير .<br />
<br />
أما موقف الضباط الصغار والذين دخلوا الجيش بعد سنة [[1936]] فقد كانوا بحكم أصولهم الاجتماعية عناصر وطنية شديدة الحماس لقضية وطنهم كارهون للاحتلال ولا يمكن أن غفل تأثير [[عزيز المصري]] على هؤلاء الشباب .<br />
<br />
وما من شك في أن [[حادث 4 فبراير]] في [[مصر]] وحركة [[رشيد علي الكيلاني]] في [[العراق]] يعطيان أكبر الدلالات بالنسبة إلى المستقبل حيث كان يعتقد الانجليز أن [[مصر]] و[[العراق]] دولتان متحالفتان مع انجلترا ضد دولتي المحور وان القوات البريطانية التي أسقطت ثورة [[رشيد علي الكيلاني]] وأرغمت ملك [[مصر]] على قبول [[مصطفى النحاس|النحاس]] رئيسا للوزارة قد ساندت " المخلصين " " ضد الأقليات" " الخائنة" مستهدفة صالح العرب والمصريين الانجليز على قدم المساواة والحقيقة أن العرب بوجه عام والمصرين بوجه خاص قد نظروا إلى هاتين الحادثتين نظرة مخالفة فقد رأوا في الحرب العالمية نضالا بين الاستعماريين يبغي كل منها الاستحواذ على بلادهم واستغلال مواردها وقد وجد في [[مصر]] معسكرات يختلف كل منهما عن الآخر حول الوسائل لا الأهداف وكلاهما يبغي تحقيق الاستقلال عن انجلترا على حين أن أحد المعسكرين كان يري أن خير وسيلة لتحقيق هدفه هي التعاون مع انجلترا فغن المعسكر الآخر اختار التعاون مع دولتي المحور وبينما كان [[جمال عبد الناصر]] يقوم بحراسة مؤخرة القوات البريطانية في العلمين كان [[أنور السادات]] يتخابر لصالح الألمان ضد بريطانيا و لا يمكننا أن نتهم [[جمال عبد الناصر]] بأنه يناصر بريطانيا وفي الوقت نفسه فلا يمكن أن نتهم [[أنور السادات]] بالعمالة لألمانيا وببساطة شديدة فإن كلا منهما يعتقد أنه يعمل لصالح بلاده .<br />
<br />
وعندما تأكد للسلطات البريطانية أن هناك شعورا معاديا ضد الموجود البريطاني يعم [[الجيش المصري]] ولما كانت القوات المصرية تقوم بحراسة مؤخرة القوات البريطانية في الصحراء الغربية فقد صدرت الأوامر بانسحاب هذه القوات وتسليم أسلحتها إلى القوات البريطانية '''(''' [[نوفمبر]] [[1940]]''')''' إلا أن هذا القرار ووجه بحركة تذمر واستنكار داخل [[الجيش المصري]] مما كان سببا في السماح للقوات المصرية بالانسحاب مع الاحتفاظ بأسلحتها .<br />
<br />
ولقد راودت الضباط الشبان في ذلك الوقت فكرة القيام بثورة تستولي على طرق المواصلات وقطع كل خطوط الاتصال أمام القوات البريطانية والمطالبة بتسليم [[علي ماهر]] زمام الحكم إلا أن تنظيم الضباط لم يكن قد وصل إلى درجة تمكنه من الإقدام على هذه الخطوة حيث كان تجمع الضباط ما يزال في مرحلته الأول وإذا كانت الأهداف الوطنية قد تحددت فإن الزعم الذي يجب أن يجسد تلك الأهداف لم يكن قد ظهر بعد واقتصرت الخطة على جمع الرجال من ذوي الضمائر الحية اعتقادا بأن أى عمل ناجح لابد من أن يبدأ بفكرة ناجحة أيضا .<br />
<br />
وتأكدت المخابرات البريطانية أن هناك حركة استياء تعم الضباط لكن لم يكن هناك من الأدلة المادية ما يقوم دليلا على إدانتهم .<br />
<br />
ولذا اقتصرت بريطانيا على تنقلات الضباط وتشتيتهم بحيث يصعب إيجاد أى نوع من التفاهم بينهم ولعل هذا الأسلوب لم يقض على الحركة وإنما كان عائقا أدي إلى تأخيرها لسنوات طويلة.<br />
<br />
===ردود فعل 4 [[فبراير]] على الجيش=== <br />
<br />
في جميع الأزمات التي مرت ب[[مصر]] كانت للحكومة البريطانية تأخذ في الاعتبار موقف [[الجيش المصري]] إلى جانب موقف الرأي العام عندما طلبت بريطانيا [[مصر]] بإعلان الحرب على دولتي المحور قالت أنها تقدر الأهمية البالغة للقوات المسلحة المصرية وعندما نصحت بتغيير وزارة [[علي ماهر]] على أن تجئ الوزارة الجديدة حائزة لولاء الجيش وعند الاستعداد لمحاصرة قصر عابدين يوم 4 [[فبراير]] احتفظت السلطات العسكرية بأسرار العملية إلى ساعة الصفر واتخذت جميع الاحتياطات لك لا يقع تصادم بين [[الجيش المصري]] والقوات البريطانية .<br />
<br />
ولقد كان معظم الضباط يعقدون أمالا كبيرة على [[حزب الوفد]] باعتباره الحزب الذي قاد حركة الكفاح الشعبي ضد الاحتلال البريطاني والذي وقف في صلابة وحزم ضد تسلط الملك فؤاد وعبثه بالدستور لكن ذلك الأمل لم يلبث أن خبا عقب أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] حيث أحدثت مظاهرة السفير البريطاني العسكرية ودعايات أحزاب الأقلية أكبر إساءة إلى [[الوفد]] وأصبح هذا الحادث نقطة سوداء في تاريخه يطعنه عن طريقها أعداؤه ويلطخون بها صفحة كفاحه ولعل هذا قد أحدث تحولا كبيرا في مشاعر الضباط أدي إلى التفافهم حول الملك الذي نجح وقتئذ في الظهور بصورة البطل المناضل الذي جابه وحده سطوة الاحتلال علاوة على ما أحس به الضباط من شعور بالمهانة حيث اعتبروا عدوان على شرفهم العسكري ولذا كانت النتيجة الحتمية هي ابتعاد الجيش عن [[الوفد]] .<br />
<br />
ويمكن معرفة انعكاسات 4 [[فبراير]] على صفوف الضباط الصغار من خلال مراسلات [[جمال عبد الناصر]] في هذه الفترة , وعقب وقوع الحادث كتب إلى أحد أصدقائه قائلا ؟ أني أشعر بخزي وعار شديدين لأن جيشنا سكت على هذا الاعتداء وارتضاء ولكني مسرور على كل حال لأن ضباطنا كانوا يشغلون وقت ذراعهم بالحديث عن المتع والسهرات ولكنهم بدوا يتحدثون عن الانتقام والثأر ولو أن الانجليز قد أحسوا أن بعض المصريين ينون التضحية ويقابلون القوة بالقوة لانسحبوا كأى امرأة من العاهرات .<br />
<br />
ومن المؤكد أن الانتقام والثأر الذي كان يعنيهما [[جمال عبد الناصر]] لم يكونا من أجل فاروق بل من أجل [[مصر]] على اعتبار أن الاعتداء على ملك [[مصر]] يعد اعتداء على السيادة المصرية ويلاحظ أن هذا المعني لم يكن خافيا على السفير البريطاني والذي كتب إلى حكومته يوم 10 [[فبراير]] '''قائلا :''' أبلغني الجنرال ستون قائد القوات البريطانية في [[القاهرة]] أن [[حادث 4 فبراير]] قد أحدث قدرا كبيرا من الاستياء في [[الجيش المصري]] لأن الاعتقاد السائد لدي الضباط أن ثمة إهانة لحقت ب[[مصر]] عن طريق فرض القوة على الملك .<br />
<br />
ويبدو أن السلطات البريطانية كانت تقدر موقف [[الجيش المصري]] وهو ينشر ليس فقط في قطع الاتصال بين سكنات [[الجيش المصري]] في ألماظة وبين قصر عابدين بل كذلك في تحديد الأسلوب والتوقيت لعملية محاصرة قصر عابدين فمن الواضح إن السلطات البريطانية في [[القاهرة]] كانت تري أهمية قصوي في إتمام العملية بسرعة وبشكل مباغت ومن المؤكد أنه روعي عدم الاصطدام بالجيش ولعل هذا ه الذي تطلب أن تكون العملية على كل هذا القدر من السرية إلى جانب السرعة والمباغتة . لكن جانبا هاما من العملية كان الخوف من تحرك [[الجيش المصري]] الذي سيلازمه بالضرورة ثورة وطنية شعبية قد يضطر الانجليز إزاءها ليس فقط إلى ضرب حركة [[الجيش المصري]] بل إلى اعتبار [[مصر]] أرضا محتلة الأمر الذي سيغير تماما من استراتيجية القوات البريطانية في المنطقة ويضاعف من مشاكلها .<br />
<br />
وفي الوقت الذي بدأ فيه الضباط يتناقلون فيما بينهم أحداث هذا اليوم وبناء على أوامر الحكم العسكري العام امتنعت كل الصحف عن نشر ما يشير إلى هذا الحادث ولو من بعيد '''إلا أن صحيفة المانشتر جارديان كتبت تقول :'''<br />
أن الضباط الشبان يعتقدون أن ما حدث كان امتهانا لكرامتهم ولعزتهم الوطنية ونصحت الصحيفة الحكومة البريطانية بأن تعالج الموقف بسعة صدر وبروح جديدة يتفقان مع مقتضيات التحول الجديد في الأفكار المصرية .<br />
<br />
ولعل من الملاحظ أن الأمر لم يقتصر على مجرد أحاديث يتناقلها الضباط بل تخطي الغضب مرحلة الإحساس إلى الأقدام على خطوات عملية حيث تقدم الضباط [[محمد نجيب]] '''(''' أول رئيس الجمهورية ''')''' باستقالته من الجيش بالرغم من علاقته الوطيدة ب[[حزب الوفد]] حيث ذكر في استقالته حيث أني لم أستطع أن أحمي مليكي وقت الخطر فإني لا خجل من ارتداء بذلتي العسكرية والسير بها بين المواطنين ولذا أقدم استقالتي.<br />
<br />
وتحت ضغط [[الملك فاروق]] ونزولا على راي العديد من الضباط اضطر [[محمد نجيب]] إلى سحب استقالته .<br />
<br />
ووفقا للمصادر قريبة الصلة بالقصر فقد توجه وفد من ضباط القوات المسلحة إلى قصر عابدين عقب وقوع الحادث وقابلوا رئيس الديوان '''(''' حسنين باشا ''')''' وأعربوا له عن استعدادهم للثأر من المسئولين عن محاصرة القصر بالدبابات وقد أثناهم رئيس الديوان عما يفكرون فيه وناشدهم الهدوء وقد قدر الملك هذا الشعور ولذا فقد حرص على أن يمضي يوم 4 [[فبراير]] من كل عام مع الضباط في ناديهم .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية وفقا لمصادرها الخاصة داخل الجيش إلى أن نتائج 4 [[فبراير]] قد أحدثت ردود فعل متباينة فبينما يري الضباط الكبار أن القضية تقتضي قدرا من التعقل في معالجتها إلا أن الضباط الصغار يحسون بمرارة شديدة ويعقدون العديد من الاجتماعات السرية داخل الوحدات وهو أمر يعد غاية في الخطورة .<br />
<br />
وبلا شك فقد كان تأثير هذا الحادث على المصريين عموما وعلى الضباط على وجه الخصوص ساحقا ووفق العديد من الروايات فإن هذا الحادث كان له تأثير الكهرباء وسط الضباط حيث قرر أحدهم '''(''' [[جمال عبد الناصر]] ''')''' ألا تتجرع [[مصر]] كأس الذل مرة أخري بهذه الطريقة , ويرجع البعض بداية حركة [[الضباط الأحرار]] كحركة متكاملة إلى اللحظة التي سددت فيها أول دبابة بريطانية مدفعها إلى قصر عابدين فلم يعد للضباط من حديث سوي الحرية وكرامة بلادهم المطعونة وبدأ [[عبد الناصر]] يخطط ال[[ثورة 23 يوليو]] .<br />
<br />
وتكاد تجمع الآراء على أن ما حدث في 4 [[فبراير]] كان هو الدافع الأقوى إلى تحريك الثورة الوطنية داخل الجيش وبدأ قيام التنظيمات السرية بين الضباط والتي كان من بينها تنظيم [[الضباط الأحرار]] كما أن هذا الحادث يعد أقوي ضربة وقعت على رأس حزب الأغلبية الشعبية وكان فقدان [[حزب الوفد]] لقوته وسلطاته الوطنية وزعامته الشعبية أكبر الثر في اهتزاز النظام السياسي الذي كان يحكم [[مصر]].<br />
<br />
وأخذ الضباط يبحثون عن منفذ يمارسون من خلاله نشاطهم الوطني بعد أن فقدوا كل أمل في الأحزاب التقليدية التي اهترأت بسبب خلافاتها المستمرة وصراعها على الحكم ووجد الضباط ضالتهم في الجماعات الجديدة والتي بدأت تأخذ لها موقعا على مسرح [[السياسة]] المصرية والتي كانت وقتئذ تحاول اجتذاب الجماهير بمبادئها المتطرفة سواء اليمينية أو اليسارية ولعل أشد الدعوات نجاحا في اجتذاب الضباط هي [[جماعة الإخوان المسلمين]] فإنها بتنظيمها الهرمي الذي يقف [[المرشد العام]] على قمته وبجناحها العسكري الذي يضم العسكريين وبجهازها السري للقيام بالعمليات الخاصة كل هذا وجد فيه الضباط شيئا غير بعيد عن النظام العسكري الذي اعتادوه علاوة على أن الشيخ [[البنا]] كانت لديه مقدرة فائقة على اجتذاب الجماهير وعلى ضم الضباط إلى الجماعة من خلال أحاديثه عن علاقة الدين بالوطن وكان في مقدمة من انضم من الضباط إلى الجماعة ثمانية من أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار وهم [[جمال عبد الناصر]] [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] [[عبد الحكيم عامر]] [[كمال الدين حسين]] [[عبد اللطيف البغدادي]] [[حسن إبراهيم]] [[خالد محيي الدين]] [[صلاح سالم]] .<br />
<br />
ومن المؤكد أن مجموعة الضباط قد اكتسبت خبرة وأصبحت أكثر مقدرة على مزاولة نشاطها بعد لقائها بالشيخ [[البنا]] حيث قدمت لجنة الجنود الأحرار بالجيش ولأول مرة تقريرا إلى الملك '''(''' [[ديسمبر]] [[1942]] ''')''' يعبر عن مدي تأثرهم بفساد الحياة الاجتماعية والأخلاقية ومن ثورتهم على انتهاك الجنود البريطانيين لحرمة الفتاة المصرية بما يتناقص تماما مع الشريعة [[الإسلام]]ية '''وطالبت اللجنة بعدة مطالب كان من بينها :'''<br />
<br />
'''أولا:''' بث الروح الوطنية بين أفراد [[الجيش المصري]] ضد المحتل البريطاني .<br />
<br />
'''ثانيا:''' مقابلة الاعتداء بالاعتداء عملا بالآية الكريمة " ومن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم ".<br />
<br />
'''ثالثا:''' القبض على أى فتاة مصرية تسير مع أى جندي بريطاني .<br />
<br />
'''رابعا :''' إلغاء [[معاهدة 1936]] باعتبارها أساس كل الشرور التي لحقت بالوطن .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن علاقة الضباط بالشيخ [[حسن البنا]] قد سبقت أحداث 4 [[فبراير]] إلا أن هذا الحادث قد ضاعف من سخط الضباط على البريطانيين وزاد من حماستهم للثورة ودفعهم إلى أن يعرضوا على الشيخ [[حسن البنا]] خطة ترمي إلى إبادة الجيش البريطاني العائد من العلمين إلا أن [[حسن البنا]] لم يكن يملك القوة الكافية لتنفيذ الخطة وقد يكون هذا من بين الأسباب التي دفعت الضباط إلى الاعتماد على أنفسهم بعيدا عن أى قوة أخر .<br />
<br />
ولم يقتصر عمل الضباط على محاولة التنسيق مع [[الإخوان المسلمين]] وإنما كانت في مظاهرتهم التي قاموا بها قصر عابدين يوم 11 [[فبراير]] [[1942]] أكبر دليل على رفضهم واستناركهم لما حدث حيث تجمع الضباط والجنود وساروا إلى قصر عابدين وهم يهتفون بحياة الملك والوطن .<br />
<br />
واجتمعت الجمعية العمومة للضباط بناديهم في الزمالك ليتشاورا في الأمر وليقرروا ماذا يفعلون إزاء تلك الأهانة التي لحقت بالوطن وأسفرت مناقشتهم عن التوجه لسراي عابدين وتسجل أسمائهم في سجل التشرفات إثباتا لولائهم للملك وتعبيرا عن مساندتهم له . وفي أثناء الاجتماع تقدم [[عبد اللطيف البغدادي]] باقتراح عمل خلايا سرية من ضباط الجيش تكون مهمتها قتل كل سياسي ينحرف أو يخون البلاد ويعترف – البغدادي – بأنه كان متأثرا بما قرأه عن مثل تلك التنظيمات السرية التي كانت موجودة داخل الجيش الياباني في ذلك الوقت ولكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض الشديد من الضباط ذوي الرتب الكبيرة ومن المؤكد أن هذا الموقف من البغدادي لم يكن ينم عن إدراك سياسي كامل لأن الإعلان عن قيام تنظيم تقتصر مهمته على الاغتيالات السياسية أمر من السهل القضاء عليه لأن مثل هذه الأعمال تقتضي قدرا كبيرا من السرية ودقة كاملة في التخطيط ولذا فإن رفض الضباط الكبار لهذا الاقتراح يتسم بقدر كبير من التعقل .<br />
<br />
ويمكننا القول .. أن [[حادث 4 فبراير]] قد أثار حالة من الغليان الشديد داخل [[الجيش المصري]] وتشير الوثائق البريطانية إلى : أن عددا كبيرا من الضباط قد أخذوا مسألة 4 [[فبراير]] على أنها إهانة خطيرة لحقت بالكرامة المصرية وبدت العديد من التجمعات داخل الجيش بهدف القيام بمظاهرة معادية للسفارة البريطانية إلا أن كبار الضباط قد استطاعوا السيطرة على الموقف وقرر – [[حمدي سيف النصر]] – نقل بعض الضباط الصغار من [[القاهرة]] إلى بعض الأماكن النائية .<br />
<br />
وتشير الوثائق البريطانية أيضا غلى زعماء تلك الاضطرابات وهو للقائمقام عقيد [[أحمد فؤاد صادق]] '''(''' قائد [[الجيش المصري]] في [[حرب فلسطين]] ''')''' والثاني الاميرالاى [[محمد كامل الرحماني]] أول مدير للإذاعة بعد الثورة والثالث هو الأميرالاي [[حمدي طاهر]] . ويبدو القلق واضحا من خلال ما كتبه العسكريون البريطانيون ووفق ما ذكره لورد ويلسون أن ردود الفعل التي أعقبت [[حادث 4 فبراير]] تؤكد أن أوضاعنا العسكرية تتعرض لمخاطر أكيدة ولابد من معالجة الموقف بأسرع ما يمكن .<br />
<br />
ولعل هذا الإحساس قد تملك الدوائر الأمريكية في [[القاهرة]] حيث يشير السفير في احدي رسائله إلى حكومته قائلا: لقد أسديت نصيحتي في سرية السفير البريطانية بأن هناك معلومات مؤكدة تشير إلى وجود مخطط داخل الجيش بهدف أحداث نشاطات تدميرية ضد الحلفاء وأن هذا الموقف جاء ردا على سياسة بريطانيا التي طالما حذرنا منها في 4 [[فبراير]] [[1942]] .<br />
<br />
وهكذا كان [[حادث 4 فبراير]] سببا كافيا لنمو المشاعر الثورية داخل الجيش وكان بداية انهيار الشعبية الكاسحة التي يتمتع بها [[حزب الوفد]] والذي كان يعد أمل الأمة المصرية في نظر الكثير من الضباط ولذا فإنني أميل إلى الرأي القائل بأن بداية التكوين الفعلي لحركة [[الضباط الأحرار]] كان عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] حيث بدأ [[عبد الناصر]] يضع أول الخطوات الجادة نحو أبراز التنظيم إلى واقع عملي ولم تخدعه الوعود الكاذبة التي كانت تطلقها بريطانيا من حين لآخر من أن [[مصر]] ستحصل على استقلالها عقب انتصار الحلفاء .<br />
<br />
وتنبه الضباط الذين كانوا قبل عام [[1943]] يعتمدون على ألمانيا لطرد انجلترا من [[مصر]] إلى أن قوة انجلترا ستظل قائمة بعد الحرب بفضل أمريكا وبينما هب [[السياسة]] المصريون إلى نجدة الحلفاء وراحوا يطالبون بالاستقلال التام مكافأة لتعاونهم لم يستسلم العسكريون لتلك الوعود وإنما بدأوا يعدون أنفسهم لتولي مقاليد البلاد بعد أن اعترت أمامهم كل الأحزاب السياسية وراحت تتنافس وتتناحر ليس من أجل الوطن وإنما خدمة وتملقا للمحتل .<br />
<br />
وبصدد الحديث عن 4 [[فبراير]] والجيش يتحدث [[جمال عبد الناصر]] فيقول عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] كان علينا أن نعمل عملا وطنيا وذهبنا إلى [[عزيز المصري]] وكان معي [[كمال الدين حسين]] و[[عبد اللطيف البغدادي]] و[[عبد الحكيم عامر]] وطلبنا منه النصيحة ... فقال الثورة ومن هنا كان الأمل الذي صممنا عليه وتعاهدنا على المضي من أجله إلى آخر الطريق .<br />
<br />
ولما كان الاستياء موجها إلى [[الوفد]] والانجليز معا فقد قام [[مصطفى النحاس|النحاس]] بأكبر حركة اعتقالات داخل الجيش وصفتها تقارير السفير الأمريكي بأنها محاولة من [[الوفد]] لإحداث حالة من " التخويف " داخل القوات المسلحة المصرية .<br />
<br />
'''ويبدو أن بعض الضباط قد خرجوا على التقاليد العسكرية المتبعة لدرجة أن الأميرالاي [[أحمد فؤاد صادق]] قد تقدم بعريضة اتهام ضد وزير الدفاع ( [[حمدي سيف النصر]] ) متهما إياه بما يأتي :'''<br />
<br />
'''أولا :''' لقد حرصت جميع الحكومات على إبعاد الجيش عن [[السياسة]] وعدم الزج به في الحزبية ولكن سياسة وزير الدفاع دفعت بصولات الجيش إلى دخول النادي السعدي والتحدث في [[السياسة]] بما أعزي ضباط الصف بالتمادي في هذا السبيل .<br />
<br />
'''ثانيا :''' أن الحكومة قد استطاعت استقطاب بعض الضباط ضعاف النفوس وقربتهم ومنحتهم الامتيازات والعلاوات بالرغم من أنهم أقل كفاءة من زملائهم لا لشئ إلا بهدف الزج بالجيش في [[السياسة]] .<br />
<br />
'''ثالثا:''' لقد جرت التقاليد على عدم نقل كبار الضباط الحائزين على رتبة اللواء إلا بعد موافقة القصر ولكن [[حمدي سيف النصر]] نقل [[محمد زكي الحكيم]] مدير الحدود و[[علي حسنين الشريف]] مدير القرعة كلا منهما مكان الآخر دون الرجوع إلى القصر.<br />
<br />
'''رابعا :''' لقد عرض على الوزير كشفا بأسماء طائفة من الضباط طلب الانعام عليهم بنياشين بمناسبة عيد جلوس الملك '''(''' [[يوليو]] [[1942]] ''')''' ولكن الوزير اعترض على بعض الأسماء وانتهي الأمر بحرمان الجيش من عطف الملك .<br />
<br />
خامسا : انتدب الوزير نجله " [[فوادي حمدي]] " للخدمة في إدارة الجيش على أن يظل في مركزه بسلاح الفرسان الملكي والغرض من ذلك هو الحصول على علاوة انتداب .<br />
<br />
ولعل حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] في محاولة منها لتهدئة المشاعر الثائرة داخل الجيش قد وقعت في العديد من الأخطاء التي ضاعفت من حركة الاضطراب في صفوف القوات المسلحة ووفق المصادر البريطانية فإن القصر كان وراء حركة التذمر في صفوف الجيش وأن حكومة [[الوفد]] لم تستطيع السيطرة الكاملة على الجيش ومن المؤكد أن القصر وراء كل هذه الاضطرابات وأن الضباط [[أحمد فؤاد صادق]] لا يستطيع أن يستمر في حملته بدون مساندة القصر .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان أشد ما يخشاه هو حدوث ردود فعل داخل الجيش تؤدي إلى تقلص شعبيته وبدلا من أن يعالج الموقف بأعصاب هادئة ألا أنه قد أقدم على اعتقال الضابط صاحب عريضة الاتهام '''(''' [[أحمد فؤاد صادق]] ''')''' والبكباشي " [[محمد كامل الرحماني]] " وبالرغم من أن الأول قد ساءت حالته الصحية لدرجة كبيرة وحدث له تسمم في الدم مما دفع الدكتور هيكل إلى أن يثير قضيته في مجلس الشيوخ إلا أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد انبري بدافع '''قائلا :''' أن حالة الضباط على خير ما يرام وليس هناك ما يستحق الاستجواب وذلك في الوقت الذي قرر فيه الأطباء أن حالة المريض خطيرة ويجب نقله فورا من معتقل المنيا إلى [[القاهرة]] للعلاج ولما كان الدكتور هيكل يحتفظ بصورة قرار الأطباء فقد ذهب إلى الحاكم العسكري " [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا " '''وقال له :''' " لولا أنني أخشي تعريض حياة الضابط للخطر بإضافة الوقت لأريت المجلس ما تحت يدي من المستندات الرسمية التي تنفي تصريحك هذا فاستمهله [[مصطفى النحاس|النحاس]] حتى ينقل المريض إلى المستشفي ب[[القاهرة]] ولكنه نقله بمستشفي الأحداث بالجيزة حيث بقي بها تسعة أشهر .<br />
<br />
ولما أراد الضابط أن يكتب برقية تهنئة إلى الملك بمناسبة عيد جلوسه رفضت الحكومة وبقي فؤاد صادق في الاعتقال ثلاث عشر شهرا دون أن يصرف له ما يستحقه من المعاش مما اضطره إلى كتابة برقية إلى الحاكم العسكري يقول فيها عندما اعتقل رفعتكم في سيشل كان الانجليز يصرفون لك ماهية شهرية للإنفاق على نفسك وأسرتك فأرجوا أن تعاملني كما كان يعاملك الانجليز أو أن تعاملني كما تعامل [[أحمد حسين]] الذي تسكنه هو وعائلته في منزله وتنفق عليه .<br />
<br />
وبقي هذان الضابطان مدة اعتقالهما '''(''' 23 شهرا ''')''' لا يصرفان مليما واحدا ومرض [[محمد كامل الرحماني]] أيضا وبدلا من أن ينتقل إلى المستشفي أنول في معتقل الزيتون حيث بقي شهرين ثم اضرب عن الطعام والشراب حتى أوشك علي الموت فنقلوه إلى مستشفي صيدناوي ليعال وإذا كان هناك من ينفي عن [[مصطفى النحاس|النحاس]] مسئوليته في 4 [[فبراير]] بحجة أنه لم يكن يعلم بنية الانجليز فإن الإجراءات التعسفية التي لحقت ببعض ضباط القوات المسلحة المصرية من جراء سياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] تعد خطأ لا يغتفر . وفي الوقت الذي أقدمت عله حكومة 4 [[فبراير]] من اعتقال كل من تحوم حوله الشبهات من ضباط الجيش فقد أصدر الحاكم العسكري العام عفوا عن [[عزيز المصري]] وصاحباه – [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] و[[حسين ذو الفقار]] – ولعل القصد من وراء هذا العفو كان ترضية الضباط لما كان يتمتع به [[عزيز المصري]] من شعبة واسعة وسط ضباط الجيش ومع أن هذا الإجراء قد استقبلته الجماهير استقبالا طيبا إلا أنه افتقد إلى الشرعية حيث كانت إجراءات المحاكمة ما تزال مستمرة ولذا فقد كان هذا الإجراء موضع تساؤل داخل البرلمان وانبري [[مصطفى النحاس|النحاس]] مفندا أمر العفو العام بحجة أن المحاكمة التي طالت شهورا قبل أن تبدأ في صميم التهمة والتي كانت مسرحا لكثير من المناورات السياسية التيلبست ثوب القانون , وأن تلك المحاكمة قد شغلت الرأي العام أمدا طويلا وسياسة [[الوفد]] هي تهدئة المشاعر من هنا كان قرار العفو العام أما عن الاضطرابات التي وقعت في سلاح الطيران عقب [[فبراير]] فيؤكد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا عدم وجود أى نوع من العلاقة بينها وبين موضوع [[عزيز المصري]] وإنما أرجع هذه الاضطرابات إلى عوامل متصلة بالجاسوسية الألمانية وقت أن اشتد ضغط قوات المحور حتى وصلت إلى العلمين في [[يوليه]] [[1942]] . فلقد اعتقد هؤلاء أن المغيرين على الأبواب فأرادوا أن يثبتوا وجودهم فكان أن وقع حادث الضابط الطيار '''(''' 7 [[يوليه]] [[1942]] ''')''' وحادث زميله " الصول " الطيار '''(''' 8 [[يوليه]] [[1942]] ''')''' أى بعد وصول قوات المحور إلى العلمين بأسبوع واحد ويؤكد [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن لدي المحكمة من المعلومات ما يدل على أن الصول الذي هرب بطائرته كان يعمل لحساب المحور وقد عثر على طائرته ب[[مرسى مطروح]] .<br />
<br />
'''ووفق مضابط مجلس النواب فقد تقدم النائب [[عبد السلام الشاذلي]] بعدة استجوابات :'''<br />
<br />
'''أولا :''' موقف الحكومة من الاضطرابات التي وقعت داخل سرح الطيران .<br />
<br />
'''ثانيا :''' اضطهاد الحكومة لضابطين من أكفأ الضباط – فؤاد صادق – كامل الرحماني – وفصلهما ثم اعتقالهما بلا تحقيق بسبب ما أقدما عليه الضابطان من التقدم بشكوي إلى رئيس الحكومة . والغريب أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد دافع عن سياسة الحكومة تجاه الجيش مؤكدا حرص الحكومة على أن يظل الجيش فوق الخصومات السياسية ويشير [[مصطفى النحاس|النحاس]] من طرف خفي إلى وجود علاقة بين هذين الضابطين وبين القصر '''(''' وأن لم يعلن هذا صراحة''')''' .<br />
<br />
وإذا كان هناك من ينفي عن [[مصطفى النحاس|النحاس]] مسئوليته في 4 [[فبراير]] بحجة أنه لم يكن يعلم بنية الانجليز فإن الإجراءات التعسفية التي لحقت ببعض ضباط القوات المسلحة المصرية من جراء سياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] تعد خطأ لا يغتفر وفي الوقت الذي أقدمت عليه حكومة 4 [[فبراير]] من اعتقال كل من تحوم حوله الشبهات من ضباط الجيش فقد أصدر الحاكم العسكري العام عفوا من [[عزيز المصري]] وصاحباه – [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] و[[حسين ذو الفقار]] – ولعل القصد من وراء هذا العفو كان ترضية الضباط لما كان . <br />
<br />
ومما يدل على موقف [[الجيش المصري]] من أحداث 4 [[فبراير]] ما نشر في الأهرام '''(''' 7 [[فبراير]] [[1942]]''')''' '''وهو كما يلي :''' " لقد تأجلت الحفلة التي كانت ستقام اليوم في نادي ضباط الجيش بالزمالك لتوديع الجنرال ستون إلى موعد سيعين فيما بعد ولم تقم الحفلة ولعل فيما حدث في 4 [[فبراير]] كان من أهم العوامل التي دفعت حركة الضباط إلى التنسيق مع المخابرات الألمانية حيث أرسل الألمان أحد جواسيسهم إلى [[القاهرة]] ورأت لجنة [[الضباط الأحرار]] تكليف [[أنور السادات]] وحسين عزت بالاتصال بالجاسوس الألماني .<br />
<br />
ولعل الضباط قد راودتهم فكرة القيام بحركة عسكرية بهدف الانقضاض على القوات البريطانية العائدة من العلمين وخصوصا وأن الهزائم المتتالية التي أنت تلحقها قوات المحور بالحلفاء على الجبهة الغربية في هذا الوقت شجعت الضباط على التفكير فيما هو أبعد من ذلك وهو إسقاط حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] والمجئ ب[[علي ماهر]] رئيسا للحكومة .<br />
<br />
ويبدو أن الهزائم المتكررة لقوات الحلفاء قد فتحت باب الأمل أمام الضباط للقيام بحركتهم وخصوصا عندما سقط شطر كبير من الشرق الأقصى في أيدي اليابان وكان الموقف في الصحراء الغربية غاية في التدهور حيث أخذ روميل يتقدم في الأراضي المصرية وأخذت القيادة البريطانية تعد العدة للجلاء عن [[مصر]] وقامت بحرق أوراقها ووثائقها العسكرية وطلب السفير البريطاني من الحكومة المصرة الاستعداد لمغادرة البلاد في أى وقت .<br />
<br />
ومن المؤكد أن الضباط أرادوا أن يستغلوا تدهور الأوضاع العسكرية لصالح القضية الوطنية إلا أن [[عبد الناصر]] كان مترددا خشية أن يستبدل المحتل الألماني بالمحتل البريطاني ووفق التنسيق القائم بين الضباط و[[الإخوان المسلمين]] فقد ذهب [[أنور السادات]] إلى [[حسن البنا]] وأفضي إليه أن ساعة الصفر قد حانت وأن الضباط قد تدارسوا الموقف بالتنسيق مع الألمان إلا أن [[حسن البنا]] قد تردد في الأمر ثم قرر الانتظار لأن الحرب لم تحسم بعد.<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن ساعة الصفر كانت وقت دخول الألمان [[الإسكندرية]] وبما أن هذا لم يحدث فقد بدأ الضباط يتدارسون الموقف على ضوء التطورات الجديدة والتي بدأت تشير إلى تغيير الموقف العسكري لصالح الحلفاء '''وعلى ضوء كل ما ذكرنا يمكننا أن نستخلص بعض النتائج :'''<br />
<br />
'''أولا :''' أن [[حادث 4 فبراير]] قد أيقظ الشعور الوطني لدي الغالبية العظمي من الشعب المصري .<br />
<br />
'''ثانيا :'''<br />
أن حالة الغضب التي شملت الضباط لم تكن بسبب الإهانة التي لحقت بشخص الملك وإنما لأن الملك هو رمز الأمة وإهانته تعد إهانة ل[[مصر]] كلها . <br />
<br />
'''ثالثا :''' أن [[حادث 4 فبراير]] يعد البداية العملية لتنظيم [[الضباط الأحرار]] .<br />
<br />
'''رابعا :''' لقد حاول الضباط التعاون مع كل القوي المعادية لبريطانية سواء الداخلية منها أو الخارجية " ألمانيا " <br />
<br />
'''خامسا :'''<br />
لقد كان هذا الحادث نهاية الشعبية التي كان يتمتع بها [[الوفد]] داخل الجيش .<br />
<br />
===حركة [[الضباط الأحرار]]=== <br />
<br />
إن التاريخ لحركة [[الضباط الأحرار]] من المسائل التي تبدو في غاية الصعوبة نظرا لعدم توفر لوثائق الرسمية التي تمكن الباحث من الوصول إلى الحقيقة من أقصر الطرق ومما يزيد الأمر تعقيدا تضارب العديد من روايات المعاصرين بما فيهم أعضاء حركة [[الضباط الأحرار]] إلا أن هذا التضارب والاختلاف في الروايات لن يثنينا عن غايتنا إيمانا منا بأن القضايا كلما افترقت الآراء والمذاهب حولها كلما بدت مهمة الباحث أكثر أهمية وعلى ضوء هذا الاعتبار تبدو أهمية العودة إلى [[معاهدة 1936]] باعتبارها حدا فاصلا في تاريخ [[الجيش المصري]] حيث أتيحت الفرصة ولأول مرة أمام الطبقات المتوسطة والفقيرة للالتحاق بالكلية الحربية وشاءت الظروف أن ترسل مجموعة من الضباط بعد تخرجها سنة [[1938]] إلى معسكر منقباد" في صعيد [[مصر]] "<br />
<br />
ولعلها كانت فرصة ثمينة لكي يتحدثون ويتناقشون فيما بينهم حول اضطراب الحالة السياسية في منقباد وضعت اللبنة الأولي في تنظيم الضباط حيث تعاهدوا '''(''' [[جمال عبد الناصر]] و[[أنور السادات]] و[[زكريا محيي الدين]] ''')''' على العمل من أجل خلاص [[مصر]] من السيطرة البريطانية .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كانت فيه [[مصر]] تعج بالألوف الحاشدة من جنود بريطانيا ومستعمراتها من شتي الملل والألوان الوافدون من مختلف أنحاء الإمبراطورية تعرض [[الجيش المصري]] لأبشع الإهانات من الجنود السكارى الذين كانوا يرتكبون الفظائع كل يوم في شوارع [[القاهرة]] و[[الإسكندرية]] كان الضباط الشبان يشاهدون هذه المناظر الأليمة ويرون بأعينهم اعتداءات الجنود البريطانيين على الأهالي وهم يمادون يتمزقون من الغيظ والغضب ولم يكن هذا هو مصدر المهم الوحيد وإنما كانوا يعانون داخل الجيش منم السيطرة البريطانية ممثلة في البعثة العسكرية البريطانية وعلى الرغم من أن قيادة [[الجيش المصري]] كانت قد ت[[مصر]]ت عقب معاهد [[1936]] وتخلص الجيش من السردار الانجليزي إلا أن [[السياسة]] البريطانية لم تتخل عن قبضتها الحديدية على الجيش من خلال البعثة العسكرية التي كانت تعمل في الظاهر على تطوير الجيش وتحديثه بينما كان هدفها الحقيقي هو العمل على إضعاف هذا الجيش والحيلولة دون تقدمه فقد كان بقاء الجيش البريطانية في [[مصر]] رهنا بعدم مقدرة [[الجيش المصري]] على حماية [[قناة السويس]] .<br />
<br />
ولعل كل هذه المؤثرات قد دفعت الضباط الشبان كي يتجهوا إلى العمل السياسي بهدف تحرير [[مصر]] من الاحتلال كان هو الأساس الذي تركزت عليه أفكار الضباط الوطنيين بعد أن تأكد لهم عمليا أن [[معاهدة 1936]] لن تؤد إلى الاستقلال الحقيقي . <br />
<br />
وإذا كانت الأسس التي تجمع من حولها الضباط كانت كفيلة بتعميق المفهوم القومي والوطني لديهم انطلاقا لتنظيم أنفسهم إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن اللقاءات والمناقشات التي دارت في منقب تعد البداية العملية للحركة وإنما على ما نعتقد كانت " اللبنة" الأولي في وضع الأساس لأنه من البديهات أن كل الأعمال العظيمة تبدأ بفكرة وهكذا كان تواجد بعض الضباط الشبان في منقباد هو بداية الفكرة وانطلاقا من الفكرة التي وضعت تحت سفح جبل الشريف في منقباد كان على الأعضاء أن ينتشروا بأفكارهم ليس فقط داخل القوات المسلحة وإنما محاولة التنسيق مع القوي الدينية والسياسية خارج القوات المسلحة.<br />
<br />
وحينما طلب [[عبد الناصر]] نقله إلى [[السودان]] بالكتيبة الثالثة مشاة كان يريد دراسة أحوال [[السودان]] الذي يحكمه حاكم انجليزي يمثل الحكم الثنائي '''(''' الانجليزي المصري ''')''' بالإضافة إلى العمل على نشر أفكار الجماعة واجتذاب بعض الضباط الناقمين على الاحتلال .<br />
<br />
وفي [[السودان]] قضي [[جمال عبد الناصر]] ثلاث سنوات عاد بعدها إلى [[مصر]] ليواصل نشاطه وسرعان ما أخذت حركة الضباط تتسع داخل الجيش وتضم إلى صفوفها العناصر المخلصة الساخطة على الأوضاع السياسية الفاسدة وعلى قيادة الجيش المتعاونة مع قوات الاحتلال .<br />
<br />
ونحن بصدد الحديث عن بداية حركة الضباط يجدر عدم إغفال ذكر [[عزيز المصري]] حيث كان تعيينه في منصب رئيس أركان حرب الجيش حافزا قويا لدي الضباط الشبان كي يضاعفوا من نشاطهم بالرغم من عدم وجود علاقة بينه وبين التنظيم إلا أن أحاديثه مع الضباط والمرارة الشديدة التي كان يكنها للمحتل ونصائحه المتكررة باعتماد الضباط على أنفسهم وضرورة مواكبتهم للعلوم العسكرية المعاصرة كل هذه المعاني كانت حافزا قويا أمام الضباط. <br />
<br />
وعلى الرغم من أن الأستاذ [[فتحي رضوان]] '''(''' بحكم صلته الوثيقة ب[[عزيز المصري]] ''')''' ينفير قيام علاقة رسمية بين تنظيم الضباط و[[عزيز المصري]] إلا أنه يؤكد أن دوره كان دور الملهم قد كانت أحاديثه مع الضباط عما فعله في [[تركيا]] وفي تبنية للحركة العربية ودعوته الدائمة للمزيد من الثقافة والمعرفة كل هذه المعاني دفعت الشباب إلى الإقدام على الأعمال الوطنية حيث قوي فيهم روح المغامرة فقد كان يحظي بحب الضباط وكانوا يعتبرونه رمزا للوطنية وهو من هذه الناحية يعد صاحب البذرة الأولي في الثورة فقد كان دائم الحديث معهم عن المهانة التي يلحقها الاحتلال بالوطن وكان ينزع الخوف من قلوبهم .<br />
<br />
وكما تعلق الضباط الشبان ب[[عزيز المصري]] وهو على رأس الجيش بحماسته ووطنيته كان أبعاده عن الجيش سنة [[1940]] عن طر يق الانجليز سببا في أن يزداد ارتباط الضباط بشخصه وتعلقهم بأفكار وسرعان ما أخذوا يسعون إليه فرادي وجماعات يستمعون إليه وهو يحدثهم عن أنفسهم باعتبارهم الوسيلة الوحيدة لخلاص [[مصر]] .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن هذا التنظيم بقي حتى سنة [[1942]] مفتقدا إلى الهيكل التنظيمي وكل ما حدث أن جماعة من الضباط تجمعهم الصداقة تارة والزمالة في الدراسة تارة أخري ويربط الجميع شعور واحد هو كراهية الانجليز لذلك فقد اتسمت خططهم بالحماسة بعيدا عن الموضوعية ومن هنا كان رأي [[جمال عبد الناصر]] بأن العمل على قيام جهاز قوي لقيادة هذا التنظيم هو بداية الشرارة التي من الممكن أن تنطلق في أى وقت .<br />
<br />
ووفقا لمعظم الروايات فإن فكرة التنظيم قد بدأت في منقباد سنة [[1937]] بما في ذلك رواية [[أنور السادات]] والتي ضمنها كتابة – أسرار الثورة المصرية '''حيث يقول :''' تبدأ القصة بمجموعة من الملازمين الشبان اجتمعوا للخدمة معا في منقباد – وأخذت تلك المجموعة تلتف حول شاب من بينهم يمثل الشخصية الصعيدية وكان هذا الشاب هو [[جمال عبد الناصر]] الذي استحوذ بخصاله واتزانه على إعجاب واحترام زملائه وأضحي بمثابة الرائد لهذه المجموعة حيث رسم لأفرادها رسالتهم الكبرى في مقاومة الانجليز .<br />
<br />
ويبدو من حديث [[السادات]] أن هناك تنظيما قائما ولعل هذا واضحا من خلال لقاءات [[أنور السادات]] بالشيخ [[حسن البنا]] والفريق [[عزيز المصري]] حيث كان لقاؤه بهما سنة [[1940]] بصفته مندوبا عن تشكيل الضباط '''حيث يتحدث عن [[عزيز المصري]] قائلا :''' لقد كان على أن أرجع إلى التشكيل قبل المقابلة وكان على أن أعود إليهم بعد المقابلة , فلابد من الحذر لأن أى شك يحوم حولي قد يذهب بالتشكيل كله .<br />
<br />
ووفق رواية [[أنور السادات]] أيضا وهو يتحدث عن لقائه ب[[حسن البنا]] " أنني لا أعمل وحدي بل أن هناك تشكيلا معينا موجودا وأن البلاد لن تتخلص من الاستعمار إلا بانقلاب عسكري يقوم به رجال الجيش .<br />
<br />
وهذا مما يضاعف من اعتقادنا بأن التشكيل كان قائما بالفعل وأن الاتصالات التي يقوم بها [[أنور السادات]] كانت بتكليف من [[الضباط الأحرار]] .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن التنظيم سنة [[1942]] كن قد وصل إلى درجة متقدمة من التخطيط والتنظيم لأن ردود الفعل التي أحدثها حصار الدبابات في 4 [[فبراير]] [[1942]] تؤكد هذا الاعتقاد سواء فيما قرره الأعضاء من إعلان ثورة عسكرية بهدف إبادة القوات البريطانية لعائدة من العملية أو مما اقترحه بعض الأعضاء من اغتيال كل الذين اشتركوا في مأساة 4 [[فبراير]] [[1942]] أو في محاولة التنسيق مع بعض القوي الأخرى مثل [[الإخوان المسلمين]] أو بعض اليساريين .<br />
<br />
'''وعلى ضوء العديد من الروايات التي ذكرناها تبدو عدة أمور أشبه بالحقائق :'''<br />
<br />
'''أولا :''' أن فكرة تنظيم [[الضباط الأحرار]] ترجع إلى سنة [[1938]] حيث تجمع الضباط الشبان في معسكر منقباد .<br />
<br />
'''ثانيا :''' لعل الفترة من سنة [[1938]] وحتى سنة [[1942]] تعد فترة إعداد وترتيب ولم ترق بالتنظيم إلى شكله النهائي .<br />
<br />
'''ثالثا :''' أن أحداث 4 [[فبراير]] وما صاحبها من ردود فعل عنيفة داخل الجيش تعد بمثابة المرحلة الثانية من التنظيم ولعلها مرحلة الإعداد وقيام التنظيم ببناء العديد من الخلايا داخل الجيش وخارجه .<br />
<br />
وأعتقد أن ما حدث في 4 [[فبراير]] كان بداية الخطوات العملية حيث أقسم الضباط على الثأر من الانجليز وليس من المعقول أن يقدموا على عمل خطير كهذا سواء بالثورة ضد الانجليز أو اغتيال كل من شارك في 4 [[فبراير]] إلا إذا وضعت الأسس الكفيلة ببناء هذا التنظيم باء جيدا أو بمعني آخر الوصول بالتنظيم إلى مرحلته العملية وبصدد الحديث من [[الضباط الأحرار]] لابد من تناول كل الدراسات التي أعدت سواء ممن شاركوا في الأحداث أو من عاصروها على حد سواء إلا أن الأمر يزداد غرابة تبدوا الأمور أكثر تعقيدا حينما يناقض [[أنور السادات]] نفسه ففي كتابه " [[البحث عن الذات]] سنة [[1978]] " تجده يضرب عرض الحائط بكل ما ذكره في كتابة" أسرار الثورة المصرية هذا عمك جمال يا ولدي " حيث يتحدث عن تنظيم مغاير تماما للتنظيم الذي تحدث عنه من قبل فيقول لقد أنشأت سنة [[1939]] أول تنظيم سري من الضباط وكان من بين أعضائه [[عبد المنعم عبد الرؤوف]] و[[عبد اللطيف البغدادي]] و[[حسن إبراهيم]] و[[خالد محيي الدين]] و[[أحمد مسعودي]] و[[حسن عزت]] والمشير [[أحمد إسماعيل]] ونظرا لاعتقال [[أنور السادات]] '''(''' [[أغسطس]] [[1942]] ''')''' فقد تسلم [[جمال عبد الناصر]] قياده هذا التنظيم في أوائل سنة [[1942]] عقب عودته من [[السودان]] ولم يترك [[السادات]] أية فرصة كي يتجه بنا الظن إلى أن التنظيم الذي يعنيه كان تنظيما أخر خلاف [[الضباط الأحرار]] '''ولعل هذه المعلومات الجديدة والتي تضمنها كتاب [[البحث عن الذات]] تكشف لنا عن أمرين هامين :'''<br />
<br />
'''أولهم :''' أن المؤسس الحقيقي لتنظيم [[الضباط الأحرار]] هو [[أنور السادات]] وليس [[جمال عبد الناصر]] .<br />
<br />
'''ثانيهما :''' أن بداية التنظيم ترجع إلى سنة [[1939]] وليس إلى سنة [[1938]] كما ذكر معظم [[الضباط الأحرار]] .<br />
<br />
ونظرا لأهمية تلك الرواية وخطورتها فلابد من تحقيقها ودراستها دراسة موضوعية نظرا لما يترتب عليها من نتائج بالغة الخطورة وعلى ضوء ما ذكره الضباط الطيارين والذين ذكر [[السادات]] أسماءهم ضمن تنظيمه أنهم جميعا أنكروا انضمامهم في هذه الأونة إلى أى تنظيم خلاف تنظيم الطيران .<br />
<br />
فإذا كان [[السادات]] يعمل ضابطا في سلاح الإشارة فمن البديهي أن يتجه تفكيره إلى زملاء السلاح الواحد بدلا من الاتجاه إلى الطيران هذه واحدة أما الثانية فلقد ذكر [[السادات]] أن من بين الذين قام عليهم التنظيم هو الضابط [[خالد محيي الدين]] فإذا تغاضينا عن حقيقة صارخة وهي أنه عندما ذكر [[السادات]] اسمه ضمن تنظيم سنة [[1939]] لم يكن قد تخرج بعد من الكلية الحربية فكيف نتغاضي عما ذكره [[خالد محيي الدين]] نفسه من أن أول صلة له بأحداث [[السياسة]] كانت في صيف سنة [[1942]] عندما عين حارسا على الطيار [[حسن عزت]] بعد اعتقاله مع [[السادات]] في ميس سلاح الفرسان في قضية الجاسوسيين الألمانيين في [[أغسطس]] [[1942]] وأن [[حسن عزت]] هو أول من وجه اهتمامه إلى [[السياسة]] .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[أنور السادات]] قد صدق نفسه ومضي في ذكر العديد من المغالطات التاريخية والتي تتناقض ومذكرات أعضاء [[الضباط الأحرار]] سواء منها ما نشر في عهد [[عبد الناصر]] أو بعد وفاته حيث حرص [[السادات]] على أن يؤكد في كتابه " [[البحث عن الذات]] أن عودة [[عبد الناصر]] من [[السودان]] كانت في [[ديسمبر]] سنة [[1942]] وربما لو ذكر [[السادات]] التاريخ الحقيقي لعودة [[عبد الناصر]] من [[السودان]] وهو [[نوفمبر]] [[1941]] لانتابت الناس الدهشة ولتساءلوا ؟ كيف لم تتم أية لقاءات بين [[عبد الناصر]] وزميله [[السادات]] في [[القاهرة]] عقب عودة الأول من [[السودان]] طوال المدة التي أمضاها في [[مصر]] قبل اعتقال [[السادات]] – من [[نوفمبر]] [[1941]] وفي [[أغسطس]] [[1942]] – والسؤال الذي يعرض لماذا لم يدعو [[السادات]] زميله وصديقه [[عبد الناصر]] قد خدم مع [[السادات]] عقب عودة الأول من [[السودان]] حيث امضيا معا ما يقرب من تسعة أشهر من [[نوفمبر]] [[1941]] وحتى [[أغسطس]] [[1942]]منها ستة أشهر قضاها [[عبد الناصر]] بالكتيبة الثالثة مشاة بمنشية البكري ب[[القاهرة]] وكان [[السادات]] باعترافه يخدم في نفس الفترة كضابط إشارة بمنطقة الجبل الأصفر في [[القاهرة]] .<br />
<br />
وعلى ما اعتقد فلو أن [[السادات]] قد ذكر التاريخ الحقيقي لعودة [[عبد الناصر]] من [[السودان]] '''(''' [[نوفمبر]] [[1941]] ''')''' لما استقامت القصة ولتساءل الناس اين كان [[عبد الناصر]] طوال الفترة إلا أن اعتقال [[السادات]] في [[أغسطس]] [[1942]] وعودة [[عبد الناصر]] من [[السودان]] في [[ديسمبر]] [[1942]] وفقا لرواية [[السادات]] يتمشي مع ما نسجه عليه الخيال من قيادة الحركة الوطنية داخل الجيش والمسألة من وجهة نظره تستلزم تغييرا بسيطا في التاريخ ليصبح تاريخ عودة [[عبد الناصر]] من [[السودان]] [[ديسمبر]] [[1942]] بدلا من [[نوفمبر]] [[1941]] وهكذا استقام الأمر ليصبح التسلسل منطقيا ومقبولا إلا أنه يعد منطقيا من وجهة نظرة فقط لأن الحقائق التاريخية تبقي ناصعة وأما الزبد فيذهب جفاء .<br />
<br />
ولعل [[أنور السادات]] قد تناسي أنه قد ذكر في احدي كتبه والتي نشرها في عهد [[عبد الناصر]] أن عودة الأخير من [[السودان]] كانت في [[نوفمبر]] سنة [[1941]] وفي [[مارس]] [[1942]] انضم إلى الكتيبة الثالثة مشاة وفي [[نوفمبر]] سنة [[1942]] اختير مدرسا في الكلية الحربية وهي الفترة التي قام فيها التنظيم بعمليات البناء العملي بعد ما تأكد للضابط أن الأحزاب السياسية قد اهترأت وعجزت عن تمثيل الشعب المصري تمثيلا حقيقيا .<br />
<br />
وعلى ضوء العديد من الروايات فإن التنظيم الذي أقيم سنة [[1939]] داخل سلاح الطيران والذي أشار إليه [[السادات]] كان شعبة من ضمن عشرات الشعب التي أنشئت داخل الجيش إلا أن شهرة تنظيم الطيران ترجع إلى بعض الأعمال الانتحارية التي أقدم عليها الطيارين ولعل أهمها ما تفق عليه الأعضاء من جمع المعلومات والصور عن نشاط قوات الحلفاء في [[مصر]] وإرسالها إلى القيادة العسكرية الألمانية في [[مرسى مطروح]] حيث استقل أحد أفراد اللجنة وهو الضابط أحمد مسعود أبو على طائرة مقاتلة من النوع البريطاني ومعه حقيبة بها كل ما أمكن جمعه من معلومات واتجه بها نحو منطقة [[مرسى مطروح]] '''(''' الاثنين 29 [[يونيو]] [[1942]] ''')''' والغالب أن طائرته قد أسقطت بواسطة الدفاع الجوي الألماني لأن نفس النوع من الطائرات كانت تستخدمه القوات البريطانية .<br />
<br />
ويضف أحد أعضاء التنظيم قائلا : لقد كلف أحد الطيارين المضربين بالبحث عن الطائرة التي استقلها مسعودي ولكن بدلا من أن يعود هذا الزميل فقد توجه هو الآخر بطائرته نحو [[مرسى مطروح]] تاركا تشكيله ويبدو أن هذا التصرف قد كشف للمسئولين في البعثة العسكرية البريطانية الغرض من عملية سعودي وأجروا تحقيقا ولكنهم لم يوصلوا إلى شئ يكشف أمر التنظيم إلا أن عدد من أفراد سلاح الطيران قد أبعدوا عن الجيش أثر هذا الحادث .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى العلاقة بين حركة الاضطراب في الجيش حالة من الغليان الشديد في صفوف الضباط '''وتؤكد نفس الوثيقة وفقا لمصادر السفارة الأمريكية أن هناك خططا محكمة ومتقنة لنشاطات تدميرية على النحو التالي :'''<br />
<br />
'''أولا :''' نشر دعايات مضادة للإنجليز ومؤيدة للألمان للتقليل من حجم التعاون الممكن مع [[الجيش المصري]] .<br />
<br />
'''ثانيا :''' القيام بعمليات تخريب لوسائل الاتصال والمنشئات الحيوية الأخرى في وقت متزامن مع هجوم ألماني ناجح صوب [[الإسكندرية]] .<br />
<br />
'''ثالثا :'''<br />
جمع ونقل المعلومات للأعداء .<br />
<br />
ووفق مضابط مجلس النواب فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد أشار من طرف خفي إلى أن القصر وراء تلك الاضطرابات التي تحدث سواء في سلاح الطيران أو في غيره من الأسلحة الأخرى هذا ما يؤكد العلاقة بين ما حدث في 4 [[فبراير]] وحركة [[الضباط الأحرار]] ومن الملاحظ أن موقف الضباط في ذلك الوقت لم يكن يحمل أى نوايا عدوانية تجاه فاروق والذي كان يحظي بشعبية جارفة وسط صفوف الضباط ولم يكن التفكير في خلعه من بين المسائل التي كانت موضع تفكير لدي قوة سياسية أو عسكرية .<br />
<br />
وإذا كانت حركة الضباط قد استمدت قوتها من أحداث 4 [[فبراير]] وما صاحب ذلك من رضاء فاروق على تلك الحركة إلا أن هذا لا يعني أن الحركة كانت تعمل في إطار مخططات القصر بدليل أنها قد غيرت من إستراتيجيتها عقب الحرب ووضعت في اعتبارها التخلص من فاروق والاحتلال معا ولو كان فاروق على علم بسياستها لأمكنه التخلص منها ووأدها في الوقت المناسب وهذا يدفعنا إلى الإشارة إلى ط التنظيم الحديدي" والذي نشأ في إطار القصر بهدف محدد وواضح وهو اغتيال كل من ساهم في 4 [[فبراير]] وهذا التنظيم يختلف تماما عن تنظيم [[الضباط الأحرار]] على الغرم من أن بعض [[الضباط الأحرار]] كانوا يعملون ضمن هذا التنظيم اعتقادا منهم بأن لهدف واحد وهو التخلص من الانجليز و[[الوفد]] معا .<br />
<br />
ولعل هذا مما دفع السفير الأمريكي إلى أن يبعث إلى حكومته '''قائلا :''' أن [[الملك فاروق]] يلعب لعبة خطرة ترتكز على ما يسمي '''(''' بالحرس الحديدي ''')''' المكون من بعض ضباط الجيش والحرس الخاص للملك فاروق وأن المخابرات البريطانية على بينة من أمر هذا التنظيم الذي قد يترتب عليه أبعاد فاروق عن [[مصر]] نهائيا .<br />
<br />
وإذا كان تنظيم [[الضباط الأحرار]] لم يكن يحمل أى نوايا عدوانية إلى فاروق حيث اقتصر تفكير الضباط خلال [[الحرب العالمية الثانية]] على الانتقام من الاحتلال البريطاني باعتباره حجر الزاوية في حركة الاستقلال الوطني. إلا أن تصرفات [[الملك فاروق]] فيما بعد وانغماسه في الملذات وانصرافه تماما عن مصالح الشعب وقضاياه العامة ثم ما أعقب ذلك من [[حرب فلسطين]] والتي استهلكت قدرا كبيرا من نشاط [[الضباط الأحرار]] حيث تأكد لهم من خلالها أنه لا فريق بين المحتل البريطاني و[[الملك فاروق]] فكلاهما عدو حقيقي للشعب المصري .<br />
<br />
'''وقبل أن نخلص من تلك الدراسة فإننا ننوه إلى عدة أمور هامة :'''<br />
<br />
'''أولا :''' أن التاريخ للضباط الأحرار من بين الموضوعات التي تعرضت لحركة تزييف ومزايدة لأن العديد من الكتابات التي تناولت هذا الموضوع لم يتجرد أصحابها من عامل الرغبة أو الرهبة في محاولة لإظهار بطولات شخصية على حساب الحقائق التاريخية اعتمادا على عدم الإفراج عن الوثائق الرسمية ل[[ثورة 23 يوليو]] ولذا فإننا نعتقد أن الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع لم تذكر بعد.<br />
<br />
'''ثانيا :''' أن حركة [[الضباط الأحرار]] قد بدأت بفكرة راودت بعض الضباط الشبان في منقباد سنة [[1938]] حيث وضعت اللبنة الأولي في قيام هذا التنظيم وأن ما ذكر من قيام تنظيمات أخري سواء في سلاح الطيران أو في غيره من الأسلحة كانت في إطار هذا التنظيم .<br />
<br />
'''ثالثا :''' أن المرحلة الثانية من حركة الضباط قد بدأت عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] حيث عاد [[عبد الناصر]] إلى [[القاهرة]] ضمن الكتيبة الثالثة مشاة ولذا فإن هذه الفترة تعد البداية العملية للتنظيم حيث بدأ ينتشر داخل وحدات القوات المسلحة المصرية .<br />
<br />
'''رابعا :''' أن المرحلة الثالثة '''(''' وهي لا تدخل ضمن دراستنا ''')''' تبدأ من [[حرب فلسطين]] حيث تأكد للضباط أن الإصلاح لابد وأن يكون شاملا وجامعا بهدف الإطاحة بكل الذين يعملون ضد [[مصر]] بما فيهم [[الملك فاروق]] نفسه.<br />
<br />
==الفصل السادس : سياسة القصر عقب [[حادث 4 فبراير]]==<br />
<br />
===مسئولية القصر عن تفاقم الصراع بين [[مكرم عبيد]] و[[مصطفى النحاس|النحاس]]===<br />
<br />
لم تكن القوي المناوئة للوفد بغافلة عن الظروف الصعبة التي أحاطت بأحداث 4 [[فبراير]] ردود الفعل التي واكبت تلك الأحداث ومن هنا تعددت المؤامرات بهدف النيل من [[الوفد]] ولعل أخطر وأقسي هذه المؤامرات هي تلك التي توجت بانقسام [[مكرم عبيد]] باشا عن [[الوفد]] وما تلي ذلك من حملة تشهير واسعة انتهت بتجميع المئات من التهم باستغلال النفوذ والمحسوبية والفساد ضد قيادات [[الوفد]] وضد الدوائر المقربة من [[مصطفى النحاس|النحاس]] وزوجته وكان لابد لهذه الحملة من أن تترك أثرها على جماهيرية زعيم اكتسب أكبر قدر من زعامته الطاغية بسبب بساطته وترفعه عن الكسب الشخصي.<br />
<br />
وكان من الصعب على دوائر القصر أن تتلقي هزائم 4 [[فبراير]] دون أن تفكر في الانتقام من [[الوفد]] ومن زعميه [[مصطفى النحاس]] واختار القصر ميدانا جديدا للنيل من [[الوفد]] وهو الوقيعة بين القطبين الكبيرين في [[الوفد]] وهما [[مصطفى النحاس]] و[[مكرم عبيد]] .<br />
<br />
وبينما كانت البلاد ترقب بكل اهتمام تطورات الحرب على حدودها الغربية وتتوقع ما قد تسفر عنه من حوادث جسام كانت الوزارة تعاني في داخلها بوادر انقسامات خطيرة بدأت تظهر آثارها في النصف الثاني من شهر [[مايو]] سنة [[1942]] فلقد اعتقدت الجماهير أن [[مكرم عبيد]] '''(''' سكرتير [[الوفد]] ووزير المالية ''')''' هو محرك [[الوفد]] ومركز نشاطه وحركته الدائمة والقوة الدافعة في الانتخابات وفي غير الانتخابات من مظاهر الناشط الشعبي بل وزاد الاعتقاد أنه هو الذي يحرك [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا في نشاطه السياسي إلى اليمين وإلى اليسار بحكم اتصاله بعدد كبير من [[السياسة]] الانجليز وبحكم دراسته في أكسفورد وأسفاره الكثيرة إلى انجلترا وعلاقته الوطيدة برجال حزب العمال وعلي رأسهم رامزي ماكدونالد '''(''' رئيس حزب العمال ''')''' وقد كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يضاعف اعتقاد الجماهير في [[مكرم عبيد]] وقوته بما سبغه عليه من أوصاف وما يظهره من ثقته به ثقة لا حد لها وكان مكرم هو همزة الوصل بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] والسفارة البريطانية مساء 4 [[فبراير]] وهو الذي أشرف على صيغة الخطابين الذين تبودلا بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] والسفير البريطاني لتأليف الوزارة .<br />
<br />
'''ووفق العديد من الروايات التي أدلي بها عدد كبير من المعاصر فإننا نستطيع أن نجمل أسباب الخلاف بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] و[[مكرم عبيد]] فيما يأتي :- '''<br />
<br />
'''أولا : '''- تلك الغيرة التي دبت بين [[مكرم عبيد]] وبين السيدة [[زينب الوكيل]] حرم [[مصطفى النحاس|النحاس]] ويقول السفير البريطاني " أن زوجة رئيس [[الوفد]] قد سعت ما وسعها الجهد إلى استقلال زوجها عن الجل الذي استمر لسنوات طويلة مستشاره الرئيسي والرئيس الحقيقي ل[[حزب الوفد]] وتعترف [[زينب الوكيل]] أنها سعت إلى استقلال زوجها عن الرجل الذي كان سببا في كل الانشقاقات التي أصابت [[الوفد]] وانها أقدمت على ذلك حرصا منها على مصلحة [[الوفد]] في المرتبة الأولي .<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا كان مجالا للصراع بين السيدة [[زينب الوكيل]] وبين [[مكرم عبيد]] حيث أن الأولي بدأت تمارس على زوجها نوعا من السيطرة فاصطدمت بذلك مع [[مكرم عبيد]] الذي كان يعمل هو الآخر على السيطرة على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أو كان يسيطر بالفعل عليه ولذا فقد اعتقد البعض بأن هذا النزاع يعد صراعا بين قوتين تحاول كل منهما السيطرة على شخصية أخري ومن هنا فقد كان انتصار [[زينب الوكيل]] باعتبارها زوجة وعلى قدر كبير من الجمال وأقرب إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] من [[مكرم عبيد]]. وأعتقد أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] وقد تخطي الستين من عمره وأمام زوجة ما تزال في عقدها الثالث وعلى قدر كبير من الجمال والذكاء لذا فقد تنازل عن أشياء كثيرة تتعارض مع مصلحة [[الوفد]] وتتفق مع مطامع الزوجة الشابة الذكية والتي اهتمت أولا وقبل كل شئ بأذونات التصدير والاستيراد وجمع الأموال عن طريق ما يسمي " بجمعيات البر " بل وقد وصل الأمر بتلك الزوجة أن يكون لها النفوذ الأكبر في تصريف الأمور إلى الحد الذي يجعلها تقترح أسماء وزراء بل وتعين هؤلاء الوزراء .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد بدأت منذ وزارة 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] ظهور نجم جديد في ساحة [[السياسة]] المصرية لم يكن له نشاط سياسي من قبل إلا أن نجوميته قد تألقت بسرعة استرعت انتباه الجميع ذلك هو [[فؤاد سراج الدين|محمد فؤاد سراج الدين]] حيث عين وزيرا للزراعة في تلك الوزارة وهو لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره ثم عين وزيرا للداخلية والشئون الاجتماعية ثم سكرتيرا عاما للوفد عقب خروج [[مكرم عبيد]] ولا شك أن ظهور [[فؤاد سراج الدين]] والثقة الكبيرة التي كان يحظي بها من [[مصطفى النحاس]] وزوجته [[زينب الوكيل]] لا شك أن هذا العامل قد أضاف عنصرا جديدا وهاما ضاعف من حدة الصراع بالرغم من تنصل [[فؤاد سراج الدين]] من كونه قد شارك بأى جهد لإساءة العلاقات بين الرجلين إلا أن الخوف قد بدأ يتسرب إلى قلب [[مكرم عبيد]] من هذا النجم الجديد الذي اخذ يستطع في سماء [[الوفد]] .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد عمل فاروق و[[أحمد حسنين]] رئيس الديوان على توسيع شقة الخلاف بين عناصر [[الوفد]] وذلك باستخدام وسيلة رخيصة وهي أغراء مكرم على أنه سيكون زعيم الأمة ورئيس الوزراء المقبل وأنه يستطيع أن يرث [[مصطفى النحاس|النحاس]] الذي فقد قدرا كبيرا من شعبيته بعد 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] وفق رأي [[مصطفى النحاس|النحاس]] فإن كل الخلافات التي كانت بينه وبين مكرم كان من الممكن احتواؤها لولا [[أحمد حسنين]] والذي عمل بمهارة على تنمية تلك الخلافات وتفاقمها لصالح القصر.<br />
<br />
ومن المؤكد أن القصر باختياره هذا المجال لكي يكون ميدانا للصراع يعد ذكاء من [[أحمد حسنين]] والذي لعب دورا ماكرا في استغلال هذا الحادث بهدف النيل من [[الوفد]] لا حبا في [[مكرم عبيد]] ولا حرصا على مصلحة البلاد وإنما إرضاء لشهوات القصر وانتقاما من [[مصطفى النحاس]] حيث أقسم [[أحمد حسنين]] عقب 4 [[فبراير]] أن يرد له الصاع صاعين وهكذا واتته الفرصة وتمكن من النيل من [[الوفد]] وشعبيته حيث أخذ يعمل على توسيع شقة الخلاف بين رئيس الوزراء ووزير المالية فرتب مقابلة ل[[مكرم عبيد]] باشا مع الملك خرج بعدها ليقول لمندوب الأهرام أنه لقي من [[الملك فاروق]] " إرشادا نافعا واطلاعا واسعا ونظرة دقيقة وعميقة إلى جوهر المسائل المعروضة رغم تباينها وبعد نواحيها " '''إلى أن قال : ''' " ولم البث طويلا حتى أدركت أن ملكنا الشاب قد ملك زمام الأمور فصل ما أوتي من رجولة وخبرة منوعة قلما أتيحت لملم من الملوك "<br />
<br />
وهذا الوصف الذي سجله [[مكرم عبيد]] يختلف تمام الاختلاف عن الصورة التي رسمها [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومكرم عن الملك للسفير البريطاني منذ سنة [[1937]] وعندما تحرج الموقف في [[فبراير]] سنة [[1942]] .<br />
<br />
ويقدم [[محمد التابعي]] شهادته في هذا الصدد وهو واحد ممن اتصلوا ب[[أحمد حسنين]] '''فيقول : ''' " لم يكن [[أحمد حسنين]] سبب الخلاف بين رئيس [[الوفد]] وسكرتير [[الوفد]] ولكنه كان أحد الذين عملوا بمهارة على توسيع شقة الخلاف .<br />
<br />
ومع اعتقادنا بأن شخصية [[زينب الوكيل]] وظهور نجم سراج الدين كانا من الأسباب التي أدت إلى القطيعة بين مكرم و[[مصطفى النحاس|النحاس]] إلا أن هذين العاملين كان من الممكن التغلب عليها لولا أن القصر قد لعب الدور الهام .<br />
<br />
والأساسي وخصوصا وأن الموضوعات التي طرحها [[مكرم عبيد]] والتي أراد أن يتخذها سلاحا للتشهير ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] وأقاربه سواء في مسألة الاستثناءات أو في أذونات التصدير والاستيراد كل هذه العوامل لم تكن جديدة سواء في سياسة أو في سياسة غيره من الأحزاب وأن كل الأحزاب المصرية كانت تلجأ إلى هذه الوسيلة لتدعيم أنصارها هذه [[السياسة]] لم يسبق ل[[مكرم عبيد]] أن اعترض عليها .<br />
<br />
وهنا يبدو السبب الثالث والهام وهو دور القصر وخصوصا [[أحمد حسنين]] والذي أحس بمرارة 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] ولذا فقد رسم سياسته على استخدام [[مكرم عبيد]] بمهارة فائقة حتى يقوض [[حزب الوفد]] من الداخل من ثم يمكنه الاجهاز على [[مصطفى النحاس|النحاس]] في الوقت المناسب وأعتقد أن هذا هو العامل الحقيقي وراء القطيعة بين الرجلين ومما يؤكد وجهة نظرنا تلك أن مقابلة [[مكرم عبيد]] للملك فاروق كانت في12 [[مارس]] [[1942]] ولم يمض على أحداث 4 [[فبراير]] أكثر من شهر .. وحتى يبدو هذا الحكم أكثر موضوعية فلابد من تتبع مراحل الصراع بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومكرم والترقب الذي كان باديا على القصر حتى تمكن من الانقضاض في الوقت المناسب وعلى ضوء شهادة [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان ''')''' والذي صرح قائلا رغبة مني في تصفية الجو بين الملك والوزارة سعيت عن<br />
الملك حتى وافق على مقابلة [[مكرم عبيد]] و[[أمين عثمان]] .. ولأننا الداخلية والمالية .. وأن [[أمين عثمان]] هو زراعه اليسري ومستشاره في الشئون الخارجية فكان من المرغوب فيه والحالة هذه أن نوثق علاقتنا بهذين الزراعين أو بالرجلين المقربين إلى رئيس الحكومة هكذا طلبت من [[مكرم عبيد]] أن يلتمس مقابلة الملك لسبب ما , واقترح مكرم أن أعداد أوراق النقد الجديد تقتضي أن يعرض الرسم الجديد على جلالة الملك قبل البدء في طبعه وتمت المقابلة واستطاع مكرم أن يحظي بعطف الملك .<br />
<br />
إذن فإن [[أحمد حسنين]] السياسي الداهية يزعم أنه سعي لدي فاروق حتى أقنعه بالموافقة على مقابلة [[مكرم عبيد]] رغبة منه في تصفية الجو وتحسين العلاقات بين [[الوفد]] وفاروق وهذا ما قاله أو زعمه [[أحمد حسين]] .<br />
<br />
ولعل غرض حسنين كان أبعد ما يكون عن الصفاء والوئام حيث كان الهدف الأول لرئيس الديوان أن يوقع بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومكرم من جانب وبين [[أمين عثمان]] و[[مصطفى النحاس|النحاس]] من جانب آخر أو بعبارة أخري أن ينتزع من رئيس [[الوفد]] زراعية الاثنين اللذين يستند إليهما في إدارة شئون البلاد الداخلية والخارجية .<br />
<br />
وياله من انتصار يمحو عار هزيمة 4 [[فبراير]] يوم أن ينجح حسنين في ضم مكرم و[[أمين عثمان]] إلى معسكر القصر ولعل هذا هو الغرض الحقيقي من هذه الخطوة والتي جمع فيها بين فاروق و[[مكرم عبيد]] ولو كان [[أحمد حسنين]] صادقا في نيته لعمل على أن يكون هذا اللقاء مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه باعتباره رئيس الحزب ورئيس الحكومة وبالفعل صدق قول [[مصطفى النحاس]] حيث أعلن عند سماعه بنبأ هذا اللقاء " أن الغرض من هذا اللقاء هو التفرقة بين [[مصطفى النحاس]] و[[مكرم عبيد]]"<br />
<br />
وكان هذا هو الفصل الأول حيث مضت الحوادث بعد ذلك سريعة متعاقبة فلقد خرج مكرم من مقابلة فاروق مغتبطا مسرورا وأملي تصريحا على الصحف يحمل كثيرا من كلمات الثناء على الملك وعلى حد قوله :" لقد أتيح لى أن أعرف الرجل الملك فكان الرجل في رجولته لا يقل جلالة عن الملك في مملكته ومما يضاعف من اعتقادنا بأن ما حدث كان مؤامرة نصبها [[أحمد حسنين]] ل[[مصطفى النحاس]] و[[مكرم عبيد]] فلم تكن العادة قد جرت وقتئذ على أن يخرج الوزير من لقاء الملك ويصف المقابلة في مقال ينشر في الصحف مما أدي إلى التصادم بين [[مصطفى النحاس]] و[[مكرم عبيد]] إلا أن عقلاء [[الوفد]] قد سعوا إلى ترضية [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومحاولة إقناعه بصدق نية [[مكرم عبيد]] إلا أن مكرم على ما يبدو كان عازما على المضي إلى آخر الطريق.<br />
<br />
وجاءت الأزمة الفاصلة في موضوع الاستثناءات غذ طلب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ترقيات استثنائية لثلاثة من العاملين معه في وزارة الداخلية وأحيل الطلب إلى اللجنة العليا برئاسة مكرم باشا فرفضته بحجة أن تلط الترقيات لا تتفق والقواعد المعمول بها في وزارة المالية زيادة على ما فيها من إجحاف بحقوق الموظفين الذين يراد تخطي دورهم في الترقية علما بأن الكثيرين منهم أقدم من الموظفين المطلوب ترقيتهم ترقية استثنائية علاوة على أنهم أكفاء وممتازون في عملهم فإذا ما انفرد بالاستثناء فئة من الموظفين فيسيو التذمر نفوس الآخرين وينخفض تبعا لذلك مستوي العمل في المصالح والدواوين طالبت اللجنة في مذكرتها أن يوصد باب الاستثناء حتى تنجلي الحالة المالية المترتبة على الحرب والتي زادت من أعباء الميزانية وأن تلتزم الوزارات والمالح حدود القانون .<br />
<br />
وفي اجتماع مجلس الوزراء في 21 [[مايو]] صمم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا على طلبه ووافقته جميع الوزراء ما عدا وزير المالية '''('''[[مكرم عبيد]] ''')''' ونشرت احدي الصحف مذكرة اللجنة المالية بمنع الاستثناءات بين الموظفين وبهذا أصبح معروفا أن الخلاف بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] ومكرم قد بلغ مداه .<br />
<br />
وبالرغم من أن مذكرة اللجنة المالية قد بنت رفضها على العديد من المبررات الشرعية والقانونية إلا أن هذا المسلك يعد حديدا أو غريبا على [[مكرم عبيد]] وهو الذي انبري إلى الدفاع عن الاستثناءات التي أقدمت عليها حكومة [[الوفد]] سنة [[1937]] وكانت له وجهات نظر اعتمدت في أساسها على أن [[الوفد]]يين قد اضطدوا في ظل وزارات الأقلية .<br />
<br />
وكان قرار مجلس الوزراء بعدم الأخذ بوجهة نظر اللجنة المالية ضاربا عرض الحائط بما ورد في المذكرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير حيث أعلن [[مصطفى النحاس|النحاس]] عدم إمكانه التعاون مع [[مكرم عبيد]] وطلب منه أن يستقيل من الوزارة فرفض مما اضطر [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى أن يتقدم إلى الملك باستقالة الوزارة كلها وعهد إليه الملك بتأليفها من جديد فألفها دون [[مكرم عبيد]].<br />
<br />
السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد ما الذي دعا إلى استقالة الوزارة الم يكن بالإمكان إقالة مكرم دون استقالة الوزارة كلها '''؟'''... والحقيقة أن الذي يمكل إقالة الوزارة أو زير فيها هو الملك فقط ولما كان [[مكرم عبيد]] قد رفض تقديم استقالته وأن أية محاولة لاستصدار قرار بإقالة وزير المالية لقد تبوء بالإخفاق سواء العلاقة الجديدة بين مكرم والقصر أو بسبب سوء علاقة القصر ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] فلم يكن أمام [[مصطفى النحاس|النحاس]] من سبيل سوي تقديم استقالة وزارته وإعادة تشكيلها بدون وزير المالية ولهذا الموقف سابقة في تاريخ الوزارات المصرية ولو أن الوضع في الحالتين جد مختلف .<br />
<br />
ففي [[سبتمبر]] [[1925]] طلب رئيس الوزراء بالنيابة '''(''' يحي إبراهيم ''')''' استصدار مرسوم بإقالة [[عبد العزيز فهمي]] باشا وزير الحقانية إذ ذاك ووافق الملك فؤاد على الطلب فورا لأن [[عبد العزيز فهمي]] كان قد أمتنع عن تنفيذ رغبة الملك في عزل الشيخ على عبد الرازق '''(''' القاضي بالمحاكم الشرعية ''')''' بسبب كتابه " [[الإسلام]] وأصول الحكم " أما في حالة [[مكرم عبيد]] فإن الملك كان راضيا عنه تمام الرضا بل أن القصر كان يساند مكرم في تحديه للنحاس باشا .<br />
<br />
ويبدو سؤال مخر هل كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] على ثقة من أن الملك سيعهد إليه بتأليف الوزارة الجديدة وخصوصا وأن العلاقات بينهما كانت قد وصلت إلى درجة القطيعة وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان على يقين من أن القصر وراء الانسلاخ الأخير في [[الوفد]].<br />
<br />
لعل هذا الاحساس قد راود [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ولذا فقد حرص على أن يثبت في كتاب الاستقالة أنها بسبب الخلاف بينه وبين وزير ماليته '''إذ قال : ''' " نظرا لما قام بيني وبين حضرة صاحب المعالي [[مكرم عبيد]] باشا من خلاف جوهري طال أمده وتعددت مظاهره وتعذر علاجه بالرغم مما بذلته من المجهود ولما كان هذا الخلاف قد أدي إلى استحالة استمرار التعاون بيننا فإني أتشرف بأن أرفع إلى جلالتكم استقالة الوزارة .<br />
<br />
وعلى ما يبدو أيضا فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان واثقا من أن الملك سيعهد إليه بتأليف الوزارة لأن أحداث 4 [[فبراير]] كانت ما تزال عالقة في ذهن فاروق حيث لم يمض عليها أربعة أشهر ومن السذاجة المطلقة أن يعيد الملك التجربة مرة ثانية وخصوصا وأن الأسباب التي من أجلها عاد [[الوفد]] لم تختلف كثيرا ولعل في هذا الموقف إزلال للملك فاروق مما ضاعف من حدة الصراع بين القوتين .<br />
<br />
ومما يضاعف من اعتقادي أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] عندما قرر إفراج [[النقراشي]] من الوزارة في صيف سنة [[1937]] فإنه تريث إلى أن حانت الفرصة في 29 [[يوليو]] سنة [[1937]] بمناسبة تولي الملك سلطته الدستورية حيث تقضي التقاليد الدستورية أن تقدم الوزارة استقالتها ويعهد الملك إلى رئيس الحكومة بتشكيل وزارة جديدة وهكذا تمكن [[مصطفى النحاس|النحاس]] من إخراج [[النقراشي]] وثلاثة وزراء آخرين '''(''' [[محمد صفوت]] و[[محمود غالب]] و[[علي فهمي]] ''')''' بلا أى مصادمات مع القصر أما هذه المرة فالموقف مختلف إلى حد كبير والصراع قد تفاقم بين القطبين [[الوفد]]يين .<br />
<br />
وبخروج مكرم من الوزارة قررت الهيئة [[الوفد]]ية فصله من منصبه '''(''' سكرتير عام [[الوفد]]''')''' بعد أن ظل يتمتع بهذا المنصب خمس عشرة سنة متوالية وكذلك قرر [[الوفد]] حرمانه من عضوية الحزب بعد أن كان من أهم أعضاء الحزب ولم يبق لمكرم من المناصب سوي عضوية البرلمان والذي اتخذه أساسا لحملة ضارية ضد [[مصطفى النحاس|النحاس]] حيث كثرت الاستجوابات التي قدمها مكرم حتى وصلت إلى ثمانية استجوابات دارت في معظمها على أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد فرط في حقوق الأمة وجامل الانجليز إلى حد الإغفاء عن مطالبتهم بتنفيذ مواد المعاهدة وسكوت [[مصطفى النحاس|النحاس]] عن وضع [[مصر]] في موضع البلاد المحمية والسماح لأشخاص معينين بتصدير المواد الأولية وسياسة الوزارة فيما يختص بالحريات العامة .<br />
<br />
'''وتحت عنوان – حارس الهيكل بالأمس يريد أن يهدمه اليوم على ساكنيه كتب [[محمد التابعي]] يقول : ''' " لقد قال مكرم يوم أن اختلف مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن أسباب الخلاف هي الاستثناءات والسكر والزيت .. الخ ولم يقل شيئا عن الخيانة والتفريط في حقوق البلاد . هل كان التفريط وممالاة الانجليز موجودة يومها أو غير موجودة وإذا كانت موجودة فلماذا سكت الفارس الهمام ولماذا لم ينشرها يومها بين ما نشره على الناس أم تراها لم توجد إلا منذ خروج سعادته فقط من الوزارة وكأنما سعادته يريد أن يقول أن وجوده في [[الوفد]] كان الضمان الشافي لوجود الوطنية في صدر [[مصطفى النحاس|النحاس]] فلما خرج سعادته ضاع الضمان . ومن غير شك فقد كان خروج [[مكرم عبيد]] يعد الضربة الثانية التي لحقت ب[[الوفد]] بعد ما أصابه من الضربة الأولي في 4 [[فبراير]] فلقد شن [[مكرم عبيد]] حملة ضارية ضد [[مصطفى النحاس|النحاس]] ضمنها ما سمي " بالكتاب الأسود" وقد امتلأ بالعديد من المطاعن التي تنال من رئيس الحكومة ومن زوجته السيدة [[زينب الوكيل]] .<br />
<br />
وتشير مذكرات السفير البريطاني إلى مسئولية القصر عن إصدار الكتاب الأسود وأن فاروقا هو الذي أوحي ل[[مكرم عبيد]] وشجعه على نشر هذا الكتاب حتى يتخلص من عدوه الأول وهو [[مصطفى النحاس|النحاس]] وبعد لك يتفرغ للتخلص من الثاني وهو السفير البريطاني .<br />
<br />
ولا شك أن [[الوفد]] قد تأثر كثيرا بسبب خروج مكرم عبيد وتعددت وجوه معاناة [[مصطفى النحاس]] بسبب ما حظي به مكرم من تأييد منقطع النظير وخصوصا وسط قطاعات الشباب والمثقفين منهم على وجه الخصوص ولم يكن هذا التأييد على ما نعتقد لشخص [[مكرم عبيد]] بقدر ما كان لسوء تصرف الحكومة [[الوفد]]ية واندفاعها في سياسة حزبية وضغطها على الحريات إلى حد الاعتقال ومصادرة الآراء المعارضة .<br />
<br />
ولقد دفع الخوف من تأثير إخراج [[مكرم عبيد]] على التأييد القبطي للوفد إلى تعيين قبطي آخر مكانه في وزارة المالية وهو كامل صدقي والذي وصفته الدوائر البريطانية بأنه كان يفتقد إلى الكفاءة وكان بمثابة عقبة في حسن إدارة الأمور بسبب تصرفاته الصغيرة مما دفع [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى التفكير في فصله إلا أنه امتنع عن ذلك مخافة إثارة ضد [[الوفد]].<br />
<br />
وبلا شك فإن سياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] تجاه خروج [[مكرم عبيد]] من [[الوفد]] قد اتسمت بعدم الصواب والبعد عن الشرعية حيث لجأ [[الوفد]] إلى أساليب ديكتاتورية كان من بينها فصل عشرة من أعضاء مجلس النواب من الموالين ل[[مكرم عبيد]] بحجة أنهم لم يكونوا قد بلغوا السن القانونية يوم انتخابهم ومن العجيب أن هؤلاء الأعضاء قد اقر المجلس نيابتهم من قبل حينما تقدم عدد من المعارضين للحكومة بطعون ضد هؤلاء النواب بسبب أنهم لم يبلغوا السن القانونية إلا أن المجلس قد اقر نيابتهم مؤكدا على استوفوا كل الشروط القانونية ولم تمض أيام حتى كان الكتاب الأسود قد أثار في البلاد كلها ضجة كبيرة مع أن الرقابة الصحفية قد منعت الإشارة إليه حتى كان الناس من كل الأحزاب يبذلون الجهد للحصول على نسخة منه ولم يقف الأمر على حدود [[مصر]] بل بدأت الصحف البريطانية تتحدث عنه مما ضاعف من مشاكل الحكومة بسبب هذه الحملة العنيفة التي وجهت إليها والتي تشعر أن لبعض المقامات يدا فيها .<br />
<br />
وفي محاولة لتبديد الأثر الذي أحدثه مكرم وكتابه فلقد وضعت الحكومة خطة بأن أوحت إلى رجال حزبها في كل من البرلمان والشيوخ لكي يتقدموا بأسئلة عن الوقائع التي وردت في الكتاب الأسود وأخذ الوزراء يجيبون على هذه الأسئلة بتفسير بعض الوقائع تفسيرا يتسم بالغموض وعدم الموضعية في بعض الأحيان وباللجوء إلى العموميات في أحيان كثيرة ولما كانت اللائحة في كلا المجلسين " النواب والشيوخ " لا تجيز لغير مقدم السؤال بالتعليق فقد بذلت محاولات من قبل المعارضة للتعليق أو للاستفسار إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل وكثيرا ما ان التعليق من قبل مقدم السؤال بالشكر أو بتجريح واضح الكتاب الأسود والتشكيك في وطنيته '''مما دفع مكرم إلى أن يتقدم باستجواب إلى مجلس النواب طالبا من رئيس الحكومة إجابة محددة عن الموضوعات الأتية :- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' استثناء رئيس الوزراء في تصريح علني بمجلس النواب إلى رسالة من وزير الخارجية البريطانية .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' إجراءات الوزارة إزاء سياسة تجنيب البلاد ويلات الحرب.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' بقاء الموظفين الانجليز في البوليس المصري .<br />
<br />
'''رابعا : ''' السماح لأشخاص معينين بتصدير بعض المواد الأولية .<br />
<br />
'''خامسا : ''' سياسة الوزارة فيما يختص بالحريات العامة .<br />
<br />
وبالرغم من أن نقاط الاستجواب كانت محددة وواضحة إلا أن رئيس الحكومة قد انبري يكيل الاتهامات ضد صاحب الكتاب الأسود متهما إياه بالخيانة والخروج على خط الجماعة ونظرا لحالة الغضب التي سيطرت على رئيس الحكومة من خلال إجابات طويلة فقد افتقدت ردوده الموضوعية بتناولها القضايا بشكل يخرجها من دائرة الشك إلى دائرة اليقين وفقا لقول [[مكرم عبيد]] .<br />
<br />
وفي محاولة من القصر لاستثمار الموقف لصالحه فقد ذهب [[أحمد حسنين]] إلى السفير البريطاني وحدثه في شأن الكتاب الأسود معربا عن رأيه بأن البيانات المدعمة بالوثائق تكفي للحكم على تصرفات رئيس الوزراء ولكن السفير ارتأي أما تقديم الاتهامات إلى القضاء وإما مناقشتها بالطرق الدستورية في البرلمان وعلى الرغم من أن [[أحمد حسنين]] قد استوثق من موقف الحكومة البريطانية والتي رأت إعطاء فرصة للنحاس للدفاع عن نفسه أمام القضاء أو بإجراء استثناء عام فإن حسنين قد أشار إلى أن التهم الموجهة إلى رئيس الحكومة إذ لم تثبت براءته منها فإن اللوم سوف يوجه بطريقة غير مباشرة إلى السفارة البريطانية لأنها تحتضن وزارة فاسدة .<br />
<br />
ويبدو أن القصر قد فضل أن يمارس نوعا من الضغط على الحكومة البريطانية وذلك لمزيد من إحراج الحكومة حيث بدأ نشاط المعارضة باجتماع ويبدو أن القصر قد فضل أن يمارس نوعا آخر من الضغط على الحكومة حيث بدا نشاط المعارضة باجتماع عقدة [[إسماعيل صدقي]] في داره دعا إليه كبار السياسيين لتنظيم حركة المعارضة من خلال التنسيق مع كل القوي الحزبية بهدف الضغط على الحكومة البريطانية وبعد ان اتضح أن الانجليز مارسوا ضغطا شديدا على القصر لكي يوافق على مناقشة الكتاب الأسود تحت قبة البرلمان عاد زعماء المعارضة إلى الاجتماع وطلبوا مقابلة السفير البريطاني ولما أعتذر السفير عن عدم مقابلتهم أرسلوا إليه مذكرة قالوا فيها أنهم مع إخلاصهم للمعاهدة فإنهم يحتجون على تدخل انجلترا في شئون [[مصر]] الداخلية بعد أن ابتعد خطر الحرب عن أراضيها .<br />
<br />
وسعيا وراء إيجاد جو من الود القصر والانجليز أوعز حسنين باشا إلى الملك أن يضع قصر رأس التين تحت تصرف السلطات البريطانية بمناسبة زيادة " دوق جلوستر " ل[[مصر]] وأن تتبرع الخاصة الملكية بمبالغ للترفيه عن الجنود البريطانيين والأمريكيين '''لدرجة أن إحدي الصحف اليومية قالت : ''' أن القصر يتنافس مع الحكومة على كسب صداقة الحلفاء .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن كل خطط القصر لم تؤت ثمارها في إقالة الحكومة وأن السفير مصمم على مساندة الحكومة إلى النهاية إلا أن القصر قد تمكن من أن يوجد في [[الوفد]] حالة من عدم التوازن وفقدان الرؤيا الصائبة لذا فقد اتسمت سياسته بالارتجالية وعدم التوازن وفقدان الرؤيا الصائبة لذا فقد اتسمت سياسته بالارتجالية وعدم الموضعية في كثير من القضايا القومية والوطنية مما دفع المعارضة إلى الانقضاض على هذا الهرم الشامخ والذي بدأ يتساقط أمام أول عاصفة رعدية نظمها القصر بمهارة فائقة ولولا معارضة بريطانيا لتمكن فاروق من أن يقتلع الوزارة [[الوفد]]ية وهي في شهورها الأولي وإذا كان فاروق قد عجز على إقالة الوزارة وهي في تلك الأزمة إلا أنه قد تمن من النيل منها وتشويه صورتها أمام الرأي العام فلقد كانت المحسوبيات وأذونات التصدير حديث رجل الشارع العادي وعلى هذا استطيع أن أقول غذا كان [[حادث 4 فبراير]] قد أدي فقدان ثقة الجماهير في [[الوفد]] فإن الكتاب الأسود وما ترتب عليه كان بداية انصرف الناس عن [[الوفد]] وخصوصا الشباب المثقف والذي بدأ يبحث عن قوي أخري يعبر من خلالها عن ذاته بعد أن فقد ثقته في [[حزب الوفد]] وهكذا كان الشباب دائما ضحية لمنحرفي [[السياسة]] . ولم يقف أمر الكتاب الأسود عند الاستجواب والرد عليه بل رأي [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن ما أقدم عليه مكرم يعد هرطقة لا يجوز معها أن يبقي عضوا بمجلس النواب لذلك تقدم النائب [[الوفد]]ي عمر عمر باقتراح '''جاء فيه : ''' أن [[مكرم عبيد]] قد أتي بما صنع أمرا منكرا يتعارض مع كرامة النيابة عن الأمة لذلك يجب فصله من مجلس النواب وإسقاط صفة النيابة عنه وعلى الرغم من المبررات القانونية التي أوردها النائب [[عبد السلام الشاذلي]] في محاولة مسميته لتبديد هذا الاقتراح إلا أن رئيس المجلس قد أخد الرأي بالمناداة بالاسم وأسفر عن 208 موافقون 17 غير موافقين .<br />
<br />
وإذا كان [[الوفد]] قد حاول أن يجد مبررا معقولا حين أقدم على اعتقال [[علي ماهر]] داخل مجلس الشيوخ بحجة أنه يعمل لصالح المحور إلا أن ما أقدمت عليه حكومة [[الوفد]] من فصل [[مكرم عبيد]] ثم اعتقاله قد افتقدت إلى أية مبررات معقولة ولم يعد أمام الرأي العام أى شك في أن الدوافع الحزبية هي الأساس في أى إجراء اتخذ ضد [[مكرم عبيد]] وبدلا من أن يكسب [[الوفد]] أرضا جديدة من تحت أقدام المعارضة فقد أضحي [[مكرم عبيد]] أمام الرأي العام شهيد الديمقراطية ومدافعا عن الحرية ضد الاستبداد والمحسوبية والفساد وكل ما يناهض مبدأي الحق والعدل .<br />
<br />
ولم يعجز الحاكم العسكري العام '''(''' [[مصطفى النحاس]] ''')''' عن ذكر بعض المبررات التي سوغت له الإقدام على هذا العمل الذي يفتقد إلى أى منطق أو قانون فلقد جاء في المذكرة التي نشرت بمناسبة هذا الاعتقال أن [[مكرم عبيد]] دأب على عقد اجتماعات سياسية متكررة في مكتبة وفي منزله تلقي فيها منه ومن بعض أنصاره خطب مثيرة ومخلة بالنظام ومهددة للأمن العام وأنه كان من نتاج الاجتماع الذي عقده بمنزله أخيرا أن ألف نفر ممن حضروا ذلك الاجتماع مظاهرة مرت ببعض الطرقات العامة وهتف المتظاهرون بهتافات تحت على الثورة وجاء في المذكرة أيضا أن [[مكرم عبيد]] عمد إلى توزيع نشرات مطبوعة في أنحاء البلاد وقد تم ضبط عدة الأف من هذه النشرات ويبدو من المذكرة أن مبررات الاعتقال قد اعتمدت على أن [[مكرم عبيد]] قد لجأ إلى عقد اجتماعات سياسية في مكتبة وفي منزله على الرغم من أنه كان يترأس حزبا قائما فعلا " الكتلة [[الوفد]]ية " ومن حقه طبقا للقانون والدستور أن يمارس نشاطه الحزبي كغيره من الأحزاب أما عن المظاهرات التي ساقتها المذكرة كمبرر للاعتقال فكان على الحكومة أن تقدم على اعتقال زعماء تلك المظاهرة وبلا شك فلم يكن [[مكرم عبيد]] من بينهم أما عن النشرات التي توزع في البلاد فهي النشرات التي تصل إلى أعضاء الكتلة [[الوفد]]ية في الأقاليم وهي وسيلة شرعية معترف بها حتى في ظل قانون الطوارئ بل هي القناة لربط أعضاء الكتلة في القري والمدن بإدارة الحزب في [[القاهرة]] وعلى ما أعتقد فإن ما أقدمت عليه الحكومة [[الوفد]]ية من اعتقال [[مكرم عبيد]] يعد تجاوزا خطيرا دفع الرأي العام إلى أن يتعاطف مع [[مكرم عبيد]] .<br />
<br />
وباعتراف أحد زعماء [[الوفد]] والشخصية الأولي يعد [[مصطفى النحاس|النحاس]] '''(''' [[فؤاد سراج الدين]] ''')''' حيث أعلن صراحة أن فصل [[مكرم عبيد]] من [[الوفد]] ثم اعتقاله يعد خطا سياسيا كبيرا .<br />
<br />
وبالرغم من أن الحكومة قد سلكت في موضوع الكتاب الأسود مسلكا يبدو في ظاهرة الديمقراطية حيث نوقش الموضوع داخل مجلس النواب والشيوخ إلا أن المعارضة البرلمانية داخل المجلسين كانت تود أن تستدرج الحكومة إلى أن تتولي النيابة أمر التحقيق أن يعترض على تحقيق النيابة بحجة أن مكرم نائب يتمتع بالحصانة البرلمانية لأن الأغلبية [[الوفد]]ية داخل مجلس النواب كفيلة بأن ترفع عنه هذه الحصانة وفي محاولة من المعارضة لإقناع الحكومة بوجهة نظرها فقد اعتمدت في مطلبها على العديد من الحيثيات القانونية على اعتبار أن المادة 66 من الدستور أعطت مجلس النواب حق الاتهام ومجلس الأحكام حق المحاكمة ولكنها تركت حق التحقيق مباحا لإظهار الحقيقة فلقاضي التحقيق أن يحقق وكذلك لوكيل النيابة ولكنه ليس لأحدهما أن يتهم ولما سئل مقدم الاقتراح '''(''' [[عبد الرحمن الرافعي]] ''')''' عن مصير التحقيق قال : أن نتيجته تقدم إلى مجلس النواب ليجد نفسه أمام رسمية في محاضر التحقيق.<br />
<br />
ويبدو أن هدف المعارضة في إسناد أمر التحقيق إلى جهة قضائية محايدة كان بسبب عدم الثقة فيما تقدمه الحكومة داخل المجلسين '''(''' النواب والشيوخ ''')''' من إجابات تستند إلى بيانات غير دقيقة وليس من حق أعضاء المجلس الاعتراض إلا ضوء ما تقره لائحة البرلمان والتي أعطت حق المناقشة لمقدم الاستجواب فقط بينما إسناد أمر التحقيق إلى جهة قضائية محايدة يوفر على البرلمان العديد من الجهد حيث تقدم نتائج التحقيق مستوفاه لكل الأركان القانونية , ولو كانت الوزارة حريصة على نتائج سليمة في التحقيق لدفعت بالقضية برمتها إلى القضاء الذي يعد طرفا محايدا تماما .<br />
<br />
وفي محاولة من [[مصطفى النحاس|النحاس]] لتبديد هذا المطلب فقد انبري للرد معتمدا على دستورية الاقتراح بحجة أن المادة 107 من الدستور تنص على أن لكل من أعضاء البرلمان ان يسأل الوزراء ويستجوبهم على الوجه المبين في اللائحة وأن المادة 108 نصت على أن لكل مجلس حق إجراء التحقيق ليستنير في مسائل معينة داخلة في حدود اختصاصه وورودها على هذا النحو يحدد الغرض المقصود بالاستنارة في الأسئلة والاستجوابات وأن من حق المجلس تشكيل لجنة تتولي التحقيق وعلى ضوء التقرير الذي تعده تلك اللجنة فإن المجلس الحق في إصدار ما يشاء من قرارات أما من إسناد أمر التحقيق إلى القضاء فإنه يكون تحقيقا أفلاطونيا لأن النتيجة أما أن تكون حفظ القضية أو تقرير أن هناك مسئولية وفي هذه الحالة الأخيرة يكون للمحقق أن يقدم المسألة إلى المحكمة أو غيرها وهذا أمر خارج عن اختصاصه ولا يمكن للبرلمان أن يكون تابعا لأي جهة أخري مهما كان وضعها لأن البرلمان لا يلتزم إلا بما يجريه هو في حدود اختصاصه وبالرغم من مبررات [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلا أن الأمر كان من الممكن علاجه بأن يتولي القضاء التحقيق وما يتوصل إليه من نتائج تكون موضع الزام للجميع أما أن يكون المتهم قاضيا في نفس الوقت فهذا يتعارض مع أبسط المبادئ الدستورية .<br />
<br />
ووفق ما ورد من أسئلة واستجوابات داخل المجلسين – النواب والشيوخ – فإن الأغلبية [[الوفد]]ية لم تتنازل عن وجهة نظرها ورفضت أن يقوم بأمر التحقيق إلا اللجان البرلمانية وهي بلا شك لجان وفدية خالصة وهكذا أصبح القاضي خصما وكانت النتيجة التصفيق الحاد على نزاهة الحكم وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] وزوجته وكبار مستشاريه فوق مستوي الشبهات .<br />
<br />
ولعل ما توصل إليه التحقيق من نتائج كانت موضوع مناقشات بين فاروق والسفير البريطاني حيث تقدم الملك بمذكرة إلى السفير يشكك فيها من إجراءات التحقيق وأن أفضل طريقة هي أن يطرح [[مصطفى النحاس|النحاس]] القضية على الشعب لمعرفة مدي ثقته في الحكومة الحاضرة وبما أن الحكومة التي سوف تقوم بأمر الاستفتاء ستزيفه لصالحها فمن الأفضل قيام حكومة محايدة يعقبها إجراء انتخابات نزيهة.<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الحكومة البريطانية قد تأثرت بالدعايات التي أحدثها [[مكرم عبيد]] وحملت مراسلات وزارة الخارجية البريطانية إلى اللورد كيلرن استطلاع وجهة النظر المصرية على ضوء التطورات الجديدة وتفويض السفير في إعطاء الملك الضوء الأخضر لإقالة الحكومة إذا ما أصبحت لا تتمتع برضاء الشعب المصري إلا أن السفير البريطانية أبدي بعض التحفظات على اعتبار أن إقالة [[الوفد]] في مثل تلك الظروف يعد تشجيعا للملك وهو موقف يتعارض مع مصالح بريطانيا في هذا الوقت بالذات .<br />
<br />
'''وعلى ضوء كل ما سبق يمكننا أن نستخلص بعض النتائج الهامة : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن ما أصاب [[الوفد]] من انقسامات بعد خروج [[مكرم عبيد]] يعد نتاجا طبيعيا لسياسة القصر والتي نتجت عن أحداث 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' بالرغم من التقليل في حجم العناصر [[الوفد]]ية التي ناصرت [[مكرم عبيد]] إلا أن [[الوفد]] قد تأثر كثيرا من حدوث هذا الانفصال وواجه العديد من المشاكل التي كان من أهمها اهتزاز ثقة الناس في نزاهة [[مصطفى النحاس|النحاس]] والتي كانت سمة من سمات حكمة طوال العهود السابقة .<br />
<br />
'''ثالثا: ''' أن خروج [[مكرم عبيد]] قد أغري أحزاب الأقلية لكي تتجه إلى التنسيق مع بعضها بهدف القضاء نهائيا على [[الوفد]] الذي فاد حركة النضال الوطني أكثر من عشرين عاما .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لقد كان خروج [[مكرم عبيد]] من أهم العوامل التي أغرت حكومة [[الوفد]] على المضي في العديد من التجاوزات التي تناهض الديمقراطية والتي كانت سمة من سمات [[الوفد]] طوال فترات نضاله الطويل.<br />
<br />
===سياسة فاروق تجاه [[الوفد]]===<br />
<br />
لقد سعي فاروق ورجله الأول [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس لديوان ''')''' على استغلال كل الفرص الممكنة لرد الإهانة التي لحقت بهما حينما ولي [[مصطفى النحاس|النحاس]] الحكم ضد إرادتهما وبتأييد من السفارة البريطانية في 4 [[فبراير]] [[1942]] .<br />
<br />
وإذا كان القصر قد أقدم على إقالة [[الوفد]] سنة [[1937]] ولم يجد ما يحول بينه وبين حكم البلاد نحو أربع سنوات ببرلمان وحكومات لا تستند إلى أى قاعدة جماهيرية فإن القصر عقب 4 [[فبراير]] [[1943]] كان أشد شوقا لكي يكر هذه الإقالة وإذا كانت العلاقات في [[ديسمبر]] [[1937]] قد ساءت بين القصر و[[الوفد]] فإنهما اليوم أكثر سواء بل وصلت إلى حد القطيعة وتبادل أقسي الاتهامات .<br />
<br />
'''وقبل أن نستعرض سياسة فاروق تجاه [[الوفد]] عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] يجدر أن نسجل بعض الأسباب الموضوعية لكراهية [[الملك فاروق]] للنحاس باشا : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لقد كان فاروق دائم الاستماع إلى أحاديث مستشاريه وخصوصا [[علي ماهر]] و[[أحمد حسنين]] عن العلاقات بين [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا والملك فؤاد تلك العلاقات التي اتسمت بالعديد من المصادمات في محاولة من [[الوفد]] لانتزاع أكب قدر ممكن من الحقوق الدستورية التي تعد من صميم اختصاص القصر وهكذا صور له مستشاروه أن [[الوفد]] كان دائم الاعتداء على حقوق الملك الدستورية وأن الخلاف بينهما ليس من باب توضيح الحقوق الدستورية لكل من القوتين المتصارعتين وإنما من باب أن الأمة مصدر السلطان وأن الملك يجب أن يبقي بعيدا عن الحكم ويترك الأمر لحكومة الأغلبية عملا بمبدأ أن الملك يملك ولا يحكم .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن موقف [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] قد أفقد القصر كل صوابه وبات مؤكدا أن [[الوفد]] لم يعد يكن أى نوع من الولاء للقصر حيث كان واضحا أن المجئ ب[[الوفد]] كان ضد رغبة القصر وهذا مما ضاعف من حد الصراع بين الطرفين مما نتج عنه العديد من النوايا العدوانية لكل من الطرفين تجاه الآخر .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يتعامل مع فاروق من منطلق أنه " ولد صغير " يفتقد إلى الخبرة والتجربة وأن الميول الاستبدادية هي من أهم السمات التي حصل عليها " الولد الصغير" من الولد الملك فؤاد وكانت هذه الاتهامات تصل إلى [[الملك فاروق]] عن طريق العديد من عناصر السوء .<br />
<br />
'''رابعا : ''' لقد كان فاروق يعتقد أن للنحاس مطامع خفية لا تصل عند حد رئاسة الحكومة وإنما يمني نفسه بأن يكون أول رئيس للجمهورية المصرية وعلى ضوء هذا الاعتقاد كان ينظر إليه كخطر يهدد العرش ويعترف فاروق صراحة بعد أن نجا من حادث القصاصين :" لما كنت أقرب إلى الموت مني الحياة كان أكثر ما يؤلمنى أنني قد أموت و[[مصطفى النحاس|النحاس]] في رئاسة الوزارة مما يمكنه من الوصول إلى غايته من اقرب الطرق . وبالرغم من أن [[الوفد]] ينفي تماما ما أشيع من أمر التفكير في عزل فاروق على اعتبار أن إعلان الجمهورية لم يكن موضع تفكير لدي الدوائر السياسية في [[الوفد]] إلا أن أحد المعاصرين يعترف صراحة بهذا الموضوع حيث يقول :" لقد ظهر أن الملك وحاشيته سائرون في سياسة غي وطنية .. ورأى كبار [[الوفد]]يين عزل الملك عن العرش وتم عرش الأمر على مجلس الوزراء الذي أقر هذا الاتجاه وعهد إلى أحمد نجيب الهلالي بأن يصوغ بأسلوبه الدقيق مبررات خلع الملك فأعد بيانا وسلمه إلى محمود سليمان غنام " وزير التجارة الذي ذهب إلى منزل [[مصطفى النحاس|النحاس]] حيث كان الوزراء لا يزالون موجودين وتم توقيعهم جميعا على البيان كقرار صادر من مجلس الوزراء '''(''' سنة [[1943]]''')''' .<br />
<br />
ويعترف صاحب هذه الرواية أن هذا الإجراء كان رد فعل لسياسة الملك الذي أخذ يعد فرقا خاصة من ضباط الجيش بهدف الاعتداء على [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ووزرائه انتقاما لقبولهم وزارة 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن صحب هذه الرواية لم يقدم تبريرا لتراجع [[الوفد]] عن المضي في تنفيذ مخططاته إلا أنني أعتقد أن [[الوفد]] قد أراد أن يقوم بمناورة لإرهاب الملك حتى يثنيه عن تصرفاته التي اتسمت بالعداء الواضح تجاه [[مصطفى النحاس|النحاس]] ووزرائه حيث نجح فروق في النيل من [[الوفد]] سواء بانفصال [[مكرم عبيد]] '''(''' الذراع [[اليمن]]ي للنحس ''')''' أو بإقامة التنظيمات شبه العسكرية وأهمها – التنظيم الحديدي- الذي أعده لملك بهدف اغتيال كل من ساهم في أحداث 4 [[فبراير]] أو قبل الحكم في ظل 4 [[فبراير]] .<br />
<br />
وعلي ضوء ما أعتقد فإن مجلس الوزراء [[الوفد]]ي قد أقدم على هذه الخطوة كرد فعل لمحاولة الاعتداء على [[مصطفى النحاس|النحاس]] وأمام العديد من المؤثرات العدائية تجاه [[الوفد]] إلا أن مزيدا من التفكير والتروي اعتمادا على أن فكرة خلع الملك وإعلان الجمهورية لم تكن من بين الأفكار التي يتقبلها الشعب المصري وقتئذ حيث كان الملك ما يزال يحظي بشعبية كبيرة سواء وسط الجماهير أو داخل [[الجيش المصري]] .. لى ضوء كل هذه الاعتبارات فلقد كان على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يعيد النظر في هذا القرار الخطير والذي لا يضمن عواقبه , واعتمادا على أن بريطانيا كانت تهدف من عودة [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] إلى الاستقرار الأحوال داخل [[مصر]] وأقدام [[الوفد]] على هذه الخطوة الثورية يتعارض تماما مع استراتيجية بريطانيا في المنطقة حيث كانت الحرب ما تزال دائرة على الجبهة المصرية وكانت قوات الحلفاء ما تزال تلقي العديد من الضربات العنيفة من قوات المحور فليس من المنطقي والحالة هكذا أن تشجع الحكومة المصرية على سياستها هذه حتى ولو كان في نية بريطانيا التخلص من فاروق فقد كان عليها أن تنتظر الوقت المناسب سواء فيما يتعلق بسير الحرب أو في تهيئة النفوس المصرية لتقبل مثل هذه الأفكار الجديدة .<br />
<br />
وتعددت مظاهر الخلاف بين الملك والوزارة في العديد من المناسبات مما أتاح لفاروق العديد من المبررات التي تمكنه من التخلص من الوزارة وإقالتها إلا ان السفير البريطاني " كيلرن" ظل واقفا أمام محاولات الملك بحجة أن ظروف الحرب لا تقتضي الإقدام على مثل هذه الخطوة . <br />
<br />
'''ولا شك أن كل ظرف قد اصطنع لنفسه من الوسائل ما تمكنه من بلوغ أهدافه وبدأ هذا في العديد من الأزمات التي كان من بينها :- '''<br />
<br />
'''1-''' لقد حضر الملك الاحتفال بليلة القدر في مسجد الفتح وحضر الحفل [[مصطفى النحاس]] وبعد أن انتهي الشيخ [[عبد الله عفيفي]] من إلقاء خطبته دعا للملك وللمؤمنين جميعا والتفت الملك إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] وسأله عن رأيه في الخطبة فأجاب بأن الخطيب لم يدعو في خطبته لحكومة الشعب ولا لزعيم لشعب وهنا تأفت الملك إلى [[أحمد حسنين]] '''(''' رئيس الديوان الملكي ''')''' وطلب إليه أن يبحث فمن المراجع الرسمية فإن وجد سابقة دعا فيها خطباء المساجد لرئيس الحكومة فمن حق [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن تجاب رغبته وفي المساء اتصل [[صبري أبو علم]] " وزير العدل " ب[[أحمد حسنين]] وأخبره أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] سيستقيل أن لم تسو مسألة الدعاء له في المساجد ووفق نفس المرجع فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] خشي إذا أقدم على الاستقالة أن تقبل فورا مما اضطره أخيرا أن يتصل ب[[أحمد حسنين]] ويبلغه اعتذاره .<br />
<br />
'''2-''' لقد استقر الرأي على الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر ووضع برنامج الاحتفال بمعرفة الملك شخصيا وكان القائم على تنفيذه هو الشيخ [[مصطفى المراغي|المراغي]] شيخ [[الأزهر]] إلا أن [[مصطفى النحاس]] كان يود أن يكون الاحتفال تحت إشراف الحكومة على اعتبار أن الاحتفال سيكون شعبيا ودينيال وأحس [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن اسمه لن يكون في الاحتفال وأن رجال [[الأزهر]] لن يذيعوا أن جوهر الصقلي كان وفديا ومن هنا فقد عمل [[مصطفى النحاس|النحاس]] على عرقلة الاحتفال أو منعه إن استطاع وبالفعل لم يعمل الاحتفال .<br />
<br />
'''3-''' بحلول موسم صيف [[1943]] بدأت الوزارة في الانتقال إلى [[الإسكندرية]] وكانت القاعدة المرعية في جميع العهود أن يقر الملك موعد الانتقال الرسمي إلى المضيف وكان هذا التصرف من جانب الوزارة مظهرا من مظاهر التحدي للقصر وكان رد الفعل أن القصر أقام حفلا للطلبة المتفوقين دعا إليه نحو 450 طالبا من الجامعات والمدارس ثم تبع ذلك حفل آخر للطلبة الغرباء ولم يدع القصر إلى هاتين الحفلتين أحد من الوزراء .<br />
<br />
'''4-''' لقد أعد [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا علما مصريا على سارية عالية في أعلا مكان من منزله وكان هذا العلم يرفع بمجرد دخوله إلى منزله ويظل مرتفعا طالما بقي داخل قصره حتى إذا ما خرج نكس العلم ويظل منكسا إلى أن يعود [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى قصره وكانت عملية رفع وتنكيس العلم تصحبها تحية عسكرية تقوم بها قوة من سلاح حرس الوزارات تحيي الزعيم عند الدخول وعند الخروج وعلم فاروق بموضوع العلم حيث كان من العلوم أن العلم لا يرفع ولا ينكس إلا لرمز الدولة وهو الملك وصدرت التعليمات من القصر برفع العلم فورا وعدم تكرار هذا التقليد الذي يفتقد إلى أى سند قانوني .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن معظم المصادمات كنت من باب تصيد المواقف حيث كانت في مجملها خلافات شكلية أكثر منها موضوعية إلا أنها كانت مقدمة للعديد من المحاولات من جانب القصر بهدف إقالة الحكومة ففي أعقاب أزمة الكتاب الأسود تقدم [[أحمد حسنين]] رئيس الديوان باستقالته من منصبه '''(''' 14 [[أبريل]] [[1942]]9 بحجة أن استمرار [[الوفد]] في الوزارة بعد أن ثبت فساده سوف يؤدي إلى كراهية الشعب للنحاس مما سيجعل مركزه مستحيلا وقد أدرك " كيلرن" ما وراء هذه الحركة المسرحية ومن ثم سعي إلى إبطال مفعولها .<br />
<br />
وعلى ضوء تعليمات الخارجية البريطانية إلى سفيرها في [[القاهرة]] فقد طلب السفير من الملك مزيدا من ضبط النفس محذرا من الإقدام على أية خطوة متهورة قد تكون لها عواقب ليست في الحسبان وبالطبع فإن " التهور الذي تعنيه لندن هو إقالة [[الوفد]] وأما العواقب التي ليست في الحسبان فهي تذكير الملك بما يشبه 4 [[فبراير]] أو يزيد.<br />
<br />
وعلى كل فإن محاولات [[أحمد حسنين]] لم تتوقف فقد جعل همه أن يظهر الملك بمظهر الرجل الوطني وأن يظهر حكومة [[الوفد]] بمظهر المتساهل في حقوق الوطن المعتمد على تأييد البريطانيين وفي الوقت نفسه أدار [[أحمد حسنين]] حملة دعاية واسعة لصالح فاروق وجعله يغشي المساجد ولما أصيب في حادث القصاصين اتخذها فرصة لاستدرار العطف على الملك الجريح الذي يقاوم الطغيان البريطاني وجعل من يوم عودته إلى [[القاهرة]] مظاهرة شعبية كبيرة وكان واضحا أن كل هذه الحركات مما يضايق الحكومة ويحرجها ثم أنها تعد تعبيرا عن التأييد الذي يحظي به الملك لدي غالبية الشعب المصري .<br />
<br />
ويبدو أن [[أحمد حسنين]] قد تصور أن محاولاته المتكررة بإظهار الملك في صورة " الملك المتدين" و" الملك الصالح" قد تؤدي إلى التفاف الشعب حول فاروق وانصرافهم عن [[الوفد]] وهو ما يتعارض مع سياسة [[الوفد]] باعتباره حزب الأمة المصرية كلها وحتى لا يتهم القصر بأنه لا يحس بمعاناة الجماهير فقد فتحت أبواب قصر عابدين أمام العمال حيث دعوا إلى مآدب لهم وقيام فاروق شخصيا بترحيبه بهم ولم يكتف الملك بهذا بل تعمد على أن يمضي يوم ذكري حلف اليمين الدستورية '''(''' 29 [[يوليو]] [[1937]] ''')''' بين عمال المحلة الكبرى متفقدا أحوالهم الصحية والاجتماعية حتى إذا دخل السرادق المقام لاستقباله '''قال : ''' " أني أري حولي أصحاب رؤوس الأموال التي أنشأت هذه المصانع ولكني لا أري حولي أحد من أصحاب السواعد الذين قامت هذه المصانع على سواعدهم " وكثيرا ما ردد في خطبته مؤكدا على حقوق العمال وقد ترأس بنفسه المجلس الأعلى لمحاربة الجهل والفقر والمرض لدرجة أن كيلرن كان ينقد هذه [[السياسة]] معتقدا أنها تقلل من هيبة الملك .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن كل هذه المحاولات التي كان يقوم بها الملك لم تكن خالصة لوجه الله وإنما كانت بهدف كسب أرض جديدة من تحت أقدام [[الوفد]] وهو ما نجح فيه فاروق إلى حد كبير حيث أن العمال كانوا يعدون الغالبية لعظمي ل[[حزب الوفد]] وعلى ما أعتقد أيضا فإن انتقادات السفير لبريطاني " كيلرن" للملك فاروق بحجة أن سياسته تجاه العمال تقلل من هيبته هو استنتاج لا يتسم بقدر من الموضوعية ولعل السفير كان يهدف من وراء هذه النصيحة إلى أن يظل فاروق بعيدا عن أهم قطاع يمثل عامل ضغط هام في مجري الأحداث المصرية .<br />
<br />
ولم تتوقفا سياسة القصر بهدف النيل من [[مصطفى النحاس|النحاس]] وحكومته بل بدا ذلك النشاط المتزايد الذي شهدته الشهور الباقية من عام [[1943]] من تنظيم العمال والطلاب تحت راية القصر من خلال الاجتماعات المتكررة التي كان يعقدها [[أحمد حسنين]] مع زعماء تلك الطوائف لدرجة أنه تمكن من أن يقنعهم بأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] مصمم على سلب الملك سلطاته وعلى وضع نفسه على رأس الدولة بدلا من أن يقنع بدوره في زعامة الحزب السياسي ورئاسة الوزراء .<br />
<br />
ويسجل اللورد أن [[الملك فاروق]] قد حقق شعبية كبيرة على [[الوفد]] وخصوصا وسط الطبقات العاملة وأن عددا كبيرا من طلاب الجامعات أخذ في التحول من [[الوفد]] إلى الملك ويستشهدا السفير بتلك المظاهرات المستمرة التي قام بها الطلاب والعمال عندما أصيب الملك في حادث القصاصين '''(''' [[نوفمبر]] [[1943]]''')'''.<br />
<br />
وفي الوقت الذي كان يقوم فيه القصر بالعديد من المناورات لإضعاف الحكومة والتقليل من هيبتها نستطيع أن نقرر أن معظم تلك المناورات قد حققت قدرا كبيرا من النجاح ولم يقتصر الأمر على مناورات القصر بل تعدي ذلك إلى أحزاب الأقلية التي انتشرت في القرى والمدن المصرية لعقد العديد من الاجتماعات المؤتمرات والتي أنصبت في مجملها على النيل من [[الوفد]] مما يجعلنا نعتقد أن كل أحزاب المعارضة كانت تعمل من خلال تنسيق أعدة [[أحمد حسنين]] باسم القصر الملكي .<br />
<br />
ونظرا لأهمية الجيش في حسم أى نوع من الصراع السياسي فقد بدأ الملك يتقرب إلى الضباط حيث حرص على أدائه لصلاة الجمعة في مسجد فاروق بألماظة وتكررت هذه الزيارة في الفترة من 13 [[فبراير]] [[1942]] وحتى 25 [[فبراير]] وكل مرة كان الضباط يهتفون " يعيش الملك قائدنا الأعلى " الجيش فداء الملك ".<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن [[أحمد حسنين]] قد استطاع أن يقنع فاروق بأن [[الوفد]] أضحي قوة هزيلة فقدت مكانتها لدي معظم الجماهير المصرية ولم يعد يمثل واقعا ملموسا وسط الجماهير ومزيدا من إحراج [[الوفد]] واعترافا من القصر بأن [[الوفد]] لم يعد يمثل الأمة المصرية فلقد دعا الملك زعماء المعارضة وطلب منهم التقدم بمطالب [[مصر]] إلى القادة الكبار '''(''' [[نوفمبر]] [[1943]]''')''' في مؤتمرهم المنعقد في [[القاهرة]] '''(''' تشرتشل روزفلت , شاينج كأى شك''')'''<br />
<br />
ويعترف أحد زعماء الأحزاب المصرية بأن هذا اللفتة الملكية كان لها مغزاها فالطبيعي أن تقوم الوزارة بهذا المسعي فهؤلاء الكبار ضيوفها وهي أقدر من المعارضة على الاتصال بهم والتحدث إليهم وهي مطالبة بحكم مركزها بأن تتولي هذا الأمر ومن خصائص الملك الدستورية أن يلفت نظر رئيس وزرائه إلى هذا الأمر فاختصاص الملك رجال المعارضة بهذا الأمر الحيوي له مغزاه البين على أن [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] بقي عميق الأثر في نفسه .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن تعليمات الملك إلى زعماء المعارضة لكي تقدموا بما طلب [[مصر]] إلى القادة الكبار لم يكن يهدف تقرير أحقية [[مصر]] في الاستقلال عقب الحرب بقدر ما كان يهدف إلى إحراج وإظهارها سواء أمام القادة الكبار أو أمام الشعب بمظهر الحكومة العاجزة عن تحقيق أماني الشعب المصري ولعل هذا ما يبدو واضحا من خلال إلحاح الملك بعزل حكومة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باعتبارها عقبة في سبيل تحقيق الأماني الوطنية للشعب المصري .<br />
<br />
ويلاحظ أن المذكرة التي تقدم بها زعماء المعارضة '''(''' 21 [[نوفمبر]] [[1943]]''')''' كانت على غرار مذكرة مماثلة قدمها [[الوفد]] في 21 [[أبريل]] سنة [[1940]] إلى الحكومة البريطانية ولعل هاتين المذكرتين لم تكونا سوي مناورة لا تعبر عن حقيقة أو موقف جاد فقد قدم [[الوفد]] مذكرته كيدا للوزارة القائمة حينئذ وقدمت المعارضة مذكرتها كيدا لوزارة [[الوفد]] بدليل أن [[الوفد]] حينما ولي الحكم لم يقدم على أى إجراء عملي لتنفيذ ما جاء في مذكرته وكذلك كان موقف أحزاب المعارضة فإنها حينما وليت الحكم بعد ذلك بأقل من عام تناست كل ما طالبت به في مذكرتها .<br />
<br />
وفي الوقت الذي كان فيه فاروق يبذل كل جهد ممكن سواء في توشيه صورة [[الوفد]] والنيل من مكانته أو في محاولاته المتكررة لطرد الحكومة كانت هناك محاولات أخري تأخذ طابعا سريا ونعني بها محاولة أعداد تنظيم سري بهدف اغتيال كل من ساهم في صنع 4 [[فبراير]] [[1942]] وعلى رأسهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا و[[أمين عثمان]] .<br />
<br />
لقد وصلت العلاقات بين القصر والحكومة إلى أبعد مدا وخصوصا بعد انتشار الملاريا في مديرتي قنا وأسوان مع نهاية عام [[1943]] وبداية عام [[1944]] وزيادة المجاعة وكثرة الوفيات في تلك المناطق وفشلت جهود الوزارة في اتخاذ الإجراءات المناسبة مما حدا بالقصر لكي يستخدم هذا الفشل كورقة ضد [[الوفد]] وتراءي للملك أن يقم برحلة خاصة إلى الصعيد ومع أنه استقبل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا يوم 7 [[فبراير]] فإنه لم يخبره بما يفكر فيه من زيارة المديريات المنكوبة . وفي صباح الخميس 10 [[فبراير]] سافر الملك '''(''' عشية عيد ميلاده''')''' حيث أحيطت تلك الزيارة بالعديد من مظاهر العطف الملكي على الفلاحين المنكوبين وقد أشار فاروق في أحاديثه إلى أهل النوبة بما يفهم من أن الحكومة قد أهملت إهمالا كبيرا في السيطرة على كل تلك المشاكل .<br />
<br />
وكان لتلك الزيارة أثرها في تنبيه الأذهان إلى خطورة الموقف حيث جرت في الأسبوع الأخير من [[فبراير]] مناقشات حامية في البرلمان حول نقص المواد الغذائية وانتشار الملاريا وقد ألقي [[مصطفى النحاس|النحاس]] باللائمة على الوزارات السابقة لأنها أعاقت مشروع تعلية خزان أسوان ثم ألقي المسئولية على كبار الملاك في الوجه القلبي لأنهم يعطون أجور غير مجزية للعمال الزراعيين ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] كان يقصد إلقاء التبعة على [[الملك فاروق]] شخصيا لأنه من المعروف أن الخاصة الملكية لها تفتيش واسعة في تلك المناطق ولم يكتف [[مصطفى النحاس|النحاس]] بذلك بل ألقي بيانا نشر في كل الصحف [[الوفد]]ية وبعض صحف المعارضة مؤكدا على أن أبناء الصعيد في حالة جيدة وأنهم سعداء بإدارة الحكومة .<br />
<br />
وإمعانا في تجسيم المنافسة بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] قام الأخير في 13 [[مارس]] بزيارة [[أسيوط]] و[[المنيا]] واصطحب معه وزراء الأشغال والعدل والمعارف والداخلية والصحة والأوقاف وأعلن عن زيارته إلى قنا وأسوان بعد قليل وتمت الرحلة خلال [[مارس]] [[1944]] حيث افتتح [[مصطفى النحاس|النحاس]] عددا من المنشآت والساحات الشعبية وأطلق عليها مؤسسة [[مصطفى النحاس]] وفي الخطب التي ألقاها الوزراء في تلك المناسبة ركزوا على أن الحكومة تعمل الكثير لأبناء الصعيد بينما القصر لا يعمل شيئا .<br />
<br />
وبالرغم من أن زيارة فاروق لتلك المناطق والتصريحات التي أدلي بها تعد إحراجا أكيدا للحكومة إلا أنه لم يكتف بذلك بل استدعي رئيس الوزراء كما أجتمع بوزراء الداخلية والشئون الاجتماعية والأوقاف والتموين والصحة ولفت أنظارهم إلى سوء حالة التغذية والتموين وانعدام الرعاية الصحية في المناطق التي زارها .<br />
<br />
ويبدو أن فاروق قد حاول استثمار الموقف بهدف إقالة الوزارة واستدعي السفير البريطاني وأبلغه بنيته بحجة أن الأمة لم تعد تنظر باحترام كاف للعرش وأن البلاد لا تحتمل ملكين ورد السفير مداعبا " أن ملكا واحدا يكفينا وبالرغم من الاتفاق الذي تم بين الرجلين على انتظار رد لندن إلا أن فاروق حاول أن يضع السفير البريطاني أمام الأمر الواقع وأصدر أمرا ملكيا بإقالة الوزارة إلا أن السفير كان متيقظا وتنمكن من الضغط على فاروق وطلب منه انتظار رد تشرتشل الذي جمع وزارة الحرب لبحث المسألة وجاء قرار الحكومة البريطانية والذي تم إبلاغه إلى القصر '''وفحواة : ''' أن مجلس الحرب يري أن رغبة الملك في إقالة حكومة يتمتع رئيسها بأغلبية كبيرة في البرلمان الذي لا زال أمامه ثلاث سنوات أخري يعد عملا محفوفا بالمخاطر .<br />
<br />
وبعثت الحكومة البريطانية برسول يستطلع الموقف السياسي في [[مصر]] وقد حضر مستر " سكريفنر " رئيس إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية بعدد من زعماء المعارضة '''وخلص إلى أن الشكوى من الوزارة القائمة تنحصر في مرين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' شدة الرقابة على الصحف .<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' كثرة الاعتقالات السياسية وكان من رأي السفير البريطاني أن بعض الاعتقالات يتم لإغراض حزبية ولهذا فقد اقترح تأليف لجنة برئاسة [[أمين عثمان]] لمراجعة كشوف المعتقلين وتوضيح أسباب اعتقالهم وعلى سبيل التندر قال مستر " سكريفنر " أنه علم من مصدر ثقته أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] أمر باعتقال الطاهي الخصوصي لأنه وضع في الحساء كمية من البصل أكثر من اللازم .<br />
<br />
ووفقا لأحد المصادر وثيقة الصلة بالقصر الملكي فإن [[أحمد حسنين]] في حديثه مع " سكريفنر" قد أنحي باللائمة على بريطانيا لأنها تتمسك بوزارة قصرت في شئوت التموين وأن أهالي الصعيد قد يقومون بثورة كالتي حدثت في سنة [[1919]] وأن [[الوفد]] إذا دخل انتخابات جديدة فإنه لن يفوز بأكثر من 30 % من الأصوات .<br />
<br />
ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قد قرر خطورة المحاولات التي يبذلها القصر بهدف إطاحة بوزارة 4 [[فبراير]] لذا فقد ذهب إل ى السفير البريطاني معاتبا إياه قائلا : لقد بذلت قصاري جهدي لكي أبدو مفيدا في تلبية مطالبكم سواء بتأمين قواتكم أو بتوفير المواد الغذائية للقوات المحاربة واعتقلت غير المرغوب فيهم من الشخصيات العامة كل هذا وصل بي إلى موقف اتهمت فيه بأني أفعل ما يريده لانجليز لأبقي في الحكم وأخيرا وبعد كل ذلك أحس أنكم بدأتم تتخلون عني ويشير [[مصطفى النحاس|النحاس]] من طرف خفي أنه على استعداد لإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء الرقابة والاعتقال والعودة إلى المحاكم العادية معتادون على تحمل قدر من اللوم لا يستحقونه على مسئوليات تعد من صميم عمل الحكومة المصرية ويضيف السفير في برقيته '''قائلا : ''' أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] أصبح يدرك بصورة متزايدة المشاعر المعادية ضده بسبب عيوبه ومطاردته لخصومه السياسيين بحجة تسئ إلى بريطانيا قبل أن تسئ إلى [[الوفد]] وعموما فإن [[الوفد]] بكل عيوبه لا يزال أفضل ما نعتمد على .<br />
<br />
وإذا كان هدف بريطانيا من عودة [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] هو استقرار الأوضاع المصرية بالإضافة إلى توظيف كل الإمكانيات المصرية خدمة لقضية الحلفاء بما <br />
يضمن أمن القوات البريطانية المحاربة وتأمين ظهرها فإن هذه البرقية تضاعف من قناعتنا بأن بريطانيا كانت تهدف أيضا بعودة [[الوفد]] إلى اهتزاز ثقة الجماهير في هذا البناء الشامخ " [[الوفد]] ط حتى إذا ما انقضت الجماهير من حوله فلا مانع من أعطاء الضوء الأخضر للملك لكي يقيله لكن إقالته هذه المرة ستكون أسوأ إقالة حيث شاخ وهرم وفقد المقدرة على لتأثير وأصبح تاريخا فقط لا يحمل نبضا صادقا ولعل فاروق كان مدركا هذا المعني واثقا من محاولاته ولذا فقد سعي جاهدا لمقابلة " كيرك" السفير الأمريكي في [[القاهرة]] طالبا منه التوسط لدي الحكومة البريطانية في محاولة لإقناعها بفكرة عزل [[مصطفى النحاس|النحاس]] وحكومته ووفقا لتعبير " كيرك ": فإن الملك عاقد العزم على إنهاء الخلاف بينه وبين رئيس الوزراء بالقوة حتى ولو كلفه ذلك اعتزال العرش والإقامة في المنفي ويضيف السفير الأمريكي " أن الخلاف بين فاروق و[[مصطفى النحاس|النحاس]] من الممكن أن تكون له عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط كلها إلا أن السفير الأمريكي لم يقطع على نفسه وعد على اعتبار أن هذه المسألة تدور في إطار العلاقات البريطانية المصرية .<br />
<br />
ولعل السفير الأمريكي لم يحاول أن يقطع على نفسه وعدا قد يورط الولايات المتحدة الأمريكية في أمر يعد من أخص خصائص الحكومة البريطانية اعتمادا على أن فاروق لا يساوي خلافا بين الولايات المتحدة وحلفائها ولهذا فقد امتنع " كيرك " عن التوسط في حسم هذا الخلاف وعلي ما اعتقد أيضا فإن امتناع السفير الأمريكي عن التدخل قد يكون راجعا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تدرك أن الإمبراطورية البريطانية قد شاخت وأن مصيرها إلى زوال . والنظرة الموضوعية تقتضي التعقل بعيدا عن التدخل في صراعات قد تحدث أثارا ضارة للمصالح الأمريكية المنتظرة .<br />
<br />
وعلى ما اعتقد فإن قضية التغيير التي كان يعتبرها فاروق قضيته الأولي والأخيرة كانت أشد ما تكون ارتباطا بانتصار الحلفاء في الحرب ومع نهاية [[1944]] حيث كان الأمريكان والانجليز قد نزلوا فرنسا وبدءوا يجلون الألمان عنها وكان الروس من ناحيتهم قد قاوموا الألمان في – ستالينجراد – مقاومة اضطرتهم إلى التراجع وأتاحت للروس أن يتقدموا إلى بروسيا الشرقية وكانت بوادر نصر الحلفاء تتبدي في الأفق نصرا حاسما بغير شرط ولا قيد وأدرك البريطانيون وفقا لسياستهم التقليدية أنه لم يتبق لهم في [[مصر]] حاجة لليد الحديدية التي جعلوا [[مصطفى النحاس|النحاس]] وسيلتها منذ أن فرضوه على الحكم في 4 [[فبراير]] [[1942]] .<br />
<br />
وأدرك [[أحمد حسنين]] أن الفرصة مواتية لإقالة [[مصطفى النحاس]] وأدرك فاروق أن [[أحمد حسنين]] هو الرجل الذي من الممكن أن تقبله بريطانيا بديلا ن [[الوفد]] بعد أن استنزفت كل الوسائل المتاحة أمام القصر إلا أن بريطانيا كانت تدرك جيدا أن [[أحمد حسنين]] على الرغم من صداقته لبريطانيا إلا أنه ليس بالرجل المنتظر .<br />
<br />
'''والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة : ''' لماذا أعتقد فاروق أن [[أحمد حسنين]] هو البديل المناسب عن [[الوفد]] على الرغم من أن استمراره في منصب رئيس الديوان يعد صمام أمن لفاروق '''؟'''... وتأسيسا على العديد من القرائن [[مصطفى النحاس|النحاس]] هذا الرجل الذي استطاع أن يبث الطمأنينة في نفوس الساسة الانجليز منذ ولي الحكم في 4 [[فبراير]] ولعل هذا الاعتبار الذي استباحت من أجله بريطانيا كل القوانين والمعاهدات لا يمكن أن تقبل تغييره ولكن من الممكن أن تعيد تفكيرها إذا وجد على رأس الحكومة ما يستطيع أن يؤمن مصالح بريطانيا واختيار [[أحمد حسنين]] هذا الرجل الذي أجمع كل الساسة الانجليز على أنه لا يضمر أى نوايا عدوانية تجاه الانجليز بما عرف من صداقته للعديد من الشخصيات البريطانية وبمعني أكثر وضوحا لقد استطاع القصر أن يقدم البديل عن [[الوفد]] وعن [[مصطفى النحاس|النحاس]] أما الاعتقاد بأن [[الوفد]] يستند إلى قاعدة شعبية كبيرة تؤمن ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] أما الاعتقاد بأن [[الوفد]] يستند إلى قاعدة شعبية كبيرة تؤمن ب[[مصطفى النحاس|النحاس]] ولا ترضي عنه بديلا أعتقد أن القصر قد قدر الانهيار الذي لحق ب[[الوفد]] سواء بعد 4 [[فبراير]] أو عقب خروج مكرم عبيد ولذا فلم تعد لبريطانيا حجة من أن يستند إلى أغلبية شعبية .<br />
<br />
إلا أن بريطانيا على ما يبدو لم تكن على استعداد لإجراء أى نوع من التغيير نظرا لأن الحرب سواء في الجبهة الأفريقية '''(''' شمال أفريقيا ''')''' أو في جبهات أوربا كانت تمر بأدق وأخطر المراحل وعلى حد تعبير السفير البريطاني :" سيظل السوط معلقا على الحائط ليراه الملك بين وقت وآخر "<br />
<br />
وبالقدر الذي كانت فيه بريطانيا تحاول حماية [[الوفد]] من الإقالة كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] يلقي بكل ثقله في جانب السفير البريطاني إيمانا منه بأن بقاءه في الحكم لا يستند إلى الأغلبية ولا لغيرها من الاعتبارات وإنما يستند إلى ما يقدمه [[الوفد]] للإنجليز ولذا فقد القي [[مصطفى النحاس|النحاس]] بكل ثقله في جانب الحليفة غير مدرك لإبعاد [[السياسة]] البريطانية التي ستتخلي عنه حتما في الوقت المناسب .<br />
<br />
ووفق العديد من المخططات التي كان يقوم بها القصر فإنه لم يفقد الأمل في الإطاحة بالحكومة بل جعلها مبدأ استراتيجيا في سياسته وحتما سيكون من تحقيق أغراضه وعلى حد تعبير [[أحمد حسنين]] صبرا يا مولانا فالشباك قد أعدت "<br />
<br />
ولعل فاروق كان مقدرا طبيعة الموقف الدولي وكان يلتمس النهاية التي تمكنه من تحقيق رغبته بعد أن طال صبره ما يقرب من ثلاثة أعوام حتى كان يوم الجمعة 15 [[سبتمبر]] [[1944]] فقد بعث كبير الأمناء إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] طبقا للعادة المرعية يخبره بأن جلالة الملك سوف يؤدي صلاة الجمعة في مسجد عمرو بن العاص . ولكن الأخطار لم يتضمن دعوة رئيس الوزراء إلى مصاحبة الملك طبقا لما جرت عليه التقاليد ولما سأل [[مصطفى النحاس|النحاس]] قال له كبير الأمناء أن حسنين باشا رئيس الديوان هو الذي سيصحب الملك في موكبه .<br />
<br />
ويبدو أن هذا القرار جاء ردا على تحدي [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا للملك إذ لم يحضر ولم يعتذر عن عدم قبول الدعوة إلى مأدبة الإفطار التي أقامها الملك يوم 25 [[أغسطس]] لسفراء الدول العربية .<br />
<br />
وبينما موكب الملك يمر لأداء صلاة الجمعة لاحظ الملك بعض اللافتات وقد كتب عليها " يحيا الملك مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] " وكان اقتران اسم الملك باسم [[مصطفى النحاس|النحاس]] سببا لإصدار الأوامر من الملك إلى مدير الأمن العام [[محمود غزالي]] بك بنزع اللافتات ونفذ الأمر على الفور وفي اليوم التالي نشرت الصحف قرارا من وزير الداخلية بإيقاف مدير الأمن العام عن العمل ,<br />
وأثار هذا القرار حفيظة الملك الذي صمم بدوره على بقاء مدير الأمن العام في منصبه واتصل حسنين باشا بمستر '''(''' الآن ترنس شون''')''' القائم بأعمال السفارة البريطانية وأبلغه أنه لا يعتزم اتخاذ أى إجراء متسرع ضد الوزارة .<br />
<br />
ولكنه حفاظا لكرامة الملك يجب أن يعود [[محمود غزالي]] إلى منصبه وبادر مستر شون بإرسال خطاب إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] قال فيه أن انجلترا ما زالت تبدي اهتماما كبيرا بتأمين [[مصر]] باعتبارها قاعدة للعمليات الحربية وأنها ترغب في تجنب أية إجراءات قد تؤثر في سير المجهود الحربي .<br />
<br />
وبدا واضحا أنه لابد من تنازل أحد الفريقين حتى تمر تلك الأزمة إلا أن كل منهما قد تطلع إلى دار لسفارة البريطانية باعتبارها المصدر الفعلي لحكم البلاد وغاب عن [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن الموقف هذه المرة تحكمه اعتبارات دولية جديدة فلقد كانت الأوضاع الدولية توشك في نهاية الحرب لصالح الحلفاء في الوقت الذي كان فيه اللورد كيلرن صاحب أحداث 4 [[فبراير]] العسكرية غائبا عن [[مصر]] في رحلة صيد إلى جنوب أفريقيا وعلى ما أعتقد فإن غيابه لم يكن من قبيل المصادفة وحتى لو كان موجودا فلن يغير من الأمر شئ لأن [[السياسة]] البريطانية لا تقوم على اعتبارات شخصية وإنما تعتمد على اعتبارات موضوعية لعل في مقدمتها التخلي عن اليد الحديدية حتى يتطلع الشعب المصري إلى أمل جديد مما يخفف من حدة العداء التقليدي بين المصريين والانجليز ثم أن الرجل موضع الخلاف " [[محمود غزالي]] " كان موضع اهتمام الدوائر البريطانية وكان اختياره لهذا المنصب بناء على تعليمات الحكومة البريطانية .<br />
<br />
ولما كانت حجة انجلترا في التمسك بوزارة [[الوفد]] أنها ما زالت تحتل الأغلبية بين جماهير الشعب وأنها تتعاون بصدق مع الحليفة في سبيل المجهود الحربي أما وقد انحصر خطر الحرب عن [[مصر]] نهائيا وتوالت انتصارات الحلفاء بحيث أخذوا يستعدون لعقد مؤتمر السلام فقد تغير الموقف تماما .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن [[الوفد]] لم يدرك أن المجئ بحكومته كان لأهداف بريطانية بحتة حيث حصلت بريطانيا من [[مصر]] على كل ما ممكن أن تقدمه الدول المحاربة .<br />
<br />
أما القول بأن بريطانيا قد ساهمت في عودة [[الوفد]] لأسباب ديمقراطية بحتة فهو قول لا يستند على أى دليل مادي أو عقلي وأعتقد أن بريطانيا كانت عازمة على إقالة [[الوفد]] حتى ولو لم تحدث مشكلة غزالي بك وإلا كيف نفسر ذهاب السفير البريطاني إلى جنوب أفريقيا في رحلة صيد والحرب لم تنته بعد وجيوش الحلفاء في [[القاهرة]] وباقي العواصم لمصرية تقرب من المائة وخمسون ألفا أو يزيد وما يترب على ذلك من مشاكل تستلزم بالضرورة بقاء الرجل الذي يعلق السوط على لحائط لكي يرهب به كل من تسول له نفسه الخروج على رغبة الحكومة البريطانية .<br />
<br />
وعلى ضوء كل الاعتبارات السابقة حمل المستر شئون لقائم بأعمال السفير قرار الحكومة البريطانية إلى القصر '''وكان نصه : ''' أن حكومة صاحب الجلالة لا تريد أن تتدخل في هذا الخلاف الداخلي ومن المؤكد أن الحكومة البريطانية كانت تعني حرية القصر في إقالة الوزارة اعتقادا من الحكومة البريطانية بأن القصر لن يفوت هذه الفرصة.<br />
<br />
ووفق أحد المصادر قريبة الصلة الملكي فإن [[مصطفى النحاس|النحاس]] بعد أن أدرك حقيقة [[السياسة]] البريطانية كان يستعد لمواجهة القصر والانجليز معا وذلك بتقديم استقالته بدعوي ن الانجليز لا يستجيبون للمطالب الوطنية وأنهم يتدخلون في شئون [[مصر]] الداخلية .<br />
<br />
وواقع الأمر أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد أشار في احدي خطبة إلى ضرورة تعديل المعاهدة كما أشار إلى ضرورة صيانة حقوق [[مصر]] في [[السودان]] إلا أن السفارة البريطانية قد أدركت أهمية الموقف الذي من الممكن أن يحدث لو أقدم [[مصطفى النحاس|النحاس]] على تقديم استقالته ولذا فقد بادرت بإعطاء الضوء الأخضر حتى يتمكن القصر من تحقيق أمنيته التي يسعي إلى بلوغها منذ ثلاث سنوات .<br />
<br />
ولما كانت مناقشات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الاتحاد العربي تسير قدما نحو النجاح وتحدد يوم 5 [[أكتوبر]] سنة [[1944]] موعدا لانتهائها وتقرر الاحتفال بتوقيع ميثاق [[جامعة الدول العربية]] يوم 7 [[أكتوبر]] فكان على [[مصطفى النحاس|النحاس]] أن يتريث حتى يتم هذا العمل المجيد وبعدها يقدم استقالة مستندا إلى أسباب وطنية ومن جانب القصر كان الموقف يقتضي التريث أيضا لأن إقالة الوزارة وهي بصدد توقيع ميثاق [[الجامعة العربية]] قد يفسر بأن فاروق يعترض على قيام الوحدة العربية وهو الحريص على أن تكون له زعامتها ولهذا فقد التزم الطرفان جنب الترقب والانتظار .<br />
<br />
وفي صباح الأحد 8 [[أكتوبر]] [[1944]] ذهب [[حسن يوسف]] وكيل الديوان حاملا قرار إقالة حكومة 4 [[فبراير]] والتي ورد ذكرها على النحو التالي : لما كنت حريصا على أن تحكم بلادي وزارة ديمقراطية تعمل للوطن وتطبق أحكام الدستور نصا وروحا وتسوي بين المصريين جميعا في الحقوق والواجبات وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب فقد رأينا أن نقليكم من منصبكم .. الخ<br />
<br />
===وزارة [[أحمد ماهر]] وانتقال [[الوفد]] إلى جبهة المعارضة===<br />
<br />
وفي نفس اليوم الذي وجه فيه الملك الإقالة التي [[مصطفى النحاس|النحاس]] '''('''8 [[أكتوبر]] [[1944]]''')''' وجه أمر تأليف الوزارة إلى [[أحمد ماهر]] وكان من المتوقع أن يكون [[أحمد حسنين]] هو الرئيس الجديد '''إلا أن الموقف كانت تحكمه عدة عوامل موضوعية تفسرها القرائن الآتية : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لعل [[أحمد حسنين]] قد فضل أن يدع لغيره مواجهة التغيرات الجديدة وخصوصا وأنه كان دائم التصريح عن محاولاته المستمرة بهدف إصلاح الصراع الذي وقع في العلاقات بين القصر و[[الوفد]] نتيجة ل[[حادث 4 فبراير]] وحتى في أشد مراحل الصراع بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] عقب إقالة [[مكرم عبيد]] كان [[أحمد حسنين]] يلعب دوره وبذكاء شديد محاولا إقناع [[الوفد]] بأن رئاسة ديوان القصر تسعي لوجود نوع من التفاهم بين القصر و[[الوفد]] وعلى حد تعبير أحد المعاصرين :" لقد كان [[أحمد حسنين]] داهية سياسية يصعب فهمها وعلى ضوء كل هذه الاعتبارات فإن [[أحمد حسنين]] لم يكن من السذاجة لدرجة أنه يوافق على رئاسة الحكومة حتى لا يتهم بأنه كان وراء كل ما حدث من خلافات بين القصر و[[الوفد]] بالرغم من أننا على درجة كبيرة من القناعة التي تجعلنا نقرر بأن [[أحمد حسنين]] يعد العامل الثاني في تصدع العلاقات بين القصر و[[الوفد]] بعد العمل الأول وهو [[حادث 4 فبراير]] .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد كانت سياسة القصر قائمة على مبدأ تدمير [[الوفد]] والتجاوز عن فكرة الدستور أو القانون و[[أحمد حسنين]] بما عرف عنه من ذكاء وحنكة لا يمكن أن يكون كبش الفداء حيث تعود دائما أن يعمل من خلف الستار وكان اختيار [[أحمد ماهر]] ليس من قبيل المصادفة بل لما عرف عنه من كراهية شديدة للنحاس تؤهله أن يكون الزراع التي تمكن القصر من اقتلاع عروش [[الوفد]].<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن منصب رئيس الديوان لا يقل أهمية عن منصب رئيس الحكومة علاوة على أن منصب رئيس الديوان يتسم بالثبات والاستقرار بعد مشاحنات الأحزاب بل غالبا ما كانت الأحزاب تلجأ إلى رئيس الديوان لحسم أى نوع من الخلافات التي تقع سواء بين الأحزاب وبعضها أو بين الأحزاب والملك وما كان ل[[أحمد حسنين]] وهو في موقع الاختيار أن يقبل عن منصب رئيس الديوان بديلا وخصوصا في تلك الفترة التي تسلتزم وفقا لسياسة القصر العديد من الإجراءات التي لا تتفق مع مبدأ الدستور أو القانون .<br />
<br />
وعلى الرغم من اعترافنا صراحة بأن [[الوفد]] قد تجاوز في تصرفاته إلى درجة لا تتفق وتاريخ هذا البناء الشامخ وإذا كان الدستور قد أعطي الملك حرية إقالة الحكومة باعتباره حقا مقررا في الدستور إلا أن هذا الحق ليس مطلقا بل مقيدا بشرط ألا تنقل السلطة من الشعب إلى الملك بل لابد من العودة إلى الأمة باعتبارها مصدر السلطات واستطلاع رأيها من خلال انتخابات حرة يتبين منها مصدر السلطات واستطلاع رأيها من خلال انتخابات حرة يتبين منها الرأي الصحيح للشعب إلا أن أحزاب الأقلية مجتمعة ما عدا [[الحزب الوطني]] كانت تسبح بحمد الملك وتقبله مصدرا لكل السلطات ولم يتورع رئيس الحكومة الجديدة من أن يتهم [[مصطفى النحاس|النحاس]] صراحة بأنه كان أسوأ الديكتاتوريين وأنه كان يحكم [[مصر]] بأساليب هتلر وموسليني .<br />
<br />
ووصلت الحملة على [[الوفد]] ذروتها حينما تقرر تشكيل لجنة تحقيق يترأسها [[مكرم عبيد]] لتقدم تقريرا عن أعمال الفساد والمحسوبية المنسوبتان إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] ووزرائه وأقاربه '''ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصدر الملك مرسوما بقانون هذا نصه : '''<br />
<br />
'''مادة 1 : ''' تبطل فيما يتعلق بالدرجة والماهية جميع التعيينات الاستثنائية في المدة من 6 [[فبراير]] سنة [[1942]] وحتى 8 [[أكتوبر]] سنة [[1944]] وكذلك جميع التعيينات التي تمت في المدة المذكورة ولا يسري الحكم السابق على التعيينات التي صدر بها مرسوم أو أمر ملكي .<br />
<br />
'''مادة 2 : ''' يبطل بالنسبة لأرباب المعاشات أيضا ويسري المعاش على أساس الماهية التي تستحق طبقا لتلك الأحكام مع إدخال المدة التي تكون قد أضيفت في حسابات المعاشات على ألا تتجاوز عامان .<br />
<br />
وعلى ضوء المذكرة التفسيرية للقانون السابق فإن الأمر يبدو أكثر غرابة حيث إبانت المذكرة العلة القانونية في بطلان العلاوات والترقيات والتعيينات على اعتبار أنه لم يقصد في مجموعها تحقيق المصلحة العامة وإنما كان الباعث إليها هو محاباة ذوي القربي وإرضاء الشهوات السياسية على حساب المصلحة العامة .<br />
<br />
ولعل من البديهيات أن كل الحكومات التي تعاقبت على حكم [[مصر]] في الفترة من [[1937]] – [[1945]] قد اتخذت من الاستثناءات والمحسوبيات وسيلة لتدعيم مكانتها وسلاحا تشهره في وجه معارضيها سواء لصالح أنصارها أو في النيل من معارضيها حتى باتت فكرة " الاستثناءات " وكأنها ظاهرة طبيعية في الحياة السياسية المصرية وفي الوقت الذي كانت تلجأ فيه الحكومة " أية حكومة " إلى التشهير بفكرة الاستثناءات تكون هي أكثر الحكومات عملا بذلك [[السياسة]] وغالبا ما كانت تلجأ الحكومات إلى تبرير هذا السلوك ولم تعدم المبررات التي تسوغها للإقدام على هذا السلوك الذي استقر في المجتمع المصري وأصبح سمة مميزة في تاريخ كل الوزارات المصرية المتعاقبة .<br />
<br />
ولعل هذا السلوك قد خلق روح التذمر بين الموظفين فشاع الحقد وعمت الغيرة وفترة همة الموظفين عن العمل وانصرف البعض للبحث عن وساطة تشفع لهم عند القائمين بالحكم بل وعمت روح النفاق والتملق وهاتان الظاهرتان قد استشرفا في دماء المجتمع المصري وكأنهما علامة مميزة لتلك الفترة .<br />
<br />
والملاحظ على حكومة [[أحمد ماهر]] أنها تألفت من جميع الأحزاب المصرية فيما عدا [[الوفد]] ولم تشمل أحدا من المستقلين ولعل الهدف من وراء ذلك أن تكون الحكومة الجديدة بديلا مناسبا عن [[الوفد]] ويبدو هذا من اقتراح لملك فاروق يتساوي عدد المرشحين لمجلس النواب من بين الأحزاب الأربعة المشتركة في الحكم والهيئة السعدية [[الأحرار الدستوريون]] , الحرب الوطني , الكتلة [[الوفد]]ية''')''' .<br />
<br />
ولعل فاروق كان يهدف من اقتراحه إيجاد نوع من التعامل بين الأحزاب المشتركة في الحكم مما لا يرجح كفة على أخري وبالتالي يتمكن الملك من توجيه [[السياسة]] العامة باعتباره صاحب الفضل الأول في المجئ بأحزاب الأقلية في الحكم .<br />
<br />
إلا أن الدكتور [[أحمد ماهر]] لم يوافق على هذه الفكرة على اعتبار أن مشورة الملك تسوي بين جميع الأحزاب في عدد الأعضاء بالرغم من أن بعض الأحزاب مثل الكتلة [[الوفد]]ية و[[الحزب الوطني]] ليس لديهم من المشرحين ما يمكنهم من النجاح في الانتخابات غلا عددا يسيرا وفضلا عن ذلك فإن أحمد ماهر لا يريد أن يجعل مركزه رهنا برضاء هذا الحزب أو غضب ذاك عليه ولابد له من عدة مناسب من الأعضاء يستطيع الاطمئنان إلى تأييده لبقاء الوزارة واستمرارها .<br />
<br />
ويعترف أحد زعماء الهيئة السعدية الدكتور [[أحمد ماهر]] قد اعترض على فكرة التساوي بين الأحزاب بسبب سياسة القصر التي تريد أن تبسط نفوذها وسيطرتها التامة على الحكومة عن طريق تمزيق الأحزاب وخلق حزازات بل وعداوات صريحة بين بعضهم البعض لتضرب هذا بذاك إلى آخر سياسة " فرق تسد" وأن خطة [[أحمد ماهر]] كانت قائمة على فكرة جمع الشمل ودمج الأحزاب كلها في كتلة واحدة تواجه القصر والاستعمار معا .<br />
<br />
'''وعلى ما أعتقد فإن هذه الرواية لا تحمل قدرا كبيرا من الحقيقة للأسباب الآتية :- '''<br />
<br />
'''1-''' ان اعتراض الدكتور ماهر وفق رواية الدكتور هيكل لم يكن بسبب القصر وإنما لحاجة الدكتور ماهر إلى قاعدة برلمانية تساند الحكومة في سياستها حتى لا تفشل الحكومة بحجة فشل الائتلاف .<br />
<br />
'''2-''' إذا كان اعتراض الدكتور ماهر على مبدأ التساوي بين الأحزاب في الانتخابات المقترحة فكيف يمكن إقرار فكرة الدمج التي تعتمد أولا وقبل كل شئ على إنكار لذاتية والموافقة على قبول الهوية العامة التي ترضها جميع الأحزاب ما عدا [[الوفد]] " تحت مبادئ الهيئة السعدية وهو مالا نعتقد بصحته إطلاقا .<br />
<br />
'''3-''' أن المساوئ التي كان يتسم بها القصر لم تكن حديث الأحزاب المعارضة في تلك الفترة وإنما كانت جميعها تسبح بحمد القصر وتود لو انتزعت من الحقوق الدستورية لصالح القصر ثمنا لبقائها في الحكم .<br />
<br />
ونظرا لأن كل القوي المناوئة للوفد وعلى رأسها القصر كانت ما تزال تئن من الضربات الشديدة التي تلقتها من [[الوفد]] فقد اتفق الجميع على تأليف لجنة تسمي " لجنة الترشيح للانتخابات وتكونت من الأحزاب الأربعة المشتركة في الوزارة '''وتم الاتفاق على تقسيم الدوائر إلى طائفتين : ''' دوائر مغلقة ودوائر مفتوحة أما الدوائر المغلقة فهي التي تتفق الأحزاب الأربعة على ترشيح شخص بذاته في كل دائرة منها أما الدوائر المفتوحة فهي التي تركب ليرشح فيها كل حزب ما يشاء ... وإنما قصد بهذا التقسيم أن يترك لكل حزب فرصة النجاح بالعدد الذي يختاره ممن يستطيعون النجاح في هذه الدوائر المفتوحة .<br />
<br />
وهكذا وزعت الأدوار وقسمت الدوائر وكان [[الوفد]] لم يعد له أى تأثير أو وجود في الحياة السياسية المصرية وبينما الدكتور ماهر قد وجه كلمته المشهورة إلى [[مصطفى النحاس|النحاس]] في اجتماع قصر عابدين مساء 4 [[فبراير]] – لقد قبلت المجئ يا نحاس باشا على أسنة الحراب البريطانية – ماذا يمكن أن نفسر مجئ الدكتور ماهر إلى الحكم على أسنة حراب القصر وتواطؤ الأحزاب التي تفتقد إلى الجماهيرية الفعلية لقد بات واضحا وفقا لسياسة القصر أن الهدف الأساسي من المجئ بحكومة [[أحمد ماهر]] هو المزيد من التشهير ب[[الوفد]] والتنكيل بزعمائه والنيل منه بل وضربه الضربة القاضية أن أمكن إلا أن الحوادث قد كذبت ظن الدكتور ماهر فبينما كان [[الوفد]] قد خسر أكثر من نصف أنصاره في آخر حكمه إذا بإقالته بهذه الصورة يبدو – أن خطأ أو صوابا – شهيدا وإذا بالناس يتأولون سبب إقالته كل حسب اتجاهه ولكن كل سبب قيل أو انصراف إليه الخاطر لم يكن في صالح الوزارة الجديدة بسبب تواطؤها الواضح مع القصر وبعدها عن مبدأ الديمقراطية .<br />
<br />
ثم كانت انتخابات مجلس النواب والتي تشبه إلى حد كبير انتخابات [[1938]] والتي أجرتها حكومة [[محمد محمود]] حيث عدلت الدوائر الانتخابية من جديد وتم نقل أو فضل العديد من مديري الأقاليم وبات واضحا أن الانتخابات ستزيف لذا كان قرار [[الوفد]] بمقاطعة الانتخابات . <br />
<br />
ويرجع أحد المعاصرين عدم دخول [[الوفد]] في انتخابات [[1944]] إلى شعر [[الوفد]]يين بأنهم فقدوا ثقة غالبية الشعب بسبب مساوئ حكومة 4 [[فبراير]] وطغيانها وتصرفاتها المنافية للعدل والاستقامة والنزاهة من هنا فقد آثروا الامتناع عن دخول الانتخابات سترا لفشلهم المرتقب ولكي ينسي الناس مع الزمن سيئاتهم لعلمهم في بلد كل شئ فيه ينسي بعد حين.<br />
<br />
ولعل [[الوفد]] قد ارتضي أن يبقي بعيدا عن مسرح [[السياسة]] وسواء أكان هذا إيمانا منه بأن إرادة الأمة ستزيف أو لاعتقاده بان [[الوفد]]يين فقدوا ثقة غالبية الشعب إلا أن هذا الموقف يعد ذكاء سياسيا ماهرا فلقد ضاعف من الاعتقاد القائل بان [[الوفد]] يعد شهيد الديمقراطية ولأن [[السياسة]] التي سارعت عليها أحزاب الأقلية " المشتركة في الحكم والتجاوزات العديدة التي أحدثتها والاضطهاد الواضحة التي لقيها [[الوفد]]يون كل هذه الأمور قد أعادت إلى [[الوفد]] بعضا من مكانته التي فقدها وسط الجماهير ولعل من الصعب تحقيق هذه المكاسب لو ارتضي [[الوفد]] الدخول في عملية الانتخابات في وقت يعلم أن إرادة القصر قد أجمعت على سقوطه فلم يكن من المقبول أن يكذب القصر نفسه حيث قد أجمعت على سقوطه فلم يكن من لمقبول أن يكذب القصر نفسه حيث كان قرار إقالة [[الوفد]] لما كانت حريصا على أن تحكم بلادي وزارة ديمقراطية تعمل للوطن وتطبق أحكام الدستور وتسوي بين المصريين جميعا في الحقوق والواجبات وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب فقد رأينا أن نقليكم من منصبكم .<br />
<br />
فليس من المعقول وقد أقر الملك حقيقة مؤكدة من وجهة نظره " وهي أن [[الوفد]] لم يعد يحظي بالإجماع الشعبي" لافتقاده إلى الأسباب التي وردت في قرار الإقالة وليس من المعقول أن يكذب القصر نفسه ويحظي [[الوفد]] بالأغلبية البرلمانية أى أن كل العوامل قد أجمعت على سقوط [[الوفد]] لذا فقد ارتضي [[الوفد]] لنفسه موقفا يتفق ومصلحته الفعلية وهو عدم دخول الانتخابات .<br />
<br />
وكان مطلوبا أن يشمل التغيير مجلس الشيوخ وفقا لمواد الدستور القاضية بذلك وتمكن الدكتور [[أحمد ماهر]] من استصدار مرسوم بإلغاء لتجديد النصفي الذي أقره [[الوفد]] سنة [[1942]] والعودة إلى تعيينات سري باشا سنة [[1941]] وظل [[الوفد]] يرقب التطورات إلا أنه لم يكن ساكنا والأسهم توجه إليه من كل صوب بل انه قد استطاع أن يحرك بعض قواعده وخصوصا الطلاب إلا أن حركة [[الوفد]] هذه المرة لم تكن بالاتساع الذي تخشاه الحكومة وتمكن الدكتور ماهر بحكم خبرته القديمة وحنكته السياسية أن يتصدي لتيار مظاهرات الطلاب [[الوفد]]يين وان يضعف من فاعليتها حيث قام بنفسه بالذهاب إلى جامعة فؤاد الأول وأجري حوارا ديمقراطيا مع زعماء الطلاب تمكن من إقناعهم بالعدول عن تظاهرهم .<br />
<br />
وبالرغم من أن النية كانت متجهة ليس فقط إلى محاكمة الوزراء [[الوفد]]يين وإنما إلى محاكمة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه إلا أن لحكومة البريطاني اعتقادا منها بأن التجاوزات التي أتي بها [[مصطفى النحاس|النحاس]] في مجملها أتت بناء على نصائح الدولة الحليفة لذا فقد القي السفير بكل ثقله منعا لمحاكمة [[مصطفى النحاس|النحاس]] .<br />
<br />
وعلى ما أعتقد فإن تدخل السفير البريطاني ليحول دون محاكمة [[مصطفى النحاس|النحاس]] لم يكن بهدف الإخلاص للوفد بقدر ما هو حماية للمصالح البريطانية على اعتبار ان بريطانيا تعد شريكا متضامنا مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] في كل التجاوزات التي أحدثها لذا فقد تدخلت الحكومة البريطانية التي لم تجد صعوبة في إقناع الدكتور ماهر إلا أن المحاكمة قد شملت عددا من أقارب ومحاسيب لنحاس حيث حكمت محكمة [[القاهرة]] العسكرية على كل من [[أحمد الوكيل]] " شقيق حرم [[مصطفى النحاس|النحاس]] " بالحبس مع الشغل سنة وتغريمه خمسمائة جنيه وأمرت بوقف تنفيذ الحكم .<br />
<br />
ويلاحظ على سياسة حكومة [[أحمد ماهر]] أنها أعطت قدرا كبيرا من اهتمامها المطاردة [[الوفد]] وتعقب إتباعه سواء بالفصل أو النقل وبقيت الأوضاع السياسية والاقتصادية كما هي سواء فيما يتعلق بالأحكام العرفية لتي ظلت مضروبة على البلاد وبقيت الرقابة الصحفية على الصحف والمطبوعات وذهبت هباء الصحيات المتكررة والتي كان يطلقها أعضاء هذه الوزارة حينما كانوا في المعارضة من وجوب إلغاء الأحكام العرفية وما يتبعها من إجراءات استثنائية إلا أن الحرية قد مورست من جانب واحد وهو الهجوم على [[الوفد]] ومحاولة النيل منه .<br />
<br />
ولعل من أهم الموضوعات التي واجهتها حكومة الدكتور [[أحمد ماهر]] قضية دخول [[مصر]] الحرب حيث زلت منذ قيام [[الحرب العالمية الثانية]] – [[سبتمبر]] [[1939]] – دولة غير محاربة على الرغم من أنها قد قدمت للحلفاء سواء في شكل مساعدات اقتصادية أو في استغلال موقع [[مصر]] كخط مواجهة ضد الألمان في الجبهة الأفريقية ما يمكننا من القول بأن [[مصر]] قد قدمت من الإمكانيات مالا يقل عن الاشتراك الفعلي في الحرب .<br />
<br />
وحرصت كل الحكومات المتعاقبة على سياسة تجنيب [[مصر]] ويلات الحرب إلا أن رئيس الوزراء الدكتور [[أحمد ماهر]] اتجه تفكيره غلى إحياء هذه الفكرة من جديد واخذ يعدد المزايا التي ستحصل عليها [[مصر]] من جراء دخولها الحرب '''وعلى حد قوله : ''' أن ما يصيب الدول من الحياة أو الموت إنما يقدر بمقدار نصيبها من الدفاع عن نفسها والتضحية في سبيل هذا الدفاع .<br />
<br />
وتمشيا مع الدعوة التي أطلقها الدكتور أحم ماهر أضافت احدي الصحف التي تعب وجهة نظر بعض الأحزاب داخل الحكومة أن إعلان [[مصر]] الحزب لن يقدم شيئا سوي تأكيد الوضع القائم .<br />
<br />
وأخذت نفس الصحيفة في تفنيد الإشاعات القائلة بأن [[مصر]] ستقدم المال والرجال بسبب ذلك ورأت أن [[مصر]] قد خرجت بثلاث فوائد من وراء دخولها الحرب فهي دعمت مركزها الدولي أنها لم تعد مقيدة بالميدان السياسي للعلاقات مع بريطانيا ثم أنها من ناحية ثالثة ستعطي [[مصر]] حقا شرعيا يمكنها من الاشتراك في مؤتمر السلام الذي ستدعي إليه كل الدول المحاربة .<br />
<br />
وشاركت – [[السياسة]] – لسان حال [[الأحرار الدستوريين]] في نفس الحملة حيث رأت أن اشتراك [[مصر]] في مؤتمر السلام أمل يراود كل القوي الوطنية وعلى الرأي العام أن يتفهم حقيقة تلك الدعوة التي تنفق ومصالح [[مصر]] الحقيقية وقامت العديد من الصحف التي تناصر الحكومة بالدعوة إلى نفس الفكرة .<br />
<br />
ويعتقد بعض المعاصرين أن الدكتور [[أحمد ماهر]] قد تلقي من الحكومة الأمريكية أن دول الحلفاء '''(''' أمريكا انجلترا فرنسا الصين , روسيا ''')''' وكان يعبر عن رؤسائها يؤمئذ بالخمسة الكبار ستعقد مؤتمرا بسان فرنسسكو في [[أبريل]] [[1945]] لإنشاء منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة المم وأن الدول التي تشترك في هذه المنظمة يجب أن تعلن الحرب على خصوم الحلفاء قبل أول [[مارس]] [[1945]].<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الدكتور [[أحمد ماهر]] قد اتخذ من مؤتمر سان فرنسسكو ذريعة لاقحام [[مصر]] في بوتقة الصراع الدولي بالغم من أن الحرب قد أوشكت على الانتهاء وتقرر مصيرها لصالح الحلفاء ولم يكن أمام أحمد ما هو وحكومته إلا الاستجابة لطلب تقدم به السفير البريطاني في منتصف [[فبراير]] سنة [[1945]] بإعلان [[مصر]] دولة محاربة إذا رغبت في الاستمتاع بعضوية مؤتمر سان فرنسسكو ولقد أحدثت هذه [[السياسة]] ردود فعل متباينة لدى جميع المصريين على اختلاف اتجاهاتهم فبينما السعديون وعلى رأسهم الدكتور [[أحمد ماهر]]ا كانوا يرون أن تتخذ الحكومة قرار دخول الحرب دون استشارة البرلمان فقد صمم [[مكرم عبيد]] وحزب الكتلة على أن يكون اتخاذ القرار من خلال البرلمان أمام [[الحزب الوطني]] والذي كان يمثله [[حافظ رمضان]] داخل الوزارة فقد اعتنق مبدأ لمعارضة وقدم استقالته احتجاجا على تلك [[السياسة]] لولا أن تدخل فاروق شخصيا وأقنعه بسحب استقالة.<br />
<br />
أما الدكتور هيكل زعيم [[الأحرار الدستوريين]] فقد وافق على فكرة دخول [[مصر]] الحرب اعتقادا منه بان هذه الخطوة ستكن [[مصر]] من الدخول في الحلبة الدولية وخروجها من الدائرة الثنائية التي تحصر علاقاتها الدولية في حدود ما بينها وبين انجلترا .<br />
<br />
أما [[الوفد]] فقد رفض هذا الموضوع وأخذ على الحكومة تهورها وعدم اهتمامها بمصالح [[مصر]] وطالب [[الوفد]] من خلال بيان وزرعه على كل الأحزاب والشخصيات العامة والهيئات السياسية والبرلمانية طالبا من كل مصري غيور على وطنه أن يحارب قضية دخول [[مصر]] الحرب بكل ما أوتي من قوة .<br />
<br />
ومن المؤكد أن [[الوفد]] قد استغل دعوة الحكومة لدخول [[مصر]] الحرب واستثمرها لصالحه وعلى ما يبدو فإنه قد حقق قدرا كبيرا من النجاح نظرا لأن غالبية الشعب المصري كانت لا تؤيد هذه الفكرة وأن تعاطف بعض الجماهير مع قضية الحلفاء لم يكن إلا بالقدر الذي تفق والمصالح الحقيقية لتلك الجماهير ونظرا للثار التي لحقت بالمجتمع المصري من جراء التعاون المطلق مع قضية الحلفاء فإن فكرة السير في هذا الطريق أبعد من ذلك كانت لا تجد مع قضية الحلفاء السير في هذا الطريق أبعد من ذلك كانت لا تجد لها صدي لدي الغالبية العظمي من الشعب المصري .<br />
<br />
ولقد أخطأ الدكتور ماهر عندما نفي عن الاستعمار البريطاني أغراضه الاقتصادية واخطأ حينما اعتبر دخول [[مصر]] الحرب هو العامل الوحيد الذي يؤهلها للحصول على استقلالها بعد الحرب وحين قرر أن عدم إعلان الحرب يعطي انجلترا الحق في أبقاء قواتها في الأراضي المصرية لحماية [[مصر]] وحماية مصالح بريطانيا فلقد ذهب الدكتور ماهر في ذلك إلى ما لم يكن في وسع انجلتا أن تعلنه صراحة لأن حق [[مصر]] في استقلال والجلاء حق طبيعي لا يتعلق بمصالح بريطانيا ويتضاعف خطأ الدكتور [[أحمد ماهر]] إذا أدركنا أن كان يعرف أن الرأي العام المصري لا يؤيد فكرة دخول [[مصر]] الحرب وإذا أدركنا أيضا أن قرار دخول [[مصر]] الحرب وخصوصا بعد أن حسمت الحرب لصالح الحلفاء كان لا يتفق والكرامة المصرية .. ووفقا لكل هذه الاعتبارات فإنني أعتقد أن سياسة الدكتور ماهر تجاه هذه القضية الشائكة تعد خطأ سياسيا كبيرا دفع [[أحمد ماهر]] حياته ثمنا لما أعتقد أنه في صالح [[مصر]].<br />
<br />
ومن خلال هذا الجو المشحون بالمحاذير ألقي رئيس الوزراء [[أحمد ماهر]] مساء السبت 24 [[فبراير]] سنة [[1945]] وفي جلسة سرية لمجلس النواب قرار دخول [[مصر]] الحرب ضد اليابان وألمانيا وأشار رئيس الحكومة إلى أن [[مصر]] سوف تحقق بإعلانها الحرب هدفها في أن تجعل صوتها مسموعا دفاعا عن حقوقها ومصالحها الوطنية وأشار إلى أن دولا أخري مثل [[العراق]] وإيران قد أعلنتا الحرب دون أن تقدم أى معونة مادية وأن السفير البريطاني قد أبلغه أن حكومته راضية تماما عن الدور الذي لعبته [[مصر]] في الحرب وأنها حرة في اعلان الحرب حتى تتمكن من الاشتراك في مؤتمر السلام .<br />
<br />
وعلى الرغم من عدم إيماننا بالعنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية إلا أن الدكتور ماهر وحكومته يعدان مسئولان عما حدث بسبب الخروج على القواعد الدستورية والاندفاع في تيارات من الحكم لا تتفق ومصالح [[مصر]] الحقيقية في وقت كان الشعب المصري يعلق أملا كبيرا على انتهاء الحرب ويعتقد أن من حقه طبقا للمبادئ التي أعلنها " فرنكلين روزفلت " رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وسماها الحريات الأربع أن تتبوأ [[مصر]] مكانتها الدولية بعيدا عن فكرة دخول الحرب ولعل لديه من الأسباب والمبررات يمكنه من إقناع الدول الكبري بفكرته إلا أنه قد اختار الطريق الذي دفع ثمنه غاليا .<br />
<br />
وفي ساعة متأخرة من الليلة التي قتل فيها [[أحمد ماهر]] تم تأليف وزارة [[محمود فهمي النقراشي]] '''(''' 24 [[فبراير]] سنة [[1945]] ''')''' وقد ألفها من أعضاء وزارة [[أحمد ماهر]] دون تغيير أو تبديل وتولي [[النقراشي]] الرئاسة والداخلية والخارجية وفي 26 [[فبراير]] سنة [[1945]] انعقد البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ وأقر المجلسان قيام حالة الحرب ضد ألمانيا واليابان وايطاليا .<br />
<br />
ولقد أراد [[الوفد]] أن ينتهز فرصة إعلان الحرب ضد المحور وأن يقوم بمناورة سياسية تشبه مناورته التي قام بها في أول [[أبريل]] [[1941]] إذ قدم [[الوفد]] مذكرة للسفير البريطاني تتضمن نفس المطالب التي تقدم بها في [[أبريل]] سنة [[1941]] والتي كانت تدور حول المطالبة التام وقيام الوحدة بين [[مصر]] و[[السودان]] إلا أن الرأي العام قد فقد ثقته في [[الوفد]] ومناوراته وأخذت الجماهير تبحث عن زعامة جديدة وأخذ الوعي القومي يتسرب إلى صفوف المثقفين على أسس واضحة وازدات الروح القومية تطرفا واكتسبت شعورا بالعداء للأجانب وأخذ الطلبة والعمال يلتفون حول مبادئ وفلسفات جديدة اعتقادا منهم بأن القوي التقليدية قد اهترأت ولم تعد تعبر عن الروح الوطنية المعاصرة .<br />
<br />
وفي 27 من [[مايو]] سنة [[1945]] استسلمت ألمانيا وفي [[أغسطس]] من تلك السنة استسلمت اليابان وبذلك انتهت [[الحرب العالمية الثانية]] بعد خمس سنوات وثمانية أشهر وستة أيام .<br />
<br />
وبالرغم من أن العديد من الصحف حاولت أن تضلل الرأي العام المصري على اعتبار أن حادث الاغتيال ظاهرة عادية لا تستحق كل هذا الاهتمام وأنها تحدث في كل المجتمعات إلا أن هذا الحكم يفتقد إلى الموضوعية وعدم الإدراك الفعلي لطبيعة المرحلة التي كانت تمر بها البلاد فلقد أحدثت [[الحرب العالمية الثانية]] حالة من الحضور الذهني داخل المجتمع لمصري حيث اتسعت قاعدة العمال والطلاب والموظفين وأصحاب المهن الحرة وقد واكب هذا جموع المصريين المهتمين ب[[السياسة]] والمشتغلين بها ومن خلال التصور الحقيقي لواقع المجتمع المصري في تلك الفترة وعلى ضوء الرؤيا الموضوعية يمكننا القول أن سلوك الأحزاب المصرية وتسابقها الواضح في التملق للمحتل والمزايدات العديدة التي أحدثتها أحزاب المعارضة عقب 4 [[فبراير]] سنة [[1942]] كل هذه المواقف قد أحدثت صدمة أليمة داخل المجتمع المصري وخصوصا لدي الشباب وليس من قبيل المصادفة أن يكون الشباب في طليعة القوي التي تقدم على حوادث الاغتيال السياسي بدأ بقضية [[بطرس غالي]] سنة [[1810]] والتي اضطلع بها [[إبراهيم الورداني]] " 21 سنة" ومرورا بقضية [[أمين عثمان]] والتي اضطلع بها أيضا [[حسن توفيق]] " 20 سنة" وانتهاء بقضية الدكتور [[أحمد ماهر]] والتي نفذها [[محمود العيسوي]] " 22 سنة ".<br />
<br />
لقد كان من المتوقع أن يتقدم الدكتور [[أحمد ماهر]] عقب رئاسته للحكومة بالمطالبة بتحديد شكل الوجود البريطانية في [[مصر]] والمطالبة بجلاء القوات البريطانية والاعتراف بحق [[مصر]] في [[السودان]] فلم يكن الموقف يتحمل مزيدا من المهاترات وبدلا من أن تتقدم الحكومة بكل المطالب راح رئيسها يشيد بالعلاقات المصرية لبريطانية حتى صرح لمندوب مجلة وكالة الأنباء الفرنسية أنه لا يمكن السير في اية سياسة مصرية معقولة إلا بالتفاهم مع الأمة البريطانية العظيمة التي تفاخر [[مصر]] بأنها حليفة لها ويبرر الدكتور [[أحمد ماهر]] المخالفات التي أحدثها الوجود البريطاني على الأرض المصرية '''قائلا : ''' أن الأخطاء التي ارتكبت هنا وهناك لم يكن في الإمكان اجتنابها ويجب ألا تترك أى أثرا أو مرارة في النفوس .. وتعلق وكالة الأنباء الفرنسية على تصريحات الدكتور ماهر قائلة : لقد أفضي رئيس الوزراء بهذه التصريحات بينما كان المستر ايدن وزير الخارجية البريطانية في [[القاهرة]] وهذا مما يكسبها أهمية خاصة .<br />
<br />
وكان طبيعيا أن تفقد الأحزاب المصرية أهميته حيث لم تعد تعبر عن واقع المجتمع المصري الجديد الذي صنعته أحداث الحرب مما أدي إلى نمو سريع للتنظيمات السياسية العقائدية – [[الإخوان]] – الشيوعيون – [[مصر الفتاة]] - ولعل أساليب هذه التنظيمات تختلف كثيرا عن أساليب الأحزاب التقليدية حيث اصطبغت الأساليب لجديدة بصبغة من لعنف كانت وراء الكثير من أسباب الاضطرابات خلال تلك لفترة .<br />
<br />
وحرصا من حكومة [[النقراشي]] على تهدئة المشاعر الثائرة ونظرا لعدم وجود حجة موضوعية تسوقها للبقاء علي الأحكام العرفية فاضطرت لرفع الرقابة على الصحف وإلغاء الأحكام العرفية في [[أكتوبر]] سنة [[1945]] .<br />
<br />
وبرفع الرقابة على الصحف وإلغاء الأحكام العرفية أخذت العديد من الصحف تتربص بالحكومة وتطلق على [[النقراشي]] التعليقات اللاذعة كما حدث عندما أسمته – رجل الوقت المناسب – تعليقا على تصريح له بأنه ينتظر الوقت المناسب للتقدم بمطالب [[مصر]] الوطنية وعندما أطلقت عليه " أبو خطوة " ردا على قوله بأنه قد اتخذ خطوة في سبيل تحقيق الأماني الوطنية .<br />
<br />
وأمام الضغط الشديد الذي واجهته حكومة [[النقراشي]] سواء بسبب استقالة [[حافظ رمضان]] رئيس [[الحزب الوطني]] ووزير العدل من الوزارة في [[ديسمبر]] سنة [[1945]]م احتجاجا على اتجاه الوزارة إلى المفاوضات قبل الجلاء بما يناقض مبدأ الحزب العتيد أو بسب مماطلة الحكومة البريطانية في الرد على المذكرة التي قدمتها الحكومة المصرية '''(''' 20 [[ديسمبر]] سنة [[1945]]''')''' تطلب فتح باب المفاوضات . <br />
<br />
وأمام العديد من الضغوط التي واجهتها الحكومة وعدم استطاعتها التقدم خطوة ترضي الرغبات الوطنية وانتشرت بين الناس عبارة " سياسة الصمت" لم يجد [[النقراشي]] قولا يردده إلا أنه ينتظر الوقت المناسب مما ضاعف من إحراج الحكومة وعجل باستقالة [[مكرم عبيد]] والكتلة [[الوفد]]ية 14 [[فبراير]] سنة [[1946]] مما عجل بانهيار الائتلاف الوزاري عموما .<br />
<br />
==الفصل السابع : الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل حكومة 4 [[فبراير]]==<br />
<br />
=== [[السياسة]] الزراعية والتموينية ===<br />
<br />
لقد شاءت الظروف أن تندلع الحرب العلمية الثانية و[[مصر]] مكبلة ب[[معاهدة 1936]] تلك المعاهدة التي ألزمت [[مصر]] بإعلان الأحكام العرفية وهكذا منحت الفرصة لكي تطلق بريطانيا يدها ليس فقط في الشئون السياسية بل في الشئون الاقتصادية أيضا وإخضاع اقتصاد [[مصر]] لخدمة الجيوش المتحالفة وقد تمثل ذلك بصورة واضحة في [[السياسة]] الزراعية التي ألزمت بها الحكومات المصرية طوال فترة الحرب .<br />
<br />
ولعل الحكومة البريطانية كانت مقدرة أهمية الاقتصاد الزراعي المصري وضرورة توجيهه لسد العجز الواضح في المواد الغذائية بسبب صعوبة النقل البحري .<br />
<br />
ولا شك أن حالة الحرب وسيطرة الدول المحاربة على البحار قد جعلت [[مصر]] في عزلة اقتصادية عن العالم ولم تستطيع تصريف حاصلاتها وخصوصا القطن إلا إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأصبح الانجليز يتحكمون في سعر القطن والحاصلات الزراعية الأخرى ففي عام [[1940]] اشتروا القطن المصري بسعر 20 ريالا للقنطار بينما كان يباع في الأسواق الأجنبية بخمسة وثلاثين ريالا .<br />
<br />
وبالرغم من أهمية إخضاع [[السياسة]] الزراعية المصرية لخدمة أغراض بريطانيا زمن الحرب إلا أن وجهة النظر البريطانية اعتبرت أن تردي الحالة الزراعية في [[مصر]] يعد تأكيدا لدعايات المحور تلك التي تحاول إقناع المصريين بأن سبب شقائهم هم البريطانيون والذين ينتهزون فرصة الحرب ويتحكمون في أسعار القطن طبقا لمصالحهم الخاصة ويضيف السفير البريطاني في تقريره أنه لابد من دحض هذه المقولة العدائية والتي لن تتحقق إلا بشراء القطن المصري بأسعار أكثر ارتفاعا من الأسعار الحالية لأن المسألة ليست اقتصادية بحتة بل هي ضرورة سياسية ومن باب العدل أن نعترف بأن الحرب قد جلبت الشقاء على الشعب المصري ومن الخطر أن نترك المصريين تحت شعور الإحساس بالظلم وخصوصا وأن ما يردده رجل الشارع العادي يتفق بصورة كبيرة مع ما يردده الأعداء وبدلا من أن تسعي بريطانيا لكسب ود المصريين عن طريق حل المشاكل الاقتصادية لناجمة عن الحرب إلا أنها قد عملت على تأليف لجنة تسمي باللجنة البريطانية المصرية احتكرت كل محصول القطن خلال سنوات الحرب ومنعت التنافس على شرائه وباتت أى دولة تريد شراء أى كمية من القطن المصري لا تأتي إلى السوق المصرية بل تشتري ما تريده عن طريق هذه اللجنة وخسرت البلاد من جراء ذلك العديد من ملايين لجنيهات وثقة من بريطانيا في أن [[مصر]] لن تتمكن من إيجاد سوق عالمي لتصريف إنتاجها بسبب التكتلات الدولية الناجمة عن الحرب فقد تحكمت في سوق القطن المصري بلا أى منافسة وعجزت الحكومة المصرية عن إيجاد سوق بديل لهذا المحصول الذي يعد عمود الاقتصاد للشعب المصري .<br />
<br />
ووفقا لحاجة بريطانيا إلى الحاصلات الزراعية أكثر من حاجتها إلى القطن فقد أخطرت الحكومة المصرية سنة [[1941]] أنها غير مستعدة لشراء أكثر من نصف المحصول الجيد وبنفس أسعار العام السابق ولما كانت الحكومة المصرية قد قررت رفع سعر القطن بمقدار ريالين للقنطار فإنها قد تحملت وحدها هذا الفرق عن المحصول كله كما كان عليها أن تشتري النصف الباقي من المحصول ولم تجد وسيلة لذلك سوي إصدار قرض قدره ثلاثة عشر مليونا من الجنيهات طرحته على دفعتين ومن الطريف أن الصحف البريطانية قد حاولت تبرير فرص هذا السعر المنخفض بحجة أن رفع أسعار القطن لا يفيد سوي حفنة من الباشوات مما أثار قلق هؤلاء الباشوات حيث انبرت صحيفة [[الوفد]] المصري قائلة '''(''' لمصلحة من يريدون بذور الشقاق بين هذه الطبقات وإحداث مشكلة اجتماعية من أعقد المشكلات التي أقلقت بال أمم كثيرة و[[مصر]] بقيت ناجية منها إلى الآن بفضل الله ويبدو أن غالبية أعضاء مجلس الشيوخ – وهم من الباشوات – وقد ضايقهم هذا القول لدرجة أن أحدهم قد اتهم الانجليز صراحة بأذنهم لا يتأثرون إلا بمصلحتهم وأن سياسيتهم في شراء القطن لا تقوم فقط على تحقيق مصالحهم وإنما على سياسة " إفقار الشعوب الحكومة " <br />
<br />
ويبدو ان حكومة [[الوفد]] '''(''' 4 [[فبراير]] [[1942]]''')''' رأت أنه من الضروري أحداث تغيير في المساحة المنزرعة قطنا وضرورة التوسع في إنتاج الحبوب والغلال <br />
وصدر أمر عسكري في [[سبتمبر]] [[1942]] يقضي بتحديد مساحات القمح والشعير بما لا يقل عن 50% من الأراضي الواقعة في شمال الدلتا , 60 من بقية مناطق القطر وقد قرر مجلس الوزراء منع زراعة القطن في مديرتي [[القليوبية]] و[[المنوفية]] وبعض مناطق مديريات [[الشرقية]] و[[الدقهلية]] و[[الغربية]] وبعض المناطق في مديريتي [[أسيوط]] وجرجا شرق النيل وزيادة المساحة المنزرعة ذرة بنوعيها '''(''' العويجة والشامية ''')''' وكذلك زيادة المساحة المنزرعة أرزا وحددت الكمية المنزرعة قطنا عن الموسم الزراعي [[1942]] /[[1943]] بحوالي 700,000 فدان بدلا من 1,750,000 عن الأعوام السابقة .<br />
<br />
وكان من المتوقع أن تبادر بريطانيا إلى شراء كميات القطن المصري والذي كان يصدر إلى بلاد الأعداء فتحمي أسعاره من الهبوط وتبرهن على تقديرها للمخالفة وما تؤديه [[مصر]] من خدمات – ولكن بريطانيا وبيوت المال فيها أثرت أن تنتهز الفرصة للكسب غير المشروع على حساب [[مصر]] وفرض سياسات معينة على البلاد ولم يقتصر النهاب البريطاني على محصول القطن بل تعداه لى المحاصيل الغذائية كالأرز والقمح والذرة حيث فقدت [[مصر]] أسواقها في الخارج وتحولت [[مصر]] من دولة مصدرة إلى دولة تقاسي عجزا رهيبا في جميع المواد الغذائية .<br />
<br />
وفي الوقت الذي صارت فيه نهبا لبريطانيا وحلفائها وبالرغم من الانخفاض في أسعار القطن المصري انخفاضا ملحوظا فقد ارتفعت أسعار باقي المواد الغذائية وأهمها القمح ولذا بادر مجلس النواب بتشكيل لجنة " شئون القطن والمحاصيل الزراعية " وخرجت اللجنة بالعديد من التوصيات التي تعبر عن سوء الأحوال الاقتصادية عموما حيث اعتبرت اللجنة في احدي توصياتها " أن ربح الزراع يقدر بقيمة التبن فقط وعلى حد قول أحد الأعضاء تعليقا على هذه الحقيقة الخطيرة لقد كانت اللجنة مسرفة جدا في تقديرها لأن ارتفاع أسعار السماد وفرض الضريبة الجديدة على الأرض الزراعية يحرم الفلاح حتى من قيمة التبن "<br />
<br />
ويمضي التقدير ليعكس وبصورة أكيدة تدهور الحياة الاقتصادية حيث كان ثمن ضريبة الأرز في الأعوام السابقة ثمانية جنيهات فأصبح ثلاثة عشر جنيها كذلك استيلاء الحكومة على البذرة بثمن قدره 85 قرشا وأخذت تبيعها بسعر 110 قروش فارتفع تبعا لذلك ثمن الكسب ثم أن وزارة المواصلات رفعت أجر النقل وتضع اللجنة يدها على خطورة الحالة بقولها أن رفع سعر أى محصول يتبعه حتما رفع سعر أى محصول يتبعه حتما رفع المحاصيل الأخرى وتبعا لذلك فإن موجة الغلاء ستستمر في الارتفاع الأمر الذي يحدث اضطرابا وتقلقلا في أجور العمال والموظفين والمستخدمين وأصحاب الإيراد المحدود ويخل بالميزانية العام ووفقا لتدهور الحياة الاقتصادية في [[مصر]] عموما وفي القرية المصرية على وجه الخصوص فلقد تردت حياة الفلاح المصري عموما وعامل اليومية على وجه الخصوص حيث انخفضت أسعار العمال الزراعيين إلى حد يصعب على العامل أن يوفر قوت يومه فما بالنا بضرورات الحياة من ملبس وخلافه .<br />
<br />
ومما يلفت النظر في دراسة السياسية الزراعية في تلك الفترة بروز أسلوب جديد من الاستغلال يعد سببا في إلقاء عبء الأزمة على صغار الزراعيين وهو أسلوب المضاربة بالأراضي الزراعية حيث كان استئجار الأراضي الزراعية ثم إعادة تأجيرها أكثر ربحا بالنسبة لكبار ملاك الأراضي في [[مصر]] وارتفع عدد لمستأجرين إلى مليوني شخص وشهدت مداولات مجلس النواب والشيوخ العديد من الأسباب التي أدت تفاقم الأوضاع بهذا الشكل .<br />
<br />
ويبدو أن حكومة 4 [[فبراير]] قد عجزت عن مواجهة تلك الحالة المتردية مما دعاها إلى إشراك الحكومة البريطانية في وضع حلول عملية لتلك الحالة حيث شكلت لجنة انجليزية مصرية بناء على اقتراح السفير البريطاني وكانت مهمة تلك اللجنة شراء القمح بسعر ثلاثة جنيهات للأردب ثم بيعه للجمهور بنصف هذا المبلغ عن طريق البطاقات التي أعدت لهذا الغرض إلا أن كل تلك الحلول لم تحقق الغرض منها نظرا لاعتماد جيوش الحلفاء في أوقات كثيرة على الحاصلات الزراعية المصرية وأيضا يسبب نقص السماد لعدم إمكانية الاستيراد بسبب ظروف الحرب وحدد العجز في كميات الحبوب عموما بمليونين وثلاثمائة أردب من القمح والذرة وعلى الرغم من تخفيض نسبة زراعة القطن في شمال الدلتا إلى 27 % وجنوب الدلتا والوجه القبلي بنسبة 23 % ولو أضيفت ماسحة 88 ألف فدان وهي الأرض التي تزرع بالحياض وممنوع زراعة القطن فيها فإذا أضيفت كل هذه المساحات إلى نسبة 60 % من الأرض الزراعية المعدة لزراعة القمح فإن نسبة الأراضي الزراعية المعدة لزراعة الحبوب تقدر بأكثر من 85% من قيمة الأرض الزراعية عموما .<br />
<br />
وبصدد مواجهة النقص الواضح من المواد الغذائية فقد وافق مجلس لنواب على اعتماد مبلغ 12,884,51 جنيها من فائض ميزانية [[1941]] – [[1942]] لسد الخسارة في عمليات التسليف على القمح وتصديره والتموين لعام [[1943]]<br />
1, 318, 448 لسد الغاز في محصول الذرة .<br />
<br />
'''وعلى ضوء مهام الحاكم العسكري العام فلقد صدر الأمر العسكري الآتي : '''<br />
<br />
'''مادة 1 : ''' يحظر حتى نهاية [[أغسطس]] [[1942]] إجراء أى بيع للقمح من موسم عام [[1942]] ويستثني من ذلك عقود البيع الصادرة للحكومة .<br />
<br />
'''مادة 2: ''' تلغي بحكم القانون عقود القمح المبرمة من 7 [[أبريل]] إلى صدور هذا الأمر والمنصبة على مقادير من القمح غير واجبة التسليم إلى الحكومة ويجب على المشترين أو غيرهم من الحائزين خلال شهر من تاريخ صدور هذا الأمر أن يسلموا إلى الحكومة مقادير موضوع التعاقد المشار إليها في الفقرة السابقة بثمن قدره 300 قرش للأردب من قيمة القمح الهندي , 285 قرش للأردب من القمح البلدي .<br />
<br />
'''مادة 3 : ''' يحظر نقل القمح خرج حدود المديرية الموجود فيها قبل الحصول على ترخيص بذلك من وزارة التموين .<br />
<br />
'''مادة 4 : ''' كل محالفة الأحكام هذا الأمر يعاقب مرتكبها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 50 إلى 500 جنيه وفي جميع الحالات يضبط ويصادر القمح موضوع المخالفة .<br />
<br />
'''مادة 5: ''' يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة وبغرامة من 50 إلى 500 جنيه كل من اشترك كبائع أو وسيط.<br />
<br />
'''مادة 6 : ''' تصرف مكافأة مالية لكل شخص يقوم بضبط أو تسهيل ضبط ومصادرة ومقادير القمح موضوع الجرائم .<br />
<br />
ويبدو من الأمر العسكري السابق أن الحاكم العسكري لعام '''(''' رئيس الوزراء ''')''' قد استخدم سلطانه إلى أبعد حد فلم تقتصر مهامه على أمر الاعتقال النفي والمصادرة للصحف بل تعداه ليشمل الأوضاع الاقتصادية التي تتعلق بشكل أو بآخر بقضية الحلفاء وعلى الرغم مما أصاب البلاد بسبب ارتباطها بالحلفاء إلا أن بريطانيا لم تقدم أية معونة أو حتى تدفع ثمن ما تشتريه مما أدي إلى ارتفاع رهيب في قيمة الحاصلات الزراعية وصل في السوق السوداء إلى عشر إضعاف السعر الحقيقي .<br />
<br />
ولقد حدد حجم ما تصرفه الجيوش المتحالفة داخل الأراضي المصرية بمبلغ ستة وثلاثين مليونا من الجنيهات كل عام لا تدفع منها مليما واحدا والمسالة تمضي هكذا فانجلترا تريد أن تحول مثلا عشرة أو خمسة ملايين من الجنيهات إلى جنودها في [[مصر]] أنها تقول لبنك انجلترا ضع تحت تصرف البنك الأهلي المصري خمسة ملايين من الجنيهات لحساب الجيش البريطاني فيراسل الأهلي المصري خمسة ملانين من الجنيهات لحساب الجيش البريطاني فيرسل البنك إلى فرع الإصدار في [[القاهرة]] برقية يطلب فيها إصدار بنكوت مصري بخمسة ملايين جنيه مقابل شراء سندات على الخزانة البريطانية قصيرة الأجل لنفس القيمة بفائدة تقل عن 1 % ومدتها تقل عن ستة أشهر فالبنك الأهلي يشتري في لندن هذه السندات ويصدر بقيمتها في [[مصر]] أوراق بنكوت يسلمها إلى الضباط فهم والحالة هذه لا يدفعون مالا أو بضاعة ولكنهم يقدمون كمبيالات وفي مقابل الكمبيالات تعطيهم [[مصر]] عمله متداولة فيؤجر البيت الذي كان إيجاره خمسة أو عشرة جنيهات بخمسين أو مائة ويشترون المواد الغذائية بأثمان مرتفعة ثم يأتي المستهلك المصري فلا يجد شيئا بالسعر الذي حددته الحكومة '''ولذا فقد اقترح حلا لهذه المشاكل ما يأتي : '''<br />
<br />
'''1-''' فصل الجنيه المصري في الجنيه الانجليزي.<br />
<br />
'''2-''' أن تبحث انجلترا عن مصدر لمعيشة جنودها غير [[مصر]] <br />
<br />
'''3-''' ترك الاستيراد حرا .<br />
<br />
ووفق اعتقادي فإن حكومة [[الوفد]] قد عجزت طوال عام [[1942]] عن إيجاد حلول في عملية للخروج من أزمة المواد الغذائية ومع مطلع عام [[1943]] أصدر وزير التموين بيانا بشئون الحاصلات الزراعية '''قال فيه : ''' " لقد مرت البلاد بظروف قاسية كانت البلاد فيها على شفا مجاعة وكانت [[القاهرة]] وباقي المديريات تترقب قوتها يوما بيوم بل كان الكثيرون يبيتون على الطوي في انتظار الرغيف المرتجي في الصباح المبكر .<br />
<br />
وبصدد الحد من تفاقم أزمة الخبز فقد أصدرت حكومة [[الوفد]] تشريعا يحدد الرغيف القانوني " الذي ثمنه 6 مليمات ووزنه 75 جرام ويحتوي على 15 % دقيق مخلوط من القمح 15 % دقيق أرز ثم مالبث أن تغيرت النسب إلى 50% قمح , 25 من دقيق الذرة , 25 من دقيق الأرز وبذلك اختفي الرغيف الأبيض من الحياة اليومية للمستهلك المصري .<br />
<br />
'''ولما كانت المشاكل الاقتصادية قد امتدت لتشمل كل المواد الغذائية تقريبا فقد أصدر الحاكم العسكري العام أمرا هذا نصه : '''<br />
<br />
'''مادة 1: ''' لا يجوز بعد ظهر الأحد وحتى صباح الأربعاء أن تذبح الحيوانات المعدة لحومها للأكل ولا يجوز ذبح الحيوانات في الأيام الأخرى من الأسبوع إلا بمقدار كمية من اللحم تساوي المتوسط اليومي لذبائح السلخانة أو المكان الذي يقوم مقامها في الأسبوع المقابل له من سنة [[1940]]ناقصا 10%<br />
<br />
'''مادة 2 : ''' يتولي إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة للقرارات الصادرة بتنفيذ هذا الأمر رجال الضبطية القضائية .<br />
<br />
'''مادة 3 : ''' يعاقب كل من يخالف أحكام القرارات التي تصدر تنفيذا لهذا الأمر بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة من خمسة جنيهات إلى خمسين جنيها أو بأحد هاتين العقوبتين ويحكم بإغلاق المحل الذي وقعت فيه الذبيحة لمدة ثمانية أيام وفي حالة العودة يكون الإغلاق من خمسة عشر يوما إلى شهر ويبدو أن ما يتعلق بالإنتاج الزراعي قد مثل مشكلة استعصي على الحكومة حلها بما في ذلك السكر حيث استولت الحكومة على مقادير السكر المخزون لدي الشركة العامة لمصانع السكر وبناء على قرار الحاكم العسكري العام تلتزم لشركة العامة لمصانع السكر بتسليم كل ما تنتجه إلى الحكومة وتظل شروط الاتفاقات المبرمة بين الحكومة والشركة نافذة المفعول حتى الحكومة أن المشكلة قد انتهت بالفعل .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية في محاولة منها لتبديد حالة الشعور بالغضب والتي سيطرت على الشعب المصري فقد أصدرت بيانا نشرته معظم الصحف المصرية يحمل حملة شديدة على الدعايات التي يشنها الأعداء من أن وجود القوات المتحالفة هي سبب نقص الغذاء في [[مصر]] وشمل البيان ما يفيد من أنه لا علاقة بين الأزمة الغذائية المتردية في [[مصر]] والقوات المحاربة مؤكدا على أن الحكومة البريطانية قد قامت بتقديم العديد من المواد الغذائية إلى الحكومة المصرية .<br />
<br />
وتبدو المغالطات واضحة في بيان الحكومة البريطانية وإذا تغاضينا عن حقيقة مؤكدة وهي أن [[مصر]] كانت تصدر فائضا من احتياجات الغذائية قبل الحرب يقدر بعدة ملايين من الجنيهات بخلاف القطن الذي يمثل صلب الاقتصاد المصري إذا تغاضينا عن كل ذلك وتركنا الأرقام لتنطق بمدلولها حيث بلغن الأرصدة الإسترلينية المستحقة الدفع على الحكومة البريطانية سنة [[1945]]'''(''' بعد انتهار الحرب''')''' أربعمائة وخمسين مليونا من الجنيهات وهذه الأرصدة كلها نظير مواد غذائية وقطنية ومرتبات حصلت عليها القوات البريطانية وكانت سببا من أسباب التضخم وهبوط القيمة الشرائية للنقد مما أدي إلى الغلاء الفاحش في الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة حيث بلغ هذا الارتفاع رقما قياسيا كبيرا إذ وصلت في أواخر الحرب إلى 350 في المائة عما كانت عليه قبل الحرب مع أنها لم تزد في انجلترا عن 135 في المائة وفي الولايات المتحدة عن 145 في المائة في حين أن [[مصر]] كانت تنتج حاجاتها من المواد الغذائية والبلاد التي تنتج هذه الحاجات كجنوب أفريقيا واستراليا لم تزد تكاليف المعيشة فيها عن 120 في المائة .<br />
<br />
وعلى الرغم مما وصلت إليه الحالة الزراعية والتموينية عموما وذلك بسبب تجنيد كل إمكانيات [[مصر]] لخدمة الحليفة إلا أن [[السياسة]] الحزبية التي اتسم بها حكم [[الوفد]] بدأ من سنة [[1942]] وحتى سنة [[1944]] قد مكنت العديد من المضاربين وتجار السوق السوداء وسماسرة الحروب من السيطرة على قطاعات كبيرة من الاقتصاد المصري وذلك عن طريق أذونات الاستيراد التي كانت مصدرا ثراء لأقارب وأصهار [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى البسطاء من الفلاحين حيث الوسطاء بالتحكم في محصول البطاطس وقيامهم بدور الوسيط لتموين الجيوش البريطانية من هذا المحصول الهام مما تسبب في هبوط سعره ولم يقتصر المر على محصول البطاطس بل تعداه إلى القمح حيث كان من اختصاص وزير التموين الموافقة على أية كمية سواء للأفراد أو للهيئات ويبدو أن حكومة [[الوفد]] قد جرت في سياستها التموينية على إصلاح ما أفسده [[حادث 4 فبراير]] [[1942]].<br />
<br />
ولعل الاستجواب الذي تقدم به النائب أبو المجد محمد الناظر '''(''' عن دائرة قنا ''')''' قد كشف العديد من الجوانب الهامة حول هذا الموضوع '''حيث يضيف قائلا : '''<br />
" أن مديرية قنا تصرف مائة أردب من لقمح شهريا لأحمد عبود باشا بناحية أرمنت بدعوي تموين المستخدمين وتصرف المديرية أيضا ثلاثمائة أردب قمحا شهريا لمصنع السكر بأرمنت بدعوي تموين العمال .<br />
<br />
'''وعلى ضوء المناقشات الحامية التي دارت في مجلس النواب أمكننا الوصول إلى عدة اعتبارات تؤكد [[السياسة]] الحزبية التي سارت عليها الحكومة ومن أهمها : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن تفتيش عبود باشا قد قام بزراعة مساحات طائلة من القمح أنتجت 400 أردب وقد لجأ وكيل عبود باشا إلى حيلة : وهي أنه ادعي أن ما أنتجه التفتيش من القمح لا يتعدي الحاجة إلى التقاوي وبذلك فوت على الحكومة الحصول على حصتها التي تقدر 240 أردب ثم حصل التفتيش فيما بعد على حصته من التقاوي من بنك التسليف .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن الحصة التي تصرف لدائرة عبود باشا ولمصنع السكر تقدر بربع تموين مركز الأقصر البالغ عدد سكانه 175 ألف.<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن العاملين بمصنع السكر ودائرة عبود باشا يحصلون على مستحقاتهم من القمح كغيرهم من المواطنين بواسطة البطاقات التي أعدت لهذا الغرض .<br />
<br />
ولعل بعض الأعضاء المعارضون للحكومة داخل مجلس النواب قد طلبوا من وزير التموين وضع ضوابط موضوعية يتم على أساسها توزيع الحاصلات الغذائية إلا أن الغالبية [[الوفد]]ية قد صادرت هذا الاقتراح بحجة أن مديريات [[مصر]] تختلف عن بعضها في أمور جوهرية وما يصلح في الوجه البحري قد لا يصلح في الوجه القبلي ويبدو بطلان حجة الحكومة البحري إلى المواد التموينية وأن الهدف من الاقتراح الذي تقدمت به المعارضة لا يمكن أن يعترض عليه إلا المغرضون والمستفيدون من النظام القائم.<br />
<br />
وشهدت القرية المصرية فترات عصيبة بسبب قلة إنتاجية محصول القطن بسبب انخفاض سعره واستيلاء الحكومة على المحاصيل الزراعية مما أدي إلى ارتفاع سعرها فقد كان علي الفلاح الصغير أن يشتري ما يسد رمق أسرته من السوق السوداء والذي وصل سعر اردب القمح فيه على سبيل المثال عشرة جنيهات في حين أن الحكومة كانت تستولي عليه بثلاثة جنيهات فقط وقس على ذلك باقي المواد الغذائية الأخرى ومن الواضح أن الحكومة أحست بحرج شديد أمام تلك الحالة المتردية ولذا فقد تقدمت بمشروع تجميد الأقساط المتأخرة والمستحقة للبنك الزراعي المصري والبنك العقاري المصري وبك الأراضي المصري لغاية آخر [[ديسمبر]] [[1942]] .<br />
<br />
ولعل الهدف من هذا القانون على ما يبدو كان بسبب ما تفشي في البلاد من معاملات الربا وعجز الفلاح عن السداد مما ضطره إلى الإقدام على بيع الأراضي الزراعية لصالح المرابين وأغلبهم من عملاء الإقطاعيين والباشوات مما سبب بضياع الملكيات الصغيرة .<br />
<br />
'''وبصدد دراسة الملكيات الزراعية وتطورها تبدو عدة حقائق غاية في الخطورة من أهمها : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' أن كبار الملاك '''(''' أما الذين يملكون 50 فدانا فأكثر ''')''' وعددهم 12018 يملكون 2508286 فدانا أما بقية السكان وعددهم ما يقرب من 15 مليون فلا يملكون شيئا .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن مقدار الأراضي التي يملكها كبار الملاك كانت في زيادة مستمرة وهذه الزيادة لا يمكن أن تكون إلا على حساب صغار الملاك الذين يفقدون أملاكهم ووفق الإحصاءات الرسمية فلقد كان كبار الملاك يملكون في سنة [[1939]] – 2481250 فدانا , وفي سنة [[1940]] – 2496546 فدانا وفي سنة [[1941]] – 2508286 فدانا وفي نفس الوقت قل عددهم من 12248 في سنة [[1939]] إلى 12018 في سنة [[1941]].<br />
<br />
ولو استمر الحال على تلك الطريقة فقد تصل النتيجة إلى أن يملك ألف مالك مثلا الأكثرية الساحقة لأراضي القطر .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' لقد انخفض سعر الفدان من الأراضي الزراعية إلى قيمة النصف تقريبا على نظيره قبل سنة [[1938]] ولذا فقد شهدت الفترة من [[1939]] وحتى أوائل [[1944]] أكبر تحول في شكل الملكيات الزراعية وكانت جميع هذه التحولات تتم لصالح كبار الملاك الذين كانوا في الغالب لا يقطنون القرية وإنما كانوا يمارسون دورا اقتصاديا خطيرا عن طريق وكلائهم في القرية .<br />
<br />
ونظرا لأن الظاهرة كانت صارخة بسبب ما يمكن أن يترتب عليها من هزات عنيفة حيث أن الحروب الكبرى يتبعها دائما ناشط زائد في السعي إلى عدالة التوزيع للثروات وعدالة الاستمتاع بالحياة ولم تكن ظهور [[الشيوعية]] عقب [[الحرب العالمية الأولى]] في دولة تبلغ مساحتها سدس مساحة العالم من قبيل المصادفة . لذا كان لزاما أن يعاد النظر في الفروق الطبقية الشاسعة داخل المجتمع المصري ومن هنا فقد تقدم النائب [[محمد خطاب]] عضو مجلس الشيوخ بمشروع قانون يحظر شراء الأراضي على الذين زيد أملاكهم على خمسين فدانا ويبدو أن هذه لم تكن المرة الأولي التي يتقدم فيها بعض النواب بطلب تحديد الملكية الزراعية حيث سبقتها دعوي [[عبد الرحمن عزام]] النواب بطلب تحديد الملكية الزراعية حيث سبقتها دعوي [[عبد الرحمن عزام]] سنة [[1924]] حينما تقدم للبرلمان طالبا تحديد الملكية بمائة فدان للشخص الواحد.<br />
<br />
'''وعلى الرغم من أهمية هذا المشروع وما يترتب عليه من استقرار الحياة الاقتصادية إلا أن القانون في صورته النهائية قد خلا من المحتوي الاجتماعي لصالح السواد الأعظم من الشعب ويبدو هذا واضحا من خلال مواده : '''<br />
<br />
'''مادة 1: ''' كل شخص يملك خمسين فدانا أو أكثر من الأراضي الزراعية لا يجوز أن ينتقلا إلى ملكيته أرض زراعية جديدة وكل عقد يؤدي إلى ذلك يعد باطلا .<br />
<br />
'''مادة 2: ''' لا يسري حكم المادة السابقة على الأراضي الزراعية التي تؤول إلى الأفراد بطريقة الميراث .<br />
<br />
'''مادة 3 : ''' لا يجوز الوقف فيما لا يزيد على الخمسين فدانا للشخص الواحد إذا لم يكن وارثا فإذا كان وارثا فلا يجوز أن يزيد ما يوقف عليه عن حصته الشرعية أو خمسين فدانا أيهما أكثر. <br />
<br />
'''مادة 4 : ''' يستثني من أحكام هذا القانون أطيان الحكومة والأراضي غير المستصلحة والتي لا تدفع عنها ضريبة أطيان .<br />
<br />
'''مادة 5 : ''' على وزير المالية العدل تنفيذ هذا القانون كل منهما فيما يخصه .<br />
<br />
وأعتقد أن هذا القانون لم يحقق أي نوع من التغيير في شكل الملكيات الزراعية حيث كان من السهل التحايل على هذا القانون وشراء الأراضي بأسماء الأبناء والأقارب وبمقارنة شكل الملكيات عقب صدور هذا القانون بنظائرها قبل صدوره يبدو أنه لم يحقق الغرض الذي أنشئ من أجله وهو الحد من ضياع الملكيات الصغيرة يؤدي بدوره إلى انتشار التعاون الزراعي الذي لم يقدر له في [[مصر]] أى نجاح في الفترة موضع البحث .<br />
<br />
ووفق اعتقادي فإن المحافظة على لملكيات الصغيرة مرتبط أشد الارتباط باستقلال الحقيقي حيث أن استقلال الاقتصادي وتعميق الشعور بالانتماء وكرامة الأفراد التي يتكون من مجموعها كرامة الوطن كل هذه الأمور تعد جذور أكيدة للاستقلال السياسي وكلما ارتفع مستوي المعيشة للأفراد زادت بلا شك قوة الأمة وحيويتها .<br />
<br />
=== الصناعة والتجارة وإخضاعهما لخدمة الحلفاء===<br />
<br />
لقد كانت الحرب العالمية فرصة للمزيد من النمو الصناعي حيث أخذت الصناعة المصرية تنتعش انتعاشا حقيقيا وخصوصا بعد اشتراك ايطاليا إلى جانب ألمانيا في الحرب فقد ترتب على هذا إغلاق البحر المتوسط أمام حركة التجارة ومن ثم اعتمدت كافة الصناعات على المواد المحلية سواء منها ما كان خاصا بمصانع الحلفاء أو ما كان خاصا بالنشاط الرأسمالي الوطني فخلال الحرب قد نمت الصناعة بمعدل 5,5% سنويا وزاد إنتاج صناعة النسيج بمعدل 14,5% في العام الواحد ووصل إنتاج الصناعة عموما من أربعة ملايين سنة [[1939]] إلى ثلاثة وعشرون مليونا سنة [[1943]].<br />
<br />
وعلى ضوء النمو الصناعي الذي شهدته البلاد خلال [[الحرب العالمية الثانية]] فلقد ازداد انسحاب المصانع الصغيرة من حلبة المنافسة ونقص عدد المصانع الصغيرة التي تقل قيمة إنتاجها السنوي عن 500 جنيه من 94,9% إلى 37,7% بينما ارتفع عدد المصانع التي يزيد إنتاجها عن 1000 جنيه من 15 , 7 إلى 22,7 %<br />
<br />
وعلى الرغم من هذا النمو الصناعي وما ترتب عليه من ارتفاع في متوسط دخل العامل إلا أن هذا الارتفاع لم يكن يمثل القيمة الفعلية لارتفاع الحاجيات المعيشية فلقد وصل متوسط دخل العامل شهريا 293 قرشا في حين أن إردب القمح قد وصل سعره في السوق إلى ما يقرب من عشر جنيهات .<br />
<br />
ومن المعتقد أن حكومة 4 [[فبراير]] [[1942]] لم تدرك الدلالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تركتها أثار الحرب حيث زادت الهوة بين الأغنياء والفقراء ففيما بين عامي [[1940]] – [[1944]] ارتفع عد أصحاب الملايين في [[مصر]] من 50 إلى 400 وزادت الودائع في البنوك من 45 إلى 120 مليون من الجنيهات .<br />
<br />
وعلى الرغم من زيادة أصحاب الملايين وارتفاع حجم الودائع في البنوك إلا أن هاتان الظرهاتان لم يواكبهما نموا ملحوظا في الاقتصاد الإنتاجي ففي عام [[1942]] أغلق ما يزيد على 110,000 نوع من أنواع النسيج بسبب عدم قدرة هذه المصانع الصغيرة على المنافسة وعجزت الحكومة عن إيجاد حل لهذه المشكلة ولما تقدم النائب محمد الفرنواني عضو مجلس النواب بسؤال إلى وزير التموين بخصوص الآثار التي نجمت عن الحرب فيما يتعلق بمصانع الغزل وما تحصل عليه القوات للبريطانية وهل هناك علاقة بين ما تحصل عليه القوات البريطانية والحالة المتردية لمصانع الغزل الصغيرة لجأ وزير التموين إلى الغموض في إجابته ملقيا بالمسئولية على الوزارات التي تعاقبت على الحكم منذ قيام الحرب وعلى حد قوله : فإن السياسات الخاطئة التي سارت عليها الحكومات السابقة هي التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة .<br />
<br />
وبينما طرأ تحسن واضح على بعض الصناعات الأخرى مثل المواد الكيماوية وصناعة الماط فقد تعرضت صناعة الحرير الصناعي للتدهور لعدم وجود المواد الأولية وكادت تغلق المصانع لولا تدخل الحكومة وتقديم بعض المعونات لها .<br />
<br />
أما باقي الصناعات التي كانت مرتبطة بحاجة الحلفاء فقد كانت في نمو وازدياد مستمر فلقد زاد إنتاج صناعة الجبن من 100,50 طن في العام في الفترة قبل الحرب إلى 1800 طن عام [[1943]] وزادت صناعة تجفيف الخضر والفاكهة من لا شئ تقريبا إلى 1700 طن في المتوسط وبلغ سنويا كما زاد إنتاج صناعة الأسمنت من 365 طن قبل الحرب إلى 420,000 طن بعد الحرب .<br />
<br />
وعلى ضوء الاعتبارات العديدة التي اقتضتها ظروف الحرب فقد كان من الطبيعي أو يواكب هذا كله نموا ملحوظا في الصناعة حتى يمكن استيعاب حاجة السوق من الإنتاج والاستهلاك فأخذ عدد المصانع في الازدياد حتى بلغ عام [[1944]] – 129,220 مصنعا بلغ عدد المشتغلين فيهم 457,954 ويلاحظ تركز الإنتاج الصناعي في يد قلة من الرأسماليين المصريين بعد أن انعدمت المنافسة بينهم وبين أصحاب المصانع الصغيرة '''وتفسيرا لهذه الظاهرة التي تركت بعدا اجتماعيا خطيرا على المجتمع المصري خلال تلك الفترة فمن الممكن ردها إلى عدة أسباب : '''<br />
<br />
'''أولا : ''' ظهرت سياسة الاحتكار في أشكال متعددة ولفئة ارتبطت مصالحها ببعض لعناصر التي كانت قريبة من الحكومة وما كان انشقاق [[مكرم عبيد]] عن [[الوفد]] سنة [[1942]] إلا دليلا على وجود العديد من أشكال الاحتكار .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' لقد اعتمد [[حزب الوفد]] بدأ من سنة [[1942]] على بعض العناصر [[الرأسمالية]] التي تمثل ثقلا هاما داخل المجتمع المصري وكان من الصعب على هذه العناصر أن تتجاهل مصالحها الاقتصادية بل على العكس فقد اتخذت من موقعها الجديد داخل الهيئة الحاكمة فرصة الحصول على العديد من التسهيلات سواء في شكل أذونات تصدير واستيراد أو إعانات كانت تخصها الحكومة لبعض الصناعات التي وشك الانهيار .<br />
<br />
'''ثالثا: ''' ارتباط عدد كبير من الرأسماليين بمصالح الاحتلال الذي سهل لهم في مناسبات عديدة الحصول على بعض الامتيازات التي عجز أصحاب المصانع الصغيرة من الحصول عليها وأمام اختفاء المنافسة الأجنبية وازدياد الطلب على إنتاج المحلي وحاجة جيوش الحلفاء إلى العديد من المواد الصناعية فقد انتعشت الصناعة عموما وانعكس ذلك على ميزانيات الشركات المنتجة ومقدار الأرباح التي تحصل عليها.<br />
<br />
ووفقا لما اقره مجلس الشيوخ فإن وزارة التجارة والصناعة قد عنيت بكافة الأساليب التي من شأنها الأخذ بيد الصناعات المحلية وتنشيطها والعمل على إنشاء بنك صناعي تقتصر مهمته على دعم الصناعات المحلية وتشجيعها .<br />
<br />
ومن الملاحظ أن الرأسماليين المصريين قد نشطوا نشاطا ملحوظا وغامروا في تمويل أنواع من الصناعات التي اقتضتها ظروف الحرب مثل صناعة الكيماويات وإنتاج الحرير الصناعي وصناعة المعلبات الغذائية وغير ذلك من الصناعات التي تخدم جيوش الاحتلال وبلغ عدد الشركات المساهمة التي أنشئت خصيصا لهذا الغرض 375 شركة مساهمة بلغ رأسمالها في مجموعة 78 مليون جنيه منها شركة مصرية الجنسية بلغ رأسمالها في مجمله 69 مليون جنيه .<br />
<br />
ولا شك أن نجاح هؤلاء المغامرين لم يكن مرده إلى كفاية خارقة أو موهبة متميزة وإنما مرده إلى تأثير هذه النخبة في نظام الحكم والتمتع بالحماية الجمركية إذا ما هددت صناعاتهم من المنافسة الأجنبية ولذا فقد تميزت [[الرأسمالية]] المصرية بخصائص معينة أهمها أنها لم تتجه إلى لتخصص في مجالات اقتصادية معينة وإنما كان فريق كبير منها يجمع بين المجالات الثلاثة تارة صناعة مال رغبة في الكسب السريع الميسور وامتلاك حرية الحركة التي تمكنه من تحقيق أكبر عائد من الربح في أقل وقت ممكن .<br />
<br />
وبعد هذا العرض يتبين أن [[الحرب العالمية الثانية]] قد أفادت [[الرأسمالية]] المصرية فائدة عظمي في تدعيم مركزها المالي وقوتها الاقتصادية وقد ظهر ذلك عند انتهاء الحرب حيث تراكمت رؤوس أموال ضخمة في أيدي هذه الطبقة جعلت منها قوة اقتصادية واجتماعية هامة وبرزت في محيط [[الرأسمالية]] الوطنية مجموعة كبيرة من أسماء الباشوات والبكوات الذين جمعوا بين الاقتصاد و[[السياسة]] ومن أبرز هؤلاء [[حافظ عفيفي]] باشا الذي كان عضوا في مجلس إدارة 33 شركة و [[عبد المقصود أحمد]] بك الذي كان عضوا في مجلس إدارة 29 شركة ثم [[أحمد فرغلي]] باشا الذي عضوا في مجلس إدارة 27 شركة و [[إسماعيل صدقي]] الذي كان عضوا في مجلس إدارة تسع شركات أما [[أحمد زيور]] باشا فقد كان عضوا في مجلس إدارة ست شركات . <br />
<br />
ويلاحظ [[حافظ عفيفي]] باشا من خلال إحصاء رسمي بأن – أربعة ملايين شخص من سكان [[مصر]] يعيش الفرد منهم بإيراد يقل عن جنيه واحد في الشهر أى بنحو ثلاثة قروش في اليوم ويلاحظ أيضا أن الضرائب غير المباشرة التي يقع عبؤها على الطبقات الفقيرة تمثل 75% من الإيرادات العامة وأن مرتبات الموظفين ومعاشتهم تستنفذ 41 % من إجمالي مصروفات الدولة .<br />
<br />
وتعرضت البلاد لحالة من النهب لصالح البريطانيين وبعض الرأسماليين المصريين وعلى سبيل المثال فإن السلطات البريطانية استغلت فرصة ربط الجنيه المصري بكتلة الاسترليني ولجأت إلى إصدار سندات على الخزانة البريطانية واستخدامها كغطاء مالي لما يصدر من أوراق فقد مصرية تتسلمها السلطات البريطانية لتشتري بها كل ما تريد من السوق المصري وتسدد بها أجور جنود الاحتلال والعاملين في المعسكرات وقد أدي ذلك بطبيعة الحال الي تزايد شديد في كمية الصادر من النقد الورقي .<br />
<br />
وكذلك فإن مصلحة الجمارك أعفت السلطات البريطانية في [[مصر]] من ضرائب مستحقة على السلع المستوردة طيلة مدة الحرب بلغت قيمتها 61,772,790 جنيها مصريا أما مجموع الضرائب التي تنازلت الحكومة المصرية عن تحصيلها من البضائع المصدرة فبلغت قيمتها 10,188,229 وكان من الطبيعي أن يواكب كل هذا ارتفاعا ملحوظا في الأسعار ونقصا أكيد في الدخل القومي للبلاد بدا هذا واضحا في عدم مقدرة الحكومة على استيعاب الكم الهائل من المشاكل الاقتصادية الناتجة عن الحرب .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[معاهدة 1936]] قد وضعت شكلا واضحا للعلاقات بين [[مصر]] وبريطانيا إلا أن الفترة من [[1942]] وحتى [[1945]] قد شهدت تجاوزا أكيدا لبنود المعاهدة وتحولت [[مصر]] إلى ضيعة بريطانية بدا هذا واضحا من تطويع الاقتصاد المصري بما يهدف إلى خدمة جيوش الحلفاء وفوضت الحكومة البريطانية اللورد كيلرن في عقد الاتفاقات وإبرام المعاهدات التجارية مع الحكومة المصرية وعلى ضوء الاتفاقات التجارية التي أقرها مجلس الوزراء المصري بجلسته المنعقدة في 23 [[فبراير]] [[1942]] فقد اقتصرت بنود المعاهدات على ما تورده الكومات المصرية لجيوش الحلفاء من مواد تموينية وصناعية دون التعرض لحاجة السوق المصرية للبضائع والمنتجات البريطانية .<br />
<br />
ولذا فإننا نعتقد أن هذا النوع من الاتفاقات ثم يراع فيه مصالح [[مصر]] الاقتصادية لأنه كان يلزم الحكومة المصرية بإمداد جيوش الحلفاء بأوراق النقد المصرية التي يتعامل بها جيش الاحتلال في شراء حاجياته المعيشية من المواد التموينية المصرية المخصصة أصلا للشعب المصري ولم يراع الجانب المصري في هذا الاتفاق الأزمات التموينية لحادة التي أحدثت خللا ملحوظا في الاقتصاد المصري وزيادة في إخضاع الاقتصاد المصري لكي يخدم جيوش الخلفاء فقد اخترعت الحكومة البريطانية ما يسمي بمركز تموين الشرق الأوسط والذي كان يهدف في ظاهرة إلى تنشيط التجارة بين دول الشرق الأوسط أثناء الحرب إلا أنه كان يهدف في باطنه إلى إمداد جيوش الحلفاء بالمواد الغذائية والتموينية التي يصعب استيرادها من بريطانيا زمن الحرب ووفق هذه الحقيقة فإنني لا أتفق مع الرأي القائل : بأن هذا المكتب قد حقق نجاحا لا يستهان به في تنشيط التجارة بين دول الشرق الأوسط أثناء الحرب ويعتقد صاحب هذا الرأي أن الروابط التاريخية بين الدول العربية كانت مشلولة في زمن السلم وأن هذا المكتب قد أنشأ بعض الصناعات التي لم تكن موجودة وزاد الإنتاج المحلي واستغني عن السلع المستوردة وقام المكتب بالقضاء على الاحتكارات التخزين والمضاربة في المواد الغذائية .<br />
<br />
وعلى ضوء الظروف الاقتصادية الناجمة عن الحرب فإن هذا المكتب قد أحدث نوعا من التوازن في العلاقات التجارية إلا أن هذا التوازن لم يكن لصالح المصريين بقدر ما كان يهدف إلى إمداد الجيوش البريطانية بالمواد التموينية التي تمثل الدافع الحقيقي من وراء إنشاء هذا المكتب ولعل هذه كانت بداية التي تمثل الدافع الحقيقي من وراء إنشاء هذا المكتب ولعل هذه كانت بداية استعمال اصطلاح كلمه الشرق الأوسط كاصطلاح سياسي عندما اعتبر الشرق الأوسط وحدة واحدة من حيث حاجاته ومن حيث تنمية إمكاناته اعتبر العديد الأوسط وحدة واحدة من حيث حاجاته ومن حيث تنمية إمكاناته وعقدت العديد من المؤتمرات التي تمخضت عن هذا المكتب وكانت في معظمها ذات طابع اقتصادي تجاري.<br />
<br />
وإذا كان لهذا المكتب من فضل فإنه قد لفت نظر الدول العربية إلى أهمية التخطيط والتعاون في القضايا الاقتصادية بين الأقطار العربية وعلى ضوء المصالح البريطانية فإن أى تعاون أو تقارب بين الدول العربية أو أى تنسيق في سياسة بريطانيا مع الدول العربية سيعود حتما بالفائدة على قضية الحلفاء وعلى سلامة جويشهم المحاربة في المنطقة وبذلك تحصل بريطانيا على تأييد الدول العربية مجتمعة من خلال التنسيق الاقتصادي الذي كان يحمل بعدا سياسيا أكيدا . وإذا كانت بريطانيا قد تمنت من إخضاع الاقتصاد الزراعي والصناعي لخمة أهدافها لم تعدم الوسائل التي مكنتها من إخضاع الجانب التجاري أيضا ليس برسم سياسته فقط وإنما عن طريق السيطرة الفعلية حيث استحدث ما يسمي بالغرفة التجارية المصرية البريطانية لتنمية العلاقات بين الحليفتين "<br />
<br />
وعملا بمفهوم القائمين على الغرفة التجارية المصرية البريطانية فقد شارك الأعضاء البريطانيون في وضع السياسات التموينية والتجارية للحكومة المصرية وعلى حد قول أحد مؤسسي هذه الغرفة " أن العلاقات التجارية بين [[مصر]] وبريطانيا وتنميتها كفيل يجعل علاقة البلدان وصداقتهما وطيدة وفي اجتماع الغرفة التجارية بلندن في 8/11/ [[1942]] أعلن [[حسن نشأت]] باشا أن الميزانية التجارية بين [[مصر]] وبريطانيا الآن في مصلحة [[مصر]] وذلك للقيود المفروضة على الصادرات البريطانية لظروف الحرب ولأن عددا كبيرا من القوات يقيم في [[مصر]] ومما جاء في التقرير الذي قدمه المجلس عن أعمال الغرفة : أن صادرات بريطانيا إلى [[مصر]] هبطت بمقدار 48% في عام [[1938]] .<br />
<br />
وعموما فإن بريطانيا كانت تهدف من إقامة سواء مركز تموين الشرق الأوسط أو الغرفة التجارية المصرية البريطانية إلى إمداد القوات المحاربة في الشرق بالمواد التموينية والغذائية ومن هنا فقد تأثرت تجارة [[مصر]] الخارجية بسبب الصعوبات الشديدة سواء بسبب تعذر وسائل النقل البحري أو بسبب الالتزامات التي فرضتها المعاهدات المصرية البريطانية وكان من الضروري هبوط حجم التجارة الخارجية هبوطا محسوسا إذ بلغت قيمة الصادرات عام [[1942]] – 19,290,000 جنيها مصريا مقابل 000, 612, 22 جنيها مصريا في سنة [[1941]] أى عجز قدره 3,332,00 جنيه .<br />
<br />
أما تجارة الواردات فقد نشطت في النصف الأول من [[1942]] ثم عادت إلى الهبوط على أثر الرقابة عليها في البلاد المصدرة وقلة وسائل النقل وقد بلغت جملة الواردات 55,12,000 جنيه في سنة [[1942]] مقابل 33,137,000 سنة [[1941]] أى بزيادة قدرها 000, 375, 22 وبذلك أصبح العجز الظاهر في الميدان التجاري 36,222,000 جنيها مصريا .<br />
<br />
'''على أن هذا العجز في الميزان التجاري لا يمثل الحقيقة لاعتبارين هامين : '''<br />
<br />
'''أولهما : ''' أن ما اشترته الحكومة البريطانية من القطن منفردة أو باشتراكها مع الحكومة المصرية لم يتم تصديره بأكمله وأن كان ثمنه قد دفع فعلا للبائعين ولو أن هذا القطن صدر بالفعل لأضيف إلى قيمة الصادرات ولظهر الميزان التجاري على حقيقته ومن الصعب أن لم يكن من المتعذر حصر كميات هذا القطن بمختلف أنواعها ورتبها وتقدير ثمنها تقديرا حقيقا لما تتطلبه هذه العملية من دقة التفاصيل وتعدد الأرقام .<br />
<br />
'''ثانيهما : ''' أن بعض الأصناف المستوردة كانت مشاعا بين الاستهلاك المحلي واستهلاك قوات الحليفة المرابطة في [[مصر]] أى أن مجموع ثمنها موزع هذين المستوردين الرئيسيين فدفعت [[مصر]] ثمن نصيبها منها أما نصيب القوات المرابطة في [[مصر]] فدفع من أموال غير مصرية ودفع خارج [[مصر]] ..<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الحكومة المصرية لم تتمكن نظرا للاعتبارين السابقين من تحديد حجم الميزان التجاري بالمعني الصحيح اعتقادا منها بأن بقاء بعض المشاكل التجارية وعلى رأسها مشكلة القطن المصري تحول بين الحكومة وبين حقيقة الميزان التجاري .<br />
<br />
والملاحظ أن عمليات الاستيراد قد واجهت العديد من الصعوبات مما اضطر الحكومة البريطانية إلى إبلاغ السلطات المصرية عدم الترخيص بتصدير وشحن البضائع إلى بلاد الشرق الأوسط ومن بينها [[مصر]] ما لم تصلها توصية من مندوبها في مركز تموين الشرق الأوسط الذي اجتمعت لديه المعلومات الخاصة بوسائل الشحن والمقادير التي يمكن تصديرها من المناطق المختلفة ونظرا للهزات الاقتصادية العديدة التي لحقت بالاقتصاد المصري طوالي فترة الحرب لذا فقد اتسم الميزان التجاري بالعجز الدائم والمتسمر والذي وصل في مجموعة إلى ما يقرب من مائة مليون جنيه مصري <br />
<br />
وعلى ضوء كل ما سبق فإن [[مصر]] وأن لم تعلن الحرب على ايطاليا وألمانيا إلا في [[فبراير]] [[1945]] فإنها قد ساهمت بنصيب كبير في العمليات الحربية مما كان له الأثر البائع في انتصار بريطانيا وحلفائها على المحور حيث كان تموين جيوش الحلفاء من المواد الغذائية والصناعية وقد أخضعت [[مصر]] إنتاجها الزراعي والصناعي والتجاري لمقتضيات هذا التموين وليس خافيا أن تموين الجيوش من أهم أسباب ثباتها وقوتها وقد بذلت [[مصر]] في هذا السبيل تضحيات جسيمة إذ كان تموين الحلفاء دون مقابل بل كان بطريق التسليف الذي نشأت عنه مشكلة الأرصدة الإسترلينية والتي سبق الحديث عنها في موضع أخر من هذه الدراسة .<br />
<br />
===المتغيرات الاجتماعية في ظل الحرب ===<br />
<br />
أن ما حدث مساء 4 [[فبراير]] [[1942]] من إرهاب [[الملك فاروق]] لم يكن الغاية من سياسة الحكومة البريطانية وإنما كان وسيلة لإخضاع [[مصر]] سياسيا واقتصاديا خدمة لقضية الحلفاء ومن هنا لا يمكن الفصل بين ما حدث في 4 [[فبراير]] وأوضاع [[مصر]] الاقتصادية وبالتالي لا يمكن الفصل بين تردي الأحوال الاقتصادية والحياة الاجتماعية على اعتبار أن الأوضاع الاجتماعية هي المقياس الفعلي لقوة الاقتصاد أو ضعفه في بلد ما ومن هنا فإن الأمرين الاقتصادي والاجتماعي ''')''' نتاج فعلي للحياة السياسية .<br />
<br />
وإذا كانت [[مصر]] قد أعلنت الأحكام العرفية منذ بداية الحرب وبدأ هذا واضحا في العديد من القرارات الاستثنائية فإن ما ترتب على هذا الإجراء السياسي من ردود فعل داخل المجتمع المصري يعد بعدا اجتماعيا واضحا حيث عاشت الجماهير في حالة أشبه بالمأساة وبدا هذا في العديد من أشكال القلق النفسي وانتشر الهمس بين أوساط المصريين البسطاء بأن أركان الحرب البريطانية قد اقترحت على الحكومة المصرية إرسال جيش من المتطوعين لخوض غمار الحرب على الجبهة الأوربية كما تردد في ريف [[مصر]] بأن الدواب والمواشي سوف تصادر وأن مديري المديريات المصريين سوف يستبدل بهم ضباط انجلترا وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية قد حاولت في العديد من المناسبات أن تكذب هذه الدعايات إلا أنها لم تستطع بأي حال أن تقلل من حجم الكراهية الشديد التي يكنها المصريون للاحتلال البريطاني.<br />
<br />
وضاعف من حجم هذه الإكراهات تصرفات ضباط وجنود جيش الاحتلال التي تتناقض مع عادات وتقاليد الشعب المصري سواء وهم في الشوارع والطرقات وبعضهم في حالة سكر وتعددت حالات الاعتداء على الفتيات المصريات وفي كل الأحوال عجزت الحكومة المصرية عن محاكمة المتهمين بحجة إن المعاهدات بين [[مصر]] وبقية دول الحلفاء كافية لمحاكمتهم . <br />
<br />
وتعددت حالات اعتداء الجنود الانجليز على بعض الفتيات المصريات وصلت بعض الأحيان إلى حد هتك العرض وفي كل الحالات كانت الحكومة المصرية لا تملك إلا أن ترفع الأمر إلى هيئة أركان حرب الجيش البريطاني مما يعد من وجهة نظرنا اعتداء صارخا على استقلال [[مصر]] وشرفها .<br />
<br />
وتعددت حالات الاعتداء من بعض جنود الحلفاء على بعض المصريين واكتظت أقسام البوليس بالعديد من الشكاوي ووقفت السلطات المصرية عاجزة عن منع تكرار مثل هذه الاعتداءات ونظرا لتغلغل الوحدات العسكرية داخل القرى المدن المصرية وما يترتب على ذلك من وقوع العديد من المشاكل فقد تقدم أحد أعضاء مجلس النواب بسؤال إلى رئيس الحكومة عن مدا إمكانية نقل تلك الوحدات بعيدا عن الأحياء السكنية ونظرا لعدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرار في مثل تلك لحالات فقد تذرعت بظروف الحرب بسبب مسائل الأعداد والتموين وغير ذلك وعلى حد تعبير رئيس الوزراء:<br />
<br />
أن الشعب المصري قد ضحي بالكثير وبمزيد من الصبر ستفي بريطانيا بكل مطالبنا وعلى ضوء تطور العلاقات المصرية البريطانية حتى نهاية الحرب فقد ثبت عكس هذا الاعتقاد وبدا واضحا أن [[معاهدة 1936]] كنت ترضية لزعامات المصرية لم يترتب عليها اى نوع من الاستقلال بل استباحت بريطانيا لنفسها كل موارد الحياة المصرية مما ترتب عليه بالضرورة أحداث خلل في الاقتصاد المصري لأزمة الحياة المصري لازمة بالضرورة عدم تناسب تعبير وزير المالية في بيانع أمام مجلس النواب حيث قال : أن للحرب أثرا أشد وأخطر ولعل أخطر الشر فيه أنه يؤدي إلى تضخم خلقي حيث يسري التضخم من مرافق الناس إلى أخلاق الناس ومن قيم المال إلى قيم الرجال حيث تتضخم المطامع والشكايات ويندفع البعض مخاطرا مغامرا مقامرا ويبدو ذلك في التهرب والتهريب . <br />
<br />
واستغلال ضعف الضعفاء وحاجة الفقراء وهكذا ينزلق الضعفاء سعيا وراء الربح الحرام لا يعنيهم في ذلك إلا أن تتضخم بطونهم ولو جرد الفقير من الطعام ولما كان هذا التضخم الخلقي مرتبطا بالتضخم النقدي ونتيجة حتمية له بالتفاعل بينهما شديد كل يفعل فعله في الآخر .<br />
<br />
وقد يتصور البعض أن الحرب قد أحدثت تقدما في شتي المجالات الاقتصادية إلا أن ما ترتب على تلك الحرب من تناقضات اجتماعية وبلورة '''(''' ما يسمي ''')''' بالصراع الطبقي لأول مرة في تاريخ [[مصر]] يعد أمرا خطيرا وذلك لازدياد حدة الفوارق بين من يملكون ومن لا يملكون إلى جانب موجة الغلاء وارتفاع الأسعار وحدة التضخم ومن هنا فقد اهتزت المبادئ الأخلاقية .<br />
<br />
ويعتقد البعض ان تردي الأوضاع الاجتماعية في القري المصرية كان بسبب المعتقدات [[الإسلام]]ية التي أفلح كبار الملاك في نشرها باسم الدين وبواسطتها استطاع كبار الملاك إخضاع الفلاحين لنفوذهم الاقتصادي والاجتماعي إلا أننا لا يمكننا أن نقبل هذا الرأي بأن الغالبية العظمي من الفلاحين كاد أن يقتلها البؤس والفقر إلا أن مرد ذلك لم يكن بسبب المعتقدات الاستسلامية التي افلح كبار الملاك في نشرها باسم الدين '''(''' كما يعتقد صاحب هذه الرواية ''')''' وإنما كان بسبب السياسات الخاطئة للحكومة المصرية والتي أهملت في برامجها النهوض بحالة الفلاح المصري والارتفاع بمستواه الاجتماعي ويلاحظ أن كل الأحزاب المصرية قد افتقرت إلى البرنامج الاجتماعي الذي يستهدف رفع مستوي الفلاح المصري وكل الأحزاب المصرية تقريبا بما فيها [[حزب الوفد]] قد اهتمت بالبيانات الإنشائية بعيدا عن الواقع العملي ووضع الخطط والبرامج التي تستهدف الارتفاع بمستوي القرية المصرية ووفق الوثائق الرسمية فقد وصل متوسط الدخل القومي تسعة جنيهات للرفد سنويا .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن بعض الحكومات قد وضعت يدها على أساس المشكلة حيث أوضحت الحكومة في احدي تقاريرها أهمية التضامن الاجتماعي بين أبناء الوطن على اعتبار أنه لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية برفع مستوي الحياة العامة لطائفة كبيرة من أبناء هذا الوطن تئن تحت أثقال الفقر والمرض والجهل ولابد من تكاتف كل الجهود إلى علاج هذه الأدواء الثلاثة والعمل على خلق طبقة من صغار الملاك تحيا حياة إنسانية في المستوي الأدني الذي تراه البلدان المتمدنة أقل ما يجب أن يبلغه واحد من أبنائها إلا أنه لم تبذل أى مجهود عملية لتحقيق هذه الغاية مما يجعلنا نعتقد أن هذا الإعلان كان لمجرد المزايدة بهدف إرضاء تلك الطبقات المعدمة .<br />
<br />
وتجددت تلك المحاولة مرة ثانية حيث تقدم أحد النواب بسؤال إلى الحكومة حول الأحوال الاجتماعية السيئة التي يحياها معظم الفلاحين المصريين وما هي جهود الحكومة في هذا الصدد وفي هذه المرة أيضا لم تقدم الحكومة على إجراءات عملية وغنما كل ما فعلته هو وعود طالما تتبدد بمجرد انتهاء الدورة البرلمانية ولم تقتصر سوء الأحوال عموما على الفلاح وإنما شملت أيضا الطبقة العاملة حيث ظهرت العديد من التحقيقات الصحفية عن سوء مستوي العامل وضرورة العمل على رفع مستواه وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات الصناعية قد حققت ربحا كبيرا خلال سنوات لحرب وصل في بعض الحالات إلى عشرة أمثال رأس المال المستثمر .<br />
<br />
إلا أن دخل العامل المصري قد ارتبط بالارتفاع المستمر بالمواد التموينية الأساسية ومن خلال الجدول التالي مكن معرفة مستوي الحياة التي يحياها العامل المصري .<br />
<br />
<br />
اسم الشركة إيراداتها في عام [[1942]] متوسط أجر العامل في اليوم<br />
<br />
شركة السكر <br />
<br />
ويلاحظ أننا إذا وضعنا في الاعتبار أجرة العمال الدائمين ومعظمهم يعولون أسر لا يقل عدد أفراد الواحد منها على ثلاثة كما أغفلنا طبقة العمال الذهورات – الذين صدر من أجلهم الأمر العسكري الذي حدد خمسة قروش كحد أدني لأجورهم وكانوا قبل ذلك يتقاضون أجرا يوميا يتراوح بين رشين وأربعة على ضوء كل ذلك يتبين مدي الغبن الذي يقع على عاتق الطبقة العاملة والتي تعتب عصب الحياة الاقتصادية .<br />
<br />
وعند فحص طلاب الجامعة وهم من وسط يمثل طبقات الشعب العليا – لم يوجد من بينهم من يصلح للخدمة العسكرية سوي نسبة لا تزيد على السدس أما خمسة الأسداس الأخرى فهم غير صالحين جثمانيا للخدمة العسكرية وأما باقي طبقات الشعب فإن الأمراض كانت تفتك بهم – بنسب لا تتفق والحياة الآدمية فقد بلغ عدد المصابين بالرمد الحبيبي 14,500,000 أى بنسبة 90%من عدد السكان وعدد المصابين بالبلهارسيا 12,000,000 أى بنسبة 75% من السكان وعدد المصابين الديدان المعوية الأخرى 8,000,000 أى بنسبة 50% من السكان .<br />
<br />
'''ومن خلال بحث أعده الدكتور [[عبد الواحد الوكيل]] وهو حجة في شئون الصحة العامة حيث قال : '''<br />
" إذا جمعنا أمراض لوجدنا جملتها أكثر من خمسين مليونا أى أنها تكفي لإصابة شعب من خمسين مليون نفس بحيث يصيب كل شخص منهم مرض واحد فإذا وزعناها على المصريين أصاب كل شخص في المتوسط ثلاثة أمراض في وقت واحد ".<br />
<br />
وتناولت احدي الصحف العلاقة بين انخفاض أجور العمال وحالة التسول التي انتشرت في أنحاء القطر وأرجعت السبب في انتشار جماعة المتسولين الذين يلجأون إلى الاستجداء عن طريق الحياة اليومية وعدم الربط بين هذا الارتفاع والأجور مما أدي إلى ترك العمل وتفضيل حياة التسول .<br />
<br />
ونظرا لسوء التغذية وظهور ما يشبه المجاعة في بعض مناطق القطر المصري فقد انتشرت العديد من الأمراض وخصوصا مرض الملاريا والذي بدأ بصورة واضحة في مناطق الجنوب وخصوصا في بلاد النوبة وبعض مناطق مديريتي [[قنا]] وجرجا بدأت في [[أكتوبر]] [[1942]] ولأن الحكومة كانت تعلم جيدا أن سوء التغذية قد لعب دورا كبيرا في حدوث المرض فقد أقرت الحكومة مبلغ 4300 جنيه لتوزيع الأغذية على فقراء المناطق الموبوءة بحيث نال كل فقير مريض كيلة من الذرة العويجة وأقة من زيت القطن ونصف أوقه سكر .<br />
<br />
ويبدو أن الحكومة لم تكن في حالة تمكنها من القضاء على هذا المرض الذي بدأ ينتشر في معظم مناطق جنوب [[مصر]] ولا أدل على ذلك من أن المبالغ التي خصصت لهذا الغرض لم تكن كافية للحد من هذا الوباء اللعين فقد اعتمدت الحكومة مبلغ 15,000 جنيه لمقاومة البعوض , 300 جنيه , 223 مليما لوضع خطة واقية لمقاومة الملاريا .<br />
<br />
وفي منتصف سن ة [[1943]] أصيب بهذا المرض أكثر السكان حتى لم ينج منه أحد في بعض المناطق وتعذر على وزارة الصحة تحديد عدد المرضي على وجه الدقة وارتفعت نسبة الوفيات ارتفاعا يتباين تبعا للحالة الاقتصادية والاجتماعية من مسكن وملبس وغذاء ووصلت نسبة الوفيات إلى 20% في بعض المناطق 10% في مناطق أخري .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن وزارة الصحة قد أصدرت بيانا أرجعت فيه سبب ظهور وباء الملاريا إلى سوء التغذية وانتشار البعوض إلا أن الأستاذ الرافعي قد أرجع سبب هذا الوباء إلى دخول بعوضة '''(''' الجامبيا ''')''' من الحرب ومواد الطائرات البريطانية حيث يؤكد أنه قد ثبت من الحقائق والبحوث العلمية أن تلك البعوضة لم توجد من قبل في أى مكان من البلاد المصرية أو شمال [[السودان]] قبل الحرب فلما اشتد القتال سنة [[1942]] كانت منطقة البحر الأبيض المتوسط غير مألوفة فكانت الطائرات البريطانية التي تقصد مواقع الجيش الثامن بشمال أفريقيا تسلك طريق غرب أفريقيا – الخرطوم – وادي حلفا – [[القاهرة]] ولم تعن السلطات البريطانية في [[السودان]] بتطهير الطائرات التي تقصد وادي حلفا ف[[مصر]] ومن هنا تسربت بعوضة" الجامبيا " إلى النوبة ومنها انتشرت بواسطة القطارات ووسائل الاتصال إلى المديريات الجنوبية .<br />
<br />
وأيا كانت الأسباب التي أدت إلى ظهور الوباء إلا أن الحكومة المصرية لم تعط لهذا الوضع أهمية تتناسب وخطورة الموقف ويبدو هذا من المبالغ الضئيلة جدا والتي اعتمدت لهذا الغرض ومن هنا فقد استفحل الأمر وتفشي الوباء وتسبب في وفاة 20416 ولم تتمكن الحكومة من استئصال هذا الوباء إلا في [[فبراير]] [[1945]] على عهد وزارة [[أحمد ماهر]] .<br />
<br />
أما مرض التيفوس فقد ارتفعت حالات الإصابة به أيضا ووفق بيان وزير الصحة : لقد زادت الإصابة بمرض التيفود هذا العام '''(''' [[1942]] ''')''' عن مثلها في الأعوام السابقة إذ المعروف أن إصابات هذا المرض تكثر في مثل هذه الأزمات وكان أشدها خطورة في مديريات الوجه البحري وبعض مناطق الوجه القبلي مما تسبب في وفاة خمسة أطباء وهم يؤدون واجبهم وعندما طلب بعض أعضاء مجلس النواب إحصائية بعدد الوفيات التي حدثت بسبب هذا المرض أبدي الوزير عدم إمكانية حصر حالات الوفاة في الوقت الحاضر إلا أن بعض الصحف قد نشرت حصرا مبدئيا بعدد الوفيات التي راحت ضحية هذا المرض والذي بلغ على د قولها 12,000 حالة خلال عام [[1942]] فقط .<br />
<br />
ولعل أهم الآثار الاجتماعية وأخطرها والتي كانت نتاجا طبيعيا لاختلاط المصريين بالأجانب " الأزياء العامة " وخصوصا لدي السيدات والفتيات فلأول مرة في تاريخ مر تخرج الفتاة لمصرية وهي متبرجة ووصل الأمر إلى حد ظهور المرأة لمصرية شبه عارية على الشواطئ وفي الأندية العامة ولذا فقد تقدم النائب [[محمد قرني]] بك باقتراح يقضي بإلزام المرأة المصرية بارتداء الزي الذي يتناسب والسلوك الاجتماعي <br />
وعلى الرغم من اعتراض بعض النواب بحجة أن هذا الاقتراح غير جدير بالنظر لتعارضه مع الحرية الشخصية المكفولة في المادة الرابعة من الدستور علاوة على أنه لا يتمشي من الروح الاجتماعية الحديثة.<br />
<br />
وبعرض هذا الاقتراح على مجلس النواب والشيوخ فقد حظي بالأغلبية ولذا فقد صدر القانون رقم 33 لسنة [[1942]] ويقضي في مادته الأولي بأن كل سيدة مصرية بلغت من العمر ست عشرة سنة يجب أن يكون لباسها الخارجي في الطرقات والأماكن العامة والشواطئ ساترا لأعضاء الجسم ما عدا الوجه والكفين بحيث تكون مرسلة إلى الكفين واصلة إلى الكعبين وألا تكون الملابس محددة لأعضاء الجسم .<br />
<br />
وقضت المادة الثانية بأنه لا يجوز لسيدة مصرية بلغت العمر المنصوص عليه بالمادة الأولي أن تشاهد في الطرق أو الأماكن العامة وهي مخاصرة رجلا أو معه على أى حال منافية للآداب كما لا يجوز أن تخالط الرجال في الاستحمام أو تري على الشواطئ بلباس البحر .<br />
<br />
المادة الثالثة: كل سيدة ارتكبت محظروا مما نص عليه في هذا القانون تعاقب بإنذارها أو ولي أمرها وإذا تكرر منها نفس الأمر يتم تحذيرها للمرة الثانية فإذا لم ترتدع يحكم عليها بغرامة قدرها عشرون جنيها أو الحبس مدة لا تتجاوز أسبوعا .<br />
<br />
'''ووفق المذكرة الايضاحية التي تقدم بها النائب [[محمد قرني]] والخاصة بهذا القانون فقد بني الاقتراح على العديد من المبررات التي كانت سببا في استصدار قانون بهذا الشأن حيث اعتمد النائب مذكرته على بعض الحقائق التي ينكرها [[الإسلام]] وتتنافي مع طبيعة المرأة المصرية ومن أهمها : '''<br />
<br />
'''1-''' ظهور المرأة المصرية وهي متبرجة متشبهة بالمرأة الأجنبية في مظهرها .<br />
<br />
'''2-''' ظهور المرأة المصرية وهي برفقة جنود وضباط جيش الاحتلال وهي في حالة منافية للآداب العامة .<br />
<br />
'''3-''' أن كل الشرائع الإلهية حتمت بالنص الصريح على النساء أن يدنين عليهم من جلابيبهن وألا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... الخ.<br />
<br />
ووجه هذا الاقتراح ببعض الانتقادات على اعتبار أن الحياة الاجتماعية قد قطعت شوطا بعيدا فيما يختص بالأزياء ومن العبث الرجوع بالأزياء بعد هذا التقدم إلى الوراء .<br />
<br />
وكان تناول قضية الأزياء لبعض النواب لكي يتحدثوا عن الجرائم الأخلاقية التي ترتكب نهارا بلا رادع أو قانون حيث لا يعاقب القانون الفتاة البالغة ستة عشرة عاما إذا ارتكبت الجريمة مع شاب تزيد سنه عن الثمانية عشرة عاما .<br />
<br />
وعلى الرغم ن صور هذا القانون إلا أن المرأة المصرية قد تأثرت كثيرا بسبب الحروب وما نتج عنها من سوء الأوضاع الاقتصادية ووفق دراسة أعدتها مجلة " كورونيت " حيث أرسلت أحد مراسليها إلى [[القاهرة]] ليكتب لها عن المرأة المصرية والحرب '''فكتب يقول : ''' حقا لقد تأثرت حياة البعض من الحرب إلى أقصي حد .... ويا له من تأثر نشأ عنه انقلاب خطير في حياة بعض المصريات وعلى ضوء تلك الدراسة التي اجري بسببها العديد من بعض المصريات وعلى ضوء تلك الدراسة التي أجري بسببها العديد من اللقاءات الشخصية مع بعض النسوة اللائي اختزن مهنة البغاء '''اختار مراسل تلك الصحيفة بعض النماذج الآتية : '''<br />
<br />
'''1-''' اللقاء الأول مع فتاة تعمل في كباريه " الأكسلسيور " في [[الإسكندرية]] وأسمها كيكي ويضيف مراسل المجلة أن كيكي هذه كان اسمها " عائشة" وكانت تعيش في قرية في أعماق الريف المصري وتحدثت معها طويلا وسألتها كيف حدث هذا الانقلاب في حياتها وكيف أصبح شكلها هكذا وكيف أصبحت تكلم الانجليزية وبسؤالها عن كل ذلك أجابت اسألوا الحرب لأنها هي السبب ؟<br />
<br />
'''2-''' واختار مراسل المجلة امرأة أخري كانت تعمل خادمة في احدي البيوتات الراقية ووجدت نفسها بلا مقدمات تقع فريسة للإغراءات الشديدة من جنود وضباط الحلفاء ولم تستطع أن تقاوم الكافيار والشامبانيا .<br />
<br />
'''3-''' أما النموذج الثالث فقد كان لفتاة يبدو عليها الجمال الشرقي وبالطبع لم تذكر اسمها الحقيقي حيث اختارت لنفسها اسما جديدا " شوشو" وتؤكد تلك الفتاة أنها تنتمي إلى احدي البيوتات الراقية وقد وقعت في حب أحد الضباط الانجليز الذين يعملون ضمن الوحدات المتمركزة في [[القاهرة]] وبعد أن مكنته من نفسها بعد أو وعدها بالزواج فقد تم نقله إلى الفرقة الأولي في الصحراء الغربية حيت لقي حتفه واختارت تلك الفتاة طريق البغاء سترا لفضيحتها وسط أهلها .<br />
<br />
'''4-''' وعلى الرغم من اعتقادنا بأن هذا الأثر السيئ لم يشمل إلا عددا محدودا من الفتيات المصريات إلا أننا لا يمكن أن نغفل هذا الجانب لأهميته الخطيرة وارتباطه الأكيد بتردي الأحوال الاقتصادية وخصوصا في مدينة [[الإسكندرية]] التي تعرضت لقصف الألمان واستشهاد الآلاف من الرجال والنساء اختارت بعضهن حيا الليل بعد أن فقدت زوجها .<br />
<br />
<br />
وعلى الجانب الآخر فقد أعطت الحرب المرأة المصرية بعضا من الحرية وبعضهن قد اشترك في الحياة العامة وتعرض البعض للاعتقال ويعد اعتقال السيدة / [[نبوية مرسي]] لأسباب سياسة انقلابا خطيرا في حياة المرأة المصرية وتعد محاكمتها أمام المحكمة العسكرية فرصة استغلتها المرأة لكي تطالب بمزيد من الحقوق العامة وفي مقدمة تلك الحقوق حق المرأة في إقامة حزب نسائي حيث صرحت الأستاذة مفيدة عبد الرحمن بأن فكرة إقامة حزب نسائي قد راودت الكثيرات من النساء المتعلمات وفي مقدمتهن السيدة نعمت راشد عطيات الشافعي زينب لبيب وبدأت ولي جلسات الهيئة التأسيسية للحزب في أول [[فبراير]] [[1944]] ودار الحديث عما يلزم الحزب من مطبوعات وقانون الحزب وغير ذلك من الإجراءات .<br />
<br />
إلا أن تلك التجربة على ما يبدو لم تحظ بالنجاح حيث فضل بعضهم الاشتراك في الأحزاب التقليدية حتى لا يتهمن بالتعصب من جانب الرجال ووصل الأمر إلى أن بعض النسوة كفاطم اليوسف بدأت تحت الفتيات المصريات على الإضراب عن الزواج خصوصا العاملات منهن بحجة أن المرأة التي قد يضطرها عملها إلى التغيب عن منزلها معظم ساعات اليوم لتعود مرضاها كطبيبة أو لتعد قضاياها كمحامية أو لتشرف على مجلتها كصحفية لا يمكن أو توفق بين عملها ومنزلها '''ثم أضافت قائلة : '''<br />
أطالبكن يا حضرات الزميلات الناشئات الثائرات وأنصحكن بعدم الزواج إذا أردتن المجد والعمل تزوجن الثورة على أنانية الرجل وغروره.<br />
<br />
ويلاحظ إن قضية المرأة قد شغلت حيزا كبيرا في ضمير المجتمع المصري في تلك الفترة وليس من قبيل المصادفة أن تظهر تلك الدعوات الغريبة والجديدة على المجتمع المصري وإنما كان للآثار التي تركتها الحرب الأكبر الأثر في تمرد المرأة المصرية وظهور الدعوات التي تعد خروجا صارخا على تقاليد وعادات المجتمع المصري ولم تتوقف مطالب المرأة عند هذا الحد بل تبنت احدي المجلات الدعوة إلى حق المرأة في دخول [[الأزهر]] وأجرت المجلة عدة لقاءات <br />
مع بعض الشخصيات العامة حول حق المرأة في دخول [[الأزهر]] '''وفيما يلي آراء طائفة من هؤلاء : '''<br />
<br />
[[توفيق الحكيم]] : إذا قبلت المرأة أن تلبس عمامة وجبة وكاكولة وقفطانا فإنا لا مانع عندي من التحاقها ب[[الأزهر]] وأري أن أنسب كلية لها هي كلية الشريعة حتى يمكن أن تتخرج محامية شرعية أو قاضية شرعية حيث تكون أجدر بفهم المرأة ومعرفة شئونها ويضيف [[توفيق الحكيم]] بأسلوب تهكمي ألا تري أن المرأة قد بالغت في مطالبها لدرج أن تطالب بدخول [[الأزهر]] .<br />
<br />
أما الأستاذ [[زهير صبري]] فقد أيد حق المرأة في أن تدخل [[الأزهر]] باعتباره معهدا للعلم أما الدكتور [[زكي مبارك]] فقد قال أنني من أشد المؤيدين بفتح أبواب [[الأزهر]] أمام الجنس اللطيف .<br />
<br />
أما [[فاطمة اليوسف]] فقد قالت : لقد عشت عمري مدافعة عن حقوق المرأة ولا شك أنني أؤيد دخولها [[الأزهر]] .<br />
<br />
وخلاصة القول أن [[الحرب العالمية الثانية]] '''(''' [[1939]] – [[1945]]''')''' قد تركت آثارها في كل نواحي الحياة العصرية سواء أكانت تلك الآثار بالإيجاب أو بالسلب حيث قد أحدثت ردود فعل عنيفة لأنها حدثت طفرة واحدة سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية وما نورده من أمثلة هو من باب الاستدلال وليس من باب الحصر .<br />
<br />
ويبدو أن حكومة [[الوفد]] قد قدرت خطورة الآثار الناتجة عن الحرب فيما يتعلق بانحراف الأخلاقيات ولذا فقد أصدر الحاكم العسكري أمرا بإلغاء البغاء إلا أنه قد استثني من هذا القرار عواصم المحافظات والمديريات .<br />
<br />
ولذا فقد تقدم أحد أعضاء مجلس النواب بسؤال إلى رئيس مجلس الوزراء والحاكم العسكري العام عن عدد بيوت الدعارة التي أغلقت في جميع أنحاء القطر وما إلي فعلته الحكومة لهؤلاء البغايا كي يصلن إلى سبيل الاستقامة ولكي تكون الأسرة المصرية محفوظة فلا يصل إليها شر .<br />
<br />
ولقد أجابت الحكومة بأنه تم إغلاق 407 من بيوت العاهرات في جميع أنحاء البلاد تنفيذا للأمر لعسكري رقم 247 الصادر في 11 [[أبريل]] [[1942]] وقد أرسلت وزارة الشئون الاجتماعية إلى كل مديرية بكتاب تطلب موافاتها ببعض التفاصيل عما تعتزم المديرية اتخاذه من الإجراءات بالنسبة للبغايا اللائي ستغلق بيوتهن وقد اقترحت بعض المديريات تخصيص مكان لإيواء البغايا تحت إشراف البوليس وتزويدهن بالمال من مجلس المديرية أو المجلس البلدي حتى يتزوجن أو يجدن عملا شريفا ولقد اقترحت الحكومة بناء على رغبات مديري المديريات تأليف لجنة من وزارتي الداخلية والصحة النظر في الطرق التي تسهل للمديريات تنفيذ الأمر العسكري المذكور والتي تكفل النتيجة المنشودة من إلغاء البغاء وحماية لناس مما ينجم عنه من شرور .<br />
<br />
ويلاحظ أن الحكومة قد حرصت على إصدار القرارات ذات الطابع الجماهيري حرصا منها على أن يسترد [[الوفد]] بعضا من الأرض التي فقدها عقب 4 [[فبراير]] وانطقا من هذا المفهوم فقد أصدر الحاكم العسكري العام قرارا بإلغاء المارهنات على سباق الخيل ويلاحظ أن حيثيات القرار لم ترجعه الحكومة إلى أسباب إسلامية وإنما إلى منافاته للأخلاق النتيجة المنشودة من إلغاء البغاء وحماية الناس مما ينجم عنه من شرور .<br />
<br />
ولما كانت الحركة العمالية قد اهتزت ثقتها في [[الوفد]] بسبب العديد من الأحداث التي لا تتفق وشعبية [[الوفد]] حرصت الحكومة على كسب هذا القطاع الجماهيري الهام ولذا فقد أصدر [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا قرارا عم جميع قطاعات لدولة سواء أكانت قطاعات صناعية أو زراعية يقضي بجعل الحد الأدنى لأجر العامل في اليوم الواحد خمسة قروش .<br />
<br />
ولما كانت الحكومات التي تعاقبت على الحكم بدأ من سنة [[1936]] قد رضيت على كسب ود العمال لأسباب سياسية وحزبية فقد حرصت حكومة [[الوفد]] بدأ من [[1936]] على إقامة نقابة للعمال ترعي مصالحهم إلا أن هذا المشروع قد تعثر إصداره بالرغم من تشكيل لجنة لوضع مذكرة تفصيلية بالمشروع وبدأ من حكومة محمود [[1938]] وحتى حكومة [[حسين سري]] قبيل [[حادث 4 فبراير]] فقد حرصت كل الحكومات على النظر والتفكير في مشروع تلك النقابة إلا أنه لم تكن هناك خطوات جاد للخروج بهذا المشروع إلى حيز الوجود حتى كانت حكومة 4 [[فبراير]] حيث صدرت العديد من التشريعات العمالية كان أبرزها قانون الاعتراف بالنقابات العمالية ثم أعقب ذلك قانون التأمين الإجباري ضد حوادث العمل وقانون عقد العمل الفردي وقانون مكافحة الجهل ومحو الأمية بين صفوف الشعب.<br />
<br />
أما القانون الخاص بالاعتراف بالنقابات فقد نص في مادته الأولي علي تحديد كلمة" عمال " وهم الذين يقومون بتأدية عمل نظير أجر مادي سواء أكان هذا لعمل ماديا أو عقليا وسواء أكان صاحب العمل شخصا حقيقا أو معنويا '''أما في مادته فقد حدد الأشخاص الذين لا يندرجون تحت تلك النقابة وهم : '''<br />
<br />
'''أ-''' موظفو لحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والمحلية والقروية وعمال الجيش والبوليس .<br />
<br />
'''ب-''' عمال الزراعة .<br />
<br />
'''ت-''' الوكلاء المفضون الذين يمثلون أصحاب العمال .<br />
<br />
'''ث-''' الممرضون وعمال المستشفيات على أن هؤلاء الموظفين والمستخدمين والعمال أن ينشئوا لهم جمعيات ترعي مصالحهم المشتركة .<br />
<br />
'''ج-''' وهكذا تم التمييز بين العمال الذين لهم حق تأليف النقابات وغيرهم بناء على رغبة الحكومة لأن بعض الأعضاء داخل مجلس النواب والشيوخ كانوا يطالبون بحرمان عمال البيوتات '''(''' الخدم''')''' من حق تأليف النقابات بحجة أنه ليس من المعقول أن تتدخل النقابة في العلاقة بين الخادم ومخدومه وقد يلجأ لخدم إلى إعلان الإضراب وهذا لا يتفق مع العلاقات العائلية والعادات الشرقية وأن السبب الذي يدعو عمال الصناعة والتجارة إلى تأليف مع مراعاة أن عمال المصانع والشركات أرفع في مستواهم الاجتماعي من الخدم والطهاة والسائقين وحرصا من الحكومة على ضمان حق الخدم ومن شاكلتهم أضافت الحكومة اقتراحا يقضي بالاعتراف لهم بحق الدخول في النقابة بشرط ألا تتدخل لنقابة في لعلاقة بين الخادم ومخدومه ولذا فإننا نعتقد أن النقابة ق فقدت أهميتها بالنسبة لتلك الطبقة كما أن الحكومة قد جردتهم من أهم حق من الحقوق القانونية وهو الإضراب " حيث لا يجوز لهم الإضراب وإذا قرروا الاضراب وجل حل نقاباتهم "<br />
<br />
'''ح-''' ووفق مضابط مجلس النواب فقد تمسكت الحكومة بحق العمال الخصوصيون '''(''' الخدم والسائقون وغيرهم ''')''' في الاشتراك في النقابة على الرغم من أن الأغلبية البرلمانية كانت تميل إلى خروجهم من النقابة وهذه نقطة تسجل للوفد ولوزير الشئون الاجتماعية عبد الحميد عبد الحق الذي نجح بمهارة في إقناع الأعضاء بأن هذا التمييز يعد مخالفا للدستور ولذا فالحكومة لا يمكنها الفصل بين العمال بغض النظر عن نوعية العمل , ومما يؤخذ على هذا المشروع أنه جرد النقابة من حق ممارسة الناشط السياسي والديني على اعتبار أن مثل تلك النشاطات لا تدخل في الغرض الذي أنشئت من أجله النقابة كما أنها حرمت عمال الزراعة من الاشتراك في تلك النقابة على اعتبار أن من حقهم تكوين نقابة خاصة بهم وكان الأولي عدم التفرقة على اعتبار أن من حقهم تكوين نقابة خاصة بهم وكان الأولي عدم التفرقة بين العمال الصناعيون والزراعيون ومن هنا فقد فشل العمال الزراعيون في إقامة ترعي مصلحتهم وتحميهم من بطش أصحاب العمل وفي الوقت الذي قطعت فيه نقابات العمال شوطا كبيرا في رفع مستوي العمال وحماية الوقت الذي قطعت فيه نقابات العمال شوطا كبيرا في رفع مستوي العمال وحماية حقوقهم كان العمال الزراعيون يعيشون في ظروف اجتماعية لا تتفق بأى حال والحياة الآدمية ويعتقد بعض المؤرخين المعاصرين أن حرمان عمال الزراعة من حق تكوين النقابات هو خوف أعضاء مجلس النواب والشيوخ من أن عمال الزراعة وكذلك يسري الخوف من أن تكون النقابات سبيلا لتسرب المبادئ [[الشيوعية]] داخل الريف مما يؤدي إلى إثارة النزاع بين الملاك ومزارعيهم وهذا الرأي يحمل قدرا كبيرا من الحقيقة على الرغم من أن الأعضاء البرلمانيون '''(''' وهو من كبار الملاك''')''' لم يعلنوا هذا صراحة.<br />
<br />
لقد كان قانون الاعتراف بالنقابات مخيبا الآمال العمال حيث خضعت النقابات لرقابة البوليس وفرض عليها إبلاغه عن الاجتماعات التي تزمع النقابة عقدها قبل موعدها بوقت كاف , كما نص القانون على أن من حق الحكومة حل النقابة إذا رأت السلطة أنها انحرفت عن الغرض الذي أقيمت من أجله ولهذا فإن نعتقد أن الدافع وراء اهتمام الحكومة بإقامة نقابة شرعية للعمال كان دافعا حزبيا في الدرجة الأولي .<br />
<br />
واستكمالا لملامح التشريع العمالي فقد أصدرت الحكومة قانونا بتحديد ساعات العمل حيث نصت المادة السادسة من هذا القانون على أن مدة العمل الفعلية ثماني ساعات في اليوم او ثمانية وأربعون ساعة في الأسبوع ومدة العمل ليلا ست ساعات وأنصت المادة السابعة على أن العمل سبع ساعات في اليوم في الأعمال الخطرة بالصحة وخمس ساعات إذا كان العمل ليلا '''وقد حدد القانون الأعمال الخطرة أو المضربة بالصحة فيما يأتي : '''<br />
<br />
'''أ-''' أعمال المناجم والمحالج .<br />
<br />
'''ب-''' صناعة المواد الكيماوية والمواد القابلة للانفجار والغازية .<br />
<br />
'''ت-''' صناعة المواد السامة أو المضرة بالصحة.<br />
<br />
'''ث-''' شحن وتفريغ الحبوب والمواد الغذائية .<br />
<br />
وعلى الرغم من القيود التي فرضت على النشاط النقابي إلا أنه قد خطأ خطوات هامة مع نهاية سنة [[1945]] حيث كان الاتحاد الدولي لنقابات العمال قد دعا اتحادات العمال أن يرسلوا مندوبيهم في المؤتمر المزمع إقامته في باريس وسافر من [[مصر]] وفدان يمثلان اللجنة التحضيرية لعمال القطر المصري ومؤتمر نقابا القطر المصري وأمن توحيد [[الوفد]]يين في وفد واحد حيث نوقشت مشاكل الأجور والبطالة وطرد القوات الأجنبية من أدي النيل وأثر الاستعمار البريطاني على تأخر الصناعة وتفاقم المشكلة الزراعية وتقييد الحريات واستطاع [[الوفد]] المصري أن يحصل من المؤتمر على قرار يندد بالاستعمار في [[مصر]] .<br />
<br />
ومع الاقتراب من نهاية الحرب بدت مشكلة عمالية ذات نتائج اجتماعية خطيرة فلقد نشأت السلطة العسكرية البريطانية أثناء الحرب العديد من المصانع التي تخدم أغراض الحرب ولما كانت على وشك الانتهاء منها فإن الوفاء من العمال الذين يعملون في هذه المصانع سوف يتعطلون عن العمل وسوف يترتب على ذلك العديد من الآثار الاجتماعية الخطيرة ولذا فقد اقترحت الحكومة المصرية شراء تلك المصانع وقبلت بريطانيا هذا الرأي مع تحفظ واحد وهو أن يكون للسلطات البريطانية حق نقل بعض المصانع التي يقتضي نقلها إلى الشرق الأقصى '''(''' حيث كانت الحرب ما تزال مستمرة ''')''' . وبصرف النظر عن المبلغ الذي قدرته الحكومة البريطانية ثمنا لتلك المصانع أما كان لبريطانيا أن تتنازل ل[[مصر]] عن تلك المصانع بلا مقابل وهل كل التضحيات التي قدمتها [[مصر]] لبريطانيا خلال الحرب لا تعد ثنا باهظا لتلك المصانع الصغيرة .<br />
<br />
ولعل أخطر الآثار الناجمة من الحرب تلك الحركات التبشيرية والتي أخذت تندس وسط صفوف المصريين وفي المتجمعات الجماهيرية وخصوصا وسط المرضي في المستشفيات ولقد أغفلت السلطات البريطانية أعينها عن تلك المهام الخطيرة في الوقت الذي كانت السلطات البريطانية ترصد كل حركة في المجتمع مما يجعلنا نعتقد بأن هذه الأنشطة كانت تدور في إطار [[السياسة]] البريطانية .<br />
<br />
ولعل هذا النوع من النشاط قد بدأ بصورة أكثر وضوحا داخل المدارس الأجنبية حتى يفرض على الطلاب حضور النداوت التي تعقد لهذا الغرض ومطالبة الطلاب بأعداد بعض البحوث عن موضوعات ذات صبغة تبشيرية مثل سماحة المسيحية وغير ذلك من الموضوعات ومما يلفت النظر انتشار الجماعات التبشيرية وتعدد مسمياتها وكلها تحمل أسماء ذات طابع مهني مثل جماعة مساعدة الأيتام وجماعة أصدقاء المرضي وغير ذلك من المسميات ولقد نجحت تقارير على سفارات فرنسا وأمريكا وانجلترا وخصوصا في غير أوقات العمل الرسمية ما يزيدنا اعتقادا بأن هذا النوع من الناشط يعد جزءا من مهام سفراء دول الحلفاء في [[القاهرة]] وفي الوقت الذي كان [[الوفد]] يتتبع الخصوم السياسيين ويزج بهم في السجون بلا تحقيق أو مساءلة أغمضت الحكومة أعينها عن هذا النشاط الخبيث ومما يضاعف من مسئولية الحكومة أنها كانت على بينة من كل تلك التحركات مما اضطر أحد أعضاء مجلس النواب إلى التقدم بسؤال إلى وزير الداخلية حول ما تقوم به مستشفي هرمل بالتبشير بين المرضي من الفقراء المسلمين , ولعل أخطر ما في الأمر أن الحكومة لم تكذب هذا الخبر وإنما أ‘لن وزير الداخلية بأن الوزارة ستخطر إدارة المستشفي بضرورة أبطال هذا النوع من النشاط .<br />
<br />
ويبدو أن طلبة [[الأزهر]] كانوا من أولي القوي التي قدرت خطورة الأمر ولذا فقد تقدم بعض الطلاب بعريضة إلى رئيس مجلس الوزراء يلفتون نظرة إلى خطورة الدعايات التي تقوم بها بعض الجماعات وخصوصا وسط المدارس والمستشفيات وطالبت العريضة بفرض لتعليم الديني في المدارس وخصوصا المدارس الأجنبية .<br />
<br />
والملاحظ أن الحكومة لم تقدر خطورة الأمر حيث لم تتخذ أى نوع من الإجراءات ضد تلك الجماعات ومن الصعب الحصول على إحصائية تحدد حجم الانجازات التي قامت بها تلك الجماعات نظرا للطابع السري الذي كان مفروضا على هذا النوع من النشاط ولذا فمن الصعب الحكم على النتائج التي حققتها تلك الجماعات.<br />
<br />
إلا أن ما نستطيع أن نجزم به هو مسئولية الحكومة المصرية وتغافلها عن خطورة الأمر وبلا أى مساءلة .<br />
<br />
'''وعلى ضوء كل ما تقدم يمكننا أن نطرح تساؤلا: ''' ما هي العلاقة بين كل ما تقدم و[[حادث 4 فبراير]] ونتائجه [[السياسة]] '''؟'''<br />
<br />
'''ولابد من تقرير حقيقة تاريخية : ''' أن ما حدث في 4 [[فبراير]] [[1942]]من إرهاب [[الملك فاروق]] وكل من تسول له نفسه الخروج من دائرة لنفوذ البريطاني لم يكن هدفا بريطانيا وإنما يعد وسيلة لإخضاع [[مصر]] سياسيا واقتصاديا وعسكريا لخدمة الدول المتحالفة .<br />
<br />
وبلاشك فقد نجحت [[السياسة]] البريطانية في تحقيق أغراضها حيث خضع الاقتصاد المصري لصالح الدول الحليفة .<br />
<br />
أما من الناحية السياسية فإن تطبيق الأحكام العرفية في [[مصر]] في الوقت الذي لم تتمن السلطات البريطانية من تطبيقه في بريطانيا ذاتها يعد نجاحا باهرا من وجهة النظر البريطانية وأيضا من الناحية العسكرية حيث قدمت الإمكانات المصرية الخدمة القوات المحاربة ومن هنا فقد عاشت [[مصر]] وكأنها دولة محاربة في الدرجة الأولي .<br />
<br />
ولا يمكن الفصل بين كل ما تقدم والمتغيرات الاجتماعية وليس من قبيل المصادفة على سبيل المثال أن تقدم حكومة 4 [[فبراير]] على إصدار العديد من التشريعات ذات الصبغة الاجتماعية مثل قانون النقابات وتحديد ساعات العمل وغير ذلك من القوانين التي سبق لحديث عها ألا لكي تقلل من حجم الآثار التي تركها هذا الحادث وسط صفوف الشعب المصري ولذا فإنه لا يمكن الفصل بين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن تلك المظاهر الثلاثة تعد نتاجا مؤكدا ل[[حادث 4 فبراير]] [[1942]] ..<br />
<br />
==الفصل الثامن : العلاقة المصرية البريطانية على ضوء المتغيرات الجديدة== <br />
<br />
===الأطماع البريطانية في [[مصر]] بعد [[فبراير]] [[1942]] ===<br />
<br />
إذا كانت [[معاهدة 1936]] قد وضعت شكلا محددا للعلاقات المصرية البريطانية فإن قيام [[الحرب العالمية الثانية]] يعد – من وجهة النظر البريطانية - مبررا معقولا للخروج على تلك المعاهدة ووقوع العديد من التجاوزات التي أحدثتها بريطانيا بحجة " داعي الحرب " وبكل المقاييس فإن ما حدث في 4 [[فبراير]] يعد انتهاكا لنصوص المعاهدة وتدخلا في عمل يعد من أخص شئون السيادة المصرية التي قررتها المعاهدة .<br />
<br />
وعلى ضوء كل ما حدث في 4 [[فبراير]] فقد تخطت العلاقات المصرية البريطانية مرحلة الرجوع غلى نصوص لمعاهدة والثوب إلى مرحلة جديدة تعد في الدبلوماسية المعاصرة : شكلا من أشكال التسلط السياسي والذي ترتب عليه بالضرورة انتهاكا اقتصاديا وعسكريا وأخلاقيا.<br />
<br />
والغريب في الأمر أن حكومة 4 [[فبراير]] ظلت تسوق العديد من المبررات ليس دفاعا عن سياستها فقط وغنما للدفاع أيضا عن سياسة بريطانيا بحجة " تأمين الديمقراطية وتناست الحكومة أن الاحتلال البريطاني ل[[مصر]] منذ [[1882]] يعد انتهاكا صارخا لمبدأ الديمقراطية وأى وعود سوف تقدمها بريطانيا تعد من باب السراب الذي لا وجود له وتمكنت [[السياسة]] البريطانية من أن تطبق على مقدرات الشعب المصري وتوجه لا اقتصاد المصري ليخدم أهداف الحرب مما دعا اقتصاديا بارزا كالدكتور عبد الجليل لعمري أن يقول في وصف الحالة لقد كان الاقتصاد المصري كبقرة ترعي في أرض [[مصر]] ولكن ضروعها كانت تحلب خارجها وهذا ما يضاعف من اعتقادي بأن ما حدث في 4 [[فبراير]] لم يكن هدفا بريطانيا وإنما كان وسيلة لإخضاع [[مصر]] سياسيا واقتصاديا وعسكريا بهدف خدمة الحلفاء .<br />
<br />
ولعل [[السياسة]] البريطانية كانت تدرك جيدا ما أصاب [[الوفد]] من جراء 4 [[فبراير]] ولذا فقد حرصت على أن تعمق هذا المفهوم لدي الجماهير [[الوفد]]ية الكاسحة وليس من قبيل المصادفة أن ينعم على السفير البريطاني بلقب" لورد" عقب 4 [[فبراير]] وأن يذهب [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا مهنئا حيث استعرض مع السفير قوات من الجيش البريطاني في ميدان [[الإسماعيلية]] .<br />
<br />
<br />
ويبدو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد أراد أن يناور مناورة سياسية للفت نظر الرأي العام حيث تحدث شفهيا مع السفير البريطاني حول إشراك [[مصر]] في مفاوضات الصلح على الرغم من أن مصير الحرب لم يكن قد تقرر بعد إلا أن الحكومة البريطانية لم تجد ما يحول دون إشراك [[مصر]] في جميع المفاوضات التي تمس مصالحها بالإضافة إلى أن الحكومة البريطانية لن تتدخل أثناء هذه المفاوضات في مناقشة أى شئ يمس مصالح [[مصر]] المباشرة دون تبادل الرأي مع الحكومة المصرية .<br />
<br />
ووفقا للمعني السابق فإن الحكومة البريطانية ستبذل كل معاونتها ليتحقق ل[[مصر]] أن تمثل على قدم المساواة بين جميع مفاوضات الصلح التي تمس مصالح [[مصر]] مباشرة فالقيد ينصب على مصالح [[مصر]] المباشرة أى أنه فيما عدا مصالح [[مصر]] المباشرة لا تسعي بريطانيا حيث لا يكون هناك مبرر لكي يكون ل[[مصر]] مكان في هذا المؤتمر وتفسيرا لهذا النص فإنه من المفترض ضمنيا أن يتعرض المؤتمر لمصالح [[مصر]] غير المباشرة من غير أن تكون [[مصر]] موجودة وأكبر مثل على هذا هو قضية [[السودان]] فوفقا للمبدأ السابق فإن [[السودان]] يعتبر قضية مصرية غير مباشرة ولذا ستكون بريطانيا طرفا عن [[مصر]] في تلك القضية وهو ما يتعارض تماما مع حق [[مصر]] السياسي في [[السودان]] .<br />
<br />
أما القول بأن حكومة جلالة الملك لن تدخل في أثناء هذه المفاوضات في مناقشة أى شئ يمس مصالح [[مصر]] المباشرة دون تبادل الرأي مع الحكومة المصرية فإن هذا النص لا يتفق ومصالح [[مصر]] الوطنية لأن [[مصر]] أما أن تكون وصلت إلى أن تمثل في المؤتمر وهي بذلك موجودة باعتبارها عضوا فيه وهذا يمكنها من التحدث عن نفسها وإبداء آرائها والدفاع عن مصالحها وأما أن تكون فشلت المساعي لإشراك [[مصر]] في المؤتمر وهنا يكون النص غاية في الخطورة لأن معناه أن بريطانيا تستبيح لنفسها أن تتحدث عن [[مصر]] وأن تتفاوض عن مصالحها المباشرة و[[مصر]] تقبل ذلك وتكتفي بمجرد أخذ أيها خارج المؤتمر الأمر الذي دعا أحد أعضاء مجلس الشيوخ البارزين '''إلى القول : ''' أن كان للحماية الخارجية معني , فحدثوني ما هو هذا المعني إذا لم يكن أن دولة تتحدث عن أخري وتقضي في صوالحها .<br />
<br />
ومزيدا من إحراج الحكومة فقد أجمعت المعارضة على ان مطالب [[مصر]] واضحة لا غموض فيها ولا تحتاج إلى مؤتمرات لحلها وهي الجلاء عن [[مصر]] و[[السودان]] وبذلك نكون قد قطعنا خطوات كبيرة لتحقيق مصالح [[مصر]] .<br />
<br />
وعلى الرغم من أن [[مصر]] كانت تتطلع إلى اليوم الذي تتحرر فيه من قيود التبعية البريطانية إلا أن حكومة [[الوفد]] قد سعت لاستقدام بعض الخبراء الانجليز في مجال الاقتصاد مما كان سببا في تفاقم حالة القلق لدي المصريين وخصوصا وأن [[مصر]] في تلك الفترة كان لديها المجلس الاقتصادي العلي وهو هيئة رسمية تضم مجموعة من الخبراء الممتازين في المسائل المالية والاقتصادية ولدي [[مصر]] أيضا اللجنة المالية بوزارة المالية واللجنة المالية في مجلس للنواب ومثلها في مجلس الشيوخ ولدي [[مصر]] أيضا طبقة عظيمة من جال المال وال‘مال الذين يتولون فعلا مشروعات ومؤسسات مالية واقتصادية فهذه الهيئات وكل تلك المؤسسات سواء كانت رسمية ام غير رسمية ألا يوجد فيها من يصلح بأن تسترشد به الحكومة .<br />
<br />
وهذا ما يدعونا إلى القول بأن إدخال خبراء انجليز بحجة إصلاح الخلل في الاقتصاد المصري يعد سياسة بريطانية قصد بها تطويع الاقتصاد المصري وتوجيه بما يحقق المصالح البريطانية حيث تشير مذكرات رئيس البوليس السياسي إلى تعدد المطالب البريطانية وتنوعها في كل مرافق الحياة المصرية وكانت كل الطلبات تجمع في مكتب رئيس الحكومة حيث يصدر أوامره إلى كل الهيئات موضع الاهتمام البريطاني وفي كثير من الأحيان كانت تصدر الأوامر من [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا تليفونيا حتى لا يقع في حرج إذا ما بعث بالمذكرة البريطانية .<br />
<br />
وعلى الرغم من التحالف القائم بين بريطانيا وأمريكا وحصول الأخيرة على قدر من الامتيازات التي تتمتع بها بريطانيا داخل الأراضي المصرية إلا أن السفير الأمريكي '''(''' كيرك''')''' قد طلب من ايدن وبطريقة ودية محاولة كسب ود [[الملك فاروق]] وترضية خاطرة بسبب ما لحقه من جراء 4 [[فبراير]] وأضاف السفير الأمريكي بأن المعاملة الخشنة التي اختص بها الدبلوماسيون البريطانيون الخديوي [[عباس حلمي]] لم تسفر إلا عن تحويله إلا كاره لكل ما هو بريطاني وعلى حد تعبير السفير الأمريكي : أن الصراع الدائر بين بريطانيا و[[الملك فاروق]] يجعلنا نسير على الحبال بصورة خيالية لطيفة .<br />
<br />
ولعل الحكومة البريطانية في محاولة منها للوقيعة بين الشعب المصري و[[الملك فاروق]] فقد أشادت من خلال البيانات التي صدرت بصفة رسمية من الخارجية البريطانية بالروح المعنوية العالية ورباطة الجأش التي يبديها المصريون وخصوصا في الأوقات العصبية وفي الوقت نفسه فقد شككت في نوايا القصر عن اعتبار أنه يأخذ موقفا مناهضا للشعب المصري من خلال تأييده الواضح للمحور . وأخذت الصحافة البريطانية تشيد بأهمية الدور المصري حيث كتبت التايمز 20 [[أغسطس]] [[1942]]" تقول : أن كثيرا من الناس لا يدركون مبلغ ما تدين به الجيوش البريطانية في [[مصر]] للحكومة المصرية فقد وضعت مواني البلاد ومطاراتها وطرقها وكل مرافقها تحت تصرف الجيوش المتحالفة وقال المستر تشرشل حين مر ب[[القاهرة]] في رحلته الأخيرة : أن [[مصر]] ولو أنها كانت لا تزال بلدا محايدا فليس من الحق مطلقا أن يقال أنها لم تقم بدور مهم ومشرف لا في دفاعها عن نفسها فحسب بل في الصراع العالمي الذي أخذ الآن يتقدم تقدما عظيما نحو نهايته.<br />
<br />
وبالرغم من كل التصريحات التي أطلقها الساسة الانجليز والتي تشيد بموقف [[مصر]] وشجاعة حكومتها إلا أن بريطانيا لم تقدم بديلا مرضيا لحل القضية الوطنية التي بدتها أحداث الحرب ولم تفقد الحكومة المصرية الوسيلة التقليدية في الإشادة بمبدأ الديمقراطية التي تحارب من أجلها الدول المتحالفة ضد الفاشية والنازية .<br />
<br />
ولعل ما تعرضت له [[مصر]] منذ سنة [[1882]] ما يقف دليلا على عدم صدق بريطانيا بصرف النظر مبدأ الديمقراطية أو الفاشية ومبالغة من الحكومة المصرية في صدق نواياها تجاه بريطانيا فقد زج بالعديد من المصريين في غياهب السجون وبلا أى محاكمة ولعل هذا في حد ذاته يعد تناقضا صريحا لفكرة الديمقراطية وعملا بمبدأ الديكتاتورية ولذا فإنني أعتقد أن كل التصريحات التي أطلقتها الدوائر البريطانية كانت من باب ترضية خاطر المصريين ويبدو فما أعلنه لمستر تشرشل '''(''' رئيس وزراء بريطانيا ''')''' ما يؤكد وجهة نظرنا حيث أعلن : أننا مسئولون طيلة الحرب عن المحافظة على العلاقات الطيبة مع الدولة المصرية التي وقيناها شر اعتداء القوات الايطالية والألمانية .<br />
<br />
وهذا التصريح يتناقض بشكل واضح مع ما سبق أن أعلنه تشرتشل مرارا وهو يثني على موقف [[مصر]] أيام العلمين ذلك الموقف الرائع الذي لولاه لتغير مصير الحرب وتبدو تلك المنالطات في بيان تشرشل لأن لتلك الحرب التي كانت تخوضها انجلترا في الصحراء الغربية لم تكن من أجل [[مصر]] بدليل بيانات الشكر التي بعث بها عدد كبير من الساسة الانجليز والتي تشيد برباطة جأش المصريين فليس من المعقول أن يتولي رجل الدفاع في بيتك ثم يشكرك لأنك أمنت له مؤخرته ولو أنه كان يدافع عنك لما رضي بأقل من وقوفك إلى جانبه ؟ ولكن كان يدافع عن نفسه وهو في بيتك وكان من واجبه أن يشكرك لأنك ساعدته وأمنته فانجلترا لم تكن تدافع عن [[مصر]] وإنما كانت تدافع عن إمبراطوريتها و[[مصر]] ستحق الشكر لأنها جعلت هذا الدفاع ممكنا بتركها أرضها وكافة مواصلاتها وتقديمها قوت يومها إلى قوات الحلفاء ولم يكن هذا ممكنا إلا إذا كانت هناك حكومة مصرية تتخذها بريطانيا وسيلة لتحقيق كل أغراضها ولذا فإن ما حدث في 4 [[فبراير]] ليس أمرا عاديا وإنما كان استراتيجية بريطانية واضحة المعالم والأهداف .<br />
<br />
'''ويعلق الدكتور [[أحمد ماهر]] على البيان السابق للمستر تشرشل قائلا : '''<br />
<br />
أنني لا أجد مسوغا لأن يمتن على [[مصر]] لوقايتها من اعتداء المحور لأن المعاهدة المصرية البريطانية تحتم أن تشترك معنا بريطانيا في صد الهجوم الذي يشن علينا أما في هذه الحالة التي لم نكن طرفا فيها فلم تكن [[مصر]] إلا ميدان حرب بين بريطانيا والمحور .<br />
<br />
'''وقد علق أحد زعماء الأحزاب السياسية المعارضة بقوله : ''' أن تصريح المستر تشرشل مسألة معروفة في [[السياسة]] البريطانية التي كثيرا ما تلجأ إلى هذه الوسيلة لأغراض سياسية ترمي إليها .<br />
<br />
ولعل الغرض من إعلان تشرشل أن يقلل من الآثار السياسية التي تطمح إليها [[مصر]] مقابل وقوفها بجانب الحلفاء .<br />
<br />
وعلى ضوء كل ما تقدم يمكننا القول : لقد كان التدخل البريطاني السافر في 4 [[فبراير]] [[1942]] فرصة لكي تحقق بريطانيا كل أغراضها بما يؤدي إلى استقرار الأوضاع المصرية بهدف تطويع الاقتصاد المصري لخدمة الحلفاء .<br />
<br />
وقد نجح لامبسون في تحقيق كل الأغراض أعظم نجاح كما أن ما حدث في 4 [[فبراير]] أتاح للنحاس الفرصة لكي يحد من سطوة القصر وهيبته وهذا مما ضاعف من حدة الصراع القائم بين القوتين ولا يتورع [[مصطفى النحاس|النحاس]] من أن يقدم نقدا مريرا للملك مطلبا إياه بتغيير موقفه تجاه الحلفاء . وأضاف [[مصطفى النحاس|النحاس]] أنه مصمم ما دام رئيسا للوزراء على أن تكون [[مصر]] قاعدة آمنة مستقرة حتى يتمكن الحلفاء ن تحقيق النصر مما أثار هذا الحماس سخرية [[الملك فاروق]] الذي أعلن أن بريطانيا لن تقف دائما إلى جانب [[مصطفى النحاس|النحاس]] فلقد خذلته سنة [[1937]] وبما أن حديث فاروق كان يحمل قدرا كبيرا من الحقيقة فلقد أجاب [[مصطفى النحاس|النحاس]] بأنه لا يعبأ بما يفعله البريطانيون سواء أيدوه أم خذلوه وأنه يلتزم فقط بالمعاهدة وأن مهمته بسيطة للغاية وهي الحفاظ على الديمقراطية وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية للغاية .<br />
<br />
ويبدو أن الانتصارات التي أحرزها الحلفاء وعلى كل جبهات الحرب كانت سببا كافيا لكي يبدي الملك قدرا من التعاطف مع قضية الحلفاء ولعل [[أحمد حسنين]] رئيس الديوان قد لعب دورا هاما في إقناع الملك بوجهة النظر تلك حتي يبدو أمام بريطانيا كأنه بديل معقول عن [[الوفد]] .<br />
<br />
ولعل القصر قد قطع شوطا كبيرا في إقناع بريطانيا بالعدول عن سياستها التي تهدف إلى مناصرة [[الوفد]] إلى أقصي حد ممكن وبالرغم من أن [[الوفد]] قد استنزف كل إمكانياته منذ 4 [[فبراير]] إلا أن الحكومة البريطانية اعتقادا <br />
منها بأن [[الوفد]] قد جيئ به لأداء مهمة محددة فلابد من استثمار فترة حكمه إلى أقصي حد ممكن .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن بريطانيا قد نجحت إلى حد كبير في استثمار حكومة 4 [[فبراير]] سواء في الأوضاع السياسية أو الاقتصادية ويشير نفس المصدر لى أن شعورا وطنيا قويا يسود البلاد وقد يجد له متنفسا بشكل أو آخر قبل مرور وقت طويل على اعتبار أن الحكومة الحالية التي تسود البلاد .<br />
<br />
ولعل حكومة 4 [[فبراير]] قد أدركت ألاعيب [[السياسة]] البريطانية وخصوصا بعد انتصارات العلمين ونزول القوات الأمريكية في شمال أفريقيا حيث ساد الاعتقاد بأن حظ الحرب قد ابتعد عن [[مصر]] إلى غير رجعة مما دفع [[مصطفى النحاس|النحاس]] إلى أن يصرح بمكالب [[مصر]] القومية مؤكدا على ضرورة الاستقلال وبذل أعظم اهتمام لحماية المصالح الوطنية إلا أنه قد اعترف بأن انجلترا لم تقصر في أى وقت من الأوقات مهما كان عصبيا في مراعاة أقصي احترام لاستقلال [[مصر]] وحمايتها .<br />
<br />
والملاحظ على تصريح [[مصطفى النحاس|النحاس]] أنه أراد أن يقطع على المعارضة ما تدعيه لنفسها من الزعامة الوطنية ولعله كان يهدف إلى أن يذكر بريطانيا بأن [[الوفد]] ما يزل في القوة السياسية القادرة عن التأثير في المجتمع المصري.<br />
<br />
وفي الوقت نفسه فإن إعلانه عن استقلال لم يسكن واضحا بل اتسم بالمزايدة حيث اعترف بأن بريطانيا قد احترمت استقلال [[مصر]] وبذلك أعظم اهتمام لحمايتها ولو كان [[مصطفى النحاس|النحاس]] صادق النية لتقدم رسميا بطلب الجلاء ولذا فإننا نعتقد أن ما أعلنه [[مصطفى النحاس|النحاس]] لم يكن إلا منن باب تهدئة المشاعر الملتهبة وقطع الطريق على أحزاب المعارضة والتي نجحت في استثمار [[حادث 4 فبراير]] أعظم نجاح.<br />
<br />
وعلى ما يبدو فإن الحكومة البريطانية قد أخذت من [[الحرب العالمية الثانية]] فرصة لمزيد من السيطرة على [[مصر]] وبدا واضحا أهمية الدور الذي لعبته [[مصر]] من خلال لصراع العالمي سواء سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا فلم يكن من المعقول أن تقبل بريطانيا الخروج من [[مصر]] طواعية ولعل احدي الصحف البريطانية أدركت هذا المعني قائلة : أن المهمة الشاقة التي تواجه بريطانيا حاليا هي صيانة المصالح الجوهرية التي أخذتها أمانة في عنقها لحساب الإمبراطورية البريطانية غير أن الأحوال قد تبدلت تبدلا تاما ولذا فإن العودة إلى النظام الذي كان قائما قبل الحرب هوة أضمن الطرق .وبالرغم من تعدد العوامل الموضوعية التي أوصلت [[مصر]] إلى هذه الدرجة من التردى إلا أن [[حادث 4 فبراير]] وما ترتب عليه من أحداث يعد الأساسي الذي تفجرت منه قضية الصراع والذي حمل بعدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقد يبدو أن موقف [[الوفد]] يعد غريبا بعض الشئ حيث اتسم موقفه بالسلبية إلا أن هذا الموقف لا يصعب تفسيره وإنما هو يتطابق إلى حد كبير مع الظروف الموضوعية التي أتت ب[[الوفد]] في 4 [[فبراير]] [[1942]] ويتطابق أيضا مع تركيب [[الوفد]] الاجتماعي وتكوينه السياسي فبعد أن كان [[الوفد]] قائما على أساس الطبقة الوسطي بدأ كبار الملاك وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة يحكمون قبضتهم على سياسة [[الوفد]] وبلا شك فإن أول ما تهتم به تلك الطبقة هو حماية مصالحها بصرف النظر عن القضية القومية ولذا فقد اتسمت سياسة [[الوفد]] طوال وجوده في الحكم عقب 4 [[فبراير]] بنوع من المهادنة أما طبقة العمال والفلاحين والطبقة الوسطي فلم يكن في استطاعة تلك الطبقات أن توجه سياسة [[الوفد]] العامة ولعل السبب في هذا هو ما أصاب تلك الطبقات من انقسامات وما ترتب على ذلك من اختلافات بسبب تباين وجهات النظر حول ما حدث في 4 [[فبراير]] وما ترتب على ذلك من انقسام [[الوفد]] وخروج [[مكرم عبيد]] .<br />
<br />
وليس في موقف [[الوفد]] كل هذه المتناقشات غرابة فهو لم يكن حزبا عقائديا صلبا كما ينبغي أن تكون الأحزاب بل تنتابه من الانتهازية الطاحنة بين أعضائه المتناقضين مع أنفسهم والتي أفقدته مع ظروف الحكم في 4 [[فبراير]] رصيدا كبيرا من التأييد الشعبي وجعلته متخلفا عن جماهير الشعب المصري لعجزه عن فهم المضمون الاجتماعي للثورة .<br />
<br />
ومن العوامل الموضوعية التي ضاعفت من شعبية [[الوفد]] في البداية أنه تأسس في ظل الصراع الدائر ضد الاحتلال مما أكسبه قدرا هائلا من الشعبية إلا أن [[معاهدة 1936]] وما ترتب عليها من سياسة المهادنة ومحاولة الوصول إلى الحكم بكل الوسائل بما في ذلك الاستعانة بالمحتل لتحقيق هذا الغرض من أهم العوامل التي أدت إلى انصراف الجماهير عن تلك المؤسسة السياسية الوطنية .<br />
<br />
وما أن أقيل [[الوفد]] في 8 [[أكتوبر]] [[1944]] حتى عاد إلى موقفه التقليدي وهو معارضة [[السياسة]] الانجليزية مما أفقده القدرة على التأثير في المجتمع ولا تتورع إحدي الصحف [[الوفد]]ية فتزعم أن " الآن " هو وقت المطالبة بتحقيق الأماني الوطنية وتضيف نفس الصحيفة إذا كانت بريطانيا قد شغلت في الماضي بمسائل السلم كمسائل بولونيا ويوغسلافيا وغيرهما يجعلنا نعتقد أن في إمكانها أن تجد الوقت الكافي للنظر في مطالبنا وفي أمانينا القومية . والسؤال الذي يفرض نفسه هل لم تكن بريطانيا تهتم بمسائل مثل بولونيا ويوغسلافيا وغيرهما من [[فبراير]] [[1942]] وحتى إقالة [[الوفد]] في [[أكتوبر]] [[1944]] ولذا فإننا نعجب لمواقف [[الوفد]] حينما يكون خارج الحكم وترك هذه الغفيرة في أكفان النسيان حينما يكون داخل الحكم .<br />
<br />
وتبدو تلك الملاحظة ليس على [[الوفد]] فقط وإنما على غيره من الأحزاب التي تتولي الحكم حيث تتسابق إلى التسبيح بحمد الاحتلال والتقرب إليه أما التي خارج نطاق الحكم فدورها التقليدي هو المزايدة وشن الحملات ضد الاحتلال ولعل في حديث الدكتور [[أحمد ماهر]] ما يقوم دليلا على هذا الاعتقاد فلقد نشرت كل الصحف بيانا خطيرا لرئيس الحكومة حول العلاقات المصرية البريطانية '''قال فيه : '''<br />
أنني أصرح بأنه إذا ما ترك الأمر لنا فإننا لن نختار حليفا أو صديقا إلا انجلترا أقر ذلك لأن مصالحنا الحقيقة تتفق تماما مع ما تتطلبه انجلترا من [[مصر]] وهو حماية [[قناة السويس]] وطريقها إلى الشرق وهذا هو كل ما تريده [[مصر]] ولذلك لا أجد غضاضة في أن أقول أن سياستنا قائمة على التمسك بصداقة انجلترا والاعتماد عليها .<br />
<br />
ومن المؤكد أن هذا التحول الغريب في سياسة الدكتور ماهر يعد تناقضا واضحا في بديهات [[السياسة]] عدها بعض أعضاء مجلس النواب تراجعا واضحا في سياسة الدكتور ماهر لأن [[مصر]] قد بذلك كل ما في استطاعتها وعلى بريطانيا أن تثبت حسن نواياها وأن رئيس الحكومة [[أحمد ماهر]] طالما اعترض على مسلك انجلترا [[مصر]] فما هو المقابل الذي اضطر رئيس الحكومة إلى العدول عن رأيه السابق .<br />
<br />
وجريا على سياسة المزايدة فقد تقدم [[الوفد]] بمذكرة للسفير البريطاني [[يوليه]] [[1945]] على غرار المذكرة التي قدمها [[الوفد]] '''(''' [[1940]]''')''' وهي تتناول المسائل القائمة بين انجلترا و[[مصر]] وأهمها مستقبل [[السودان]] وطلب لإجلاء العسكري عن [[مصر]] .<br />
<br />
ولعل انتهاء [[الحرب العالمية الثانية]] قد ضاعف من ثقل التبعة الملقاة على كاهل الحكومة المصرية وخصوصا بعد أن ابتعدت المخاطر عن [[مصر]] والتي كانت تعتبرها بريطانيا ذريعة تحول دون الحديث عن أى مطالب وطنية ووفقا لأهمية تلك القضية فقد تقدم أعضاء مجلس النواب المصري إلى رئيس الوزراء يخصص موقف الحكومة إزاء تعديل [[معاهدة 1936]] وعن الخطوات التي اتخذتها في هذا السبيل .<br />
<br />
ويعد تصريح [[محمود فهمي النقراشي]] في هذا الصدد أول تصريح من مسئول رسمي يلخص مطالب [[مصر]] القومية حيث أعلن أن لم يعد هناك أى سبب يحول دون جلاء القوات الأجنبية عن [[مصر]] وأن وحدة وادي النيل ب[[مصر]]ه وسودانيه تتفق وصميم رغبات أبناء الوادي جميعا .<br />
<br />
وبالرغم من أهمية هذا التصريح إلا أنه لم تواكبه أية خطوة عملية لتحقيق هذا الغرض مما حدا ببعض أعضاء مجلس النواب إلى اتهام الحكومة صراحة بالتقصير لأنها لم تفاتح بريطانيا في أمر تعديل المعاهدة وتساءل أحد النواب هل قام الجانب البريطاني بتنفيذ ما قيدته به المعاهدة من قيود ضئيلة إلى جانب المكسب الضخم الذي حصل عليه ؟ لم نر إلى الآن رئيسا واحدا من رؤساء الحكومات جابه الرأي العام بأمر تتدخل لانجليز في شئوننا الداخلية وإذا أردتم أمثلة على هذا التدخل فلعل أبرزها جميعا هو ذلك الحادث الذي روع البلاد يوم أن ذهبت الدبابات الانجليزية إلى أعز مكان عند المصريين كي تقدم إنذار غاشما .<br />
<br />
ولعل طرح قضية لعلاقات المصرية البريطانية للمناقشة أمام البرلمان المصري قد فجرت قدرا كبيرا من الغضب داخل نفوس الأعضاء ويبدو أنها كانت فرصة للنيل من [[معاهدة 1936]] على اعتبار أن المتحمسين لها قد اعتقدوا أنها ستحول دون تدخل بريطانيا في الشئون المصرية .<br />
<br />
وإلا أن الواقع العملي قد أكد عكس هذا المفهوم حيث تدخلت السلطات البريطانية في سن العديد من التشريعات التي تتعلق بالجيش والاقتصاد وتعيين الوزراء أو إقالتهم ولعل أهم التشريعات التي تدخلت فيها [[السياسة]] البريطانية أن السفير البريطاني قد حال دون صدور قانون محاكمة الوزراء وهو الذي حال أيضا دون صدور قانون التجنيد الإجباري وهو الذي لم يوافق على قانون إجبار الشركات على استعمال اللغة العربية.<br />
<br />
وتبدو الأمور أكثر غرابة إذا ما علمنا أن [[مصر]] قد انضمت إلى اتفاقية التعمير وبمقتضاها تساهم [[مصر]] بـ1 % من دخلها القومي للمساهمة في إعادة تعمير الدول التي دمرها الحرب .<br />
<br />
وبالرغم من التضحيات التي قدمها الشعب المصري طوال سنوات الحرب إلا أن [[السياسة]] البريطانية الماكرة أخذت تسوف وتماطل وعلى الفور برزت المسألة الوطنية على سطح الحياة السياسية في [[مصر]] ولم يمض وقت طويل حتى أدركت الجماهير المصرية أن حكومة [[النقراشي]] تسوف وانتشرت بين الناس عبارة " سياسة الصمت" التي تتبعها الحكومة ولما تحرك [[النقراشي]] لم يجد قولا يردده إلا أنه ينتظر " الوقت المناسب " فأطلقت عليه الجماهير والصحف " رجل الوقت المناسب " وزادت لهجة المطالبة وانتشر السخط وبدأت المظاهرات الشعبية تملأ الشوارع وترددت هتافات عدائية ضد لاحتلال والحكومة مما ضاعف من إحراج الحكومة ودفعها إلى التحرك ضمن حدود غير مجدية حيث أرسلت إلى الحكومة البريطانية مذكرة في 20 [[ديسمبر]] [[1945]] ذكرت فيها أن انتصار الحلفاء في الحرب يجعل الكثير من أحكام [[معاهدة 1936]] لا مبرر لها ثم ذكرت أن وجود القوات الأجنبية في [[مصر]] يجرح الكرامة الوطنية ولا يستطيع الشعب المصري إلا أن يفسره بأنه دليل محسوس على الريبة وأن الحكومة البريطانية ذاتها لا تجد مبررا لها ثم طالبت المذكرة في نهايتها بتحديد موعد قريب لكي يذهب وفد مصري إلى لندن للمفاوضة في إعادة النظر في معاهدة .<br />
<br />
وتلكأ الرد البريطاني أكثر من شهر ثم جاء في 2 [[يناير]] [[1946]] '''ليقول : ''' أن المبادئ الأساسية التي قامت عليها المعاهدة البريطانية المصرية سلبية في جوهرها وأن سياسة حكومة جلالة الملك أن تدعم البريطانية والإمبراطورية في أثناء الحرب .. وأضاف الرد البريطاني أن الحكومة البريطانية لديها الاستعداد لإعادة النظر مع الحكومة المصرية في إحكام المعاهدة على ضوء تجاربها المشتركة .<br />
<br />
وعلى أثر إذاعة مذكرة الحكومة البريطانية تبين للرأي العام مبلغ سوء نية الانجليز نحو [[مصر]] وإصرارهم على إبقاء [[معاهدة 1936]] كأساس للعلاقات بين لبلدين وكأن انتهاء [[الحرب العالمية الثانية]] والتضحيات الباهظة التي قدمها الشعب المصري وإعلان ميثاق الأطلنطي والحريات الأربع والمبادئ الحديثة التي قررها ميثاق الأمم المتحدة كل أولئك لم يغير من سياسة الانجليز الاستعمارية حيال [[مصر]] وهنا تدخل الحركة الوطنية المصرية دورا جديدا وهاما يتفق وأهمية تلك المرحلة الراهنة .<br />
<br />
===سياسة بريطانيا العربية=== <br />
<br />
ولقد كان من بين الدوافع التي حدت ببريطانيا إلى ارتكاب [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] هو رغبتها في فرض حكومة مصرية تتمتع بثقتها وخصوصا عندما تدهور موقف بريطانيا العسكري في ميادين أوربا والشرق الأوسط ونظرا لأهمية موقع [[مصر]] الاستراتيجي باعتبارها من أهم قواعد بريطانيا العسكري في الشرق الأوسط وفي الوقت الذي كانت بريطانيا تفكر في إعداد خطتها لما بعد الحرب ولما كان أساس هذه الخطة يدور حول إحكام سيطرتها على الشرق الأوسط الذي صار مركز الثقل في [[السياسة]] العالمية كان من الضروري لبريطانيا أن تطمئن إلى إخلاص الحكومة القائمة في [[مصر]] حتى يمكن أن تتعاون معها في تنفيذ هذه الخطة . <br />
<br />
ونشرت احدي الصحف البريطانية فصلا تحت عنوان " إعادة بناء الشرق الأوسط " أشارت فيها إلى أن حماية المصالح الجوهرية في الشرق الأوسط ضرورة بريطانية تحتمها حاجة الإمبراطورية والأمل الوحيد في نجاح تلك الفكرة هو إنشاء هيئة سياسية مستقرة الدعائم في الشرق الأوسط<br />
تكون مهمتها لتعاون على صيانة المصالح البريطانية وليست هناك وسيلة مختصرة توصلنا إلى إعادة بناء الشرق الأوسط إلا إذ عولجت أسباب القلق وعدم الاستقرار .<br />
<br />
ولعل هذا التصور الذي أشارت إليه الصحيفة البريطانية قد سبق لعديد من الدراسات البريطانية وأخذت [[السياسة]] لبريطانية تعمل على تنفيذ خطتها مدفوعة في ذلك أولا وقبل كل شئ إلى تحقيق مصالحها الخاصة وليس من قبيل المصادفة عودة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا إلى الحكم في 4 [[فبراير]] وقيام [[نوري السعيد]] في الحكم ب[[العراق]] في [[أكتوبر]] [[1941]] عقب تمكن بريطانيا من إخماد ثورة [[رشيد علي الكيلاني]] ولا عجب أ يكون [[مصطفى النحاس|النحاس]] [[نوري السعيد]] الداعيين الرئيسيين للوحدة العربية فقد حصل كل منهما على منصبه نتيجة التدخل البريطاني وكان كلاهما طموحا في أن يرفع من مركزه بالحصول على شهرة عن طريق اتخاذ سياسة في مجال أوسع وعلى ذلك كان من المناسب أن يعتنق كلا منهما فكرة الوحدة العربية التي يرجع الإلهام بها إلى بريطانيا . ولما كانت بريطانيا قد اختارت [[مصر]] لتكون محور هذه [[السياسة]] لذا كان من الضروري وجود حكومة مصرية مخالفة لبريطانيا ولعل رغبة بريطانيا في تحقيق هذه [[السياسة]] قد تطابقت إلى حد كبير مع ما صلح [[الوفد]] والذي كان يسعي إلى تحقيق انجاز عربي يعوض بعضا من شعبيته التي افتقدها عقب 4 [[فبراير]] [[1942]] وقد شهدت فترة ما بين الحربين تفتحا في الوعي العربي ونضجا سياسيا كبيرا أدي إلى قيام عدة ثورات تنادي في مختلف البلاد العربية بالاستقلال وتعلن سخطها على الاستعمار ومحاولات تقسيم الأمة العربية وخاصة عقب معاهدة لوزان [[1923]] والتي قررت توزيع الممتلكات العثمانية العربية بين مناطق نفوذ فرنسية وأخري بريطانيا وتعد قضية [[فلسطين]] محور العديد من اللقاءات والثورات التي أتاحت الفرصة لتجسيد وحدة مصير الأمة العربية وتبادل الرأي في المصلح المشتركة وأهمية العمل العربي الموحد وزاد الشعور بالروح القومية عند اندلاع [[الحرب العالمية الثانية]] '''(''' [[سبتمبر]] [[1939]]''')''' مما دفع البعض لى التفكير في إقامة نوع من الاتحاد بين الشعوب العربية في الوقت الذي كان العالم العربي يشهد دعايات دول المحور بتأييد الأماني العربية في التحرر من النفوذ الأجنبي وتصريحات الحلفاء المضادة التي تبشر العرب بتحقيق آمالهم في قيام وحدة أوثق بين شعوبهم .<br />
<br />
ولعل كل هذه الأحداث قد دفعت بريطانيا إلى أن تصدر في 29 [[مايو]] سنة [[1941]] على لسان وزير خارجيتها انطوني ايدن تصريحا تعلن فيه تأييدها لأماني بعض المفكرين العرب في قيام وحدة بين شعوبهم وأنها لذلك ستؤيد تأييدا كاملا أى مشروع ينال إجماع العرب في هذا الشأن <br />
وعلى أثر هذا التصريح نشطت الصحف المصرية والبريطانية إلى نشر العديد من المقالات والآراء الداعية لإقامة اتحاد فيدرالي عربي شبيه بنظام الولايات المتحدة الأمريكية .<br />
<br />
'''ويبدو أن بريطانيا كانت تهدف من وراء هذا التصريح إلى عدة أمور من أهمها : '''<br />
<br />
'''أولا: ''' القضاء على ما بقي ل[[تركيا]] من نفوذ من منطقة لشرق الأوسط.<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن تتزعم بريطانيا حركة الوحدة العربية من خلال [[القاهرة]] أو بغداد وكانت تطمع في أن يتزعم [[نوري السعيد]] الوحدة العربية .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' امتصاص غضب الأمة العربية عن طريق بعض الوعود التي تتفق إلى حد كبير مع أماني العرب ويلاحظ أن اهتمام بريطانيا بفكرة [[الجامعة العربية]] قد سبقتها عدة دعوات من بعض المفكرين لعرب وكان الهدف من وراء مثل ذلك الدعوات إيجاد جبهة متحدة ومترابطة ضد خطر [[الصهيونية]] في [[فلسطين]] وعندما وجدت بريطانيا أن مصالحها تتطابق مع تلك الدعوة فإنها لم تفعل سوي أن جعلت سياستها تتفق مع الرغبة العربية فلقد كان الشغل الأول لبريطانيا في تلك الفترة هو أن تسترد تعاطف العرب في وقت كانت توشك كل الدول العربية على أن تسترد تعاطف العرب في وقت كانت توشك كل الدول العربية على أن تنفض يدها من سيرها في فلك بريطانيا حين كانت ثورة [[العراق]] قد أخمدت وكانت القوات الألمانية على أبواب [[مصر]] تهددها وتنشر الرعب والقلق في نفوس الكثيرين وكانت الدعاية الألمانية في أوج عظمتها ومن هنا كانت [[السياسة]] البريطانية تبحث عن فكرة جديدة لتجمع بها شمل العرب ولعلها قد وجدت في فكرة [[الجامعة العربية]] ما تيفق ومصالحها الاستراتيجية .<br />
<br />
وليس هناك ما يؤكد بأن فكرة [[الجامعة العربية]] قد حققت أطماع بريطانيا بل ثمة دلائل تشير عكس ذلك الأمر الذي دعا أول أمين للجامعة العربية '''(''' عبد الرحيم عزام ''')''' إلى الاعتراف بأن فكرة [[الجامعة العربية]] قد خرجت من لندن حيث كان البريطانيون يريدونها أداة تعمل في خدمة مصالحهم الاستعمارية إلا أننا قد نجحنا برغم كل الدسائس والمؤامرات في أن تصبح [[الجامعة العربية]] أداة تعمل في خدمة العرب .<br />
<br />
وعلى الرغم من التصريح الذي أدلي به انطوني ايدان '''(''' [[مايو]] [[1941]] ''')''' وما واكبه من ردود فعل لدي الساسة والمفكرين العرب إلا أن الفكرة لم تخرج إلى حيز التنفيذ إلا في 24 [[فبراير]] [[1943]] أى بعد عام كامل من المجئ بحكومة 4 [[فبراير]] وبعد أن تأكدت بريطانيا من أن [[نوري السعيد]] لا يحظي بقدر من الشعبية وسط العالم العربي وأن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد تمكن من السيطرة على الموقف وخصوصا بعد أن بدت قضية الصراع الدولي وكأنها مسألة وقت فقط وانفتح باب الأمل أمام الحلفاء .<br />
<br />
وفي 24 من [[فبراير]] [[1943]] أكد " انطوني ايدن" أمام مجلس العموم البريطاني مرة أخري أن دولته تنظر بعين العطف إلى أى حركة تعزز الروابط الاقتصادية والثقافية بل والسياسية بين العرب وان الخطوة الأولي لتحقيق أى مشروع في هذا الشأن يجب أن تصدر عن العرب أنفسهم . <br />
<br />
وإذا كان تأييدا بريطانيا وهي الدولة الاستعمارية لقيام اتحاد بين الدول العربية يبدو غريبا فلا شك أنها قامت بهذه الخطوة إدراكا منها للتطور التاريخي الحتمي للأمة العربية وفي محاولة منها لإرضاء العرب وكسب ودهم من ناحية وعلى أمل السيطرة على مثل هذا الاتحاد أو توجيه مستقلا من ناحية أخري .<br />
<br />
ولم يمض أكثر من شهر على تصريح " ايدن" حتى تقدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصري بسؤال إلى رئيس بخصوص اتحاد الأمة العربية وتقديم وزير العدل " [[محمد صبري أبو علم]] " بالنيابة عن رئيس الوزراء <br />
ليدلي بتصريح أشار فه أنه منذ أن أعلن المستر ايدن تصريحه قامت الحكومة المصرية بالتفكير في الموضوع طويلا ورأت أن الطريقة المثلي التي يمكن أن تصل إلى غاية مرضية هي أن تتناول الحكومات العربية هذا الموضوع وأن تخطو خطوات رسمية في هذا السبيل لاستطلاع آراء الحكومات العربية ثم الدعوة لعقد مؤتمر في [[القاهرة]] تدعي إليه الزعامات العربية لإكمال بحث الموضوع .<br />
<br />
ولما كانت الحكومة البريطانية حريصة على أن يكون لها السبق في تلك المبادرة فقد أبلغت سفيرها في [[القاهرة]] " اللورد كيلرن" تطلب إليه أن يتحدث مع [[مصطفى النحاس|النحاس]] باش وأن يحثه على بذل جهد أكبر في هذا الموضوع : وكذلك أرسلت برقيات مماثلة إلى ممثلي بريطانيا في كل العواصم العربية .<br />
<br />
وعلى ضوء كل ما تقدم فإن بريطانيا قد اختارت [[مصر]] لتكون محور هذه السياسية على اعتبار أو وجود مصرية صديقة لبريطانيا سوف يترتب عليه نتائج هامة بالنسبة للمصالح البريطانية ولعل عقد المعاهد المصرية [[1936]] كان أساسا لمحاولة العمل المشترك بين الحكومتين المصرية والبريطانية في حل القضايا للعربية المختلفة وخصوصا بعد المجئ ب[[الوفد]] في 4 [[فبراير]] [[1942]] لأن بريطانيا كانت تعلم أن سياستها العربي إذا رسمت بالاتفاق والتفاهم مع حكومة صديقه فسوف تحظي رضاء وقبولا أكثر ليس في [[مصر]] وحدها وإنما في كل الأقطار العربية لاسيما إذا كانت هذه الحكومة تتمتع بثقة الدول العربية كلها وهي أوفرها نصيبا في مضمار التقدم والثروة .<br />
<br />
وبالرغم من أن فكرة [[الجامعة العربية]] قد خرجت من لندن وبشهادة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا نفسه إلا أنه وجد أخيرا من ينفي هذه الحقيقة اعتقادا منه بأن بريطانيا لم يكن من مصلحتها جمع كلمة العرب في صعيد واحد ولأن [[الجامعة العربية]] ستكون قوة متحدة في مواجهة الأطماع البريطانية في المنطقة وهذا ما يتناقض بالضرورة مع مصالح بريطانيا .<br />
<br />
وعلى الرغم من أهمية هذا الرأي إلا أن التفسير العلمي وفق تطور الأحداث السياسية يحتم علينا عدم لأخذ بظواهر الأمور وانطلاقا من هذه المقولة المتواضعة فإنني لا أميل إلى الرأي السابق لأن بريطانيا إذا كانت تقدر خطورة جمع العرب في هيئة واحدة فإن الأخطر من ذلك هي حالة الاستياء العام والتي كانت منتشرة في كل الأقطار العربية وخصوصا في [[مصر]] و[[العراق]] وتصورت الحكومة البريطانية أن مجرد التلويح بمثل هذه الفكرة سيقلل من حجم الكراهية الشديدة ضد بريطانيا والتي تعم أقطار الوطن العربي ولما كانت للحكومة البريطانية تعلم جديا أن الهيمنة العسكرية التي فرضتها على معظم أقطار الوطن العربي لم تتناسب والمرحلة الجديدة فكان من الضروري التفكير في وضع سياسة جديدة تتفق وما أحدثته الحرب من أفكار وآمال جديدة وبدلا من أن تشتت جديدة تتفق وما أحدثته الحرب من أفكار وآمال جديدة وبدلا من أن تشتت بريطانيا جهودها مع العديد من الحكومات العربية فإن الوضع الجديد سيمكنها من تحقيق أهدافها لكن بشكل جديد وبأسلوب جديد بأسلوب مغاير إلى حد كبير للأساليب البريطانية السابقة وإذا كانت [[جامعة الدول العربية]] قد نفضت يدها من التبعية البريطانية بعد ذلك في محاولة لخلق شخصية مستقلة تتفق مع مصالح كل الأقطار العربية فإن هذا لا ينفي أن بريطانيا كانت صاحبة الفكرة الأولي منذ البداية .<br />
<br />
ووفقا للمصالح البريطانية والتي كانت تمثل المعيار الأول في [[السياسة]] البريطانية فإن هناك العديد من الاعتبارات التي دفعت [[السياسة]] البريطانية إلى المضي في هذا الاتجاه ففي عام [[1942]] بدأ أول نوع من التحالف بين الحركة [[الصهيونية]] والولايات المتحدة الأمريكية ودعمت شركات النفط الأمريكية ودعمت شركات النفط الأمريكية مراكزها في [[السعودية]] كما كانت بريطانيا تقدر خطورة الوجود السوفيتي وخصوصا في إيران ولم يعد الموقف في الشرق الأوسط يتشكل وفقا للصراع بين المعسكر الفاشي وأعدائه وإنما وفقا لتضارب المصالح بين الثلاثة الكبار أمريكا بريطانيا الاتحاد السوفيتي وفي ظل الموقف الجديد قام البريطانيون بمحاولات لإنشاء كتلة عربية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي من الناحيتين السياسية والعسكرية وضد الولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية .<br />
<br />
ولعل هذا المعني لم يكن خافيا على [[السياسة]] الأمريكية حيث أشار السفير الأمريكي في احدي برقياته إلى حكومته من أن المخابرات البريطانية تتابع كل أعمالنا في محاولة منها للوقوف على أدق المعلومات التي تتعلق بالعلاقات الأمريكية العربية .<br />
<br />
وليس من قبيل المصادفة أن تتدخل بريطانيا بكل ثقلها لإنهاء الوجود الفرنسي في كل من [[سوريا]] و[[لبنان]] وإنما لكي يتم لها السيطرة السياسية والاقتصادية على هذين القطرين وفقا للسياسة البريطانية الجديدة في إطار [[الجامعة العربية]] ولعل في وجود [[مصطفى النحاس]] و[[نوري السعيد]] والأمير عبد الله مما يساعد بريطانيا على تحقيق أغراضها الاستراتيجية.<br />
<br />
ويبدو أن بريطانيا قد تأكدت من أهمية التضامن العربي بعد نجاح فكرة مركز الشرق الأوسط في السنوات الأولي من الحرب حيث كان لبريطانيا السيطرة الكاملة على هذا المركز وتمكنت من تطويع اقتصاد العالم العربي لخدمة الحلفاء .<br />
<br />
لكل هذه الاعتبارات السابقة كان يصعب على الحكومة البريطانية أن تحقق أهدافها لو لم يكن على رأس الحكومة المصرية شخصية مثل [[مصطفى النحاس]] والذي يستند إلى قاعدة جماهيرية تمثل غالبية الشعب المصري ولما كانت [[مصر]] بمثابة العمود الفقري في خطط بريطانيا السياسية والعسكرية والاقتصادية في هذه الفترة فكان من الضروري قيام حكومة وطنية في [[مصر]] تستطيع أن تعتمد عليها بريطانيا وتحظي بمساعدتها ومن أجل ذلك أجبر السفير البريطاني [[الملك فاروق]] في 4 [[فبراير]] [[1942]] كي يأتي بحكومة [[الوفد]] إلى دست الحكم كما أشرنا فقد كان مركز بريطانيا في ميدان الشرق الأوسط يواجه عواصف سياسية وعسكرية في وقت عمت الأزمة الاقتصادية الخانقة بلدان الشرق الأوسط وساهمت في إحراج مركز بريطانيا وإذا أضيفت هذه الأزمة الثقيلة إلى الأعباء السياسية والعسكرية اتضح لنا عمق الهوة التي انحدر إليها مركز بريطانيا ومبلغ حاجتها إلى حليف ومعين يخفف عنها أعباءها المتباينة بهدف تنسيق سياستها في الشرق الأوسط بحيث تتعامل مع دول المنطقة من مركز واحد وأن لم يستطيع هذا الحليف أن يحارب إلى جانبها فلا أقل من أن تأمن جانبه .<br />
<br />
ويبدو أن الملك عبد العزيز آل سعود كان من المعارضين لفكرة [[الجامعة العربية]] منذ البداية حيث كان يعتقد أن اقترح مستر ايدن بإنشاء هذه الجامعة يثير الشك في نوايا الانجليز .<br />
<br />
وتشير الوثائق الأمريكية إلى أن لحكومة البريطانية قد بذلت قدرا كبيرا لإقناع العاهل السعودي بالعدول عن رأيه وخصوصا أن الإمام [[يحيى حميد الدين]] ملك [[اليمن]] قد التزم بالخط السياسي الذي يبديه العاهل السعودي .<br />
<br />
وأعتقد أن محاولات [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا لإقناع الملك عبد العزيز أل سعود بفكرة [[الجامعة العربية]] كانت في إطار المحاولات البريطانية المبذولة حتى تأتي الفكرة وكانها مبادرة عربية خالصة .<br />
<br />
واستنادا على ثقة بريطانيا في [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا فقد كثف من ناشطة لتبديد المخاوف التي أبداها العاهل السعودي عن طريق إقناع الملوك والرؤساء العرب بهذه الفكرة وكان من الطبيعي أن يثير هذا النشاط مخاوف الفرنسيين الذين كانوا على علم بمحاولات بريطانيا إنشاء حلف عربي الغاية منه في رأي فرنسا سلخ [[سوريا]] و[[لبنان]] عن نطاق الإدارة الفرنسية .<br />
<br />
ووفقا لسياسة [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا تجاه [[الجامعة العربية]] فإننا نعتقد أنه كان من الأولي على الحكومة المصرية أن تطلب من بريطانيا تحديد موقفها من لاحتلال العسكرية ل[[مصر]] وضرورة وجود ضمانات كافية تلزم بريطانيا بالخروج من الأراضي المصرية عقب انتهاء الحرب مقابل التعاون معها في سياستها العربية فلو أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد عمل على توحيد الصفوف في [[مصر]] لاستطاع بغير شك أن يخدم البلاد أعظم خدمة ولخدمت [[مصر]] القضايا العربية في سائر الأقطار بأكثر مما أفادتها [[الجامعة العربية]] غير أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد وقف موقفا سلبيا من بريطانيا فيما يتعلق بالمطالب المصرية فضلا عن أنه ذهب في مساعدتها خلال الحرب إلى أبعد مدي كما أنه ذهب في سياسته الحزبية إلى درجة أدت إلى زيادة الانقسام والفرقة بين القوي الوطنية المصرية مما فوت فرصة قيام جبهة مصرية متحدة ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] ظل يحمل لبريطانيا مما فوت فرصة قيام جبهة مصرية متحدة ولعل [[مصطفى النحاس|النحاس]] ظل يحمل لبريطانيا دينا كبيرا في عنقه طوقته به [[السياسة]] البريطانية منذ [[فبراير]] [[1942]], وفي الوقت الذي كان يبذل من المساعي لحصول كل من [[سوريا]] و[[لبنان]] على استقلالها كانت [[مصر]] تعاني أشد القوانين العسكرية وأقسامها مما يجعلنا نعتقد بأن محاولات [[مصطفى النحاس|النحاس]] لحصول [[سوريا]] و[[لبنان]] على استقلالها لم يكن بهدف خدمة القضية العربية بقدر ما كان للسياسة البريطانية الماكرة لأن سلخ [[سوريا]] و[[لبنان]] عن الإدارة الفرنسية ودخولهما في حلف عربي ما يتيح لبريطانيا تحقيق غرضين :<br />
<br />
أولهما : خروج فرنسا من الشرق الأوسط نهائيا وهو أمل طالما رواد [[السياسة]] البريطانية .<br />
<br />
ثانيهما : أن دخول [[سوريا]] و[[لبنان]] في حلف مع بقية الأقطار العربية يربطهما بعجلة [[السياسة]] البريطانية .<br />
<br />
وفي [[يوليه]] [[1943]] اتخذت [[مصر]] المبادرة العملية ببدء المباحثات الأولي وجاء إلى [[القاهرة]] كل من [[نوري السعيد]] رئيس وزراء [[العراق]] و[[توفيق أبو الهدي]] رئيس وزراء [[الأردن]] والشيخ يوسف ياسين ممثل المملكة [[السعودية]] وسعد الله الجابري رئيس وزراء [[سوريا]] و[[رياض الصلح]] رئيس وزراء [[لبنان]] والسيد [[حسين الكبس]] مفوض [[اليمن]] واستمرت المباحثات حتى [[فبراير]] [[1944]] وكانت مباحثات مضنية بسبب الخلافات العديدة وتباين وجهات انظر بين الدول العربية وكانت [[العراق]] .<br />
<br />
كل من [[سوريا]] و[[لبنان]] وشرق [[الأردن]] في دولة واحدة , وأن تشكل هذه الدولة الجديدة مع [[العراق]] اتحادا فيدراليا قد اصطدم بمعارضة علنية من جانب كل من [[مصر]] و[[السعودية]] على اعتبار أن أى مشروع لا يحظي بموافقة [[مصر]] ولا يخلع عليها الزعامة العربية فسوف يحكم عليه بالفشل .<br />
<br />
ولذا فقد فشل مل من مشروع [[سوريا]] الكبرى الذي خطط له الملك عبد الله أثناء الحرب ومشروع الهلال الخصيب الذي خطط له [[نوري السعيد]] وكان كلا المشروعين يهدمان إلى توحيد آسيا العربية باستثناء شبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى استبعادها ل[[مصر]] ومحاولتها عزلها عن التيارات السياسية في المشرق العربي وبعد العديد من المفاوضات '''(''' التي تخرج عن موضوع دراستنا ''')''' تمكنت اللجنة التحضيرية من توقيع ما عرف ببروتوكول [[الإسكندرية]] [[أكتوبر]] [[1944]].<br />
<br />
وهكذا تشكلت [[الجامعة العربية]] والتي عملت بريطانيا على إخراجها إلى حيز الوجود والتي كانت من صنع [[السياسة]] البريطانية .<br />
<br />
ويبدو ان مشروع [[جامعة الدول العربية]] كان يختلف تماما عن تلك الفكرة التي جاء بها [[نوري السعيد]] والتي لم تكن تتطابق إلى حد كبير مع المصالح البريطانية لأن مشروع [[الجامعة العربية]] والذي وافقت عليه بريطانيا قد ضم [[مصر]] بطريقة مباشرة بعكس مشروع [[نوري السعيد]] والذي تركها خارج المشروع وترك لها حرية الدخول من عدمه ولعل هذا لا يتفق مع الخطة البريطانية الرامية إلى جعل [[مصر]] محور هذه الفكرة بثقلها السياسي والاقتصادي والبشري والجغرافي والتاريخي الخ .<br />
<br />
وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن كلا من المشروعين كان نوعا من الصراع بين [[مصر]] و[[العراق]] على زعامة الأمة العربية . بالإضافة إلى أن المشروع الذي وافقت عليه بريطانيا بل وابتكرته '''(''' [[الجامعة العربية]] ''')''' بضم أكبر عدد ممكن من دول هذه المنطقة وهكذا نجحت بريطانيا في تحقيق سياستها العربية كما نجحت في تحقيق الأهداف التي رمت إليها من وراء أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] على اعتبار أن المجئ بحكومة وفدية يعد ضرورة بريطانية بهدف تفسير بنود <br />
[[معاهدة 1936]] بما يتفق مع المصالح البريطانية.<br />
<br />
وعلى ضوء كل ما تقدم تبدو الظروف والملابسات التي دفعت الحكومة البريطانية كي تضرب ب[[معاهدة 1936]] عرض الحائط وأن تتدخل تدخلا سافرا في [[السياسة]] الداخلية المصرية وعلى أعتقد فإن بريطانيا لم تغامر بسمعتها في 4 [[فبراير]] جزافا أو لمجرد إرضاء [[الوفد]] لأن قيام حكومة وفدية أو غيرها لا يعني بريطانيا في شئ بقدر عانايتها بمآربها وأهدافها طبقا للإستراتيجية التي اختطتها لنفسها ليس في [[مصر]] فقط وإنما في منطقة الشرق الأوسط كلها ولذا فإننا نعتقد عودة [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] كان جزءا من خطة بريطانية مرسومة محددة المعالم واضحة الأهداف .<br />
<br />
==الخاتمة==<br />
<br />
يصعب على الباحث في مجال الدراسات الإنسانية عموما أن يحدد النتائج التي توصل إليها بشكل قاطع وقد يكون ذلك راجعا إلى أن قضية الدراسات الإنسانية عموما والدراسات التاريخية على وجه الخصوص تعني تقويم سلوك الإنسان ورصد حركته ايجابيا وسلبا ولما كانت عملية التقويم هذه لا تحكمها قوانين طبيعية وإنما تخضع في مجملها إلى اجتهادات شخصية اعتمادا على الوسائل المتاحة من وثائق ودراسات وغير ذلك ومهما حاول الباحث أن يجتهد إلا أن الحقيقة دائما تظل نسبية ولذا فإن القيمة الحقيقية لا تبدو من خلال النتائج فقط و وإنما من خلال الوسيلة التي استخدمها الباحث وطريقة استخدامها .<br />
<br />
ولما كان [[حادث 4 فبراير]] [[1942]] يقع في إطار العلاقات المصرية البريطانية تلك العلاقة التي تستند على [[معاهدة 1936]]م والتي بمقتضاها حصلت [[مصر]] على قدر من حريتها واستقلالها إلا أن بريطانيا لم تكن خالصة النية ولعلها قد أرادت أن تهدئ من روع المصريين في وقت بدأت فيه العلاقات الدولية تنذر بمخاطر حرب توشك أن تقع .<br />
<br />
واعتمادا على المقولة القائلة بأن [[معاهدة 1936]]م هي معاهدة الشرف والاستقلال إلا أن العلاقات المصرية البريطانية عقب توقيع تلك المعاهدة لم يطرأ عليها قدر يذكر من التغيير فلقد حرصت بريطانيا على أن تتدخل في شئون [[السياسة]] المصرية كما كان يحدث قبل توقيع العاهدة إلا أن تدخلها أصبح مستترا إلى حد كبير ولم يحدث منذ توقيع المعاهدة وحتى 4 [[فبراير]] [[1942]]م أن كانت الإدارة المصرية حرة طليقة من التبعية البريطانية حتى في أخص القضايا التي أقرتها المعاهدة .<br />
<br />
وإذا كان من أولي المسائل التي اقرها الدستور هو حق الملك في اختيار رؤساء حكومته إلا أن الحكومة البريطانية لم تسلم مطلقا بهذا الحق وإنما حرصت على أن يؤخذ رأيها عند اختيار كل حكومة جديدة ولعل هذه كانت بداية المصادمات بين [[الملك فاروق]] والانجليز . وعموما فلقد بقي الوجود البريطاني قائما في كل شئون [[السياسة]] المصرية ولم يسمح للإدارة المصرية أن تمارس حقها إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع النفوذ البريطاني والغريب في الأمر أن الحكومات المصرية كانت تدرك هذه الحقيقة إلا أن أحدا لم يجرؤ على التصريح بها علانية .<br />
<br />
ويبدو أن قيام [[الحرب العالمية الثانية]] كان حدا فاصلا بين التدخل البريطاني المستتر والتدخل العلني وأستطيع أن أقول أنه منذ قيام الحرب والانتصارات الكاسحة التي حققها الجيش الألماني في أوربا فقد تضاعف الوجود البريطاني في شئون [[السياسة]] المصرية بقدر أكبر مما كان عليه الحال قبل توقيع [[معاهدة 1936]]م.<br />
<br />
وإذا كان موقف [[مصر]] من قضية الصراع الدولي كان غير واضح إلا أن [[معاهدة 1936]]م كانت تضع [[مصر]] موضع الحليف لبريطانيا على الرغم من أن [[مصر]] لم تعلن الحرب رسميا ضد الألمان وشهدت أروقة البرلمان المصري مناقشات فقهية جادة دخول [[مصر]] الحرب أو عدم دخولها .<br />
<br />
والحقيقة أن [[الملك فاروق]] كان صاحب سياسة تجنب [[مصر]] ويلات الحرب وعلى الرغم من أنه لم يعلن هذا صراحة إلا أنه اتخذ من حكومة [[علي ماهر]] وسيلة للتمسك بهذه [[السياسة]] ولقد كانت بريطانيا تدرك هذه الحقيقة ولذا فقد تضاعف العداء بينها وبين [[الملك فاروق]] . <br />
<br />
ويبد أن الحكومة البريطانية قد أدركت أن إعلان [[مصر]] الحرب لن يكون له تأثير كبير من حيث المساهمة في العمليات العسكرية وأن بقاء [[مصر]] دولة غير محاربة يمكنها من حرية الحركة ويجنبها غارات المحور ويجعلها قاعدة مركزية لتموين جيوش الحلفاء ولذا فقد حرصت بريطانيا على أن تبقي [[مصر]] بعيدا عن حلبة الصراع الدولي .<br />
<br />
وإذا كان بعض الزعماء المصريين أمثال [[أحمد ماهر]] قد حرصوا على دخول [[مصر]] الحرب إيمانا بقضية الديمقراطية ووقوفا بجانب الحليفة وقت شهدتها إلا أن هذه الرغبة كانت مرتبطة إلى حد كبير بسير المعارك الحربية فمثلا كان فشل ألمانيا في غزو بريطانيا وانتصارات ويفل في الصحراء الغربية ونجاح حملة الحبشة سببا قويا في تخفيف حدة التوتر السياسي خلال شتاء [[1940]] – [[1941]] م وجاء انتصار الألمان في البلقان في ربيع [[1941]] م ليعيد التوازن للموقف حيث تأرجح مرة أخري باحتلال بريطانيا لأراضي [[سوريا]] و[[العراق]] .<br />
<br />
وإذا كان الموقف قد انتهي إلى اعتناق مبدأ " تجنب [[مصر]] ويلات الحرب ط إلا أن أجهزة المخابرات البريطانية قد توصلت إلى أن فاروق و[[علي ماهر]] على اتصالات سرية يهتلر ولعل هذه المعلومات كانت سببا كافيا لكي تتجاوز بريطانيا حدود [[معاهدة 1936]]م وفي الوقت نفسه فقد سجلت العديد من تقارير استطلاع الرأي بأن الشعب المصري يتعاطف مع الألمان نكاية في الانجليز في الوقت الذي حققت فيه القوات الألمانية انتصارات ساحقة على الجبهتين الأوربية والأفريقية.<br />
<br />
'''وعلى ضوء كل الاعتبارات السابقة يمكننا أن نخلص إلى بعض النتائج التي قد ارتبطت إلى حد كبير ببعضها البعض :- '''<br />
<br />
'''أولا : ''' لقد بدأت بريطانيا تعيد النظر في علاقتاها بالقصر بعد أن توصل السفير البريطاني إلى فكرة التقليل من حجم القصر عن طريق خروج [[علي ماهر]] من رئاسة الحكومة وعلى الرغم من أن " لامبسون " قد طلب من فاروق صراحة أبعاد [[علي ماهر]] من رئاسة الحكومة إلا أن الملك أخذ يراوغ ويماطل وخاصة بعد تدهور الموقف العسكري في أوربا وعقب انهيار فرنسا الأمر الذي شجع في [[مصر]] الميول التي كانت تتعاطف مع المحور شعبية كانت أم سمية لا على اعتبار أن المحور صادق النية فيما يتعلق باحترام سلامة واستقلال [[مصر]] ولكن على اعتبار أنه لن يكون احتلال أسوأ من الاحتلال البريطاني الذي عانت منه [[مصر]] ما يزيد على نصف قرن ولعل هذا الميل كان يحمل في طياته دوافع التشفي نحو حليف أكرهت [[مصر]] على محالفته ضد رغبة شعبها كما أنه كان يتضمن في الوقت نفسه معني الإعجاب بالعسكرية الألمانية التي لا تقهر من جانب بعض قطاعات الرأي العام المصري وقادته بل وحتى [[الملك فاروق]] ذاته وإذا كان [[الملك فاروق]] قد بعث إلى ملك انجلترا يشكو من التعسف والتشديد الذي يمارسه " لامبسون " في [[مصر]] إلا أن رسالة فاروق إلى ملك انجلترا لم تكن لتحدث أثرا على اعتبار أن الحكومة البريطانية هي المسئولة عن القرار الذي أخذته وأبلغته بدورها إلى لامبسون في [[القاهرة]] والذي يعني " إذا لم يستجب فاروق لمطالبنا ويبعد [[علي ماهر]] عن رئاسة الحكومة فإن فاروق يجب أن يتنازل عن العرش على أن لا يترك طليقا وإنما يوضع تحت الرقابة المشددة حتى لا يلجأ إلى ايطاليا ليطالب بعضه ".<br />
<br />
ومن الواضح أن حرص بريطانيا على خروج [[علي ماهر]] لم يكن بسبب إحجامه عن إعلان الحرب إذ أن الانجليز قد انتهوا إلى الموافقة على اتخاذ [[مصر]] موقف الدولة غير المحاربة .<br />
<br />
ولعل السبب في إخراج [[علي ماهر]] هو انعدام الثقة بينه وبين الانجليز بسب تشيعه للمحور وأنه كان يظاهر الملك في الاستخفاف بقوات الحلفاء والإشادة بانتصارات الألمان .<br />
<br />
'''ثانيا : ''' أن ما حدث في 4 [[فبراير]] [[1942]] ولم يكن سياسة بريطانية خالصة ووفقا للوثائق البريطانية التي أشارت إلى أن أطرافا مصرية مثل [[حسين سري]] و[[أمين عثمان]] قد شهد القضية منذ بدايتها بل أن [[حسين سري]] هو الذي أشار على السفير البريطاني " يتخويف " فاروق .<br />
<br />
أما فيما يتعلق بمسئولية [[الوفد]] فلم يكن غريبا ولا مستجهنا أن يكون للحكومة البريطانية أي في اختيار رؤساء الحكومات المصرية على الرغم من أن [[معاهدة 1936]] م لم تنشر إلى هذا صراحة أو ضمنا وكان من الطبيعي جدا أن تلجأ احدي القوي إلى دار السفارة البريطانية في محاولة لإسناد الحكم إليها .<br />
<br />
وقد تمكنت من تحقيق تلك القضية وكانت مسئولية [[الوفد]] من هذه الناحية واضحة تماما أما الغريب في الأمر فهو شكل هذا التدخل والطريقة التي استخدمتها بريطانيا وأعتقد أنني قد تمكنت من كشف الجوانب الدقيقة حول عملية لإحصاء سواء ما يتعلق منها بحصار القصر وإجبار فاروق على التنازل وفي حالة رفض فاروق فإن على القوات البريطانية أن تتعامل مع الموقف على ضوء الخطة التي وضعها المجلس العسكري الأعلى والتي تعني دك المطارات المصرية العسكرية وتدمير كل الطرق المؤدية إلى [[القاهرة]] ث القبض على فاروق ونقله إلى احدي سفن الأسطول البريطاني حتى يتقرر مصيره من قبل الحكومة البريطانية والجديد في الأمر أيضا أن بريطانيا فكرت في إلغاء النظام الملكي في [[مصر]] وبعثت إلى سفيرها في [[القاهرة]] لكي يستطيع الأمر فيما إذا كان من الممكن قيام نظام جمهوري شريطة أن يحظي بموافقة الرأي العام المصري .<br />
<br />
'''ثالثا : ''' أن الطريقة التي عاد بها [[الوفد]] في 4 [[فبراير]] كانت سببا كافيا لكي تمارس بريطانيا سياسيتها في [[مصر]] بالطريقة التي تراها حيث تحول حزب النضال الوطني إلى أداة تمارس بريطانيا من خلالها كل ما تري أنه يدعم موقفها الوطني إلى أداة تمارس بريطانيا من خلالها كل ما تري أنه يدعم موقفها في الحرب ولعل من أخطر الأمور محاولة بريطانيا تدمير آبار البترول المصرية وشبكة الطرق والمواصلات وإغراق الدلتا بمياه البحر المتوسط في محاولة لإعاقة تقدم القوات الألمانية التي بدت على مشارف [[الإسكندرية]] وعلى الرغم من أن [[مصطفى النحاس|النحاس]] قد رفض كل هذه المطالب إلا أن رفضه لم يكن كافيا لإعاقة بريطانيا عما اعتزمت أن تقدم عليه .<br />
<br />
وإذا كانت [[مصر]] لم تعلن الحرب رسميا ضد قوات المحور إلا ان [[السياسة]] التي اتبعتها حكومة [[الوفد]] كانت كافية من الناحية العملية حيث تم تطويع [[مصر]] سياسيا اقتصاديا خدمة لجبهة الحلفاء وعاش الشعب المصري أسوأ فترات حياته وإذا كان الانجليز قد تجاوزوا كل حد معقول مساء 4 [[فبراير]] إلا أن ما أقدمت عليه حكومة [[الوفد]] يعد من أخطر التجاوزات التي مارستها حكومة وطنية بدأ بقضية الاعتقالات وانتهاء المحسوبيات .<br />
<br />
'''رابعا : ''' أن أحزاب بأقلية قد لعبت دورا خطيرا سواء بالنظر للمقدمات التي ساهمت في صنع 4 [[فبراير]] أو النتائج و إنتهاء بالمحسوبيات .<br />
<br />
'''خامسا : ''' أن أحزاب بالأقلية قد لعبت دورا خطيرا سواء بالنظر للمقدمات التي ساهمت في صنع 4 [[فبراير]] أو النتائج التي ترتبت عليه .<br />
<br />
ولقد كانت إقالة [[الوفد]] '''(''' [[ديسمبر]] [[1937]]''')''' وإسناد الحكم إلى أحزاب لا تتمتع بقدر كاف من الشعبية سببا كافيا لتبديد فكرة الديمقراطية وبدأ بحكومة [[محمد محمود]] '''(''' [[يناير]] [[1938]]''')''' وانتهاء بحكومة [[حسين سري]] '''('''[[1942]]''')''' فقد عاشت [[مصر]] خلال هذه الفترة في ظل حكومات لا تتمتع بقدر من الشعبية مما خلق جوا من الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي وشهدت [[القاهرة]] وبعض العواصم الأخرى العديد من المظاهرات اتي انطلقت وهي تردد هتافات عدائية ضد بريطانيا وعجزت الحكومة المصرية '''(''' وزارة [[حسين سري]] ''')''' على السيطرة على الموقف تماما مما دفع [[حسين سري]] إلى أن يطلب من السفير البريطاني العمل على عودة [[الوفد]] باعتباره القوة الوحيدة القادرة على إعادة الاستقرار إلى الحياة المصرية.<br />
<br />
وفي محاولة من أحزاب الأقلية لاستثمار [[حادث 4 فبراير]] بهدف التقليل من هيبة [[الوفد]] وتبديد شعبيته فقد بذلت محاولات مضيئة لتعريف الرأي العام المصري بما حدث مساء 4 [[فبراير]] على الرغم من أن زعماء الأقلية الذين اجتمعوا مع [[الملك فاروق]] يومي 3 , 4 [[فبراير]] يتحملون قدرا كبير قدرا كبيرا من المسئولية بسبب نصائحهم التي افتقدت في مجملها إلى أى وازع وطني .<br />
<br />
ويبدو من المقابلات التي جرت بين الملك و[[مصطفى النحاس|النحاس]] وغيره من الزعماء السياسيين وبين لامبسون و[[أمين عثمان]] أن الخلاف كان ينحصر على توعية الوزارة الجديدة وكيفية تشكيلها هل تكون قومية أو ائتلافية حزبية ومحايدة .. وأعتقد أن كل هذه لخلافات لا ترقي إلى حجم الأزمة التي انتهت إليها لأن القضية كانت نوعا من الصراع على السلطة بين قوتين متعارضين الأولي تمثل حزب الأغلبية يسانده الانجليز والثانية تقوم على أحزاب الأقلية يساندها القصر .<br />
<br />
'''خامسا : ''' في جميع الأزمات التي مرت ب[[مصر]] كانت الحكومة البريطانية تقدر أهمية [[الجيش المصري]] فعندما طالبت بإعلان [[مصر]] الحرب على ألمانيا قالت أنها تقدر الأهمية البالغة للقوات المسلحة المصرية وعندما طلبت من فاروق عزل [[علي ماهر]] حرصت على أن تجئ الوزارة الجديدة حائزة لولاء الجيش وعند الاستعداد لمحاصرة قصر عابدين مساء 4 [[فبراير]] وضعت خطة عسكرية لمواجهة أى رد فعل قد يحدث من [[الجيش المصري]] واحتفظت المخابرات العسكرية البريطانية بأسرار العملية إلى ساعة الصفر واتخذت جميع الاحتياطات لكيلا يقع تصادم بين [[الجيش المصري]] والقوات البريطانية وإذا كان الجيش بالمصري قد فوجئ بأحداث4 [[فبراير]] إلا أن ردود الفعل التي وأكبت تلك الأحداث قد تركت قدرا كبيرا من الغضب على اعتبار أن الاعتداء على ملك [[مصر]] يعد اعتداء على كرامة [[مصر]] وشرفها .<br />
<br />
ولذا فقد شهدت تلك الفترة المولد الحقيقي لحركة [[الضباط الأحرار]] .<br />
<br />
'''سادسا : ''' لقد كان فاروق يقدر حجم الصدمة التي أصابته في 4 [[فبراير]] وكان يدرك جيدا حجم المسئولية التي يتحملها [[مصطفى النحاس|النحاس]] , لذا فقد ضاعف القصر من نشاطه بهدف النيل من [[الوفد]] وزعامته ولعل من أولي المحاولات التي نجح فيها القصر إلى حد كبير تلك المحاولة التي تهدف إلى تفويض [[الوفد]] من الداخل .. وبذلت محاولات على درجة كبيرة من الذكاء انتهت بانشقاق [[مكرم عبيد]] .. ولعل فاروق لم يكتف بتلك المحاولة وإنما عمل على إنشاء تنظيم سري بهدف اغتيال كل من ساهم في أحدث 4 [[فبراير]] ولقد نجح التنظيم في اغتيال [[أمين عثمان]] إلا أنه قد فشل ثلاث مرات في محاولة اغتيال [[مصطفى النحاس|النحاس]] باشا .<br />
<br />
ولم يتوان فاروق في بذل كل المحاولات بهدف إقالة حكومة [[الوفد]] ويوم أن تمكن من تحقيق تلك الأمنية فإنه قد استسلم تماما لبريطانيا ولذا فإنني أعتقد أن ما حدث في 4 [[فبراير]] بعد نقطة تحول خطيرة في سلوك الملك الشاب وخصوصا في علاقاته مع بريطانيا .<br />
<br />
'''سابعا : ''' لعل من أخطر النتائج التي تتب على [[حادث 4 فبراير]] هو ظهور العديد من الاتجاهات السياسية والتي اتخذت من العنف وسيلة لتحقيق أغرضها وخصوصا بعد أن اهترأت الأحزاب التقليدية واختارت طريق الاستسلام والمهادنة وما حدث في 4 [[فبراير]] كان محك اختيار عملي أفقد الجماهير قدرا من ثقتها ليس في [[حزب الوفد]] فقط وإنما في غيره من الأحزاب ولذا فقد شهدت تلك الفترة أكبر موجة من العنف السياسي .<br />
<br />
'''ثامنا : ''' أن ما حدث في 4 [[فبراير]] لم يكن هدفا بريطانيا خالصا وإنما كان وسيلة لتطويع [[مصر]] سياسيا واقتصاديا وعسكريا بهدف خدمة القوات المتحالفة وإذا كانت أحداث 4 [[فبراير]] تعتبر أحداثا سياسية خالصة إلا أن [[مصر]] قد شهدت أزمة اقتصادية حادة حيث عملت الحكومة المصرية على أن توتر التموين اللازم للجيوش الموجودة بأرضها , واستطاعت ذلك على حساب ارتفاع الأسعار ومعاناة الشعب حيث لجأت الحكومة إلى خلط القمح بينما كان الخبز الأبيض يقدم للجيوش الأجنبية واستدعي ذلك تعديل النظام الاقتصادي المصري وتغيير الدورة الزراعية وتحقيق المطالب البريطانية على ما عداها من الطلبات وقد واكب سوء الأوضاع الاقتصادية تدهور واضح في الحياة الاجتماعية بأشكالها المختلفة بدأ بقضية لمرأة وانتهاء بتردي الأحوال الصحية .<br />
<br />
وهكذا تحملت [[مصر]] كثيرا من التضحيات بسبب الحرب ولم يكن موقفها هذا يرجع فقط إلى نصوص [[معاهدة 1936]] أو إلى الشعور بمناصرة الديمقراطية ضد الفاشية والنازية ولكن كان يدفعها لهذا الموقف شعور آخر وهو أن تنال شيئا من تقدير بريطانيا يكون من نتائجه إعادة النظر في العلاقات بين الدولتين بصورة تخفف كثيرا من غلواء وقيود ال[[معاهدة 1936]].<br />
<br />
'''تاسعا : ''' لقد كانت أحداث 4 [[فبراير]] [[1942]] نقطة تحول خطيرة في شكل العلاقات المصرية البريطانية فلم تعد [[معاهدة 1936]] تمثل إطارا مرضيا لبريطانيا لأن قضية الصراع الدولي قد فرضت على أى معاهدة أو تفاق وأصبحت [[مصر]] في ظل حكومة 4 [[فبراير]] ضيعة بريطانيا تمارس بريطانيا من خلالها كل ما تري أنه يدعم قضية الحرب وفي الوقت نفسه فإن الحكومة المصرية اعتقادا منها بأن بريطانيا ستقدر تضحياتها فإنها كانت تطمح غلى قدر أكبر ممن الاستقلال يتناسب وخطورة تلك التضحيات ويبدو أن [[الوفد]] قد حصل على وعد شخصي بالنظر في تلك القضية عقب انتهاء الحرب وفي محاولة من جانب بريطانيا لتبديد هذا الوعد فقد أعطت الضوء الأخضر للملك فاروق لكي يقيل الحكومة [[الوفد]]ية '''(''' [[أكتوبر]] [[1944]]''')''' .<br />
<br />
ويبدو أن الحكومة البريطانية قد حرصت على إقالة [[الوفد]] قبل أن يسترد قدرا يتناسب وحجم التضحيات الباهظة التي قدمها ثمنا لعودته إلى الحكم في 4 [[فبراير]] فعلي الرغم من انتهازية [[الوفد]] إلا أنه كان مصدر قلق أمام [[السياسة]] البريطانية فترة أبعاده عن الحكم أما وقد تحقق الغرض من عودته وحسمت قضية الحرب فلا مانع من إرضاء فاروق وإجابته إلى مطلبه الذي حرص على تحقيقه وفي الوقت ذاته فقد تمكنت بريطانيا من تبديد شعبية هذا الحزب الذي كان دوما مصدرا للقلق والاضطرابات وهكذا استنزف [[الوفد]] بلا مقابل .. واستنزفت [[مصر]] أيضا بلا مقابل ونجحت بريطانيا في ترويض فاروق حتى استسلم أخيرا وأصبح انجليزيا أكثر من الانجليز .<br />
<br />
''' [[القاهرة]] في 4/8/ [[1983]]م. '''</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9&diff=644603قالب:كتاب الأسبوع2012-03-05T16:55:35Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div><center>'''[[:تصنيف:مكتبة الدعوة|مكتبة الموقع]]'''</center><br />
<br />
'''<center><font color="blue"><font size=5> كتاب: [[حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية]] </font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
'''دكتور [[محمد صابر عرب]]'''<br />
<br />
ففي حياة كل أمة من الأمم أحداث جسام تترك بصماتها على تاريخها بل وتغير مساره , وتظل الأجيال تذكرها جيلا بعد جيل ومن هذه الأحداث التي مرت بتاريخ [[مصر]] الحديث [[حادث 4 فبراير]] [[1942]]<br />
ورغم أن الحادث لا يعدو أن يكون تدخلا في شئون [[مصر]] الداخلية واعتداء على كرامتها , وما أكثر الأحداث المماثلة التي وقعت من جانب بريطانيا سواء في عهد الاحتلال أو في عهد الحماية , أو بعد الاستقلال الناقص الذي حصلت عليه [[مصر]] منذ سنة [[1922]] إلا أن هذا الحادث كان له دوي واسع بين صفوف الشعب المصري أشعل جذوة حماسه , وذلك كان لهذا الحادث نتائج عميقة سواء على الصعيد الداخلي من ناحية علاقة الشعب المصري بمختلف القوي السياسية في البلاد : القصر والأحزاب وزعمائها أو على الصعيد الخارجي من حيث نظرة الشعب نحو بريطانيا ومثليها في [[مصر]] وكذا نحو الداعين إلى مهادنتها وتوثيق عري الصداقة والتحالف والتعاون معها....'''[[حادث 4 فبراير 1942 والحياة السياسية المصرية|لتصفح الكتاب اضغط هنا]]'''<br />
<br />
<center>'''[[:تصنيف:مكتبة الدعوة|مكتبة الموقع]]'''</center></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7-16.jpg&diff=644431ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg2012-03-04T12:24:32Z<p>Elsamary: رفع نسخة جديدة من &quot;ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg&quot;</p>
<hr />
<div></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7-16.jpg&diff=644430ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg2012-03-04T12:13:10Z<p>Elsamary: رفع نسخة جديدة من &quot;ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg&quot;: استرجع للنسخة بتاريخ ٢١:٠٣، ١١ فبراير ٢٠١٠</p>
<hr />
<div></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7-16.jpg&diff=644429ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg2012-03-04T12:05:20Z<p>Elsamary: رفع نسخة جديدة من &quot;ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg&quot;</p>
<hr />
<div></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7-16.jpg.jpg&diff=644428ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-16.jpg.jpg2012-03-04T12:03:32Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82&diff=644427قالب:موضوعات الشهر السابق2012-03-04T07:09:09Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<font color="blue"><font size="5">موضوعات شهر فبراير </font></font>'''<br />
<br />
<div class="reflist4" style="height: 200px; overflow: auto; padding: 3px" ><br />
<br />
'''موضوعات تاريخية'''<br />
<br />
[[رؤية الإخوان للمرجعية الإسلامية للدولة الدستورية والقانونية]] | [[المرجعية الإسلامية للدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين]] | [[نظام الجوالة عند الإخوان المسلمين]] | [[إسلاميو الجزائر في غمار المعترك السياسي (حركة حمس)]] | [[الديمقراطية في فكر حسن البنا]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[الثورة فى فكر الإمام حسن البنا]] | [[من حسن البنا إلى الإخوان الجامعيين]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[حسن البنا وجامعة الدول العربية]] | [[الحرية فى فكر الإمام حسن البنا]]<br />
<br />
'''أحداث في صور'''<br />
<br />
[[أحداث في صور...تلاميذ المدارس الإسلامية للإخوان|تلاميذ المدارس الإسلامية للإخوان]] | [[أحداث في صور...مختار عبدالعليم وعلي طمان|مختار عبدالعليم وعلي طمان]] | [[أحداث في صور...إبراهيم شرف ومحمود عزت ومحمد عبدالله الخطيب|إبراهيم شرف ومحمود عزت ومحمد عبدالله الخطيب]] | [[أحداث في صور...دعاية انتخابية للإمام البنا عام 1942م أثناء ترشيحه في الإسماعيلية|دعاية انتخابية للإمام البنا عام 1942م أثناء ترشيحه في الإسماعيلية]] | [[أحداث في صور...متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م|متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م]] | [[أحداث في صور...احدي فصائل الإخوان المسلمين في حرب فلسطين بقيادة الملازم أول معروف الحضري|احدي فصائل الإخوان المسلمين في حرب فلسطين بقيادة الملازم أول معروف الحضري]] | [[أحداث في صور...عبد الرحمن البنا (شقيق الإمام البنا) أمام محكمة الشعب عام 1954م|عبد الرحمن البنا (شقيق الإمام البنا) أمام محكمة الشعب عام 1954م]] | [[أحداث في صور...عبد المنعم عبد الرؤوف أثناء حرب فلسطين مع سريته عام 1948م|عبد المنعم عبد الرؤوف أثناء حرب فلسطين مع سريته عام 1948م]] | [[أحداث في صور...نواب الإخوان في مجلس الشعب الآن بدمياط في صورة من عشرين عاماً|نواب الإخوان في مجلس الشعب الآن بدمياط في صورة من عشرين عاماً]]<br />
<br />
'''أعلام وشخصيات'''<br />
<br />
[[البهي الخولي]] | [[محمد فؤاد أبو زيد]] | [[زينب مصطفى شحاتة]] | [[إبراهيم سلمو]] | [[أحمد عبد الرحمن البنا]] | [[محمد الخضر حسين]] | [[السيد سرور]]<br />
<br />
</div><noinclude> </noinclude></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82&diff=644426قالب:موضوعات الشهر السابق2012-03-04T07:03:20Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<font color="blue"><font size="5">موضوعات شهر فبراير </font></font>'''<br />
<br />
<div class="reflist4" style="height: 200px; overflow: auto; padding: 3px" ><br />
<br />
'''موضوعات تاريخية'''<br />
<br />
[[رؤية الإخوان للمرجعية الإسلامية للدولة الدستورية والقانونية]] | [[المرجعية الإسلامية للدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين]] | [[نظام الجوالة عند الإخوان المسلمين]] | [[إسلاميو الجزائر في غمار المعترك السياسي (حركة حمس)]] | [[الديمقراطية في فكر حسن البنا]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[الثورة فى فكر الإمام حسن البنا]] | [[من حسن البنا إلى الإخوان الجامعيين]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[حسن البنا وجامعة الدول العربية]] | [[الحرية فى فكر الإمام حسن البنا]]<br />
<br />
'''أحداث في صور'''<br />
<br />
[[أحداث في صور...تلاميذ المدارس الإسلامية للإخوان]] | [[أحداث في صور...مختار عبدالعليم وعلي طمان]] | [[أحداث في صور...إبراهيم شرف ومحمود عزت ومحمد عبدالله الخطيب]] | [[أحداث في صور...دعاية انتخابية للإمام البنا عام 1942م أثناء ترشيحه في الإسماعيلية]] | [[أحداث في صور...متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م]] | [[أحداث في صور...احدي فصائل الإخوان المسلمين في حرب فلسطين بقيادة الملازم أول معروف الحضري]] | [[أحداث في صور...عبد الرحمن البنا (شقيق الإمام البنا) أمام محكمة الشعب عام 1954م]] | [[أحداث في صور...عبد المنعم عبد الرؤوف أثناء حرب فلسطين مع سريته عام 1948م]] | [[أحداث في صور...نواب الإخوان في مجلس الشعب الآن بدمياط في صورة من عشرين عاماً]]<br />
<br />
'''أعلام وشخصيات'''<br />
<br />
[[البهي الخولي]] | [[محمد فؤاد أبو زيد]] | [[زينب مصطفى شحاتة]] | [[إبراهيم سلمو]] | [[أحمد عبد الرحمن البنا]] | [[محمد الخضر حسين]] | [[السيد سرور]]<br />
<br />
</div><noinclude> </noinclude></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82&diff=644418قالب:موضوعات الشهر السابق2012-03-03T10:06:09Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<font color="blue"><font size="5">موضوعات شهر فبراير </font></font>'''<br />
<br />
<div class="reflist4" style="height: 200px; overflow: auto; padding: 3px" ><br />
<br />
'''موضوعات تاريخية'''<br />
<br />
[[رؤية الإخوان للمرجعية الإسلامية للدولة الدستورية والقانونية]] | [[المرجعية الإسلامية للدولة بين الإخوان المسلمين والليبراليين]] | [[نظام الجوالة عند الإخوان المسلمين]] | [[إسلاميو الجزائر في غمار المعترك السياسي (حركة حمس)]] | [[الديمقراطية في فكر حسن البنا]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[الثورة فى فكر الإمام حسن البنا]] | [[من حسن البنا إلى الإخوان الجامعيين]] | [[الإخوان والعدالة الإجتماعية .. الرؤية والواقع]] | [[حسن البنا وجامعة الدول العربية]] | [[الحرية فى فكر الإمام حسن البنا]]<br />
<br />
'''أحداث في صور'''<br />
<br />
[[أحداث في صور...تلاميذ المدارس الإسلامية للإخوان]] | [[أحداث في صور...مختار عبدالعليم وعلي طمان]] | [[أحداث في صور...إبراهيم شرف ومحمود عزت ومحمد عبدالله الخطيب]] | [[أحداث في صور...دعاية انتخابية للإمام البنا عام 1942م أثناء ترشيحه في الإسماعيلية]] | [[أحداث في صور...متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م]] | [[أحداث في صور...احدي فصائل الإخوان المسلمين في حرب فلسطين بقيادة الملازم أول معروف الحضري]] | [[أحداث في صور...عبد الرحمن البنا (شقيق الإمام البنا) أمام محكمة الشعب عام 1954م]] | [[أحداث في صور...عبد المنعم عبد الرؤوف أثناء حرب فلسطين مع سريته عام 1948م]] | [[أحداث في صور...نواب الإخوان في مجلس الشعب الآن بدمياط في صورة من عشرين عاماً]]<br />
<br />
'''أعلام وشخصيات'''<br />
<br />
[[البهي الخولي]] | [[محمد فؤاد أبو زيد]] | [[زينب مصطفى شحاتة]] | [[إبراهيم سلمو]] | [[محمد فؤاد أبو زيد]] <br />
<br />
</div><noinclude> </noinclude></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3&diff=644417قالب:مارس2012-03-03T08:33:03Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>*[[قالب:مارس#مواليد شهر مارس|مواليد شهر مارس]]<br />
*[[قالب:مارس#وفيات شهر مارس|وفيات شهر مارس]]<br />
<br />
== <font color="blue"><font size=5>مواليد شهر مارس</font></font> ==<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1919]] م'''</font></font><br />
<br />
*[[فاطمة محمد البدري]]:-<br />
[[ملف:صورة-بطاقة-فاطمة-البدري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[فاطمة محمد البدري|البطاقة الشخصية للسيدة فاطمة البدري]]</center>]]<br />
فاطمة محمد البدري حسنين ولدت في 16 مارس 1919م، لأب كان شيخا وكان يمتهن التجارة فقد كان يمتلك محل أعلاف، وكانت الوحيد لأبويها بعد وفاة أخوها الذي توفي وعمره ثلاثة أعوام، فأحاطها والدها بالرعاية والحب والحنان...[[فاطمة محمد البدري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1921]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[عبد المنعم تعيلب]]:-<br />
[[صورة:عبد المنعم تعيلب.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[عبد المنعم تعيلب|الشيخ عبدالمنعم تعيلب]]</center>]]<br />
ولد الشيخ عبد المنعم تعيلب أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في شهر مارس عام 1921م بقرية بني أوس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة ريفية متدينة بإحدى قرى محافظة الشرقية في دلتا مصر...[[عبد المنعم تعيلب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1922]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد حسن العناني]]:-<br />
[[ملف:محمد حسن العناني.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشهيد[[محمد حسن العناني]]</center>]]<br />
ولد هذا الأخ الكريم في "كفر وهب" مركز قويسنا في 5 مارس سنة 1922م، وانتقل مع والده إلى الإسكندرية، وبها بدأ حياته التعليمية، ثم انتقل إلى الزقازيق وفيها أتمَّ دراسته الأولية وحفظ القرآن الكريم...[[محمد حسن العناني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1924]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[صلاح أبو إسماعيل]]:-<br />
[[ملف:صلاح أبو إسماعيل.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[صلاح أبو إسماعيل|الشيخ صلاح أبو إسماعيل]]</center>]]<br />
ولد في قرية "بهرمس" مركز إمبابة محافظة الجيزة بمصر، يوم 17-3-1927م، في بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء، فجده الأعلى كان إماماً للخديوي إسماعيل، وأنجب ولدين تخرجا في الأزهر، توفي والده في ريعان الشباب...[[صلاح أبو إسماعيل|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1928]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[فتحي عثمان]]:-<br />
[[ملف:الدكتور-فتحي-عثمان.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[فتحي عثمان|الدكتور:فتحي عثمان]]</center>]]<br />
ولد الأستاذ محمد فتحي عثمان في المنيا في17 مارس عام 1928 ، وتخرج في جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1948 (أي وهو دون العشرين)، وقد انضم وهو في الجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين...[[فتحي عثمان|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1929]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[جلال عبد العزيز]]:-<br />
[[ملف:الأستاذ جلال عبدالعزيز بجوار سور سجن الواحات.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[جلال عبد العزيز|الحاج جلال عبد العزيز]]</center>]]<br />
ولد جلال عبدالعزيز طه في حي الرمل بالإسكندرية في 14 مارس 1929م وترعرع بها، غير أنه انتقل مع والده إلى شربين حيث كان يعمل والده معاون محطة، وهناك حصل على الإبتدائية بشربين، ثم حصل على المدرسة الثانوية الصناعية بدمياط...[[جلال عبد العزيز|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1931]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[شفيق صادق]]:-<br />
[[ملف:شفيق-صادق.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[شفيق صادق]]</center>]]<br />
ولد الأستاذ شفيق صادق يوم 21 مارس 1931م في مركز الواسطى بمحافظة بني سويف، والتحق بجماعة الإخوان في الحادية والعشرين من عمره بعد اعتقال أخيه، عرف الأستاذ شفيق صادق الدعوة من خلال شقيقه الأكبر محمد صادق...[[شفيق صادق|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1934]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمود حامد]]:-<br />
[[ملف:الحاج-محمود-حامد-.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الحاج[[محمود حامد]]</center>]]<br />
ولد محمود محمد حامد في 14 مارس 1934م في قرية أجهور الرمل – مركز قويسنا محافظة المنوفية وهي قرية تقع على نهر النيل، وكان والده يعمل في الزراعة بهذه القرية، وكان يتسم بالتدين الريفي كأبناء الريف، وكذلك والدته...[[محمود حامد|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1938]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[السيد نزيلي]]:-<br />
[[ملف:الأستاذ-سيد-نزيلي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[السيد نزيلي]]</center>]]<br />
ولد أستاذنا الفاضل حفظه الله في 8 مارس عام 1938م بقرية كرداسة ( التابعه لمحافظة الجيزة سابقا ،أكتوبر حاليا)نشأ وترعرع في بيت أصل ونخوة وشهامة..شأن كل بيوت هذه القرية الأبية...[[السيد نزيلي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1943]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد حبيب]]:-<br />
[[ملف:محمد حبيب 2.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الدكتور[[محمد حبيب]]</center>]]<br />
ولد الدكتور محمد السيد أحمد حبيب في 9/3/1943م بمحافظة دمياط – مصر،تخرج في كلية العلوم جامعة أسيوط بامتيازٍ مع مرتبة الشرف عام 1964م،وعُين مُعيدًا بقسم الجيولوجيا بالكلية نفسها في 5/9/1964م، حصل على الماجستير عام 1968م...[[محمد حبيب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1952]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد سعد الكتاتني]]:-<br />
[[ملف:محمد سعد الكتاتنى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الدكتور [[محمد سعد الكتاتني]]</center>]]<br />
الاسم: محمد سعد الكتاتني <br />
الشهرة: د. محمد الكتاتني <br />
من مواليد محافظة سوهاج <br />
المحافظة / المنيا. <br />
تاريخ الميلاد: 4/3/1952م...[[محمد سعد الكتاتني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1966]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[يحيى عياش]]:-<br />
[[صورة:Yahya1.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[يحيى عياش]]</center>]]<br />
ولد يحيى عبد اللطيف عيّاش في 6 مارس/آذار عام 1966 في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة لعائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936...[[يحيى عياش|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1967]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[حامد زايد صباحي]]:-<br />
[[ملف:حامد زايد صباحي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[حامد زايد صباحي]]</center>]]<br />
هو حامد إبراهيم زايد صباحي ، ولد في 21\3\1967م، في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ بمصر ، نشأ في بيت تدين وخُلقولما لا .. وجده الشيخ زايد صباحي الواعظ التقي –رحمه الله-وتخرج حامد صباحي في كلية الآداب جامعة طنطا عام 1988م ، في تخصص الفلسفة. والتحق بصفوف الأخوان المسلمين في عام 1986م...[[حامد زايد صباحي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
== <font color="blue"><font size=5>وفيات شهر مارس </font></font> ==<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1959]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[الفضيل الورتلاني]]:-<br />
[[ملف:الفضيل الورتلاني.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''العلامة[[الفضيل الورتلاني]]</center>]]<br />
واستمر الورتلاني في جهاده إلى أن لقي ربه في 12/3/1959م في مستشفى في أنقرة وكانت وصيته أن يدفن في ارض الجزائر ، إلا أن الطغمة العلمانية التي قفزت إلى السلطة بعد التحرير رفضت ذلك وبقي في الباخرة دون أن تجرؤ دولة عربية على أن يدفن جثمانه في مقابرها، فقبلت تركيا ودفن فيها، وقبل سنوات نقلت رفاته إلى حيث دفن في مسقط رأسه الجزائر...[[الفضيل الورتلاني|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1976]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[نعيمة خطاب]]:-<br />
[[ملف:حسن الهضيبي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[نعيمة خطاب]]زوجة المستشار [[حسن الهضيبي]]</center>]]<br />
وظلت السيدة أم أسامة مثالاً للسكينة والوفاء والصبر والاحتساب حتى لقيت ربها راضية مرضية في 9 مارس 1976م الموافق ربيع الأول 1396ه بعد حياة حافلة بالجهاد والصبر...[[نعيمة خطاب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1979]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[زوجة أحمد عليوة]]:-<br />
[[ملف:أحمد-عليوة.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الحاج [[أحمد عليوة]]</center>]]<br />
وبعد أن شعرت بأنها أدت المهمة التي كانت عليها تركت الدنيا وهي شاكرة لله على فضله، راجية رحمته، فقد توفيت قي 3 مارس 1979م الموافق السبت 4 ربيع الثاني 1399 هـ...[[زوجة أحمد عليوة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1980]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أمينة الجوهري]]:-<br />
[[ملف:الشيخ-محمود-الجوهرى-زوج-أمينة-محمد-علي.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[أمينة الجوهري]]</center>]]<br />
ظلت أمينة علي تعاني من الأمراض التي تكالبت عليها حتى لحقت بالرفيق الأعلى في مارس عام 1980م، وهي ثابتة على طريق دعوة الله ومبادئ الإخوان...[[أمينة الجوهري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1981]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[بنان علي الطنطاوي]]:-<br />
[[ملف:بنان علي الطنطاوي زوجة عصام العطار.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشهيدة [[بنان علي الطنطاوي]]</center>]]<br />
في 11 جمادى الأولى 1401 هـ الموافق يوم الخميس يوافق 17/3/1981م أستشهدت الدكتورة بنان علي طنطاوي أبنة الشيخ علي طنطاوي وزوجة الأستاذ عصام العطار –المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين بسوريا- في مدينة آخن بألمانيا على يدي رجال نظام الرئيس حافظ الأسد...[[بنان علي الطنطاوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1989]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[سعيد حوي]]:-<br />
[[ملف:سعيد حوى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الداعية المجاهد [[سعيد حوي]]</center>]]<br />
في سنة 1987م أصيب بشلل جزئي إضافة لأمراضه الأخرى الكثيرة: السكري والضغط وتصلب الشرايين والكلى ومرض العيون، فلجأ للعزلة الاضطرارية وفي يوم 14/12/1988م دخل في غيبوبة لم يصح منها، حيث توفاه الله ظهر الخميس 9/3/1989م في المستشفى الإسلامي بعمان...[[سعيد حوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1991]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أحمد السكري]]:-<br />
[[ملف:13-الأستاذ-أحمد-السكري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ [[أحمد السكري]]</center>]]<br />
توفى الأستاذ أحمد السكري رحمه الله فى 27/3/1991م. وكان الأستاذ البنا يوصي إخوانه خير بالأستاذ أحمد السكري وأمرهم أن لا يتحدث عنه أحد بسوء...[[أحمد السكري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1995]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[نجيب الكيلاني]]:-<br />
[[ملف:نجيب.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''د.[[نجيب الكيلاني]]</center>]]<br />
وفي يوم الاثنين 4 شوال 1415 هـ الموافق 6/3/1995 م توفي بعد مرض عضال عانى منه أشد المعاناة، وكان في أثناء مرضه مثال المؤمن المحتسب، بعدما خلف تراثاً أديباً ضخماً...[[نجيب الكيلاني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1996]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد الغزالي]]:-<br />
[[ملف:الغزالى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الداعية الشيخ [[محمد الغزالي]]</center>]]<br />
وقد توفي في الرياض يوم 9/3/1996م ـ 1416هـ ونُقل إلى المدينة المنورة، حيث دفن في مقابر البقيع. وكان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود دوره المشكور في تقدير الرجل وتكريمه في حياته وبعد مماته ومواساة أسرته...[[محمد الغزالي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1998]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أسعد بيوض التميمي]]:-<br />
<br />
استشهد الشيخ مبطوناً في عمان يوم السبت الموافق 21/3/1998م...[[أسعد بيوض التميمي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2003]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[إبراهيم المقادمة]]:-<br />
[[ملف:Mkadma1.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[إبراهيم المقادمة]]</center>]]<br />
رحل الدكتور ابراهيم المقادمة ' ابا احمد ' بعد ان نالت منه صواريخ الحقد و الغدر صباح السبت 8-3-2003 إثر قصف مروحيات صهيونية لسيارته التي كان بداخلها مع ثلاثة من مرافقيه قبل ان يحقق حلمه برؤية فلسطين من بحرها إلي نهرها حرة ..اسلامية ينعم اهلها بالامن و الامان في ظل شرع الله...[[إبراهيم المقادمة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2004]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمود الجوهري]]:-<br />
[[ملف:محمود_الجوهري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[محمود الجوهري]]</center>]]<br />
تُوفي في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء 30/3/2004 م، وتم تشييع جنازة الفقيد الراحل بعد صلاة ظهر يوم الأربعاء 31/3/2004 م من مسجد الشيخ "علي يوسف" بحي (المنيرة) بالقاهرة...[[محمود الجوهري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2005]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أحمد ياسين]]:-<br />
[[صورة:Uaseen4.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشيخ [[أحمد ياسين]] .. شيخ [[حماس]]</center>]]<br />
وحُمل إلى بيته، وعيون العملاء تلاحقه، وألسنتهم الفاجرة تبث لأسيادها –وليسوا سادة- عن تحركات الأسد الهصور المقعد، ومن البيت أمر محبيه أن يحملوه إلى المسجد، ليصلّي ما شاء له الله أن يصلّي الفجر جماعة، ثم نظر إلى إخوانه المصلين نظرة مودّع، وطلب منهم أن يغادروا المسجد قبله، فهو يخشى عليهم أن يصيبهم أذى إذا هوجم وهو بينهم ومعهم، واستجاب المصلون لطلبه، وخرجوا بقلوب دامية، وعيون دامعة، يرتجفون خوفاً عليه، وبعد أن عرف الشيخ أنهم جميعاً صاروا في مأمن، طلب من ولديه وبعض تلاميذه الذين لا يفارقونه أن يخرجوه من المسجد، وخرج اثنان يستطلعان الجو والطرقات، ثم أشارا بالأمان، فخرج الموكب المهيب، تحفّه ملائكة الرحمن، وقرآن الفجر، وما كاد الموكب يبتعد خطوات، حتى كانت طائرات الأباتشي الأمريكية الصهيونية تصبّ حممها.. صواريخها على الأسد الرابض على كرسيه، وكلها تستهدف رأسه الذي طالما أوقع بهم...[[أحمد ياسين|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2006]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[سالم البهنساوي]]:-<br />
[[ملف:سالم البهنساوي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''المستشار[[سالم البهنساوي]]</center>]]<br />
وشاء الله أن يسترد أمانته ويختاره إليه فجر الجمعة 3 صفر 1427هـ ـ 3 مارس 2006م على أعتاب «باكو» العاصمة الأذرية، وهو يبلغ دعوة الله إلى الناس في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، مشاركاً في مؤتمر عن الوسطية في الإسلام، صادحاً بكلمة الحق، ناشراً لنور الإسلام...[[سالم البهنساوي|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2007]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*الشيخ [[خيري ركوة]]:-<br />
[[ملف:خيري-ركوة.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشيخ [[خيري ركوة]]</center>]]<br />
تُوفي الأستاذ والعالم الجليل الشيخ خيري ركوة في 3 [[مارس]] [[2007]]م الموافق 13 صفر 1428 هجريًّا.<br />
<br />
حيث نعاه الأستاذ [[محمد مهدي عاكف]] [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]] للعالمين العربي والإسلامي، وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بشرق [[القاهرة]] عقب صلاة ظهر يوم الأحد 4 [[مارس]] [[2007]]م....[[خيري ركوة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
----<br />
*[[محمد الحسناوي]]:-<br />
[[صورة:Hasnawi.gif||تصغير|center|210بك|<center>'''[[محمد الحسناوي]]</center>]]<br />
توفي في العاصمة الأردنيّة صباح يوم الأحد الموافق في 4/3/2007 وصلي عليه بمسجد الجامعة الأردنيّة، ودفن في المقبرة الإسلاميّة بسحاب...[[محمد الحسناوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
----<br />
*[[محمد علي الشناوي]]:-<br />
[[ملف:الطيار-محمد-الشناوي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الطيار[[محمد علي الشناوي]]</center>]]<br />
وفي 11 / 3 / 2007م توفي المجاهد الضابط الطيار الأخ محمد الشناوي عن عمر يناهز 89 عاما قضاها في سبيل الله جهادا ودعوة واعتقالا و صبرا، فما لان ولا استكان ولا بدل ..رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة و جزاه عما قدم للإسلام و المسلمين خيرا ...[[محمد علي الشناوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2009]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[حسن هويدي]]:-<br />
[[ملف:حسن هويدي9.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''د.[[حسن هويدي]]</center>]]<br />
فى تلك الاثناء مات في مدينة عمّان فجر الجمعة 13/3/2009 ، وصلي عليه بمسجد الجامعة الأردنيّة، ودفن فيمقبرة سحاب الإسلاميّة بعد عقود من العطاء وآثارٌ رأي العين تمثل نبراساً ومعلماً للاهتداء لمن يريد ان يسلك الطريق من بعده ، ويتصدى للأجر ...[[حسن هويدي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
[[تصنيف:شهور]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3&diff=644416قالب:مارس2012-03-03T08:29:24Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>*[[قالب:مارس#مواليد شهر مارس|مواليد شهر مارس]]<br />
*[[قالب:مارس#وفيات شهر مارس|وفيات شهر مارس]]<br />
<br />
== <font color="blue"><font size=5>مواليد شهر مارس</font></font> ==<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1919]] م'''</font></font><br />
<br />
*[[فاطمة محمد البدري]]:-<br />
[[ملف:صورة-بطاقة-فاطمة-البدري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[فاطمة محمد البدري|البطاقة الشخصية للسيدة فاطمة البدري]]</center>]]<br />
فاطمة محمد البدري حسنين ولدت في 16 مارس 1919م، لأب كان شيخا وكان يمتهن التجارة فقد كان يمتلك محل أعلاف، وكانت الوحيد لأبويها بعد وفاة أخوها الذي توفي وعمره ثلاثة أعوام، فأحاطها والدها بالرعاية والحب والحنان...[[فاطمة محمد البدري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1921]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[عبد المنعم تعيلب]]:-<br />
[[صورة:عبد المنعم تعيلب.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[عبد المنعم تعيلب|الشيخ عبدالمنعم تعيلب]]</center>]]<br />
ولد الشيخ عبد المنعم تعيلب أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في شهر مارس عام 1921م بقرية بني أوس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة ريفية متدينة بإحدى قرى محافظة الشرقية في دلتا مصر...[[عبد المنعم تعيلب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1922]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد حسن العناني]]:-<br />
[[ملف:محمد حسن العناني.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشهيد[[محمد حسن العناني]]</center>]]<br />
ولد هذا الأخ الكريم في "كفر وهب" مركز قويسنا في 5 مارس سنة 1922م، وانتقل مع والده إلى الإسكندرية، وبها بدأ حياته التعليمية، ثم انتقل إلى الزقازيق وفيها أتمَّ دراسته الأولية وحفظ القرآن الكريم...[[محمد حسن العناني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1924]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[صلاح أبو إسماعيل]]:-<br />
[[ملف:صلاح أبو إسماعيل.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[صلاح أبو إسماعيل|الشيخ صلاح أبو إسماعيل]]</center>]]<br />
ولد في قرية "بهرمس" مركز إمبابة محافظة الجيزة بمصر، يوم 17-3-1927م، في بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء، فجده الأعلى كان إماماً للخديوي إسماعيل، وأنجب ولدين تخرجا في الأزهر، توفي والده في ريعان الشباب...[[صلاح أبو إسماعيل|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1928]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[فتحي عثمان]]:-<br />
[[ملف:الدكتور-فتحي-عثمان.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[فتحي عثمان|الدكتور:فتحي عثمان]]</center>]]<br />
ولد الأستاذ محمد فتحي عثمان في المنيا في17 مارس عام 1928 ، وتخرج في جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1948 (أي وهو دون العشرين)، وقد انضم وهو في الجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين...[[فتحي عثمان|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1929]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[جلال عبد العزيز]]:-<br />
[[ملف:الأستاذ جلال عبدالعزيز بجوار سور سجن الواحات.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[جلال عبد العزيز|الحاج جلال عبد العزيز]]</center>]]<br />
ولد جلال عبدالعزيز طه في حي الرمل بالإسكندرية في 14 مارس 1929م وترعرع بها، غير أنه انتقل مع والده إلى شربين حيث كان يعمل والده معاون محطة، وهناك حصل على الإبتدائية بشربين، ثم حصل على المدرسة الثانوية الصناعية بدمياط...[[جلال عبد العزيز|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1931]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[شفيق صادق]]:-<br />
[[ملف:شفيق-صادق.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[شفيق صادق]]</center>]]<br />
ولد الأستاذ شفيق صادق يوم 21 مارس 1931م في مركز الواسطى بمحافظة بني سويف، والتحق بجماعة الإخوان في الحادية والعشرين من عمره بعد اعتقال أخيه، عرف الأستاذ شفيق صادق الدعوة من خلال شقيقه الأكبر محمد صادق...[[شفيق صادق|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1934]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمود حامد]]:-<br />
[[ملف:الحاج-محمود-حامد-.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الحاج[[محمود حامد]]</center>]]<br />
ولد محمود محمد حامد في 14 مارس 1934م في قرية أجهور الرمل – مركز قويسنا محافظة المنوفية وهي قرية تقع على نهر النيل، وكان والده يعمل في الزراعة بهذه القرية، وكان يتسم بالتدين الريفي كأبناء الريف، وكذلك والدته...[[محمود حامد|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1938]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[السيد نزيلي]]:-<br />
[[ملف:الأستاذ-سيد-نزيلي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[السيد نزيلي]]</center>]]<br />
ولد أستاذنا الفاضل حفظه الله في 8 مارس عام 1938م بقرية كرداسة ( التابعه لمحافظة الجيزة سابقا ،أكتوبر حاليا)نشأ وترعرع في بيت أصل ونخوة وشهامة..شأن كل بيوت هذه القرية الأبية...[[السيد نزيلي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1943]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد حبيب]]:-<br />
[[ملف:محمد حبيب 2.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الدكتور[[محمد حبيب]]</center>]]<br />
ولد الدكتور محمد السيد أحمد حبيب في 9/3/1943م بمحافظة دمياط – مصر،تخرج في كلية العلوم جامعة أسيوط بامتيازٍ مع مرتبة الشرف عام 1964م،وعُين مُعيدًا بقسم الجيولوجيا بالكلية نفسها في 5/9/1964م، حصل على الماجستير عام 1968م...[[محمد حبيب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>'''مواليد مارس عام [[1952]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد سعد الكتاتني]]:-<br />
[[ملف:محمد سعد الكتاتنى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الدكتور [[محمد سعد الكتاتني]]</center>]]<br />
الاسم: محمد سعد الكتاتني <br />
الشهرة: د. محمد الكتاتني <br />
من مواليد محافظة سوهاج <br />
المحافظة / المنيا. <br />
تاريخ الميلاد: 4/3/1952م...[[محمد سعد الكتاتني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1966]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[يحيى عياش]]:-<br />
[[صورة:Yahya1.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[يحيى عياش]]</center>]]<br />
ولد يحيى عبد اللطيف عيّاش في 6 مارس/آذار عام 1966 في قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة لعائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936...[[يحيى عياش|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' مواليد مارس عام [[1967]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[حامد زايد صباحي]]:-<br />
[[ملف:حامد زايد صباحي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ[[حامد زايد صباحي]]</center>]]<br />
هو حامد إبراهيم زايد صباحي ، ولد في 21\3\1967م، في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ بمصر ، نشأ في بيت تدين وخُلقولما لا .. وجده الشيخ زايد صباحي الواعظ التقي –رحمه الله-وتخرج حامد صباحي في كلية الآداب جامعة طنطا عام 1988م ، في تخصص الفلسفة. والتحق بصفوف الأخوان المسلمين في عام 1986م...[[حامد زايد صباحي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<br />
== <font color="blue"><font size=5>وفيات شهر مارس </font></font> ==<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1959]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[الفضيل الورتلاني]]:-<br />
[[ملف:الفضيل الورتلاني.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''العلامة[[الفضيل الورتلاني]]</center>]]<br />
واستمر الورتلاني في جهاده إلى أن لقي ربه في 12/3/1959م في مستشفى في أنقرة وكانت وصيته أن يدفن في ارض الجزائر ، إلا أن الطغمة العلمانية التي قفزت إلى السلطة بعد التحرير رفضت ذلك وبقي في الباخرة دون أن تجرؤ دولة عربية على أن يدفن جثمانه في مقابرها، فقبلت تركيا ودفن فيها، وقبل سنوات نقلت رفاته إلى حيث دفن في مسقط رأسه الجزائر...[[الفضيل الورتلاني|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1976]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[نعيمة خطاب]]:-<br />
[[ملف:حسن الهضيبي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[نعيمة خطاب]]زوجة المستشار [[حسن الهضيبي]]</center>]]<br />
وظلت السيدة أم أسامة مثالاً للسكينة والوفاء والصبر والاحتساب حتى لقيت ربها راضية مرضية في 9 مارس 1976م الموافق ربيع الأول 1396ه بعد حياة حافلة بالجهاد والصبر...[[نعيمة خطاب|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1979]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[زوجة أحمد عليوة]]:-<br />
[[ملف:أحمد-عليوة.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الحاج [[أحمد عليوة]]</center>]]<br />
وبعد أن شعرت بأنها أدت المهمة التي كانت عليها تركت الدنيا وهي شاكرة لله على فضله، راجية رحمته، فقد توفيت قي 3 مارس 1979م الموافق السبت 4 ربيع الثاني 1399 هـ...[[زوجة أحمد عليوة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1980]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أمينة الجوهري]]:-<br />
[[ملف:الشيخ-محمود-الجوهرى-زوج-أمينة-محمد-علي.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[أمينة الجوهري]]</center>]]<br />
ظلت أمينة علي تعاني من الأمراض التي تكالبت عليها حتى لحقت بالرفيق الأعلى في مارس عام 1980م، وهي ثابتة على طريق دعوة الله ومبادئ الإخوان...[[أمينة الجوهري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1981]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[بنان علي الطنطاوي]]:-<br />
[[ملف:بنان علي الطنطاوي زوجة عصام العطار.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشهيدة [[بنان علي الطنطاوي]]</center>]]<br />
في 11 جمادى الأولى 1401 هـ الموافق يوم الخميس يوافق 17/3/1981م أستشهدت الدكتورة بنان علي طنطاوي أبنة الشيخ علي طنطاوي وزوجة الأستاذ عصام العطار –المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين بسوريا- في مدينة آخن بألمانيا على يدي رجال نظام الرئيس حافظ الأسد...[[بنان علي الطنطاوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1989]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[سعيد حوي]]:-<br />
[[ملف:سعيد حوى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الداعية المجاهد [[سعيد حوي]]</center>]]<br />
في سنة 1987م أصيب بشلل جزئي إضافة لأمراضه الأخرى الكثيرة: السكري والضغط وتصلب الشرايين والكلى ومرض العيون، فلجأ للعزلة الاضطرارية وفي يوم 14/12/1988م دخل في غيبوبة لم يصح منها، حيث توفاه الله ظهر الخميس 9/3/1989م في المستشفى الإسلامي بعمان...[[سعيد حوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1991]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أحمد السكري]]:-<br />
[[ملف:13-الأستاذ-أحمد-السكري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الأستاذ [[أحمد السكري]]</center>]]<br />
توفى الأستاذ أحمد السكري رحمه الله فى 27/3/1991م. وكان الأستاذ البنا يوصي إخوانه خير بالأستاذ أحمد السكري وأمرهم أن لا يتحدث عنه أحد بسوء...[[أحمد السكري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1995]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[نجيب الكيلاني]]:-<br />
[[ملف:نجيب.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''د.[[نجيب الكيلاني]]</center>]]<br />
وفي يوم الاثنين 4 شوال 1415 هـ الموافق 6/3/1995 م توفي بعد مرض عضال عانى منه أشد المعاناة، وكان في أثناء مرضه مثال المؤمن المحتسب، بعدما خلف تراثاً أديباً ضخماً...[[نجيب الكيلاني|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1996]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد الغزالي]]:-<br />
[[ملف:الغزالى.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الداعية الشيخ [[محمد الغزالي]]</center>]]<br />
وقد توفي في الرياض يوم 9/3/1996م ـ 1416هـ ونُقل إلى المدينة المنورة، حيث دفن في مقابر البقيع. وكان لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود دوره المشكور في تقدير الرجل وتكريمه في حياته وبعد مماته ومواساة أسرته...[[محمد الغزالي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[1998]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أسعد بيوض التميمي]]:-<br />
<br />
استشهد الشيخ مبطوناً في عمان يوم السبت الموافق 21/3/1998م...[[أسعد بيوض التميمي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2003]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[إبراهيم المقادمة]]:-<br />
[[ملف:Mkadma1.gif|تصغير|center|210بك|<center>'''[[إبراهيم المقادمة]]</center>]]<br />
رحل الدكتور ابراهيم المقادمة ' ابا احمد ' بعد ان نالت منه صواريخ الحقد و الغدر صباح السبت 8-3-2003 إثر قصف مروحيات صهيونية لسيارته التي كان بداخلها مع ثلاثة من مرافقيه قبل ان يحقق حلمه برؤية فلسطين من بحرها إلي نهرها حرة ..اسلامية ينعم اهلها بالامن و الامان في ظل شرع الله...[[إبراهيم المقادمة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2004]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمود الجوهري]]:-<br />
[[ملف:محمود_الجوهري.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''[[محمود الجوهري]]</center>]]<br />
تُوفي في وقتٍ متأخر من مساء الثلاثاء 30/3/2004 م، وتم تشييع جنازة الفقيد الراحل بعد صلاة ظهر يوم الأربعاء 31/3/2004 م من مسجد الشيخ "علي يوسف" بحي (المنيرة) بالقاهرة...[[محمود الجوهري|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2005]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[أحمد ياسين]]:-<br />
[[صورة:Uaseen4.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشيخ [[أحمد ياسين]] .. شيخ [[حماس]]</center>]]<br />
وحُمل إلى بيته، وعيون العملاء تلاحقه، وألسنتهم الفاجرة تبث لأسيادها –وليسوا سادة- عن تحركات الأسد الهصور المقعد، ومن البيت أمر محبيه أن يحملوه إلى المسجد، ليصلّي ما شاء له الله أن يصلّي الفجر جماعة، ثم نظر إلى إخوانه المصلين نظرة مودّع، وطلب منهم أن يغادروا المسجد قبله، فهو يخشى عليهم أن يصيبهم أذى إذا هوجم وهو بينهم ومعهم، واستجاب المصلون لطلبه، وخرجوا بقلوب دامية، وعيون دامعة، يرتجفون خوفاً عليه، وبعد أن عرف الشيخ أنهم جميعاً صاروا في مأمن، طلب من ولديه وبعض تلاميذه الذين لا يفارقونه أن يخرجوه من المسجد، وخرج اثنان يستطلعان الجو والطرقات، ثم أشارا بالأمان، فخرج الموكب المهيب، تحفّه ملائكة الرحمن، وقرآن الفجر، وما كاد الموكب يبتعد خطوات، حتى كانت طائرات الأباتشي الأمريكية الصهيونية تصبّ حممها.. صواريخها على الأسد الرابض على كرسيه، وكلها تستهدف رأسه الذي طالما أوقع بهم...[[أحمد ياسين|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2006]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[سالم البهنساوي]]:-<br />
[[ملف:سالم البهنساوي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''المستشار[[سالم البهنساوي]]</center>]]<br />
وشاء الله أن يسترد أمانته ويختاره إليه فجر الجمعة 3 صفر 1427هـ ـ 3 مارس 2006م على أعتاب «باكو» العاصمة الأذرية، وهو يبلغ دعوة الله إلى الناس في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، مشاركاً في مؤتمر عن الوسطية في الإسلام، صادحاً بكلمة الحق، ناشراً لنور الإسلام...[[سالم البهنساوي|تابع المزيد عن الشخصية]] <br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2007]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[محمد الحسناوي]]:-<br />
[[صورة:Hasnawi.gif||تصغير|center|210بك|<center>'''[[محمد الحسناوي]]</center>]]<br />
توفي في العاصمة الأردنيّة صباح يوم الأحد الموافق في 4/3/2007 وصلي عليه بمسجد الجامعة الأردنيّة، ودفن في المقبرة الإسلاميّة بسحاب...[[محمد الحسناوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
----<br />
*الشيخ [[خيري ركوة]]:-<br />
[[ملف:خيري-ركوة.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الشيخ [[خيري ركوة]]</center>]]<br />
تُوفي الأستاذ والعالم الجليل الشيخ خيري ركوة في 3 [[مارس]] [[2007]]م الموافق 13 صفر 1428 هجريًّا.<br />
<br />
حيث نعاه الأستاذ [[محمد مهدي عاكف]] [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]] للعالمين العربي والإسلامي، وشيعت جنازته من مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بشرق [[القاهرة]] عقب صلاة ظهر يوم الأحد 4 [[مارس]] [[2007]]م....[[خيري ركوة|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
----<br />
*[[محمد علي الشناوي]]:-<br />
[[ملف:الطيار-محمد-الشناوي.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''الطيار[[محمد علي الشناوي]]</center>]]<br />
وفي 11 / 3 / 2007م توفي المجاهد الضابط الطيار الأخ محمد الشناوي عن عمر يناهز 89 عاما قضاها في سبيل الله جهادا ودعوة واعتقالا و صبرا، فما لان ولا استكان ولا بدل ..رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة و جزاه عما قدم للإسلام و المسلمين خيرا ...[[محمد علي الشناوي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
<font color="green"><font size=5>''' وفيات مارس عام [[2009]] م ‘‘‘</font></font><br />
<br />
*[[حسن هويدي]]:-<br />
[[ملف:حسن هويدي9.jpg|تصغير|center|210بك|<center>'''د.[[حسن هويدي]]</center>]]<br />
فى تلك الاثناء مات في مدينة عمّان فجر الجمعة 13/3/2009 ، وصلي عليه بمسجد الجامعة الأردنيّة، ودفن فيمقبرة سحاب الإسلاميّة بعد عقود من العطاء وآثارٌ رأي العين تمثل نبراساً ومعلماً للاهتداء لمن يريد ان يسلك الطريق من بعده ، ويتصدى للأجر ...[[حسن هويدي|تابع المزيد عن الشخصية]]<br />
<br />
[[تصنيف:شهور]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A9_%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7.pdf&diff=643900ملف:المرأة المسلمة حسن البنا.pdf2012-02-24T01:28:47Z<p>Elsamary: رفع نسخة جديدة من &quot;ملف:المرأة المسلمة حسن البنا.pdf&quot;</p>
<hr />
<div></div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB_%D9%81%D9%8A_%D8%B5%D9%88%D8%B1...%D9%85%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B9%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86_%D8%A3%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A1_%D8%AA%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9%D9%87%D9%85_%D8%A8%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85_%D8%B9%D8%A7%D9%85_1949%D9%85&diff=643357أحداث في صور...متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م2012-02-21T11:07:00Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:متطوعي-الإخوان-المسلمون-أثناء-تجميعهم-بعد-الحرب-لاعتقالهم-عام-1949م.jpg|340بك|center|تصغير|<center> متطوعي [[الإخوان المسلمون]] أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام [[1949]]م </center>]]<br />
<br />
'''<center> [[أحداث في صور...متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م|متطوعي الإخوان المسلمون أثناء تجميعهم بعد الحرب لاعتقالهم عام 1949م]] </center>'''<br />
<br />
لقد اندفع متطوعي [[الإخوان]] يتصدون للصهاينة ويكبدونهم الخسائر سواء في معركة عصلوج والتبة 86 وغيرها، مما أفزع الصهاينة فاستغاثوا بأمريكا والتي عقدت اجتماع مع بريطانيا وفرنسا في فايد في [[نوفمبر]] [[1948]]م وقرروا ان يبلغوا [[النقراشي]] باشا بحل [[جماعة الإخوان المسلمين]]، وبالفعل صدر قرار بحل [[الإخوان]] في 8 [[ديسمبر]] [[1948]]م، وطلب [[النقراشي]] من اللواء [[فؤاد صادق]] اعتقال متطوعي [[الإخوان]] إلا أنه رفض وجعلهم تحت وصياته لما وجد فيهم من بسالة وشجاعة، لكن بعدما عقدت اتفاقية رودس في [[مارس]] [[1949]]م وتوقفت الحرب تم اعتقال متطوعي [[الإخوان]] والدفع بهم إلى معتقل الطور.<br />
<br />
وهذه الصورة التقطت لهم حينما كانوا يجمعوا لنقلهم إلى [[القاهرة]] والتي اعتقلوا بعد وصلهم بقليل.<br />
<br />
{{روابط جهود الإخوان نحو فلسطين}} <br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أحداث في صور]]<br />
[[تصنيف:18/2/2012]]<br />
[[تصنيف:عرض رئيسية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%AD%D9%84%D9%85%D9%8A_%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1&diff=643247حلمي أكتوبر2012-02-21T08:05:47Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>*[[الإخوان المسلمون وثورة اليمن 1948]]<br />
*[[12 عاماً مع الأستاذ البنا]]<br />
*[[14 ديسمبر وقائع أغرب محاكمة عسكرية في تاريخ مصر]]<br />
*[[25 عاما في جماعة الإخوان]]<br />
*[[72 شهرا مع عبد الناصر]]<br />
*[[أحمد عيسي عاشور]]<br />
*[[أرغمت فاروق على التنازل عن العرش]]<br />
*[[أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون]]<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:ساحات المحررين]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D9%88%D9%8A&diff=643064محمد عبدالعزيز الصروي2012-02-20T13:58:16Z<p>Elsamary: حمى "محمد عبدالعزيز الصروي" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>'''بقلم الأستاذ : عبده مصطفي دسوقي'''<br />
<br />
<br />
== محمد الصروي ... تضحية بلا حدود ==<br />
<br />
يقول الإمام [[البنا]]: «أيها [[الإخوان]]: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددًا دعوة الرسول ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس. <br />
<br />
إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد ، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام. <br />
وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة! فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به».<br />
<br />
بهذا الفهم وعلى هذه المبادئ عاش المهندس محمد الصروي، وصاحب المرشدين ونهض بدعوته وعمل من اجلها حتى لقى الله.<br />
<br />
لقد عاش طيلة حياته خادمًا لدينه، مضحيًا بنفسه وماله في سبيل دعوته، حنونًا عطوفًا في تربية رجاله، معتنيًا بأهل بيته، فضرب بذلك أروع الأمثلة.<br />
<br />
لقد خرج من معتقله فسارع إلى إخوانه، يضع نفسه وماله في خدمة دعوته، وعمل في محيط إخوانه على نشر مبادئ فكرته، فحمل الدعوة مع إخوانٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعملوا بها وسط شرائح المجتمع، فآتت ثمارها، وأصبحت الدعوة في كل بيت ومكان، وتنسَّمت الأمة عبيرَها، فهبُّوا لنصرتها في آخر انتخابات برلمانية 2005م، فكانت أثرًا من آثار جهاده مع إخوانه الكرام.<br />
<br />
<br />
== النشأة ==<br />
<br />
في قرية ميت يعيش مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية كان مولد ونشأة هذا البطل في أبريل 1943م، والذي رحل عن عالمنا بعد أن خلف وراءه رجالا، فلم يتركه والده بل اعتنى بتربيته وتعليمه مبادئ الإسلام وحفظ كتاب الله في كتاب الشيخ يوسف، ويقول في ذلك: «حفظت جزء عم وقليلا من جزء تبارك وكان بيتنا يطل على مسجد الشيخ أبو رويفع وكنت أذهب مع أبي –رحمة الله- للصلاة في المسجد ولعل وجود البيت في مقابلة المسجد ثم الجو الديني في البيت كانا عاملين أساسيين في التوجيه الديني منذ نعومة أظفاري ولقد ساعد تعلمي كتاب القرية على سرعة تعلمي القراءة والكتابة ثم التحقت بالمدرسة».<br />
<br />
التحق بالتعليم الابتدائي في القرية عام 1949م، ونشأ مولعا بالقراءة حتى تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة أول يوليو 1965م، وصدر القرار الجمهوري بتعيينه مهندساً في وزارة الصناعة في 16/10/1965م.. لكنه كان قد تم القبض عليّه قبل صدور القرار الجمهوري .<br />
<br />
رزقه الله بالزوجة الصالحة فقد تزوج من الدكتورة سلوى المنوفي ورزقهما الله من الأولاد: أحمد- طبيب، وزينب- طبيبة، وهاجر- طبيبة أسنان، وحمزة.<br />
<br />
<br />
== على طريق [[الإخوان المسلمين]] ==<br />
<br />
نشأ محمد الصروي في قرية ميت يعيش وهي كانت قرية تابعة لمنطقة ميت خالد حيث كان مسئول المنطقة الأستاذ عبد الحميد البرديسي، وتعلق الصروي منذ الصغر بهذه النماذج وأحبها حتى بعد محنة 1954م.<br />
حتى يسر الله له والتحق بكلية الهندسة وهناك تعرف على كثير من [[الإخوان]] مثل الشهيد فاروق المنشاوي وعمل مع إخوانه على إحياء تنظيم [[الإخوان]] وتربية الشعب على معاني الإسلام الصحيح، غير أن ذلك اصطدم بمحنة عام 1965م حيث قبض عليه فيها.<br />
<br />
وبعد خروجه عمل مع إخوانه على عودة سيرة [[الإخوان]] مرة أخرى ولذا يعتبر أحد المؤسسيين الفعليين للجيل الثاني من الإخوان، وهو جيل السبعينيات الذي ساهم الصروي في تربيته وقيادته بعد خروج الإخوان من معتقلات عبد الناصر أوائل السبعينيات.<br />
<br />
وظل مسئولا لمكتب إداري الجيزة حتى عودة صديقه ورفيق طريقه الحاج السيد نزيلي الذي حمل عبء الدعوة بعده، وصار الصروي جنديا يخدم دعوته ويجوب البلاد ليربي أبناء ورجال ونساء الدعوة دون كلل أو ملل أو ركون بسبب المرض.<br />
<br />
<br />
== محنة ومنحة ==<br />
<br />
بعد أن ساءت العلاقة بين [[الإخوان]] و[[جمال عبد الناصر]] وجه لهم ضربة قوية بعد حادثة المنشية والتي على أثرها أعتقل الكثير منهم وغيبهم خلف قضبان السجون حتى يتفرد بشئون الدولة دون أية معارضة، ولم يكتف بذلك فحسب بل جاهد بكل السبل والوسائل في التضييق على أسر الإخوان وقطع عن رواتب ذويهم وعزلهم عن المجتمع حتى يتحقق له خضوع الإخوان غير أن الله حفظهم وثبتهم في معتقلاتهم بل وربط على قلوب ذويهم بالصبر والسلوان.<br />
<br />
<br />
ومرت السنين تلو السنين وظن عبد الناصر أنه لا أثر بعد ذلك للإخوان أو أية حركة إسلامية في ظل سياسته التي كان يحكم بها البلاد بالحديد والنار، غير أنه فوجئ أن [[الإخوان]] مازالوا موجودين وبقوة وسط الشارع بل اخذوا في تنظيم صفوفهم لعودة العمل الجماعي، فصعق عما رأى من كيفية خروج هذا المولود من هذا الرحم الذي طن أنه قد انتهى فكان رد فعله عنيفا فأصدر قرار باعتقال كل الإخوان بل كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948م، وفي يوم من الأيام سيقت مصر كلها إلى المعتقلات بسبب هذا القرار الذي أصدره من فوق منبر الشيوعية من الكرملين بالإتحاد السوفيتي بل تجاوز الأمر وأطلق كل الشيوعيين وقلدهم مقاليد الثقافة والإعلام لربما تأتى حركتهم بثمار في تغيير المجتمع المصري وتحوله لشعب يعبد رئيسه.<br />
<br />
<br />
وكان محمد الصروي أحد الشباب الذي حمل هذه الدعوة وأحبها وأخلص لها ونشط في كليته تحت قيادة فاروق المنشاوي يدعو الناس إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة، حتى كان هذا القرار والذي دفعه للفرار إلى ليبيا هربا من الجحيم الذي فاق جحيم عام 1954م بسبب تسابق المباحث العامة والمباحث العسكرية الجنائية في انتزاع الاعترافات من الشباب العزل بأية وسيلة وتحت أية ظرف، غير أنه عاد ليحصل على بعض الأوراق فسقط في قبضة رجال المباحث العسكرية يوم 28 أغسطس 1965م والتي ساقته إلى آتون السجون الحربية، وموريس ضد التعذيب النفسي عن طريق الاهانات اللفظية والعملية والضرب بالسياط وغيرها والمبيت مع الكلاب، كما لم يسلم من التعذيب الروتيني الذي مر به كل أخ في السجون الحربية وغيرها من السجون، وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بالسجن لمدة 12 عاما في 6/9/1966م.. وبصدور الحكم بالسجن فُصل من العمل لصدور حكم جنائي ضده وفق القانون ، ولقد تنقل بين عدد من السجون صابرا محتسبا، فقد قضى في السجن الحربي 22 شهرا وسجن ليمان طرة 17 شهرا ثم سجن قنا العمومي 37 شهرا ثم سجن مزرعة طرة 29 شهرا.<br />
<br />
ولقد عذِّب عذابًا شديدًا على يد زبانية هذا العصر، حتى إن آثار التعذيب ظلت على جسده حتى توفاه الله، وتمثل بالأبيات التي كتبها الدكتور يوسف القرضاوي والتي يقول فيها:<br />
<br />
ما للجنود ذوي العصا ومالي؟<br />
<br />
ما بالهم هجموا علينا بغتة<br />
<br />
قد كشروا عن نابهم، وتقدموا<br />
<br />
حملوا العصى غليظة كقلوبهم<br />
<br />
لِمَ كل هذا الحشد من جند، ومن <br />
<br />
وإذا عجبت فإنَّ أعجب ما أرى<br />
<br />
ضرب بلا هدف، ولا معنى، ولا<br />
<br />
كم بيننا من ذي سقام يشتكي<br />
<br />
كم بيننا شيخ ينوء بعمره<br />
<br />
كم بيننا من يافع ومرفه<br />
<br />
ما كنت بالباغي ولا المحتال؟!<br />
<br />
متوثبين كهجمة الأغوال؟!<br />
<br />
ببسالة للثأر من أمثالي!<br />
<br />
ومضوا كالسيل من مكان عال<br />
<br />
حرس، كأن اليوم يوم نزال؟!<br />
<br />
إضرام معركة بغير قتال!<br />
<br />
عقل، سوى تنفيذ أوامر الوالي!<br />
<br />
لكن لمن يشكو أذى الجهال؟<br />
<br />
يعدو الجهول عليه غير مبال<br />
<br />
لم ينج من ضرب وسوط نكال<br />
<br />
وظل في السجون حتى عهد السادات الذي أفرج عن الإخوان، وفي ذلك يقول المهندس الصروي: «فجأة وجدت نفسي خارج أسوار السجن، فلقد خرجت في 4/4/1974م، غادرت أسوار السجن بعد صلاة المغرب ومنها إلى وزارة الداخلية حيث قابلنا الضابط فؤاد علام، ثم انصرفنا في الحادية عشر مساءً، وخرج معي من السجن يومها، الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن 15، 12، 10 سنوات. وكان معي جنيهان أعطيت واحداً منهما لإخوان المحلة للسفر به، واحتفظت بجنيه واحد لي، ودلفت إلى الشارع ومعي الأخ محمد عبد المنعم شاهين وشهرته (عاطف شاهين)، وركبنا (تاكسي) سوياً إلى الجيزة، ونزل هو في الدقي حيث يسكن أخوه، أما أنا فواصلت إلى الجيزة حتى يسكن أخي الأكبر، وفجأة وجدوني أمامهم بملابس السجن البيضاء قرابة الحادية عشرة مساءً».<br />
<br />
<br />
== رحلة حياة بعد الإفراج ==<br />
<br />
ما كاد كل [[الإخوان]] يخرجون من السجون حتى تكاتفت جهودهم لعودة الجماعة مرة أخرى إلى نشاطها في خدمة دعوة الله وتحقيق المبادئ والأهداف التي غرسها الإمام [[البنا]] وما زال الإخوان يسيرون عليها رغم بعض الاختلافات، ولقد كان المهندس الصروي أحد هؤلاء الذين اعتنوا بتربية جيل الجامعات فنشّأ جيل عرف معنى العزة وكيف يزود عن دعوته بالحسنى.<br />
<br />
وظل الصروي قائد من القادة وجندي من الجنود لا يعبأ في أي مكان هو لكن كان حريصا على رضوان ربه.<br />
<br />
كما اعتنى المهندس الصروي بجانب التربية اعتنى أيضا بالجانب السياسي فشارك في انتخابات مجلس الشعب عام 1987م، كما شارك في انتخابات مجلس الشورى عام 1989م وبالرغم من التزوير الذي موريس ضد بل وضد جميع [[الإخوان]] انتخابات الشورى إلا انه ظل ثابتا محتسبا نموذج عملي للمربي، ونم هذه النماذج التي ظهرت جليا وسط الأجيال التي حرص على تربيتهم، فبالرغم من كبر سنِّه وتكالب الأمراض عليه.. إلا أنه قبل وفاته كان يجوب الدوائر ويشارك في التحضير لانتخابات 2005م، فكنت دائمًا تراه باشًّا في وجه إخوانه، متواضعًا لكبار وصغار الإخوان.<br />
<br />
ويذكر أحد إخوان الجيزة أنهم كانوا في لقاء وجاءهم المهندس الصروي قبل وفاته بفترة، وبعد انتهاء محاضرته غادر المكان، لكنه فوجئ بأن إحدى عجلات السيارة فارغة من الهواء، وبالرغم من كبر سنه وعِظَم مكانته في قلوب إخوانه إلا أنه استحيا أن يخبرهم، فأنزل الأدوات وأخذ يغيِّر العجلة، حتى رآه أحدهم!! فأسرع إليه ليقوم بهذا العمل، لكن المهندس أبى إلا أن يشاركه في تغييرها.<br />
<br />
ومن أقواله التي تدل على علوِّ همَّته في نشر دعوته قوله في انتخابات مجلس الشعب عام 2005م: «إننا لم ندخل الانتخابات لنفوز، ولكن شاركنا فيها لندخل كل بيت وكل شقة لنعرفهم بدعوتنا».<br />
<br />
ومن المواقف التي يحكيها بعد خروجه من السجن: « ذهبت إلى مكتب التجنيد بالجيزة ومعي بطاقة التجنيد، وبالبحث في الدفتر وجدت مكتوباً فيه " هارب من التجنيد، ومطلوب القبض عليه " ولما ذهبت حرروا محضراً بذلك، وتم اقتيادي إلى قسم أول الجيزة مقبوضاً عليَّ لتسليمي إلى الجيش للمحاكمة العسكرية.. وذهبت إلى الموظف المختص، وشرحت له الموقف دون جدوى.. فكان الردّ كالآتي: يتم القبض عليك، وتودع في زنزانة في سجون الجيش لحين صدور قرار بحرمانك من شرف (!!) الخدمة العسكرية..<br />
<br />
وسوف تستغرق هذه الإجراءات ما بين ثمانية أشهر وسنة كاملة.. فما الحل؟ .. قمت بعدة اتصالات، وكان الجواب: الهروب من منطقة التجنيد لحين إصدار هذا القرار.. لكن العسكري الذي كان يقتادني أخذ مني البطاقة الشخصية.. فخرجت إلى الشارع مسرعاً لا ألوي على شيء بدون بطاقة شخصية.. فتم الإبلاغ عني أنني هارب من شرف التجنيد.. وتلك قضية ثانية.. وعبثاً لم أفلح في إفهام أي شخص أنني فوق الثلاثين من عمري.. ومعزول سياسي وليس لي خدمة في الجيش كجميع زملائي.. لكن هيهات.. وفي اليوم التالي عدت إلى المصنع، وشرحت لهم القضية فأمهلوني فترة ثلاثة أشهر لتسوية تلك الأوضاع المعقدة.. لكني فقدت بطاقتي الشخصية، ولا أستطيع السير ليلاً متأخراً فلو سألني أحد عنها سوف تكون مشلكة، ويقبض عليّ هارباً من شرف التجنيد !!.. وتطوع أهل الخير من أصدقاء العائلة لمتابعة هذه (الفزورة) في مقابل إعطاء أبنائهم دروساً في الرياضة (جبر – هندسة – حساب مثلثات والكيمياء.. وتم لهم ما أرادوا، وقاموا بالسعي والمتابعة حتى تم استخراج شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية أسوة بجميع زملائي من [[الإخوان المسلمين]]. فكان امتحاناً عابراً وسريعاً.. إن السجن قدرٌ على كثير من العباد.. وليس بسبب الإخوان وحدهم ندخل السجون».<br />
<br />
لم تكد تمر الأيام حتى تحركت جحافل النظام عام 1995م تجوب البلاد لتعتقل قيادات الإخوان والتي زج بهم النظام في محاكمات عسكرية ظالمة حكم على بعضهم بخمس سنوات أمثال الدكتور محمد حبيب وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح والمهندس خيرت الشاطر ومعظمهم بثلاث سنوات أمثال الأستاذ السيد نزيلي والدكتور محمد فؤاد عبد المجيد والمهندس الصروي والأستاذ حسن الجمل والشيخ عبد الخالق الشريف وغيره ولم يخرج من المعتقل إلا بعد الثلاث سنوات في عام 1998م.<br />
<br />
<br />
== اللحظات الأخيرة ==<br />
<br />
في يوم 10 رمضان 1426هـ شعر ببعض التعب انتقل على إثرها إلى المستشفي والتي قرر الأطباء إجراء عملية قلب مفتوح لتأزم حالته، وبدأت تتوافد وفود [[|:تصنيف:إخوان الجيزة|إخوان الجيزة]] على المستشفى من قيادات ومحبين، الأستاذ [[السيد نزيلي]]، والدكتور [[عصام حشيش]].<br />
<br />
ثم فاضت روحه الطاهرة إلى ربه ليلة الاثنين 14 رمضان 1426هـ الموافق 17 أكتوبر 2005م، وحضر إلى المستشفى كل تلامذة ومحبي المهندس وكل أعضاء المكتب الإداري [[للإخوان المسلمين]] بالجيزة تقريباً، الدكتور [[عبد الناصر صقر]]، والدكتور [[عصام العريان]] والدكتور [[عصام حشيش]]، وغسَّله الأستاذ [[السيد نزيلي]] والحاج [[محمد رحمي]] رفيقاه في محنة 1965م، وأَمَّ المصلين في الجنازة فضيلة [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]] الأستاذ [[محمد مهدي عاكف]].<br />
<br />
رحم الله أستاذنا رحمة واسعة وألحقه الله بركب الشهداء والصالحين والصديقين.<br />
<br />
<br />
== من مؤلفاته ==<br />
<br />
*[[الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة .... محمد الصروي]]<br />
<br />
*[[الإخوان المسلمون فى سجون مصر....محمد الصروي]]<br />
<br />
<br />
== المراجع ==<br />
<br />
1- محمد الصروي: الإخوان المسلمون محنة 1965م الزلزال والصحوة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1425هـ، 2004م.<br />
<br />
2- محمد الصروي: الإخــوان المسلمــون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)، دار التوزيع والنشر الإسلامية. <br />
<br />
3- إخوان أون لاين: 18/10/2005م.<br />
<br />
4- منتدى ملتقى الإخوان.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]<br />
[[تصنيف:أعلام من الدقهلية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D9%88%D9%8A&diff=643063محمد عبدالعزيز الصروي2012-02-20T13:57:51Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''بقلم الأستاذ : عبده مصطفي دسوقي'''<br />
<br />
<br />
== محمد الصروي ... تضحية بلا حدود ==<br />
<br />
يقول الإمام [[البنا]]: «أيها [[الإخوان]]: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددًا دعوة الرسول ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس. <br />
<br />
إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد ، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام. <br />
وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة! فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به».<br />
<br />
بهذا الفهم وعلى هذه المبادئ عاش المهندس محمد الصروي، وصاحب المرشدين ونهض بدعوته وعمل من اجلها حتى لقى الله.<br />
<br />
لقد عاش طيلة حياته خادمًا لدينه، مضحيًا بنفسه وماله في سبيل دعوته، حنونًا عطوفًا في تربية رجاله، معتنيًا بأهل بيته، فضرب بذلك أروع الأمثلة.<br />
<br />
لقد خرج من معتقله فسارع إلى إخوانه، يضع نفسه وماله في خدمة دعوته، وعمل في محيط إخوانه على نشر مبادئ فكرته، فحمل الدعوة مع إخوانٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعملوا بها وسط شرائح المجتمع، فآتت ثمارها، وأصبحت الدعوة في كل بيت ومكان، وتنسَّمت الأمة عبيرَها، فهبُّوا لنصرتها في آخر انتخابات برلمانية 2005م، فكانت أثرًا من آثار جهاده مع إخوانه الكرام.<br />
<br />
<br />
== النشأة ==<br />
<br />
في قرية ميت يعيش مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية كان مولد ونشأة هذا البطل في أبريل 1943م، والذي رحل عن عالمنا بعد أن خلف وراءه رجالا، فلم يتركه والده بل اعتنى بتربيته وتعليمه مبادئ الإسلام وحفظ كتاب الله في كتاب الشيخ يوسف، ويقول في ذلك: «حفظت جزء عم وقليلا من جزء تبارك وكان بيتنا يطل على مسجد الشيخ أبو رويفع وكنت أذهب مع أبي –رحمة الله- للصلاة في المسجد ولعل وجود البيت في مقابلة المسجد ثم الجو الديني في البيت كانا عاملين أساسيين في التوجيه الديني منذ نعومة أظفاري ولقد ساعد تعلمي كتاب القرية على سرعة تعلمي القراءة والكتابة ثم التحقت بالمدرسة».<br />
<br />
التحق بالتعليم الابتدائي في القرية عام 1949م، ونشأ مولعا بالقراءة حتى تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة أول يوليو 1965م، وصدر القرار الجمهوري بتعيينه مهندساً في وزارة الصناعة في 16/10/1965م.. لكنه كان قد تم القبض عليّه قبل صدور القرار الجمهوري .<br />
<br />
رزقه الله بالزوجة الصالحة فقد تزوج من الدكتورة سلوى المنوفي ورزقهما الله من الأولاد: أحمد- طبيب، وزينب- طبيبة، وهاجر- طبيبة أسنان، وحمزة.<br />
<br />
<br />
== على طريق [[الإخوان المسلمين]] ==<br />
<br />
نشأ محمد الصروي في قرية ميت يعيش وهي كانت قرية تابعة لمنطقة ميت خالد حيث كان مسئول المنطقة الأستاذ عبد الحميد البرديسي، وتعلق الصروي منذ الصغر بهذه النماذج وأحبها حتى بعد محنة 1954م.<br />
حتى يسر الله له والتحق بكلية الهندسة وهناك تعرف على كثير من [[الإخوان]] مثل الشهيد فاروق المنشاوي وعمل مع إخوانه على إحياء تنظيم [[الإخوان]] وتربية الشعب على معاني الإسلام الصحيح، غير أن ذلك اصطدم بمحنة عام 1965م حيث قبض عليه فيها.<br />
<br />
وبعد خروجه عمل مع إخوانه على عودة سيرة [[الإخوان]] مرة أخرى ولذا يعتبر أحد المؤسسيين الفعليين للجيل الثاني من الإخوان، وهو جيل السبعينيات الذي ساهم الصروي في تربيته وقيادته بعد خروج الإخوان من معتقلات عبد الناصر أوائل السبعينيات.<br />
<br />
وظل مسئولا لمكتب إداري الجيزة حتى عودة صديقه ورفيق طريقه الحاج السيد نزيلي الذي حمل عبء الدعوة بعده، وصار الصروي جنديا يخدم دعوته ويجوب البلاد ليربي أبناء ورجال ونساء الدعوة دون كلل أو ملل أو ركون بسبب المرض.<br />
<br />
<br />
== محنة ومنحة ==<br />
<br />
بعد أن ساءت العلاقة بين [[الإخوان]] و[[جمال عبد الناصر]] وجه لهم ضربة قوية بعد حادثة المنشية والتي على أثرها أعتقل الكثير منهم وغيبهم خلف قضبان السجون حتى يتفرد بشئون الدولة دون أية معارضة، ولم يكتف بذلك فحسب بل جاهد بكل السبل والوسائل في التضييق على أسر الإخوان وقطع عن رواتب ذويهم وعزلهم عن المجتمع حتى يتحقق له خضوع الإخوان غير أن الله حفظهم وثبتهم في معتقلاتهم بل وربط على قلوب ذويهم بالصبر والسلوان.<br />
<br />
<br />
ومرت السنين تلو السنين وظن عبد الناصر أنه لا أثر بعد ذلك للإخوان أو أية حركة إسلامية في ظل سياسته التي كان يحكم بها البلاد بالحديد والنار، غير أنه فوجئ أن [[الإخوان]] مازالوا موجودين وبقوة وسط الشارع بل اخذوا في تنظيم صفوفهم لعودة العمل الجماعي، فصعق عما رأى من كيفية خروج هذا المولود من هذا الرحم الذي طن أنه قد انتهى فكان رد فعله عنيفا فأصدر قرار باعتقال كل الإخوان بل كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948م، وفي يوم من الأيام سيقت مصر كلها إلى المعتقلات بسبب هذا القرار الذي أصدره من فوق منبر الشيوعية من الكرملين بالإتحاد السوفيتي بل تجاوز الأمر وأطلق كل الشيوعيين وقلدهم مقاليد الثقافة والإعلام لربما تأتى حركتهم بثمار في تغيير المجتمع المصري وتحوله لشعب يعبد رئيسه.<br />
<br />
<br />
وكان محمد الصروي أحد الشباب الذي حمل هذه الدعوة وأحبها وأخلص لها ونشط في كليته تحت قيادة فاروق المنشاوي يدعو الناس إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة، حتى كان هذا القرار والذي دفعه للفرار إلى ليبيا هربا من الجحيم الذي فاق جحيم عام 1954م بسبب تسابق المباحث العامة والمباحث العسكرية الجنائية في انتزاع الاعترافات من الشباب العزل بأية وسيلة وتحت أية ظرف، غير أنه عاد ليحصل على بعض الأوراق فسقط في قبضة رجال المباحث العسكرية يوم 28 أغسطس 1965م والتي ساقته إلى آتون السجون الحربية، وموريس ضد التعذيب النفسي عن طريق الاهانات اللفظية والعملية والضرب بالسياط وغيرها والمبيت مع الكلاب، كما لم يسلم من التعذيب الروتيني الذي مر به كل أخ في السجون الحربية وغيرها من السجون، وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بالسجن لمدة 12 عاما في 6/9/1966م.. وبصدور الحكم بالسجن فُصل من العمل لصدور حكم جنائي ضده وفق القانون ، ولقد تنقل بين عدد من السجون صابرا محتسبا، فقد قضى في السجن الحربي 22 شهرا وسجن ليمان طرة 17 شهرا ثم سجن قنا العمومي 37 شهرا ثم سجن مزرعة طرة 29 شهرا.<br />
<br />
ولقد عذِّب عذابًا شديدًا على يد زبانية هذا العصر، حتى إن آثار التعذيب ظلت على جسده حتى توفاه الله، وتمثل بالأبيات التي كتبها الدكتور يوسف القرضاوي والتي يقول فيها:<br />
<br />
ما للجنود ذوي العصا ومالي؟<br />
<br />
ما بالهم هجموا علينا بغتة<br />
<br />
قد كشروا عن نابهم، وتقدموا<br />
<br />
حملوا العصى غليظة كقلوبهم<br />
<br />
لِمَ كل هذا الحشد من جند، ومن <br />
<br />
وإذا عجبت فإنَّ أعجب ما أرى<br />
<br />
ضرب بلا هدف، ولا معنى، ولا<br />
<br />
كم بيننا من ذي سقام يشتكي<br />
<br />
كم بيننا شيخ ينوء بعمره<br />
<br />
كم بيننا من يافع ومرفه<br />
<br />
ما كنت بالباغي ولا المحتال؟!<br />
<br />
متوثبين كهجمة الأغوال؟!<br />
<br />
ببسالة للثأر من أمثالي!<br />
<br />
ومضوا كالسيل من مكان عال<br />
<br />
حرس، كأن اليوم يوم نزال؟!<br />
<br />
إضرام معركة بغير قتال!<br />
<br />
عقل، سوى تنفيذ أوامر الوالي!<br />
<br />
لكن لمن يشكو أذى الجهال؟<br />
<br />
يعدو الجهول عليه غير مبال<br />
<br />
لم ينج من ضرب وسوط نكال<br />
<br />
وظل في السجون حتى عهد السادات الذي أفرج عن الإخوان، وفي ذلك يقول المهندس الصروي: «فجأة وجدت نفسي خارج أسوار السجن، فلقد خرجت في 4/4/1974م، غادرت أسوار السجن بعد صلاة المغرب ومنها إلى وزارة الداخلية حيث قابلنا الضابط فؤاد علام، ثم انصرفنا في الحادية عشر مساءً، وخرج معي من السجن يومها، الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن 15، 12، 10 سنوات. وكان معي جنيهان أعطيت واحداً منهما لإخوان المحلة للسفر به، واحتفظت بجنيه واحد لي، ودلفت إلى الشارع ومعي الأخ محمد عبد المنعم شاهين وشهرته (عاطف شاهين)، وركبنا (تاكسي) سوياً إلى الجيزة، ونزل هو في الدقي حيث يسكن أخوه، أما أنا فواصلت إلى الجيزة حتى يسكن أخي الأكبر، وفجأة وجدوني أمامهم بملابس السجن البيضاء قرابة الحادية عشرة مساءً».<br />
<br />
<br />
== رحلة حياة بعد الإفراج ==<br />
<br />
ما كاد كل [[الإخوان]] يخرجون من السجون حتى تكاتفت جهودهم لعودة الجماعة مرة أخرى إلى نشاطها في خدمة دعوة الله وتحقيق المبادئ والأهداف التي غرسها الإمام [[البنا]] وما زال الإخوان يسيرون عليها رغم بعض الاختلافات، ولقد كان المهندس الصروي أحد هؤلاء الذين اعتنوا بتربية جيل الجامعات فنشّأ جيل عرف معنى العزة وكيف يزود عن دعوته بالحسنى.<br />
<br />
وظل الصروي قائد من القادة وجندي من الجنود لا يعبأ في أي مكان هو لكن كان حريصا على رضوان ربه.<br />
<br />
كما اعتنى المهندس الصروي بجانب التربية اعتنى أيضا بالجانب السياسي فشارك في انتخابات مجلس الشعب عام 1987م، كما شارك في انتخابات مجلس الشورى عام 1989م وبالرغم من التزوير الذي موريس ضد بل وضد جميع [[الإخوان]] انتخابات الشورى إلا انه ظل ثابتا محتسبا نموذج عملي للمربي، ونم هذه النماذج التي ظهرت جليا وسط الأجيال التي حرص على تربيتهم، فبالرغم من كبر سنِّه وتكالب الأمراض عليه.. إلا أنه قبل وفاته كان يجوب الدوائر ويشارك في التحضير لانتخابات 2005م، فكنت دائمًا تراه باشًّا في وجه إخوانه، متواضعًا لكبار وصغار الإخوان.<br />
<br />
ويذكر أحد إخوان الجيزة أنهم كانوا في لقاء وجاءهم المهندس الصروي قبل وفاته بفترة، وبعد انتهاء محاضرته غادر المكان، لكنه فوجئ بأن إحدى عجلات السيارة فارغة من الهواء، وبالرغم من كبر سنه وعِظَم مكانته في قلوب إخوانه إلا أنه استحيا أن يخبرهم، فأنزل الأدوات وأخذ يغيِّر العجلة، حتى رآه أحدهم!! فأسرع إليه ليقوم بهذا العمل، لكن المهندس أبى إلا أن يشاركه في تغييرها.<br />
<br />
ومن أقواله التي تدل على علوِّ همَّته في نشر دعوته قوله في انتخابات مجلس الشعب عام 2005م: «إننا لم ندخل الانتخابات لنفوز، ولكن شاركنا فيها لندخل كل بيت وكل شقة لنعرفهم بدعوتنا».<br />
<br />
ومن المواقف التي يحكيها بعد خروجه من السجن: « ذهبت إلى مكتب التجنيد بالجيزة ومعي بطاقة التجنيد، وبالبحث في الدفتر وجدت مكتوباً فيه " هارب من التجنيد، ومطلوب القبض عليه " ولما ذهبت حرروا محضراً بذلك، وتم اقتيادي إلى قسم أول الجيزة مقبوضاً عليَّ لتسليمي إلى الجيش للمحاكمة العسكرية.. وذهبت إلى الموظف المختص، وشرحت له الموقف دون جدوى.. فكان الردّ كالآتي: يتم القبض عليك، وتودع في زنزانة في سجون الجيش لحين صدور قرار بحرمانك من شرف (!!) الخدمة العسكرية..<br />
<br />
وسوف تستغرق هذه الإجراءات ما بين ثمانية أشهر وسنة كاملة.. فما الحل؟ .. قمت بعدة اتصالات، وكان الجواب: الهروب من منطقة التجنيد لحين إصدار هذا القرار.. لكن العسكري الذي كان يقتادني أخذ مني البطاقة الشخصية.. فخرجت إلى الشارع مسرعاً لا ألوي على شيء بدون بطاقة شخصية.. فتم الإبلاغ عني أنني هارب من شرف التجنيد.. وتلك قضية ثانية.. وعبثاً لم أفلح في إفهام أي شخص أنني فوق الثلاثين من عمري.. ومعزول سياسي وليس لي خدمة في الجيش كجميع زملائي.. لكن هيهات.. وفي اليوم التالي عدت إلى المصنع، وشرحت لهم القضية فأمهلوني فترة ثلاثة أشهر لتسوية تلك الأوضاع المعقدة.. لكني فقدت بطاقتي الشخصية، ولا أستطيع السير ليلاً متأخراً فلو سألني أحد عنها سوف تكون مشلكة، ويقبض عليّ هارباً من شرف التجنيد !!.. وتطوع أهل الخير من أصدقاء العائلة لمتابعة هذه (الفزورة) في مقابل إعطاء أبنائهم دروساً في الرياضة (جبر – هندسة – حساب مثلثات والكيمياء.. وتم لهم ما أرادوا، وقاموا بالسعي والمتابعة حتى تم استخراج شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية أسوة بجميع زملائي من [[الإخوان المسلمين]]. فكان امتحاناً عابراً وسريعاً.. إن السجن قدرٌ على كثير من العباد.. وليس بسبب الإخوان وحدهم ندخل السجون».<br />
<br />
لم تكد تمر الأيام حتى تحركت جحافل النظام عام 1995م تجوب البلاد لتعتقل قيادات الإخوان والتي زج بهم النظام في محاكمات عسكرية ظالمة حكم على بعضهم بخمس سنوات أمثال الدكتور محمد حبيب وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح والمهندس خيرت الشاطر ومعظمهم بثلاث سنوات أمثال الأستاذ السيد نزيلي والدكتور محمد فؤاد عبد المجيد والمهندس الصروي والأستاذ حسن الجمل والشيخ عبد الخالق الشريف وغيره ولم يخرج من المعتقل إلا بعد الثلاث سنوات في عام 1998م.<br />
<br />
<br />
== اللحظات الأخيرة ==<br />
<br />
في يوم 10 رمضان 1426هـ شعر ببعض التعب انتقل على إثرها إلى المستشفي والتي قرر الأطباء إجراء عملية قلب مفتوح لتأزم حالته، وبدأت تتوافد وفود [[|:تصنيف:إخوان الجيزة|إخوان الجيزة]] على المستشفى من قيادات ومحبين، الأستاذ [[السيد نزيلي]]، والدكتور [[عصام حشيش]].<br />
<br />
ثم فاضت روحه الطاهرة إلى ربه ليلة الاثنين 14 رمضان 1426هـ الموافق 17 أكتوبر 2005م، وحضر إلى المستشفى كل تلامذة ومحبي المهندس وكل أعضاء المكتب الإداري [[للإخوان المسلمين]] بالجيزة تقريباً، الدكتور [[عبد الناصر صقر]]، والدكتور [[عصام العريان]] والدكتور [[عصام حشيش]]، وغسَّله الأستاذ [[السيد نزيلي]] والحاج [[محمد رحمي]] رفيقاه في محنة 1965م، وأَمَّ المصلين في الجنازة فضيلة [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]] الأستاذ [[محمد مهدي عاكف]].<br />
<br />
رحم الله أستاذنا رحمة واسعة وألحقه الله بركب الشهداء والصالحين والصديقين.<br />
<br />
<br />
== من مؤلفاته ==<br />
<br />
*[[الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة .... محمد الصروي]]<br />
<br />
*[[الإخوان المسلمون فى سجون مصر....محمد الصروي]]<br />
<br />
<br />
== المراجع ==<br />
<br />
1- محمد الصروي: الإخوان المسلمون محنة 1965م الزلزال والصحوة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1425هـ، 2004م.<br />
<br />
2- محمد الصروي: الإخــوان المسلمــون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)، دار التوزيع والنشر الإسلامية. <br />
<br />
3- إخوان أون لاين: 18/10/2005م.<br />
<br />
4- منتدى ملتقى الإخوان.<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]<br />
[[تصنيف:أعلام من الدقهلية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%8A&diff=643061محمد عبد المجيد الفقي2012-02-20T13:54:11Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[Image:http://profile.ak.fbcdn.net/hprofile-ak-snc4/276932_241745095852552_3755411_n.jpg|thumb|center]]<br> الاسم&nbsp;:محمد عبد المجيد الفقي . <br />
<br />
السن&nbsp;: 42 سنة . <br />
<br />
من مواليد&nbsp;:أبو النمرس – الجيزة – مصر . <br />
<br />
ت منزل&nbsp;:38090211 – محمول&nbsp;: 0113399770 <br />
<br />
البريد الاليكتروني&nbsp;:fekil928@gmail.com <br />
<br />
<br> <br />
<br />
المؤهلات العلمية&nbsp;: <br />
<br />
- أتم حفظ القرآن كاملا خلال فترة دراسته بالأزهر الشريف . <br />
<br />
- الإجازة العليا في التفسير وعلوم القرآن ( شهادة العالمية ) من كلية أصول الدين جامعة الأزهر بتقدير ممتاز . <br />
<br />
- ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة . <br />
<br />
- تمهيدي ماجستير من قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بتقدير جيد جدا ( الأول علي الدفعة) . <br />
<br />
- بكالوريوس في المحاسبة من كلية التجارة جامعة القاهرة . <br />
<br />
- دبلوم الدراسات العليا في أصول الفقه وتاريخ التشريع بتقدير جيد جدا . <br />
<br />
- إجازة مدرب متقدم لتطوير الموارد البشرية . <br />
<br />
- حاصل على دبلومة في التحليل السياسي من كلية الإقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وذلك في مايو 2011. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
العمل والوظيفة&nbsp;: <br />
<br />
- مراقب حسابات بوزارة المالية – مصر . <br />
<br />
- مدرب تطوير الموارد البشرية . <br />
<br />
- إمام وخطيب ومحاضر بمساجد وزارة الأوقاف والجمعية الشرعية – مصر . <br />
<br />
- كاتب وباحث إسلامي . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
الإنتاج العلمي&nbsp;: <br />
<br />
1- دماء المرأة الطبيعية وأحكامها الفقهية . <br />
<br />
2- القياس الأصولي في المذاهب الفقهية الثمانية . <br />
<br />
3- فن القول الرائع ( قيد الانجاز ) . <br />
<br />
4- الأسهم والسندات ( حقيقتها – شرعيتها – زكاتهما) . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
البحوث والدراسات&nbsp;: <br />
<br />
1- المنافقون في السيرة النبوية الصحيحة . <br />
<br />
2- حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية . <br />
<br />
3- النظريات الفقهية&nbsp;: نشأتها وتطوراتها <br />
<br />
4- منهج الآلوسي في تفسير القران العظيم . <br />
<br />
5- تجديد أصول الفقه بين القبول والرفض . <br />
<br />
6- شريعة التيسير " ميسرون لا معسرون " <br />
<br />
7- نظرية العرف في الشريعة الإسلامية . <br />
<br />
8- نظرية الأهلية في الشريعة الإسلامية . <br />
<br />
9- ابن قدامة المقدسي وكتابه المغني . <br />
<br />
10- كرامة المرآة في الرؤية الإسلامية . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
<br> <br />
<br />
التقارير العلمية&nbsp;: <br />
<br />
- تقرير عن بحث " تجديد أمر الدين " ضمن حولية مركز البحوث والدراسات الإسلامية . <br />
<br />
- تقرير عن دراسة بعنوان&nbsp;: " غسيل الأموال " . <br />
<br />
المؤتمرات والندوات&nbsp;: <br />
<br />
- شارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية والوطنية والعلمية والتربوية . <br />
<br />
- تم مناقشة كتابة " المرآة من السياسة إلي الرئاسة " في ندوة حافلة بجريدة الأهرام بحضور ومناقشة لفيف من العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء . <br />
<br />
- تم عمل أكثر من ندوة فكرية لمناقشة الكتاب في أكثر من منتدى ثقافي بالقاهرة . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
الأحاديث التغطية الصحفية&nbsp;: <br />
<br />
- أدلي بعدد من التصريحات وتم معه بعض الحوارات الصحفية التي نشرت بجريدة المصري اليوم – الدستور – الفجر – الشروق – القاهرة . <br />
<br />
- جريدة الأهرام ، الجمهورية ، الأهرام المسائي ، روز اليوسف ، نصف الدنيا ، زهرة الخليج . <br />
<br />
- تم عمل دراسة حافلة عن كتاب " المرآة من السياسة إلي الرئاسة " نشرت في صفحة كاملة في العدد الأسبوعي لكل من&nbsp;: الأهرام – الأهرام المسائي – الأهرام العربي . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
الحوارات الإذاعة والتليفزيون <br />
<br />
- القناة الأولي بالتليفزيون المصري ، قناة النيل للأخبار . <br />
<br />
- شارك في العديد من الحوارات منها&nbsp;: حوار مع لينا الغضبان قناة الجزيرة ، مع طارق عبد الجابر حول إدارة الأزمات ( الهجرة إلي المدينة نموذجا ) بعض الوكالات الإعلامية المتخصصة في تسويق المواد الإعلامية قناة تلفزيون صينية . <br />
<br />
- خمس حلقات ضمن برنامج " ليس من أقوال الرسول " – قناة النيل الثقافية – أذيعت في رمضان 1430 هــ <br />
<br />
- برامج " كتب خانة – صباح دريم – الحياة اليوم – طعم البيوت . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
الكتب المطبوعة&nbsp;: <br />
<br />
1- المرآة من السياسة إلي الرئاسة " طبعة أولي يناير 2010 – طبعة ثانية يناير 2010م مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع – طبعة ثالثة يوليو 2010م الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مشروع القراءة للجميع <br />
<br />
2- المرآة والمجتمع " ضوابط لا قيود " طبعة أولي 2010م دار الأندلس الجديدة . <br />
<br />
3- امرأة مع مرتبة الشرف طبعة أولي ، فبراير 2011 دار التوزيع والنشر الإسلامية . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
كتب تحت الطبع&nbsp;: <br />
<br />
1- المرحمة والملحمة " أخلاقيات الحرب في عصر الرسول " . <br />
<br />
2- حقائق وأباطيل حول الغزوات النبوية . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
المناهج الدراسية والمحاضرات العلمية&nbsp;: " ما يربو علي ألفي محاضرة ودورة وخطبة ودرس " <br />
<br />
<br> <br />
<br />
1- تفسير آيات الأحكام . 10- الغزوات والسرايا . <br />
<br />
2- علوم القران . 11- سيدات بيت النبوة . <br />
<br />
3- علم مصطلح الحديث. 12- العقائد الإسلامية . <br />
<br />
4- فقه العبادات . 13- الأخلاق الإسلامية . <br />
<br />
5- فقه البيوع . 14- آفات اللسان . <br />
<br />
6- فقد الجهاد . 15- السعادة الزوجية . <br />
<br />
7- فقه الجنائز. 16- ماذا يعني انتمائي للإسلام. <br />
<br />
8- الحلال والحرام في الإسلام . 17- فقه قصص الأنبياء <br />
<br />
9- فقه السيرة النبوية . 18- شخصيات إسلامية . <br />
<br />
19- تفسير سور&nbsp;:" آل عمران – الأعراف – الأنعام – الأنفال – التوبة – هود – الإسراء – الكهف – الحجرات <br />
<br />
20- ماذا يبقي من المناسبات الإسلامية " الهجرة الإسراء – المولد النبوية – معركة بدر – فتح مكة – الحج – الصيام الاعتكاف – تحويل القبلة .<br><br><br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A8:%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF_%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A&diff=643059قالب:محمد السيد راضي2012-02-20T13:51:11Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center><font color="blue"><font size=5> محمد السيد راضي .. عاشق العلم </font></font></center>'''<br />
<br />
<br />
== مقدمة ==<br />
[[ملف:محمد راضي.jpg|تصغير|250بك|<center>الشيخ محمد راضى</center>]]<br />
<br />
<br />
عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: '''"من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"'''.<br />
<br />
وبعض الناس من يسلك هذا الطريق ليحقق للبشرية النهضة المنشودة، ولا يقتصر العلم وطلبه على العوم الشرعية فحسب بل تتضمن جميع العلوم التي تعود بالفائدة على الوطن.<br />
<br />
وكان الشيخ محمد راضي واحد من الذين بحثوا وعشقوا العلم والقراءة.<br />
<br />
<br />
== من هو؟ ==<br />
<br />
هو الشيخ محمد السيد راضي من مواليد محافظة [[كفر الشيخ]] سنة [[1958]] لأسرة رقيقة الحال، تخرج في كلية الشريعة الإسلامية وطاف بعدد من الدول العربية والإسلامية كاليمن و[[أفغانستان]] وروسيا ودول تركستان الغربية (الجمهوريات الإسلامية بالإتحاد السوفيتي السابق) فأضاف بذلك إلي رصيده العلمي بتجربة عملية عن حاضر العالم الإسلامي في تلك البقاع.<br />
<br />
وفي سنة [[1985]] تعرف إلي زوجته أم عمار وهي سيدة فاضلة من أسرة كريمة اشتهرت بحب الإسلام وأهله ..... فقاسمته حلو الحياة ومرها وأنجب منها خمسة من الأبناء.<br />
<br />
== مع الإخوان ==<br />
<br />
تعرف إلي دعوة [[الإخوان]] في منتصف سبعينيات القرن الماضي وهو لم يزل بعد طالباً بالمرحلة الثانوية الأزهرية.... وذلك من خلال القراءة التي كان يعشقها إلي الحد الذي وصل به في بعض الأحيان أن يحرم نفسه مطالب الحياة الأساسية بل أن يبيع ما يملكه لأجل شراء الكتب والتهام ما فيها من العلم.<br />
<br />
تعرف إلي شيوخ دعوة [[الإخوان المسلمين]] ب[[كفر الشيخ]] : الحاج علي أبو شعيشع –الحاج [[عبد المنعم مكاوي]] –الدكتور [[محمد فؤاد عبد المجيد]] – الحاج [[جلال عبدالعزيز]] ليساهم بذلك مبكراً في رسم ملامح العمل الإسلامي والإخواني بمحافظة [[كفر الشيخ]].<br />
<br />
اعتقل لمدة عشرة أشهر عقب حادث المنصة سنة [[1981]]م فتعطلت دراسته لكنه صبر واحتسب.<br />
<br />
== جهاده ==<br />
[[ملف:الشيخ محم.jpg|تصغير|250بك|<center>الشيخ محمد راضى</center>]]<br />
<br />
<br />
يندر أن تجد واحداً من أبناء دعوة [[الإخوان]] أو السلف أو عامة الناس دون أن يكون قد تتلمذ يوماً علي يد الشيخ راضي رحمه الله.<br />
<br />
وكان عضواً أساسياً في كثير من المنتديات والصالونات الأدبية والسياسية فأفاد منه ونهل من علمه كل من سعد بصحبته.<br />
<br />
وفي انتخابات [[مجلس الشعب]] الأخيرة أصر وهو في مرضه الأخير أن يمر علي اللجان يحث إخوانه علي البذل والعمل المتيقظ.<br />
<br />
شارك في [[ثورة 25 يناير]] يجوب أنحاء [[كفر الشيخ]] وهو المريض يمشي بمقدمة الصفوف ضاربا المثل والقدوة العملية حتى أن احد الشباب يطلب منه أن يجلس لكنه أصر قائلاً: وما علي أن اغبر قدمي في سبيل الله.<br />
<br />
== وفاته ==<br />
<br />
في سنة [[2002]] ابتلي بابتلاءات صحية شديدة كان من شأنها أن تقعده عن الدعوة لكنه صبر لها صبر المؤمن المحتسب ...واستكمل مسيرة العمل والعطاء فراح يجوب طول المحافظة وعرضها داعياً ومحاضراً ومعلماً ....<br />
<br />
وفي صباح الأحد 30 محرم 1433 والموافق 25 [[ديسمبر]] [[2011]] فاضة روحه إلي بارئها فرحمه الله وغفر له.<br />
<br />
ولقد شيَّعته آلاف من [[الإخوان المسلمين]] من مسجد الرحمة غرب مدينة [[كفر الشيخ]] عصر الأحد 25/12 ؛حيث كان العديد من [[الإخوان]] وغيرهم من مختلف أنحاء محافظة [[كفر الشيخ]] في وداعِ الفقيد الذي يعد من احد المؤسسين ل[[جماعة الإخوان المسلمين]] ب[[كفر الشيخ]] .<br />
<br />
وكان من أبرز الحضور الذين شهدوا الجنازة الدكتور محمد فؤاد عبد المجيد والدكتور [[حسن أبو شعيشع]] والدكتور [[صلاح الفقي]]- مسئول المكتب الإداري [[للإخوان المسلمين]] بكفر الشيخ والشيخ [[عبد الفتاح فرج]] وغيرهم من محبي وإخوان الشيخ رحمه الله.<br />
<br />
== قالوا عنه ==<br />
<br />
'''في رثاء الشيخ المجاهد محمد راضي كتب رفيق دربه د/ [[علاء عبد العزير]] يقول:'''<br />
<br />
:هل آذنتنا أيامنا بانقضاء... بالأمس ودعنا طارقاً واليوم راضياً؟! <br />
[[ملف:محمد-راضي-جنازة.jpg|تصغير|300بك|<center>جنازة الشيخ محمد راضى</center>]]<br />
:هل هي نواقيس الأقدار تدق لتنبه الغافلين أن استعدوا وتجهزوا فقد دنت منيتكم وحانت ساعتكم ؟... لنتعظ وندرك أن كل واحد منا يسقط هو إيذان بسقوط من يليه ؟.... كل إلي مثواه فما تفرغ أحدنا حتى ننقلب لنحمل غيره ... هكذا غادين رائحين حتى تنقضي أيامنا وتحين آجالنا فيودعنا من بقي من الأحباب ... لنلحق بمن كنا بالأمس قد ودعناهم وهكذا حتى تزول الدنيا ويقوم الناس لرب العالمين.<br />
<br />
:يمر أمام خاطري الآن شريط ذكريات طويل أوله يوم تعرفت فيه ألي أستاذنا وشيخنا رحمه الله منذ خمسة وثلاثين عاماً ... وكان شاباً يفيض صدقاً وحماساً وعلماً... وللوهلة الأولي أحسست أنه سيكون للرجل في حياتي أثر بعيد... وقد كان ...فقد صدقت الأيام ظنوني فكنت ممن أفادوا منه ونهلو ا من علمه وتتلمذوا علي يديه.<br />
<br />
:ومن بين ركام الذكريات تحضرني نصيحة أسداها إليّ لا أنساها ما حييت ...عندما رآني مهموماً بالمدخل العقلي في فهم القضايا ومعالجة المشكلات أكثر من اللازم وكأنه فطن إلي آفة العقلانية التي لازمتني في ذلك الوقت المبكر فخشي عليَ منها فأسدي إليً هذه النصيحة التي مازالت كلماتها حية في مسامعي رغم طول السنين ... قال)):ياأخ علاء لابد أن نعرف دور العقل ونحدده ... هل هو وعاء للتلقي أم آله للتشريع؟))<br />
<br />
:وعندما كانت تضيق بيَ الدنيا وترسو سفائن الأحزان علي مرافئ القلب المهموم ما كنت ألتمس راحة من هذه الهموم إلا بين يديه وخاصة في بيته الأول بيت أبيه.. في حجرة متواضعة بمنزل قديم حيث تتراص الكتب وتسود السكينة والأجواء حتى أكاد أحس بأنفاس العلماء الذين صنفوا هذه المجلدات تتردد في جنبات المكان ثم أنصت إلي كلامه فأزداد سكينه وراحة واطمئناناً ثم أنصرف راضياً.<br />
[[ملف:محمد-فؤاد-عبدالمجيد-إخوانه-في-جنازة-محمد-راضي.jpg|تصغير|300بك|<center>جنازة الشيخ محمد راضى</center>]]<br />
:ويتابع شريط الذكريات مروره لألتقط منه مشهداً من المشاهد الفاصلة في حياتي... وهو يرشح لي الفتاه التي صارت بعد ذلك زوجتي...ثم وهو يوصيني بها خيراً ... وكأن تأثيره في حياتي لا يقتصر علي علم تعلمته عنه بل يمتد ليطال واحداً من أهم جوانب حياتي.<br />
<br />
:وعند عودتي من سفرة المدينة المنورة وجدت أن الله قد امتحنه في عينه فصبر ...ثم في مفاصله فكان من يراه يظنه أكبر مني بسنوات وقد ولدنا في عام واحد ... ولكني اكتشفت أن هذه الابتلاءات قد أهدت إليه فضيلة جديدة ألا وهي الهدوء الشديد والسكينة حتى لكانت كما قال الشاعر:<br />
<br />
<center>قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت <br />
:::::ويبتلي بعض الناس بالنعم</center><br />
<br />
:وفي نهاية الشريط مشهد من زيارة قبل الرحيل بأيام حين قال لي عندما رحت أطمئنه وأدعو له بالشفاء قال ((ياأخ علاء كم وعظنا الناس ونصحناهم بالصبر والرضا فكأنما جاء اليوم الذي يمتحن الله فيه صدقنا)).<br />
<br />
'''ويقول [[عبد الناصر الشناوي]]:'''<br />
<br />
:قابلت فضيلة الأستاذ محمد راضي قبل وفاته بأيام قليلة في المنطقة الأزهرية وكان أحد [[الإخوان]] يطلبه للتدخل لحل مشكلة اجتماعية فقال له الشيخ محمد راضى أنا تحت أمرك في أى وقت ولكن عجل لأني مسافر في رحلة علاجية قد يطول أمدها... وكان اللقاء الأخير اسأل الله لأستاذي الرحمة والمغفرة.<br />
<br />
----<br />
<br />
*'''المصدر: [http://www.kfrelshikh.com/news_Details.aspx?Kind=15&News_ID=12893 موقع إخوان كفر الشيخ]'''<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%BA%D9%84%D9%8A&diff=643057محمد الفرغلي2012-02-20T13:49:07Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>== توطئة ==<br />
<br />
[[صورة:محمد فرغلي.jpg|50|تصغير|<center>'''الشيخ محمد فرغلي'''</center>]]<br />
<br />
منذ أن صار هناك متخصصون في وعظ الجماهير وتعليمهم أمور دينهم، أصبح هناك نفر لا يخرج فهمهم لرسالتهم عن إطار كونها وظيفةً حكوميةً؛ تُجرى عليها الرواتب، وتحدد أبعادَها اللوائحُ، ويقاس العمل فيها والجهد بمقياس الأجر والراتب، ولكن ذلك ما كان ليجري على الشيخ محمد فرغلي، واعظ الإسماعيلية، العالم الزاهد المجاهد، الشهيد الذي رصد الاستعمار البريطاني لرأسه 5 آلاف جنيه، وتطوع الطغاة بتقديم رأسه بلا ثمن.<br />
<br />
<br />
كانت واضحة في ذهنه قضايا المسلمين وضوح شرعة رب العالمين في قلبه إيمانًا، وفي فكره علمًا، وشرعه تامة كاملة أحكمت ضوابط الأمس فسعد الناس، ونكص الناس عنها حاضرًا فشقوا..<br />
<br />
<br />
كان الإسلام واضحًا في نفسه وفي فكره، فنقله إلى أهل الإسماعيلية على صورته الأولى نقيًّا بلا شوائب، كاملاً بلا تجزؤ.<br />
<br />
<br />
كان الوعظ في مفهومه كلمة حق تقال، وسلوكًا يحتذى، وجهادًا تشحذ له الهمم. فكان الشيخ فرغلي بين الألوف فريدًا وبين الأقران مميزًا، وعند الحكام مرفوع الهامة موفور الكرامة، وعند المعتدين الغاصبين مصدر خوف ومبعث خطر.<br />
<br />
<br />
كان الشيخ فرغلي داعيةً إلى الإسلام بمفهوم الإسلام، عمل مع الإمام [[حسن البنا]] منذ أن بدأ دعوته في القنال، واختاره الإمام الشهيد فكان عند صدق الاختيار. شمر عن ساعد الجد وسط مدينة كانت ترابط حولها من كل جانب قوات الاحتلال، تظهر أن النيام سيظلون في رقاد، وأن الغافلين سيظلون في سبات، وما درى الإنجليز أن الأرض بدأت تميد بمقدمه تحت أقدامهم.<br />
<br />
<br />
وصارت دعوة الإسلام في الإسماعيلية فتيةً قويةً، بعد أن كاد يشمل المدينة يأس قاتل تحت سطوة الاستعمار، وافتتحت فيها شُعب تنطلق منها الدعوة إلى الله، ومسجد، ودار ضيافة، ودار للسيدات المسلمات. ووجدت النفوس سبيلها إلى إسلامها.<br />
<br />
<br />
وصار الشيخ صورةً تحكي فيها الإسماعيلية قفزتها، وتسطر بها قبل الأمة كلها قصة السبق في يقظتها(1).<br />
<br />
<br />
== الشيخ فرغلي مع عمال جباسات البلاح ==<br />
<br />
ولكي نتبين دور الدعوة في إحياء النفوس الميتة، وإيقاظ الشعوب النائمة، وإعادة العزة الإيمانية إلى حياتها، لكي نقف على ذلك ونتبينه نسلط الضوء على مرحلة من حياة الشهيد حين انتدبه الإمام الشهيد حسن البنا، ليكون أول إمام وواعظ للمسجد الذي أنشئ في جباسات البلاح بالإسماعيلية، وذلك من خلال ما جاء في مذكرات الإمام الشهيد [[حسن البنا]] وفي ذلك يقول:<br />
<br />
<br />
"اتصل بعض عمال الجباسات الفضلاء [[:تصنيف:إخوان الإسماعيلية|بالإخوان بالإسماعيلية]] فنقلوا عنهم الفكرة إلى إخوانهم، ودعيت إلى زيارة الجباسات وهناك بايعت [[الإخوان]] على الدعوة فكانت هذه البيعة نواة الفكرة في هذا المكان النائي.<br />
<br />
<br />
وبعد قليل طلب العمال إلى الشركة أن تبني لهم مسجدًا إذ كان عددهم أكثر من ثلاثمائة عامل.<br />
وفعلاً استجابت الشركة لمطلبهم، وبُني المسجد، وطلبت الشركة من الجماعة بالإسماعيلية، انتداب أخ من العلماء يقوم بالإمامة والتدريس، فانتدب لهذه المهمة، فضيلة الأخ المفضال الأستاذ الشيخ محمد فرغلي المدرس بمعهد حراء حينذاك.<br />
<br />
<br />
وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح، وتسلم المسجد، وأعد له سكن خاص بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين. فلم تمض عدة أسابيع وجيزة، حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفساني والاجتماعي ارتفاعًا عجيبًا: لقد أدركوا قيمة أنفسهم، وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة، وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف، والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله، وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة- خلافة الله في أرضه- فجدوا في عملهم إقتداءً بقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، ثم عفوًا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة، ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق لا يقول ولا يقبل منه كلمةً نابيةً، أو لفظةً جافيةً، أو مظهرًا من مظاهر التحقير والاستصغار، كما كان ذلك شأنهم من قبل، وتجمعوا على الأخوة، واتحدوا على الحب والجد والأمانة، ويظهر أن هذه السياسة لم تعجب الرؤساء، وقرروا أنه إذا استمر الحال على ذلك، ستكون السلطة كلها لهذا الشيخ، ولن يستطيع أحد بعد ذلك أن يكبح جماحه وجماح العمال.<br />
<br />
<br />
ظن الرؤساء هذا في الشركة، وفكروا في إقصاء هذا الشيخ القوي الشكيمة عن العمل، وأرسل إليه الرئيس المباشر، فلما توجه إليه قال له: إن المدير أخبرني بأن الشركة قد استغنت عن خدماتك، وأنها تفكر في انتداب أحد العمال للقيام بعملكم في المسجد، وهذا حسابكم إلى اليوم حسب أمر المدير.<br />
<br />
<br />
فكان جواب الشيخ له بكل هدوء: ما كنت أظن يا "مسيو فرانسوا" أنني موظف بشركة جباسات البلاح، ولو كنت أعلم هذا ما قبلت العمل معها، ولكني أعلم أنني موظف من قبل الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، وأتقاضي مرتبي منهم، محولاً عليكم، وأنا متعاقد معهم لا معكم على هذا الوضع، وأنا لا أقبل منك مرتبًا ولا حسابًا، ولا أترك عملي في المسجد، ولا بالقوة إلا إذا أمرني بذلك رئيس الجمعية الذي انتدبني هنا، هو أمامكم بالإسماعيلية فاتفقوا معه كما تريدون، واستأذن وانصرف.<br />
<br />
<br />
وسقط في يد إدارة الشركة، وصبرت أيامًا لعل الشيخ يطلب منها مرتبه، ولكنه كان قد اتصل بي بالإسماعيلية فأوصيته بالتمسك بموقفه، وألا يدع مكانه بحال وحجته معقولة، ولا شيء لهم عنده.<br />
<br />
<br />
لجأت الشركة إلى الإدارة، واتصل مديرها "المسيو ماينو" بمحافظ القنال، الذي اتصل بدوره بالمأمور بالإسماعيلية، وأوصاه أن يقوم على رأس قوة لعلاج الموقف، وحضر المأمور بقوته، وجلس في مكتب المدير، وأرسل في طلب الشيخ الذي اعتصم بالمسجد، وأجاب الرسول: لا حاجة لي عند المأمور، ولا عند المدير، وعملي بالمسجد، فإذا كان لأحدهما حاجة، فليحضر لي، وعلى هذا، فقد حضر المأمور إلى الشيخ، وأخذ يطلب إليه أن يستجيب لمطالب المدير، ويترك العمل، ويعود إلى الإسماعيلية، فأجاب بمثل ما تقدم، وقال له: تستطيع أن تأتيني من الإسماعيلية بكلمة واحدة في خطاب فانصرف. ولكن لن أخرج من هنا إلا جثة لا حراك بها، ووصل النبأ إلى العمال، فتركوا العمل في لحظةٍ واحدةٍ، وأقبلوا متجمهرين صاخبين، وخشي المأمور العاقبةَ، فترك الموقف وعاد إلى الإسماعيلية، واتصل بي للتفاهم على الحل، ولكني اعتذرت بأنني مضطر إلى التفكير في الأمر، وعقد مجلس إدارة الجمعية للنظر، ثم أجيبه بعد ذلك.<br />
<br />
<br />
وفي هذه الأثناء يؤسفني أن أقول إنني حضرت إلى القاهرة لمقابلة العضو المصري الوحيد في مجلس إدارة الشركة، فوجدت منه كل إعراض عن مصالح العمال، وكل انحياز إلى آراء الشركة ومديرها، وكل تجرد من أية عاطفة فيها معنى الغيرة الوطنية.<br />
<br />
== شهادة مدير شركة قناة السويس ==<br />
<br />
قابلت بعد ذلك مدير الشركة، وسألته عما ينقمه من فضيلة الشيخ فلم أجد عنده إلا أنهم يريدون شخصًا يستسلم لمطالبهم، وكان من كلامه كلمة لا أزال أذكرها "إنني صديق للكثير من زعماء المسلمين، ولقد قضيت في الجزائر عشرين سنةً، ولكني لم أجد منهم أحدًا كهذا الشيخ، الذي ينفذ علينا هنا أحكامًا عسكريةً، كأنه جنرال تمامًا"، فناقشته في هذا الكلام، وأفهمته أنه مخطئ وأن الشركات هي التي تقسو على العمال، وتنقص من حقوقهم، وتستصغر إنسانيتهم، وتبخل عليهم، وتقتر في أجورهم في الوقت الذي يتضاعف ربحها، ويتكدس، وإن من الواجب علاج هذه الحال، بعلاج نظم هذه الشركات ووجوب قناعتها باليسير من الربح، واتفقنا أخيرًا على أن يبقى الأستاذ الشيخ فرغلي شهرين حيث هو، وأن تقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة، وأن تطلب رسميًّا إلى الإخوان من يحل محله من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه، وتعنى بسكنه ومطالبه، وفي نهاية المدة عاد فضيلة الشيخ فرغلي، وتسلم مكانه فضيلة الأستاذ الشيخ شافعي أحمد، واستمرت الدعوة تشق طريقها في هذه الصحراء "باسم الله مجريها ومرساها".<br />
<br />
<br />
<br />
== الداعية الصادق يحيي العزة في النفوس ==<br />
<br />
وحتى نقف على ثمرة الدعوة الجادة، وكيف أن الداعية يفيض على من يحدثهم من روحه، ويبعث فيهم روح العزة، وهذا ما يخشاه أعداؤنا، إن هذه المعاني تتجلى واضحةً من خلال هذه المواقف:<br />
<br />
<br />
استدعى (المسيو سولنت) (باشمهندس) القنال، ورئيس قسم السكسيون الأخ حافظ ليصلح له بعض أدوات النجارة، في منزله، وسأله عما يطلب من أجر فقال 130 قرشًا، فقال المسيو سولنت بالعربي: "أنت حرامي".<br />
<br />
<br />
فتمالك الأخ نفسه، وقال له بكل هدوء: ولماذا؟<br />
<br />
فقال: لأنك تأخذ أكثر من حقك.<br />
<br />
فقال له: لن آخذ منك شيئًا، ومع ذلك فإنك تستطيع أن تسأل أحد المهندسين من مرؤوسيك، فإن رأى أنني طلبت أكثر من القدر المناسب، فإن عقوبتي أن أقوم بالعمل مجانًا، وإن رأى أنني طلبت ما يصح أن أطلب فأسامحك بالزيادة..<br />
<br />
<br />
واستدعى الرجل فعلاً مهندسًا وسأله فقدر أن العمل يستوجب 200 قرش، فعرفه المسيو سولنت، وأمر الأخ حافظ أن يبتدئ العمل.<br />
<br />
فقال له: سأفعل، ولكنك أهنتني، فعليك أن تعتذر، وأن تسحب كلمتك.<br />
<br />
<br />
فاستشاط الرجل غضبًا، وغلبه الطابع الفرنسي الحاد، وأخذته العزة بالإثم، وقال: تريد أن أعتذر لك، ومن أنت؟ لو كان الملك فؤاد نفسه ما اعتذرت له.<br />
<br />
<br />
فقال حافظ في هدوء أيضا: وهذه غلطة أخرى يا مسيو سولنت، فأنت في بلد الملك فؤاد، وكان أدب الضيافة، وعرفان الجميل يفرضان عليك، ألا تقول مثل هذا الكلام، وأنا لا أسمح لك أن تذكر اسمه إلا بكل أدب واحترام.<br />
<br />
<br />
فتركه وأخذ يمشي في البهو الفسيح، ويداه في جيب بنطلونه، ووضع حافظ عدته، وجلس على كرسي، واتكأ على منضدة وسادت فترة سكوت، لا يتخللها إلا وقع أقدام المسيو الثائر الحائر.<br />
<br />
<br />
وبعد قليل تقدم من حافظ، وقال له: افرض أنني لم أعتذر لك، فماذا تفعل؟ فقال الأمر هين سأكتب تقريرًا إلى قنصلكم هنا وإلى سفارتكم أولاً، ثم إلى مجلس إدارة قناة السويس بباريس، ثم الجرائد الفرنسية المحلية والأجنبية، ثم أترقب كل قادم من أعضاء هذا المجلس، فأشكوك إليه، فإذا لم أصل إلى حقي بعد ذلك ذلك استطعت أن أهينك في الشارع، وعلى ملأ من الناس، وأكون بذلك قد وصلت إلى ما أريد، ولا تنتظر أن أشكوك إلى الحكومة المصرية، التي قيدتموها بسلاسل الامتيازات الأجنبية الظالمة، ولكني لن أهدأ حتى أصل إلى حقي بأي طريق.<br />
<br />
<br />
فقال الرجل: يظهر أنني أتكلم مع "أفوكاتو لانجار" ألا تعلم أنني كبير المهندسين في قناة السويس، فكيف تتصور أن أعتذر لك.<br />
<br />
<br />
فقال حافظ: وألا تعلم أن قناة السويس في وطني لا وطنك، وأن مدة استيلائكم عليها مؤقتة، وستنتهي، ثم تعود إلينا، فتكون أنت وأمثالك موظفين عندنا، فكيف تتصور أن أدع حقي لك؟ وانصرف الرجل إلى مشيته الأولى.<br />
<br />
<br />
وبعد فترة عاد مرة ثانية، وعلى وجهه أمارات التأثر، وطرق المنضدة بيده في عنف مرات، وهو يقول: اعتذر يا حافظ سحبت كلمتي.<br />
<br />
<br />
فقام الأخ حافظ بكل هدوء، وقال: متشكر يا مسيو سولنت، وزاول عمله حتى أتمه.<br />
وبعد الانتهاء أعطاه المسيو سولنت 150 قرشًا، فأخذ 130 قرشًا، ورد له العشرين.<br />
<br />
<br />
فقال له: خذها "بقشيشًا" فقال: لا لا، حتى لا أخذ أكثر من حقي، فأكون "حرامي"، فدهش الرجل. وقال: إني مستغرب، لماذا لا يكون كل الصناع أولاد العرب مثلك؟ أنت "فاميلي محمد" فقال حافظ: يا مسيو "سولنت" كل المسلمين "فاميلي محمد" ولكن الكثير منهم عاشروا الخواجات وقلدوهم، ففسدت أخلاقهم، فلم يرد الرجل بأكثر من أن مد يده مصافحًا قائلاً: متشكر، متشكر، كتر خيرك، وفيها الإذن بالانصراف.<br />
<br />
<br />
<br />
== جزاء الأمانة ==<br />
<br />
وكان الأخ [[حسن مرسي]] يعمل عند الخواجة، "مانيو" ويخرج نموذجًا ممتازًا من صناديق الراديو، وكان الصندوق حينذاك يتكلف جنيهًا تقريبًا، فجاء أحد الخواجات من أصدقاء "مانيو" وساوم الأخ حسن على أن يصنع له بعض الصناديق بنصف القيمة، على ألا يخبر بذلك الخواجة "مانيو" فيستفيد حسن بالنصف الذي يأخذه، ويستفيد هذا الخواجة النصف الباقي.<br />
<br />
<br />
وكان مانيو يثق في الأخ ثقة تامة، وقد أسلم إليه كل ما في الدكان من خامات وأدوات. وأراد صديق "مانيو" أن يستغل هذه الثقة، ولكن الأخ حسن ألقى عليه درسًا قاسيًا في الأخلاق، وقال له: إن الإسلام وكل دين في الوجود يحرم الخيانة، فكيف بمن وثق فيّ هذه الثقة، وإني لأعجب أن تكون صديقه، ومن جنسه، ودينه، ومع ذلك تفكر في خيانته، وتحاول أن تحملني على مثل ذلك، يا هذا يجب أن تندم على هذا التفكير الخاطئ، وثق بأنني سوف لا أخبر الخواجة "مانيو" بعملك هذا، حتى لا أفسد صداقتكما، ولكن بشرط أن تعدني وعدًا صادقًا بألا تعود إلى مثل ذلك.<br />
<br />
<br />
ولكن هذا الخواجة كان سخيفًا، فقال له إذًا سأخبر الخواجة "مانيو" بأنك أنت الذي عرضت عليّ هذا العرض. وهو سيصدقني، ولا شك فإنه يثق بكلامي كل الثقة، وسيترتب على ذلك إخراجك من العمل، وفقدانك لهذه المنزلة التي تتمتع بها عنده، وخير لك أن تتفق معي، وتنفذ ما أريد، فغضب الأخ وقال له: افعل ما تشاء، وسيكون جزاؤك الخزي إن شاء الله، ونفذ الرجل وعيده وجاء "مانيو" يحقق في الأمر، فاكتسحت أضواء الحق ظلمات الباطل، وأخبره الأخ حسن بالأمر، ولم يشك الرجل أبدًا في صدقه، وطرد هذا الصديق الخائن، وقطع صلته به، وزاد في راتب الأخ جزاء أمانته.<br />
<br />
<br />
<br />
== جزاء من عف عن الحرام واعتصم بالله ==<br />
<br />
وهذا الأخ [[عبد العزيز غلام]] النبي الهندي الذي يعمل "ترزيًّا" في المعسكر الإنجليزي تدعوه زوجة أحد كبار الضباط لبعض الأعمال الخارجية بمهنته، لتنفرد به في المنزل، وتغريه بكل أنواع المغريات، فيعظها، وينصح لها، ثم يخوفها ويزجرها.<br />
<br />
<br />
فتهدد بعكس القضية تارةً وبتصويب المسدس إلى صدره تارةً أخرى، وهو مع ذلك لا يتزحزح عن موقفه قائلاً: إني أخاف الله رب العالمين.<br />
<br />
<br />
وكم كان جميلاً مضحكًا في وقت واحد أن توهمه في إصرار أنها قد قررت قتله، وستعتذر عن ذلك بأنه هاجمها في منزلها وهَمَّ بها، وتصوب المسدس إليه فيغمض عينيه، ويصرخ في يقين "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فتفاجئها الصيحة، ويسقط المسدس على الأرض، ويسقط في يديها، فلا ترى إلا أن تدفعه بكلتا يديها إلى الخارج، حيث ظل يعدو إلى دار الإخوان المسلمين.<br />
<br />
<br />
<br />
== الشهيد فرغلي في [[فلسطين]] ==<br />
<br />
'''كانت راحته في العمل وسعادته في الجهاد:'''<br />
<br />
نزل الأستاذ [[البنا]] بليل إلى الإسماعيلية أيام حرب فلسطين 1948. وقضى مع الشيخ فرغلي جزءًا من الليل. وكان الشهيد على وشك السفر إلى ميدان القتال.<br />
<br />
<br />
قال له الإمام [[البنا]]: ربما أمكنك السفر مع الفجر، وتقضي ليلك معنا، وفي صلاة الفجر، قالوا له لقد سافر الشيخ مبكرًا، وصار الإمام [[البنا]] يضرب بكف على كف، ويقول فرحًا: هكذا يكون الرجال المسلمون في مواضع المسئولية.<br />
<br />
<br />
لم يكن الشيخ فرغلي ليقضي ساعات، ظنها ساعات، بعيدًا عن ميدان الحرب في [[فلسطين]]، وهو المسئول عن أرواح المقاتلين، ولما كان فقهه من فقه الأولين ممن مضوا على الطريق، فكان لا بد أن يكون في مقدمة المحاربين. شاهرًا سلاحه، مشاركًا بدمه وروحه في سنة 1948 في حرب قامت على أرض [[فلسطين]]، حرب ضارية بين اليهود الذين تساندهم روسيا وأمريكا وفرنسا وإنجلترا، وبين العرب أصحاب الأرض وسكانها.<br />
<br />
<br />
وأعلن الأستاذ [[البنا]] أن تحرير [[فلسطين]] عن طريق المجاهدين المؤمنين، أقرب منه عن طريق الجيوش النظامية تحركها حكومات هزيلة، يحكم الاستعمار قبضته حول أعناقها، وطالب [[الإخوان المسلمون]] يؤمئذ حكومة النقراشي بفتح الطريق أمامهم إلى [[فلسطين]]، وإفساح المجال لهم في الداخل للتدريب والتسلح فرفضت، ورأى الإخوان أن يتسللوا في خفاء إلى [[فلسطين]]، فأحكمت الحكومة قبضتها على الحدود وعند القنطرة لمنعهم.<br />
<br />
<br />
وأحكم الإنجليز إغلاق حدود فلسطين ليمنعوهم من دخولها ومع ذلك تسلل الإخوان ملبين نداء ربهم مستخفين بكل العوائق والعقبات(2).<br />
<br />
<br />
'''ويقول الأستاذ [[كامل الشريف]]:'''<br />
<br />
لقد عرفت الشيخ فرغلي- أول ما عرفته- يوم كان يرافق المرشد الشهيد، في جولته على خطوط القنال في فلسطين، ثم توثقت عرى الأخوة حين عملنا سويًا، خلال الحملة الفلسطينية، فازددت له معرفة كما ازددت به إعجابًا.<br />
<br />
<br />
ولم يكن الشيخ فرغلي من ذلك النوع من شيوخ الدين الذين يتعلقون بالقشور، ويبحثون عن المناصب والمراكز، ولو كان كذلك لأعفى نفسه من المتاعب، ولأصاب من المراكز أقصى ما يريد، ولكنه كان مجاهدًا بحق، وحسبه، أنه ترك وظيفته وأهله، وذهب إلى فلسطين مع أول جماعة من المجاهدين(3).<br />
<br />
<br />
<br />
'''ويقول الضابط [[حسين حجازي]]:'''<br />
<br />
"بدأ المركز العام في جمع شعب وفروع الإخوان بالقاهرة والأقاليم للتدريب على القتال، وبدأ تسلل أول فوج بعد تدريبه إلى صحراء النقب، وقد عمل هذا الفوج بقيادة الأخ المجاهد كامل الشريف، والشيخ/ [[محمد فرغلي]]"(4).<br />
<br />
<br />
<br />
== دور الشهيد فرغلي في معركة القنال ==<br />
<br />
وحين نشبت معركة القنال ترك أهله مرةً أخرى، واندمج بكليته في المعركة، ولم يكن أيضًا (درويشًا ساذجًا) يعالج قضايا الجهاد من زاوية عاطفية، بل كان سياسيًّا، ذا عقلية منظمة، كما كان صاحب شخصية مسيطرة تملأ نفوس من معه بالأمل والثقة، وتشعرهم بأنهم يسيرون خلف قائد قدير عظم الخبرة(5).<br />
<br />
<br />
وفي 1951 ألغت الحكومة المصرية معاهدة 1936. وقابل الإنجليز الأمر باستخفاف، وعلى طول البلاد وعرضها اتبع رجال الأحزاب المصرية وزعماؤها الأمر بالخطب والبيانات إلا الشيخ فرغلي ومن معه، فقد نزلوا إلى المعركة بعزم وصدق، وجلد وخبرة. وأعلن تشرشل في لندن أن عنصرًا جديدًا قد نزل إلى ساحة المعركة.<br />
<br />
<br />
وعلى أرض القنال، وفي معسكرات التل الكبير، ووسط ثكنات المستعمرين في بور سعيد والإسماعيلية والسويس، دارت رحى الجهاد وفاضت أرواح وسالت دماء، وتأكد لدى الإنجليز أن مقامهم في مصر لن يطول.<br />
<br />
<br />
ولم يكن الشيخ فرغلي مجهولاً عند الإنجليز، ومواقفه في الإسماعيلية مشهورة ومعروفة، كم أنذروا رجال الحكومة، وكم نزلوا شوارع المدينة، متحدين عابثين، ووقف رجال الحكومات عاجزين، إلا الشيخ فرغلي، واجه صلف المستعمر بصفعه، وقابل غروره بالسلاح.<br />
<br />
<br />
أنذر قائد قوات الاحتلال يومًا المحافظ وأنزل إلى الشوارع جنوده ومصفحاته، وتوجه الشيخ فرغلي إلى المحافظ في عربة جيب، وفي زيه الأزهري ومعه سلاحه، لينذر المنذرين بضرورة الانسحاب، وليساند رجال الحكومة في موقفهم، وليشد من أزرهم، وانسحب الإنجليز بالفعل من شوارع الإسماعيلية، وسحبوا إنذارهم(6).<br />
<br />
<br />
'''وعن جهده في القنال يقول الأستاذ كامل الشريف:'''<br />
<br />
وفي الإسماعيلية كانت تقوم أقوى تشكيلاتنا السرية، كما توجد القيادة الإدارية الرئيسة لمنطقة القناة ويرأسها داعية محنك عظيم الخبرة هو المرحوم الشيخ (محمد فرغلي) كما يساعده مغامر جسور هو ([[يوسف طلعت]])، وعدد كبير من الشباب الواعي المنبث في مختلف الفئات، والطوائف المهنية(7).<br />
<br />
<br />
وكان للإسماعيلية شبكة للمعلومات من أقدم الشبكات وأقواها، كما كان يعمل فيها عدد من المحترفين والمتفرغين الذين لا عمل لهم، إلا متابعة النشاط البريطاني، وملاحقة العملاء المصريين، والأجانب الذين يعملون لحسابه، وكانت تدور معركة حفية بين هذا الجهاز، وقلم المخابرات البريطاني، وتظهر هذه المعركة أحيانًا على السطح في اشتباكات متفرقة هنا وهناك.<br />
<br />
<br />
وكان الإنجليز لا يجهلون خطر هذه الجماعة وبأسها، فكانوا يراقبون الشيخ فرغلي مراقبةً دائمةً، وكان منظرًا مألوفًا، أن يرى هذا الرجل الوقور في شوارع الإسماعيلية بلباسه الديني المبتكر، وعمامته البيضاء الأنيقة، يتابعه عميل بريطاني حيثما سار(8).<br />
<br />
<br />
وخسر الإنجليز في معارك القنال الكثير؛ قطعت مواصلاتهم، وهوجمت معسكراتهم، وقتل جنودهم، فرصدوا ألوف الجنيهات لمن يأتي بالشيخ فرغلي حيًّا أو ميتًا. وفي سنة 1954 بدت نذر القطيعة، وتأزمت الأمور، وتلبد الجو، ووسط أساليب الإغراء وصور التهديد، وقف الشيخ الشهيد صامدًا لا يلين، قويًّا لا يحيد، ثابتًا لا يتزعزع، رابط الجأش لا يخشى، في عزم المجاهدين وصلابة الأولين، أعرض عن الدنيا بمنافعها ومفاتنها، وكانت تحت قدميه، ورفع رأسه شامخًا، فلم يقبل في دينه الدنيةَ، وبقيت منزلته عند إخوانه كريمةً نقيةً، وصورته في أذهان الآخرين مبعث الخطر، ومكمن الخشية، كانت صفحاته على أرض فلسطين وعلى أرض القنال، وفي ميدان الدعوة ملؤها الشرف والفخار، وكانت صفحاته وهو بين أيادي الجلادين والطغاة، في غياهب السجن الحربي ملؤها الصبر والاحتمال والاحتساب. صبر المؤمنين، واحتمال المجاهدين، واحتساب المخلصين(9).<br />
<br />
<br />
== موقف مشرف ==<br />
<br />
وكان الشيخ فرغلي من ذلك الصنف الذي يفرض عليك- رغم تواضعه الشديد وأدبه الجم- أن تحترمه وتقدره، وكان مفتاح شخصيته هو "الترفع" عن الصغائر، والترفع عن الخصومات، والترفع عن كل ما يشين.<br />
<br />
<br />
وكان شديد الحرص على سمعة الدعوة ونظمها، غيورًا إلى أبعد الحدود على هيبتها وكرامتها، ومما يروى عنه في ذلك أنه بعد نجاح الانقلاب العسكري، وتأليف وزارة محمد نجيب الأولى عُقد اجتماع في مكتب البكباشي جمال عبد الناصر، وكان وزيرًا للداخلية في تلك الوزارة، كما حضر معه عن رجال الانقلاب- كما أذكر (القائل هو كامل الشريف)، كمال الدين حسين، وصلاح سالم، وعبد الحكيم عامر، وكنا الشيخ فرغلي وأنا نمثل الإخوان في محاولة من تلك المحاولات التي بذلت لتحديد الخلافات بين [[الإخوان]]، وحكومة الانقلاب ووضع حلول لها، ويبدو أنهم أرادوا أن يوقعوا بين الشيخ والمرشد العام، وأن يكسبوه في صفهم، وكانوا كثيرًا ما يفعلون ذلك مع بعض أقطاب الجماعة، فأخذوا يمتدحون الشيخ ويذكرون له مواقفه العظيمة في فلسطين، ثم أخذوا ينالون من شخص المرشد العام، ويتحاملون عليه، غير أن الشيخ فرغلي قطع عليهم الحديث، وقال غاضبا: "يجب أن تدركوا أن هذا الذي تتحدثون عنه هو زعيمنا، وقائد جماعتنا، وإنني أعتبر حديثكم هذا، إهانةً للجماعة كلها، ولشخصي بصفة خاصة، وإذا كان هذا هو أسلوبكم في تسوية الخلاف، فإنكم لن تصلوا لشيء إلا زيادة هذا الخلاف".<br />
<br />
<br />
وكان هذا القول كافيًا لإقناعهم أنهم أمام رجل صلب العود، قوي الشكيمة، فانصرفوا بالحديث إلى جهة أخرى(10).<br />
<br />
<br />
== [[عبد الناصر]] يلوح بإسناد مشيخة [[الأزهر]] لفرغلي ==<br />
<br />
'''لقاء في منزل عبد الناصر:'''<br />
<br />
يقول المرشد الراحل فضيلة الأستاذ [[محمد حامد أبو النصر]]:<br />
<br />
الشيخ محمد فرغلي و[[جمال عبد الناصر]] والأستاذ [[محمد حامد أبو النصر]]<br />
<br />
<br />
"وكان من بواكير اللقاءات التي تمت هي دعوة الضابط عبد الناصر قائد الحركة لفضيلة الشيخ محمد فرغلي، ومعه (الشاهد على الطريق) محمد حامد أبو النصر لتناول الإفطار في منزله بمنشية البكري، وفي الساعة السادسة صباحًا الميعاد المحدد لهذا اللقاء- توجهنا إلى منزله فوجدناه في انتظارنا في حجرة الاستقبال، وبعد قليل جلس ثلاثتنا حول مائدة صغيرة أعدت بإفطار مبسط عادي، وأذكر أن دارت بيننا أحاديث بدأها الضابط عبد الناصر- من أهمها:<br />
<br />
<br />
- العمل على إزالة آثار العوائق التي وقعت بين قيادة [[الإخوان]] وقيادة الحركة، كما كانت مسألة إصلاح الأزهر الشريف منار الإسلام، وما يجب أن يكون عليه من كفاءة حتى يؤدي رسالته، وهنا لوح الضابط عبد الناصر بإشارات خفيفة حول إسناد مشيخة الأزهر لفضيلة الشيخ فرغلي، كما تناول الحديث إرسال بعثات إسلامية من [[الإخوان المسلمين]] إلى جنوب أفريقيا لحاجة شعوبها إلى الإسلام، وقد لاحظت على هذا اللقاء أمرين:<br />
<br />
أحدهما: أن الدعوة كانت موجهةً لفضيلة الشيخ فرغلي ولي على اعتبار أننا جميعًا من أبناء محافظة أسيوط- وبهذا كان يريد الضابط عبد الناصر بدعوته لنا هو استقطاب إخوان أسيوط حوله.<br />
وهذه صورة أقل ما يقال عنها إنها نعرة قبلية جاهلية..<br />
<br />
<br />
والآخر: هو عندما طلبت دخول دورة المياه لقضاء بعض حاجتي، وأثناء خروجي، وبينما كنت أتوضأ، لاحظت الضابط عبد الناصر يدخل الدورة ويفتشها بدقة، وهذا أمر كان له وقع سيئ على نفسي إذ ظن أنني أخفيت له شيئًا ما، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ريبته في الإخوان، وسوء ظنه بهم.<br />
<br />
<br />
ولما انتهت الزيارة، وركبت مع أخي فضيلة الشيخ فرغلي السيارة، ذكرت له هذه الواقعة الأخيرة، فضحك كثيرًا، وقال معلقا: "أصلك أنت راجل عظيم يا عم"، وأخذ يكرر هذه العبارة، ونحن نتبادل التعليق والضحك والأسف الشديد.<br />
<br />
<br />
ومما يذكر أن هذه الواقعة لم أذكرها لأحد في حينها، ولا يعلم بها سوى فضيلة الشيخ فرغلي، والدافع لهذا الكتمان هو تهيئة الجو لتوثيق الرابطة وجمع الشمل.<br />
<br />
<br />
ومما هو جدير بالذكر أنه رغم وجود الروابط التي كانت تربطنا بالضابط عبد الناصر، وأولاها: رابطة الإخوة في جماعة الإخوان المسلمين، وثانيها: رابطة الانتماء إلى أسيوط حيث الموطن الذي يجمعنا، وثالثها: "رابطة الاجتماع على طعام واحد (العيش والملح).<br />
<br />
<br />
<br />
ورغم هذه الروابط الثلاث القوية فقد حفظها الضابط عبد الناصر، ورعاها فأعدم فضيلة الشيخ فرغلي شنقًا- وحكم عليّ بالأشغال الشاقة المؤبدة".<br />
<br />
<br />
<br />
== المكتب يجتمع في ظل الإرهاب ويضم إليه أعضاء بالإكراه ==<br />
<br />
وفي هذا الجو الصاخب طلب الدكتور [[خميس حميدة]]، عقد اجتماع المكتب، فاجتمع الإخوة الأستاذ [[عبد القادر عودة ]]، وفضيلة الشيخ محمد فرغلي، وفضيلة الشيخ [[أحمد شريت]]، والأستاذ [[عمر التلمساني]]، والأستاذ [[عبد الرحمن البنا]]، والأستاذ [[صالح أبو رقيق]]، والشيخ [[عبد المعز عبد الستار]]، ومحمد [[حامد أبو النصر]] (الشاهد على الطريق).<br />
<br />
<br />
والعجيب أنه من الطبيعي أن يجتمع المكتب بأعضائه فقط، لكن الذي حدث أنه- كان معنا في هذا الاجتماع الحاج محمد جودة، والمهندس عبد السلام فهمي، والأستاذ حملي نور الدين، واقترح ضم الموجودين للمكتب، وكان هذا الإجراء غير قانوني، لكن المسألة كانت مدبرة، وقصد بها تحويل سياسة الجماعة لتحقيق أهداف الحكومة، وقع كل هذا تحت ظروف الضغط والإكراه، وقبل أن ينتهي الاجتماع اقترح الحاج محمد جودة إصدار بيان من المكتب بتأييد الاتفاقية، كما اقترح عودة الإخوان المفصولين إلى صفوف الجماعة، فما كان من الأستاذ الشهيد عبد القادر عودة إلا أن ثار، وقال بصوت مرتفع: "والله لا نقرر شيئًا الآن، هي إملاء شروط والا إيه"، وانتهى الاجتماع عند هذا الحد، وأثناء خروجنا من الاجتماع انتحي بي الأخ الأستاذ عبد القادرة عودة، ناحية وأسر إلي كلامًا: "عندي إحساس أنني لن أقابلك مرة أخرى، فربما أعتقل الليلة أو باكر، وقد أوصاني فضيلة المرشد أن أسلمك ما عندي من أوراق خاصة بالجماعة"، فذهبت معه إلى مكتبه، وطلب من الأخ الأستاذ إبراهيم الطيب، أن يسلمني الأوراق، وتسلمتها منه، ثم غادرنا المكتب بعد ذلك حيث زرنا سويًّا الأخ المرحوم الأستاذ منير دلة في منزله، وقصَّ عليه ما حدث في جلسة المكتب الأخيرة، ثم زرنا فضيلة الشيخ محمد فرغلي في شقته، فذكر له إحساسه فرد عليه فضيلة الشيخ فرغلي: "وأنا سألحق بك إن شاء الله.." هكذا كانت أحاسيس القلوب الشفافة التي ترى بنور الله.<br />
<br />
<br />
وقد صدق إحساسهما فلم أقابلهما بعدها.<br />
<br />
ففي المساء اعتقل الأستاذ عبد القادر عودة، وفي صباح يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 1954 استدعينا ووضع الكلابش في أيدينا وتوجهنا في حراسة مشددة إلى مبنى المحكمة لسماع الحكم، وكان في مقدمتنا فضيلة المرشد الأستاذ حسن الهضيبي، وهناك وضعنا في حجرتين كل في مقعد ونودي على الشهداء: عبد القادر عودة- والشيخ محمد فرغلي- وإبراهيم الطيب- ويوسف طلعت- هنداوي دوير- ومحمد عبد اللطيف.<br />
<br />
<br />
وحكم على هذه المجموعة الأولى بالإعدام شنقًا.<br />
<br />
ثم نودي على الأساتذة: فضيلة المرشد[[ حسن الهضيبي]]- الذي استبدل حكمه من الإعدام إلى المؤبد- و[[عبد العزيز عطية]]- والدكتور [[كمال خليفة]]- والدكتور حسين كمال الدين- [[ومنير أمين دلة]]- وصالح أبو رقيق- ومحمد حامد أبو النصر (الشاهد على الأحداث)، وحكم على هذه المجموعة الثانية بالأشغال الشاقة المؤبدة.<br />
<br />
<br />
وفي ديسمبر سنة 1954 وقف الشيخ الشهيد أمام حبل المشنقة باسمًا في إقدام، فرحًا في إيمان، ساعيًا إلى شوق، مرددًا مثل من سبقوه وهم يمضون على الطريق: "إنني لمستعد للموت، فمرحبًا بلقاء الله". وصدق الله العظيم ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب)(11).<br />
<br />
<br />
'''مضى الشيخ في طريقه إلى ربه يحكي سيرة المجاهدين على لسان من قال:'''<br />
<br />
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي<br />
<br />
مضى فقيرًا لا يملك شروى نقير، ولكن قلبه كان وافر الثراء، مفضلاً ما عند الله فهو خير من كل ثراء، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (القصص: من الآية 60)(12)، رحل عفيفًا زاهدًا، كريمًا، عزيزًا، رابط الجأش، ثابت الجنان، صافي الوجدان، ومهما قيل من كلمات أو سطر من صفحات فلن تفي الشيخ حق الوفاء(13).<br />
<br />
<br />
<br />
== وفي مقتله يقول الأستاذ [[كامل الشريف]] ==<br />
<br />
ولقد قتل الشيخ فرغلي بعد ذلك بأيدٍ مصرية، ولعل الذين استباحوا دمه، أرادوا أن يبعدوه عن طريق مجدهم، ولو أدركوا أنهم صنعوا منه شهيدًا خالدًا، وأقاموا منه مثالاً حيًّا سيظل يهيب بالجموع الكثيرة من [[الإخوان]]، ومن طلاب الحق، ليكافحوا الباطل حيثما وجدوه، ولو أدركوا أنهم وضعوا بفعلتهم هذه اسمًا جديدًا في قائمة الأسماء اللامعة من شيوخ الإسلام المجاهدين من أمثال: ابن تيمية، وسعيد بن جبير، وعمر المختار، و[[حسن البنا]]، ولو أنهم أدركوا ذلك كله، لربما ترددوا كثيرًا في قتله رحمه الله (14).<br />
<br />
<br />
== بعض مقالات الشيخ فرغلي ==<br />
<br />
'''(1) محمد رسول الله'''<br />
<br />
لقد كان العالم في اضمحلالٍ شديد، يتردى في هوة بعيدة الغور، يحيط به عوامل قتَّالة من الظلم والبغي والفجور، فبعث الله جلت قدرته رسوله محمدًا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى فتفتحت أعين عمياء، وانفتقت آذان صماء، وزال عن القلوب ذلك الران الذي أحاط بها فحجبها عن النور.<br />
<br />
<br />
ولقد كان رسول الله أعظم إنسان نهض بالعالم وأحسن إليه فحوَّل مجرى الظلم ووجهَ الإنسانية إلى ناحية الخير والنفع والإصلاح، واستطاع بما وهبه له الله من سدادٍ وحكمة أن يؤلف بين قلوب نافرة ونفوس ثائرة وعقائد منكرة وأخلاق فاجرة، فجعل من كل ذلك وحدةً صالحة تحيا بروح واحدة، وتعمل لغاية واحدة، وتتجه اتجاها سليمًا منتجًا، مؤمنة بالدين القيم.<br />
<br />
<br />
ولم يمض على رسالته بضع عشرة سنة حتى رأينا مجموعة قيمة من رجال العرب قد تآلفت قلوبهم وارتبطت برباط الأخوة الطيبة، وتناسوا ماضيهم السيئ ودفنوا الأحقاد وانطلقوا- وهم على قلب رجل واحد- يُعلون كلمة الله وينصرون رسل الله، ويقيمون ميزان الحق والعدل والإنصاف.<br />
<br />
<br />
ولم يمض عليهم قرن ونصف قرن من الزمان حتى ملكوا زمام الأرض، وأزالوا عنها دولتين عظيمتين جبارتين دولتي الفرس والروم، فكانت هذه حقًا معجزة الإسلام التي وقفت أمامها عقول علماء أوروبا من المؤرخين والباحثين، ووقفوا أمامها حائرين مندهشين لهذا الفتح الذي لم يكن يتصوره عقل إنسان يعرف سُنن الحياة ونظام الكون.<br />
<br />
<br />
فذهبوا يعللون ذلك بما وصلت إليه معرفتهم وعلى قدر حظهم من التفكير والاجتهاد، وقد وقعوا في أخطاء كثيرة؛ لأنهم لم يتذوقوا روح الإسلام العظيم ولم يسعدوا بهدايته التي هي موضع السر في ذلك النصر قرن ونصف قرن من الزمان.<br />
<br />
فترة لا تُذكر في حياة الأمم وتكوين الدولة العظيمة السائدة في ماضي الزمن، يوم كانت الجيوش تسير على الأرجل، ويوم كان النصر لليد والسيف والفرس، لكن هذه الفترة كانت في الإسلام شيئًا آخر فوق العقل وفوق نظم الكون في مائة وخمسن سنة.<br />
<br />
<br />
قامت العدالة في قلب جزيرة العرب وامتدت حتى وصلت بلاد المغرب وأطراف أوروبا، وسارت إلى الشرق حتى تغلغلت في جوف آسيا إلى أن بلغت الصين وانسابت إلى الجنوب، فأخذت بناصية الهند وملكت الهداية المحمدية قلوبَ أهل هذه الأمم والشعوب على ما بينها من اختلاف بعيد في الأصل واللغة والعقيدة، وصار الجميع يقولون بلسان عربي مبين لا إله إلا الله محمد رسول الله.<br />
<br />
<br />
وراح الداعي ينادي في جميع هذه الأرجاء المتنائية بصوتٍ واحد في وقت واحد صارخًا من أعماق قلبه فوق عالي المنائر: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنَّ محمدًا رسول الله.<br />
<br />
<br />
يالها من صرخات خالدة وأصوات طيبة كريمة تطرق سمع المسلم فيحنو لها ويطرب وتطمئن نفسه ويلين قلبه، فينطلق لسانه مرددًا هذا الهتاف الجميل، وذلك النداء القدسي: الله أكبر الله أكبر: في مائة وخمسين سنة قامت دولة الإسلام باسطة يدها فيها على أعمر بقاع الأرض وأخصبها، باسطةً نفوذها على الأمم ذات التاريخ الخالد، ووقفت تُملي كلمتها على العالم أجمع في رحمة ومودة تبغي الهدى والرضا والأمان، وكان كل هذا أثرًا لجهاد رجل واحد هو محمد رسول الله.<br />
<br />
<br />
وحياة تنتج هذا الإنتاج العجيب المدهش واجب أن تُعرف، وأن يُعنى بدراستها عناية فائقة، وأن تؤلف الكتب والرسائل في البحث عن حقيقة هذه الذات الكريمة.<br />
<br />
<br />
ولقد قام عدد عظيم وكثير من علماء أوروبا بدراسة الإسلام ورسول الإسلام، ومن قرن واحد مضى وضعوا آلاف المجلدات، وكتبوا آلاف الرسائل في تاريخ الإسلام ورسول الإسلام، لكن هذه المؤلفات على ما بذلوا فيها من جهد عظيم فائق، وعلى ما وصلوا إليه من حقائق غاية في الدهشة، وعلى ما بلغوا من الإبداع في جمال الأساليب ويُسْرها وانتحال الطرق العلمية التحليلية التي ترد النتائج إلى الأصول باحثةً في العلل والأسباب ومستخرجة نتائج قيمة ثابتة تعسر على الباحث السطحي، مع كل هذا ومع ما بذل المستشرقون من صبر وتضحية وتعاون في الكتابة عن الإسلام ورسول الإسلام فإنهم لم يصلوا إلى سرِّ هذه العظمة الجبارة والنقطة الحساسة في حياة الإسلام ورسول الإسلام.<br />
<br />
<br />
ذلك أنهم لم تحل في قلوبهم روحانية الإسلام التي تطبع القلب بطابع عجيب، وتسكب على الروح نورًا وجلالاً وقوةً، وإنني لا أبخسهم حقهم، فلقد خدموا التاريخ الإسلامي والعلوم الإسلامية خدمةً عظيمة لم تخل من الدخل، وبلغوا في ذلك مبلغًا لا يسعنا إلا أن نعترف به وأن نقدره قدره.<br />
<br />
<br />
ولقد سلكوا في التأليف مسلكًا جديرًا بالاعتراف والعناية، والذي نأسف له جدَّ الأسف أنَّ علماء الإسلام لم يعملوا في هذه الفترة المملوءة بالإنتاج العجيب من علماء أوروبا، لم يعملوا لخدمة تاريخ الإسلام ورسول الإسلام شيئًا يُذكر، فبينما تعد للمستشرقين مئات الكتب في الإسلام لا تجد ما تعده على أصابع اليد الواحدة من مؤلفات علماء الإسلام في هذا العصر، وكان هذا باعثًا لبعض كبار الكتاب من رجال السياسة والأدب إلى الكتابة في هذا الشأن، وإنني أذكر لهم عملهم بالإعجاب والتقدير.<br />
<br />
<br />
وبعد كل هذا لم يتحرك كبار علماء الإسلام من رجال الدين الذين ينعمون في ظل الإسلام بما تتطاول إليه الأعناق، لم يتحرك كبار علماء الإسلام إلى أداء هذا الحق، ولم يجاروا أعداء الإسلام في نشر تاريخه والدعوة إليه وبيان ما قدمه للإنسانية من علم وإصلاح وسعادة.<br />
<br />
<br />
ولست أريدُ أن أشدد النكير على رجال الأزهر ولا أحب أن أفتح لهم باب الجدل مع طائفة من طوائف الأمة، ولكن الحق يجب أن يقال وإن كان مرًّا، ولكن الدواء الذي يتخلل مجاري الدم وأسباب الحياة يجب أن يُعرف وأن يُوصف حتى لا يستشري الداء فيعز الدواء، ويقع البأس وينقطع الرجاء، وفي كل هذا ما يدعوني إلى أن أكتب فى سيرة الرسول الأعظم محمد؛ قيامًا بواجبي كمسلم وقيامًا بواجب علماء الإسلام لتاريخ الإسلام ورسول الإسلام، وإني أستعين الله جلت قدرته وعظمت نعمته أن يهبني قدرة وسدادًا وتوفيقًا".<br />
<br />
<br />
<br />
'''(2)الشرق والغرب''' <br />
<br />
'''تحديد'''<br />
<br />
أريد أن أحدد مقصدي من الحديث عن الشرق والغرب، في ذلك النزاع القائم بين الشرق الإسلامي الممتد على طول ساحل البحر الأبيض جنوبًا وشرقًا، ويشمل تركيا وسوريا ومصر وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش، والذى يحيط بالبحر الأحمر شرقًا وغربًا، ويشمل الجزيرة العربية ووادي النيل، والذي ينساب في قلب آسيا فينظم إيران والأفغان وتركستان.<br />
<br />
<br />
هذا الشرق الإسلامي الذي حددناه لك هو الذي نُريد أن نتحدث عن النزاع القائم بينه وبين أوروبا المسيحية التي يحتل علمها دول أربع هي إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وهي تحل بالجانب الغربي في سلسلة تبدأ بإيطاليا وتتصل بفرنسا وإسبانيا وتنتهي بالجزيرة البريطانية.<br />
<br />
<br />
وإنك لتجد أن هذه الشعوب الشرقية الإسلامية التي ذكرنا تضم عنصرين كبيرين حملاً الراية الإسلامية في عصورها الماضية بالتعاقب، فكانت في يد العرب وكانوا أحق بها وأهلها فرفعوها عالية خافقة عزيزة جبارة، وأحاطوها بأرواح غالية ونفوس زاكية، وسفكوا في سبيل سيادتها دماء كافرة، وبذلوا من دمهم الزكي دمًا مؤمنًا، وافتتحوا ديوان الفداء وأكبّوا على ميدان الجهاد يمدونه بالشهداء حتى علت كلمة الله، ثم جاء العنصر التركي الشجاع الأبي مسلمًا فائرًا فتسلم الراية حتى آخر عهدها ثم ألقاها.<br />
<br />
<br />
'''أين الراية؟'''<br />
<br />
والآن لا ندري بيد مَن راية الإسلام؛ فقد مزقها الاتحاد الغربي بأوروبا المسيحية، ثم قامت الأشبال المسلمة في أنحاء الشرق الإسلامي المترامي الأطراف تبحث عن أشلاء هذه الراية، وفي النفس حسرات وفي طويات القلب سعير، حتى عثروا على أوصال ممزقة كاسفة لا تستطيع أن تُسمي شيئًا منها راية الإسلام، لكن الأشبال قد شغلوا بهذه الأوصال، وشغلوا بأنفسهم عن طلب الراية، وضاقت بهم الأرض من الضعف، ومن ضغط الاتحاد الغربي لأوروبا المسيحية ذلك الذي يريد أن يقضي على الشبح المخيف والخطر الداهم الذي يتمثلونه في الدين الإسلامي، فهم لا يُريدون أن ترفع له راية، ولا يريدون أن يسمع له صوت دائبين على ذلك يصلون الليل بالنهار جاهدين لا يفترون.<br />
<br />
<br />
'''الاستعمار'''<br />
<br />
ولقد أغارت دول الاتحاد المسيحي لأوروبا الغربية على الشرق الإسلامي فأحاطوا به إحاطة شاملة ودخلوه من أقطاره، ووصلوا منه إلى قرارة الدار ومستوطن الأسرار حتى صاروا أعلم به من أهله، وأعرف به من ساكنيه، ففتحوا على الشرق الإسلامي بابَ الأخطار وألبسوه ثوبًا ضافيًا من أليم العار، عارٌ لا يُمحى ولا يمكن أن يُنسى حتى يخرج من الشرق الإسلامي آخر جندي من جنود الاستعمار.<br />
<br />
<br />
فمتى يرتفع ذلك الكابوس الضاغط على قلوبنا- الجراح لعزتنا والوخاز في أفئدتنا، ومتى يطهر جو الشرق المؤمن الطاهر الذي تتنزل فيه كلمات الله ودبَّت فيه أقدام الملائكة الأبرار، وانبعث منه الطيبون الأخيار من الأنبياء والمرسلين، وشبَّت فيه أديان تصدع بالحق وتُعلي كلمة الله باعثة في الناس روح الأمان والرضا والسلام؟ متى يطهر ذلك الجو- جو الشرق الرحيم الهادئ الكريم؟<br />
<br />
<br />
متى يطهر ذلك الجو من أنفاس أولئك الذين يتجبرون على أهل السلام، ويتحكمون في رقاب أسياد الماضي وحكام الغابر؟ لقد سمَّموا الأجواء الطاهرة حتى إننا لنشعر بضيق أنفاسنا وتقلص قلوبنا ونفرة أرواحنا.<br />
<br />
<br />
<br />
'''الحرية'''<br />
<br />
ومتى نستنشق عبير الحرية صافيًا، ونشم ريح العزة رائعًا، ونرفع رؤوسنا إلى سمائنا فنراها ترسل علينا أشعتها ونورها دون أن يحول بيننا وبينها ذلك الغبار القاتم والدخان الفاحم الذي ينبعث من أنفاس الاغتصاب.<br />
<br />
<br />
'''يوم العزة'''<br />
<br />
يا يوم العزة متى تحلّ بتلك الديار التي بعد عهدك بها، وطال نأيك عنها بعد أن نشأت فيها ودرجت منها؟.. يا يوم العزة والكرامة متى تأوي إلى ديارنا؟ ومتى تنزل بأرضنا؟ إنك إن أتيتنا ولا غائب عندنا أعز منك إذًا لفديناك بأرواحنا ودافعنا عنك بمجدنا، وإذًا لحقٌّ لنا أن نعتز بك وأن نفرح بعد طول الغياب، وبعد طول الأسى والعذاب، حتى ذلك اليوم أما أعداؤنا فإنهم يرونه بعيدًا وأما نحن فنراه قريبًا.<br />
<br />
<br />
نعم نراه قريبًا يوم أن تسودَ دعوتنا، ويفهم الناس فكرتنا، ويتجمع المؤمنون حول رايتنا، راية الإسلام يفدونها بأموالهم وأنفسهم ويجودون في سبيلها بالأموال والمُهج، يوم يعرف جند الإسلام حقيقة الإسلام، ويوم يفهم رجال الإيمان حقيقةَ الإيمان، يوم تقوم أسود الله من مرابضها فتكسر الحديد وتفك القيود، ثم تزأر بصوتٍ جبار قاهر يقتلع بذور اليأس، ويقتل بذور الضعف، فتحيي ميتَ الهمم وتبعث ماضي العزم، ثم تصرخ من الأعماق إلى الأعماق أصواتًا داوية تملأ الطباق:<br />
<br />
<br />
"نحن فداء الإسلام.. نحن فداء الإسلام، وها قد بُعثنا نسترد مجدنا ونستعيد عزنا، وها قد خرجنا نغسل العار، ونمحو أساطير الذل بجبار عزائمنا.. الجهاد طريقنا، وراية الإسلام رايتنا، وأعداء الإسلام أعداؤها، نصب عليهم لهيب غضبنا، ونستنزل عليهم لعنة من ربنا.<br />
<br />
<br />
ها نحن قد خرجنا، ولن نعود حتى يكون الدين كله لله، وحتى تكون كلمة الله هى العليا.. ها نحن قد خرجنا ولن يعود منا إلا شهيد أو سعيد، فأما شهداؤنا فأحياء عند ربهم يرزقون، وأما سعداؤنا فسيحملون بشرى إلى المخلفين بالديار أن قد زال العار، ومضى العدو الجبار حيث لارجعةَ له.. ها نحن قد خرجنا أبرارًا ولن نعود إلا أطهارًا"<br />
<br />
<br />
==المراجع==<br />
<br />
(1) مجلة الدعوة المصرية، السنة الأولى، العدد 3.<br />
<br />
(2) مجلة الدعوة المصرية، السنة الأولى، عدد 3.<br />
<br />
(3) المقاومة السرية في قناة السويس، كامل الشريف، ص 50 - 51 بتصرف.<br />
<br />
(4) جماعة افتدت أمة، حسين حجازي، ص 73.<br />
<br />
(5) المقاومة السرية في القناة، كامل الشريف، ص50.<br />
<br />
(6) الدعوة المصرية، السنة الأولى، عدد 3.<br />
<br />
(7) لعل هذا هو السر في الحكم عليهما بالإعدام في الثورة المباركة.<br />
<br />
(8) المقاومة السرية، ص 48.<br />
<br />
(9) مجلة الدعوة المصرية، السنة الأولى، عدد 3.<br />
<br />
(10) المقاومة السرية، ص 49، 50.<br />
<br />
(11) سورة الأحزاب، الآية 23.<br />
<br />
(12) سورة القصص، الآية60 .<br />
<br />
(13) مجلة الدعوة المصرية، السنة الأولى، عدد 3.<br />
<br />
(14) المقاومة السرية في قناة السويس، كامل الشريف، ص 50.<br />
<br />
<br />
== المصدر ==<br />
<br />
*إخوان اون لاين<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83_-_%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%87_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87&diff=643056محمد المبارك - رحمه الله2012-02-20T13:47:45Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''محمد المبارك - رحمه الله'''<br />
<br />
ولد الأستاذ محمد عبد القادر المبارك في دمشق عام 1912م ، في حي قريب من الجامع الأموي ، وكان لذلك القرب أثره فيه ، حيث كان يتردد مع أقرانه إلى المسجد الأموي باستمرار للصلاة ولحضور الدروس الدينية التي كانت لها حلقات بعد الصلوات الخمس .<br />
<br />
كان والده الشيخ عبد القادر المبارك عالماً مشهوراً في دمشق ، حيث كان أعجوبة في حفظ مفردات اللغة وغريبها ، وكان من أعضاء اللجنة التي أُلِّفَت في عهد الملك فيصل الأول لتعريب المصطلحات العسكرية ، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق ، وشارك في وضع كثير من المصطلحات ، كلفظ " الهاتف " الذي هو من وضعه بدل كلمة " تليفون " . وكانت دار والده مقصداً للعلماء الوافدين من بلاد الشام والعرب كافّة ، وكان الأستاذ محمد المبارك دائم الحضور لتلك اللقاءات والندوات مما وسّع آفاقه منذ الصغر .<br />
<br />
درس الأستاذ محمد المبارك في المدارس النظامية الحكومية ، وفي المدراس القديمة على الشيوخ وفي الحلقات . وكان من المتفوقين في دراسته ، خاصّة في اللغة العربية والرياضيات واللغة الفرنسية . حصل على الشهادة الثانوية في القسم العلمي عام 1932م . ولما كان متفوقاً في اللغة العربية فقد اختار دراستها في مدرسة الآداب العليا ( كلية الآداب ) ، بالاضافة لدراسة الحقوق ، وتخرج فيهما عام 1935م .<br />
<br />
وكان خلال دراسته في المدارس النظامية يدرس في الصباح الباكر ، وفي المساء وفي الإجازة الصيفية على شيخ علماء الشام في عصره المحدّث الشيخ محمد بدر الدين الحسني ، وكان من أوسع أهل زمانه اطلاعاً على العلوم الإسلامية القديمة بجميع فروعها من الحديث والتفسير حتى الرياضيات ، وقد لازمه منذ نهاية دراسته الابتدائية حتى نهاية دراسته الجامعية ، واستفاد كثيراً من علمه ، وقرأ عليه النحو والصرف والتفسير ومصطلح الحديث والفرائض وأصول الفقه والكلام والبلاغة والحساب والجبر والهندسة .<br />
<br />
بعد تَخَرُّج الأستاذ المبارك في الجامعة ، تقدم إلى مسابقة بعثة للتخصص في الآداب في فرنسا ، فنجح فيها ، وكان ترتيبه الأول .<br />
<br />
سافر الأستاذ المبارك إلى فرنسا ، ودرس في معهد الدراسات الإسلامية التابع لجامعة السوربون فدرس في السنة الأولى الأدب العربي والثقافة الإسلامية ، وخصص السنة الثانية بكاملها لدراسة الأدب الفرنسي ، أما السنة الثالثة فخصصها لدراسة علم الاجتماع . يقول الأستاذ المبارك عن هذه الدراسة : ( إن هذه الدراسة وسعت آفاقي وأكسبتني بعض المزايا الفكرية ، ولكنها لم تستطع أن تؤثر في معتقداتي ولا أن تغزو عقلي ، بل أثارني جانبها السلبي وحفّزني للرد عليها ) .<br />
<br />
ولم تقتصر دراسة الأستاذ المبارك في فرنسا على ما يتلقاه في الجامعة ، بل كان يحضر المنتديات والمحاضرات العامة، ويتردد على مختلف المعاهد العلمية ، ويتصل بالمجتمع اتصال بحث وتعرف استعداداً لاستثمار هذه المعرفة في مجال الدعوة الإسلامية .<br />
<br />
حصل الأستاذ المبارك بعد أن أنهى دراسته في فرنسا على شهادة الليسانس في الآداب من السوربون عام 1937م ، ودبلوم في علم الاجتماع والأخلاق عام 1938م .<br />
<br />
وخلال دراسته الجامعية في دمشق وفرنسا ، كان للأستاذ المبارك نشاط قوي ، فقد عمل ـ على سبيل المثال ـ عملاً جاداً في مقاومة إحلال التشريع الغربي الذي كانت فرنسا تسعى لإحلاله محل التشريع الإسلامي عام 1935م ، وفي باريس كان له نشاط مع رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ورتب حملة مع صديقه الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري رحمه الله للنص على ( الإسلام ) في الدستور السوري ، وبعد عودته من فرنسا باشر العمل الدعويّ مع أصدقاء له كانوا قد أسسوا في كل من حلب ودمشق جمعيات إسلامية نشطة تعمل في الدعوة الإسلامية . وكان هذا النشاط يتمّ إلى جانب العمل الوظيفي ، فقد عمل مدرساً للغة العربية في المدرسة الثانوية بحلب لمدة سنتين .<br />
<br />
وكان للأستاذ المبارك نشاط متواصل في إلقاء محاضرات عامة على مختلف المستويات ، ولم يقتصر نشاطه على المدن ، بل كثيراً ما كان يخرج مع فريق من الشباب إلى القرى للدعوة والتوعية . ثم تطوّر هذا النشاط حتى شمل المشاركة في أكثر المؤتمرات الإسلامية التي عُقدت في العالم الإسلامي .<br />
<br />
وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية عام 1946م ، عُين الأستاذ المبارك عضواً في اللجنة الفنية للتربية لوضع الخطط والمناهج التربوية والتعليمية ومفتشاً لمادتي اللغة العربية والدّين في سورية كلها ، وقد أخذ منه هذا العمل كل وقته ، وكان فيه تغيير جذري للمناهج السابقة ، حيث بيّن فيها للجيل المسلم منذ صغره أن الإسلام دين شامل يصلح لكل زمان ومكان .<br />
<br />
وفي سنة 1946م أُقْصِيَ الأستاذ المبارك عن التفتيش ، وذلك بسبب ما قام به من أنشطة إسلامية في المحافظات التي كان يزورها للتفتيش ، وذلك بإلقاء المحاضرات العامة في أهم الموضوعات المتعلقة بالإسلام والتعريف بدعوته أو بالقضايا الإسلامية المعاصرة . هذا النشاط الإسلامي ضايق أعداء الله فأبعدوه عن عمله هذا ، لكنه بقي عضواً في اللجنة الفنية التربوية لوضع الخطط والمناهج التربوية والتعليمية.<br />
<br />
بقي الأستاذ المبارك في عمله هذا حتى عام 1947م ، حيث شهدت سورية ـ في هذه الفترة ـ نشاطاً سياسياً كبيراً ، وبدأت محاولات تشكيل مجلس نيابي ، وفي هذه الفترة ( 1945 ) تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سورية بقيادة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله ، إذ شارك الأستاذ المبارك في تأسيسها ، حيث كان الساعد الأيمن للسباعي ، ومستشاره السياسي والتنظيمي والاجتماعي ، وكان يتناوب مع الدكتور السباعي في إلقاء المحاضرات في المركز العام للجماعة ، وكان يصحب السباعي في رحلاته وزياراته لمراكز الجماعة في سورية ..... ومع محاولات تشكيل المجلس النيابي كما أسلفنا ، رأى المفكرون المسلمون أن يخوضوا هذه الانتخابات ليكون للإسلام صوت مسموع في المجلس النيابي ، فقدّم الأستاذ المبارك استقالته من الوظيفة ليقوم بترشيح نفسه عن مدينة دمشق ، ونجح هو ونخبة من الإخوان في هذه الانتخابات . وبعد سنتين ، وعلى إثر انقلابين عسكريين ، انْتُخِبَ مجلس جديد بصفة مجلس تأسيسي لوضع الدستور في سورية ، وقد نجح في هذا المجلس عدد من ممثليّ جماعة الإخوان المسلمين ، من بينهم الأستاذ المبارك ، حيث تمّ تعيينه وزيراً للأشغال العامة ثمّ وزيراً للمواصلات ثمّ وزيراً للزراعة . وكان ممثلاً للجبهة الإسلامية في المجلس ، واستمر الأستاذ المبارك يُعبّر عن الفكرة الإسلامية في مجلس النواب إلى أن انتهت مدة المجلس عام 1958م وكانت الوحدة بين مصر وسورية ، ولم يعد ثمة مجال للتعبير الحر عن الأفكار فانصرف إلى العمل العلمي ، ولم يشارك بعدها في العمل السياسي .<br />
<br />
في عام 1954م أُسست كلية الشريعة في سورية بجهود الإخوان المسلمين وقائدهم السباعي ، فشارك الأستاذ المبارك في وضع مناهجها ، ودرّس فيها كذلك موادّ عدّة . وبعد مرض السباعي الذي كان عميد الكلية ، تسلّم الأستاذ المبارك عَمَادة كلية الشريعة في عام 1958م إلى عام 1964م ، حيث انتقل بعدها إلى جامعة أم درمان الإسلامية في السودان ، وعمل فيها من سنة 1966م إلى سنة 1969م أستاذاً ومشاركاً في التخطيط ورئيساً لقسم الدراسات الإسلامية ، ثم انتقل بعدها إلى السعودية بناءً على طلب من وزير المعارف السعودي ، فعُيّن أستاذاً و رئيساً لقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة بمكة المكرمة ، وبقي في هذا العمل أربع سنوات ، ثم عُيّن أستاذاً باحثاُ ومستشاراً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة ، وكذلك في الجامعة الأردنية .<br />
<br />
كان الأستاذ المبارك خلال حياته وعمله يهتم بمشكلات الأمة الإسلامية ، ويحاول إيجاد الحلول لها فضلاً عن اهتمامه بأمور الفكر والعقيدة . وكانت له اتصالات مع كبار المستشرقين والأساتذة الأجانب المهتمين بالدراسات العربية والإسلامية ، وكان أثره فيهم عميقاً وواضحاً . كما كان له صلات مع المفكرين الفرنسيين الذين تأثروا بالإسلام ثم اعتنقوه ، منهم : موريس بوكاي ، وروجيه جارودي ، وجال أوسترويد ، وزيغريد هونكه .<br />
<br />
بقي الأستاذ المبارك يعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة حتى وافته المنية في المدينة المنورة عام 1981م ، ودفن في البقيع الطاهر .<br />
<br />
باشر الأستاذ المبارك الكتابة وهو مايزال طالباً ، وترك عدداً من الكتب المطبوعة والمخطوطة .من كتبه المطبوعة :<br />
<br />
ـ الأمة العربية في معركة تحقيق الذات<br />
<br />
ـ الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية.<br />
<br />
ـ نحو إنسانية سعيدة .<br />
<br />
ـ الأمة والعوامل المكونة لها .<br />
<br />
ـ نظام الإسلام ( العقيدة والعبادة ) .<br />
<br />
ـ نظام الإسلام ( الاقتصاد ) .<br />
<br />
ـ نظام الإسلام ( الحكم والدولة ) .<br />
<br />
ـ ذاتية الإسلام .<br />
<br />
ـ المشكلة الثقافية .<br />
<br />
ـ من منهل الأدب الخالد .<br />
<br />
ـ نحو وعي إسلامي .<br />
<br />
ـ خصائص العربية .<br />
<br />
ـ فقه اللغة وغيرها .<br />
<br />
رحم الله الأستاذ محمد عبد القادر المبارك رحمة واسعة ، وأجزل له المثوبة على ماقدم لأمته وجماعته ، ورزقنا أمثاله من العلماء العاملين .<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86_%D8%A3%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%82_%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9&diff=643048الإخوان المسلمون أوراق تاريخية2012-02-20T13:00:39Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center>الإخوان المسلمون .. أوراق تاريخية</center>'''<br />
<br />
[[Image:IMG 0002.jpg|center|300px]] <br />
<br />
'''بقلم / إبراهيم زهمول ''' <br />
<br />
<br> <br />
<br />
== هداك الله يا تاريخ ==<br />
<br />
*'''للشاعر / محمد الأسمر'''<br />
<center>تحابي الحي أو تظلم <br />
:::يا تاريخ أحيانا<br />
<br />
فهل مثلك مأمون <br />
<br />
:::على أخمار موتانا؟<br />
<br />
لكم تروى حقيقات <br />
<br />
:::أراها في الخرافات<br />
<br />
وكم تروى خرافات <br />
<br />
:::أراها في الحقيقات<br />
<br />
وكم تذكر أخيارا <br />
<br />
:::هم عندي أشرار<br />
<br />
وكم تذكر أشرار <br />
<br />
:::هم عندي أخيار<br />
<br />
هداك الله يا تاريخ <br />
<br />
:::يا شيخ الأضاليل<br />
<br />
فما أقدر كفيك <br />
<br />
:::على نسج الأباطيل<br />
</center> <br />
== مقدمة ==<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب هو أحد فصول دراستنا المقارنة عن الجماعات السياسية ذات التسمية الدينية أو ما اصطلح على تعريفها بالأحزاب الدينية. وهو يمثل دراسة لفكر جماعة الأخوان المسلمين ، وفيه نعرض لمبادئها كما وردت في رسائلها وما نشر في صحفها المختلفة منذ بدء نشأتها حتى تاريخ حلها مع دراسة مقارنة لمشروع دستور إسلامي للدولة المصرية ومقارنته بما ورد في فقه الإسلاميين الأقدميين. نعم قد تناول هذه الجماعة دراسات شتى وهي متباينة الغرض وفقا لمشارب كتابها ، وأكثرهم غربيون تختلف نظرتهم في تقييمها ، وصهيونيون يتباينون عنها فكرا وعقيدة وأخيرا ماركسيون وجدوا في سوق الكتاب رواجا فخرجت مؤلفاتهم بعيدة عن كل تقييم علمي لما وقع فيها من ابتسار وتزييف أقوال مع ما يدينون من مذهب. <br> <br />
<br />
وهذه المؤلفات جميعا قد تناولت جماعة الإخوان المسلمين بنظرة تاريخية ويذهب الكثير منها إلى التعسف في سوء التأويل ليخرج بعلاقة بينها وبين أنظمة الحكم المختلفة التي وردت في تاريخ مصر وهي لا شك تخرج عن المنهج العلمي الأصيل. وقد تضاربت نظرة الكتاب إزاء الإخوان فمنهم من ثبت على رأي أقر به ومنهم من تبدل وفقا لتغير الأحوال. فذهب من الفريق الأول المرحوم الأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة إلى القول «الإخوان المسلمون هم وحدهم الذين يمثلون في هذا المجتمع المسوخ عقيدة الإسلام الخاص وعقلية المسلم الحق. أنهم لا يفهمون الدين على أنه صومعة منعزلة ولا الدنيا على أنا سوق منفصلة ، وإنما يفهمون أن المسجد منارة السوق ، وأن السوق عمارة المسجد ، وكان للإخوان المسلمين في الإرشاد لسان ، وفي الاقتصاد يد ، وفي الجهاد سلاح ، وفي السياسة رأي. فلهم في كل بلد من البلدان العربية أتباع ، وفي كل قطر من الأقطار الإسلامية أشياع. وما يقظة الوعي العام في مصر والسودان ، وفي العراق وسورية ، وفي اليمن والحجاز ، وفي الجزائر ومراكش إلا شعاب من هذه الروح سيكون له بعيد حين نبأ. <br> <br />
<br />
وذهب من الفريق الثاني أحد أساتذة التاريخ والحضارة الإسلامية ، فقد اتهمهم على صفحات مجلة «الشبان المسلمين» عام 1965 بأنهم من فرقة الحشاشين وكيف لا ومرشدها الأول ومرشدها الثاني يحملان اسم الحسن الصباح زعيم هذه الفرقة. يقول في كتابه «رحلة حياة» بعد تغير الأحوال وزوال العباد ، إن هذه الجماعة لعبت دورا إسلاميا رائعا في حياة الصبيان والشباب والرجال ، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين وجعلت الانتساب للإسلام مفخرة يعتز بها الكثيرون ، وربطت بين المسلمين في مختلف إلا ،حاء وكونت من المسلمين قوة هائلة هزت غطرسة الاستعمار وقوى الغرب وطلائع الصهيونية ، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعات تعرف الله وتخافه ، وبالتالي تنتج بجد ، وتعمل دون رقيب من الناس ، ولا تمتد لها الشبهات ، ولا يمسها الانحراف ، كانت كلمة (من الإخوان المسلمين) طابعا للتنزه عن الصغائر ، والبعد عن الرشوة ، ومن الإهمال والحرص على أداء الواجب ، وحيثما رأيت الآن رجلا يبرز به هذا الطابع فأعرف أنه غالبا كان منتسبا إلى جماعة الإخوان المسلمين» ، وكما أختلف فيها ، تباينت أراء الكتاب في شخصيات القائمين عليها فلا كتهم الألسنة وتباري المفتون الذي يقولون بأفواههم مالا تؤمن به قلوبهم استرزاقا لرضي الحاكم ورهبة من غير رضاه.<br> <br />
<br />
فذهب الكاتب عباس محمود العقاد&nbsp; إلى أن حسن البنا من سلالة يهودية وأن دعوته حركة إسرائيلية هادمة» ، وخرج آخرون بفتوى «أن الإخوان كالخوارج لا يقبل في أمرهم توبة ولا شفاعة . <br> <br />
<br />
وما زالت المؤلفات تترى في دراسة هذه الجماعة وأكثرها من الغرب ، وما زالت تدرس في مراكز الأبحاث الجامعية باعتبارها إحدى الحركات الإسلامية ذات الأثر الفعال في عالم الإسلام. وما يزال الكثيرون في البلاد الإسلامية والأجنبية على السواء يجهلون حقيقة هذه الدعوة ويجهلون غايتها ومنها جها ، وما يزال كلام كثير يقال حول سياسة الإخوان وعلاقة دعوتهم بالمسائل السياسية ، وعن حقيقة موقفهم من الشئون العامة ، وعن منهجهم في الوصول إلى أهداف الدعوة التي ينادون بها. <br> <br />
<br />
وقد عرضنا في هذه الدراسة باللغة العربية لهذه الغايات ، مدعمة بأسانيدها والوثائق التي تكشف الجوانب المظلمة والتي كانت تحكم الظروف السياسية ، وهي وثائق تقدم صورة دقيقة واضحة لحقبة من تاريخ مصر أسدل عليها ستار النسيان أو المغالطة أو التزوير لفتة طويلة بحيث أصبح من الممكن أن تتوه معالم التاريخ القريب في ذهن أجيال جديدة لم تعايش هذه الحقبة. ومن حق التاريخ علينا أن لا نحرف وقائعه ، بل علينا أن نتحرى الحق ، والصدق في تدوينها وتفسيرها ، ولا نشوه أسبابها ومسبباتها فإن هذا واجبنا في تحقيق الحوادث.<br> <br />
<br />
إن للتاريخ له حرمته ومكانته ، ومن واجبنا أن ندونه على الوجه الصحيح. ونرجو أن تكون دراستنا لهذه الصفحات المجهولة قد كتبت بنظرة موضوعية بعيدة عن افراط بعض المنتسبين إليها أو تفريط من قد حو فيها وفي القائمين عليها لأغراض شتى حزبية أو شخصية أو مراءاة لأهل الهوى والسلطان. وبعد ، ما كان ليخرج هذا المؤلف لولا صادق العون الذي منحنيه أياه المرحوم الأستاذ محمود فهمي بإمدادي ببعض هذه الوثائق من مكتبة ولده أستاذ الجامعة ببلاد الغربة حاليا وأحد الذين مسهم القرح فصبروا واحتسبوا ، قلنا فيه جميل العزاء ولذكراه الطبية عاطر الثناء...<br> <br />
<br />
'''إبراهيم زهمول ''' <br />
<br />
'''12 من جمادي الأولى 1405هـ&nbsp; - 2 من فـــــــــــــبرايــــر 1985م '''<br> <br />
<br />
<br> <br />
<br />
== الفصل الأول&nbsp;:&nbsp; في الدعوة ==<br />
<br />
نعرض في هذا البحث للإخوان المسلمين ، وما يمثلون به الإسلام كدين ومنهج في السياسة والاقتصاد والاجتماع. وهم في هذا يفترقون عن جماعات شتى عملت للإسلام في مصر ولكن خلت مبادؤها من مناقشة القضايا السياسية أو الاهتمام بها ، رغم ما تؤكده من قيام الصلة بين الدين والدنيا .<br> <br />
<br />
كما افترقوا في ذلك عن غيرهم من العاملين في مجال الدعوة الإسلامية في الوطن الإسلامي رغم تعاصرها في النشأة ومن بينها جمعية العلماء الجزائريين المسلمين واقتصارها على النشاط الفكري والتأليف&nbsp; والدعوة الوهابية التي بدت حركة دينية إصلاحية تدعو إلى تنقية معنى التوحيد من كل شوائب الشرك ظاهرة وخفية ومحاربتهم كل أنواع المنكرات وينبذون كل البدع التي رانت على قلوب المسلمين في العصور المتأخرة. بيد أن أخذ عليها أنها سعت إلى تحقيق أغراضها بالعنف واعتمدت على القوة العسكرية وحدها ولم تحاول أن تجتذب قلوب الناس ، ولم تعبأ بأصول السياسة فكان طابعها التعصب الذي لا تعترف معه بوجهة نظر الغير ولا تقبل معه مساومة ولا مفاوضة وتشددت في فهم معنى الدين فضيقت من معنى الأيمان. وقد كانت حركة محدودة آفاقها ، ركزت جهدها في ناحية خاصة من الدين ، وتركت كثيرا من الأصول والمسائل التي لا تقل عنها خطرا بل تفوقها أهمية.. لاشك أنها كانت دعوة اصلاح فقد أيقظت العقول الراكدة وحركت المشاعر الخامدة مثيلها في ذلك الحركات الإصلاحية لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، وإذا آثرنا التعبير السياسي ، فإن هذه الحركة كانت ثورة على الاستبداد وصوت احتجاج على الضعف والانحلال الذي آلت إليه حال الأمة الإسلامية يومئذ. وهي في القرن التاسع عشر تقابل الثورة العربية في القرن العشرين ، غير أن الأولى كان طابعها دينيا والأخرى كان طابعها سياسيا ، لكن هذه الدعوة الوهابية قد قصرت عن أدراك طبيعة الإسلام كدين ودولة بعد توطيد آل سعود لحكمهم منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين. وقد مرت جماعة الإخوان المسلمين بمرحلتين&nbsp;: <br />
<br />
أولاهما من تاريخ نشأتهم حتى قبيل الحرب العالمية الثانية ، وثانيهما من تاريخ المؤتمر الدوري الخامس حتى تاريخ الحل. <br />
<br />
=== '''الطور الأول&nbsp;:''' ويبدأ من عام 1928 إلى قبيل الحرب العالمية الثانية ===<br />
<br />
يرجع تاريخ نشأة الإخوان المسلمين إلى شهور ذي القعدة 1347هـ- مارس 1928 ، وقد أعقبت في ذلك جمعية الشبان المسيحية في نشأتها في يناير 1923 للقيام بالأغراض الدينية ، واقتصارها في القيام على الشئون الثقافية والرياضية والاجتماعية ، وعدم التعرض للمنازعات السياسية ، وهو ما نصبت عليه المادة الرابعة من القانون الأساسي لجمعية الشبان المسلمين «تعمل الجمعية على توثيق الصلات والروابط بين الشعوب الإسلامية ، وعلى الدفاع عن حقوقها مصالحها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، ولا تتعرض الجمعية للمنازعات السياسية بأي حال». <br> <br />
<br />
ورغم ما قيل ن اتحاد جمعية الشبان وجماعة الإخوان في الغرض والهدف وظهورهما في كثير من القضايا الإسلامية كجماعة واحدة ، إذ أن غايتهما عامة مشتركة وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين والعمل حتى تعلو كلمة الدنين وتنال البلاد الاستقلال ، إلا أنه تقع فروق بسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة العاملين القائمين بها وتوجيه جهودهم في كلتا الجماعتين. <br> <br />
<br />
في تلك الفترة من تاريخ جماعة الإخوان ، أخذ بنشر الفكرة العامة بين الناس ، وكان نظام الدعوة في هذا الطور نظام الجمعيات التي مهمتها الخير العام ووسيلتها الإرشاد والوعظ تارة ، وإقامة المنشآت تارة أخرى. وكان نشاطهم في تلك الفترة ينتظم هذه الأنواع. <br> <br />
<br />
وكانت تلك مرحلة التعريف ووسيلتها النشر والصحف والمطبوعات والمحاضرات وإصدار الرسائل والنشرات ، ومنها ما هو للإشارة إلى أعمال الإخوان الاجتماعية ، ومنها ما هو شرح لأهداف دعوتهم ، ومنها ما هو توجيه للحكومات إلى الأخذ بتعاليم الإسلام. وتلك الثلاث الأخيرة التي تستهدف التعريف بأعمالهم وأهدافهم وتوجيهاتهم لم تظهر إلا في فترة متأخرة من المرحلة الأولى. <br />
<br />
كانت أولى هذه الرسائل «القائمين الأساسي للإخوان المسلمين» واللائحة الداخلية. ثم صدرت رسالة المرشد وظهر منها عددان فقط وكانت الرسالة الأولى بتاريخ 5 رمضان 1349هـ - 2 يناير 1931 ، والثانية في 20 شعبان 1351 الموافق 19 ديسمبر 1932 وقد تصدرت كلتاهما بتوجيه من مبادئ الإخوان المسلمين&nbsp;: <br> <br />
<br />
1- سلامة الاعتقاد والاجتهاد في طاعة الله تبارك وتعالى وفق الكتاب والسنة.<br> <br />
<br />
2- الحب في الله والاعتصام بالوحدة الإسلامية.<br> <br />
<br />
3- التأدب بآداب الإسلام الحنيف.<br> <br />
<br />
4- ترقية النفس والترقي بها إلى معرفة الله تعالى وإيثار الآخرة على الدنيا.<br> <br />
<br />
5- الثبات على المبدأ والوفاء بالعهد مع اعتقاد أن أقدس المبادئ هو الدين.<br> <br />
<br />
6- الاجتهاد في نشر الدعوة الإسلامية بين طبقات الأمة ابتغاء وجه الله.<br> <br />
<br />
7- حب الحق والخير أكثر من أي شيء في الوجود. <br> <br />
<br />
وقد رأوا أن رسائل المرشد لا تفي بنشر الدعوة وتضمن أخبارها على الوجه الذي يجب أن تصل به إلى الناس عامة فقرروا إصدار مجلة أسبوعية تسمى جريدة (الإخوان المسلمون) فظهر العدد الأول منها بتاريخ 22 صفر 1352 هجرية 24 يونيو 1933 وظلت تصدر حتى 12 رمضان 1357 - 4 نوفمبر 1938. وقد صدرت تحت عنوان جريدة أسبوعية إسلامية جامعة تصدرها جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة. وهي لسان حال جمعيات الإخوان المسلمين. وبينت منهاجها بأنها تخدم كل هيئة تعمل لرفعة الإسلام وإعادة مجده ، تقصي فضائل النبوة المحمدية ونشر مقاصدها ، والآداب المنقولة عنها والأحاديث الدالة على الأخلاق الفاضلة من الصدق والعفاف وحسن العشيرة الإحسان إلى الجار والقريب وكل كائن حتى الحيوان. وكان يرأس تحريرها المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري ومديرها المرحوم محب الدين الخطيب أما المرحوم حسن البنا فكان يقوم على تحرير القسم الديني الذي كان يضم في بحوثه ما يتصل بعلوم الدين من تفسير وعقائد وفقه وأصول وتصوف وأخلاق ثم عظة منبرية. <br />
<br />
وقد أسند إلى المرحوم الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا (والده) باب ترجمة للأعلام المشهورة في القسم التاريخي بالجريدة. وكان محدثا جليلا عكف على أمهات كتب السنة ورتب مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وهو أجمع كتب الحديث على أبواب الفقه في عشرة مجلدات وأسماه (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني). <br> <br />
<br />
وتضمنت الجريدة كذلك قسما تعالج فيه الحوادث المشهورة في تاريخ الإسلام وما ترتب عليها من آثار ، وبابا يختص بدراسة العالم الإسلامي وكان يتناول مجمل أخباره وأخبار الجمعيات والأندية والمساجد والمجتمعات الإسلامية ، وقسمًا أدبيًا ، وقسمًا خاصا بروضة الأطفال والمرأة وقسما صحيا وقسما في الزراعة وقسما للطلبة ابتداء من العدد 19 الصادر في الخميس 5 شعبان 1352- 28 أبريل 1934. <br />
<br />
وقد بدأ اهتمامها بشرح دعوة الإخوان ونظرتهم الوطنية والقومية في مقالات السنة الثانية والثالثة ثم أعقبتها جريدتان ، الأولى تحت عنوان (الخلود) وصدر عددها الأول في 24 شوال 1357- 16 ديسمبر 1938 ، وأبرزوا أنها صحيفة دينية سياسية جامعة وقد سجلت بها مقالات سبقت في جريدة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية غير أنه بدا الاهتمام فيها بالشؤون السياسية وقد أمهرت مقالاتها بتوقيع حادي الإبل . <br />
<br />
أما الثانية الناطقة بلسانهم فكانت جريدة النذير وصدر العدد الأول منها في يوم الاثنين 29 ربيع الأول 1357 (مايو 1938) وقد ظهر منها واضحًا اتجاه الإخوان الوطني وابتداء اشتراكهم في الكفاح السياسي في الداخل والخارج ، ولقد استمرت النذير تصدر سنتين كاملتين تشرح فيها دعوة الإخوان وتنشر مذكراتهم إلى الحاكمين على اختلاف حكوماتهم. وتهاجم الفساد الاجتماعي في قوة ووضوح إلى أن صدرت ناطقة بلسان جماعة شباب محمد التي تكونت في 9 من ذي الحجة 1358- يناير 1940. وقد أنشق هذا الفريق عن جماعة الإخوان المسلمين ومن بينهم صاحب امتيازها. وكان لأحد إخوان المنزلة بالدقهلية مجلة تسمى (التعارف) مكثت زمنا تنطق بلسان جمعية التعارف الإسلامي ثم رأى صاحبها أن تنطق بلسان الإخوان وصدر منها بضعة أعداد انتهت بأن صادرتها الحكومة أثناء الحرب العالمية الثانية بعد أن ضغط على الإخوان وصودر نشاطهم العام. في هذا الطور ، انتشرت الشعب في القطر ونشرت في الخارج ويرجع بدء الدعوة في الإسماعيلية منذ عام 1928 عندما عين حسن البنا الذي ولد في 14 أكتوبر 1906 بالمحمودية- محافظة البحيرة مدرسا في إحدى مدارس المعارف بعد تخرجه من دار العلوم وإجازته لشهادتها ، ولقد لبث في تلك المدينة حتى عام 1932 ينشر فيها دعوته وكانت بدايتها كجمعية دينية غرضها تحقيق المقاصد التي جاء بها الدين وشرح دعوة القرآن الكريم وهي في هذه الفترة أخذت الطابع التعليمي للناس تعلمهم مناسك دينهم. فكانت دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد وهي أركان الدعوة الإسلامية. وحتى أقامته بالإسماعيلية أي حتى عام 1932كان لجمعية الإخوان المسلمين خمس عشرة شعبة وأصبحت دارهم في هذه الفترة مركزًا لقيادة الدعوة حتى نقل مؤسسها مدرسًا إلى القاهرة&nbsp; وقد انتشرت الدعوة من بعد فيما يزيد على خمسين بلدًا من بلاد القطر المصري. وفي هذا الطور أخذت الدعوة في الاهتمام بالنواحي الاجتماعية ، وإقامة المشروعات. ففي الإسماعيلية أسست مسجد الإخوان وناديهم ومعهد حراء لتعليم البنين ومدرسة أمهات المؤمنين لتعليم البنات. <br> <br />
<br />
وفي شبراخيت أسس مسجدًا وناديًا ومعهدًا للبنين ودارا للصناعة يتعلم فيها الطلبة الذين لا يستطيعون إتمام التعليم ، كما افتتح مصنع نسيج وسجاد تابع لها ، وفي المحمودية قامت بمثل ذلك وفي المنزلة وغيرها . <br> <br />
<br />
وبدأ هذا الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية والاقتصادية منذ اتخاذ القاهرة مركزًا للجمعية فبدأ اهتمام الإخوان بتأسيس مصانع في كل شعبة من شعبهم المنتشرة في أنحاء القطر من إدفو إلى الإسكندرية ، كما تأسست مطبعتهم وفقًا لما قرره مجلس الشورى العام. ولما كانت نظرتهم إلى الإخوة الإسلامية تجعل كل مسلم يعتقد أن كل شبر أرض فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم قطعة من الأرض الإسلامية فكان من ذلك أن اتسع أفق الوطن الإسلامي لديهم. ورأوا أن الظروف مواتية لنشر الدعوة خارج مصر ، وكان ذلك مقررًا منذ الانعقاد الثالث لمجلس الشورى العام الذي عقد في عام 1352هـ- 1935 ، فأرسلوا الدعاة يخطبون في المساجد مبلغين الدعوة وموثقين الروابط وذلك باتصالهم بأقطار سوريا ولبنان وفلسطين. <br />
<br />
وقد بدا اهتمامهم بالقضايا الوطنية والقومية مبكرًا ، وبمساهمتهم في الحركات الإسلامية كحركة مقاومة التبشير في القطر المصري التي كانت تقوم بها الإرساليات المسيحية في أوائل العقد الثالث من هذا القرن ، فدعوا إلى تشكيل لجنة مقاومة التبشير خاصة في مدينة الإسماعيلية التي انتشرت بها محاولات هذه الإرساليات لتنصير الفتيات في تلك الفترة <br> <br />
<br />
كما تناولوا الناحية الإصلاحية الاجتماعية بالبيان والتوجيه في الإصلاح الأزهري&nbsp; ليقوم الأزهر بدوره واستخدام الأزهريين في الوظائف العسكرية والإدارية وتجديد الكتب الدينية بما يتناسب مع روح العصر ، وإصلاح الطرق الصوفية ، ووضع أصول وقواعد إسلامية للتوفيق بين الطوائف الإسلامية المختلفة ، وأنهم يرحبون بكل فكرة ترمي إلى توحيد جهود المسلمين في سائر بقاع الأرض وتأييد فكرة الجامعة الإسلامية كأثر من آثار اليقظة الشرقية .<br> <br />
<br />
كما تناولوا مناهج التعليم فدعوا إلى تقرير التعليم الديني كعادة أساسه في كل المدارس وفي الجامعة أيضًا ، ووضع سياسة ثابتة للتعليم تنهض به وترفع مستواه . <br> <br />
<br />
ودعوا إلى الاهتمام بالريف المصري وهاجموا سياسية الحكم تجاهه ، وهو الذي يعيش في فقر وبؤس وجهل وغفلة ، وفي القرية المصرية مرض وعاهات وفيها عادات سيئة وخرافات فاشية وكل ذلك في حاجة إلى الإصلاح الحاسم والعناية بشأنها وتنقية مياهها ووسائل الثقافة فيها وتشجيع الإرشاد الزراعي والاهتمام بترقية الفلاح من الناحية الاجتماعية . <br> <br />
<br />
وقد أولوا قضية الحزبية في مصر وتفرق الأمة شيعا بين الأحزاب اهتمامهم ، فدعوا إلى القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة في وجهة واحدة وصف واحد. <br />
<br />
وكانوا يرون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعًا قد وجدت في ظروف خاصة ولد واع أكثرها شخصي ، وفي تلك الفترة بدأ اتضاح منهاج دعوتهم في شمولها وأنه ليس هناك فصل بين الدين والسياسة وأن الخطأ في نظرات الزعماء السياسيين الذين يفرقون بينهما&nbsp;<br> <br />
<br />
'''وقد صاغوا هذه الفكرة في «عقيدتنا» التي تعتبر ميثاقا لكل أخ انضم إليهم وجعلت نصوصها كالآتي&nbsp;:'''<br> <br />
<br />
1- اعتقد أن الأمر كله لله وأن سيدنا محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم رسله للناس كافة. وأن الجزاء حق ، وأن القرآن كتاب الله ، وأن الإسلام قانون شامل لنظام الدنيا والآخرة. وأتعهد أن أرتب على نفسي حزبا من القرآن الكريم وأن أتمسك بالسنة المطهرة ، وأن أدرس السيرة النبوية وتاريخ الصحابة الكرام.<br> <br />
<br />
2- أعتقد أن الاستقامة والفضيلة والعلم من أركان الإسلام. وأتعهد بأن أكون مستقيما أؤدي العبادات وابتعد عن المنكرات ، فاضلا أتحلى بالأخلاق الحسنة. وأتخلى عن الأخلاق السيئة وأتحرى العادات الإسلامية ما استطعت ، وأوثر المحبة والود على التحاكم والتقاضي ، فلا ألجأ إلى القضاء إلا مضطرا ، وأعتز بشعائر الإسلام ولغته ، وأعمل على بث العلوم والمعارف النافعة في طبقات الأمة.<br> <br />
<br />
3- أعتقد أن المسلم مطالب بالعمل والتكسب ، وأن في ماله الذي يكسبه حقا مفروضا للسائل والمحروم. وأتعهد بأن أعمل لكسب عيشي واقتصد لمستقبلي وأؤدي زكاة مالي وأخصص جزءًا من إيرادي لأعمال البر والخير ، وأشجع كل مشروع اقتصادي إسلامي نافع ، وأقد منتجات بلادي وبني ديني ووطني ولا أتعامل بالربا في شأن من شؤوني ، ولا أتورط في الكماليات فوق طاقتي. <br> <br />
<br />
4- اعتقد أن المسلم مسؤول عن أسرته وأن من واجبه أن يحافظ على صحتها وعقائدها وأخلاقها. وأتعهد بأن أعمل لذلك جهدي وأن أبث تعاليم الإسلام في أفراد أسرتي. ولا أدخل أبنائي أية مدرسة لا تحفظ عقائدهم وأخلاقهم&nbsp; ، وأقاطع كل الصحف والنشرات والكتب والهيئات والفرق والأندية التي تناوئ تعاليم الإسلام. <br> <br />
<br />
5- أعتقد أن من واجب المسلم أحياء مجد الإسلام بإنهاض شعوبه وإعادة تشريعه وأن راية الإسلام يجب أن تسود البشر ، وأن من مهمة كل مسلم تربية العالم على قواعد الإسلام. وأتعهد بأن أجاهد في سبيل أداء هذه الرسالة ما حييت ، وأضحي في سبيلها بكل ما أملك.<br> <br />
<br />
6- اعتقد أن المسلمين جميعا أمة واحدة تربطها العقيدة الإسلامية وأن الإسلام يأمر أبنائه بالإحسان إلى الناس جميعا. وأتعهد بأن أبذل جهدي في توثيق رابطة الإخاء بين جميع المسلمين وإزالة الجفاء والاختلاف بين طوائفهم وفرقهم.<br> <br />
<br />
7- اعتقد أن السر في تأخر المسلمين ابتعادهم عن دينهم ، وأن أساس الإصلاح العودة إلى تعاليم الإسلام وأحكامه ، وأن ذلك ممكن لو عمل له المسلمون وأن فكرة الإخوان المسلمين تحقق هذه الغاية. وأتعهد بالثبات على مبادئها والإخلاص لكل من عمل لها ، وأن أظل جنديا في خدمتها أو أموت في سبيلها. وبذلك كرس هذا الميثاق غاية دعوتهم وهي الإسلامية وحدد نظرتهم الوطنية والقومية التي أصبحت أكثر شمولا في طورها الثاني ابتداء من المؤتمر الخامس المنعقد في عام 1939 والتي حدد بنودها القانون الأساسي بنصه في المادة الثانية «الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف ومما يتصل بهذه الأغراض&nbsp;:<br> <br />
<br />
(أ) شرح دعوة القرآن الكريم شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها فيعرضها عرضا يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات.<br> <br />
<br />
(ب) جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم فيها وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة. (ج) تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها والعمل على رفع مستوى المعيشة. <br> <br />
<br />
(د) تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة في الخدمة الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والخير. <br> <br />
<br />
(هـ) تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعة الإسلامية. <br> <br />
<br />
(و) قيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسها في الداخل وتبلغها في الخارج.<br> <br />
<br />
(ز) مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل المثل العليا الفاضلة التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق والمشاركة في بناء السلام والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر الإيمان والمادة كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة. <br />
<br />
وهذا الميثاق «عقيدتنا» التي جعلت الأستاذ رينان أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالسوربون يقول&nbsp; «أن هذه الكلمات عميقة المبحث والمقصد وهي بلا شك مستمدة من نفس المنهج الذي رسمه محمد النبي ونجح في تنفيذه فأسس به دينا وأمة ودولة ، وقد زيد فيها بما يناسب روح العصر مع التقيد بروح الإسلام. وفي عقيدتي أنه لا نجاح للمسلمين اليوم إلا بإتباع نفس السبل التي سلكها محمد وصحبه غير أن تحقيق هذا على الحالة التي عليها المسلمون اليوم بعيد وليس معنى هذا القنوط أو القعود عن العمل». <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== الطور الثاني&nbsp;: من فترة انعقاد المؤتمر الخامس حتى الحل&nbsp; ===<br />
<br />
'''وتميزت جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الطور بخصيصتين أولاهما خاصية خاصية الشمول وثانيهما في تكوينها العضوي وهي قائمة على مبدأين&nbsp;:''' <br />
<br />
'''المبدأ الأول&nbsp;: المركزية الديمقراطية وتمشل ما يلي&nbsp;: '''<br> <br />
<br />
1- انتخاب جميع هيئات الجماعة المركزية (المرشد العام ومكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية) وغير المركزية من القاعدة إلى القمة أي بشكل هرمي. <br />
<br />
2- اللجنة التي تتولى الإدارة في كل هيئة مركزية أو غيرها (الشعب) يجب أن تقدم تقريرًا من أعمالها في أوقات دورية إلى تلك الهيئة. <br />
<br />
'''المبدأ الثاني&nbsp;: الديمقراطية الداخلية&nbsp;:''' <br />
<br />
ويقصد بها تبادل الرأي حول ما يهم الجماعة والنصائح والاقتراحات فيما يحقق أهدافها التي صاغتها المادة الثانية من القانون الأساسي. <br />
<br />
'''الخصيصة الأولى:''' الشمول وهذه الخصيصة التي تميز دعوتهم واستخلصوها من الدين إذ أنهم فهموا تعاليم الإسلام أنها شاملة شؤون الناس في الدنيا والآخرة روحية فحسب. وكما سبق أن عرضنا أنه في الطور الأول اقتصرت الجماعة بالاهتمام بالنواحي الاجتماعية وتناولت ذلك مقالات في مجلة الإخوان ، كما عرضوا لفهمهم للإسلام بأنه ينتظم شؤون الحياة جميعا ووصفهم لدعوتهم أنها إسلامية بمفهومها العام منذ عام 1935 وقد عرضوا لمفهوم الإسلام فيما بعد بقولهم «إن الإسلام عقيدة وعبادة ، ووطن وجنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، وخلقًا ومادة ، وثقافة وقانونا ، وسماحة وقوة . <br />
<br />
وأوضحوا فكرتهم حسب المفهوم للإسلام شاملاً جميع نواحي الحياة الروحية والسياسية والثقافة والاقتصادية والاجتماعية منذ المؤتمر الخامس بمناسبة مرور عشر سنوات على نشأة الإخوان فذكر حسن البنا أنه «كان نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة ، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية ، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته ، والتفت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها ، ونستطيع أن نقول ولا حرج عليك إن الإخوان المسلمين&nbsp;:<br> <br />
<br />
1- دعوة سلفية لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينة الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.<br> <br />
<br />
2- وطريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.<br> <br />
<br />
3- وحقيقة صوفية&nbsp;: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل والأعراض عن الخلق والحب في الله والارتباط على الخير.<br> <br />
<br />
4- وهيئة سياسية&nbsp;: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد. <br />
<br />
5- وجماعة رياضية&nbsp;: لأنهم يعنون بجسومهم ، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول&nbsp;: «إن لبدنك عليك حقًا» وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدي كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي ، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ، ولأنهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرًا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها.<br> <br />
<br />
6- ورابطة علمية ثقافية&nbsp;: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح<br> <br />
<br />
7- وشركة اقتصادية&nbsp;: لأن الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه -صلى الله عليه وسلم- «نعم المال الصالح للرجل الصالح ، ويقول «من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورًا له» ، «إن الله يحب المؤمن المحترف».<br> <br />
<br />
8- وفكرة اجتماعية&nbsp;: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها. شمول هذا المعنى للإسلام قد أكسب جماعة الإخوان فكرًا متميزًا بانضمام بعض رجال الفكر إليها ، فالمرحوم الأستاذ حسن الهضيبي (1894- 1973) الذي تميز فكره بروح الاعتدال والاجتهاد قد أضفى على فكرة الجماعة تجديدًا اختلفت فيه عن غيرها من الجماعات التي عملت للإسلام وذلك منذ انتخابه مرشدًا عامًا في 19 أكتوبر 1951 ، وقد كان من بين الشخصيات التي اتصل فكرها بالإخوان منذ الثلاثينات حيث التقى بمرشدها الأول. <br> <br />
<br />
هذه العلاقة التي بدت منذ قديم نجد لها إثارة فيما نشرت مجلة الشهاب من صورته في العدد الثالث الصادر في يناير 1948 حيث نقرأ أنه ولد بشبين القناطر وحامل أجازته في القانون عام 1915 ، وقد شغل منصب القضاء حتى عام 1951 حين انتخب مرشدا عامًا وقد كان يشغل وقتئذ نائب رئيس محكمة النقض والإبرام ، أعلى سلطة قضائية في مصر حيث استقال ليتفرغ لما اختير له في وقت مرت فيه الجماعة بالمحن في بداية سني الخمسينات. وما كان يمثله فكر عبد القادر عودة وسيد قطب في المجال القانوني والاجتماعي دون الفصل بين النظرتين قد أعطى الجماعة أيديولوجية إصلاحية ذات بعد خالفت معها تنظيمات فكرية متصارعة على الساحة المصرية والإسلامية وما زال أثرها حتى الآن ، وقد بدأ اتصالهما بالإخوان منذ الأربعينات يدل على ذلك نشر مجلة الشهاب في عددها الثاني الصادر في ديسمبر 1947 صورة عبد القادر عودة حيث نقرأ أنه قد ولد عام 1906 ونال أجازته في القانون عام 1928 (حيث كان زميل دراسة لرئيس الجمهورية المصرية الأسبق محمد نجيب بكلية الحقوق). وقد كتب عدة مقالات في التشريع الإسلامي على صفحات المجلة وهو صاحب مؤلفات مشهورة ، مارس القضاء حتى عام 1950 حيث استقال ليتفرغ لما انتخب له وكيلا عاما لجماعة الإخوان المسلمين. والفكر الاجتماعي والعقائدي للجماعة قد زاد أثراء بلا ريب في مختلف مجالاته بانضمام سيد قطب الذي ولد عام 1906 بقرية موشا بمحافظة أسيوط وتابع دراسته العليا بدار العلوم حيث تخرج عام 1933 وعمل مراقبا عاما بوزارة المعارف.<br> <br />
<br />
وهو صاحب عدة مؤلفات متميزة بدأها بكتابه مهمة الشاعر في الحياة&nbsp; الذي صدر بكلمة أستاذه الدكتور مهدي علام أستاذ الأدب وعضو مجمع اللغة العربية حيث اعتبره أحدى مفاخر دار العلوم. واشتغل سيد قطب بالنقد الأدبي وكان يعد من مدرسة عباس محمود العقاد الأدبية كما عمل بالصحافة حيث رأس تحرير مجلة الفكر الجديد والسوادي عام 1947 والاشتراكية وتلك جميعا كانت محل مصادرة لما كان يتناوله من موضوعات سياسية تهاجم الأوضاع القائمة حينئذ خاصة الاجتماعية وقد أبعد على أثرها من الحياة السياسية في مصر بحجة منحة تربوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1949- 1950 وكان السبب الأصيل هو توجيه الاتهام إليه بالعيب في الذات الملكية. بيد أن اتصاله بجماعة الإخوان قد بدأ حيث نشر مقالات أدبية تنقد كتاب المرحوم الدكتور طه حسين مستقبل الثقافة في مصر على صفحات مجلة «الإخوان المسلمون» في يوليو 1939 ، لكن بدء اتصاله الفكري بهم عام 1946 حين رغب إليه حسن البنا وضع كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام». <br> <br />
<br />
ولما كان اتصال عبد القادر عودة وسيد قطب سابقًا فقد عدا من أعضائها وانتخبا لذلك عضوين بمكتب الإرشاد العام. <br />
<br />
والملاحظ لهذا الوصف الذي قدمه الإخوان لجماعتهم ، انفرادهم بهذا المفهوم الواسع كما جاء به الإسلام عن غيرهم من الجماعات التي سبقت في تاريخ الإسلام ، فقد ظهرت حكات روحية وإصلاحية وسياسية في أعقاب عصر الخلفاء الراشدين وحتى أوائل القرن العشرين ، وكان كل منهما تذهب مذهبا يغاير الآخر ، أما الحركة الشاملة لهذه الحركات جميعا فهي هذه الجماعة. وصحيح أنهم لم ينفردوا في فهم الإسلام أنه دين ودولة فقد سبقهم إلى ذلك في العصر الحديث الوهابيون والأتراك أثناء الخلافة العثمانية. <br />
<br />
إلا أن الملاحظ قصور الأول عن إدراك مفهوم الدين والدولة كما سبق البيان ، وفهم الآخرين للإسلام بأنه رابطة سياسية وذلك أثناء حكمهم للبلاد التابعة للدولة العثمانية. <br />
<br />
'''ويمكن القول أنه بمراجعة المادة الثانية بفقراتها السبع يجعلون مبادئهم خمسة&nbsp;:''' <br />
<br />
'''المبدأ الأول&nbsp;: علمي''' <br />
<br />
وهو ما تنص عليه الفقرة الأولى (أ) من المادة الثانية «شرح دعوة القرآن الكريم شرحا دقيقا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها فيعرضها عرضا يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات».<br> <br />
<br />
وقد رأينا أنه في الطور الأول من تأسيس الجماعة وهو طور التعريف ، شرحوا حقيقة الدعوة الإسلامية بأنها فضلا عن الإيمان بنبوة كل من سبقوا محمدًا من الأنبياء ، والرجوع إلى المعاني الروحية التي جاء بها الرسل والأنبياء فإنها دين ودولة ، ومصحف وسيف ، وعقيدة لا طقوس وأعياد ، وأتباع ما نصت عليه الشرائع السماوية وبالتزام أوامرها واجتناب نواهيها والعمل في أن تكون قواعد الإسلام هي الأساس والأصول التي تبني عليها نهضة الشرق في كل شأن من شؤون الحياة ، ومنها الحياة المثالية كالتعاون المادي في شتى مظاهره. وقد رأوا أن الأسباب التي دعت الأمم الشرقية إلى الانحراف عن الإسلام واختيار تقليد الغرب دراسة قادتها النهضة الغربية ، واقتناعهم أنها لم تقم إلا بتحطيم الدين والقضاء على كل مظاهر السلطة الدينية في الأمة وفصل الدين عن سياسة الدولة العامة فصلا تامًا. وذلك أن صح في الأمم الغربية فلا يصح في الأمم الإسلامية لمخالفة طبيعة التعاليم الإسلامية غيرها لدين آخر .<br> <br />
<br />
ولعل الذي قصر بالمسلمين عن ركب الحياة المتحضران عنايتهم بعلل المجتمع وأمراضه كانت دون عنايتهم برزقه وثروته ومختلف شؤون حياته. ولقد كان ولا يزال بيننا نفر يعتقدون أننا لن نحترم إرادتنا وتكون لنا مكانتنا اللائقة بنا إلا إذا كانت لنا مظاهر تسابق حياة الأمم الأخرى أو تجعلها صنوا لها ، وفات هؤلاء أن الترف من ثمار الحضارة لا من مقوماتها ، وأن هذه الأمم التي نعجب اليوم بعملها وفنها وقوتها لم تهمل في أوائل نهضتها أمراضها الاجتماعية كما نهملها نحن اليوم في مستهل نهضتنا ولم تقع في الغفلة التي وقعنا فيها.. أن الأمة مجموعة متماسكة من الأفراد وكلما كان الفرد سليما كان بناء الأمة سليما.. <br />
<br />
وكلما كانت أخلاق الأمة قوية نقية كانت اتجاهاتها سليمة وهدفها مستقيما. ولعل الإسلام هو أوفى الأديان والشرائع عناية بتوازن القوى المختلفة في المجتمع وبناء الأمم بناء متراصًا لا وهن فيه ولا ثغرة ولا اختلاف. فهو يعني تنظيم حياة الناس العادة كما تعني بذلك المذاهب الاقتصادية ، ويهتم بتقويم الأخلاق الاجتماعية كأقوى ما تهتم بذلك الدعوات الأخلاقية ويبالغ في تطهير الروح وتهذيب النفس أشد مما تبالغ في ذلك الأديان الروحية ، وهو يربط بين هذه بعضها مع بعض. وما من شك في أن ما نعانيه في حياتنا الحاضرة أمراضا اجتماعية خطيرة لن تستقيم معها نهضة ولن يطرد بها سير ، وهي مختلفة المظاهر في الفرد والمجتمع. ولعل نقطة البدائة في علاج هذه الأمراض الاجتماعية يجب أن تكون من الفرد فهو الخلية الأولى في بناء المجتمع والدعوات الصالحة تبدأ طريقها من الفرد. وهذا هو السبيل الذي حدده الإخوان حيث كتب حسن البنا أن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل وواضح الخطوات ، فنحن نعلم تماما ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة. <br />
<br />
*نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته ، وفي خلقه وعاطفته ، وفي عمله وتصرفه فهذا هو تكويننا الفردي. <br><br />
<br />
ونريد بعد ذلك البيت المسلم في ذلك كله ونحن لهذا نعني بالمرأة عنايتنا بالرجل ، ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري. ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت ، وأن يسمع صوتنا في كل مكان ، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار ، لا نألو في ذك جهدًا ولا نترك وسيلة. ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد. <br> <br />
<br />
وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله أبو بكر وعمر من قبل ، ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستعد منه ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها ، وسنعمل على أحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام .<br> <br />
<br />
وهم يعتقدون بذلك أن التعاليم الإسلامية ومعينها كتاب الله وسنة رسوله اللذين أن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا وأن كثيرًا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها ولذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي وأن يفهم الإسلام كما فهمه الصحابة والتابعون ويقفون عند الحدود الربانية والنبوية والإسلام دين البشرية جمعاء فهم يريدون العودة إلى المنابع الأصلية وحدها ، ولذلك كان وصفهم بأنهم دعوة سلفية وطريقة سنية. وكانت غايتهم من شرح دعوة القرآن جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم فيها ، وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة&nbsp; ، فحسب الناس أن يجتمعوا على ما يصير المسلم به مسلما. فهم يريدون بذلك التوجه إلى المصادر الأصلية والابتعاد عن مواطن الخلاف في الفرعيات لأن الخلاف فيها أمر ضروري ، وأن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافى مع طبيعة هذا الدين ، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان ، وهو لهذا سهل مرن هين لين لا جمود فيه ولا تشديد. وكان سبيلهم في ذلك الاهتمام بتكوين الأعضاء المنضمين بالتربية وطبعهم على هذه المبادئ حتى يتكون رأي عام إسلامي موحد وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة إليه . <br> <br />
<br />
فوضعت رسالة التعاليم عام 1943 ليوحد بها فهم الإخوان وقد حدد فيها أركان البيعة وهي «الفهم ، والإخلاص ، والعمل ، والجهاد ، والتضحية ، والطاعة ، والثبات ، والتجرد ، والأخوة ، والثقة». وقد استغرق هذا المنهج التربوي الطور الأول من نشأته وهي مرحلة التعريف واستغرق أيضا نشاط الجماعة عدة سنوات وكان سبيلهم لتحقيق أهدافهم أيضا إرسال الرسائل الخاصة إلى رؤساء الوزارات يبسطون فيها دعوتهم وحال الأمة وما تعانيه من جهل ورذيلة وفقر وضعف خلقي في وقت تنهض فيه الأمم وتتوثب والعالم يجد ويعمل والدواء في تعاليم الإسلام وكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . <br> <br />
<br />
'''المبدأ الثاني&nbsp;: اجتماعي'''&nbsp; <br />
<br />
وهو ما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة الثانية «من تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها والعمل على رفع مستوى المعيشة» وذلك لأن الأمة الناهضة أحوج ما تكون إلى تنظيم شؤون الاقتصادية ولم يغفل الإسلام هذه الناحية بل وضع كلياتها. كذلك ما نصت عليه الفقرة (د) من تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة في الخدمة الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والخير». <br> <br />
<br />
وقد رأينا اهتمامهم في المرحلة الأولى بإقامة المشروعات إلى جانب الشعب التي زاد انتشارها منذ اتخاذ القاهرة مقرًا للدعوة عام 1933 ، فأقامت مصانع للنسيج والسجاد في شبراخيت والمحمودية إلى جوار المؤسسات الثقافية والتعليمية. واتجهوا إلى تأسيس الشركات فأسست شركة المعاملات الإسلامية برأسمال قدره 30 ألف جنيه والغرض من إنشائها جميع عمليات استغلال المال بما أجازته الشريعة الإسلامية سواء كان هذا الاستغلال بطريق الإنتاج أم بطريق المبادلات التجارية من بيع وشراء وإيجار أو مقاولات. وكان اهتمامهم الصناعي الأول بالنسيج وأن كانت المصانع التي أقاموها لم يكن لها من الشهرة في بداية نشأتها غير أنها أثبتت كفاءتها حين عرضت الشعبة الاقتصادية إنتاجها من منسوجات وحرير في المعرض الزراعي والصناعي لسنة 1936 . <br> <br />
<br />
وقد تنوع إنتاج هذه الشعبة حسب وجود الشعب في الأقاليم المختلفة بما يقف الأعضاء على شؤون أقاليمهم الخاصة ومظاهر نشاطها الاقتصادي ويزيد من قدرتهم على استغلالها ويذلل لهم سبلا جديدة للانتفاع بخصائصها ومميزاتها الإنتاجية . <br />
<br />
ثم أسسوا شركة الإخوان للغزل والنسيج يقصدون منها تحرير الاقتصاد القومي ورفع مستوى العامل -وشركة التجارة والأشغال الهندسية بالإسكندرية وعدد أسهمها 3500 برأسمال قدره 14 ألف جنيه وشركة المطبعة الإسلامية برأسمال قدره 70 ألف جنيه تحت اسم دار الإخوان للطباعة والصحافة ، والجريدة اليومية برأسمال قدره 50 ألف جنيه وقد تأسست شركة المطبعة الإسلامية والجريدة اليومية عام 1946 واعتبروه ثاني مشروعاتهم الضخمة. وصدرت جريدتهم اليومية في 5 مارس 1946 وراجت رواجا كبيرا في مصر والبلاد العربية لاهتمامها بالقضايا الوطنية والعربية القومية ، ولم تقف عن الصدور إلا في سنة 1948 بصدور الأمر العسكري في 8 ديسمبر 1948 بحل الجماعة ، ولكنها تعرضت للمصادرة ومراقبة الحكومة أبان المفاوضات المصرية البريطانية وأثناء أحداث فلسطين عام 1948 ثم صدرت لهم جريدة أسبوعية بعد إلغاء الأمر العسكري القاضي بحل الجماعة من قبل قضاء مجلس الدولة وصدر العدد الأول في 20 مايو 1954 وقد صدر منها أثناء عشر عددا توقفت بعدها حيث كانت تمر الجماعة وقتئذ بمحنتها ، كما تعرضت تلك أيضا للرقابة كغيرها من الصحف المصرية في بداية الخمسينات ومع أزمة الديمقراطية في مصر. وقد عملت شركة المعاملات الإسلامية لتشجيع المدخرات وفقا لنظام الودائع ومما يتفق مع روح الإسلام من التعاون والتكافل ، فتقوم الشركة بصرف الوديعة وقدرها أربعة جنيهات ثلاثة أرباع ربح السهم ، أما في حالة الخسارة فتتحمل ثلاثة أرباع الخسارة ، ووزعت الشركة عن عام 1946 أرباحا قدرها 6%&nbsp; ، كما تألفت شركة لاستغلال المحاجر والمناجم برأسمال قدره 60 ألف جنيه لاستغلال محاجر الرخام التي كشفت عنها الأبحاث التي قامت بها شركة المعاملات ويعتبر بعضها علميًا وفريدا وقد أصدرت مصلحة المناجم للشركة تصريحا باستغلال هذه المحاجر. وتأسست شركة التوكيلات التجارية التي شعلت التجارة والنقل والإعلان وتعددت فروعها حيث قدمت مشروعات اقتصادية تعاونية تكفل السلع الاستهلاكية وأنشئت شركة الإعلانات العربية عام 1947 وكانت أعمالها تشمل النشر بالصحف ، والدعاية بالسينما وعمل الرسوم الفنية وتصميم لافتات وأغلفة المجلات . <br> <br />
<br />
وقد لاقت شركاتهم وعددها سبع نجاحا كبيرا ، وكان القصد منها فضلا عن المساهمة في تحرير الاقتصاد القومي أحياء أسس التكافل الإسلامي إذ كانوا يشركون العمال في رأسمالها ويحثونهم على الاشتراك ي أسهم الشركات التي يعملون فيها بمبالغ يسيرة فكانت بذلك ادخارا للطبقات الشعبية. وفي مجال الزراعة أولوها عناية فتكونت لهم مزارع أخذوا فيها بأسباب الفن الزراعي الحديث من استخدام آلات الميكنة الزراعية وقد ذكر أنه شوهد في مزرعتهم من الآلات ما لم ير مثلها ، وكانت لهم مزرعة أقيمت على أرض استصلحوها بأسوان على مساحة 800 فدان. <br> <br />
<br />
'''ولتنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها والعمل على رفع مستوى المعيشة كما نصت عليه الفقرة ج من المادة الثانية من القانون الأساسي يلاحظ أنهم نادوا&nbsp;:'''<br> <br />
<br />
1- أن تمنع الدولة تملك الأجانب للعقارات .<br> <br />
<br />
2- أن من الأصول التي يقوم عليها دعائم النظام الاقتصادي الإسلامي الاهتمام الكامل بتمصير الشركات وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية وتخليص المرافق العامة من يد غير أبنائها فلا يصبح أن تكون الأرض والبناء والنقل والماء والنور والمواصلات الداخلية ، والنقل الخارجي حتى الملح والصودا وامتياز شركة قنال السويس.. في يد شركات أجنبية تبلغ رؤوس أموالها وأرباحها الملايين من الجنيهات ، لا يصيب الجمهور الوطني ولا العامل الوطني منها إلا البؤس والشقاء والحرمان. ويجب ألا تكون في أيدي أفراد أو شركات ، ويجب أن تخضع الثروات العامة كالمعادن لتشريع يصون مصلحة الأمة . <br> <br />
<br />
وهي أصول لما كرسه حسن البنا حيث كتب أن الأجانب الذين احتلوا هذا الوطن بغفلة من أهله ، وتساهل من حكامه ، وظلم من غاضبيه ، أسعد حالات من أهله وبنيه ، وأنهم قد وضعوا أيديهم على أفضل منابع الثروات فيه شركات أو أفرادا ، فالصناعة والتجارة ، والمنافع العامة ، والمرافق الرئيسية ، كلها بيد هؤلاء الأجانب حقيقة ، أو الأجانب الذين اتخذوا من الجنسية المصرية شعارًا وما زالوا يحنون بعد إلى أوطانهم ويؤثرونها بأكبر أرباحهم.. وأن كثيرا من هؤلاء الأجانب مازال ينظر إلى المواطن المصري ، والعامل المصري ، والحاكم المصري نظرة لا تقدير فيها ولا إنصاف .<br> <br />
<br />
3- منع كل ما يؤدي إلى الاحتكار وتضخم الثروات عن غير طريق الجهد الشخصي والعمل المفيد المشروع كاحتكار صناعة السكر وصناعة المواد الكحولية واحتكار صناعة الأسمنت لأنها وسيلة تحكم في السعر والتحكم في العامل ، ووسيلة لتضخيم الثروة بطريقة جائرة لا تحقق تكافؤ الفرص للجميع وشأناه كالمرافق العامة يجب أن تبقى ملكًا للشعب .<br> <br />
<br />
4- للدولة عند الحاجة الماسة أن تتدخل في الثروات العامة والخاصة والمرافق الكبرى بما تقتضيه مصلحة الأمة العليا على أن لا يقضي ذلك على الملكية الفردية والتنافس الاقتصادي&nbsp; ، فكل ما يؤدي إلى جلب مصلحة عامة أو دفع ضرر عام فهو واجب على السلطان ، فتطبيقا لذلك يجب على الدولة&nbsp;:<br> <br />
<br />
(أ) سحب الأموال الفائضة من أيدي أصحاب رؤوس الأموال المتضخمة. <br> <br />
<br />
(ب) منع الفقر بتوفير العمل لكل قادر والتأمين الاجتماعي لكل عاجز&nbsp; ، هذا ما نادوا به وقد ارتبط المبدأ الاقتصادي بأهداف اجتماعية. وذهبت صحف معارضة لهم «أن في دعوة الإخوان نزعة شيوعية لأن أربعة من أعضائها قد تضمنت خطبهم ما بحث الفلاحين على المطالبة بملكية الأرض ، وأن الإخوان والشيوعيين يشتركون في الإخلال بالنظام .<br> <br />
<br />
ولكن دعوتهم- كما رأينا- كانت استلهاما من مبادئ الإسلام التي قامت على التعاون والتكافل بما تفرضه طبيعة الاجتماع ولكن المتخمين بالثروة يأبون أن يردوا على الفقراء والمساكين بعض حقهم الذي يوجبه الدين ، والقوانين عاجزة عن معالجة هذه الحالة لأنها لا توجد ولا وتنفذ إلا إذا رضي بها السادة الأغنياء. <br> <br />
<br />
وأن في مصر ماليين يكدسون الأموال عقارات ومنقولات ومشروعات صناعية ويستخدمون عمالا يكدحون ويشقون بأجور تافهة لا تقوم باللقمة الجافة والكساء الذي لا يستر العورة ، وليس في مصر قانون يلزم أصحاب الأموال أن يشركوا في أرباحهم العمال كما يقضي بذلك الإسلام ، وصاحب المال يكدس خزائنه ذهبا وفضة ، والعامل يكدس في قلبه غضبا وحقدا ينمو ويزيد كل يوم . <br> <br />
<br />
والأهداف الاجتماعية مرتبطة بما يتخذ من أصول اقتصادية فهدفها كما نصت عليه الفقرة د من المادة الثانية&nbsp;: «تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة في الخدمة الشعبية ، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والتأمين واخلير «فنادوا في شأن تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي&nbsp;: 1- أن تؤخذ الزكاة وتنظم ليستعان بها في القضاء على الفقر والأمراض الاجتماعية ، وليس ما يمنع أن تفرض في كل ما يسمى مالا أو كسبا ، وكل ما يغل غلة ولو لم يكن من الأنواع التي فرضت فيها الزكاة على عهد النبي ، وكذلك يجوز التصرف في مصارف الزكاة -قياسا على تصرف عمر في شأن منع المؤلفة قلوبهم- فلا يعطي نقدا أو عينا لمن يصرف لهم بل تؤسس لهم به مصانع أو تشتري لهم به حصص في ممتلكات أو مؤسسات ليصبح مورد رزق دائم لهم ، ويجب على الدولة توفير المأكل والملبس والمسكن والدواء والعلاج والعلم لكل فرد من أفراد الشعب&nbsp; ومن حق كل وليد أن يجد الكفاية الغذائية والرعاية التربوية ما يجده كل وليد آخر في الدولة لأن الجميع يجب أن تتاح لهم الفرص متكافئة .<br> <br />
<br />
2- إعادة النظر في نظام الملكيات بتحديد الملكية وتعويض أصحاب الملكيات الكبيرة وتشجيع الملكيات الصغيرة حتى يشعر الفقراء المعدمون بأن قد أصبح لهم في هذا الوطن ما يعنيهم أمره وتوزيع أملاك الحكومة عليهم وقرروا أن يكون للفلاح حد أدنى للملكية وحق للحصول على سكن صالح وتأمين الصحة .<br> <br />
<br />
3- تنظيم الضرائب وفرضها تصاعديا بحسب المال لا بحسب الربح ويعفى منها الفقراء وتجبي من الأغنياء الموسرين وتنفق في رفع مستوى المعيشة <br> <br />
<br />
4- تيسير العمل لكل فرد وتأمين الأجر الذي يتناسب والكفاية بمطالب الطعام واللباس ، وأن يراعى الحد الأدنى للأجور وهو مراعاة مستوى المعيشة في البيئة وتحديد أوقات العمل ومنع استخدام الأحداث وتحريم تشغيل النساء إلا فيما يتفق مع طبيعتهن ووظيفتهن الاجتماعية . <br> <br />
<br />
أما مساهمتهم في الخدمة الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والخير النافعة ، فقد بدء الاهتمام بها في الطور الأول وهو مرحلة التعريف بالدعوة حين أنشأوا المؤسسات العلمية والاجتماعية كالمساجد ودور التعليم كدار حراء ومدرسة أمهات المؤمنين. وقد توسع هذا الاهتمام فيما بعد فألفوا اللجان لتنظيم أعمال البر وأنشأوا أقساما مستقلة طبقا للوائح خاصة تتفق مع القانون رقم 49 لسنة 1945 .<br> <br />
<br />
والتفتوا إلى الناحية الصحية ، فأقبلوا على إنشاء المستشفيات والمستوصفات في مختلف المدن لعلاج المرضى من مختلف الأديان فبدأ القسم الطبي بإنشاء مستوصف في 15 نوفمبر 1944 وأعقبته مستوصفات أخرى في غير القاهرة. وبعد مباشرة نشاطهم عام 1951 أمكن حصر 17 مستوصفا في القاهرة وحدها يلحق ببعضها صيدلية ومستشفى داخلية كذلك كان إنشاء المنشآت العلاجية في غيرها من محافظات مصر وأكثروا من المجموعات الصحية بشعب الريف المصري لسد الحاجة في بيئات الفلاحين. وفي مجال التعليم أنشأوا لجنة للعناية بالثقافة تابعة للجنة التربية وألفوا لجنة لإنشاء مدارس ابتدائية وثانوية وفنية تكون ذات طابع خاص تتميز به على سائر المدارس الحرة ، وقد حققوا من ذلك:<br> <br />
<br />
'''أولا&nbsp;''': فتح عدد من المدارس لمحو الأمية وتنمية الثقافة الدينية وقد ذكر أن عدد إحدى هذه المدارس بلغ مائة عامل <br> <br />
<br />
ثانيا&nbsp;: مكاتب لتحفيظ القرآن نهارًا ومدارس ليلية لتعليم العمال والفلاحين.<br> <br />
<br />
'''ثالثًا&nbsp;''': شعب لتعليم الأولاد الذين حرموا من التعليم لاشتغالهم بالصناعات ودور للصناعة ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم .<br> <br />
<br />
وكانت هذه المدارس تقوم إلى جانب الشعب بحيث لم تكن تخلو من مؤسسات تعليمية ، وحين وضعت الحكومة منهاجا لمكافحة الأمية طلبت وزارة المعارف سنة 1946 إليهم أن يساعدوها في تنفيذ خطتها . <br> <br />
<br />
وأولوا عنايتهم إلى تربية الأطفال فأنشئت رياض الأطفال ومدارس الجمعة وقد بلغت هذه المعاهد والمدارس في القاهرة وحدها 11 معهدا ليليا ، ومدرستين لمحو الأمية ، 7 رياض أطفال ، 10 مدارس جمعة ومدرسة للدراسات التجارية. ولم تخل محافظات القطر الأخرى من هذا النشاط التعليمي. وقد دعوا إلى سياسة ثابتة للتعليم تنهض بمستواه وتقرب بين الثقافات المختلفة في الأمة ، ذلك لأن التعليم في مصر يسير على لونين من ألوان التربية ، فهناك التعليم الديني الذي ينتهي إلى الأزهر وهناك التعليم المدني يتميز كل منهما بخواصه ومميزاته وهل لذلك من سبب سوى أن السلسلة الأولى أثر الإسلام الباقي في نفوس هذه الأمة ، وأن السلسلة الثانية هي نتاج مجاراة الغرب والأخذ عنه. فما الذي يمنع من توحيد التعليم على أساس التربية القومية ثم يكون بعد ذلك التخصص .<br> <br />
<br />
والاهتمام بالتربية الوطنية والتاريخ الوطني وتاريخ حضارة الإسلام ، كما دعوا إلى تقرير التعليم الديني مادة أساسية في كل المدارس على اختلاف أنواعها وفي الجامعة أيضا وإعادة النظر في مناهج تعليم البنات كما طالبوا بوجوب إصلاح المعلم الذي هو نصف المدرسة . <br> <br />
<br />
وأولوا الإصلاح التربوي والخلقي اهتمامهم ودعوا أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرمه الله وإلغاء مظاهر الحياة التي تخالف ذلك بما نادى به حسن البنا في مقالاته إلى الأمة الناهضة «المنشور عام 1933- 1934 من القضاء على البغاء بنوعيه السري والعلني والقضاء على القمار بكل أنواعه من ألعاب ويانصيب ومسابقات وأندية وما أكده حسن الهضيبي في بيان الإخوان غداة قيام ثورة 23 يوليو 1952 . <br> <br />
<br />
<br> <br />
<br />
'''المبدأ الثالث&nbsp;: وطني قومي ''' <br />
<br />
وهو ما نصت عليه الفقرة هـ من المادة الثانية «تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي في كل مكان وتأييد الوحدة العربية والسيرالي الجامعة الإسلامية». <br> <br />
<br />
ويبدو أن صياغتهم هذا المبدأ على تلك الصورة من الجمع بين تحرير وادي النيل وامتداده إلى الأقطار الإسلامية وموقفهم من الوحدة تعبير عن نظرتهم إلى طبيعة دعوتهم ، فالوطن كما كتب حسن البنا في مقالاته «إلى الأمة الناهضة» يشمل القطر الخاص أولا ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى فكلها للمسلم وطن ودار. وأردف هذه النظرة في غير مناسبة حيث ذكر أن المصرية لها في دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها من الكفاح والنضال. أننا مصريون بهذه البقعة الكريمة من الأرض التي نبتنا فيها ونشأنا عليها ومصر بلد مؤمن تلقي الإسلام تلقيا كريمًا وزاد عنه.. وقد انتهت إليه بحكم الظروف الكثيرة حضانة الفكرة الإسلامية والقيام عليها فكيف لا نعمل لمصر ولخير مصر؟<br> <br />
<br />
وكيف لا ندفع عن مصر بكل ما نستطيع. وكيف يقال أن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعوا إليه رجل ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام أننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب عاملون له مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك ما حيينا معتقدين أن هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة ، وأنها جزء من الوطن العربي العام ، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام «فهم لا يؤمنون بالقومية إذا أريد بها إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت ، لذلك فإنهم لا يؤمنون بالقومية بهذه المعاني ولا بأشباهها ولا يقولون فرعونية وعربية وفينيبقية وسورية وما فيها من الاعتزاز بالجنس&nbsp;: ولكن ليس يضير من أن نعني بتاريخ مصر القديم وبما ترك قدماء المصريين من آثار الحضارة والعمران وبما سبقوا إليه الناس من المعارف والعلوم والفنون ، فنحن نرحب بمصر القديمة كتاريخ فيه مجد وفيه عزة وفيه علم ومعرفة. ونحارب هذه النظرية بكل قوانا كمنهاج عملي يراد به صبغ مصر به ودعوتها إليه بعد أن هداها الله بتعاليم الإسلام (وهو ي ذلك يشير إلى ما كتبه المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل في جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين من الدعوة إلى الفرعونية). فتلك أولى حلقات السلسلة ، والثانية هي العروبة «فلها في دعوتنا كذلك مكانها البارز وحظها الوافر ، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها وأن كل شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا ، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبدًا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أمل واحد وهدف واحد ، وجعلت من مكان هذه الأقطار جميعا أمة واحدة مهما حاول المحاولون وافترى الشعوبيون». وهم لا يؤمنون بالعروبة كقومية يراد بها الاعتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقاص الأجناس الأخرى.<br> <br />
<br />
فالعربية (أو العروبة) ليست كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي» «وبذلك نعلم أن هذه الشعوب الممتدة من خليج فارس إلى طنجة ومراكش على المحيط الأطلسي كلها عربية تجمعها العقيدة ويوحد بينهما اللسان ، وتؤلفها بعد ذلك هذه الوضعية المتناسقة في رقعة من الأرض واحدة متصلة متشابهة لا يحول بين أجزائها حائل ، ولا يفرق بين حدودها فارق ، ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للإسلام ولخير العالم كله». <br />
<br />
وهم يرون هذه الحلقة هي وسطى السلسلة التي تسمو فتجعل العقيدة الإسلامية توجب على كل مسلم قوى أن يعتبر نفسه حاميًا لكل من تشربت نفسه بتعاليم القرآن فلا يجوز في عرف الإسلام أن يكون العامل العنصري أقوى في الرابطة من العامل الإيماني».<br> <br />
<br />
ونظرتهم إلى إطار هذه الدعوة يغلب ما نجده في أمة العرب والإسلام وقد أمعت وذهبت ريحها ، وشعوبها بعضها تارة معش رق وطورا مع غرب وأخرى قد انحازت إلى يمين وثالثة إلى يسار وما تدري لها سعة في دنيا المبادئ ثابتة.. والأخطار التي تحوط بها تترى وهي منذ قديم ينفخ فيها كل من الشرق والغرب ونحن غفل عنها بإذكائهما للانفصالية والعنصرية البغيضة والناس ينسون أنهم عرب تجمعهم رابطة لسان أو مسلمون تصلهم وشيجة عقيدة. فانظر إلى بلاد المغرب سواء ما اصطلح عليه قديما المغرب الأقصى أو المغرب الأوسط (الجزائر) تجد أذكاء لروح التعصب الذميم ، فهؤلاء عرب وأولئك بربر أو هؤلاء عرب وأولئك قبائل وما يدرون أنهم جميعا مغاربة أو جزائريون جمع بينهم تراب وطن أو أنهم جميعا مسلمون ، وينسون أنها السياسة الاستعمارية منذ قديم والتي سعت للتفرقة بينهم إذ رأت في وحدتهم والإسلام يجمعهم خطرا عليها». <br />
<br />
ودرس آخر في انقسام الباكستاني إلى دولتين متمايزتين بعد إذكاء العصبية الممقوتة والإقليمية الضيقة ، فهذا بنغالي وذاك بنجابي ، والقوى الكبرى التي تحيك خيوط المؤامرة توقد في المرجل فإذا وقعت الواقعة كانت المذابح التي انتهكت فيها الأعراض ولم تنته بعد فصولها الدامية فتارة أخرى تثار الانفصالية فيما بقي من الباكستان لقبائل البلوخستان والتي يشد من أزرها قوى لتحقيق أهداف إستراتيجية منذ بعيد وينسى الجميع أنهم مسلمون. وهذه إيران تنفخ القوى الكبرى في مرجل الشعوبية والانفصالية لتذهب بقوتها فهؤلاء أكراد يسعون لانفصال وأولئك تركمان وآخرون من عربستان وينسى الجميع أنهم إيرانيون تجمعهم وشيجة عقيدة. ودروس من هنا وهناك والمسلمون في غفلة عما يراد بهم وهي سياسة مرسومة منذ عهود ولكن أمة العرب والإسلام لا تدرك دروس التاريخ وإذا أدركتها لا تعيها لأمية متفشية بينها وأمية ذوي السلطان فيها. وقد كاد النزاع في العالم القديم يفرغ بين القوى الكبرى على الوحدات السياسية خارج العالم الإسلامي وستبقى أرضنا ميدان صراع يساعد على هذا وضعها الجغرافي وامتدادها كالمعبر الضخم بين المحيطين الأطلسي والهادي والبترول الكامن في أرضها ، وملايين البشر الذين يضطربون فوقها والعقيدة القوية التي يعتنقها أهلها ، ولا نكون مغالين إذا قلنا أن مستقبل السلام مرتبط بالإسلام ، وإن عقيدتنا هي التي تملك -وحدها-مقومات البقاء الحقيقي لو وجدت أمة تفقه وتعي&nbsp; نظرة الإخوان الوطنية تناولت نظرتهم الوطنية للقطر الخاص أوضاعه الاجتماعية والأخرى السياسية وقد عرضنا للأولى في المبدأ الاجتماعي أما الأخيرة فقد ظلوا يشيرون إلى إحياء نظام الحكم الإسلامي وتوحيد جهود الأمة وهو ما دعاهم إلى المطالبة بإلغاء الأحزاب السياسية ، إذ يرون أن هذه الأحزاب وجدت في ظروف خاصة ولد واع أكثرها شخصي لا مصلحي ويعتقدون أن النظام النيابي في غنى عن نظام الأحزاب وكان من رأيهم أن يقوم نظام تجتمع به جهود الأمة حول منهاج قومي إسلامي ومعنى ذلك أن يقوم حكم إسلامي في مصر لا مجال فيه للحزبية السياسية ولا يمنع من أن تجمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها ويضع أصول الإصلاح الداخلي العامة . <br />
<br />
وحملوا على نظام الانتخاب فدعوا إلى تعديل وإصلاح قانونه وذلك بوضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم مما يؤهلهم للتقدم للنيابة عن الأمة بأن تكون لهم من الصفات والمناهج الإصلاحية في ذلك ، وكذلك شأن المرشحين الممثلين لهيئات بأن تكون لهذه الأخيرة برامج واضحة وأغراض مفصلة وإصلاح جداول الانتخاب وفرض التصويت إجباريا ووضع عقوبة قاسية للتزوير والرشوة الانتخابية ، وأن الانتخاب بالقائمة أولى وأفضل حتى يتحرر النواب من ضغط ناخبيهم وتحل المصالح العامة محل المصالح الشخصية في تقدير النواب . <br />
<br />
ورأى حسن البنا عن احترام الأمة «إن الظاهر من أقوال الفقهاء ووصفهم إياهم أن اصطلاح أهل الحل والعقد ينطبق على ثلاث فئات هم&nbsp;: <br />
<br />
1- الفقهاء والمجتهدون الذين يعتمد على أقوالهم في الفتيا واستنباط الأحكام. <br />
<br />
2- وأهل الخبرة في الشؤون العامة. <br />
<br />
3- ومن لهم نوع قيادة أو رئاسة في الناس كزعماء البيوت والأسر وشيوخ القبائل ورؤساء المجموعات فهؤلاء جميعا يصح أن تشملهم عبارة أهل الحل والعقد . <br />
<br />
ولمشاركتهم فيما تبنوه ومناداتهم بقيام الدولة الصالحة فقد رأوا أن يشتركوا في انتخابات مجلس النواب. وهذا الاشتراك يعود إلى ما قرره المؤتمر السادس المنعقد عام 1361هـ 1942 وقد أورد البنا الفوائد التي يرتجيها الإخوان من دخولهم الانتخابات والتي من بينها وصول دعوتهم إلى المحيط الرسمي وأن أقرب طريق إليه هو منبر البرلمان وأن الإسلام لما كان لا يعترف بالتفريق بين الحيز الديني والحيز السياسي في حياة الأمة فإنهم يطالبون بأن يعلنوا رأي الإسلام في مناحي الحياة وأن النيابة البرلمانية هي الوسيلة المثلى لتحقيق أهدافهم ومبادئهم&nbsp; ورأوا أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب النظم القائمة في العالم كله إلى الإسلام وهي التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة وتنظيم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومسؤوليتهم. <br />
<br />
وذهب بعض كبار العلماء&nbsp; أن ترشيح بعض أعضاء الجماعة أمر واجب لأنه يفيد الحياة النيابية في مصر وأنه ليس بمانع من القسم باحترام الدستور ، وأن يسعى في تغيير بعض القوانين التي تخالف الإسلام وتجافي أحكامه. <br />
<br />
على أن الظروف قد حالت بينهم وبين ما كانوا يطمحون إليه ، وقد ظلوا يشيرون إلى إحياء نظام الحكم الإسلامي. وقد اقتضاهم مبدئهم الذي اعتنقوه من تحرير وادي النيل أن يقفوا من الإنجليز موقف العداء ومع تسليمهم أن معاهدة 1936 غل في عنق مصر وقيد في يديها فقد رأوا أن لسان القوة هو أبلغ لسان للتخلص من هذا القيد . <br />
<br />
وقد ثبتوا على هذا المبدأ وظلوا يطالبون بتحرير وادي النيل فكتبوا إلى الزعماء مطالبين بتوحيد صفوفهم وأيدوا علي ماهر في قراره تجنب مصر ويلات الحرب العالمية الثانية ، ولم يوافقوا أحمد ماهر وكتبوا إليه ناصحين بالعدول عن قراره بإعلان الحرب على المحور ( ، وبعد إعلان هدنة الحرب ظلوا يطالبون بتحقيق المطالب الوطنية والجلاء عن وادي النيل ومع اعتناقهم مبدأ رفض المفاوضة مع الإنجليز حتى تاريخ الحل الأول عام 1948 . <br />
<br />
إلا أنهم أظهروا الساندة من أجل الوصول إلى اتفاق يضمن حقوقها وعارضوا اتفاقية صدقي -بيفن لتعارضها والاستقلال الصحيح واشتركوا في سعي الشباب عام 11946 في توحيد جبهة المقاومة الوطنية والتقريب بين الأحزاب ولكن هذه الحركة أخفقت وكونوا على أثرها لجنة من الجماعات الإسلامية والعربية كالشبان المسلمين والوحدة العربية وانضمت إليها بعض الشخصيات المستقلة كالمرحوم محمد علي علوبة (الوزير الأسبق) وقد أرجع المؤرخ عبد الرحمن الرافعي هذا الإخفاق لوقوف أنانية الأحزاب وبخاصة الوفد حجر عثرة دون نجاح الشباب في مسعاهم عام 1946 فقد دأب الوفد على رفض كل فكرة عثرة دون نجاح الشباب في مسعاهم عام 1946 فقد دأب الوفد على رفض كل فكرة ترمي إلى توحيد الصوف وإزالة الأحفاد من النفوس ، وكانت سياسته ولم تزل تهدف إلى هدم كل هيئة أو جماعة أو شخصية تخالفه في الرأي وتأبى العبودية التي يدين بها أشياعه وأتباعه لبضعة النفر الذين يتسلطون عليه . <br />
<br />
وإزاء التفاوض قيدوا إجرائه في فترة زمنية قصيرة وذلك بعد التصريح لهم بمباشرة نشاطهم عام 1950 وإلغاء الأمر العسكري عام 1951. وأدى اعتبارهم تحرير الوطن من الإنجليز فرضا دينيا إلى كسب مؤازرة طوائف الشعب ، وليس من شك أنهم برزوا على منافسيهم حين أعلنوا إخفاق الوسائل السلمية في تحقيق المطالب الوطنية ودعوا إلى افتتاح معسكر للتدريب العسكري ، وعلى أثر هذه الدعوة وحين أجريت انتخابات مجالس اتحاد طلبة جامعة القاهرة (فؤاد في ذلك الوقت) اكتسحوا جميع الأحزاب فحصلوا على المقاعد الآتية&nbsp;: <br />
<br />
*اتحاد كلية الزراعة 11/ 11.<br />
<br />
*اتحاد كلية العلوم 11/ 11.<br />
<br />
*اتحاد كلية الهندسة 7/ 10.<br />
<br />
*اتحاد كلية الآداب 11/ 16.<br />
<br />
*اتحاد كلية الحقوق 9/ 10.<br />
<br />
*اتحاد كلية الطب 9/ 13.<br />
<br />
وقد لفت تفوقهم في كلية الحقوق بحصولهم على تسعة مقاعد الأنظار لأن هذه الكلية عرفت بأنها معقل الطلبة الوفديين . <br />
<br />
'''وفي جامعة عين شمس (إبراهيم سابقا) كانت نتيجة انتخابات مجالس اتحادات الطلبة وفقا لما يلي&nbsp;:''' <br />
<br />
*كلية الزراعة 9/ 9.<br />
<br />
*كلية المعلمين 8/8.<br />
<br />
*كلية العلوم 7/ 10.<br />
<br />
*كلية الفنون التطبيقية 8/ 15.<br />
<br />
*كلية الآداب 4/ 8.<br />
<br />
'''وفي جامعة الإسكندرية (فاروق سابقا) لم تخرج نتائج الانتخابات عن هذا التفوق&nbsp;&nbsp;: ''' <br />
<br />
*ففي كلية الآداب 6/ 8.<br />
<br />
*كلية العلوم 5/ 8.<br />
<br />
*كلية الهندسة 6/ 8.<br />
<br />
*كلية الطب 6/ 8.<br />
<br />
*كلية الزراعة 9/9.<br />
<br />
وقرنوا تحرير وادي النيل بتحرير البلاد العربية جميعا والوطن الإسلام بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي. فهم يرون أن الوطن الإسلامي واحد لا يتجزأ مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده ، وأن العدوان على جزء من أجزائه عدوان عليه كله. لذلك لا بد أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملوا متساندين متحدين على التخلص من نير الدول المعتدية. وتنفيذا لهذه السياسة ساهموا بفعالية في قضية فلسطين التي اعتبروها قضية كل مسلم ، وأعلنوا تضامنهم التام مع إخوانهم عرب فلسطين في مطالبهم في وقف هجرة اليهود والاستقلال التام لفلسطين على أساس اتفاق شريف يضمن حقوق العرب ويعامل فيه اليهود معاملة الأقليات في جميع البلدان ، كما أرسلوا رسالة إلى رئيس الوزراء حينئذ معلنين أن العالم العربي ينتظر من حكومة مصر عملا جديا لحل قضية فلسطين. ولما بدت أحداث عام 1948 تتلاحق ووقع الصدام بين اليهود والعرب ، أرسلت جماعة الإخوان الكثيرين من متطوعيها للقتال مما دل على ظهور أثر التدريب الروحي وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات وهو ما شهد به القائد الأول لحملة فلسطين ومن خلفه&nbsp; ولم يفصل حسن البنا بين نشاط اليهود والصهيونية في فلسطين ، ودورهم في السعي الدائب والاهتمام بشبه جزيرة سيناء. فكتب قبل قيام دولة إسرائيل في فلسطين بعامين موضحا للمسؤولين المصريين الذين كانوا يفاوضون الإنجليز حينئذ أهمية هذا الجزء من مصر ويحذرهم من إهماله أو التفريط فيه ، ودعا إلى الاهتمام بسيناء وكشفت البحوث ما بها من بترول ومعادن وكنوز ، وأن أرضها عظيمة القابلية للزراعة وفي الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات على نحو بيارات فلسطين تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات وأن اليهود قد تنبهوا إلى هذا المعنى ووضعوه في برنامجهم الإنشائي وهم يعملون على تحقيقه إذا سنحت لهم الفرص. وقد دعا في مقالة الحكومة لتبني بعض المشروعات في سيناء من أجل إنمائها ، ومن بينها نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود ، وأن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش يفد إليها طلاب المشرق مع أبناء مصر يتلقون العلم ، كما دعا الحكومة بألا تدع سيناء فريسة في يد الشركات الأجنبية وأن هذا الجزء هو مصدر خير وثراء . <br />
<br />
كما جدد سيد قطب في مقال كتبه في جريدة الدعوة عام 1952 هذا التحذير ، وأطلقها صيحة تنبيه للغافلين شارحا أهمية سيناء وخطورتها كمجال حيوي للشعب المصري ومحذرًا من التفريط في هذا الجزء العزيز من أرض الوطن ، وأن إسرائيل تقترب يوما بعد يوم من حدود سيناء المصرية وأنهم يقيمون على الحدود استحكامات قوية وأن أمامهم ألوف الأميال المربعة في الشقة المصرية خلاء. فإذا أرادوا هم أن يزحفوا فسيزحفون من استحكاماتهم على الحدود ووراءهم العمار. <br />
<br />
وإذا أردنا نحن -يقصد المصريين- حتى أن ندافع وقفت جيوشنا ووراءها هذه الألوف من الأميال القاحلة الجرداء الخالية من السكان. ودعا إلى الاهتمام بسيناء فهي كافية لإعاشة مليون من الناس لو وجدت من يعمرها ويرد إليها الحياة . <br />
<br />
كما آزروا قضايا المغرب العربي فأصدروا عددين خاصين في عام 1944 ، وأقاموا مؤتمرا في المركز العام لبحث قضاياه شهده علماء الجزائر والمغرب <br />
<br />
ومع اعتناقهم الإسلام عقيدة وعبادة ، فيرون أنه وطن وجنسية لا يعتبر بالفوارق الجنسية الدموية ، نادوا بأن وطنهم -كما قدمنا- هو كل شبر أرض فيه مسلم ، ويرون أن يعمل كل إنسان لوطنه (القطر الخاص) وأن يقدمه على سواء ويؤمنون بالوحدة العربية) يفهمونها أنها عربية اللسان ويعملون لإحيائها وتأييدها ومناصرتها. <br />
<br />
ثم هم بعد ذلك يؤمنون بالوحدة الإسلامية. فأبرزوا أن الوحدة العربية هي الحلقة الوسطى في الوحدة الإسلامية وكتب البنا «إن الأمة تتكون قوميتها من لغتها ودينها وعاداتها وثقافتها وما إلى ذلك من مظاهر الحياة ولم يكن التأييد للدعوة العربية مناقضا للفكرة القومية ومع قرب إنشاء جامعة الدول العربية أعلن الإخوان المسلمون تأييدهم الكامل حيث أملوا أن تستيقظ الشعوب العربية من غفوتها وأن تعمل لإعادة مجدها التليد وعظمتها القديمة فتحتل مكانها اللائق في قيادة العالم وأن تتحقق أماني البلاد العربية في الاتحاد والقوة والنهوض لمجابهة الأحداث والتطورات المقبلة كتلة واحدة، وكانوا يرون ضرورة اتحاد السياسة الخارجية والعمل على توحيد السياسة الداخلية حتى تسير البلاد العربية إلى أهدافها وقد نادوا بهذا في منشور وزع على مرشحيهم لانتخابات عام 1945 دعوا فيه إلى توثيق الروابط الكاملة بالأمم العربية والإسلامية ومساعدة هذه الأقطار على استكمال حريتها واستقلالها فهم جيراننا في الوطن وإخواننا في الدين وبنو عمنا في النسب وشركاؤنا في اللغة والمصالح والآلام والآمال&nbsp; وبعد قيام جامعة الدول العربية رأت جماعة الإخوان أنها توسع دائرة الوطنية أمام المصريين وتجمع لهم قلوب بني عمومتهم وتضم شتات جنسهم وتحيط وطنهم الخاص بقلاع من القلوب المحبة المخلصة فكتب حسن البنا يقول «من أول يوم ارتفع صوت الإخوان المسلمين هاتفا بتحية الجامعة العربية والإخوة الإسلامية إلى جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية ، وكان الإخوان يرون أن الدنيا ستصير إلى التجمع والتكتل وأن عصر الوحدات الصغيرة والدويلات المتناثرة قد زال أو أوشك ، وكان الإخوان يشعرون بأنه ليست في الدنيا جامعة أقوى ولا أقرب من جامعة تجمع العربي بالعربي فاللغة واحدة والأرض واحدة والآمال واحدة والتاريخ واحد وهكذا تحقق الأمل رسميا بتكوين الجامعة العربية&nbsp; ، كما شجعت الجماعة تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلاد العربية وربط بعضها ببعض اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ودفاعيًا <br />
<br />
بيد أن نظرة التفاؤل التي استقبل الإخوان بها قيام جامعة الدول العربية سرعان ما تبدلت. فقد أثارت أنشطة الإخوان خلال المعارك في عام 1948 مخاوف الحكومة المصرية التي كانت تعد لحل الجماعة مما أدى إلى اعتقال متطوعي الإخوان في الميدان وتجريدهم من السلاح ، كما أثارت شكوك كثير من الحكومات التي كانت تعادي في معظمها الحركات ذات أنظمة التدريب ففترت همة جماعة الدول العربية في الدعوة لمواصلة الجهاد ودعم حركة التطوع ضد اليهود وقد رأى حسن البنا أن كل هذه الأمور تعبر عن رغبة الجامعة والحكومات العربية في تصفية القضية الفلسطينية وأن هذه الرغبة كانت من أهم أسباب حل الجماعة . <br />
<br />
ونظرة البنا في هذا الشأن لا تختلف عن كثير من الكتاب والمؤرخين الذين أكدوا دور الجامعة السلبي الذي أزال كل ما كان يؤمل منها. ثم هم يعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوة الإسلام ويعملون للجامعة الإسلامية باعتبارها السياج الكامل للوطن الإسلامي العام. <br />
<br />
وهم يرون أن الخلافة رمز للوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام ويجعلونها على رأس مناهجهم ، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات ، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات من التعاون الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها ، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الإجماع على الإمام الذي هو واسطة العقد ومجمع الشمل ومهوى الأفئدة . <br />
<br />
ولنظرتهم إلى الوحدة القومية والعربية والإسلامية فقد سعوا إلى نشر الدعوة خارج مصر وهذا يتبين من مراجعة نص المادة الثانية بنصها أنها هيئة إسلامية جامعة ويرجع تاريخ نشر مبادئهم خارج مصر كما سبق ذكره إلى ما اتخذه المؤتمر المنعقد سنة 1935 وما أولوه من اهتمام بشؤون العالم الإسلامي. <br />
<br />
وقد بدأ إنشاء الفروع خارج مصر ابتداء من عام 1937 حيث تأسست فروع في سوريا إلا أن انتشارهم الواسع في البلاد العربية كان في سنة 1946 حين تأسست فروع فلسطين والأردن والعراق ولبنان والسودان وتأسست لهم فروع أخرى في اريتريا والمغرب ويرجع هذا الانتشار الواسع إلى وفود الطلاب التي وفدت على مصر ينهلون العلم في معاهدها فاتصلوا بهذه الجماعة وأخذوا عنها مبادئها وانتسبوا إليها من أصقاع العالم الإسلامي قاطبة فلما عادوا إلى بلادهم كانوا نواة هذه الفروع في الباكستان وأفغانستان وإيران وغيرها.. <br />
<br />
وقد آختهم بعض الجماعات الإسلامية في تلك البلاد ومنها الحزب الإسلامي باندونيسيا والجماعة الإسلامية بالباكستان. وقد بلغ اهتمامهم بالعالم الإسلامي أن أنشأوا قسما خاصا به كان يجمع من المعلومات ما لا يتيسر في أي جماعة أخرى ، وقد عمل به أعضاؤها من مختلف البلدان ممن كانوا يقيمون بمصر حينئذ. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
'''المبدأ الرابع: تعاون دولي''' <br />
<br />
وهو ما نصت عليه الفقرة (ز) بقولها أن غاية الإخوان مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل المثل العليا الفاضلة التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق ، والمشاركة في بناء السلام والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر الإيمان والمادة كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة.. <br />
<br />
وهذا المبدأ -في رأينا- هو شطر لما نص عليه في الفقرة هـ من ذات المادة الثانية وكما عرضناها آنفا في المبدأ الثالث حيث قرنوا تحرير وادي النيل وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعة الإسلامية ، فهم كانوا يرون الأخذ بالثمرتين أكثرهما نضجا أيدوها وباركوا قيام جامعتها لأنها عدة الحاضر وأمل المستقبل لتحتل الشعوب العربية مكانها اللائق في قيادة العالم وحيث يجمع العربي بالعربي ، فاللغة واحدة والأرض واحدة وآمال واحدة والتاريخ واحد ، وأن على رجالها أن يقدروا هذه التبعة ويعملوا على تحرير أجزاء الوطن العربي مع تنمية العلاقات فيما بينها حتى تسير البلاد إلى أهدافها <br />
<br />
وفي هذا يتفقون وما ذهب إليه آخرون يخالفونهم دينا ولكن وحدت بينهم الوطنية والعروبة. فكتب مكرم عبيد مذكرًا بها «فالرجل يعيش لنفسه ثم لأسرته وإقليمه» ، وفي الوقت نفسه يعيش لوطنه وللأوطان التي تربطها بوطنه روابط لا انفكاك لها وأن تنظيم الوحدة العربية ممكنا قيامها مما يؤدي إلى توحيد الجهود والتضامن العربي العام <br />
<br />
وهم مع إيمانهم بالوحدة العربية يعملون للجامعة الإسلامية. ذلك أن الخصائص التي تتمثل في الوطن الإسلامي كإقليم متصل لا توجد فيه فجوات عنصرية أو دينية هي التي تدعو إلى قيام هذا الاتحاد. فأغلب الأمم التي تدين بالإسلام قد استعربت واختلطت دماؤها بالدماء العربية أبان الفتوح الإسلامية وقيام دولة إسلامية كبرى وسعت هذه الأوطان جميعا وخضعت لعبادة واحدة معظم أدوار حياتها ، وليس هناك دولة ما في النطاق الإسلامي الممتد من اندونيسيا إلى المغرب تدين بغير الإسلام. <br />
<br />
ثم أن الإسلام كدين قد سوى بين معتنقيه جميعا فلا فضل فيه لعربي على أعجمي ولا تفرقة فيه بين العدد الكبير من معتنقيه. وهو الدين الوحيد الذي وضع الخطوط الرئيسية لشكل الدولة الإسلامية بغيرها من الدول التابعة أو الأمم التي انطوت تحت ظلها. <br />
<br />
أما الإسلام كحكم فقد حقق شكل الدولة بعد أن وسعت الدولة الإسلامية الكبرى أمما عديدة خضعت للحكومة المركزية سواء في دمشق أو بغداد أو القاهرة. والإسلام كرباط اجتماعي قد شد المسلمين بعضهم إلى بعض بأوثق رباط اجتماعي وعاش المسلمون إلى وقتنا هذا في ظلال الإخوة الإسلامية لا يدفعهم التعصب للدين ولكن يحدوهم إلى التعاون والتآلف والتآخي تقاليد دينهم السمح. وهم في هذا التآلف لا تجمعهم قومية إسلامية ، فللقومية خصائصها ومميزاتها وهي في حقيقة أمرها ثمرة للتفكير السياسي الحديث أخذت الدول تعدل عنها ولا تتمسك بها بعد أن لمست المآسي والحروب التي جرها التناحر القومي والأثرة القومية على العالم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وما تاريخ الحرب العالمية الثانية عنه ببعيد. <br />
<br />
ورجعت هذه الدول إلى الأخذ بنظام الاتحادات السياسية أو التعاهدية وهو شبيه بنظام الدولة الكبرى التي كانت تضم في كيانها عددًا من القوميات والأجناس يدفعها إلى ذلك التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول التي تجمعها مصالح اقتصادية أو سياسية واحدة أو متشابهة ومثال ذلك الاتحاد السوفياتي وهو يضم عددًا من القوميات والعناصر تكون جمهوريات لها ذاتيتها إلى حد بعيد ولكنها تكون جميعا ما يعرف باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، والكومنولث البريطاني نوع آخر من الوحدات السياسية الكبرى وأن كان كل أعضائه من قبل مستعمرات بريطانية ، ويرتبط الكومنولث برباط التاج البريطاني وهو رباط رمزي أما الرباط الحقيقي فهو المصلحة المشتركة. <br />
<br />
ومثالها أيضا في عالمنا المعاصر دول أوروبا وسعيها إلى إقامة اتحاد حقيقي يربط مصالحها المشتركة بعد أن وحدت فيما بينها المصلحة الاقتصادية والسوق الأوروبية المشتركة.. <br />
<br />
وليس هناك ما يحول دون قيام اتحاد بين الدول الإسلامية العديدة ، بل أن قيام اتحاد بين الدول الإسلامية أقرب إلى الواقع من نظام الكومنولث البريطاني مثلا وأيسر تحقيقا.. فالمسلمون لا تفصل بينهم عنصرية ولا تفرق بين أوطانهم حدود ، ولا يضعف صلاتهم اختلاف لغة أو تنوع بيئة ، والإخوان المسلمون في نظرتهم إلى هذه الوحدة أخذوا في الدعوة إليها على مراحل من التعاون الثقافي والاجتماعي والاقتصادي يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع ثم يلي ذلك تكوين عصبة أمم إسلامية. ونظموا هذه الدعوة في مبادئ بعد مباشرتهم نشاطهم عام 1950 حيث نص على أن من أغراض قسم الاتصال بالعالم الإسلامي&nbsp;&nbsp;: <br />
<br />
(أ) العمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض وتوحيد السياسة العامة لها بتوحيد مناهج الثقافة الإسلامية وتوحيد القوانين والتشريعات ورفع الحواجز الجمركية وتسهيل إجراءات الدخول والإقامة في هذه الأقطار. <br />
<br />
(ب) تحرير الأوطان الإسلامية من كل سلطان أجنبي وذلك بتقوية الروح الوطنية ومقاومة أي عدوان داخلي أو خارجي على حقوق الشعوب وإيثار العادات والمظاهر الإسلامية والاعتصام بالوحدة العربية والإسلامية ، والتعاون على استكمال الحرية لكل قطر من الأقطار الإسلامية <br />
<br />
(ج) إقامة حكومات إسلامية دينا ودولة في كل هذه البلاد وتكوين وحدة سياسية. وقد تكون هذه الوحدة بين البلاد الإسلامية على صورة دولة تعاهدية مما يعرفها القانون الدولي أو بدءًا بمنظمة كحال المنظمات الإقليمية.. وهم في ذلك يذهبون إلى ما رآه سابقون في اقتراحاتهم من تنظيم للأمم الشرقية (والقصد الإسلامية) كما أورده المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري في رسالته عن الخلافة فهو يذهب إلى إيجاد تنظيمين ديني وسياسي مستقل كل منهما عن الآخر وتحت السلطة الاسمية للخليفة وقد أقام هذا التنظيم على ثلاث هيئات&nbsp;: <br />
<br />
الأولى&nbsp;: الخليفة وهو ينتخب من مجلس الخلافة العام باقتراح من المجلس الأعلى. <br />
<br />
الثانية&nbsp;: مجلس الخلافة العام ويتكون من كل دولة إسلامية وكل جالية مسلمة (الهند- الصين- وبولندا...) ويناقش تقريرًا سنويًا يقدمه المجلس الأعلى وله الحق في وضع توصيات ويكون مقره بمكة حيث ينعقد مؤتمره في موسم الحج برئاسة الخليفة أو من ينوب عنه. الثالثة&nbsp;: المجلس الأعلى للخلافة ، وأعضاؤه يمثلون كل دولة وجالية إسلامية يجتمعون أكثر من مرة في العام في مركز الخلافة ويتألف منهم خمس لجان&nbsp;: <br />
<br />
1- لجنة الإدارة الداخلية. <br />
<br />
2- لجنة مالية. <br />
<br />
3- لجنة الحج. <br />
<br />
4- لجنة للتعليم والإرشاد الديني. <br />
<br />
5- لجنة للشؤون الخارجية. أما علاقة الخليفة مع الدول الإسلامية فتقوم عليها اللجان الوطنية ، وبالمقارنة بينه وما نص عليه في المادة 72 من اللائحة الداخلية للإخوان المسلمين نلحظ الدراسة العلمية التي أخذوا بها من الاهتمام بالمجالات الثقافية والاجتماعية ، وما يقرن ذلك من تحرير الأوطان الإسلامية ، وربما كان الأمر في ذلك أن الدكتور السنهوري قد سجل في رسالته زمن إلغاء الخلافة بتركيا عام 1924 بينما الإخوان قد أفادوا في دراستهم من مرور زهاء ربع قرن على ذلك وما نشأ خلالها من تكتلات. وكانوا يعتبرون أن كل دولة تعتدي على أوطان الإسلام هي دولة ظالمة ، وأن الوطن الإسلامي واحد لا يتجزأ مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده ، وأن العدوان على جزء هو عدوان عليه كله. لذلك لا بد أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملوا متساندين متحدين للتخلص من نير الدولة المعتدية. ذلك أن قيام أحكام الإسلام يؤدي إلى تكتل المسلمين وتحزبهم ضد الاستعمار ، وقد يطبق المستعمرون أن يواجهوا بلدًا إسلاميا ولكنهم لا يطيقون أن يواجهوا وحدة حقيقية تجتمع فيها كلا بلاد الإسلام ، وأن الإسلام يبيح للمسلم دم المستعمر وماله ، لأن المستعمر ليس إلا حربيا معتديا فكل ما يسفكه المسلمون من دم المستعمرين إنما هو دم مباح ، وكل ما يأخذون من أموالهم إنما هو مال مباح ، وكل ذلك إذا ما أتاه المسلمون بنية خالصة إنما هو عمل يتقربون به إلى الله <br />
<br />
ويربطون بين الاستعمار واستخدامه السلاح وما عجز عن تحقيقه بذلك ودور المبشرين الذين يعلمون المسلمين أن الدين شيء والعلم شيء آخر وأنهم لن يتقدموا ما لم يفصلوا بين الحكم والدين وأنهم يبغون من ذلك هدفين&nbsp;: <br />
<br />
'''أولهما&nbsp;''': إحلال الأفكار المادية كما تنادي بذلك الشيوعية. <br />
<br />
'''ثانيهما&nbsp;''': تحويل الإسلام إلى دين فردي كهنوتي لا علاقة له بالحياة العامة وهو وضع شاذ لم يألفه عالم الإسلام إلا في عصور التأخر فليس فيه سلطة دينية وأخرى مدنية يتنازعان الحكم والسلطان كما هو الحال في أوروبا ، وإنما في بلاد الإسلام سلطة واحدة تجمع في يديها شؤون الدنيا والدين وتقيم الدولة على الإسلام الذي مزج بينهما&nbsp; وأن الغرب والشرق معا (والقصد الشيوعيون) يسعون للتبشير بمعالم حضارة جديدة لها مقوماتها الخاصة ، ومن أوضح مظاهر مناهجهم المتميزة الغزو الفكري المنظم في العالم الإسلامي ويمثله الطوفان العالي من الكتب والمجلات والمبعوثين الثقافيين ، والسعي للسيطرة باسم المعونة الفنية وما وراءها من امتداد النفوذ السياسي ودوران الدول في الفلك الاستعماري. وأن العالم الإسلامي سيكون ميدان الصراع بين المعسكرين ، يساعد على هذا وضعه الجغرافي وامتداده كالمعبر الضخم بين المحيطين والبترول الكامن في أرضه وملايين البشر الذين يضطربون فوقه. <br />
<br />
وقد رأينا سابقا موقفهم من قضية التفاوض مع الإنجليز ، ولما لم تأت الجهود التي بذلها المفاوض المصري بنتائج ، دعوا إلى فتح المعسكرات للتدريب ولقيت دعوتهم في ذلك نجاحا على الصعيد الشعبي. ثم كانت مطالبتهم بعد 23 يوليو 1952 وفي البرنامج الذي حدوده في ظل العهد الجديد الاستقلال التام ، وعندما وقعت المعاهدة المصرية البريطانية في أكتوبر 1954 كان اعتراضهم على البند الذي ينص باستخدام القوات البريطانية لقاعدة قناة السويس في حالة الهجوم على أية دولة عضو في الجامعة العربية -وقد كان الأكثرية منها خاضعة للنفوذ البريطاني أو في الفلك الأوروبي الغربي والأمريكي رغم استقلالها الرسمي- أو ضد تركيا وهي عضو في حلف الأطلنطي. <br />
<br />
وقد فسروه بأنه إجلاء للقوات البريطانية ناقص مما يجر مصر إلى الحرب الباردة. هذا هو الشأن في حالة تعكر صفو العلائق فما بال تلك التي تكون بين الأمم؟ ذهبوا في ذلك إلى مطالبة الدول الغربية بإزالة الوهم الناتج من أن تطبيق الإسلام يباعد بين البلاد الإسلامية والبلاد الغربية المسيحية ويعكر صفو العلاقات السياسية بينها ، بل قد ذهب حسن البنا إلى ضرورة الجلاء وعودة العلاقات الودية على ما كانت عليه من صفاء قبل الاستعمار ، هذه نظرة بلا شك كانت قبل إلغاء المعاهدة الموقعة في عام 1936 من طرف الحكومة المصرية في أكتوبر 1951. <br />
<br />
أما بعد 1952 فقد حددوا منهاجهم بمناداتهم بحياد مصر وعدم الانضمام إلى معاهدة التحالف والدفاع عن الشرق الأوسط. وأرجعوا انتشار الشيوعية في مصر إلى عاملين؛ أولهما فساد اجتماعي والآخر فساد النظام السياسي. وأن الأول أدى إلى انحسار مستوى التعليم وانتشار الفقر والفاقة&nbsp; وأن فساد النظام السياسي يرجع إلى خلو مناهج كافة الأحزاب من برامج وأهداف محددة فلا تصدر القوانين التي ترد على المساكين بعض حقهم إلا إذا رضى عنها السادة الأغنياء.. <br />
<br />
وهم في نظرتهم إلى الحضارة الغربية لم يتجنبوا إلا ما خالف مبادئ الإسلام من عادات شعوبه وأخلاقه. <br />
<br />
أما الجانب المادي فقد أقروا أن الشعوب الغربية وصلت من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة والرقى بالعقل الإنساني إلى درجة سامية عالية يجب أن يؤخذ عنها ، كما يجب أن يؤخذ عنها التنظيم والترتيب وتنسيق شؤون الحياة العامة تنسيقًا بديعًا ، وأن الحضارة الغربية قامت على العلم والنظام فأوصلها المصنع والآلة إلى جني الأموال والثمرات وملكها نواصي الأمم الغافلة <br />
<br />
وأن في المدنية الغربية خيرا كثيرا وشراء كثيرا وأنه لا غنى عن الاستعانة بصناعتها وعلومها ، وأن كل تجديد نافع لا يذيب الشخصية هو قوة جديدة تدعم كيان الأمة.. وهي أقوال تدل لا شك على ثاقب النظر والإنصاف ، وأنهم ما كانوا يعادون الحضارة والأخذ عنها في شقها المادي الفني ، أو مخاصمين لها إطلاقا مما قد يؤدي إلى الانعزال العلمي والتخلف وتنفير الناس ممن يدعوا إلى سبيل النهضة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
'''المبدأ الخامس&nbsp;: نظام السياسي''' وهو ما نصت عليه الفقرة (و) من المادة الثانية عارضة لغايات الإخوان «قيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسها في الداخل وتبلغها في الخارج». وقد جعلهم على المناداة بهذا المبدأ منذ قديم في معرض ذكرهم للمذاهب الاجتماعية والسياسية فذكر حسن البنا أنه عجيب أن تجد الشيوعية دول تهتف باسمها وتدعو إليها وتنفق في سبيلها وتحمل الناس عليها ، وأن تجد الفاشستية والنازية أمما تقدسها وتجاهد لها وتعتز بإتباعها وتخضع كل النظم الحيوية لتعاليمها ، ولا توجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام الذي جمع محاسن هذه النظم جميعا وطرح مساوئها <br />
<br />
ورأى الإخوان أن الحكم الإسلامي يقوم على دعائم ثلاث&nbsp;: <br />
<br />
'''الأولى&nbsp;''': مسؤولية الحاكم ، فالحاكم مسؤول بين يدي الله وبين الأمة وهو أجير لهم وعامل لديهم ، فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة. <br />
<br />
'''الثانية&nbsp;''':وحدة الأمة فلا تصور الفرقة في الشؤون الجوهرية. أما الخلاف في الفروع فلا يضر ، وما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه وما لا نص فيه فقرار ولي الأمر يجمع الأمة عليه. <br />
<br />
'''الثالثة&nbsp;''': احترام إرادة الأمة تتمثل في حقها في مراقبة حاكمها وحقها عليه أن يشاورها.. وقد عرضوا لتلك المبادئ في مشروع دستور مقترح لمصر صدر عن الشعبة القانونية صاغ مواده المرحوم الدكتور محمد طه بدوي أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية في 103 مادة وراجعته لجنة مشكلة من ثلاثة أعضاء وصدر عن الهيئة التأسيسية في 25 ذي الحجة 1371 هجرية ، والموافق 16 سبتمبر 1952 ، وكما تقول ديباجته أنه قد استعد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ، كما أخذ بما صلح في النظم الدستورية المعاصرة كالنظام الرئاسي (المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية) ونظام حكومة الجمعية الذي أخذت به بعض الدساتير الأوروبية كدستور النمسا الصادر عام 1920 ، والدستور التركي الصادر عام 1924 والدستور السويسري الحالي. كما بدأ خاليا مما في تلك النظم من أوضاع أجمع على فسادها الفقه الدستوري الحديث. <br />
<br />
وكذلك بدأ المشروع مجافيًا للنظام البرلماني الذي أخذ به دستور 1923 في مصر وذلك لما ينطوي عليه من استقلال رئيس الدولة عن الهيئة التي تمثل الأمة ، فلا يسأل أمامها عن تصرفاته في شؤون الدولة سياسيا (ولا جنائيا إن كان ملكا) إذ الأصل في رئيس الدولة (الملك) حيث نشأ هذا النظام في إنجلترا أن ذاته مصونة معصوم من الخطأ ، مؤيد موفق مسدد فاعتباره مسؤولا فيه تعد على قداسته. وقد قسم هذا المشروع لدستور إسلامي للدولة المصرية كما جاء في عنوانه على خمسة أبواب ، الباب الأول تحت عنوان في السيادة ويتضمن مادتين ، والباب الثاني تحت عنوان في الهيئة الحاكمة ويتضمن إحدى وأربعين مادة وفيه يعالج كيان الحكومة الذي يتلخص في وجود هيئة حاكمة تتكون من مجلس الأمة ورئيس الدولة. <br />
<br />
أما الباب الثالث تحت عنوان «في توزيع وظائف الدولة» وفيه تقسيم للوظيفة التشريعية التي يتولاها مجلس الأمة وتعالجها خمس مواد ، والوظيفة التنفيذية التي يتولاها رئيس الدولة فتعالجها عشر مواد أما الوظيفة القضائية فتخصها خمس مواد. <br />
<br />
كما نظم هذا الباب القوات المسلحة وتعالجها أربع مواد والإدارة المحلية وتتناول اختصاصها مادتان. وقد نقل المشروع عن الدستور المصري لسنة 1923 الذي كان معمولا به في ذلك الوقت بعض أحكامه الخاصة بالمالية لعدم مجافاتها لتعاليم الإسلام من جهة ولثبوت صلاحيتها في التطبيق من جهة أخرى وهذه تتضمنها سبع مواد. ونقلا عن تعاليم الإسلام فقد تضمن المشروع ما يكفل للفرد حياة كريمة في مجتمع متضامن عن طريق وضع حد لاستغلال الفرد للفرد ، والزام الدولة أن تضمن للفرد مستوى ماديا معينا ، فلا تقتصر الإفادة بهذه الحريات على فريق من الأمة دون فريق كما هي الحال في الديمقراطيات الغربية الفردية النزعة والتي كان يمثلها أيضا الدستور المصري لسنة 1923. فقد تضمن الباب الرابع حقوق الأفراد. وجعل المشروع الصدارة للحقوق الاجتماعية قبل الحريات الفردية ، مجافيا في ذلك الدساتير الغربية الفردية النزعة التي أما أن تكتفي بضمان الحريات الفردية دون الحقوق الاجتماعية ، وأما أن تجعل للأولى الصدارة على الأخيرة. وقد عولج هذا الباب في تسعة عشر مادة ويلحظ أن المشروع قد أفاد من حيث الصياغة دون الجوهر من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948. <br />
<br />
وتمشيا مع أحكام الإسلام ، اعتبر المشروع مقاومة الهيئة الحاكمة -إن جارت- من أقدس حقوق المواطن والزم واجباته ، وهو بذلك يخالف الدساتير المعاصرة قاطبة التي ترى في مباشرة هذا الحق الطبيعي جريمة تهدد سلامة الجماعة وأمنها وسنعرض هذه النصوص مقارنة بما ورد في الفقه الإسلامي ، ويلحظ أن هذا المشروع قد صدر بعد 23 يوليو 1952 وكانت قد سبقته مؤلفات ورسائل لبعض القانونيين المنتسبين للجماعة تبين أحكام الإسلام في نظام الحكم&nbsp; ، كما أشار حسن البنا في غير رسالة ومقال إلى الأسس التي يقوم عليها هذا النظام. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== في السيادة ===<br />
<br />
عرفت المادة الأولى «مصر دولة إسلامية حكومتها نيابية». وهي بهذا التعريف تحدد نقطة الافتراق الرئيسية بين النظام الإسلامي وجميع النظم الأخرى ، ونقطة الافتراق هي أنه نظام رباني وأنها نظم وضعية ، ومن هذه النقطة تبدأ سائر الاختلافات بين طبيعة النظام الإسلامي ، والمجتمع الإسلامي وبين طبيعة هذه النظم والمجتمعات الأخرى.. <br />
<br />
فالمجتمع الإسلامي من صنع شريعة الهيئة ثابتة الأصول وهو متكيف بها محكوم باتجاهاتها ، بينما أن النظم الوضعية هي من صنع المجتمع يصوغها هو ويكيفها وفق ارتباطاته أو وفق تصوراته.. يترتب على ذلك أن الله وحده هو المشرع ابتداء&nbsp; ، وعمل البشر قاصر على تطبيق التشريع الإلهي وتنفيذه وهم في تطبيق هذه الأحكام محكومون بالمبادئ الأساسية التي جاءت بها الشريعة. وقد يملك فقهاء الشريعة الإسلامية وذوو الاختصاص أن يختلفوا في فهم النصوص وفي استنباط الأحكام ، ولهذا الاختلاف حدودا مرسومة فهو لا يخرج عن المبادئ الأساسية «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» وبذلك يظل هذا المجتمع محكوما وفق شريعته فإذا انحرف عن هذا المبدأ لم يعد مجتمعا إسلاميا بقدر انحرافه عنها.. <br />
<br />
والنظام الإسلامي نظام مستقل عن سائر النظم الاجتماعية الأخرى ، مستقل في خصائصه واتجاهه على الرغم من وجود مشابهات جزئيات بين بعض أجزاء فيه وبعض أجزاء في تلك النظم ولكن هذه المشابهات هي عرضية ظاهرة فوق أنها جزئية ، ومن ثم لا يجوز أن تخدعنا فنحسب أن بينها وبين الإسلام اتصالا يتهيأ معه استعارتها للنظام الإسلامي. كذلك لا يجوز أن تخدعنا فتخلع على النظام الإسلامي بعض مصطلحاتها ذات المفاهيم الخاصة بها. فالحكم في الإسلام ليس ملكيا وارثا يورث بل قائم على اختيار الحاكم ، وهكذا يبدو نظامه لأول وهلة جمهوريا إذ رئيس الدولة يعين بالانتخاب وهو في هذا يطابق النظام الجمهوري الغربي ، ولكن ثمة خصائص يتميز بها النظام الإسلامي عن النظام الجمهوري الغربي فالرئيس في هذا النظام الإسلامي ينتخب لمدى الحياة وهو مسؤول لدى الأمة عن تصرفاته فإن أساء قوموه بل وعزلوه. <br />
<br />
وحكمه قائم على الشورى في إدارته ، والحكم الديمقراطي الغربي قد يتجه إلى شيء من هذا ، ولكن هذه المشابهة الجزئية العرضية لا تجعلنا نقول&nbsp;: إن الإسلام نظام ديمقراطي ولا أن نضيف الديمقراطية إلى الإسلام. <br />
<br />
لأن الإسلام أوسع بكثير فضلا عن اختلاف القاعدة التي تقوم عليها اتجاهاته واتجاهات الديمقراطية كما يدل عليها هذا الاصطلاح. والإسلام يبيح الملكية الفردية ، والنظام الرأسمالي يقوم على حرية الملكية الفردية ، ويدع رؤوس الأموال تتضخم ، فلا يتدخل حين يقتضي تدخله إلا بفرض الضرائب على الأرباح.. <br />
<br />
وميزة هذا النظام أنه لا يقاوم الحوافر البشرية الطبيعية للتملك ، ولا يضعف الرغبة في العمل إلى أقصى حد وبذل الطاقة إلى أقصاها مادام الفرد يحس أن جهده له وعاقبته إليه. وعيب هذا النظام أنه يدع الرغبة الجامحة في الكسب تطغي على المصالح الجماعية وتدوس على حقوق المنتجين الحقيقيين وهم العمال.. إلى آخر عيوب النظام الرأسمالي الذي تقف على نقيضه الشيوعية.. <br />
<br />
والنظام الشيوعي بصادر حق الملكية الفردية ، ويضع كل الموارد ومرافق العمل في يد الدولة.. وميزة هذا النظام أنه يمنع عيوب النظام الرأسمالي ولكن ما يشينه أنه يقاوم الحوافز البشرية الطبيعية ، ولا يحفز الفرد إلى بذل أقصى طاقة ما دام الحد الأعلى لما يحصل عليه هو مجرد كفاية وفقا لمبدأ ماركس «لكل حسب عمله ولكل حسب حاجته» وأن عيب هذا النظام هو مقاومته لحرية الفرد في العمل ، وفي الاعتقاد ، وحريته في السلوك. وهي حريات قد يصبر جيل أو عدة أجيال على فقدها ، لأنها في معركة مع النظم الأخرى ولكن البشرية بطبيعتها لا تصبر على فقدان هذه الحريات طوببلا وإذا ماتت فيها رغبة الحرية فقد مسخت فطرتها وخسرت كيانها الإنساني في سبيل لقمة الخبز. فأما الإسلام فيبيح الملكية وهذه المشابهة الجزئية العرضية لا تجعلنا نقول&nbsp;: إن النظام الإسلامي نظام رأسمالي لأن الأسس الأصيلة في النظامين متباينة. <br />
<br />
فالإسلام يبيحها مع تحقيق كل المزايا التي تحققها هذه الإباحة. <br />
<br />
ولكنه يقيدها بتحريم وسائل الكسب التي تضخم رؤوس الأموال على حساب الطبقات العاملة أو على حساب المجتمع كله. وهو يضمن الكفاية لكل من يقله الوطن الإسلامي ويحارب الشظف والترف معا ويتدخل في توجيه الإنتاج والاستثمار في بعض الحالات ويجعل للعمال حقهم في نصف الربح الناتج من العمل (استنادا إلى تصرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أهل خيبر) ، ثم هو يأخذ اثنين وصفا بالمائة من رأس المال لا من الأرباح كل عام في صورة زكاة ثم يبيح للدولة الممثلة للجماعة أن تأخذ من رؤوس الأموال ما تستلزمه الحاجة بلا قيد ولا شرط تحقيقا لمبدأ سد الذرائع أي اتقاء النتائج السيئة المحتملة ، وهما مبدآن مقرران في الإسلام. <br />
<br />
وإلى المبدأ الأول يستند الإمام مالك في منح الحاكم حق الأخذ من أموال الأغنياء بقدر حاجة الجند إذا لم يكن في بيت المال الكفاية.. ومثل حاجة الجند للدفاع سائر الحاجات الاجتماعية التي تبرز على توالي الأزمان. وقد تأخذ الاشتراكية ببعض هذه الاتجاهات ، لكن هذه المشابهات الجزئية العرضية لا تجعلنا نقول&nbsp;: إن النظام الإسلامي نظام اشتراكي لأن المبادئ الأساسية في النظامين شديدة الاختلاف.. والنظام الإسلامي يقضي بتأميم المرافق العامة التي يشترك في الانتفاع بها الناس جميعا لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «الناس شركاء في ثلاث&nbsp;: في الماء ، والكلأ ، والنار». ويبيح استرداد بعض الملكيات الفردية وإعادتها إلى بيت المال أو إعادة توزيعها على الجماعة الإسلامية (يرى الإمام مالك التوظيف في أموال الأغنياء أي الأخذ منها على سبيل القرض) كذلك أعلن الخليفة عمر بن الخطاب عزمه على رد فضول أموال الأغنياء على الفقراء ، ولم ينكر عليه أحد من المسلمين ، والإسلام يمنع الربا والاحتكار والشيوعية قد تتجه إلى بعض هذه الخطوات ولكن هذه المشابهات الجزئية العرضية لا تجعلنا نقول&nbsp;: <br />
<br />
إن النظام الإسلامي نظام شيوعي لأن أسس النظامين لا التقاء بينهما. فالإسلامية بذلك نظام مفرد وهو نظام اجتماعي كامل يقوم على العقيدة ، وهو نظام إنساني شامل يحدد العلاقات بين الأفراد والجماعات ، وبين الشعوب والحكام وهذه ميزتها الكبرى التي توحد بين عقيدة الفرد ونظام المجتمع وشكل الدولة وعلاقات البشرية. <br />
<br />
فإذا نفذ الفرد عقيدته ، فهو في الوقت ذاته يؤدي واجبه كفرد في جماعة وفرد في دولة وفرد في إنسانية بلا تعارض بين نشاطه في هذه المجالات جميعا. والنظام الذي يقوم على أساس عقيدة ، ويستمد منها وجوده وحدوده وهو نظام أقوى وأعمق وأقدر على المقاومة ، لأنه يستمد قوته من داخل النفس ومن أعماق الضمير ، ومن سلطان لا يعلوه في النفس سلطان. والسيادة وفقا لما ورد في عنوان الباب الأول هو وصف يطلقه الفقه الدستوري نظرا لما للسلطة السياسية في الدولة من صفات ذاتية تميزها عن غيرها. فهل عرفت الشريعة الإسلامية نظرية السيادة؟ <br />
<br />
ذهب غالبية الكتاب والقانونيين المعاصرين إلى القول بأن نظرية السيادة هي نظرية معروفة في الفقه الإسلامي وقد ذهب إلى ذلك المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري «أن السيادة في الشريعة الإسلامية لله وحده» ، ولكنه أناب عنه الأمة كلها وليس فردا واحدا أيا كان ، حتى ولو كان الخليفة (أي الحاكم) أو هيئة أخرى متميزة&nbsp; ، كما ذهب إليه أيضا عالم هندي اسمه عبد الرحيم في كتابه عن مبادئ الشريعة الإسلامية أن السيادة لله وحده لكنه فوضها للأمة لمزاولتها . <br />
<br />
وهي أيضا نظرية دعاة الفكرة الإسلامية فسيد قطب يقول «الحاكمية لله وحده في هذا النظام الرباني الفريد لا حاكمية للبشر ، ولا حاكمية لأمير ولا رعية إنما الحاكمية لله وحده ، فالله وحده هو المشرع ابتداء وعمل البشر قاصر على تطبيق التشريع الإلهي وتنفيذه وهم في الأحكام التطبيقية والتنفيذية محكومون بالمبادئ الأساسية التي جاءت بها الشريعة غير مخيرين في العدول عنها أو اختيار بعضها دون بعض&nbsp; كما تبني أيضا أبو الأعلى المودودي هذا الرأي . <br />
<br />
وهذه الدعوة تختلف عن النظام الثيوقراطي الذي كان الحاكم يتلقى فيه سلطته من رجال الدين ويدعيه بحق إلهي بوصفه ظل الله على الأرض إذ أن الحاكم في النظام الإسلامي يستمد حقه في تولي الحكم من البيعة الحرة كما يستمد طاعته من تنفيذ شريعة الله دون سواها فالله وحده هو المشرع ابتداء على أن الأمور التي لم تنص عليها الشريعة بشيء فيكون الله قد خول أولى الأمر فيها حق التشريع ، وحقهم هذا ليس مطلقا وإنما هو مقيد بأن يكون متفقا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية <br />
<br />
ولا خلاف أذن بين دعاة هذه النظرية وبين من يقولون أن الأمة هي صاحبة السيادة&nbsp; إذ النتيجة لدى الفريقين واحدة ، فالأمة قد فوض الله إليها النظر في صالحها لما تقتضيه خلافتها. وبهذا المعنى نصت المادة الثانية من مشروع الدستور المقترح «تباشير الأمة سلطاتها عن طريق هيئة تنوب عنها» وهي بذلك لا تنتظر لنظرية سيادة الأمة أو سيادة الشعب المعروفتين في كتب الفقه الدستوري ، إذ أن كليها قد نشأتا في القرن الثامن عشر والتي تخرج عن المدلول اللغوي في اللغة العربية ، فالأمة كما ورد في لسان العرب لابن منظور هي القرن من الناس والجيل والجنس من كل حي وكما أورد حكاية عن ابن الكلبي عن أبيه أن الشعب أكبر من القبيلة. <br />
<br />
فالأمة والشعب مصطلحان لمدلول واحد ، وكما أورد في تعريفها الراغب الأصفهاني في المفردات «الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما أما دين واحد أو مكان واحد سواء أكان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أم اختيارا» وهي دراسة تخرج عن نطاق هذا البحث. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== السلطات الثلاث في مشروع الدستور المقترح ===<br />
<br />
==== السلطة التشريعية ووظيفتها ====<br />
<br />
جعل المشروع السلطة التشريعية في يد مجلس واحد وهو مجلس الأمة خلافًا لدستور 1923 الذي تبنى نظام المجلسين بنصه في المادة 73 «يتكون البرلمان من مجلسين&nbsp;: مجلس الشيوخ ومجلس النواب» . <br />
<br />
نصت المادة 3 من المشروع على أن «يؤلف مجلس الأمة من مائتي عضو منتخبين بالاقتراع العقيد بشرط الأهلية الثقافية على مقتضى قانون الانتخاب» وقد خالف المشروع ما نص عليه دستور 1923 من الأخذ بالاقتراع العام وهو في تبنيه للاقتراع العقيد قد عرى ما اكتنف الحياة السياسية المصرية من تزييف لإرادة الشعب وحيث تبلغ نسبة الأميين فيه 65 في المائة. والقيد الوحيد الذي أورده المشروع هو قيد الأهلية الثقافية في الناخب. <br />
<br />
وتلك الناحية الإصلاحية التي نادى بها الكثيرون من المهتمين بالشؤون العامة والتي تناولها المرحوم الدكتور السيد صبري أستاذ القانون الدستوري في دراسته عن واقع مصر في ظل دستور 1923 وقد أخذت فيه بالنظام النيابي البرلماني يقول رحمه الله «بأنه لم تتحقق فكرة تمثيل الأمة تمثيلا صحيحا ، وأنه لم يعد لأغلب الأحزاب السياسية في مصر برنامج يدافع عنه أنصاره وأن قرارات البرلمان المصري في أدواره المختلفة لا تعبر عن رأي الأمة ولا عن رأي أكثريتها ولا عن رأي أقلية محترمة من أبنائها ، وإنما تعبر عن رأي نسبة ضئيلة من مجموع من له حق الانتخاب لم تصل يوما ما إلى 12 في المائة. ذلك أن مجلس نواب سنة 1936 لا تمثل قراراته- مع أنها صحية ونافذة بحكم القانون- إلا 10.75 في المائة من هيئة الناخبين ، ومجلس سنة 1929 نسبة التمثيل فيه 9.25 في المائة ومجلس سنة 1938 النسبة فيه 11.75 في المائة ومجلس سنة 1942 النسبة فيه 9.75 ... <br />
<br />
ولنا أن نتخيل تمثيل الناخبين في حق الاختيار في السنوات المتعاقبة وإذ بلغت نسبتهم 10 في المائة في انتخابات عام 1950 وما اكتنفها من شعوذة سياسية تفشو في الطبقات الأمية من الشعب لأن الجهالة تحجب عنها نور الحقيقة والحرية حيث لا يتورع عن ارتكاب كل ضروب الضغط والتهديد والإرهاب والتزوير. كما نص المشروع على شرط حسن السمعة وهو ما يتفق مع ما نص عليه الفقهاء الإسلاميون من شرطي العدالة والعلم الواجب توافرهما في أهل الشورى فقد نصت المادة 4 على أن «يشترط في عضو مجلس الأمة أن يكون مصريا حسن السمعة ، وأن تكون سنه أربعين سنة هجرية كاملة على الأقل وأن يكون على درجة من الأهلية الثقافية يحددها قانون الانتخاب». وهي ذات المادة التي تحدد الشروط الواجب توافرها في رئيس الدولة. ومركز مجلس الأمة مدينة القاهرة إلا إذا اقتضت الضرورة اجتماعه في جهة أخرى (مادة 7) <br />
<br />
وقد نصت المادة 8 على أن «عضو المجلس ينوب عن الأمة كلها ، فلا ينوب عن دائرته فحسب» ومدة العضوية خمس سنوات (مادة 5) <br />
<br />
ومجلس الأمة مجلس دائم ينعقد من تلقاء نفسه بدعوة من رئيسه أو وكيله في حالة غياب الرئيس ، وفترة انعقاده عشرة شهور ، ورئيس المجلس هو الذي يفض الدورة (مادة 13) <br />
<br />
وهو في هذا يتفق مع نظام الدستور الأمريكي حيث لا يملك رئيس السلطة التنفيذية حق حل الكونجرس. ويختلف عما أوردته المادة 38 من دستور 1923 التي أعطت الملك هذا الحق بنصها «للملك حق حل مجلس النواب» <br />
<br />
كما أعطت دساتير ما بعد 23 يوليو 1952 رئيس الجمهورية سلطة حل مجلس الأمة (مجلس الشعب بعد). كما نصت المادة 14 على أنه يجوز لرئيس المجلس أو وكيله في غيبة الرئيس ، أو رئيس الدولة أن يدعو المجلس إلى الانعقاد في أثناء العطلة البرلمانية أن استدعت الضرورة البت في أمر من الأمور التي تدخل في اختصاصه ويصح أن يتم ذلك بناء على طلب أكثر من ثلث أعضاء المجلس ونصت المادة 15 على علنية جلسات المجلس وبجواز سريتها وفق أحكام اللائحة الداخلية وذلك عند الضرورة القصوى&nbsp; ويختص المجلس بالفصل في صحة نيابة أعضائه وفق لائحة المجلس الداخلية (مادة 12) ونصت المادة 11 على أن «قبل أن يتولى أعضاء المجلس عملهم يقسمون علنا بقاعة جلساته أن يكونوا مخلصين لله ثم للوطن مطيعين أحكام الدستور نصا وروحا . <br />
<br />
ونصت المادة 6 على أن «ينتخب المجلس رئيسا ووكيلا سنويا في آخر كل دور انعقاد عادي ، ويتم الانتخاب وفق لائحة المجلس الداخلية. <br />
<br />
'''حقوق عضو المجلس&nbsp;:''' <br />
<br />
نصت المادة 17 على أنه «لا يجوز مؤاخذة الأعضاء عما يبدون من الأفكار والآراء في المجلس <br />
<br />
ونصت المادة 18 على «لا يجوز أثناء دورة الانعقاد القبض على عضو المجلس إلا بإذن المجلس» وقد جاء هذا النص موافقا لنص المادة 110 من الدستور الملكي السابق بل أعطى ضمانات أوسع من تلك التي تطلبتها المادة السابقة بنصها «لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جنائية نحو أي عضو من أعضاء البرلمان ولا القبض عليه إلا بإذن المجلس التابع هو له وذلك فيما عدا حالة التلبس الجنائية» فنص مادة المشروع جاءت شاملة لهذه الحالة الأخيرة وهي التلبس بالجناية حيث اشترطت أذن المجلس. وقد نصت المادة 19 على «لا يجوز فصل العضو إلا بقرار مسبب من المجلس بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم&nbsp; كما نصت المادة 23 على أن تحدد مكافأة عضو المجلس بقانونوالمادة 22 قد نصت على أن يضع المجلس لائحته الداخلية <br />
<br />
وقد نصت المادة 20 من المشروع على أن «تجري الانتخابات العامة لتجديد مجلس الأمة في خلال المائة يوم السابقة لإنهاء مدة نيابته وفي حالة استحالة إجراء هذه الانتخابات في هذه الفترة فإن مدة نيابة المجلس تمتد إلى حين تمام الانتخابات المذكورة <br />
<br />
وقد عالجت المادة 21 حالة خلو العضوية وقد نصت «إذا خلا محل أحد أعضاء المجلس بالوفاة أو الاستقالة أو لأي سبب آخر ينتخب بد له في مدى شهر من يوم خلو المكان فعلا ولا تدوم نيابة العضو الجديد إلا إلى نهاية مدة سلفه». <br />
<br />
وقد خالفت المادة في هذا الشأن ما أورده الدستور السابق من حيث انتخاب العضو الجديد ليشغل المكان الشاغر حيث سبق للمادة 113 منه أن نصت على «مدى شهرين» وكذلك قد خالفه في شأن الإبلاغ. فنص المشروع قد حدد خلو المكان من وقت شغره فعلا أما نص الدستور السابق فقد نص «من يوم أشعار البرلمان الحكومة بخلو المحل <br />
<br />
وقد نصت المادة 24 من المشروع المقترح على عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس الأمة وأية وظيفة عامة ويستثني من ذلك أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية وينظم قانون الانتخاب طريقة اختيار ممثلي الجامعات. <br />
<br />
وأخيرا عالجت المادة 16 القرارات التي تصدر عن مجلس الأمة بصفته السلطة التشريعية إذ هو الذي يباشر سلطات الأمة بالنيابة عنها كما حددتها المادة 9. <br />
<br />
فنصت المادة 16 على أنه «لا يجوز أن يقر المجلس قرارا إلا إذا حضر الجلسة أغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس ويستثني من ذلك الاقتراع على مسألة الثقة برئيس الدولة ، فإنه يشترط للنظر فيها ولاتخاذ قرار بشأنها أن يحضر الجلسة أكثر من ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس ، وتصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة وذلك في غير الأحوال المشترطة فيها أغلبية خاصة <br />
<br />
وقد راعى مشروع الدستور المقترح تفرقة في تبني المجلس لقرار أو قانون. فالأول قد عالجته المادة 16 والثاني نصت عليه المادة 46. <br />
<br />
وقد نص المشروع في الحالة الأولى على حضور أغلبية أعضاء مجلس الأمة الجلسة أي 101 عضوا ويصدر قرار المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين وهو ما يمثل 52 عضوا. <br />
<br />
ويستثني من ذلك الاقتراع على مسألة الثقة برئيس الدولة ، فيشترط للنظر فيها ولاتخاذ قرار بشأنها حضور أكثر من ثلثي الأعضاء الجلسة أي 133 عضوا ، ويصدر قرار المجلس في هذه الحالة بالأغلبية المطلقة كذلك للحاضرين أي 67 عضوا. <br />
<br />
أما في حالة صدور القانون فقد نصت المادة 46 على أنه «لا يصدر إلا إذا أقره المجلس بأغلبية أعضائه» أي بعد مناقشته واتخاذ قرار صدوره عن 101 عضو. <br />
<br />
'''الوظيفة التشريعية&nbsp;:''' <br />
<br />
وقد عالجها الباب الثلاث تحت عنوان «توزيع وظائف الدولة». <br />
<br />
ونصت عليها المادة 44 بقولها «الوظيفة التشريعية يتولاها مجلس الأمة في حدود تعاليم الإسلام» <br />
<br />
ولكل عضو من أعضاء المجلس ولرئيس الدولة حق اقتراح القوانين بما لا يجافي الإسلام&nbsp; (مادة 45). <br />
<br />
وهذا الحق في حقيقته حق مشترك بيد أن هناك اختلافا هاما بين اقتراحات القوانين التي تصدر عن رئيس الدولة وتلك التي تصدر عن أعضاء مجلس الأمة ، فالأولى تسمى مشروعات القوانين ، وتسمى الثانية اقتراحات القوانين ، وهذه التفرقة في التسمية قد استقر عليها الفقه الدستوري وهي تدل على اختلاف بين هذين النوعين من الاقتراحات. فتلك التي تأتي عن طريق السلطة التنفيذية يفترض فيها أنها قد درست بشكل أوفى وأعمق من مثيلاتها المقدمة من أعضاء المجلس مباشرة. والاقتراح يقدم إلى البرلمان في شكل مشروع قانون مكتمل المواد. <br />
<br />
ولا ريب أن الاقتراح رغم أنه لا يمثل المرحلة الحاسمة في حياة القانون إلا أنه مع ذلك ذو أهمية واضحة. فهو الذي يضع الأسس الأولى في التشريع وهو الذي يحدد مضمونه وموضوعه ، لذلك كان من المنطقي إلا تنفرد الهيئة النيابية به حتى في ظل مبدأ الفصل التام بين السلطات. <br />
<br />
فالسلطة التنفيذية وهي تقوم على التنفيذ اليومي للقوانين وتسهر على إدارة المرافق العامة هي التي تقوم على احتياجات المجتمع وما يوجد في القوانين من نقص أو قصور لذلك كان بدهيا أن تمنح هذا الحق بما لا يجافي الإسلام. وحق الاقتراح المقرر لأعضاء مجلس الأمة لا يشمل فقط اقتراح القوانين ، بل يتضمن أيضا القرارات واقتراح الرغبات. فبالنسبة لاقتراح القرارات نجد مثلا أن لأعضاء المجلس أن يقترحوا على المجلس أن يصدر قرارا باتهام وزير أو قرار بتعديل الدستور وكلاهما قد نظمته النصوص الخاصة التي وضعت شروطا معينة في مثل هذه الاقتراحات. <br />
<br />
أما بالنسبة لاقتراح الرغبات فلم يضع المشروع قيودا عليه ، وبالتالي فيجوز لأي عضو أن يقترح على المجلس قرارا برغبة معينة ، ومثل هذا القرار وأن كان لا يملك قوة محددة كالقانون ، إلا أنه ذو قيمة أدبية لا تنكر. <br />
<br />
ولا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلس بأغلبية أعضائه (المادة 46) وقد نظمت المادة 48 طريقة إصداره بأن يبعث رئيس مجلس الأمة بالقانون بعد إقرار المجلس له إلى رئيس الدولة ، فإذا لم يصدر القانون في مدى عشرة أيام أصدره رئيس المجلس وسئل عن ذلك رئيس الدولة سياسيا لدى المجلس ، إلا إذا كان الامتناع عن الإصدار لمخالفة القانون لأحكام الإسلام أو أحكام الدستور وفي هذه الحالة يتحتم على الرئيس رد القانون إلى المجلس في المدة المذكورة مشفوعا بما يوضح هذه المخالفة <br />
<br />
ورئيس الدولة إذ يزاول حق الإصدار فإنه لا يشترك -وفقا للرأي الغالب في الفقه الدستوري - في عمل القانون. لأن القانون قد تحدد مضمونه بصفة نهائية بعد إقراره من الهيئة النيابية. <br />
<br />
فالإصدار وأن كان لا يعد مساهمة من الرئيس من عمل القانون إلا أنه يعتبر العمل التنفيذي الأول في حياة القانون ، فبواسطته يعلن رئيس السلطة التنفيذية إلى سائر رجال هذه السلطة صدور القانون الذي يعملون على تنفيذه. <br />
<br />
وحتى إذا اعتبرنا الإصدار جزءا من العملية التشريعية فإن الرئيس لا يعد به مشتركا فيها لأنه ليس مخيرا في إصدار القانون أو عدم إصداره وإنما هو مجبر دائما على ذلك ما دام أنه قد استوفى شروطه الشكلية ولا يحق له أن يؤجل هذا الإصدار بحجة أن القانون يخالف في موضوعه نصوص الدستور وعليه في هذه الحالة الأخيرة أن يوضح مخالفة عدم الإصدار لمخالفة القانون لأحكام الإسلام أو الدستور خلال عشرة أيام برد القانون إلى المجلس. وفي غير الحالة المتقدمة تقوم مسؤوليته السياسية. <br />
<br />
'''مقارنة بين فقه الشريعة والفقه الدستوري الحديث&nbsp;:''' <br />
<br />
ذكرنا في المبحث التمهيدي أن خاصية الحكومة في الإسلام أنها حكومة شورى ، وهي فريضة واجبة على الحاكمين والمحكومين. <br />
<br />
وقد ذهب بعض الفقهاء أن الشورى من أصول الشريعة وقواعدها ، ورتبوا على ذلك أن من ترك الشورى من الحكام فعزله واجب دون خلاف <br />
<br />
والشورى ليست مطلقة بل هي مقيدة بنصوص التشريع وروحه ، فما ورد فيه نص فلا يكون محلا للشورى ، إلا أن تكون الشورى مقصودا منها التنفيذ ففي هذه الحالة تجوز. وأما ما لم يرد فيه نص فكله محل للشورى وللمسلمين أن ينتهوا منه إلى ما يرون من رأي. ويمكن القول بأن الإسلام قد جاءت نصوصه بالمبادئ الكلية ، ولم تأت بتفصيل والشورى -كما قدمنا- حق الحاكمين والمحكومين. أما تنظيم هذا الحق فهو أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان. <br />
<br />
ولما كانت الشورى حقا ، فللحاكم أن يعرض رأيه على الأمة ، ولهذه الأخيرة أن تطلب من حاكمها أن يبين رأيه ، ولها ويمثلها أهل الحل والعقد -أو أهل الشورى- أن يبنوا رأيهم. وليس من الضرورة أن يجمع أهل الرأي على رأي واحد ، وإنما الرأي ما اتفقت عليه أكثرية المشيرين بعد تقليب وجوه الرأي ومناقشة المسألة المعروضة من كل وجوهها <br />
<br />
ذلك عن الشورى فمن هم أهلها؟ هم أهل الحل والعقد كما يطلق عليهم الفقهاء ، وتحديدهم أو طريقة اختيارهم مما يختلف فيه باختلاف الزمان والمكان. غير أن هناك شروطا أوجب الفقهاء توافرها فيمن يختار من أهل الشورى&nbsp;: أولها&nbsp;: العدالة- يشترط أن يكون عدلا. والعدالة- كما سبق تعريفها هي التحلي بالفرائض والفضائل والتخلي عن المعاصي. <br />
<br />
ويرى بعض الفقهاء أن تكون العدالة ملكة لا تكلفا. ثانيها&nbsp;: العلم- والمقصود هو علم الدين وعلم السياسة وغيرهما ولا يشترط أن يكون العالم منهم ملما بكل العلوم. <br />
<br />
وليس من الضروري أن يكونوا جميعا مجتهدين ، فيكفي أن يكون الاجتهاد في مجموعهم لا في كل فرد منهم. ثالثها&nbsp;: الرأي والحكمة- ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبية&nbsp; ذلك مما ورد في كتب الفقهاء الإسلاميين. فماذا عن الفقه الدستوري الحديث؟ نعرض له باختصار. <br />
<br />
فنقول قد اختلف الأمر فيه بين الفقه الماركسي وما يسعى بالفقه الدستوري الديمقراطي. وقد أخذ بالأول كافة الدول التي اعتنقت بالمبادئ الماركسية اللينينية أساس لها ومثالها الاتحاد السوفياتي وبلاد شرق أوروبا التي تطلق عليها الديمقراطيات الشعبية وغيرها في آسيا مثل الصين وفيتنام.. <br />
<br />
وقد قيدت هذه الأنظمة حق التمثيل في البرلمان لأعضاء الأحزاب الماركسية. <br />
<br />
وهم بطبيعة الحال لا تخرج آراؤهم عما يدور في جهاز الحكم. أما ما يطلق عليه الأنظمة الديمقراطية فلا ريب يشترط لنجاحها الاستقامة السياسية وكثيرون من الناس يظنون أن الحياة السياسية ، لأن السياسة في نظرهم كذب وخداع ، ونفاق ورياء ، وتسابق على اقتناص المنافع الشخصية وهذا وهم سري من التواء السياسة في بعض الأمم وقيامها على أساس عبارات جوفاء وكلمات براقة وروابط شخصية وسعي وراء مصالح ذاتية وتلك التي أثبتت أزمتها <br />
<br />
وقد سبق أن رأينا أن حكم أهل الشورى هو حكم الوكيل عن الأمة فكذلك نصت المادة 9 التي عرضناها وهذا ما تؤكده أيضا المادة 2 من الباب الأول «تباشر الأمة سلطاتها عن طريق هيئة تنوب عنها وهذه السلطات هي سلطة التشريع وانتخاب الرئيس وسلطة الرقابة. وقد رأينا أن حق أولى الأمر في التشريع مقيد بأن يكون متفقا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة. وهو ما يجعل حقهم قاصرا على نوعين هما&nbsp;: تشريعات تنفيذية ويقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية ، وهو على هذا الوجه يعتبر بمثابة اللوائح التي خول لرئيس الدولة وضعها وفقا لما نص عليه في المادة 52 ، وتشريعات تنظيمية ويقصد منها تنظيم المجتمع وحماية الجماعة وسد حاجاتها على أساس المبادئ العامة ، وهذه التشريعات لا تكون إلا فيما سكت عنه ، ولم تأت الشريعة بنصوص خاصة فيه. <br />
<br />
والشريعة ليست فقط ما ورد في القرآن الكريم ، فما جاء فيه من أحكام هو يسير من التشريعات وقد نص على الحدود والقصاص وأحكام الوراثة والمعاملات وهذه قد جاءت بأحكام عامة والسنة قد جاءت مفصلة مبينة لما ورد في القرآن فهما المصدران الملزمان وهما وحدهما أساس وحدة هذه الأمة. <br />
<br />
على أن شريعة الله في كتابه وسنة نبيه لم تلزم الناس إلا بقواعد عامة وأحكام محدودة وسكوت الشريعة عما عداها من تفصيلات هو تفويض للجماعة في تطبيق نصوص شريعتها العامة على تفصيلات حياتها وفي مواجهة كل جديد تقتضيه المصلحة وذلك من رحمة الله الذي أراد للناس السعة لا الضيق ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾. <br />
<br />
وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم حرمات فلا تنتهكوها وسكت عن أمور رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها». وقد اختلف الفقهاء في التفصيلات باختلافهم في الاستدلال ورجحان الآراء وتقليب نظرهم في المسألة ، وما سكت عنه التشريع الإلهي فقد عمل فيه أهل الفقه رأيهم ولذلك كانت من مصادر الشريعة الإجماع والعرف والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ووجوه المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان وقديما قال الفقهاء «حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله».. وكل رأي في ذلك إنما يوزن على قدر دليله من كتاب الله وسنة رسوله ولذلك فما رآه المسلمون حسنا- كما قال -صلى الله عليه وسلم- فهو عند الله حسن». <br />
<br />
فليس تطبيق أحكام الإسلام أو التشريع بما جاء موافقا لأحكام الإسلام كما تنص عليه بعض مواد مشروع الدستور المقترح هو القطع والرجم والجلد وهي شبهات تفزع الناس إذا نادى مناد بتطبيق شرع الله.. <br />
<br />
فهذه الحدود لا توقع إلا بشروط كثيرة ومنها عقوبة القطع مثلا لا توقع إلا بشروط تتعلق بعضها بمادة الشيء المسروق ، وبعضها بقيمته ، وبعضها بالمكان الذي سرق منه وبعضها بالسارق نفسه وبعضها بالمالك وبعضها بعلاقة أحدهما بالآخر وقرابته منه وبعضها بالشهود وهكذا.. <br />
<br />
وصحيح أن هذه الشروط يندر توافرها وصحيح أنه لا توقع عقوبة القطع إلا حيث تنتفي جميع الشبهات فإن قامت شبهة ما لا يصح توقيع العقوبة لقوله عليه السلام «ادرءوا الحدود بالشبهات» حتى أن السارق إذا أدعى أن العين المسروقة ملكه اعتبر هذا الادعاء في نظر بعض المذاهب الإسلامية شبهة تسقط عنه القطع وأن لم يقم أية بينة على صحة ما ادعاه <br />
<br />
وكذلك الشأن في اختلاف الفقهاء حول السرقة الكبرى وهي قطع الطريق ، والزنا له شروطه في توقيع العقوبة سواء بالرجم أو الجلد وهناك شروط خاصة بالأداة المستخدمة في الجلد. وعقوبة الزنا هي الجلد وهو حد البكر من الرجال والنساء ، وهو الذي لم يحصن بالزواج ويوقع عليه متى كان مسلما بالغا عاقلا حرا فأما المحصن وهو من سبق له الوطء في نكاح صحيح فحده الرجم. ومن ثم إذا اقترف الزنا مجنون أو صبي فلا يقام عليه الحد. <br />
<br />
كما أجمع الفقهاء على أن الرقيق لا يرجم كما أن الأمة إذا زنت فعليها نصف ما على المحصنة -الحرة غير المتزوجة- من العذاب أي الحد وهو خمسون جلدة وأن هذا الحكم شامل للعبد أيضا <br />
<br />
وقد اتفق الفقهاء أيضا على شرط أن يكون الجاني متزوجا بنكاح صحيح وبموجبه أن من كان لم يتمتع إلا بناء على ملك اليمين أو كان عقد نكاحه فاسدا أو باطلا لا يعد متزوجا أي أنه أن ارتكب الزنا لا يعاقب بالرجم ولكن بالجلد. <br />
<br />
أما شرط الأحصان ففيه خلاف ، فيذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو يوسف أن كل من ارتكب الزنا بعد الزواج فإنه يرجم مسلما كان أو غير مسلم ، بينما يتفق أبو حنيفة ومالك على أن الرجم إنما هو للمسلم وحجتهما ما روى عن ابن عمر أنه قال «من أشرك بالله فليس بمحصن» (رواه ابن إسحاق في مسنده والدارقطني في سننه) وحجة الأولين أن النبي قد نفذ حكم الشريعة التي لا تختلف عما ورد في التوراة. فقد ورد في الصحيحين أن الرسول لما بلغته قضية زنا اليهوديين ، سأل اليهود&nbsp;: «ما تجدون في التوراة من شأن الرجم؟ أو قال&nbsp;: «ما تجدون في كتابكم؟ فلما ثبت أن الرجم هو الحد عندهم للزنا قال فإني أحكم بما في التوراة» وفي رواية أخرى أنه لما قضى في هذه القضية قال&nbsp;: «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه» تفرد به مسلم. <br />
<br />
وقد ثبت الرجم بالسنة وثبت الجلد بالقرآن. <br />
<br />
ولما كان النص القرآني مجملا وعاما وكان الرسول قد رجم الزانيين المحصنين&nbsp; ، فقد تبين من هذا أن الجلد خاص بغير المحصن. <br />
<br />
وقد ورد حكم الرجم أيضا في التوراة حيث جاء في سفر التثنية إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان. <br />
<br />
الرجل المضطجع مع المرأة ، والمرأة فينزع الشر من إسرائيل. <br />
<br />
«وإذا كان فتاة عذراء مخطوبة لرجل ، فوجدها رجل بالمدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما من المدينة وأرجموهما بالحجارة حتى يموتا ، الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه ، فينزع الشر من المدينة». <br />
<br />
هذا هو نص التوراة ، ولم يأت في الإنجيل ما يعارضها ، وهي واجبة على النصارى بحكم أن ما في العهد القديم -وهو التوراة- حجة عليهم إذ لم يكن في العهد الجديد وهو الإنجيل ما يخالفها ولقول المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- «ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل» وفقا لما ورد في الأناجيل المعتمدة والمتداولة. <br />
<br />
ويثبت الزنا بالشهادة والإقرار. <br />
<br />
وقد اشترط في الأولى شهادة أربعة شهداء ممن لم يثبت كذبهم ولا يكونوا خائنين ولا أقيم عليهم الحد من قبل ولا تكون بينهم وبين المتهم خصومة ، ويجب اتفاقهم كما يذهب الفقهاء برؤيتهم للزانين وفرجه في فرجها كالميل في المكحلة والرشاء في البئر كما ورد في الحديث وإلا فاختلافهم في أحد هذه الأمور وفي المكان يسقط شهادتهم ، ويعدون في بعض المذاهب مرتكبي قذف. <br />
<br />
والوجه الثاني الذي يثبت به الزنا هو الإقرار ، وهو اعتراف الجاني بجنايته وهناك خلاف يسير بين الفقهاء ، فيقول أبو حنيفة وابن حنبل وابن أبي يعلي وإسحق بن راهوية أن على الجاني أن يقر بجنايته أربع مرات بأربع مجالس ، ويقول مالك والشافعي وعثمان البتي والحسن البصري أنه يكفي أن يقر الجاني بجنايته مرة واحدة. <br />
<br />
وإذا أقر الجاني بفعلته ثم رجع -ولو أن رجوعه بالفعل كهروبه- في أثناء إقامة الحد عليه ، يجب أن يمسك عن إقامة الحد عليه ولو كانت القرائن تدل على أن ليس السبب في رجوعه عن إقراره إلا اتقاء ألم الحد. ومصدر ذلك ما روى عن حادث ماعز بن مالك الأسلمي وقد كان غلاما يتيما في حجر هزال بن نعيم فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي ويخبره بما صنع لعله يستغفر له. <br />
<br />
'''فجاء الرسول وهو في المسجد وناداه&nbsp;: '''«يا رسول الله إني زنيت» فأعرض عنه النبي وقال له «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال&nbsp;: «إني زنيت» فأعرض عنه النبي فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال&nbsp;: «طهرني يا رسول الله فقد زنيت». <br />
<br />
فقال له أبو بكر&nbsp;: «لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله» ولكنه أبى فقال&nbsp;: «يا رسول الله إني زنيت فطهرني» ، فقال له الرسول&nbsp;: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت» قال&nbsp;: لا ، فسأله الرسول&nbsp;: «هل ضاجعتها؟ قال&nbsp;: نعم» هل باشرتها؟ ، قال&nbsp;: نعم قال&nbsp;: هل جامعتها؟ قال&nbsp;: نعم ، ثم قال له النبي كلمة لا تستعمل في اللغة إلا لفعلة الوطء خاصة وهي لم تسمع منه -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك ولا بعده ولولا أن القضية قضية نفس إنسانية لما سمعها أحد من لسانه فقال أنكتها؟ قال&nbsp;: نعم قال&nbsp;: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال&nbsp;: نعم ، فقال&nbsp;: كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال&nbsp;: نعم فسأله النبي&nbsp;: هل تعرف الزنا؟ فقال&nbsp;: «نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا» فسأله النبي&nbsp;: أوقد نكحت؟ فقال&nbsp;: نعم» فسأل النبي من حوله أصحابه&nbsp;: أبه جنون؟ فأخبروه أنه ليس بمجنون. فسألهم أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ثم قال الرسول لهزال&nbsp;: «لو سترته بثوبك كان خيرا لك». فعند ذلك أمر برجمه ، فرجم خارج المدينة فلما أحس مس الحجارة صرخ بالناس «يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي» ولكن الناس أخذوه وضربوه حتى مات. <br />
<br />
فذكروا لرسول الله أنه فر حين أحس مس الحجارة ومس الموت فقال الرسول «هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه». <br />
<br />
'''والقصة الثانية لامرأة من غامد جاءت إلى النبي فقالت&nbsp;: '''«يا رسول الله طهرني» فقال&nbsp;: «ويحك فارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» فقالت&nbsp;: «تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك ، إني حبلى من الزنا» فقال&nbsp;: أنت؟ قالت&nbsp;: نعم ، ولما كانت حبلى من الزنا ما أطال النبي استجوابها بل قال لها&nbsp;: «أذهبي حتى تلدي» ، فلما ولدت قال&nbsp;: «أذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» ، فلما فطمته أتته بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت&nbsp;: يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها. <br />
<br />
وما سقنا هذين الحادثتين إلا لتثبيت شفافية الضمير ورفاهية الحس في جيل قد نال من عذب الإسلام وقد أراد التطهر مما اعترى ضعفه البشري وراء لذة محرمة. ولكن سقوط القطع وحد الزنا لعدم توافر الشروط أو لقيام شبهة ما لا يعفي السارق والزاني من العقوبة ، فالشريعة الإسلامية تقرر عقوبة التعزيز في كل حالة يسقط فيها الحد متى ثبتت الجريمة بأي طريق من طرق الاستدلال وإثبات الجريمة. <br />
<br />
والتعزير يقدرها القانون المتواضع عليه في صورة تتفاوت شدتها حسب مبلغ خطر الجريمة وحسب اختلاف مرتكبيها وما يكفي لردعهم. فهذه الحدود كقطع يد السارق&nbsp; ، ورجم الزاني المحصن أو جلده ، وجلد غير المحصن وجلد السكير&nbsp; قد تبدو قاسية عند النظرة الأولى وعند من لم يدرس فكرة هذا الدين الكلية وقواعده العامة. أن الإسلام لا يقيم هذه الحدود على مرتكبي تلك الجرائم إلا بعد ألا يكون لهم عذر ما في ارتكابها ولا شبهة في وقوعها. أنه يقطع يد السارق الذي لم يسرق اضطرارا ليطعم نفسه أو يطعم أهله ، فإذا كانت هناك مبررات اجتماعية أو فردية تضطر إلى هذه الفعلة فلا عقوبة ، بل ربما عاد بالعقوبة على من دفع المجرم إلى ارتكاب جريمته ، وهكذا فعل عمر مع غلمان سرقوا ناقة ، فلما علم أنهم سرقوا لأن سيدهم لا يعطيهم الكفاية من الطعام أطلقهم وغرم السيد ثمن هذه الناقة ضعفين ولما كان الجوع في عام الرمادة عطل حد السرقة. <br />
<br />
وأن الإسلام يرجم الزاني الذي يضبطه الشهود في حالة تلبس كامل أو يجلده ، في الوقت الذي لا يبيح لأحد أن يتسور على أحد داره أو يتجسس عليه. فالزاني الذي يضبطه الشهود أذن لا يرتكب هذه الفاحشة في داره بل في مكان يستطيع الشهود أن يضبطوه فيه فهو أذن مجرم فاحش متبجح ينشر الفاحشة ويشيعها. <br />
<br />
فأما الذين يرتكبون هذه الفاحشة متسترين ثم يعترفون طلبا للتكفير فالإسلام يرأف بهم رأفة شديدة ويحاول أن يتلمس لهم الشبهات كي يعفي هذه الضمائر المتحرجة المتطهرة من العقاب لقوله -صلى الله عليه وسلم- «أدرؤوا الحدود ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» (أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها). <br />
<br />
هذا هو الشأن في الحدود والقصاص. فما أوردته الشريعة الإسلامية وبوصفها العام أي مصادرها المختلفة فقد جاءت رحبة متسعة الأفق بالآراء الفقهية في التفريعات المختلفة التي تعرفها التشريعات المدنية وغيرها وما زال ينقب فيها الباحثون لما فيها من الغنى ووفرة الاستدلال ولا نشيد بما تناوله البحاث المسلمون&nbsp; بل نشير في ذلك إلى ما قال به فقهاء لهم من سعة العلم ما أذهب عنهم التعصب الذميم وهم غير مسلمين&nbsp; فقاموا على دراسة الشريعة الإسلامية وتبحروا فيها ونقبوا عن نفائسها وما زالوا يشيدون بها وأن فيها رحابة وسعة فهي شريعة خالدة توافق نواميس البشر في كل زمان ومكان لم تبلغ العلوم القانونية المعاصرة ما وصلت إليه من آراء في تطبيقها لحياة الإنسان وتنظيمها كما يؤكده تقرير مؤتمر الأسبوع الدولي للشريعة الإسلامية الذي انعقد في باريس في الفترة من 2 إلى 7 يوليو 1951 <br />
<br />
ونص مشروع الدستور المقترح على أن يكون التشريع في حدود تعاليم الإسلام ولما جاءت صيغ المواد 10 ، 44 ، 45 مطلقة ، فأنا نرى أن المشروع قد تبنى الأخذ من المدارس الفقهية جميعا دون التقيد بمذهب معين والذي أوصل بتبني بعض الدول لهذا إلى الجمود والتعصب. <br />
<br />
فالمذهب الغالب في مصر خاصة في مجال الأحوال الشخصية هو المذهب الحنفي وفي شمال أفريقيا المذهب السائد هو المذهب المالكي في كل من تونس والجزائر والمغرب والمذهب السائد في اليمن هو المذهب الشافعي وما أكدت ذلك أيضا المادة الثانية عشرة من دستور جمهورية إيران بنصها&nbsp; الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد ، والمذاهب الإسلامية الأخرى سواء الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي تتمتع باحترام كامل وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم الدينية حسب فقههم ، وتتمتع هذه المذاهب برسمية في التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج ، والطلاق ، والإرث والوصية) والدعاوى المرتبطة بها في المحاكم. <br />
<br />
وكل منطقة يتمتع فيها أتباع هذه المذاهب بأكثرية ، فإن المقررات المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب في نطاق صلاحيات مجالس الشورى المحلية مع حفظ حقوق أتباع سائر المذاهب الأخرى». <br />
<br />
وما درى هؤلاء وأولئك في بلاد الإسلام أن أصحاب المذاهب ليسوا إلا أصحاب رأي واجتهاد وعلم بعدوا قليلا أو كثيرًا عن عصر الرسالة واستحدثت أمامهم أقضية مختلفة في بلاد ذات عوائد ومدنيات مختلفة فكان لا بد من استحداث آراء وقواعد تحل على أساسها مشاكل الناس وهؤلاء الفقهاء لم يبعدوا عن الكتاب والحديث ولم يدعوا لأنفسهم علما خاصا إنما آراؤهم تنوعت بحسب ما توافر لدى كل منهم من أسباب الاستدلال. <br />
<br />
فالإمام مالك يقول وهو في مسجد رسول الله «كل يؤخذ من كلامه ويرد عليه ألا صاحب هذا القبر» وأشار إلى قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والشافعي يقول&nbsp;: «إن صح الحديث فهو مذهبي» ومنهم من يقول «لا تأخذوا بقولنا حتى تعلموا من أين أخذنا» ولم يلزم أحد من الأئمة الناس بأتباع مذهبه ولكن أتباعه هم الذين ألزموا أنفسهم بإتباعه وحصروا أنفسهم في نطاقه. على أنه ليس ثمة أي معيار للتفضيل بين مذهب ومذهب فانتشار واحد وانزواء آخر لا يرجع إلى قوة الأول وصحة آرائه ولا إلى ضعف الثاني وسقم أفكاره ، بل أن العوامل السياسية كان لها في أغلب الأحيان الأثر الفعال في ذيوع مدرسة فقهية أو خمولها ، فمذهب أبي حنيفة ومدرسته ذاعا وانتشرا لأن السلطان احتضنه ، فمن الثابت في التاريخ أن الخليفة العباسي اتخذ أبا يوسف صاحب أبي حنيفة قاضيا للقضاة ، وكان أغلب القضاة الذين يختارهم من الحنفية ، وجاءت الحكومات الإسلامية المتعاقبة فرأت ذلك المذهب مطبقا في محاكمها فتبعته واستقرت عليه. وأصبح الجمهور كذلك ملما به عالما بأحكامه ، فالروح الديوانية أذن هي التي جعلت الحكومات تميل إلى الإبقاء عليه وظل المذهب الحنفي هو المطبق في دور القضاء حتى الدولة العثمانية دون غيره من المذاهب والمدارس الفقهية ، على أن مذهب أحمد بن حنبل لم يتح له نصيب وافر من الذيوع والانتشار لأن الظروف السياسية لم توانه. <br />
<br />
والمذاهب بمدارسها الفقهية ليست هي الأربعة المشهورة فقد ظهرت مذاهب غيرها مثل مذهب الأوزاعي ومذهب الليث بن سعد الذي قال فيه الشافعي&nbsp;: «الليث بن سعد» أفقه من مالك ولكن قومه ضيعوه (أي لم يدونوا مذهبه) ، ومذهب داود الظاهري الذي بناه على أساس العمل بظاهر الكتاب والسنة وهو مذهب ابن حزم. <br />
<br />
فهذه المواد من مشروع الدستور المقترح قد أخذت بروح الشريعة ذاتها وما قامت مذاهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل وجعفر الصادق&nbsp; والمذهب الزيدي&nbsp; والمذهب الأباضي&nbsp; ومذهب الظاهرية إلا على الاجتهاد ولا اجتهاد إلا عن مستند والمستند هو كتاب الله وسنة رسوله ، فالمشروع قد أخذ في رأينا بما في هذه المدارس الفقهية وما يلائم العصر وهو ما عبرت عنه مؤتمر القانون الدولي المقارن المنعقد في لاهاي بهولندا في عام 1932 وفي عام 1937 وانتهيا فيه إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع العام واعتبارها صالحة للتطور وما عبر عنه كذلك البروفسور لويس ميو في تقرير المؤتمر المنعقد في باريس المشار إليه آنفا حيث ذكر «لا أدري كيف أوفق بين ما كان يصدر لنا من جمود الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي وعدم صلاحيتها كأساس لتشريعات متطورة وبين ما سمعته في هذا المؤتمر مما يثبت بغير شك ما عليه الشريعة الإسلامية من عمق وأصالة ودقة وكثرة تفريع وصلاحية لمقابلة جميع المستحدثات. وانتهى الأسبوع بالقرارات الآتية&nbsp;: <br />
<br />
أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة تشريعية لا يماري فيها وأن اختلاف المذاهب ومدارسها الفقهية يحوي ثروة تشريعية هي مناط الإعجاب ومنها يستجيب الفقه لجميع مطالب الحياة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== السلطة التنفيذية ووظيفتها ====<br />
<br />
'''رئيس الدولة:''' <br />
<br />
وقد نصت المادة 25 على اختياره بنصها «يختار مجلس الأمة من بين أعضائه رئيسا للدولة لمدى الحياة&nbsp; ، كما يجوز له أن يختار رئيسا من غير أعضائه. <br />
<br />
وفي هذه الحالة يشترط لصحة التعيين أن يكون الاختيار بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس وأن تتوافر في المختار ما يجب توافره في عضو مجلس الأمة (كشرط الأهلية الثقافية وأن يكون مصريا حسن السمعة وأن تكون سنه أربعين سنة هجرية كاملة على الأقل&nbsp; (مادة 4). <br />
<br />
والرئيس مسؤول لدى مجلس الأمة عن تصرفاته في شؤون الدولة سياسيا وجنائيا (مادة 29). <br />
<br />
ويسأل سياسيا كذلك أمام المجلس عن تصرفات وزرائه (مادة 38) فالرئيس وحده في هذا المشروع المقترح يملك اختصاصات السلطة التنفيذية وهو يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة. <br />
<br />
والوزراء هم مساعدوه له حق تعيينهم وعزلهم كما نصت على ذلك المادة (36) وهم يسألون أمامه سياسيا (المادة 37). ويتشابه ذلك والدستور الأمريكي إذ لا مسؤولية سياسية للوزراء أمام البرلمان (الكونجرس) فهذا الأخير لا يستطيع أن يقترع على عدم الثقة بهم وأن يعزلهم. <br />
<br />
ويرى البعض أن مركز الرئيس في الدستور الأمريكي هو أكبر شيء يجعله ذا طابع خاص يميزه عما عداه من الأنظمة الديمقراطية الغربية ، كما أن عدم المسؤولية السياسية -في نظر البعض الآخر- تعد الخاصية المميزة للنظام الأمريكي لأنها هي التي تكفل استقلال الرئيس في مزاولة سلطاته <br />
<br />
ومع اتفاق المشروع والدستور الأمريكي على أن الوزراء مسئولون أمام الرئيس إلا أن الأمر مختلف في كل منهما. <br />
<br />
فالرئيس في دستور الولايات المتحدة الأمريكية لا يسأل سياسيا إلا أمام الشعب عند انتهاء مدة رئاسته ، فالكونجرس يستطيع استنكار سياسته أو تصرفاته ولكن يحق للرئيس ألا يلتفت لذلك الاستنكار. <br />
<br />
أما بالنسبة لرئيس الدولة في المشروع المقترح فقد حددت مسؤوليته سياسيا عن تصرفات وزرائه أمام مجلس الأمة الذي يستطيع دعوته لسؤاله أو لاستجوابه. وفيما نرى أن الفرق بين الاصطلاحين واضح. ففي السؤال وهو مجرد طلب معلومات أو بيانات يتفق فيه الرئيس والوزراء الذين يستدعيهم المجلس ليستفسرهم عن أمر معين (مادة 42) أما الاستجواب فنرى أن القصد منه هو المحاسبة على تصرف من التصرفات المتصلة بالشؤون العامة وكثيرا ما ينتهي بالتصويت على قرار بالثقة أو بعدم الثقة نظرا لما قدمناه من مسؤولية عن تصرفات وزرائه. <br />
<br />
أما مسؤولية الرئيس المدنية والجنائية في غير الجرائم التي تقع بمناسبة أداء وظيفته فتكون أمام جهات القضاء العادي شأنه في ذلك شأن كل مواطن عدا أنه لا يجوز إلقاء القبض عليه ألا بعد الحصول على أذن مجلس الأمة (مادة 33) وليس لرئيس الدولة حق حضور جلسات المجلس ألا بدعوة منه لسؤاله ولاستجوابه ولكنه يستطيع مكاتبة المجلس عن طريق رئيسه (مادة 34). <br />
<br />
'''اختصاصاته&nbsp;:''' <br />
<br />
وهي ما نظمته المادة 50 في الباب الثالث بنصها على أن «رئيس الدولة يصدر القوانين أما الوظيفة التشريعية ذاتها فيتولاها مجلس الأمة بما لا يجافي أحكام الإسلام ، ولرئيس الدولة أن يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها -وهو ما يتفق مع دستور الولايات المتحدة الذي خول الرئيس بصفته القائم على تنفيذ القوانين سلطة إصدار اللوائح ، وهي بذلك تنفق مع المعيار القانوني المعروف في الفقه الدستوري ، فاللائحة هي عمل إداري يخضع للقانون والمعيار القانوني الذي يتميز به هو أن رئيس الدولة بوصفه متوليا الحكم له الحق في إصدار هذه اللوائح. <br />
<br />
المظهر الأول من هذا المعيار معترف به من الفقه الدستوري ويمثل لا فرير دو كروك وأزمين الفقهاء الذين يقولون به. <br />
<br />
فعند هذا الأخير أن عمل اللائحة أو إصدارها لا يدخل بالضرورة في نطاق وظيفة السلطة التشريعية فاللائحة تختلف عن القانون. <br />
<br />
فهي (اللائحة) في الواقع عمل وصفي هدفه ضمان تنفيذ القانون بتكملة نصوصه بالتفصيل دون تغييره أو تعديله في النص أو روح القانون ، فحق عمل اللوائح لا يكون من الضرورة من أعمال السلطة التشريعية بل يجب أن يعهد به إلى السلطة التنفيذية بوصفها القائمة على تنفيذ القوانين وهي بهذا تستطيع أن تصدر ما يكملها&nbsp; أما المظهر الآخر الذي يكيف حق رئيس الدولة بوصفه حاكما فيقول به كل من هوريو ، مورو ، دوجي&nbsp; وما أخذ به نص المادة 52 من مشروع الدستور يوافق ما جرى عليه العمل في فرنسا. <br />
<br />
فالحكومة بدون تخويل من المجلسين تستطيع أن تصدر اللوائح الضرورية التي من شأنها تكملة القوانين بتفصيل نصوصها بحيث يمكن معها تطبيقها وتحقيق الغاية التي قصدها المشرع بإصداره لها. <br />
<br />
وهذا من اختصاص السلطة التنفيذية بوصفها قائمة على تنفيذ القوانين كما يقول أزمين <br />
<br />
وهذا الحق أيضا خُوِّلت السلطة التنفيذية في مباشرته في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفي غيرها. <br />
<br />
بيد أن هذا الحق الوارد في نص المادة 52 من المشروع لا يشمل اللوائح المستقلة إذ أن من طبيعتها الإتيان بقواعد قانونية جديدة أي تشريعها ، وهذا يخرج عن اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية وهو حق أصيل للسلطة التشريعية وحدها. <br />
<br />
'''لوائح الضبط''' <br />
<br />
ويقصد بها الإجراءات التي تتخذ لوضع قيود على الحريات العامة من أجل حفظ الأمن والسكينة. <br />
<br />
وقد اختلف أيضا الفقه الفرنسي حول المعيار القانوني لهذه اللوائح. فذهب هوريو إلى أن هذه اللوائح هدفها هو تنفيذ قوانين البوليس بينما يذهب دوجي أن هذه اللوائح لا تستند إلى أي قانون محدد وهو يرجع أساسها أيضا إلى قاعدة عرفية <br />
<br />
خلافا لهذه الآراء الفقهية التي تباينت حول المعيار القانوني والتي تأثر بها بعض الفقه الدستوري المصري في ظل دستور 1923 فأن المادة 95 التي وضعت قيودا على مباشرة الحريات قد نصت ضمنا أن لوائح البوليس تدخل في إطار اللوائح العادية اللازمة لتنفيذ أو تكملة القوانين. <br />
<br />
والخلاصة أن رئيس الدولة في ظل هذا المشروع يخضع في وضعه لهذه اللوائح لأحكام الدستور والقوانين وفقا لقسمه الذي أوردته المادة 26 من احترام الدستور نصا وروحا. ولرئيس الدولة اختصاصات بصفته قائما على إدارة شؤون البلاد فهو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية وله أيضا اختصاصاته بصفته نائبا عن الجماعة التي يمثلها وهي الدولة كشخصية معنوية وتمثيلها قبل غيرها وهي اختصاصات ذات صفة سياسية. ووفقا للصفة الأولى نصت المادة 53 على أن «رئيس الدولة يرتب الوزارات والمصالح العامة ويولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين <br />
<br />
وقد اختلف الفقه الفرنسي حول المعيار القانوني لهذا الحق المنوط برئيس الدولة. <br />
<br />
فذهب عدد من الفقهاء ومجلس الدولة الفرنسي أنه ينبثق من سلطة الرئيس في وضع اللوائح اللازمة والمخولة إليه بموجب الدستور من أجل ضمان تنفيذ القوانين. ولدى هؤلاء فإن الرئيس في إتيانه عملا من شأنه ترتيب هذه المصالح العامة يكون قد مارس سلطته في وضع اللوائح إذ أن هذه المصالح من أهدافها تأمين تنفيذ القوانين. <br />
<br />
هذا الرأي قد انتقده دوجي الذي يرى أن هذه المصالح العامة ليس من أهدافها ضمان تنفيذ القوانين بل العمل وفقا للقوانين وهذا يختلف عن المعيار الأول <br />
<br />
ففي نظريته أن لائحة تنظيم المصالح هي لائحة مستقلة لا تستند إلى قانون وليس من هدفها تفصيل تطبيق هذا القانون ، وأن هذه القاعدة ترجع إلى عرف دستوري منذ القرن التاسع عشر <br />
<br />
ويتفق كاربه دي مالبرج في القول مع دوجي بأن هذه اللائحة لا تستند إلى قانون ويختلف معه في المعيار القانوني حيث أنه لا يرجعها إلى قاعدة عرفية دستورية وإنما يرجعها إلى التطبيق للقوانين المنشئة لهذه المصالح العامة . <br />
<br />
ونص المادة 53 من الدستور المقترح نجد صورا مشابهة لها في كافة الدساتير وهي إحدى الامتيازات التي خص بها رئيس الدولة ولكن هذا ليس مطلقا إذ أن في إطلاقه قد يؤدي إلى التعسف وسوء استعمال السلطة بل أنه ينبغي أن يكون مقيدا وبحيث لا يؤدي الإطلاق إلى جواز المحاباة لقرابة أو صلة التي لا علاقة لها بصلاح الشخص لتولي الوظائف العامة. <br />
<br />
إذ أن هذه الأخيرة ليست حقا للفرد على الدولة وإنما هو تكليف على الفرد من الدولة. فميزان الصلاحية هي القدرة والكفاءة على القيام بمهام الوظيفة وهي تختلف باختلاف الوظائف التي تحدد شروط شغلها القوانين وهنا معيار المساواة أمام القانون ، فمن وجد مستوفيا للشروط حق تعيينه ومن وجد غير ذلك حجب ولو كان ذا صلة. هل هذا الحق خاص برئيس الدولة؟ <br />
<br />
الذي نستنتجه من النصوص الواردة في شأن السلطة التنفيذية ووظيفتها أن سلطة تولية الوظائف هي سلطة عامة وليست خاصة ، ومشروع الدستور لم يأت بنص صريح في هذا الشأن لكن التفسير يقودنا إلى ما قدمنا. <br />
<br />
وهذه الطريقة في التفسير نجد مبدئها في ديباجة المشروع التي تنص على أنه وضع موافقا لأصلح ما في النظم المعاصرة خاصة والنظام الرئاسي ونظام حكومية الجمعية الذي أخذ به دستور النمسا الصادر عام 1920 والدستور التركي الصادر عام 1924 وإلى مثل هذه النصوص نستأنس الرأي من يستطيع أن يعهد إلى الرئيس وحده ، أو إلى المحاكم أو إلى رؤساء الأقسام (والمقصود الوزراء أو ما يطلق عليه هناك سكرتيرو الدولة) تولية (أي تعيين) الموظفين ونستطيع التأكيد أيضا أن هذا الحق مفهوم ضمنا من نص المادة 35 من مشروع الدستور التي تذكر يساعد رئيس الدولة في أداء وظيفته التنفيذية وزراء يتولون الوزارات المختلفة التي ينظمها القانون "فهؤلاء - أي الوزراء - يملكون تولية الموظفين وفقا لنظرية التفويض. <br />
<br />
كما يندرج أيا تحت الصفة الأولى حق رئيس الدولة في تولية وعزل الضباط فقد نصت المادة 54 رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي يولي ويعزل الضباط على الوجه المبين بالقوانين". <br />
<br />
وصفة القيادة العليا نجد إثارة لها في دستور الولايات المتحدة الأمريكية فالمادة الحادية عشرة منه تنص على أن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش والبحرية" والمادة 33 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1946 تصف رئيس الجمهورية بأنه قائد القوات المسلحة. وهل يملك رئيس السلطة التنفيذية وهو رئيس الدولة قيادة الجيوش بصفة شخصية؟ لاشك أن الحروب الحديثة لم تعد شبيهة بتلك التي مرت على البشرية منذ أزمان غابرة وقد أقتضى الأمر نظرا لتطور الاختصاصات وتعقد أمور الحرب وجود عسكريين مختصين بهذه الشئون ولهذا نجد بعض الدساتير الحديثة تنص على أن القيادة العليا للجيوش تدخل في اختصاصات السلطة التشريعية. وهذا نلحظه في الدول التي أخذت بنظام حكومة الجمعية فهي تنيط هذه الصفة إلى تلك السلطة كشخصية معنوية ولكن تنص على أن القيادة الفعلية لهذه القوات المسلحة تباشر تحت إدارة رئاسة الأركان أو أحد المختصين وهذا ما نصت عليه المادة 80 من الدستور النمساوي لسنة 1920 والمادة 40 من الدستور التركي لسنة 1924. <br />
<br />
وينبثق عن صفة القيادة العليا حق رئيس الدولة في تولية وعزل الضباط وفقا لنص المادة 54 ، "وهو الذي يولي ويعزل الضباط على الوجه المبين بالقوانين" والذي نلحظه أن مشروع المقترح قد تلافي النقد الذي وجه إلى نص المادة 46 من دستور 1923 الذي أغفل في مباشرة هذا الحق اقترانه بحدود القوانين ، مما خول إلى السلطة التنفيذية مملة في الملك التجاوز في مباشرة هذا الحق. <br />
<br />
وبذلك تساوي نصا المادتين 53 و 54 من مشروع الدستور المقترح في وجوب أن يكون تولية وعزل الموظفين والضباط على الوجه المبين بالقوانين. اختصاصات ذات صفة سياسية وفقا لنص المادتين 55 و 56 من مشروع الدستور ، لرئيس الدولة الحق في اعلان الحرب. لكن الأولى قد حددت الحروب الدفاعية والثانية قد حددت الحرب الهجومية. <br />
<br />
والأولى قد نصت عليها المادة 55 بقولها "رئيس الدولة يعلن الحرب الدفاعية ثم يعرض الأمر على مجلس الأمة". والثانية قد نصت عليها المادة 56 بقولها "وهو (أي رئيس الدولة) الذي يعلن الحرب الهجومية ويبرم المعاهدات بعد موافقة مجلس الأمة. <br />
<br />
وهذه التفرقة التي أخذت بها أيضا المادة 46 من دستور 1923 هي منطقية. ففي الحالة الأولى واجب رئي الدولة هو الدفاع عن البلاد إزاء خطر داهم يهددها أما الثانية فنظرا لما يترتب عليها من أخطار وعواقب فقد استلزمت المادة موافقة مجلس الأمة مسبقا. <br />
<br />
ومع سداد هذه التفرقة ، ذهبت بعض الدساتير إلى ضرورة موافقة السلطة التشريعية إزاء حالة الحرب ، من ذلك الدستور الفرنسي الصادر عام 1875الذي نص على أن "رئيس الجمهورية لا يمكنه إعلان الحرب دون الموافقة المسبقة للمجلسين" كذلك المادة 7 من دستور 1946 الفرنسي ينصها "لا يجوز إعلان الحرب دون تصويت الجمعية الوطنية والموافقة المسبقة لمجلس الجمهورية". <br />
<br />
كذلك نص المادة 26 من الدستور التركي الصادر عام 1924 الذي لم يفرق بين الحرب الدفاعية والهجومية واشترط موافقة السلطة التشريعية في إعلان كليهما. <br />
<br />
هذا الحل الذي أخذ به الدستور الفرنسي قد تعرض للنقد من قبل الفقهاء وخاصة دوجي والذي تثبته ظروف الحرب الحديثة التي قد تنشب دون إعلان والتفرقة التي أخذ بها المشروع سديدة غذ قد يرتبط بها مصير أمة ، لذلك اشترط إزاءها موافقة سلطتها التشريعية. ولرئيس الدولة بصفته رئيس للسلطة التنفيذية له اختصاصات ذات صفة سياسية نصت عليها المادة 56 بقولها"... <br />
<br />
ويبرم المعاهدات بعد موافقة مجلس الأمة. وإبرام المعاهدات يتضمن بلا شك حقين&nbsp;: الأول هو المباحثات والثاني التصديق عليها بالتوقيع. <br />
<br />
وهذا حق الشخصي لرئيس الدولة وامتياز لرئيس الجمهورية في فرنسا وفقا لنص المادة 31 من الدستور الفرنسي لعام 1946 والدساتير المتعاقبة ، كذلك لرئيس الاتحاد النمساوي وفقا لنص المادة 65 من الدستور النمساوي الصادر عام 1920 والدساتير المتعاقبة. وقد نصت المادة 56 من المشروع على موافقة مجلس الأمة على هذه المعاهدات ونص المادة قد جاء عاما مخالفا بذلك المادة 46 من دستور 1923 التي فرقت بين نوعين منها؛ الأولى "معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئا من النفقات أو مساس بحقوق المصريين العامة أو الخاصة وهذا لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها البرلمان ، أما غيرها من معاهدات فتستطيع السلطة التنفيذية إبرامها دون الرجوع إلى السلطة التشريعية. ويندرج تحت هذه الاختصاصات ذات الصفة السياسية حق رئيس الدولة في تعيين من يمثلون الدولة لدى غيرها في المجتمع الدولي فنصت المادة 57 وهو الذي يعين الممثلين السياسيين ويقيلهم على الوجه المبين بالقوانين. <br />
<br />
'''حق العفو&nbsp;:''' <br />
<br />
العفو سبب من أسباب سقوط العقوبة وهو وفقا لنص المادة 58 حق لرئيس الدولة فقد ذكرت وهو الذي يباشر حق العفو وتخفيض العقوبة على الوجه المبين بالقوانين والعفو الشامل لا يكون إلا بقانون وقد جمعت هذه المادة نص المادتين 43 و 152 من دستور 1923 فالأولى تنص أن له (أي للملك حق العفو وتخفيض العقوبة والثانية تنص العفو الشامل لا يكون إلا بقانون. والذي نلحظه أن نص المادة 43 قد جاء مطلقا بينما نص المادة 152 قد قيد العفو الشامل بالقانون ، ولهذا فإن المشروع قد تلافي هذا الامتياز المقرر لرئيس السلطة التنفيذية في ظل دستور 1923 مقررا خضوع حق العفو وتخفيض العقوبة على الوجه المبين بالقوانين. ومن ناحية قانونية لا ينبغي الخلط بين العفو grace والعفو الشامل amnistie ، فالعفو ذو اعتبار فردي وهو يلحق الحكم الصادر في حق الشخص ذاته والعقوبات التبعية بينما العفو الشامل ذو اعتبار عام لا يطبق على شخص معين بل على مجموعة من المخالفات المرتكبة في ظروف أو أوقات ما. وهو لا يسقط فقط العقوبة التي حكم بها بل بلغي أيضا كافة النتائج التي يرتبها قانون العقوبات في هذا الشأن. <br />
<br />
وما هو المعيار القانوني للعفو؟ هل هو عمل قانوني أو إجراء إداري للسلطة؟ في فرنسا اختلف الفقه حول عدة نظريات&nbsp;: <br />
<br />
فبارتلمي وجيز يذهبان إلى أنه ليس إجراء تنفيذيا بالمعنى الصحيح ، لكنه على الرغم من ذلك ووفقا لطبيعته فإنه من الاختصاصات التنفيذية لرئيس الدولة. فتذهب هذه النظرية إلى أن حق العقاب اختصاص دستوري تكلف به السلطة التنفيذية. فهي التي تصادر أموال المحكوم عليهم ، وهي التي تسجن وهي التي تباشر القتل . <br />
<br />
ولكن السلطة التنفيذية في ممارستها لهذا الحق تنفيذ بالضمانات التي كفلها القانون للفرد إزاء تحكم السلطة فلا عقوبة ولا جريمة بدون نص في القانون. ومن ثم فدور القضاء هو تحديد المسؤولية في ارتكاب الجريمة ثم الحكم بالعقوبة المنصوص عليها قانونا. فوفقا لهذه النظرية ، الخاصية المميزة للعمل القانوني هو الحكم بالشيء المقضي كحقيقة مشروعة. وكل قضاء خلاف ذلك لا يعد قانونيا ، وحتى يصدر حكم لا بد أن يكون هناك طالب لإصداره. <br />
<br />
وهذا الظرف هو السلطة التنفيذية التي تقوم بهذا الدور في المجال الجنائي مثل الدور الذي يقوم به طرف الخصومة في نزاع مدني. فالسلطة التنفيذية تباشر بذلك حقها في العقاب. <br />
<br />
ويضيف بارتلمي إلى نظريته أن هذه السلطة عندما لا تعاقب كما خول لها القضاء هذا الحق فإنها لا تعتدي على هذا الحكم المقضي به ومثالها في ذلك الفرد الذي صدر الحكم لصالحه فيمتنع عن تنفيذه لدواع إنسانية إزاء خصمه المدين . <br />
<br />
بيد أن هذه النظرية قد لقيت نقدا من دوجي الذي يرى أن هذا الامتياز أو الحق في العقاب لا تتمتع به السلطة التنفيذية وإنما هو حق الدولة. إذ لا يجوز في نظره أن تخول السلطة التنفيذية التي هي أحد أعضاء الدولة الاعتراف بحقها في العقاب أمام عضو ثان هو السلطة القضائية. <br />
<br />
وهو مع قبوله لحجية الحكم في الشيء المقضي كحقيقة مشروعة يقول أن الفرد المحكوم عليه بالسجن مثلا له حق مشروع في كل تعديل يرمي إلى إعادة الحرية إليه وحق العفو يحقق ذلك&nbsp; ، وهو يذهب في تحليله أن هذا الحق ذو اعتبار ظرفي. ذلك في فقه القانون الوضعي فماذا عن الشريعة الإسلامية وقد نص مشروع الدستور في غير مادة على أن يكون التشريع في حدود تعاليم الإسلام ، هل يملك رئيس الدولة وهو نائب عن الأمة أن يباشر هذا الحق في العفو؟ وما مدى سلطاته؟ <br />
<br />
إذا كان من حق ولي الأمر أن يعفو عن الجريمة وأن يعفو عن العقوبة ، فإن حقه في العفو لا يتولد إلا بتولد سببه ، فلا يستطيع أن يعفو عن الجريمة إلا إذا وقعت هذه الجريمة ، ولا يستطيع أن يعفو عن العقوبة إلا إذا حكم بالعقوبة. فليس لولي الأمر أن يعفو مقدما عن الجرائم قبل وقوعها ، أو عن العقوبات قبل الحكم بها لأن ذلك يعتبر أباحة للأفعال المحرمة لا عفوا عن الجريمة أو العقوبة. <br />
<br />
وحق ولي الأمر في هذا العفو مقيد بأن لا يكون مخالفا لنصوص الشريعة ، أو مبادئها العامة أو روحها التشريعية كما أنه مقيد بأنه يقصد به تحقيق مصلحة عامة أو دفع مفسدة. <br />
<br />
والعفو سبب من أسباب سقوط العقوبة وليس سببا عاما إنما هو سبب خاص يسقط العقوبة في بعض الجرائم دون البعض الآخر والقاعدة التي تحكم العفو أنه لا أثر له في جرائم الحدود وأن له أثره فيما عدا ذلك. فالعقوبة في جرائم الحدود لازمة محتمة ويعبر الفقهاء عنها بأنها حق الله تعالى ، لأن ما كان حقا لله امتنع العفو فيه أو إسقاطه . <br />
<br />
وليس لولي الأمر أن يعفو في جرائم القصاص والدية عن العقوبات المقدرة كالقصاص والكفارة ، ولكن له أن يعفو عن أية عقوبة تعزيرية يعاقب بها الجاني وله أن يعفو عن كل عقوبة أو بعضها. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن لولي الأمر حق العفو كاملا في جرائم التعزير ، فله أن يعفو عن الجريمة وله أن يعفو عن العقوبة كلها أو بعضها ولكنهم اختلفوا فيما إذا كان لولي الأمر حق العفو في كل جرائم التعزير أو في بعضها دون البعض الآخر. فرأي البعض أن ليس لولي الأمر حق العفو في جرائم القصاص والحدود التامة التي امتنع فيها القصاص والحد ، وأن هذه الجرائم يعاقب عليها بالعقوبات التعزيرية المناسبة ولا عفو فيها لا عن الجريمة ولا عن العقوبة. <br />
<br />
أما ما عداها من الجرائم فلولي الأمر فيها أن يعفو عن الجريمة وأن يعفو عن العقوبة إذا رأى المصلحة في ذلك بعد مجانبة هوى نفسه . <br />
<br />
ورأى البعض أن لولي الأمر في كل الجرائم المعاقب عليها بالتعزير أن يعفو عن الجريمة وأن يعفو عن العقوبة إذا كان في ذلك مصلحة. وللمجني عليه في جرائم التعزير أن يعفو عما يمس شخصه كما في الضرب والشتم ، ولكن عفوه لا يؤثر على حق الجماعة في تأديب الجاني وتقويمه ، فإذا عفا المجني عليه انصرف عفوه إلى حقوقه الشخصية. <br />
<br />
وإذا عفا ولي الأمر في جرائم التعازير عن الجريمة أو العقوبة فإن عفوه لا يؤثر بأي حال على حقوق المجني عليه . <br />
<br />
وحق ولي الأمر كما توحي به المادة 58 يتم على الوجه المبين بالقوانين وهي قد تترك له السلطة التقديرية في تقرير حق الفرد وتخفيض العقوبة إذا رأى مصلحة في ذلك. وهذا الحق في العفو يتم بناء على عرض من قبل الوزير المختص ، نستأنس في ذلك بما ورد في الدستور النمساوي لعام 1920 وقد أخذ بنظام حكومة الجمعية ونص هذا الدستور في الفقرة الثانية من المادة 65 على حق رئيس الاتحاد الفيدرالي (رئيس الدولة) في العفو وتخفيض العقوبة والعفو الشامل وفقا للقانون ويتم هذا بناء على عرض من الحكومة أو الوزير المختص وفقا للمادة 67 منه. <br />
<br />
كذلك ما تنص عليه المادة 42 من الدستور التركي لسنة 1924 على حق رئيس الجمهورية في العفو وتخفيض العقوبة لأسباب شخصية كالعجز الدائم أو الشيخوخة ويتم ذلك بناء على عرض الحكومة. وإلى مثل هذه النصوص نستأنس في تفسيرنا وفقا لما ورد في ديباجة المشروع كما قدمنا غير مرة. <br />
<br />
والخلاصة أن حق العفو وفقا لنص المادة 58 من مشروع الدستور المقترح يتم بناء على عرض من الوزير المختص الذي يسأل سياسيا أمام رئيس الدولة وتقوم مسؤولية الأخر عن أعمال وزرائه أمام مجلس الأمة. <br />
<br />
'''انتهاء ولاية الرئيس&nbsp;:''' <br />
<br />
عرفنا أن الرئيس يختار لمدى الحياة. وقد تنتهي فترة ولاية الرئيس أما بالعزل أو بالوفاة. <br />
<br />
وقد نظمت الحالة الأولى المادة 30 بنصها «إذا قرر مجلس الأمة عدم الثقة برئيس الدولة انعزل عن الرئاسة. كما نظمت المادة 27 حالة الوفاة بنصها» أثر وفاة الرئيس يجتمع المجلس (مجلس الأمة) خلال عشرة أيام من تاريخ الوفاة لينتخب رئيسا جديدا وحتى يتم الانتخاب يتولى رئيس مجلس الأمة سلطات رئيس الدولة وكذلك الحال عند خلو رئاسة الدولة لأي سبب آخر-وهو العزل لعدم الثقة أو أدانته فيما يقع منه من جرائم أثناء تأدية وظيفته التي نظمتها المادة 31. <br />
<br />
'''حقوق وظيفة الرئيس&nbsp;:''' <br />
<br />
وقد نظمتها المادة 28 بنصها «لا يجوز الجمع بين رئاسة الدولة وأية وظيفة عامة ، أو خاصة بأجر أو بغير أجر. ضمانات قيامه بوظيفته وقد نظمتها المادة 33 بنصها على عدم جواز القبض عليه (على رئيس الدولة) إلا بعد الحصول على أذن مجلس الأمة وذلك عن مسئوليته المدنية والجنائية أمام جهات القضاء العادي في غير الحالة المنصوص عليها في المادة 29. <br />
<br />
مسؤولية الرئيس للمجلس (مجلس الأمة) حق اتهام رئيس الدولة فيما يقع منه من الجرائم أثناء تأدية وظيفته ولا يصدر قرار الإدانة إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء وهذا ما نصت عليه المادة 31. <br />
<br />
أما محاكمته في هذا الشأن فتتم أمام المجلس وتتبع في محاكمته الإجراءات والأوضاع الواردة بلائحة المجلس الداخلية (مادة 32). <br />
<br />
'''أحكام خاصة بالوزراء&nbsp;:''' <br />
<br />
ثمة وزراء يعينهم رئيس الدولة ويعزلهم وهم تابعون له ، لا استقلال لهم ، يساعدونه في أداء وظيفته التنفيذية ويسألون أمامه سياسيا وهو شأن دستور الولايات المتحدة الأمريكية بيد أن المشروع يختلف عن هذا الأخير فقد حدد مسؤوليته سياسيا عن تصرفات وزرائه أمام مجلس الأمة (مادة 38) فهو (رئيس الدولة) الذي يعين الوزراء ويقيلهم (مادة 36) ويسأل كل وزير أمام رئيس الدولة سياسيا (مادة 37) أما مسؤولية الوزير الجنائية فتكون أمام مجلس الأمة (مادة 39) وقد نصت المادة المذكورة على أن تسري في هذا الشأن أحكام المادتين 31 و 32 وهي تلك التي تنظم الجرائم التي تقع بمناسبة أداء الوظيفة ولا يصدر قرار الإدانة إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء. <br />
<br />
والمادة تختلف في هذا الشأن عن المادة 66 عن دستور 1923 التي نصت على أن «لمجلس النواب وحده حق اتهام الوزراء فيما يقع منهم من الجرائم في تأدية وظائفهم ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي الآراء وبحكم قرار الاتهام في المشروع المقترح نص المادة 16 كما سبق دراستها. وقد نظمت المادة 40 الشروط الواجبة لدى اختيار الوزير بنصها على أن يشترط فيمن يختاره رئيس الدولة وزيرا ما يشترط في عضو مجلس الأمة. كما نصت المادة 41 على أنه لا يجوز الجمع بين الوزارة وبين أية وظيفة عامة أو خاصة بأجر أو بغير أجر وهي كلها مطابقة لما سبق النص عليه للشروط الواجب توافرها في رئيس الدولة. كما نصت المادة 42 على أن «ليس للوزراء حق حضور جلسات مجلس الأمة إلا بوصفهم من الجمهور ، ولكن للمجلس أن يستدعيهم ليستمع إليهم بناء على طلب منهم أو ليستفسرهم عن أمر معين وفق الأوضاع الواردة بلائحة المجلس الداخلية». <br />
<br />
وقد آثر المشروع في هذا الشأن الأخذ بالنظام الرئاسي مخالفا بذلك النظام البرلماني أو النيابي الذي كان سائدا في مصر أو الذي أخذت به دساتير ما بعد 23 يوليو 1952. <br />
<br />
فالوزراء لا يجوز أن يكونوا أعضاء في الهيئة التشريعية (مجلس الأمة) وليس لهم من ثَمَّ رأي معدود في المداولات . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== مقارنة بين المشروع والفقهاء الإسلاميين بشأن رئاسة الدولة ====<br />
<br />
'''معنى الخلافة&nbsp;:''' <br />
<br />
تعني الخلافة أو الإمامة العظمى رئاسة الدولة الإسلامية. <br />
<br />
ووظيفة الخليفة (أو رئيس الدولة) فيها هي إقامة الإسلام بإقامته للدين وقباءه بشوون الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام. وهي أمور لا تتم إلا بالقوة والإمارة وولاية أمر الناس أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها. <br />
<br />
وقد عرفت الخلافة بأنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفت بأنها خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة . <br />
<br />
وعرفها الماوردي بأنها موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا . <br />
<br />
وظاهر من هذه التعريفات أنهم يعتبرون الخليفة قائما مقام النبي في رئاسته ناظرين في ذلك أن النبي كانت له وظيفتان&nbsp;: وظيفة التبليغ عن الله ، ووظيفة القيام على أمر الله وسياسة الدنيا به. <br />
<br />
فلما توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- انتهت وظيفته التبليغ وبقيت الوظيفة الأخرى فوجب بأن يقوم بأدائها من يستطيع القيام بأعبائها ، ولأنه يخلف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر سمي بالخليفة... <br />
<br />
ولم يشد عن ذلك من العلماء قديمهم ومعاصريهم فيما نعلم سوى المرحوم علي عبد الرازق الذي ذكر أن رسالة النبي قد انتهت بموته وكذلك زعامته فليس لأحد أن يخلفه لا في رسالته ولا في زعامته . <br />
<br />
وأما عن الرد في ذلك ، فإنه لا خلاف بانتهاء تبليغ الرسالة بوفاة الرسول هذا ما لا يخالفه فيه أحد. <br />
<br />
أما إذا كان يريد انتهاء موضوع التبليغ فهذا ما لا يتفق معه أحد ممن عرفنا من علماء الإسلام ، ذلك أن ما دعا إليه الرسول لم ينته بموته ، أو أن الأمة صارت بعد وفاته في غير حاجة إلى تنظيم وقد أقام الإسلام دعائمها. <br />
<br />
والقول بغير ذلك يخرج الإنسان من دائرة الإيمان. <br />
<br />
وثمة ما نراه أن ما قال به يرتكز على أساس أراد إثباته ، وهو أن الإسلام ليس إلا عقيدة فردية أي أنه دين فقط ، ولا صلة له أذن بالدنيا أو السياسة وهذا ما رأينا فيه وجه الخطل باستعراض خاصية الإسلام السياسية وآراء الفقهاء الإسلاميين والمستشرقين بصفته دين ودولة. <br />
<br />
'''إقامة الخلافة&nbsp;:''' <br />
<br />
وتعتبر الخلافة (أو الرئاسة) فريضة من فروض الكفايات ، فإذا قام بها من هو أهل لها سقطت الفريضة عن الكافة ، وأن لم يقم بها أحد أثم كافة المسلمين حتى يقوم بأمر الخلافة من هو أهل لها. والإثم يحلق فريقين من الأمة ، أحدهما أهل الاختبار والثاني أهل الإمامة. <br />
<br />
والرأي القائل بوجوب الخلافة هو رأي أهل السنة جميعا ورأي المعتزلة والخوارج وكذلك رأي الشيعة إلا أن لهم وجهة نظر خاصة في فهم هذا الوجوب للخلافة. <br />
<br />
ولم يشذ عن هذا الرأي من المعتزلة إلا الأصم ومن الخوارج فريق النجدات ، فقد قالوا بأن إقامة الخلافة ليست فريضة وإنما الفريضة هي إقامة الشريعة وحجتهم أن الأمة إذا تواطأت على العدل وتنفيذ أحكام الإسلام فلا حاجة لإمام ، وإذا لم تكن في حاجة لإمام فتعيينه غير واجب وإنما هو جائز. <br />
<br />
'''مصدر فرضية الخلافة:''' <br />
<br />
إذا كان العلماء قد اتفقوا على وجوب قيام الخلافة فقد اختلفت وجهات نظرهم في شأن الأدلة التي يستندون عليها. فيرى البعض أنها قد وجبت نزولا على حكم الشرع ، ورأى البعض الآخر بوجوبها نزولا على ما يقضي به العقل ، وبعض ثالث جمع بين ما قال به الأوليان فقال بوجوبها بمقتضى الاثنين معا ، العقل والشرع. <br />
<br />
'''الدليل الشرعي&nbsp;:''' <br />
<br />
يرى البعض أن نظام الخلافة (الرئاسة) يستند وجوبه إلى نصوص القرآن وأحاديث رويت عن الرسول وإجماع الصحابة&nbsp;: <br />
<br />
(أ) فيما ورد من نصوص القرآن قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وأولو الأمر- تشمل فيمن تشمل الخلفاء (أو الأمراء). <br />
<br />
(ب) ومن أحاديث الرسول قوله&nbsp;: «أن من طاعة الله أن تطيعوني وأن من طاعتي أن تطيعوا أئمتكم». <br />
<br />
(ج) الإجماع وهو أهم دليل يستند إليه أصحاب الرأي القائل بوجوب الخلافة ، فقد أجمع المسلمون أصحاب الرسول خاصة على أن يقيموا على رأس الدولة من يخلف الرسول ، وما أن تحقق أبو بكر من وفاة الرسول حتى خرج على الناس ليقول لهم «إلا أن محمدا قد مات ولابد لهذا الدين من يقوم به» فترك الصحابة تجهيز النبي ولم يدفنوه حتى أقاموا أبا بكر خليفة له . <br />
<br />
'''الدليل العقلي&nbsp;:''' <br />
<br />
ذهب البعض وعلى رأسهم الكثيرون من المعتزلة إلى أن إقامة الخلافة وجبت بالعقل ، وأن الإجماع الذي حدث في عهد الصحابة والتابعين على إقامة الخلافة إنما كان قضاء بحكم العقل ، وذلك نظرا لأن الكثير من الواجبات الشرعية يتوقف أداؤها على ما يقولون على إقامة خليفة (أو أمير أو إمام أو حاكم) وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعا ، وأن ما يتوقف عليه الفرض فهو فرض&nbsp; ، وذلك أيضا نظرا لضرورة الاجتماع للبشر واستحالة حياتهم منفردين. فما لم يكن الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج والمؤذن بهلاك البشر مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية . <br />
<br />
'''الدليل العقلي والشرعي معا&nbsp;:''' <br />
<br />
ويرى بعض المعتزلة أن الخلافة وجبت بالعقل والشرع معا فليس ثمة ما يحول -كما يقولون- دون القول بأن إقامة الخلافة من الأمور التي يقضي بها العقل لحياطة القوانين وحماية الأفراد ، وقررها الشرع تأييدا لمقتضى العقل. فيكون العقل والشرع متوافقين على إيجاب تولية الخليفة . <br />
<br />
'''مذهب الشيعة&nbsp;:''' <br />
<br />
ومع اتفاق الشيعة مع أهل السنة في وجوب الإمامة واتفاقهم في ذلك أيضا مع الخوارج والمعتزلة ، فإن لهم نظرة خاصة في معنى الوجوب فهم لا يرون وجوبها على الأمة ولكنهم يقولون أنها واجبة على الله . <br />
<br />
'''انعقاد الإمامة أو الخلافة ومركز الخليفة:''' <br />
<br />
أجمع مجتهدو الفرق الإسلامية جميعا على انعقاد الإمامة أو الخلافة -أي رئاسة الدولة الإسلامية- عن طريق واحد هو اختيار أهل الحل والعقد ، والقبول من جانب الإمام أو الخليفة لمنصب الخليفة وبهذا صرح الفقهاء «من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته» . <br />
<br />
فالإمامة من ثم عقد له عناصره بتوافر موضوعه وأركانه وأحكامه وشروطه. وطرفاء هما أهل الاختيار والإمام أو الخليفة. <br />
<br />
أو ما يتمثل في الإيجاب من الأول والقبول من الثاني. هذا ما ذهب إليه الأقدمون من الفقهاء حيث قالوا لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار ، فإذا بطل الأول لم يبق إلا الثاني أي الاختيار (من الأمة). <br />
<br />
وكذلك ذهب إليه المحدثون منهم المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري&nbsp; والمرحوم الأستاذ محمود فياض الأستاذ بجامعة الأزهر ، وهكذا بويع الخلفاء الراشدون. <br />
<br />
ومركز الخليفة أو الإمام في الأمة هو مركز الوكيل عنها ، وكل أعماله تقوم على أساس نيابته عنها ، وهو مقيد فيها بالعقد الذي تم بينه وبينها ومثلها فيه أهل الحل والعقد باختيارهم له. <br />
<br />
والأمة تستطيع أن توسع من سلطاته في مباشرة السلطات التي أوكلتها إليه وتضيق فيه أو تقيده كلما رأت إلى ذلك مصلحة ، وليس ثمة ما يمنع أن تضيق الأمة من سلطان من يخلفه وليس له أن يحتج بما منح الخلفاء من قبله من واسع السلطات ، فهو وكيل عن الأمة وهي الموكلة تستطيع إطلاق نيابته عنها أو تقيدها إذ هي مصدر السلطات ، فما جاء منه موافقا لحدود النيابة فهو صحيح وما جاء خارجا عنها فهو باطل بطلانا يجعله لا تجب له طاعة. ونيابة الخليفة عن الأمة ليست موقوتة بمدة معينة ولكنها تمتد ما طال عمره وكان قادرا على مباشرة عمله ، ولم يأت ما يستوجب عزله من النيابة. <br />
<br />
ولقد جرت السوابق على إبقاء الخليفة في منصبه مدى حياته ما لم يرغب هو في اعتزال المنصب باستعفائه الأمة منه ، أو ما لم يعزل من منصبه بسبب طالما هو نائب أو وكيل عن الأمة التي لها الحق في عزله. وليس ثمة نصوص صريحة توجب أن يكون الخليفة في منصبه مدى حياته. ويذهب بعض الفقهاء في ذلك إلى أن إجماع الأمة على هذا يقوم مقام النص ، لأن الإجماع من مصادر الشريعة الإسلامية بيد أننا نعقب على ذلك بأنه متروك لظروف الأمة وزمانها ولما يجد من تطورات في حياتها. <br />
<br />
واختلف الفقهاء في شأن استخلاف الخليفة لمن يخلفه بعهد منه. فمنهم من أجازها للإمام القائم أن يعقد البيعة لمن يليه ، وحجتهم في ذلك ما روى من كتابة أبي بكر حين حضرته الوفاة جاء فيه&nbsp;: <br />
<br />
«أما بعد فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خبرا» فأثبت المسلمون إمامة عمر بعهد أبي بكر. على أن ما استدلوا به لا يعطي الإمام القائم حق عقد البيعة لمن يخلفه لأن في قولهم رد على حجتهم. ذلك لأن عهد أبي بكر لم يجعل عمر إماما ، وإنما الذي جعله كذلك وصار به هو إثبات المسلمين لإمامته بناء على عهد أبي بكر الذي لم يكن إلا ترشيحا ، وكذلك ما قبل في شأن بيعة عمر بن الخطاب لمن بعده . <br />
<br />
لذلك قال الفقهاء «الإمامة -أي رئاسة الدولة- تثبت بمبايعة الناس -أي لرئيس الدولة- لا بعهد السابق له». <br />
<br />
فنظام الحكم في الإسلام إذن ليس إلا جمهورية من نوع خاص برئت من عيوب الجمهورية الحديثة وتخلصت من مساوئ النظام الملكي. فقد سوى الإسلام بين جميع من ينتسبون إليه حاكما ومحكوما. <br />
<br />
أما في القوانين الوضعية فقد كانت القاعدة حتى آخر القرن الثامن عشر التمييز بين الأفراد حتى جاءت الثورة الفرنسية ، فجعلت المساواة أساسا من الأسس الأولية في القانون. <br />
<br />
ولكن مبدأ المساواة بالرغم من ذلك لم يطبق تطبيقا دقيقا حتى الآن فبقيت آثاره من الماضي ومن أمثلتها تمييز رئس الدولة وخاصة في الدول ذات النظام الملكي التي تجعل ذات الملك مصونة. <br />
<br />
والأصل في النظام الجمهوري أن رئيس الجمهورية غير مسؤول. <br />
<br />
وكانت الشعوب تعترف بهذا الوضع لرؤساء الجمهورية حتى القرن التاسع عشر ثم بدأت تخرج عليه تحقيقا لمبدأ المساواة. <br />
<br />
فالدستور الفرنسي يجعل رئيس الجمهورية مسؤولا جنائيا في حالة واحدة وهي الخيانة العظمى. ولا شك أن مسؤولية رؤساء الدول قد تطورت في القوانين الوضعية فبعد أن كانت القاعدة إعفاؤهم من المسؤولية إعفاء تاما ، أهملت هذه القاعدة وأصبح الكثيرون مسؤولين مسؤولية جزئية أو مسؤولية تامة. <br />
<br />
أما النظام الملكي فهو غريب عن روح الإسلام وقد حكم الله أن تكون الشورى من شأنه ومقتضياته. <br />
<br />
فكل أمر يفرض على المسلمين فرضا يعد مخالفا لحكم عام في الإسلام هو الشورى. <br />
<br />
وهذا حال تعيين رئيس الدولة بالوراثة إذ هو نظام من شأنه أن يفرض على المسلمين حاكما دون أن تستفتي الأمة في أمره ، فالنظام الملكي يخالف هذا الحكم العام ، ولا يساير هذا الحكم إلا تعيين رئيس الدولة عن طريق الانتخاب. <br />
<br />
فتلفت ذات يمين ويسار في دنيا العرب والإسلام من أقصاها في مشرق أو إلى مغرب ، ما تجد إلا أمة سلبت حريتها وإرادة شعوبها ، يتولى أمورها حكامها بملك عضوض في بعضها ، يتوارث الابن أو الأخ من سبقه ، والشعوب معدومة الرأي والاختيار رغم ما يرفع من خلالها من صور زرية شائهة عن الحكم بالإسلام وأخرى ذات أنظمة غير ملكية شكلا ولكن ألفتها موضوعا ، يتصدرها من زوروا إرادة شعوب في استفتاءات مصطنعة وقد عدمت حرية التعبير فيها. يخلفون فترة ولايتهم الواحدة بعد الأخرى انتهاكا لدستورهم واضعوه أو يستخلف أحدهم الآخر لتسلم الراية في حزب هم صانعوه. <br />
<br />
وما يتقرب من حاكم في هذا النظام أو ذاك إلا من أدرك التزلف والرياء صنعة الوصول لغاية ، أو بالسكوت على ظلم حاكم رهبة من البطش أو رغبة في العطاء. <br />
<br />
وهي مصيبة رزئت بها أمة العرب والإسلام منذ أضحى الحكم مغنما. وقد كان الخلفاء الأول يرغبون عنها وذاك آخر الراشدين عمر بن عبد العزيز يقول لأهل الرأي والشورى فيهم باكيا «نحوها عني.. نحوها عني» وهو يعلم أن الله سائله يوم العرض عليه فيما استرعاه من أمر الأمة. <br />
<br />
ولكن حكام المسلمين في أيامنا يستقبلون ولايتهم فأغرى أفواههم ملء أشداقهم ، فاتحي ذراعيهم وهي الكتابة في التسلط على مقدرات أمة من البلهاء. ولكن أمة العرب والإسلام قد انحدر لديها مفهوم الطاعة لأولي الأمر إلى ذل منكر مهما أخطأ وظلم ، وهو داء قد ابتليت به منذ قديم واستشره حتى انقطعت أمة العرب والإسلام عن مباشرة شؤونها التي أمرها الله بها في كتابه ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾. <br />
<br />
وأصبحت سلبيتها وغفلتها مرتعا خصبا لسلطان كل حاكم منحرف أو مستبد ظالم ، وهي أخطاء إذا لم تصوب تزداد وتتعاقب. والظلم حين لا يجاهد يطغي صاحبه ويستحكم طغيانه وتدفع الشعوب ثمن غفلتها التي تدوم. فحيث لا رأي ولا اقتراع ، أو حيث تسمى مسخ إرادات الشعوب اقتراعا فهي الطامة في الشهادة بالزيغ على أمة رضيت بالذل وقد فرض الله عليها العزة ، ومسخت دين الله في واقعها المهين وهو دين لا شك يبرأ من أن تذوب في شخص حاكمها ليستعلي كما علا فرعون في الأرض. <br />
<br />
وتلفت يمنة أو يسرى بين مشرق ومغرب في أمة العرب والإسلام لتحصي نسب الذين يؤمنون صناديق الاقتراع ، فتجد أن المجموع الأغلب في دنياها الذي لا يؤمها هو المجموع المؤمن الذي أقعدته اللامبالاة والغفلة مقعد المتفرج على معركة دينه ومقومات حياته. ومن عجيب أن الذين غفلوا عن تبصير أمة العرب والإسلام بواجبهم في مواجهة الباطل بالحق وفي مجاهدة الظالم حتى يعدل ، والذين أعانوا بأهوائهم أو غفلتهم على التمكين للحكام المخطئين الظالمين كانوا يجدون التكأة الكاذبة على مثل قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ مع أنهم يعلمون أن مجاهدا وابن عباس وعطاء والحسن البصري وكثيرا غيرهم قالوا في تفسير هذه الآية «أولو الأمر» هم العلماء وأهل الفقه والدين وهذا مقتضى سياق الآية يؤكده ما بعده ، ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾. <br />
<br />
أي أن الطاعة المفروضة على المؤمنين هي الطاعة لربهم فيما شرع ولنبيه فيما بلغ ولأهل العلم يطاعون فيما يحملون إلى الناس من أوامر الله ونبيه ، فإن اختلفوا فالميزان إلى كتاب الله وسنة نبيه لا في هوى أو فئة. وإلى من ذهب أن المقصود بأولى الأمر هم الحكام يعلمون أن لهؤلاء إطارا هو الحكم بما أمر به الله وبلغه الرسول ، ثم أنهم يعلمون ما ورد في الحديث «إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة في معصية الله». <br />
<br />
وكثير من هؤلاء الذين يزينون الباطل للحكام حقا ، والظلم عدلا يقولون بأفواههم مالا تؤمن به قلوبهم. وهم على صنفين ، صنف كان عونا في التمكين لهذه الروح الذليلة بسيرهم في ركاب الظالمين ، وصنف آخر آثر الدعة والسكوت عن الظلم بأضعف الإيمان رهبة من البطش أو رغبة في العطاء.. <br />
<br />
والشعوب بين هؤلاء وأولئك انقطع بها الأمن ، تتوجس- وقد كبتت حرية التعبير فيها- أن يؤخذ بها ، وما تعلم أن قوتها في وحدتها مهما بلغ الإرهاب من حولها والترويع بأنفاسها ، أو خيل إليها من قوة الحاكم الظالم ومن ينصرونه على ظلمه. وكم تؤخذ شعوب في مشرق ومغرب ويضطهد الأحرار من بينها ويعذبون فما لانت منها قناة وما هي إلا إغفاءة ولكن لسان حالها يقول «إن في قتلى شهادة وسجني خلوة ونفيي سياحة» <br />
<br />
إن الإسلام حين تسود مبادؤه ، يسوى بين حاكم ومحكوم وما تهضم حقوق الشعوب فيه ، ولكن يوم أن ينحي تسلب وتصبح نهبا لمن لا يرعي حقها وحق من وسده أمرها ليقوم فيها بالعدل. <br />
<br />
وتلفت حولك يمنة ويسرة في مشرق أو مغرب من بلاد العرب والإسلام فما تجد غير أسر وقد ملكت نصاب الأمور استباحت ثروات الشعوب غضبا وفيها تسفه ، وفي أخرى تدلس عليها بمن تستوزره ويناصرها. والأمة بين هؤلاء وأولئك تتوق إلى عدل اجتماعي يحفظ لها آدميتها ولا ترتع كما يرتع الحيوان ، بينما هؤلاء يكدسون ثرواتهم ذهبا وفضة والآخرون يخزنون في قلوبهم كمدا وغصة ويهرب الكثير من أبنائها إلى خدر الحشيش ليهربوا من مواجهة الواقع السيء وهم ضحايا بريئة لهذا الواقع الأليم. <br />
<br />
ويوم تسود مبادئ الإسلام ما يتسلق إلى درب الحاكم من يتزلفه ويزين له الباطل حقا ، والظلم عدلا ، بل يأمن الحاكم شعبه كما أمن له الأمن ويصبح قد أغمض له جفن وله في عمر بن الخطاب سيرة إذ حكم فعدل ونام فأمن. <br />
<br />
والخليفة أو الإمام في أدائه لواجباته مسؤول عن أخطائه وسوء استعماله للسلطة الممنوحة له فضلا عما يتعمده من خروج على حدود سلطاته ، وما يرتكبه من ظلم. وهو في هذا خاضع للنصوص العامة ، لأن الإسلام يكفل حق المساواة ولا يفرق بين فرد وآخر ، أو بين حاكم ومحكوم. وهو مسؤول بالتبعية كذلك عما يقوم به وزرائه فيما استوزرهم فيه. والقاعدة في الشريعة أن الإمام يقضي منه في كل ما تعمده من جور فجار به على الناس ، فإذا قتل إنسانا قتل به. <br />
<br />
وإذا قطع إنسانا قطع به ، سواء باشر الفعل كأن ضربه بسيف أو تسبب فيه كأن حكم عليه ظلما بالقتل أو القطع. وكما يسأل الخليفة عن عمده يسأله عن خطئه ، غير أن الفقهاء اختلفوا في ضمان الخطأ. فذهب البعض إلى أن الضمان على الإمام- أو الحاكم أو رئيس الدولة -وعاقلته ، لأنه ضمان وجب بخطئه فمسؤوليته عنه كمسؤولية أي مخطئ. ورأي البعض الآخر أن ضمان الخطأ في بيت المال ، لأن خطأ الإمام يكثر وهو يعمل للجماعة وليس لنفسه ، فلو وجب الضمان في ماله ومال عاقلته لأجحف بهم . <br />
<br />
'''حق الخليفة (أو رئيس الدولة في الإسلام):''' <br />
<br />
للخليفة أو الإمام في مقابل قيامه بواجباته حق السمع والطاعة ، غير أن هذا الحق ليس مطلقا وإنما هو مقيد في حدود ما أنزل الله فإذا أمر بما خالف ما أنزله الله يكون للأمة أن تعزله. <br />
<br />
ذلك أن من شروط توليته إسلامه وهو حفظه لحدود الدين ، وخروجه عنها معصية فإذا أمر بها فلا سمع ولا طاعة له. وكما يعزل لأمره بالمعصية يعزل لفسقه وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالجرح في عدالته. الشروط الواجبة في الإمام (أي رئيس الدولة في الإسلام) اشترط فيمن يختار إماما أو خليفة أن تتوافر فيه الشروط الآتية&nbsp;: <br />
<br />
'''الشرط الأول&nbsp;: أن يكون من أهل الولاية الكاملة (أي أن يكون مسلما ذكرا مكلفا حرا).''' <br />
<br />
'''(أ) الإسلام&nbsp;:''' يشترط في الإمام أو الخليفة أن يكون مسلما ، لأن وظيفته نفسها تقضي هذا ، فمهمته إقامة أمر الله أي إقامة الإسلام. ولما كانت الدولة الإسلامية قائمة عليه ، كان للخليفة في رأي الفقهاء الإسلاميين وظيفتان&nbsp;: <br />
<br />
'''الأولى&nbsp;''': إقامة الدين الإسلامي وتنفيذ أحكامه. <br />
<br />
'''والثانية&nbsp;''': القيام بسياسة الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام وقد سبق أن وضحنا أن الإسلام دين ودولة ، أي نظام يجمع بين شقيه المادة والروح. وهو بهذا يفترق عما جاءت به المسيحية من انفصال بينهما بما ورد على لسان المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله». ولما كان كما تبين من التعريفات التي أوردناها سلفا للفقهاء الإسلاميين في شأن الخلافة من أنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، أو أنها موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ، ما يستطيع أن يقوم بذلك إلا مسلم يؤمن بالإسلام ويعرف مبادئه فطبائع الأشياء توجب أذن أن يكون رئيس الدولة مسلما. <br />
<br />
فإذا كان هذا ما توجبه طبائع الأشياء ومنطق الواقع فإن الإسلام نفسه قد حرم أن يلي أمر المسلمين غير مسلم ، وقد حرم على المؤمنين أن يوالوا غير مؤمن. فقد حرم أن يجعلوه حاكما عليهم ، لأن الحكم ولاية وقوله تعالى ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ «والإمامة أعظم السبيل» <br />
<br />
'''(ب) الذكورة&nbsp;:''' يشترط في الإمام أو الخليفة أن يكون ذكرا ، لأن الإسلام منع من ولاية المرأة يقول الرسول «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». والكل متفقون على أنه لا يجوز أن يلي الإمامة&nbsp; امرأة رغم ما يجوز لها بعضهم كأبي حنيفة من قضائها فيما تصح فيها شهادتها ، أو من قضائها إطلاقا كما ذهب ابن جرير الطبري في تفسيره. <br />
<br />
'''(ج) التكليف&nbsp;:''' يشترط في الإمام أو الخليفة أن يكون مكلفا أي بالغا عاقلا ، فالصغير والمجنون والمعتوه لا يصلحون لرئاسة الدولة لأن الإمامة ولاية على الغير وهؤلاء لا ولاية لهم على أنفسهم فكيف تكون لهم الولاية على غيرهم. كما أن الصغير والمجنون والمعتوه لا مسؤولية عليهم لقول الرسول «رفع القلم عن ثلاث&nbsp;: عن الصبي حتى يحتلم ، وعن النائم حتى يصحو ، وعن المجنون حتى يفيق». <br />
<br />
ومن لم يكن أهلا للمسؤولية عن نفسه فهو غير أهل للمسؤولية عن غيره والأهل في وظيفة الإمامة المسؤولية التامة ، وهذا ما قصده الماوردي في قوله «لأن غير البالغ لا يجري عليه قلم ، ولا يتعلق بقوله على نفسه حكم فكان أولى أن لا يتعلق به على غيره حكم. <br />
<br />
وهو ما ذهب إليه أيضا ابن حزم من أن «جميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة ، ولا إمامة الصبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير ، وهذا خطأ لأن من لم يبلغ فهو غير مخاطب ، والإمام مخاطب بإقامة الدين . <br />
<br />
('''د) الحرية&nbsp;:''' وهو شرط نعالجه باختصار نظرا لاندثار نظام الرق منذ زمن ، ولكن نذكره لنبين حكم الفقهاء الأقدمين فيه. ولأن نقص فاقدها عن ولاية نفسه يمنع من انعقاد ولايته على غيره&nbsp; ، ولأن الرق لما منع من قبول الشهادة كان أولى أن يمنع من نفوذ الحكم وانعقاد الولاية. على أنه يجوز له إذا اعتق أن يتمتع بكل حقوق الولاية ولا يؤثر ماضيه على حالته وأصبح بذلك أهلا لجميع المناصب التي يرشح لها حر حتى منصب الخلافة نفسه. والرق كوضع قانوني يجرد الفرد تجريدا كاملا من حريته المدنية فلا يجوز له أجراء أي عقد ولا تحمل أي التزام وينزع عنه أهليه التملك ويجعله هو نفسه مملوكا لغيره وينزله من بعض النواحي منزلة السلعة يتصرف فيها السيد كما يشاء . <br />
<br />
وهو وضع جاء الإسلام يجفف منه بتجفيف روافده وداعيا إلى الأخوة بين معتنقيه وداعيا إلى العتق ومن ثم أضحى الرقيق السابق أهلا للولاية. <br />
<br />
<br> '''الشرط الثاني&nbsp;: العلم ''' <br />
<br />
يشترط في الخليفة أن يكون عالما ، وأول ما يجب عليه علمه هو أحكام الإسلام لأن يقوم على تنفيذها ويوجه سياسة الدولة في حدودها ، فإذا لم يكن عالما بأحكام الإسلام لم يصح تقديمه للخلافة وهذا الشرط متفق عليه . <br />
<br />
ويرى البعض أنه لا يكفي علم الإمام بأحكام الإسلام أن يكون مقلدا لأن التقليد عندهم نقص ، ويوجبون أن يكون مجتهدا لأن الخلافة في رأيهم تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال&nbsp; ، ولكن البعض الآخر يجيز أن يكون الخليفة مقلدا ولا يستلزم أن يكون مجتهدا. <br />
<br />
<br> '''الشرط الثالث&nbsp;: الكفاية ''' <br />
<br />
يشترط في الخليفة أن يكون كافيا قادر على قيادة الناس وتوجيههم ، أي يكون ذا رأي مفض إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح&nbsp; ، وأن يكون قادرا على معاناة الإدارة والرئاسة ، ذا رأي بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور&nbsp; ، متصفا بالشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة (أي الدفاع عن الأمة) وجهاد العدو . <br />
<br />
والخلاصة أنه لا يكفي أن يكون الخليفة عالما بأحكام الإسلام بل يجب أن يكون مثقفا ثقافية عالية في شؤون السياسة والحرب والإدارة وأن لم يكن متخصصا في بعضها حيث تؤهله ثقافته على تأدية واجباته في تلك النواحي خير أداء. <br />
<br />
<br> '''الشرط الرابع&nbsp;: العدل ''' <br />
<br />
ويشترط في الخليفة أن يكون عدلا لأنه يتولى منصبا يشرف على كل المناصب التي يشترط فيها العدالة ، فكان من الأولى أن تشترط العدالة في منصب الخلافة ، والعدالة عند الفقهاء تعادل التقوى بل هذه مضافا إليها الورع كما ذكر الغزالي <br />
<br />
ومن التعريفات التي أوردها الفقهاء في كتاباتهم نذكر أن المقصود بهذا الشرط هي التحلي بالفرائض والفضائل ، والبعد عن المعاصي واجتناب الرذائل وعن كل ما يخل بالمروءة. ومعنى ما تقدم أن العدالة تقتضي بتوافرها في الخليفة أن لا يرتكب أي ظلم سواء كان متعلقا بالمال أو الحرية أو أي حق من الحقوق وسواء أكان ظلما يقول أو فعل.. الشرط الخامس&nbsp;: السلامة الجسدية ويشترط البعض في الخليفة سلامة الحواس والأعضاء من النقص والعطلة كالعمى والصم والخرس وما يؤثر فقده من الأعضاء في العمل كفقده اليدين أو الرجلين وحجتهم أن عدم السلامة على هذا الوجه يقلل من الكفاية في العمل أو من الإتيان به على وجه تام <br />
<br />
على أن البعض يرى أنه لا ضرر من أن يكون في خلق الخليفة عيب كما في البرص وغيره مادام يعقل ، فكل هؤلاء إمامتهم أو خلافتهم جائزة إذ لا دخل لهذه العيوب في قيام الخليفة على أمر الله بالحق والعدل ، فمن قام بالقسط فقد قام بما أمر به <br />
<br />
<br> '''الشرط السادس&nbsp;: القرشية ''' <br />
<br />
ونعالجه باختصار نظرا لتلاشي قريش وقبائلها منذ زمن بعيد. وهوي عني أن يكون الخليفة منتسبا إلى قريش. والشروط السابقة متفق عليها أما هذا الشرط فمختلف عليه ، فالجمهور يشترط أن يكون الإمام أو الخليفة من قريش ، وحجتهم في ذلك ما روى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- «الأئمة من قريش». <br />
<br />
وقد أصبح أبو بكر يوم السقيفة على الأنصار بالحديث المروي عن الرسول فعدلوا عن المطالبة بالإمامة وعن مبايعتهم لزعيمهم سعد بن عبادة. وقد روى عن الشافعي تمسكه بذلك الشرط ، وأنه ذكر ذلك في بعض كتبه ، ورواه زرقان عن أبي حنيفة. <br />
<br />
ولكن بعض هؤلاء من أهل السنة ذهبوا إلى نفي شرط القرشية ومن هؤلاء الباقلاني من زعماء أهل السنة في القرن الرابع والجويني&nbsp; ، ويمكن أن يعد من هؤلاء ابن خلدون الذي رأى أن الإمامة جعلت في قريش لقوتها وغلبتها. لأن قريشا كانت عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب فيهم ، وكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ، وأن حقها في الإمامة زال بضعفها وتلاشي عصبيتهم بما نالهم من الترف والنعيم فعجزوا عن حمل الأمانة وتغلب عليهم الأعاجم فاشتبه ذلك على كثير من المحققين حتى ذهبوا إلى نفي القرشية واشتراطها . <br />
<br />
أما الخوارج وبعض المعتزلة فيرون أنه لا يشترط أن يكون الإمام قرشيا ، وإنما يستحق الإمامة من قام على أمر الدين بإقامته أحكام الإسلام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا أو غيره . <br />
<br />
تلك هي الشروط التي ذكرها الفقهاء لتوافرها في الإمام القائم على أمر الدين وأحكام الإسلام على اختلاف بينهم في شأن الشرط الأخير وهو شرط القرشية. ولتعقيبنا على ما اشترطوه نذكر أن هؤلاء قد تجاوزوا في محاولتهم وضع أحكام قواعد ثابتة لسائل هي بطبيعتها ذات صبغة متغيرة. ونقصد بذلك ما ذكروه في شأن السلامة على اختلاف يسير فيما بينهم في شأن انعقاد الإمامة ابتداء وسلامتها. والذي نراه ما ذهب إليه الفريق الآخر ممن جوزوا إمامة من به عيب مع قدرته على إنفاذ أمر الله والقيام بما دعا إليه حكم الإسلام وأقرت به مبادؤه. <br />
<br />
يؤيد ذلك شواهد التاريخ والمعاصر منها من إصابة زعماء دول لم تحل أمراضهم وما أصيبوا به عائق على القيام بواجبات وظيفتهم ووفقا لدساتير بلادهم. ويجدر بالإشارة إلى هؤلاء أمثال الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت الذي لم يمنعه الشلل الذي أصيب به من مباشرة مسؤولياته في سني الحرب العالمية الثانية وكذلك الزعيم الأيرلندي دي فاليرا. هذا ما ذهب إليه الفقهاء الأقدمون من شروط نصوا على وجوبها فيمن يختار إماما وخليفة. وهي كلها تتفق وروح العصر الحديث غير شرطي الحرية والقرشية . <br />
<br />
فقد تلاشت ما كان لقريش من عصبية ونفوذ ، فلا معنى لاشتراط هذا الشرط الذي زالت علته وكذلك شرط الحرية نظرا لاندثار الرق وجفاف روافده وما تقرر من الحرية وحقوق المساواة بين البشر جميعا في العصر الحديث بما قرره إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1948 ، وما قررته الاتفاقيات الخاصة بإلغاء الرق والنظم والعادات المشابهة للرق والتي أصبحت نافذة من 30 أبريل 1957. <br />
<br />
على أنه ليس ثمة ما يمنع من اشترط شروط أخرى إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة فيجوز مثلا اشتراط بلوغ سن معينة ويجوز اشتراط الحصول على درجة علمية معينة ، ويجوز اشتراط أي شرط آخر إذا دعت لذلك مصلحة الجماعة واقتضته الظروف المتغيرة. وللإمام في قيامه على شؤون الأمة التي أنابته في القيام بها ، أن يستعين بغيره فيما لا يستطيع أن يقوم به بنفسه ، فله أن يستعين بوزراء وغيرهم وهم أن اعتبروا نوابا عن الخليفة (الإمام) فإنهم يعتبرون أيضا نوابا عن الأمة ، وله عليهم حق الإشراف ، فمسؤوليته غير محدودة ، وهي مسؤولية تامة ، فهو الذي يضع سياسة الدولة ويشرق على تنفيذها ويهيمن على كل أمور الدولة ومصائرها ، وهو يجمع بين الاختصاصات الدينية والسياسية <br />
<br />
والوزراء الذين يستعين بهم مسؤولون أمامه عن أعمالهم وليس لهم إلا تنفيذ ما يأمر به ، ومركزهم منه مركز النواب عنه ، يعينهم ويقيلهم وكل منهم يعتبر رئيسا إداريا على الوزارة التي يشرف عليها ، وآراؤهم وسياستهم لا تقيد رئيس الدولة ما لم يسكت عليهم ينفذوها فيتقيد بما تم تنفيذه منها. وقد جعلت الوزارة على ضربين&nbsp;: وزارة تفويض ووزارة تنفيذ. أما الأولى فهي أن يستوزر الإمام نم يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده ، واختصاصه عام غير أن عليه مطالعة الإمام بما أمضاه من تدبير لأنه مسؤول عن عمله أمامه ، ولهذا الأخير أن يقر منها ما وافق الصواب ويستدرك ما خالفه . <br />
<br />
أما الثانية ، فالوزير فيها واسطة بين الإمام والرعايا والولاة ، يؤدي عنه ما أمر وينفذ ويمضي ما حكم. فهو معين في تنفيذ الأمور وليس بوال عليها ولا متقلد لها <br />
<br />
التفرقة بين اختصاصات وزير التفويض ووزير التنفيذ الأولى&nbsp;: يجوز لوزير التفويض مباشرة الحكم والنظر في المظالم وليس ذلك لوزير التنفيذ. <br />
<br />
الثاني&nbsp;: يجوز لوزير التفويض أن يستبد بتقليد الولاة والموظفين وليس ذلك لوزير التنفيذ. <br />
<br />
الثالث&nbsp;: يجوز لوزير التفويض الانفراد بتسيير الجيوش وتدبي الحروب وليس ذلك لوزير التنفيذ. <br />
<br />
الرابع&nbsp;: يجوز لوزير التفويض التصرف في أموال بيت المال بقبض ما يستحقه له ودفع ما يجب عليه وليس ذلك لوزير التنفيذ. <br />
<br />
ولمقارنة هذا التقسيم بما هو معمول به في الدساتير الحديثة ، نجد أن منصب وزير التفويض يكاد ينطبق على منصب رئيس الوزراء كما تعرفه الأمم الحديثة الآن. وهذا الوزير عام الولاية والنظر ويقوم مقام رئيس الدولة. أما ما يفترقان فيه فهو أن رئيس الوزراء أو ما يطلق عليه في بعض الدول «الوزير الأول» مقيد في تفويضه وفي مسائل معينة كثيرة برأي مجلس الوزراء. <br />
<br />
أما بقية الوزراء فهم في اعتبار الفقه الإسلامي وزراء تنفيذ من حيث أنهم ينفذون قرارات مجلس الوزراء أو يمضون الأحكام أو يتخذون الإجراءات وكل واحد منهم خص بنظر في ناحية ، فهذا للتعليم وذاك للدفاع وهكذا وقد قرر الفقه الإسلامي أنهم يسمون حينئذ ولاة على أعمال مختلفة ، وهو نوع من التفويض المخصص ومن حيث اشتراكهم في النظر بمجلس الوزراء ، فأنهم وزراء مفوضون على الاجتماع لا على الانفراد. فهكذا كل حالة قد تناولها وحددها الفقه الإسلامي <br />
<br />
وقد عرضنا سابقا للشروط الواجب توافرها في رئيس الدولة كما عالجها مشروع الدستور وقيامه على مباشرة السلطة التنفيذية كما حددتها المواد 25 إلى 43 ، وقد حددت فيها مسؤوليته عن قيامه بعمله. وهي مبنية على ما رآه الفقهاء الإسلاميون مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأمور مما تتغير بتغير الزمان والمكان. وهناك ما يثار في هذا الصدد عن حق الترشيح ، فهل يملك هذا الحق الفرد في الدولة الإسلامية؟ كقاعدة عامة أن طالب الولاية لا يولي. ومن ثم كان ترشيح الشخص نفسه لا يجوز ولكن إذا قضت به الضرورة أو المصلحة الشرعية جاز. فإن ترشيح الكفء نفسه للمساهمة في إدارة شؤون الدولة وفق الشرع الإسلامي يعتبر من قبيل الدلالة على الخير. ونحن نستأنس في ذلك بما ورد في سورة يوسف <br />
<br />
أما ترشيح الإنسان غيره فجائز لأنه يتضمن دعوة الأمة إلى انتخاب المرشح الكفء ، ومثل هذه الدعوة جائز. أما مشروع الدستور المقترح فقد جاء خلوا من النص فيه واقتصر على بيان «يختار مجلس الأمة من بين أعضائه رئيسا للدولة.. كما يجوز له أن يختار رئيسا من غير أعضائه» وقد يكون هذا الاختيار بعد ترشيح الفرد نفسه أو من قبل غيره. قد صمتت المادة 25 ولكن أحالت في ذلك إلى قانون الانتخاب. <br />
<br />
كما تباين في هذا الشأن كل من مشروعي الجماعة الإسلامية بالباكستان الصادر في 1952 وحزب التحرير الإسلامي الصادر في 1979. <br />
<br />
فالأول قد ذهب إلى «لا يكون أهلا للإمارة أو لعضوية مجلس الشورى رجل ترشح لها بنفسه أو سعي لها سعيا» <br />
<br />
أما الآخر فكلا التفسيرين السابقين محتمل لما أوردته الفقرة أ من المادة 33 منه إذ نصت «يجري الأعضاء المسلمون في مجلس الأمة حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلم أسماؤهم ثم يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم» <br />
<br />
==== السلطة القضائية ووظيفتها ====<br />
<br />
عالج مشروع الدستور المقترح السلطة القضائية ووظيفتها في المواد 59- 63. وقد خالف في هذا الشأن ما ورد في دستور 1923 الذي جاء مفصلا في بعض مواده مما يخرجه بداهة من النصوص الدستورية ويدخله في إطار القوانين الخاصة <br />
<br />
وهو بذلك قد تفادى الانتقادات الموجهة من قبل الفقه الدستوري إلى بعض الجوانب التي اشتمل عليها الدستور السابق. تنص المادة 59 على أن «السلطة القضائية تتولاها المحاكم وتصدر الأحكام باسم الله جل جلاله». <br />
<br />
وقد جمعت هذه المادة ما أوردته المادتان 30 و 31 من الدستور الملكي السابقوقد خالفت الأخيرة فيما كانت تنص عليه من إصدار الأحكام باسم الملك ، أيضا ما كانت تنص عليه المادة 28 من قانون تنظيم السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 147 لسنة 1949. وقد عدل نص المادة في المشروع ليتلائم مع المبدأ الذي اعتنقه الإخوان بتبني النظام الجمهوري كما سبق بيانه ويلحظ في هذا المجال القضائي أنهم قد نادوا منذ قديم بتوحيد القضاء فلا محاكم أهلية ولا محاكم شرعية ولكن محكمة واحدة إسلامية مصرية على أدق النظم وأحكم الإجراءات ، عماد قانونها شريعة الله وحكم الإسلام . <br />
<br />
ونصت المادة 60 على أن «تنظيم القضاء وتعيين القضاة ورجال النيابة العمومية يكون على الوجه المبين بالقوانين» وقد جمع نص المادة المذكورة نصوص المواد 125 و 126 و 127 و 128 من دستور 1923 <br />
<br />
وعالجت ثلاث مواد تالية مبدأ علو الدستور ورقابة دستورية القوانين بما يقرره مشروع الدستور المقترح. فنصت المادة 61 «للقاضي أن يمتنع من تلقاء نفسه عن تطبيق أي قانون مخالف لأحكام هذا الدستور نصا أو روحا» ونصت المادة 62 «وللمتقاضين أن يطلبوا إلى القاضي ذلك أثناء النظر في النزاع». ولا يقتصر هذا الأمر على طرفي الخصومة بل أن المادة 63 تنص «لكل مواطن الحق في رفع دعوى يطالب فيها بإبطال قانون مخالف لأحكام الإسلام أو الدستور أو مجاف لها أمام محكمة خاصة ينظمها القانون». ونرى أن الأذن في ذلك هو نوع من دعوى الحسبة التي نادوا باعتبارها منذ قديم . <br />
<br />
ولا شك أن الحسبة منبثقة من الإسلام نفسه ، قائمة على القواعد الشرعية. والحسبة لغة -كما في لسان العرب- (مصدر احتسابك الأجر على الله- تقول&nbsp;: فعلته حسبة ، واحتسب فيه احتسابا ، والاحتساب طلب الأجر) والاسم الحسبة وهو الأجر. <br />
<br />
وهي في الشرع كما قال الماوردي «أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ، ونهى عن المنكر إذا ظهر فعله&nbsp; ، وعرفها الغزالي بأنها عبارة عن المنع عن منكر لحق الله صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر&nbsp; فأساس المعاملات جميعها مراقبة الله والحكم بين الناس بالعدل . <br />
<br />
فإقرار الحق لكل مواطن في رفع دعوى يطالب فيها بإبطال قانون مخالف لأحكام الإسلام أو الدستور هو بلا شك عون على الحكم بين الناس بالعدل . <br />
<br />
مما يجدر الإشارة به أن مشروع الدستور المقترح قد أغفل نص المادة 131 من دستور 1923 التي كانت تنص «بوضع قانون خاص شامل لترتيب المحاكم العسكرية وبيان اختصاصها والشروط الواجب توفرها فيمن يتولون القضاء فيها» والتي أخذ بها أيضا دستور 1956. وإسقاط نص المادة المذكورة من المشروع تأكيد لما نادى به الإخوان في بيانهم غداة ثورة 23 يوليو 1952 من ضرورة إلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين الرجعية المنافية للحرية ، فأصبحت المحاكم العادية هي صاحبة النظر والاختصاص الأصيل. كما يجدر بالذكر أن مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين المشكلة عام 1953 كان قد أخذ بما جاء في المشروع متضمنا إنشاء محكمة دستورية عليا تتولى بمفردها عن طريق الدعوى الأصلية الفصل في دستورية القوانين ، ولكن هذا المشروع لم ير النور وحل محله المشروع الذي قدمته الحكومة وأطلق عليه دستور 1956. <br />
<br />
'''المالية&nbsp;:''' <br />
<br />
نقل مشروع الدستور المقترح عن الدستور المصري لسنة 1923 بعض أحكامه كالخاصة بالمالية لعدم مجافاتها لتعاليم الإسلام من جهة ولثبوت صلاحيتها في التطبيق من جهة أخرى مع تلافي النقد الذي وجه إلى هذا الباب. <br />
<br />
ونصت المادة 65 «عقد القرض العام لا يتم إلا بقانون وكذلك الحال بالنسبة لأي تعهد يترتب عليه إنفاق مبالغ من خزانة الدولة في سنة أو سنوات مقبلة ، وكذلك كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثروة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة وكل احتكار ولا يجوز منحه إلا بقانون وإلى زمن محدود . <br />
<br />
وذكرت المادة 66 «الميزانية الشاملة لإيرادات الدولة ومصروفاتها يجب تقديمها إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بأربعة شهور على الأقل لفحصها واعتمادها. وتنظر الميزانية بابا بابا والسنة المالية يعينها القانون» . <br />
<br />
ونصت المادة 67 «لا يجوز فض دور انعقاد مجلس الأمة قبل الفراغ من تقرير الميزانية». <br />
<br />
ونصت المادة 68 «إذا لم يصدر القانون بالميزانية قبل ابتداء السنة المالية يعمل بالميزانية القديمة حتى يصدر القانون بالميزانية الجديدة». <br />
<br />
ونصت المادة 69 «كل مصروف غير وارد بالميزانية أو زائد على التقديرات الواردة فيها يجب أن يأذن به مجلس الأمة وكذلك يجب استئذانه كلما أريد نقل مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الميزانية» . <br />
<br />
والمادة 70 ذكرت «الحساب الختامي للإدارة المالية عن العام المنقضي يقدم إلى مجلس الأمة في مبدأ كل دور انعقاد لاعتماده»&nbsp; <br />
<br />
وقد جمع مشروع الدستور بين القوانين المالية والميزانية في باب واحد إدراكًا للحقائق الواضحة في صدد اشتراك الشعب دافع الضرائب في الإشراف على أوجه إنفاق حصيلتها. <br />
<br />
فالقوانين المالية إنما تحدد مضمون الميزانية ذاتها ولهذا وجب أن ترتبط بها الدراسة. <br />
<br />
فالضرائب هي أول ما يحدد نطاق الإيرادات والقروض ذات أثر حاسم فعال على نظام الدولة المالي. وكلا من القوانين المالية والميزانية لا تخرج عن كونها قوانين تسري عليها القواعد المنصوص عليها في الوظيفة التشريعية من حيث الاقتراح وإصدار القرارات في شأنها. <br />
<br />
'''1- القوانين المالية ''' <br />
<br />
أولا- الضرائب أن إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون. وهو الذي ينظم القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها وكذلك حدود الإعفاء من أدائها. <br />
<br />
وقد سكت نص مادة المشروع عما سبق وروده في المادة 134 من دستور 1923 بذكر الرسوم. <br />
<br />
فما الفرق بين الضريبة العامة والرسوم؟ الفرق بين الضريبة والرسم أن الأولى هي قدر من المال يفرض على الشخص أن يدفعه إلى السلطات العامة دون أن تكون هنالك خدمة مباشرة قدمت له في مقابل ذلك ، أما الرسم فهو قدر من المال يدفعه الشخص مقابل خدمة معينة قدمت إليه بطريق مباشر. <br />
<br />
والضرائب تقسم إلى عدم تقسيمات بحسب الزاوية التي تنظر إليها منها فهناك الضرائب العامة التي تذهب حصيلتها إلى الحكومة المركزية (أي الدولة) وهناك الضرائب المحلية التي تذهب حصيلتها إلى مجالس الإدارة المحلية (كمجالس المحافظات ومجالس المدن والقروى). وإن إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون يمر بمراحل الاقتراح والمناقشة والتصويت والإصدار والنشر. <br />
<br />
ومعنى أنها تفرض بقانون ، أن يتدخل هذا الأخير ليفرضها بنفسه على المواطنين مباشرة دون أن تتوسط أية أداة أخرى. أما الضرائب المحلية أو البلدية فهي تفرض في حدود القانون ، أي أنها تستند إلى قانون وهذا يعني أن القانون لا يفرضها مباشرة على المواطنين بل لا بد من تدخل أداة أخرى كقرار السلطة المختصة بإصدارها كمجلس المحافظة أو المدينة. <br />
<br />
فالقانون بالنسبة لها ليس أداة مباشرة بالنسبة للأفراد وإنما أداة غير مباشرة. ومثال ذلك إذا نص قانون الإدارة المحلية على حق المجالس في فرض ضريبة معينة فيصدر أحد مجالس المحافظات قرارا بفرض مثل هذه الضريبة. فهذه الأخيرة لم تفرض بقانون ، وإنما بناء على قانون ومستندة إليه. وكذلك الشأن بالنسبة للرسوم فيكون تكليف الأفراد بها في حدود القانون أي مستندا إليه.. <br />
<br />
'''ثانيا- القروض والتعهدات والأعباء المالية:''' <br />
<br />
لا يجوز للسلطة والتنفيذية عقد قرض أو الارتباط بمشروع يترتب عليه اتفاق مبالغ من خزانة الدولة في سنة أو سنوات مقبلة إلا بناء على قانون وهو ما تنص عليه المادة 65 من المشروع. وهذا يعني أن تتقدم السلطة التنفيذية إلى مجلس الأمة باقتراح قرار بقانون يتضمن الأذن للوزير ذي الاختصاص بعقد القرض بشروط معينة ، فإذا وافق المجلس عليه صدر كأي قانون عادي ، ومن ثم يؤذن يعقد القرض. وموافقة السلطة التشريعية في هذا الشأن أمر جوهري حرص المشروع على أن يكون بموافقتها. ونص المادة المذكورة يشمل أيضا الأعباء المالية التي تقرر على خزانة الدولة ومثالها منح المرتبات والمعاشات والإعانات وغيرها. فليس من الضروري في هذا الشأن أن يمنح إحداها في كل مرة بقانون خاص وإنما يكفي إصدار قانون واحد يضع القواعد الأساسية ويترك للإدارة مهمة تطبيقها على الحالات الفردية. <br />
<br />
'''2- الميزانية&nbsp;&nbsp;:''' <br />
<br />
والميزانية وثيقة تشتمل على حساب تقديري لمصروفات الدولة وإيراداتها خلال مدة معينة وطبقا لها يسمح للسلطة التنفيذية (الحكومة) بجباية الإيرادات وإنفاق المصروفات... والأصل في الميزانية أنها سنوية تقر عاما فعام ، وإثارة هذه القاعدة نجدها في التاريخ الدستوري الإنجليزي عقب ثورة 1688 ، أما في فرنسا فلم تظهر الميزانية بشكلها المعروف إلا بعد عودة الملكية عام 1814. <br />
<br />
وفي مصر فلم تعرف الميزانية بمصطلحها الفني الدقيق قبل عام 1880 وكانت نشأتها بناء على توصيات لجنة التحقيق الأوروبية عام 1878. <br />
<br />
وقد جعل المشروع من اختصاص القانون أن يبين طريقة إعداد الميزانية وعرضها على مجلس الأمة وأن يحدد السنة المالية. وقد حتم نص المادة 66 أن يكون عرض الميزانية على مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بأربعة شهور على الأقل لفحصها واعتمادها ويلاحظ أن المادة 67 نصت أنه لا يجوز فض دور انعقاد مجلس الأمة قبل الفراغ من تقرير الميزانية. <br />
<br />
'''الاعتمادات الإضافية''' <br />
<br />
إقرار مجلس الأمة الميزانية يترتب عليه قاعدة مضمونها أن الحكومة لا تستطيع أن تغير فيها وتبدل بعد موافقة السلطة ذات الاختصاص الأصيل عليها. فهي لا تستطيع أن تفتح اعتمادات جديدة لم ترد في الميزانية ، كما أنها لا تستطيع مجاوزة الاعتمادات التي وردت فيها ، بل ولا تستطيع أن تنقل اعتمادا من باب إلى آخر بغير الرجوع إلى مجلس الأمة نفسه. ولهذا فقد نص المشروع في المادة 69 على وجوب استئذان هذا الأخير في نقل مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الميزانية وهو ما يعني موافقته وكذلك الشأن كل مصروف غير وارد بها أو زائد على التقديرات الواردة فيها يجب أن يأذن به مجلس الأمة.<br> <br />
<br />
وقد تلافى المشروع ما تعرض له دستور 1923 من نقد في هذا الشأن ، إذ ثارت بصدده مناقشات حول هذه الاعتمادات الإضافية ، وكانت نقطة البدء فيها هل يجب أن يكون استئذان البرلمان سابقا أم لاحقا ، سابقا على الصرف أم لاحقا عليه. وكان الذي أزكى الخلاف بين وجهتي النظر اختلاف النص الفرنسي للمادة 143 عن النص العربي. فهذا النص الأخير ذكر أن كل مصروف غير وارد بالميزانية أو زائد على التقديرات يجب أن يأذن به البرلمان. والأذن يقتضي أن يكون سابقا على الصرف ، وأما النص الفرنسي للمادة عينها فقد استعمل كلمة approuvee وهذه تعني الموافقة البعدية ، أي أن الأذن يمكن أن يكون لاحقا ، والرأي الذي رجحت كفته هو أن استئذان البرلمان يجب أن يكون سابقا على الصرف&nbsp; <br />
<br />
'''الحساب الختامي:&nbsp;''' <br />
<br />
إذا كانت الميزانية -كما قدمنا- هي تقدير احتمالي لمصروفات الدولة وإيراداتها عن سنة مقبلة ، فإن الحساب الختامي هو تقدير فعلي لمصروفات الدولة وإيراداتها عن سنة ماضية. والحساب الختامي بهذا الشكل هو خير وسيلة يتبين منها مجلس الأمة كيفية تنفيذ الحكومة الميزانية بشقيها ولهذا فإن الدساتير كلها تجمع على ضرورة عرضها على الهيئات النيابية ، وهو ما نصت عليه أيضا المادة 70 من المشروع بذكرها «الحساب الختامي للإدارة المالية عن العام المنقضي يقدم إلى مجلس الأمة في مبدأ كل دور انعقاد لاعتماده. <br />
<br />
'''القوات المسلحة&nbsp;:''' <br />
<br />
نصت المادة 71 «ينظم القانون قوات الجيش وطريقة التجنيد . <br />
<br />
وقد أتى المشروع بمادتين جديدتين حيث نص على المساواة بين المواطنين في تأدية الخدمة العسكرية خلافا لما كان يجري عليه الأمر سابقا من جواز الإعفاء منها ببدل نقدي. <br />
<br />
كما نص على عقوبة التخلف عن أداء هذا الالتزام. فنصت المادة 72 «الخدمة العسكرية إلزامية للمصريين جميعا على الوجه المبين بالقانون». ونصت المادة 73 «يحرم من ثبت فراره من الخدمة العسكرية من مباشرة حقوقه السياسية». ونصت المادة 74 «ينظم القانون هيئات البوليس واختصاصاتها» . <br />
<br />
'''الإدارة المحلية:''' <br />
<br />
تناول مشروع الدستور المقترح تنظيم الإدارة المحلية في مادتين ومخالفا ما أورده دستور 1923 من تنظيم يخرج عن نطاق الدستور وهو الانتقاد الذي وجهه إليه المرحوم الدكتور عثمان خليل عثمان في رسالته . <br />
<br />
فنصت المادة 75 «تعتبر المديريات والمدن والقرى فيما يختص بمباشرة حقوقها أشخاصا اعتبارية وتمثلها مجالس المديريات والمجالس البلدية المختلفة» . <br />
<br />
ونصت المادة 76 «يبين القانون اختصاص هذه المجالس وينظمها وينظم علاقاتها بجهات الحكومة»&nbsp; <br />
<br />
=== حقوق الأفراد في مشروع الدستور المقترح ===<br />
<br />
قد أفاد المشروع -كما سبق أن ذكرنا- من حيث الصياغة من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948. وقد جعل هذا الباب متضمنا الحقوق الاجتماعية والفردية. ونصت المادة 77 «يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق والحريات بدون أي تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخوة». <br />
<br />
وقد جاءت هذه المادة تنص على الحقوق والحريات بصيغة عامة فصلتها من بعدها المواد الواردة في الباب. <br />
<br />
وهذه الحقوق هي من الحقوق العامة اللازمة للإنسان باعتباره فردا في مجتمع ولا يمكنه الاستغناء عنها وهي مقررة لحمايته في نفسه وحريته وماله&nbsp; <br />
<br />
ويقسم علماء القانون هذه الحقوق إلى قسمين ، الأول المساواة وقد تنوعت إلى أنواع منها الحرية الشخصية وحق التملك وحرمة المسكن وحرية العقيدة والعبادة ، وحرية الرأي والتعليم.. <br />
<br />
وقد أكدت هذا المعنى السابق أيضا المادة 78 بنصها «لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وفي أن يعيش آمنا مطمئنا». <br />
<br />
أما الحقوق السياسية فرغم أنه لم يرد ذكرها بالنص إلا أننا نفهم من ذلك أنها من الحقوق العامة. <br />
<br />
وهي عند القانونيين الحقوق التي يكتسبها الشخص باعتباره عضوا في هيئة سياسية مثل حق الانتخاب والترشيح وتولي الوظائف العامة في الدولة&nbsp; أو هي الحقوق التي يساهم الفرد بواسطتها في إدارة شؤون الدولة أو في حكمها . <br />
<br />
وأما الحرية الشخصية لدى القانونيين فتعني حرية الفرد في الرواح والمجيء وحماية شخصه من أي اعتداء ، وعدم جواز القبض عليه أو معاقبته أو حبسه ألا بمقتضى القانون وحريته في التنقل والخروج من الدولة والعودة إليها&nbsp; <br />
<br />
ونلحظ أن صيغة المواد الثماني عشر التي يتضمنها الباب الرابع قد أوردها المشروع عامة عدا ثلاثا منها جاءت بصيغة خاصة. فالأولى قد نصت على أحقية التمتع لكل فرد مما يعني كل إنسان وطني أو أجنبي أذن له بالإقامة في البلاد والثانية قد قصرت صياغتها على حقوق المواطنة وهي الحقوق ذات الصلة بالحقوق العامة والسياسية. <br />
<br />
تصدرت هذه الحقوق بمادتين 77 و 78 تكرس ما جاء به الإسلام الحنيف ويعلن الأخوة الإنسانية ويبشر بالدعوة إلى العالمية ويبطل كل عصبية ويسلك إلى تحقيق هذه الدعوة كل السبل النظرية والعملية.. <br />
<br />
وكلتا المادتين تبدآن بأصل الخليقة وهو الحق في الحياة. وهي تقرر وحدة الجنس والنسب للبشر جميعا كما أوضحها القرآن الكريم بقول الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ <br />
<br />
ويقول ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ <br />
<br />
«فالناس لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» والمساواة التامة هي شعار الإسلام في الحقوق والواجبات. فالجنس الإنساني مكرم كله ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ والحقوق الروحية فيه فضلا عن الحقوق المدنية والسياسية والفردية والاجتماعية مقررة للجميع على السواء ، لا تختلف المرأة في التمتع بها عن الرجل وكلاهما خلق من نفس واحدة. <br />
<br />
فالمرأة على هذا أخت الرجل ، والرجل أخ المرأة.. <br />
<br />
والذكر شقيق الأنثى ، والأنثى شقيقة الذكر لأنهما انحدرا من أب واحد وأم واحدة وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «إنما النساء شقائق الرجال» ولهذه الأخوة مقتضيات كثيرة&nbsp;: منها أن المرأة كفء الرجل في إنسانيته ، ومساوية له في القدر ، ولا نستطيع أن نحكم بالأخوة بينهما دون أن نقرر تلك المساواة والمماثلة. <br />
<br />
والمرأة لا تفترق في مساواتها بالرجل أمام القانون في حكم نص المادة 78 التي أوردت «لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وفي أن يعيش آمنا مطمئنا». <br />
<br />
يقودنا إلى هذا التفسير الذي نأخذ به ما ورد في مقدمة مشروع الدستور المقترح من اعتماده في جوهره على الإسلام فهو مستمد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين. <br />
<br />
كذلك إذ فصلت نصوصه على هذا النحو بدأ مسايرا لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة. فالإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة الرجل في الحقوق والواجبات. <br />
<br />
والتفريق بينهما في بعض منها إنما جاء تبعا للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة ، وتبعا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما. <br />
<br />
وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية كاملة وبحقوقها المدنية كاملة كذلك وبحقوقها السياسية كاملة أيضا ، وعاملها على أنها كامل الإنسانية له حق وعليه واجب ، يشكر إذا أدى واجبه ويجب أن تصل إليه حقوقه <br />
<br />
فقد جعلها صنو الرجل في طلب العلم وهو فريضة على كل منهما كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة». <br />
<br />
وقد ضرب المثل في ذلك فيما يرويه البلاذري في «فتوح البلدان» حيث طلب إلى الشفاء العدوية أن تكمل ما بدأته في تعليم زوجه حفصه -رضي الله عنها- ابنة عمر بن الخطاب وكم تذكر لنا كتب التاريخ عن نساء بلغن شأوا في العلم إلى أن صرن معلمات يأخذ عنهن بعض الأئمة. ففيما يرويه ابن خلكان في وفيات الأعيان أن السيدة نفيسة رضي الله عنها سليلة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كانت تلقي في بيتها بمصر دروسا حيث أخذ عنها الإمام الشافعي كذلك عد أبو حيان من بين من أخذ عنهم العلم ثلاث نساء هن مؤنسة الأيوبية ابنة الملك العادل وشامية التبعية وزينب ابنة عبد اللطيف البغدادي الطبيب والمؤرخ الشهير في عصره <br />
<br />
وليس في الإسلام ما يمنع المرأة من الاشتغال بالأعمال الحرة كأن تكون تاجرة أو محترفة لأي حرفة تكسب منها الرزق الحلال ما دامت تختار لنفسها الأوساط الفاضلة وتلتزم خصائص العفة. <br />
<br />
وقد أعطاها الإسلام كافة الحقوق المدنية التي للرجل وهي لا تقل عنه شأنا في ممارستها ، فلها حق الوكالة والوصاية ولها كمال الحرية في قبول أو رفض من يأتي لخطبتها ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على ما لا تريده ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا تزوج الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن» والأيم هي الثيب فإذا زوجت دون أن تستأمر فالعقد باطل ، وإذا زوجت البكر دون أن تستأذن فهي بالخيار&nbsp;: إن شاءت أمضت العقد ، وإن شاءت أبطلته. <br />
<br />
وما جاء في الثيب أن خنساء بنت خذام زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد زواجها <br />
<br />
ومما جاء في البكر أن فتاة بكرا ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها عليه السلام.. أي جعل لها الخيار في إبطال العقد أو إمضائه.. وجاءت فتاة إليه -صلى الله عليه وسلم- فقالت «إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته.. فجعل الأمر إليها ، فقالت «قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء» <br />
<br />
وذلك -في بابه- أول وأسمى ما نالت المرأة من الحرية والكرامة والاعتراف بشخصيتها ، وحقها في قبول أو رفض أي خاطب يتقدم لخطبتها ، في الوقت الذي كانت تباع فيه كالحيوان ، وتورث كالمتاع ، وتلعن في المعابد ولا يرعى لشخصيتها أي اعتبار. <br />
<br />
والمرأة لها أن تتولى زواجها بنفسها إذا بلغت أهليتها ، وليس لأحد عليها من سبيل إذا كان كفؤا والمهر مهر المثل ، وأن كان يستحسن أن يتولى عنها وليها العقد كما هو في بعض المذاهب. <br />
<br />
فإن تولت هي الصيغة ما عدت ولا ظلمت ولا أثمت ، وكلامها نافذ في حدود سلطانها. ولم يكن ذلك بدعا في الشرع الإسلامي بل له مستند من الكتاب والسنة والقياس. <br />
<br />
والمرأة لها في الإسلام نصيب في مباشرة حقوقها في الملكية والتصرف بأموالها متى بلغت أهليتها في ذلك ، لا تفترق في ذلك الشأن المتزوجة وغيرها. <br />
<br />
فلها أن تتعاقد وأن تبيع وتشتري وتهب وتوصي لا ينقص من ذلك الحق شرط إجازة زوج أو ولي كما ظل ينص على ذلك القانون الفرنسي من اشتراط إجازة الزوج لصحة تصرفات زوجه حتى صدور تعديل له في 13 يوليو 1965 مانحا المرأة الفرنسية الحق في ممارسة إحدى الوظائف وحقها فيما تملك ناتجا عن هذه الممارسة ثم أردفه تعديل القانون المدني الفرنسي في 5 يوليو 1974 حيث منحها الحقوق مطلقا. <br />
<br />
والمرأة المسلمة تحتفظ باسمها لا تتخلى عنه كما أخذت بذلك القوانين الغربية وما تتبناه بعض المدعيات لحقوق المرأة في العالم الإسلامي وما يدرين أنهن بهذا التشبه ينقصن من حقوق المرأة. <br />
<br />
وقد تنبهت هذه القوانين الأوروبية إلى هذه الحقيقة ، فبعد أن كانت المرأة المتزوجة تحمل اسم زوجها أصبح لها الحق أن تحتفظ باسمها العائلي الخاص ومثال ذلك القانون الصادر في ألمانيا الفيدرالية بتاريخ 14 يونيو 1971 والقانون الصادر في أول يوليو 1976 اللذين أعطيا الزوجين حرية اختيار اسم الزوج أو اسم الزوجة أو كلاهما معا وفي حالة الاختلاف بينهما فإن القانون يقرر إطلاق اسم أسرة الزوج. <br />
<br />
أما القانون الفرنسي الصادر في عام 1978 فقد أعطى المرأة المتزوجة الحق في الاحتفاظ باسمها العائلي الخاص ، كذلك تسعى بعض الحركات النسائية في بلدان أوروبا الأخرى. <br />
<br />
ونحسب أن قد صرنا في غير حاجة إلى إبداء الرأي في صلاحية المرأة لتولي وظائف الدولة ، إلا ما خصصه الإسلام من ذلك. فللمرأة أن تلتحق بالجيش وقت الحرب في أعمال التمريض والإسعاف والخدمة ونحوها.. <br />
<br />
والأصل في الجهاد أنه فرض كفاية لا يجب على المرأة فإذا تقدمت إلى ذلك فخروجها مجاز وهو غير مكروه ولقد ثبت أن النساء كن يخرجن بإذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الجيش لخدمة الرجال وتمريض الجرحى.. <br />
<br />
روى البخاري وأحمد عن الربيع بنت معوذ ، قالت «كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-&nbsp;: نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة». <br />
<br />
وروى مسلم وأحمد وابن ماجة عن أم عطية الأنصارية قالت&nbsp;: «غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات.. أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمني». <br />
<br />
وللمرأة أن تحمل السلاح في وقائع الحروب ولا ينكر عليها الإسلام ذلك والجهاد حين ينقلب من فرض كفاية إلى فرض عين يلحق الوجوب بالمرأة أيضا. يقول الغزالي في الوجيز في الفقه الشافعي «فإن وطئ الكفار دار المسلمين تعين على كل من له منه قتالهم حتى العبد والمرأة» ، وقال مثل هذا القول خليل «وتعين الجهاد بفجئ العدوان على امرأة. <br />
<br />
أما الدسوقي فيرى أن كل من يعينه الإمام للجهاد فإنه يتعين عليه ولو كان امرأة ، وتخرج للجهاد ولو منعها الولي أو الزوج». وللمرأة في ذلك أن تمتشق السلاح ، وقد ورد في خبر الرميصاء زوج أبي طلحة -في صحيح مسلم- أنها اتخذت خنجرا يوم حنين ، فلما سألها زوجها عنه ، قالت «اتخذته&nbsp;: أن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه» قال في نيل الأوطار ولهذا بوب البخاري «باب غزو النساء وقتالهن».. <br />
<br />
وفي تتمة هذا الخبر أن زوجها لما سمع ذلك منها ذكره لرسول الله فقال لها عليه السلام «يا أم سليم أن الله عز وجل قد كفى وأحسن» وكان ذلك في أعقاب المعركة ، ولم ينكر عليها رسول الله شيئا مما صنعت. <br />
<br />
وهذه أم عمارة ، نسيبة بنت كعب بن عمرو تخرج في أحد تصول وتجول بين يدي الرسول ، تنزع عن القوس ، وتضرب بالسيف وحولها من الغر المذاويد علي وأبو بكر وعمر ومسعد وطلحة والزبير والعباس وولداها وزوجها. <br />
<br />
فكانت من أطهر القوم أثرا ، وأعظمهم موقفا. <br />
<br />
وكانت لا ترى الخطر يدنو من الرسول حتى تكون سداده وملء لهوته حتى قال -صلى الله عليه وسلم- «ما التفت يمينا وشمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني. وأصيبت نسيبة في هذا اليوم بثلاثة عشر جرحا ، ثم تخرج في خلافة أبي بكر في حروب الردة فتباشر القتال بنفسها حتى يقتل مسيلمة الكذاب وتعود وبها عشر جراحات بين طعنة وضربة في الموقعة التي اشتركت فيها وقد قطعت يدها رضي الله عنها. ذلك بعض حديث عن المرأة المسلمة لم تدع للرجال خلة يستأثرون بها دونها ، كما أن المسلمات لم يتركن سبيلا من سبل العظائم ، ولا مشرفا من مشارف المكارم إلا وكن السابقات إليه ، الواثبات إلى غايته. <br />
<br />
وهن أن غشين الحرب لما دون القتال من إفاضة الرحمة ، وبذل المعونة ، لا يجدن بدا من انتضاء السيوف إذا أجفل الرجال ، ورجفت قلوبهم. <br />
<br />
وكتب التاريخ الإسلامي تحفل بمواقف النساء في مخاضات الدماء ، منها خولة بنت الأزور&nbsp; وصفية بنت عبد المطلب وليلى بنت طريف أخت الوليد بن طريف الشيباني بقية أبطال الخوارج الذين خرجوا على الخلفاء وقد خلفت أخاها على قيادة الجند وأطبقت بهم على جند الرشيد وقالوا لا تكون هذه ألا أخت الوليد ، لأن فعلها بفعله أشبه&nbsp; وغزالة الحرورية زوج شيب بن يزيد قائد الخوارج وبطلهم. <br />
<br />
وكانت هي وزوجها يليان قيادة الخوارج وكان الحجاج بن يوسف يستمع خبرها. فيمتلئ قلبه وهلا ورعبا. <br />
<br />
عرضت له في جندها وهو في أربعة آلاف فما لبث أن اختلط عليه الأمر ، وولي هاربا يخلط في قوله وقد عقل قلبه ولسانه وفي ذلك كتب عمران بن حطان إلى الحجاج وكان قد لح في طلبه <br />
<br />
أسد علي وفي الحروب نعامة ربداء تجفل من صغير الصافر <br />
<br />
هلا برزت إلى غزالة في الوغي بل وكان قلبك في جناحي طائر <br />
<br />
صدعت غزالة جمعه بعساكر تركت كتائبه كأس الدابر <br />
<br />
وكان حبيب بن مسلمة الفهري رجلا غزاء للترك. فخرج ذات مرة إلى بعض غزواته ، فقال له امرأته&nbsp;: أين موعدك؟ قال&nbsp;: سرادق الطاغية ، أو الجنة إن شاء الله تعالى. قالت&nbsp;: إني لأرجو أن أسبقك إلى أي الموضعين كنت به. فجاء ، فوجدها في سرادق الطاغية ، تقاتل الترك.<br> <br />
<br />
تلك شذرات من حديث النساء في الجهاد عرضنا له في فترات متباينة في تاريخ الإسلام لنعلم أن المرأة لم تدع للرجل فضيلة يثني عطفه بها. وما كان شيء من ذلك لجفوة في الخلق ، ولا نبوة في الطبع ، وهو الخفرات اللواتي يفررن من المندية ويرتمين على الموت ، وما كانت شجاعتهن أثرا من الغلظة ، وظمأ إلى الدماء ، ولكنها كما أسلفنا قوة غاصت بها وفرة الصبر ، وابتعثتها قوة اليقين. أما توليتها الوظائف العامة فيبدو اختلاف الفقهاء فيه ، يقول الماوردي في الأحكام السلطانية&nbsp; أن جمهور الفقهاء على أن المرأة لا يجوز لها أن تلي القضاء مطلقا. <br />
<br />
وحجتهم في ذلك أن الإسلام يمنع المرأة -بالإجماع- من تولي الإمامة الكبرى «رياسة الدولة» لقوله عليه الصلاة والسلام «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».. قالوا&nbsp;: والقضاء من الولاية العامة فهو مقيس في الحكم عليها. أما أبو حنيفة فقد ذهب إلى جواز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال والنكاح والطلاق والرجعة وما يتعلق بها قياسا على شهادتها في ذلك ، فهي تقضي فيما يجوز أن تشهد فيه <br />
<br />
أما الطبري فيذهب إلى جواز توليها القضاء مطلقا ، إذ لا يلقي بالا إلى القياس على الإمامة ويقول في ذلك «أن الأصل هو أن كل من يستطيع الفصل بين الناس فحكمه جائز ، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى» أي أن المرأة -كالرجل- صالحة في الأصل لتولي الأحكام ، والفصل بين الناس ، وهذا حكم عام ، لا يخصصه إلا نص ، وقد ورد النص في حديث النهي عن تولي المرأة الإمامة الكبرى ، وتم الإجماع على العمل بذلك ، ومادام النص لم يستثن إلا الإمامة الكبرى فإن إلحاق القضاء بها يعتبر تخصيصا بلا مخصص. <br />
<br />
وهذا ما لا يقبله الطبري. كذلك هو رأي ابن القاسم وابن حزم وابن طراز الشافعي ورواية عن مالك في الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام وحملا للقضاء على الفتيا. <br />
<br />
والحسبة منصب من مناصب الحكم ، وهي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإصلاح بكافة الطرق المشروعة ، وكان يشترط فيمن يتولاها أن يكون عدلا ، فقيها ، عالما بالأحكام الشرعية ، وكانت وظيفته مراقبة المكاييل والموازين مراقبا من تسول له نفسه الإمارة بالسوء الغش ببخس أو تطفيف فيها. وكان لها دار خاصة بها فكان المحتسب يطلب جميع الباعة إلى هذه الدار . <br />
<br />
فهي أذن في أعراف وظائف الدول المعاصرة وظيفة إدارية عامة. وقد استعملت فيها النساء ، فولى الخليفة عمر بن الخطاب السيدة الشفاء ولاية السوق وقد كانت من عقلاء النساء ومن المهاجرات الأول يعرف لها ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيزورها في بيتها ويقيل عندها ، وكانت لها منزلة كبرى لدى خليفته عمر حتى أنه كان يقدمها في الرأي. كما تولت السيدة سمراء بنت نهيك الأسدية هذا المنصب أيضا وقد أدركت الرسول وعمرت طويلا وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط معها. ذلك شأن تولية المرأة الوظائف العامة وقد سقنا لها أمثلة لعدم تعارضها مع مبادئ الإسلام. فما بال أهلية المرأة لتبعات الحياة ومساهمتها في بناء أوضاعها الصالحة. <br />
<br />
لا ريب أن القرآن الكريم يسوق ضروبا من أنصاف المرأة وتقديرا لا تتخلف فيه عن الرجل. <br />
<br />
فهما من المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر «وكلاهما يشمل كل ضروب الإصلاح في كل نواحي الحياة ، والمرأة في ذلك صنو الرجل. ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يضع صلاح المجتمع أمانة بين يدي كل مؤمن ومؤمنة وهذا الواجب كما يشمل مناصحة الناس بعضهم لبعض ، يشمل مناصحة أولياء الأمور الكبار ، وكل من إليهم من ذوي المناصب والولاية وفي ذلك يقول الرسول «الدين النصيحة.. لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». <br />
<br />
وذلك يقتضي كل رجل وامرأة أن يحاول جهده الاتصال بشؤون الحياة العامة ومتابعة سير المجتمع ليستطيع أن يقدم ما لديه من رأي ونصيحة عن دراسة وتمحيص وتدبير رأي ، ورسول الله يجعل ذلك الاهتمام شارة الدخول في جماعة المسلمين بقوله «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» وشؤون المسلمين في أذهان الناس تضيق وتتسع بحسب ثقافة كل منهم وسعة آفاقه العقلية ومن هؤلاء من يهتم بإصلاح أداة الحكم بالنقد والتوجيه ، واقتراح سن القوانين وذلك هو ما يسمى بالاشتغال بالسياسة فما دور المرأة خلالها؟ في كتابه الأحكام السلطانية يقول الماوردي «الناس فريقان أحدهما&nbsp;: أهل الاختيار حتى يختاروا إماما للأمة ، والثاني أهل الإمامة. <br />
<br />
'''فأما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة:''' <br />
<br />
'''أحدها&nbsp;''': العدالة الجامعة لشروطها. <br />
<br />
'''والثاني&nbsp;''': العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها ، <br />
<br />
'''والثالث&nbsp;''': الرأي والحكمة المؤديان إلى اختبار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف» <br />
<br />
وهو إزاء حصر هذه الشروط وعدها قد أغفل ذكر الجنس خلافا لما بين في ذكر الشروط المعتبرة في أهل الإمامة كما ذكرناها آنفا. <br />
<br />
فهل تعد المرأة من أهل الاختيار ومن ثم هل لها ممارسة ما يعرف بالحقوق السياسية؟ ليس هناك ما يمنع المرأة ، أو من يمنعها ممارسة هذا الحق. <br />
<br />
فهو حق قرره الإسلام ، ومارسته المرأة المسلمة على نطاق واضح أيام الخلفاء الراشدين أي خلال الحقبة التي قام بها الصحابة بوضع تقاليد الحياة الإسلامية في الاجتماع والسياسة. وقد كانت أمهات المؤمنين يبدين آراءهن في سياسة الخلفاء. <br />
<br />
ويطول بنا القول لو رحنا نحصي حالات أمهات المؤمنين ونسائهم فيما كان لهن من آراء وأثر في السياسة والمجتمع.. فالإسلام حين قرر ما للمرأة من حق سياسي ، ما عني إلا المرأة الفاضلة التي تعتز بمثلها الروحية العليا ، وقد كانت المرأة المسلمة وهي تباشر هذا الحق تغشي أماكن العلم على شرطها ، وتلم بأندية المشاورة والتعاون على الصالح العام الذي ندبت إليه ، وليس البرلمان في صورته الإسلامية إلا أحد هذه الأندية. هذا ما سقناه من حكم الإسلام وقد ارتضيناه تفسيرا لما جاءت به مقدمة مشروع الدستور المقترح ، وبه نقتنع من أن نص المادة 78 تطبق على الرجل والمرأة سواء. <br />
<br />
«فلكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وفي أن يعيش آمنا مطمئنا». <br />
<br />
يعضد ما ذهبنا إليه من تفسير ما كتبه الإخوان في جرائدهم من أن «الدين لم ينزل للرجال فقط ، وأن على المرأة واجب خدمة الإسلام ، والمساهمة بكل ما يعود بالخير على المجتمع وأن المساواة بين الجنسين قد نظمها الإسلام في الحقوق والمعاملات المالية&nbsp; ، وقد عاتبوا غيرهم من الجماعات على معاملة المرأة من خلال تقاليد بالية تجعل من الرجل سجانا للمرأة يحبسها في بيته للمتعة والتوالد ، لا تعرف من دنياها إلا هذين الغرضين العظيمين وتظل كذلك إلى أن تنتقل من ظلام حياتها إلى ظلام القبور ، ورأى الإخوان أن الدين لا يقر ذلك ، وأن من الواجب أن تشفق على دين الله من أن تستبد به الآراء المتشائمة والأمزجة السوداوية <br />
<br />
يثبت هذا التفسير أيضا ما سبق ذكره بما كتب حسن البنا في المنار عام 1940 من اعتراف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية كاملة وبحقوقها المدنية كاملة كذلك وبحقوقها السياسية كاملة أيضا». كما طالب بعلاج قضية المرأة علاجا يجمع بين الرقي بها والمحافظة عليها وفق تعاليم الإسلام حتى لا تترك هذه القضية التي هي أهم قضايا الاجتماع تحت رحمة الأقلام المغرضة والآراء الشاذة من المفرطين والمفرطين . <br />
<br />
وبعد التصريح لهم بمباشرة نشاطهم في عام 1950 بدأت قضية المرأة تعالج برحابة. وقد صرحت رسالة المرأة بين البيت والمجتمع&nbsp; بأن حقوق المرأة السياسية يقرها الإسلام ويجب أعداد المجتمع الفاضل الذي تمارس فيه. <br />
<br />
وأن هذه الحقوق لا تقل شأنا عن تلك التي يتمتع بها الرجل ، وبذلك أخذت تحسم نظرة الإخوان المسلمين في هذا الشأن بما صرح به المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي مرشدها العام بأن الإسلام لا ينكر حقوق المرأة السياسية وأن تطبيقها يتوقف على ظروف المجتمع العامة. تلك إثارة أردنا بها بيان عناية الإسلام بتصحيح مفاهيم المؤمنين به عن الحياة وتقويم موازينهم التي يزنون بها الناس والأشياء ، وتلك لا شك نجدها واضحة في كثير من نصوص كتاب الله وسنة رسوله. <br />
<br />
فلا غرابة أذن أو إسراف في هذه العناية من الإسلام ، لأن صحة أعمال الإنسان واستقامة تصرفاته منوطة بصحة مفاهيمه واستقامة الموازين عنده. ومن المستحيل أن يكون ما يصدر عن الإنسان صحيحا مقبولا إذا كان وراءه مفهوم فاسد أو ميزان مختل. <br />
<br />
ومن عجب أن هذا هو الواقع المرير الذي نعيش فيه ، وهو إحدى العلل الكبار المسؤولة عما نجده لدينا من ضعف وهوان وخروج على مناهج الإسلام من قبل المحكومين والحكام على السواء ، وهي أعراض لا شك لعلل ابتلينا بها وصارت أوضاعنا الاجتماعية مختلطة تتنازعها بقية نفوذ الشريعة والتقاليد الموروثة وتقليد زاحف ، ووضع المرأة في كثير من بلاد الإسلام كمثل سائر أوضاعنا الاجتماعية ، ومن عجب أننا نغفل عن مكانها بعد أن حدثتنا الشريعة عنه وأظهرها علماء الإسلام الأقدمون بحسب ما أدركوا من النصوص ومن معانيها. <br />
<br />
أن صورة الإسلام بهتت لدى الكثير من المسلمين لأنهم لا يعرفونه ، والصورة المرتسمة في الرؤوس هي صورة أعراف مختلطة ممسوخة في بلاد الإسلام فرضت على المرأة -كما فرضت على كثير من مظاهر حياتنا الاجتماعية- ما لم يفرضه الله ، وحرمت ما لم يحرمه الله ، وهو تطرف يقابله جموح لدى بعض نسائنا. <br />
<br />
وهو جموح لا شك بدأ انحرافا لأسباب ، أولها بلا ريب ظلم اجتماعي عاشت المرأة خلالها حبيسة جاهلة لا إرادة لها فتمردت على هذا الظلم ثم انحرفت وجمحت&nbsp;: وأن هذا الظلم لا يزال إرثا في كثير من أوطان الإسلام التي تنظر إليها في بعضها نظرة المتاع أو نظرة العبد في سوق النخاسة لا رأي لها ولا إرادة. وآخر تحرم عليها ما لم يحرمه الله وتفرض عليها ما لم تفرضه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مجاوزة حدود الزي تثلم عرضها وتنتهك حرمتها ، فليست كل امرأة سافرة الوجه مثلومة العرض ، وليست كل امرأة متحجبة طويلة الذيل طاهرته. أن الإسلام قد أزال عنها محنة الظلم والكساد ورفع شأنها وقرر لها مكانها الطبيعي في الحياة. <br />
<br />
وقد انتشل المرأة من الهوة المظلمة الدنسة وأقامها على وضح الحياة إلى جانب شقيقها الرجل على أساس من تعادل القدر ، وتماثل الخصائص والصفات وقد أعلن أنها والرجل في الإنسانية بمنزلة سواء ، لا تزيد عنه ولا تنقص. فعلينا إزاء وضعها أن نرعى كل ما أنزل الله من أمر ونهي حق رعايته في غير غلو يجاوز ما أراد الله من اليسر ، ولا ترخص يفسد همة المرء عن تعظيم حرمات الله . <br />
<br />
كذلك تستند في تفسيرنا على شمول المادة 78 من مشروع الدستور المقترح ومساواة الرجل والمرأة في ظل نصه بما أوردته مقدمته من تفصيل نصوصه لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة وقد سمت بعض تلك النظم؛ أولها نظام الولايات المتحدة الأمريكية والدستور النمساوي الصادر عام 1920 والدستور التركي الصادر في عام 1924 والدستور الفرنسي الصادر عام 1946 مع مخالفة الأخير في النظم التي تحكم السلطات فيه. <br />
<br />
ففي الأول نجد مبدأ المساواة في حق التصويت للانتخاب وكذلك الترشيح بما تنص عليه المادة 19 المضافة إلى دستور الولايات المتحدة الأمريكية في 26 أغسطس 1920 «وهي تنص على أن حق التصويت والانتخاب لمواطني الولايات المتحدة لا يمكن تقييده بسبب الجنس». وفي ثانيهما دستور النمسا الصادر في عام 1920 تذكر المادة السابعة في فقرتها الأولى «أن جميع المواطنين سواء أمام القانون ولا يصدر امتياز قائم على الميلاد أو الجنس أو الطبقة أو الدين «كما نصت المادة 26 منه على أن البرلمان تنتخبه الأمة بالاقتراع العام المباشر يشترك فيه الرجال والنساء البالغون عشرين عاما». <br />
<br />
كما نصت المادة 69 من دستور 20 أبريل 1924&nbsp; الصادر في تركيا على أن «الأتراك سواء أمام القانون» كما نصت المادة.1 المضافة في 5 ديسمبر 1934 على أن كل تركي ، رجل أو امرأة بالغ من العمر 22 عاما له حق الانتخاب» كما نصت المادة 11 من الدستور عينه «ينتخب نائبا في الجمعية التشريعية كل تركي امرأة أو رجل يبلغ من العمر ثلاثين عاما» <br />
<br />
أما الأخير فنجد حق المساواة قد نص عليه في ديباجته حيث ذكر أن القانون يضمن للمرأة في جميع المجالات حقوقا مساوية للحقوق التي للرجل كما نصت المادة 4 من الدستور الفرنسي الصادر في 27 أكتوبر 1946 «يعد من الناخبين كل المواطنين الفرنسيين من الجنسين ، المتمتعين بالحقوق المدنية والسياسية وفقا للقواعد المنصوص عليها في القانون» <br />
<br />
تلك الدساتير توضح بجلاء أن حقوق المواطنين في ظلها سواء لا تختلف فيها المرأة عن الرجل وهذا ما نعده اقتناعا بالتفسير الذي أخذنا به. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الحقوق الاجتماعية ====<br />
<br />
وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية مكان الصدارة في مشروع الدستور المقترح بالنسبة للحقوق السياسية والشخصية ، فقد جعل التضامن الاجتماعي أساسا للمجتمع ونص على أن الدولة تكفل خدمات الرفاهة الاجتماعية مخالفا في ذلك بعض الأنظمة في الديمقراطيات الغربية النزعة والتي أخذ عنها دستور 19 أبريل 1923. <br />
<br />
نصت المادة 79 «لكل فرد الحق في العمل والحرية في اختياره بشروط عادلة مجزية ، وله الحق في الحماية من البطالة- وللجميع الحق في الحصول على أجر متساو من عمل متساو». <br />
<br />
وقد منح العاملون حقوقا مساوية في الأجر إذا تساوت أعمالهم بحسب مؤهلاتهم ومقدراتهم وسني خدماتهم. لا يختلف في ذلك من يعملون في قطاع خدمات أو مرافق عامة أو من يعملون بأجر لدى قطاع خاص. <br />
<br />
لا يختلف هؤلاء أو أولئك وفق مشارب وأهواء الرؤساء أو صاحب المال. <br />
<br />
وقد نصت المادة 80 «لكل من يعمل الحق في أجر عادل يضمن له ولأسرته حياة تتفق مع الكرامة البشرية ويكمل عند الضرورة بأية وسيلة من وسائل الحماية الاجتماعية» ، وفي ذلك يقول المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة «أن كل من كان إيراده لا يكفي حاجته فهو من ذوي الحاجة ، وعلى الحكومة الإسلامية أن تأخذ من فضول أموال الأغنياء ما يرد حاجة ذوي الحاجة.. <br />
<br />
ويرى أن فريضة الإنفاق تقوم بما لم تتسع له فريضة الزكاة وقد اختلف الفقهاء في قدر الحاجة. وقد تكون من وسائل الحماية الاجتماعية المذكورة الزكاة وهي فريضة مقررة مقدرة وليست صدقة يدفعها الغني متفضلا ، وهي حق للفقراء وتصرف حيث تجبي ولا تنقل إلى مكان آخر حتى يستوفي أهل كل جهة بفقرائها الذين يعرفونهم ويعرفون حاجاتهم فيشعر الأغنياء والفقراء بأنهم متكافلون متراحمون. فإن لم تكف الزكاة لتوفير تلك الحاجات الضرورية وجب على من عنده فضل مال أن يرده على الفقراء حتى يستوفوا حاجاتهم فإن لم يفعلوا أجبرتهم الحكومة على ذلك واتخذت من التشريعات ما يكفل إصالح حال المجتمع بقدر ظهور الحاجات وبرزوا الضرورات <br />
<br />
ونصت المادة 81 «لكل فرد الحق في أن يكون مع غيره نقابات وفي أن ينضم إلى نقابات للدفاع عن مصالحه». وهو أحد الحقوق التي نص عليها ميثاق حقوق الإنسان ، ونجد أثارة له في نظام الحسبة حيث جعلوا لأصحاب كل صنعة سوقا يختص بهم ، ونقابة تجمعهم ، وجوزوا للمحتسب أن يجعل لأهل كل صنعة عريفا من صالح أهلها ، خبيرا بصناعتهم مشهورا بالثقة والأمانة يكون مشرفا على أحوالهم ويطالعه بأخبارهم . <br />
<br />
وحق تكوين النقابات كذلك حق الانضمام يتمتع به الوطني والأجنبي المسموح له بالإقامة والعمل فحقه في التمتع بالحقوق المدنية والاجتماعية مطلق ، سواء في ذلك بالوطنيين عدا الحقوق العامة أو السياسية فهي حقوق محصور التمتع بها بالوطنيين دون سواهم. فما بال حق الإضراب؟ قد سكت عنه في هذا الباب. والأصل أن ترك العمل حق مقيد بعدم الإضرار بالمصلحة العامة ، ولهذا قال الفقهاء «يجوز لولي الأمر حمل أرباب الحرف والصناعات على العمل بأجرة المثل إذا امتنعوا عن العمل وكان في الناس حاجة لصناعتهم وحرفهم . <br />
<br />
فإذا قيل بأنه وسيلة للضغط على أرباب الأعمال من أجل تعديل شروط عمل مجحفة ، وأجور بخسة وأنصافا للعمال ، نرى أنه تبرير لا واقع له في الدولة الإسلامية التي من واجبها إقامة العدل باستيفاء كل حقه ، فلا يضار عامل ولا رب عمل. والإضراب كما جرت عليه قوانين بعض الدول تحرمه ومنها من ترخص به وتلزم المضربين الإعلان عنه قبل قيامهم به. <br />
<br />
ثم نصت المادة 82 بما نراه إلزام على الدولة قبل مواطنيها فنصت على أن «تكفل الدولة لكل فرد مستوى من الحياة يضمن له ولأسرته الصحة والرخاء وبخاصة فيما يتعلق بالمأكل والملبس والمسكن والخدمات الصحية والاجتماعية الضرورية. كما تكفل الدولة للفرد الضمان في حالة البطالة والمرض والعجز عن العمل والترمل والشيخوخة وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل كسب قوته نتيجة لظروف لا دخل له فيها». وهو مبدأ وإلزام طالب به المرشد العام للإخوان المسلمين المرحوم حسن الهضيبي حيث نص على كفالة الدولة لكل إنسان ، وأن يكون مضمونا له العلاج المجاني من الأمراض متى لم يكن قادرا عليه فإذا كان دخله من بعد لا يكفيه أو كان غير قادر على العمل فهو في كفالة الدولة ، ويجب أن يستوفي حقه من الحاجات الضرورية وهي&nbsp;: بيت يسكنه ويواريه عن أعين الناس ويجعله في أمن من العادين والباغين ، وطعام يحفظ به نفسه ، وملبس للصيف والشتاء . <br />
<br />
وهو مبدأ وإلزام نجد أثارة له في كتب الفقهاء ، فذهب أبو يوسف إلى أن الإسلام أوجب على بيت المال -والمقصود الدولة- الإنفاق على الزمن وهو العاجز عن الكسب ، وعلى الشيخ الفاني ، وعلى المرأة إذا لم يكن لواحد منهم من تجب عليه النفقة من أقربائه ، ولا يفرق الإسلام في ذلك بين المسلم والذمي <br />
<br />
وما نجده كذلك فيما أورده نظام الحسبة «فقد جعلوا للفقير والمحتاج حقا في مال الغني وملكه. فإذا اضطر قوم لا مكان يأوون إليه إلى السكن في بيت إنسان ، فعلى المحتسب أن يسكنهم فيه ، ولو احتاجوا إلى أن يعيرهم ثيابا يستدفئون بها من البرد أو إلى غير ذلك يبذل هذا مجانا لهم حسبما قرر ابن تيمية الذي يذهب أيضا «إن المحتاجين يعطوا على وجه التقديم على غيرهم من وجوه الصرف على رأي <br />
<br />
كما ذهب ابن عابدين إلى أن القاضي يلزم ولي الأمر إلزاما قضائيا بالإنفاق على الفقير العاجز ، كما يلزم وليه أو قريبه الغني إذا كان له قريب غني <br />
<br />
كما نصت المادة 83 «تقدم الدولة للأمومة والطفولة المساعدة والإعانة الكافية». وقد تكون هذه المساعدة بمعونات مادية أو عينية تقدمها الدولة للأمهات وكل مولود كما فرضها خليفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب في بيت المال أو خدمات صحية تقدمها الدولة مقرونة بالرعاية الاجتماعية وهي أمور تفرضها المساواة في الحظوظ لدى الولادة لا يختلف فيها ابن غني وابن فقير. <br />
<br />
ثم نصت المادة 84 «لكل فرد الحق في التعليم ، وتكفل له الدولة التعليم في مختلف مراحله ويجب أن يهدف التعليم إلى تقوية الكرامة البشرية وتنمية الفضائل» فالإسلام يجعل العلم فريضة على كل فرد ومن ثم يجب على الجماعة أن تحقق له هذه الفريضة حين يعجز عنها. <br />
<br />
هذه المبادئ السابقة تكرس لا شك مبادئ الرسالة الإسلامية التي كانت حدثا هاما في تاريخ البشرية. <br />
<br />
لقد طلع الإسلام على البشرية بفكرة جديدة عن الحياة كلها. هي جديدة على البشرية تماما ، نابعة من معين غير بشري أصلا.. <br />
<br />
ذلك أنها كانت من وحي الله ، لتكون أمة جديدة غير مسبوقة النسق يقول عنها الله سبحانه وتعالى ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. <br />
<br />
هذه الفكرة الجديدة عن الحياة كلها ، كانت لها آثارها في كل تصورات البشر في الحياة وفي علاقاتهم.. ومنها مسألة التكافل الاجتماعي التي تشتمل فيما تشتمل على قاعدة الضمان الاجتماعي. <br />
<br />
أن الضمان الاجتماعي إجراء مالي تقوم به الدولة لإعانة من يعجزون عن العمل والكسب لسبب من الأسباب دائم أو مؤقت ، كلي أو جزئي. أما التكافل الاجتماعي ، والضمان الاجتماعي جزء منه صغير ، وجانب منه ضيق ، والمساعدات المالية التي تؤديها الدولة للعاجزين عن العمل والكسب ليست سوى جانب من المساعدات المالية التي يقررها النظام الإسلامي لكل فرد في الجماعة الإسلامية. أن لكل فرد في النظام الإسلامي حقا مفروضا ، وهو أن يحصل على الكفاية من مقومات الحياة ، المادية والمعنوية على السواء. <br />
<br />
لكل فرد حق الطعام والشراب واللباس والسكني والركوب ، وحق الزواج أيضا ، بوصفها ضرورات تتعلق بحفظ الحياة وتلبية الحاجات الأولية ، ويقاس عليها العلاج والدواء ، ولكل فرد حق التعليم لأن العلم فريضة ، وحق العمل مادام قادرا عليه ، وحق إعداده للعمل وتمكينه منه. وعن طريق العمل والإعداد له والتمكين منه يتم أولا سد الحاجات الضرورية ، فمن لم يجد عملا وهو راغب فيه ، أو عجز عن العمل كليا أو جزئيا ، دائما أو وقتيا ، فهنا يجيء دور الضمانات الاجتماعية في الإسلام لسد حاجاته حتى يصبح هو بنفسه قادرا على سد هذه الحاجات. ومن ثم فالتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس مجرد نظام للبر والإحسان إنما هو نظام للإعداد والإنتاج ثم الضمان.. <br />
<br />
ولكن هذا ليس إلا جانبا واحدا من جوانب التكافل الاجتماعي كما يعنيه الإسلام. أن التكافل الاجتماعي في الإسلام واجب عام ، على كل فرد في الجماعة الإسلامية منه نصيب ، ونصيب الدولة منه هو أحد الأنصبة أو النصيب الأخير. والنظام الإسلامي يبدأ في توزيع الواجبات والحقوق من أول درجات السلم ومن مرحلة مبكرة من مراحل الدولة. أنه لا يلقي على الدولة جمع الأعباء ، وأن كان يجعلها هي المسئول الأخير عن تحقيق هذا النظام بجزئياته وكلياته. إلى جانب التبعة على كل فرد ، وعلى كل أسرة ، وعلى كل جماعة من الأمة ثم على الأمة كلها لا يتميز فيها حاكم عن محكوم. <br />
<br />
والقاعدة العامة في هذه التبعات المشتركة هو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» هكذا تتداخل التبعات وتتوالى ، وتشمل كل فرد حاكما أو محكوما ، والضمان الاجتماعي بمدلوله المحدود يدخل في مشتملات هذا التكافل العام. <br />
<br />
ثم يمضي التكافل الإسلامي في مجالاته الأخرى ، حتى يشمل جوانب الحياة جميعها. وحين يولد المولود في الدولة الإسلامية تترتب له مع حق الحياة ، سائر الحقوق التي تحفظ له الحياة ، والتي تجعل الحياة كريمة لائقة ببني الإنسان ، والتي ترقي هذه الحياة وترفعها لتقبل عند الله. وعليه في مقابل هذه الحقوق التي يكفلها له النظام الإسلامي بمجرد ولادته ، واجبات لربه وواجبات لإنسانيته وواجبات للجماعة التي يعيش فيها. <br />
<br />
هذه الواجبات متوازنة مع تلك الحقوق ، لا تظلم نفس شيئا ولا تكلف نفس إلا وسعها والجانب الاقتصادي في هذه الواجبات وفي تلك الحقوق هو أحد الجوانب لا كلها. لأن الحياة في نظر الإسلام أوسع أمادا وأبعد آفاقا من مجرد الجانب الاقتصادي- وأن كان الإسلام لا يغفل من حسابه أهمية العوامل الاقتصادية ، بل يمنحها العناية التي تستحقها في واقع حياة الإنسان. <br />
<br />
ولقد قلنا أن المساعدات المادية المفروضة للعاجزين عن الكسب لسبب من الأسباب ليست سوى جانب من المساعدات الكلية التي يقررها النظام الإسلامي لكل فرد في الجماعة الإسلامية. فحق التعلم وحق التربية والتهذيب جعله الإسلام فريضة على كل فرد ومن ثم يجب على الجماعة أن تحقق له هذه الفريضة حين يعجز عنها. <br />
<br />
والأطفال لا يملكون تحقيق هذه الفريضة بأنفسهم ولأنفسهم ، ومن ثم يصبح تحقيقها من واجب الجماعة الأقرب فالأقرب من أهل الطفل ، فإذا عجزوا وقع عبؤها على الدولة باعتبارها الجهة المنوط بها تشريعيا إقامة الفرائض والتربية -ويدخل فيها إعداد الفرد للحياة ، والعمل والإنتاج حق لكل فرد. <br />
<br />
والجماعة بأجهزتها المختلفة الدرجات مكلفة بتحقيق هذا الواجب. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فرض كفاية على الجماعة الإسلامية لا بد أن تقوم به طائفة منها -وهو نوع من التربية العامة في البيئة الإسلامية وأحاديث الرسول تتوارد تترى في التوجيه إلى القيام بواجب التربية والتأديب «لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع».. «ما نحل والد ولده من نحل أفضل من أدب حسن».. <br />
<br />
من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ، أو أختين أو ابنتين فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة»... <br />
<br />
فأما حق العمل وتمكين القادرين عليه فتشهد له الحادثة التالية من سنن الرسول. <br />
<br />
روى البخاري وغيره أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله مساعدة فلم يعطه مالا ، ولكنه دعا بقدوم ودعا بيد من خشب سواها بنفسه ، ووضعها فيها ، ثم دفع بها إلى الرجل وأمره أن يذهب إلى مكان عينه له وكلفه أن يعمل هناك لكسب قوته ، وكلفه أن يعود إليه بعد أيام ليخبره عن حاله.. <br />
<br />
وعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- تشريع. وهو يضع على كاهل الدولة تمكين القادرين على العمل منه ، مع ملاحظتهم لمعرفة أحوالهم في العمل. وكذلك ثبت حق العلاج والدواء من تصرف الرسول مع القوم الذين ساءت صحتهم في المدينة ، فأرسل بهم عليه السالم -إلى مكان صحي بظاهرها بجانب أبل الصدقة ليشربوا من ألبانها حتى صحت أجسامهم.. وكفالة الدولة الإسلامية لرعاياها الفقراء لا تقتصر على المسلمين فقط بل تشمل غير المسلمين بصفتهم حاملي جنسيتها أيضا ماداموا فقراء يستحقون العون ، وفي ذلك سوابق تاريخية تدل على هذه الكفالة ، من ذلك أن خالد بن الوليد كتب كتابا لأهل الحيرة جاء فيه «وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات ، أو كان غنيا فافتقر ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته ، وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام <br />
<br />
ولم يرد أن الخليفة أبا بكر أو غيره من المسلمين أنكر هذا الكتاب فيكون إجماعا. ثم نجد أثارة لهذه الكفالة أيضا في سوابق الخليفة عمر بن الخطاب كذلك الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي كتب إلى عامله في البصرة عدى بن ارطأة «أما بعد.. وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه ، وضعفت قوته ، وولت عنه المكاسب ، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه» <br />
<br />
وهكذا نجد الإسلام سابقا بقرون عقلية الضمان الاجتماعي الذي ظهر في القرن الأخير.. كما نجد تقديره للحياة أرحب وأوسع ، وتقريره للحقوق والواجبات أشمل وأدق.. ولو نرجع إلى الهدى لنتبعن هذا الدين في سننه القويم ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الحقوق والحريات الفردية ====<br />
<br />
ذكرنا سابقا أن الحرية الشخصية عند علماء القانون تعني حرية الفرد في الرواح والمجيء وحماية شخصه من أي اعتداء ، وعدم جواز القبض عليه أو معاقبته أو حبسه إلا بمقتضى القانون وحريته في التنقل والخروج من الدولة والعودة إليها. وقد نص على هذه الحقوق والحريات مشروع الدستور المقترح في المادة 85 إذ ذكرت «لا يجوز القبض على أحد أو حبسه أو نفيه بإجراء تحكمي ، ولا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تحكمي في حياته الخاصة أو في أسرته أو في منزله أو مراسلاته». <br />
<br />
وحماية الإنسان بهذا المعنى لها أثارة في الإسلام الذي يحرم الاعتداء على حياته وجسمه وعرضه وقد قال الرسول «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» فالاعتداء على الإنسان ظلم وقد فرض الإسلام عقوبات على المتجاوزين والمعتدين على حياة الناس وأجسامهم وأعراضهم. وهذه العقوبات المقررة للمعتدين لا تصيب الإنسان بالظن والشكوك فالأصل براءة الذمة وبالتالي لا يجوز معاقبة الإنسان إلا إذا ثبتت إدانته وهو يتمتع بحريته في شخصه وحرمته في مسكنه فلا يدخل أحد فيه إلا بإذنه ورضاه إذ أن مسكنه موضع أٍسراره ومستقر عائلته فأي اعتداء عليه وانتهاك حرمته انتهاك لحرية الشخص ذاته. <br />
<br />
ويلحق بهذه الحرية ، حريته في مراسلاته وهي تشمل خطاباته المكتوبة أو مكالماته الهاتفية. <br />
<br />
كذلك فلكل فرد الحق في التنقل بحرية داخل الدولة وفقا لنص المادة 86 وما أباحه الله تبيحه الدولة ومن ثم فهي تضمن للفرد حريته في التنقل. إلا أن هذا الحق ليس مطلقا فقد تقتضي ضرورة تقييده مثل ما تجري عليه بعض قوانين العقوبات من فرض عقوبات للتدابير الاحترازية توجب بمقتضاها على بعض الأفراد المفرج عنهم عدم مبارحة مقر إقامته خلال ساعات تحددها أو عدم مغادرة موطنه خلال فترة تنص عليها. <br />
<br />
كذلك قد تجد الدولة ضرورة في تقييد سفر مواطن خارج البلاد لسلوكه أو خطره ، فلها أن تمنع الفرد من هذا السفر والأمر كذلك في منع بعض الأجانب المصرح لهم بالإقامة من التنقل داخل بعض الجهات التي ترى الدولة ضرورة الحماية من أجل الأمن أو اعتبارات دينية <br />
<br />
غير أن هذه الضرورات ليست مطلقة بل هي تقدر بقدرها وقد ذهب إلى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب حين منع بعض كبار الصحابة من الخروج من المدينة ليستعين بمشورتهم. ويرتبط بهذا الحق حق آخر ، وهو أنه لا يجوز أبعاد مواطن من الديار المصرية وفقا لنص المادة 92. وقد أخذت بذلك أيضا المادة 7 من دستور 1923 بنصها «لا يجوز إبعاد مصري من الديار المصرية». <br />
<br />
وهذا النص قد جاء مرتبطا بوصف المواطنة وحدها ويجوز بالمخالفة لما ينص عليه أبعاد أي فرد آخر كالأجنبي الذي أذن له بالإقامة إذا أتى ما يوجب إبعاده وإخلاله بشروط إقامته وسلوكه أو أن تشعر الدولة بخطر إقامته عليها. <br />
<br />
أما حق التملك فقد نصت عليه المادة 87 بنصها «لكل فرد الحق في الملكية بصفة فردية أو جماعية ولا يجوز حرمان أحد من ملكه بإجراء تحكمي». فكما نصت عليه المادة من إطلاق الحرية للبشر -كما أطلقها الإسلام- في أن يتملكوا ما يشاءون من العقار والمنقول والأشياء ذات القيمة في حدود نظرية الإسلام في ملكية المال. <br />
<br />
على أن هذه الحقوق والحريات لا تخضع إلا للقيود التي ينص عليها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياتهم واحترامها ولحماية مقتضيات الأخلاق والنظام العام والرفاهية العامة في مجتمع إسلامي ، ولا يجوز في أية حالة مزاولة هذه الحقوق والحريات على نحو يتعارض مع الإسلام نصا أو روحا ، وهذا ما نصت عليه المادة 94 من مشروع الدستور المقترح والذي جاء موافقا لمبادئ الشريعة. <br />
<br />
إن الشرع الإسلامي يحمي الإنسان في ممارسة حقوقه. فلا ضمان مبدئيا على من يستعمل حقه ضمن حدود الشرعية حتى ولو أحدث ذلك ضررا للغير. وهذا معنى القاعدة الكلية أن «الجواز الشرعي ينافي الضمان». وهي قاعدة شبيهة بنظرية الضرر المباح المعروفة في القواعد اللاتينية والسكسونية. <br />
<br />
غير أن هذا المبدأ ليس مطلقا في الشرع الإسلامي ، ولا يعني أن للإنسان أن يستعمل حقه بقصد إضرار الغير ، ولا أن هذا الاستعمال جائز متى كان ضرره فاحشا. ففي هذه الأحوال ، اعتبر الفقهاء استعمال الحقوق تعسفيا ومن ثم أفتوا بمنعه ، وهذا معروف في القانون باسم نظرية سوء استعمال الحقوق ، التي هي في الواقع تقييد اجتماعي لمدى الحقوق الفردية. <br />
<br />
فإذا ثبتت الشريعة الإسلامية حرية التملك ، وأقر حرمة الملكية الفردية وفقا لقول الله سبحانه وتعالى ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع.. «إن دماءكم وأموالكم بينكم حرام..».. <br />
<br />
وتفرعت عن كليهما القاعدتان الشرعيتان أنه «لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي» ، وأنه «لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا أذنه». <br />
<br />
بيد أن هذه الملكية الفردية تخضع لحقوق المجتمع العليا. فلذا أجاز الفقهاء جباية الضرائب لحاجات الدولة الضرورية ، وسمحوا للدولة باستملاك الأملاك الخاصة للمصلحة العامة ، وقد برروا ذلك بالقاعدة الشرعية أنه «يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام». <br />
<br />
فنظرية الإسلام في المال إذن تنص على حق الملكية في الانتفاع ، على أنها مقيدة بما قد يتخذه الحكام من إجراءات الضرورة والمصلحة العامة. <br />
<br />
فللجماعة بواسطة ممثليها من الحكام أن ترفع يد مالك المنفعة عن المال إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة بشرط أن تعوضه عن ملكية المنفعة تعويضا مناسبا إذ الإسلام لا يجيز الغصب ، ولا يحل أخذ المال بغير طيب نفس صاحبه. <br />
<br />
فإن للجماعة بواسطة ممثليها أن تنظم طريقة الانتفاع بالمال إذ المال وأن كان لله إلا أنه جعله لمنفعة الجماعة. والقاعدة في الإسلام أن ما ينسب من الحقوق لله&nbsp; إنما هو لمنفعة الجماعة وهي التي تشرف عليه دون الأفراد . <br />
<br />
فيجوز لها بواسطة ممثليها أن تحدد ما يملكه الشخص من مال معين إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة كتحديد الملكية الزراعية بقدر معين. ومن حق الحكومة الإسلامية أن تقتطع من الثروات والأموال التي في يد الأفراد ما تراه كافيا لإعلاء كلمة الله ، ويستوي أن يصرف في الأعداد للعدو أو دفعه أو رفع مستوى البشر عامة علميا واجتماعيا أو رياضيا&nbsp; ، وللحكومة الإسلامية أن تأخذ من أموال الأغنياء ما يكفي حاجة الفقراء ، فإن لم تفعل فقد عصت أمر الله وحرمت ذوي الحاجة حقوقهم&nbsp; ، وهذا نوع من أجبار الأغنياء على كفالة الفقراء؛ يقول الرسول عليه السلام ، «في المال حق سوى الزكاة» ويقول علي بن أبي طالب «إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم ، فإن جاءوا أو عروا فيمنع الأغنياء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه». <br />
<br />
وهو ما استند إليه الفقهاء ، من بينهم ابن حزم في قوله «وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكاة بهم ولا في سائر أموال المسلمين بهم ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف يمثل ذلك ، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة&nbsp; ، وهذا من فروض الكفاية&nbsp; دفع الضرر. ولكن هل المراد دفع الضرر من ذكر ما يسد الرمق أم الكفاية. <br />
<br />
قولان أصحهما ثانيهما كما ذهب النووي -فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف ، ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناها كأجرة طبيب وثمن دواء وخادم منقطع كما هو واضح . <br />
<br />
ولم يكتف ابن حزم بما ذهب إليه بل انفرد برأي تأثر فيه بما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري «عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه». وقد ذهب في المحلي أن للفقير الجائع أن يقاتل الغني إذا منع المال عنه ليدفع عن نفسه الموت من الجوع وهذا الرأي لم يقبل به جمهور الفقهاء لأن شرط الدفاع عن النفس غير متوافر في مثل هذه الحالة. فالجائع يعفي شرعا من العقوبة إذا سرق عند الضرورة القطعية ، لا إذا ارتكب جناية القتل <br />
<br />
وهكذا جعل الإسلام التكافل الاجتماعي نظاما عمليا يقوم به الأغنياء بحقوق الفقراء ، فإذا لم تسع تكفلت الدولة للأفراد من بيت المال وفي السوابق ما يؤيد هذا الحق ، فالخليفة عمر بن الخطاب يضع منهجا قويما في حقوق الأفراد في بيت المال فيقول «.. فالرجل وبلاؤه ، والرجل وقدمه ، والرجل وحاجته» وفي عام الرمادة حيث عم القحط كان يصنع الطعام للمحتاجين ، وينادي مناديه «من أحب أن يحضر طعاما فيأكل فليفعل ، ومن أحب أن يأخذ ما يكفيه وأهله فليأخذه» وفي ذلك كان يستشعر حديث الرسول «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير على الناس راع وهو مسؤول عنهم». ويقول النووي في شرح هذا الحديث «قال العلماء&nbsp;: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره. <br />
<br />
ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته . <br />
<br />
وقد أباح الإسلام نزع الملكية الفردية وذلك في حالتين ، الحالة الأولى إذا أساء صاحبها -أي صاحب الانتفاع بها- استخدام حقه فيها ولم يكن ثمة وسيلة أخرى لمنعه من ذلك. كما ذهب الإسلام إلى نزع الملكية الفردية وجعلها ملكية جماعية وتخصيصها وتقييد الانتفاع بها إذا اقتضى ذلك الصالح العام أي إذا اقتضت ذلك حاجة المرافق العامة بتعبير القانون المعاصر أو اقتضاء صالح الجماعة. <br />
<br />
ذلك عن حقوق الملكية الفردية والقيود التي ترد عليها ، فما هي الملكية العامة ، نص الفقهاء على إخراج الأشياء التي لا يتوقف وجودها والانتفاع بها على مجهود خاص وتكون ضرورية لجميع الناس من نطاق الملكية الفردية وأوجبوا أن تكون ملكيتها ملكية جماعية. <br />
<br />
وقد عد الرسول من هذا النوع أربعة أشياء وهي الماء والكلأ والنار والملح فقال «الناس شركاء في ثلاثة» الماء والكلأ والنار&nbsp; <br />
<br />
والمراد بالنار مواد الوقود التي لا يتوقف وجودها ولا الانتفاع بها على مجهود خاص ، والمراد بالملح ، النوع الذي يظهر في الجبال والصحاري ، ويمكن الحصول عليها بدون مشقة ولا علاج خاص «فمن ورده من الناس أخذه ، وهو مثل الماء العد» أي مثل الماء الجاري ، الذي لا تنقطع مادته. وقد خصت الأحاديث هذه الأنواع الأربعة لأنها كانت من ضروريات الحياة الاجتماعية في البيئة العربية ، والضرورات تختلف باختلاف البيئات والعصور ، والقياس وهو أحد أصول التشريع الإسلامي قد ينفسح لسواها عند التطبيق مما تتوافر فيه صفاتها ، وهي الحاجة والضرورة العامة. وقاس الإمام مالك على الأمور المنصوص عليها في الأحاديث السابق ذكرها ، ما يوجد في باطن الأرض من معادن صلبة أو سائلة. <br />
<br />
فهو يرى أن جميع ما يعثر عليه من هذا القبيل يكون ملكا خالصا لبيت المال (أي الدولة) ، فتكون ملكيته ملكية جماعية ولو وجد في أرض مملوكة لفرد. <br />
<br />
وحجته في ذلك أن مالك الأرض إنما يملك ظاهرها دون باطنها ، ولأنه يملك ما تستعمل فيه الأرض عادة وهو الزرع والبناء وليس من الانتفاع المعتاد بالأرض استخراج المعادن فيها. ولأن المعادن هي وديعة الله في أرضه فتكون لكل خلقه لا يختص بها إنسان دون آخر. ولأنها من الأمور ذات النفع العام فهي تشبه تلك التي ذكر الرسول أنه لا يصح أن يستأثر بها أحد يتملكه إياها ، ولأنها لا توجد في مواطن خاصة؛ فلو أجيز تملكها فرديا لنال الناس من جراء ذلك ضرر كبير. وما ذهب إليه الإمام مالك من رأي في هذا الصدد هو أمثل الآراء في اتساقه مع روح الشريعة الإسلامية ، كما تتفق آراء كثير من الفقهاء مع رأي الإمام مالك ، فذهب الشافعي أن «كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو موميا (وهو نوع من الدواء) أو حجارة ظاهرة في غير ملك أحد ، فليس لأحد أن يتحجرها دون غيره ، ولا لسلطان أن يمنعها لنفسه ولا لخاص من الناس. <br />
<br />
ولو تحجر رجل لنفسه من هذا شيئا أو منعه من له سلطان كان ظالما . <br />
<br />
كما يقول الكاساني من الحنفية «وأرض الملح والقار والنفط (البترول) ونحوها مما لا يستغني عنها المسلمون ، لا يجوز للإمام أن يعطيها لأحد ، لأنها حق لعامة المسلمين ، وفي الإقطاع إبطال لحقهم ، وهذا لا يجوز» . <br />
<br />
وقال ابن قدامة وهو من كبار أئمة الحنابلة&nbsp;: «أن المعادن التي ينتابها الناس وينتفعون بها من غير مئونة كالملح والماء والكبريت والفار والمومياء والنفط ، وأشباه ذلك لا يجوز احتجازها دون المسلمين لأن فيه ضررا بهم وتضييقا عليهم» . <br />
<br />
وقد عرضنا سابقا لما ذهب إليه الإخوان من الدعوة إلى تأميم الموارد العامة ووسائل الإنتاج الرئيسية كالماء والنور والوقود (الكهرباء والفحم والبترول) وموارد النقل العامة وامتياز شركة قناة السويس ، كذلك كل ما يؤدي إلى الاحتكار يجب أن يبقى ملكا للشعب . <br />
<br />
فالاحتكار كما يعرفه الفقهاء هو شراء الشيء وجنسه ليقل بين الناس ويغلو سعره ويصيبهم ذلك الضرر. وقد نهى عنه الشارع وحرمه لما فيه من جشع وتضييق على الناس. وروى أبو داود والترمذي ومسلم عن معمر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال&nbsp;: «من احتكر فهو خاطئ». وروى أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال&nbsp;: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه». <br />
<br />
وذكر رزين في جامعه أن الرسول عليه السلام قال&nbsp;: «بئس العبد المحتكر&nbsp;: أن سمع برخص ساءه ، وأن سمع بغلاء فرح». وروى ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون». <br />
<br />
والجالب هو الذي يجلب السلع ويبيعها بربح يسير. وروى أحمد والطبراني عن معقل بن يسار أن النبي قال&nbsp;: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة». وقد ذهب الفقهاء إلى أن الاحتكار المحرم هو الاحتكار الذي توافرت فيه الشروط الثلاثة الآتية&nbsp;: <br />
<br />
1-أن يكون الشيء المحتكر فاضلا عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة ، لأنه يجوز أن يدخر الإنسان نفقته ونفقة أهله هذه المدة كما كان يفعل الرسول. <br />
<br />
2-أن يكون قد انتظر الوقت الذي تغلو فيه السلع ليبيع بالثمن الفاحش لشدة الحاجة إليه. <br />
<br />
3-أن يكون الاحتكار في الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى المواد المحتكرة من الطعام والثياب وغير ذلك فلو كانت هذه المواد لدى عدد من التجار ولكن لا يحتاج الناس إليها فإن ذلك لا يعد احتكارا ، حيث لا ضرر يقع بالناس. فإذا توافرت تلك الشروط كان لولي الأمر أو من يفوضه كالمحتسب أن يمنع احتكار الطعام ، وإلزام التجار المحتكرين بيعه إجبارا . <br />
<br />
ذلك عن الاحتكار وحكمه فما بال التسعير وهو وضع ثمن محدد للسلع التي يراد بيعها بحيث لا يظلم المالك ولا يرهق المشتري. هل يحق للحاكم التدخل في تحديد سعر السلع؟ قد استنبط العلماء من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أصحاب السنن بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال&nbsp;: قال الناس&nbsp;: يا رسول الله ، غلا السعر فسعِّر لنا ، فقال الرسول&nbsp;: «أن الله هو المسعر ، القابض الباسط الرازق. <br />
<br />
وإني لأرجو أن ألقي الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» ، حرمة تدخل الحاكم في تحديد سعر لأن ذلك مظنة الظلم ، والناس أحرار في المعاملات المالية ، والحجر عليهم مناف لهذه الحرية. <br />
<br />
ومراعاة مصلحة المشتري في هذا الشأن ليست أولى من مراعاة مصلحة البائع. فإذا تقابل الأمران وجب تمكين الطرفين من الاجتهاد في مصلحتيهما. قال الشوكاني&nbsp;: «إن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم ، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن». وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم ، وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به منافيا لقول الله تعالى ﴿إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾. <br />
<br />
ثم أن التسعير يؤدي إلى اختفاء السلع ، وذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتلك تضر بالفقراء فلا يستطيعون شراءها بينما يقوي الأغنياء على شرائها من السوق الخفية بغبن فاحش ، فيقع كل منهما في الضيق والحرج ولا تحقق لهما مصلحة.. على أن التجار إذا ظلموا وتعدوا تعديا فاحشا وجب على الحاكم أن يتدخل ويحدد السعر صيانة لحقوق الناس ، ومنعا للاحتكار ، ودفعا للظلم الواقع عليهم من جشع التجار ولذلك يرى الإمام مالك جواز التسعير ، كما يرى بعض الشافعية جوازه أيضا في حالة الغلاء. <br />
<br />
كما ذهب إلى إجازته أيضا في السلع جماعة من أئمة الزيدية ومنهم سعيد بن المسيب ، وربيعة بن عبد الرحمن ويحيى بن سعد الأنصاري ، كلهم يرون جواز التسعير إذا دعت مصلحة الجماعة ذلك. <br />
<br />
قال صاحب الهداية&nbsp;: «ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس ، فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون في القيمة تعديا فاحشا ، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير ، فحينئذ لا بأس به بمشورة من أهل الرأي والبصر». <br />
<br />
كما قرر ابن تيمية التسعير في الأموال والأعمال في كثير من الحالات ، كأن يمتنع أرباب السلع عن بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة ، أو أن يختص بشراء طعام وبيعه ، فهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل ، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل. <br />
<br />
أو أن يحتاج الناس إلى سلاح للجهاد. فعلى أهل السلاح أن يبيعوه بعرض المثل ، أو أن يحتاج الناس إلى الصناعة والفلاحة والحياكة فيجبر أهلها عليها ويقدر لهم أجرة المثل ، أو إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك ، فيسعر بأجرة المثل . <br />
<br />
وهكذا قامت المعاملات على الدين والمصلحة والمنفعة المتبادلة دون ضرر ولا ضرار ولا جور ولا تضييق. ومن ذلك ينفرد الإسلام بخاصية تميزه عن المذاهب الاجتماعية السائدة في عالم اليوم. <br />
<br />
والأولى منها تبشر بالحرية ولو أدى إلى عدم المساواة ، وأخرى تنادي بالمساواة والعدالة الاجتماعية ولو كان في ذلك تضحية بالحرية الفردية والكرامة الإنسانية ، أما الإسلام ، فلا ينتمي إلى واحد من هذين الصفين المتنازعين ، ولا يصح من ثم أن يسمى بأحد الأسماء التي تطلق عادة على مذاهبهما المختلفة. بل هو منهج فريد يقف من هذا الصراع موقفا وسطا. فهو مع تقريره الحرية الفردية يضع المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية. <br />
<br />
وهو مع قوله بالمساواة والعدالة الاجتماعية يحترم الحقوق الفردية ويحميها. وقد آثرنا معالجة حرية التفكير والاعتقاد والتدين كما قررها نص المادة 88 بعد عرضنا لغيرها من الحريات لما يقتضيه التعليق. <br />
<br />
وهذا النص قد جاء وفقا لما هو مقرر في شريعة الإسلام التي أباحت حرية الاعتقاد فلكل إنسان أن يعتنق من العقائد ما شاء ، وليس لأحد أن يحمله على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها. وقد راعى الإسلام ذلك مع أهل الذمة -وهم غير المسلمين- وهم يعدون كما يعبر الفقهاء الأسلاميون&nbsp; الأقدمون من أهل دار الإسلام أو كما يذهب المعاصرون&nbsp; من حاملي الجنسية الإسلامية. وقد كان عقد الذمة -الذي نعرض له بإيجاز عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم وبتمتعهم بحماية الجماعة الإسلامية ورعايتها بشرط بذلهم الجزية ، والتزامهم أحكام القانون الإسلامي في غير الشؤون الدينية. <br />
<br />
وهم ما بذلوا الجزية إلا لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا كما ورد عن الإمام علي ابن أبي طالب . <br />
<br />
<br>والجزية ضريبة كالخراج تجبي على الأشخاص لا على الأرض والكلمة عربية مشتقة من الجزاء لأنها تدفع نظير شيء هو الحماية والمنعة ، أو الإعفاء من ضريبة الدم والجندية ، وذهب بعض العلماء إلى أنها فارسية معربة وأصلها (كزيت) ومعناها الخراج الذي يستعان به على الحرب. وقيل أن كسرى هو أول من وضع الجزية ، وعلى هذا فهي نظام في الضريبة نقله الإسلام عن الفارسية ولم يبتكره.<br> <br />
<br />
ولقد قرر الإسلام ضريبة الجزية على غير المسلمين -أوائل عهده- في البلاد التي يفتحها نظير قيام الجند الإسلامي بحمايتهم وحراسة أموالهم والدفاع عنهم في الوقت الذي قرر فيه إعفاءهم من الجندية. <br />
<br />
فهي بدل نقدي لضريبة الدم. وهي في فرضها ليست عامة ، بل فرضت على كل قادر على حمل السلاح من الرجال ، فلا وجبت على امرأة ولا صبي ولا الشيخ الكبير ولا الراهب المنقطع للعبادة . <br />
<br />
وقد سلك الإسلام هذا السبيل ولجأ إليه من باب التخفيف عليهم والرحمة بهم وعدم الإحراج لهم حتى لا يلزمهم أن يقاتلوا في صفوف المسلمين فيتهم بأنه إنما يريد لهم الموت والاستئصال والفناء والتعريض لمخاطر الحرب والقتال ، فهي في الحقيقة «امتياز في صورة ضريبة» وفي الوقت نفسه احتياط لتنقية صفوف المجاهدين في أوائل عهد الإسلام من غير ذوي الحماسة المؤمنة. ومقتضى هذا أن غير المسلمين من أبناء البلاد التي تدخل تحت حكم الإسلام إذا دخلوا في الجند واشتركوا في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام أسقط الإمام (أو الحاكم) عنهم الجزية. <br />
<br />
وقد جرى العمل على هذا في كثير من البلاد التي فتحها خلفاء الإسلام ، وسجل ذلك قواد الجيوش الإسلامية في كتب ومعاهدات يحفظها لنا التاريخ ومنها&nbsp;: كتاب خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا حين دخل الفرات وأوغل فيه وهذا نصه&nbsp;: «هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه أني عاهدتكم على الجزية والمنعة (أي الدفاع) فلك الذمة والمنعة (وما منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا) كتب سنة اثنتي عشر في صفر. وفي حمص رد الأمراء بأمر أبي عبيدة ما كانوا أخذوه من الجزية من أهلها وما إليها حين جلوا عنها ليتجمعوا لقتال الروم ، وقالوا لأهل البلاد إنما رددنا عليكم أموالهم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع وأنكم قد اشترطتم أن نمنعكم وأنا لا نقدر على ذلك الآن وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم أن نصرنا الله عليهم ، فكان جواب أهل هذه البلاد ردكم الله علينا ونصركم عليهم فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئا وأخذوا كل شيء ، لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ، وكذلك فعل أبو عبيدة نفسه مع دمشق حين كان يتجهز لليرموك. كتاب العهد الذي كتبه سويد بن مقرن أحد قواد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرزبان وأهل دهيستان وسائر أهل جرجان ونصه «هذا كتاب سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزبان وأهل دهيستان وسائر أهل جرجان أن لكم الذمة وعلينا المنعة ، على أن عليكم من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حال ، ومن استعنا به منكم فله جزاؤه (أي جزيته) في معونته عوضا عن جزائه. <br />
<br />
ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومالهم وشرائعهم ولا يغير شيء من ذلك شهد سواد بن قطبة و هند بن عمر وسماك بن مخرمة وعتبة بن النهاس وكتب في سنة 18 هجرية. كتاب عتبة بن فرقد أحد عمال عمر بن الخطاب وهذا نصه&nbsp;: «هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان ، سهلها وجبلها وحواشيها وشعارها وأهل مللها كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم على أن يؤدوا جزية على قدر طاقتهم ، ومن حشر منهم في سنة (أي جند منهم في سنة وضع عنه الجزاء تلك السنة ، ومن أقام فله مثل من أقام من ذلك. <br />
<br />
العهد الذي كان بين سراقه عامل وعمر وبين شهربراز وقد كتب به سراقة إلى عمر فأجازه واستحسنه وهذا نصه&nbsp;: «هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شهر براز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان. <br />
<br />
أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وملتهم ألا يضاروا ولا ينقضوا ، وعلى أرمينية والأبواب الطراء منهم (أي الغرباء) والقناء (أي المقيمون) ومن حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة وينفذوا لكل أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحا على أن يوضع الجزاء (أي الجزية) عمن أجاب إلى ذلك ، ومن استغنى عنهم منهم وقعد فعليه مثل ما على أذربيجان من الجزاء فإن حشروا (أي جندوا) وضع ذلك عنهم «شهد عبد الرحمن بن ربيعة وسلمان بن ربيعة ويكبر بن عبد الله وكتب مرضى بن مقرن وشهد . <br />
<br />
وأخيرا نذكر أمر الجراجمة فيما ذكره البلاذري فقال حدثني مشايخ من أهل أنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل لكام عند معدن الزاج فيما بين بباس وبوقا يقال لها الجرجومة ، وأن أمرهم كان في استيلاء الروم على الشام وأنطاكية إلى بطريرك أنطاكية وواليها ، فلما قدم أبو عبيدة إلى أنطاكية وفتحها لزما مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذ خافوا على أنفسهم فلم يتنبه المسلمون لهم ولم ينتبهوا عليهم. <br />
<br />
ثم أن أهل أنطاكية نقضوا وغدروا فوجه إليهم أبو عبيدة من فتحها ثانية وولاها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهري فغزى الجرجومة فلم يقاتله أهلها ولكنهم بدروا بطلب الأمان والصلح فصالحوا على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا ومسالح في جبل لكام وألا يؤخذوا بالجزية ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح. ولم يؤخذ الجرجمة بالجزية قط حتى أن بعض العمال في عهد الواثق العباسي ألزمهم جزية رؤوسهم فرفعوا ذلك إليه فأمر بإسقاطها عنهم. <br />
<br />
والحرية الشخصية لغير المسلمين مضمونة لا تقل عن حرية مواطنيهم المسلمين وفي حديث الرسول ما يؤكد ذلك فيقول&nbsp;: «من آذى ذميا فأنا خصمه ، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة» . <br />
<br />
وقد جاءت أقوال الفقهاء صريحة في وجوب تأمين الحماية لهم ورحمة إيذائهم. يقول القرافي&nbsp;: «فمن اعتدى عليهم -أي على أهل الذمة- ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك ، فقد ضيع ذمة الله وذمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وذمة دين الإسلام» . <br />
<br />
وذكر ابن حزم في مراتب الإجماع «أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه ، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك ، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة». <br />
<br />
ولغير المسلمين إنشاء كنائسهم وبيعهم فلا تتعرض الدولة الإسلامية لهم في عقيدتهم وعبادتهم وفي كتاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأهل نجران&nbsp;: «ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- رسول الله على أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم». <br />
<br />
وأمر المسلمون بتركهم وما يدينون ، فليس لهم في أحوالهم الشخصية والاجتماعية أن يتنازعوا عما أحله لهم دينهم وأن كان قد حرمه الإسلام كما في الزواج والطلاق وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر ، فهذان الأخيران عندهم مال متقوم والمجوسي الذي يتزوج أحدى محارمه ، واليهودي الذي يتزوج بنت أخته ، لا يتدخل الإسلام في شؤونهم هذه ما داموا يعتقدون حلها. ذلك ذكر من بعض ونحيل إلى كتب الفقهاء بما فيها من تفصيلات في ذلك عن حقوق أهل الذمة كما وردت ، فما الواجب عليهم ألا وهو احترام شعور المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم ، وأن يراعوا الدولة التي تظلهم بحمايتها ورعايتها. <br />
<br />
وقد يقول قائل فما بال حقوق الأقليات في مشروع الدستور المقترح وقد نص في مادته الأولى أن مصر دولة إسلامية حكومتها نيابية؟ <br />
<br />
نجيب أن العبرة بالمضامين التي احتوتها نصوصه وليس بالتسميات ، ذلك أن المشروع وقد نص في مادته 97 على أن «الإسلام دين الدولة» -وقد درجت على ذلك دساتير 1923 و 11930 و 1956 وغيرها- فإنه يلحظ أنه لم ترد في مواده تفرقة مما درج عليها تقسيم الفقهاء الأقدمين ، فهو مشروع وضع لدولة قومية يعيش فيها مسلمون وغير مسلمين تجمعهم رابطة انتماء لبلد ، فما اشترط في عضو مجلس الأمة انتماء لدين ، بل نص كما هو واضح في المادة الرابعة أن يكون مصريا ، وما قررته المادة 25 باختيار رئيس للدولة المصرية ، وما نص عليه من المساواة دون تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين وفقا لنص المادة 77 ، والمواد التي سبق تناولها وهي كلها لا تحد من الحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد إلا فيما يخل بحقوق الغير وحماية للنظام العام والأخلاق. والجميع -وهم أهل للجنسية المصرية كما تنص المادة 96 على أن يحددها القانون -متساوون في الحقوق والواجبات ، سواء الواجبات المالية أو في أداء الخدمة العسكرية وقد نصت المادة 73 على أنها إلزامية للمصريين جميعا فليست فيها تفرقة أو فرض جزية. وما رأينا إسقاطا لشبهتها إلا أنها فرضت في مقابل ما قام به المسلمون الأولون في واجب الدفاع ، وتسقط باشتراك من فرضت عليه في هذا الواجب كما عرضنا له سابقا. <br />
<br />
فحاملو الجنسية الإسلامية أو من كان يطلق عليهم أهل دار الإسلام وكما جاء في مشروع الدستور المقترح جميعا مواطنون لهم ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات ، ولم يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية كما يحلو للبعض أن يسمى. <br />
<br />
والجميع -وهم أهل للجنسية المصرية ، متساوون في الحقوق ، سواء منها العامة أو ما يندرج تحت الحقوق السياسية ، فلهم حق تولي الوظائف العامة وحق الانتخاب وحق الترشيح ، ولم يرد في نصوص مشروع الدستور المقترح ما يقيد هذا الحق. فلم يفرق بين مواطن وآخر ، ولم يشترط في الوزير إلا ما اشترطه في عضو مجلس الأمة أن يكون مصريا حسن السمعة.. <br />
<br />
أما ما ورد في كتب الفقهاء الأقدمين ، فمن يطالعها يجد تسامحا ما بلغته الدول المعاصرة -فلأهل الذمة&nbsp; الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين إلا ما غلب عليها الصبغة الدينية كالإمامة- أي رئاسة الدولة وما عدا ذلك جاز إسناده إليهم إذا تحققت فيهم الشروط التي لا بد منها من الكفاية والأمانة والإخلاص للدولة ، وقد صرح بعض الفقهاء مثل الماوردي في كتابه «الأحكام السلطانية» بجواز تقليدهم وزارة التنفيذ ، وقد تولى الوزارة كثير من النصارى في عهد الدولتين الأموية والعباسية وما تلاهما من دول... <br />
<br />
والإسلام كما سبق أن ذكرنا لا يكره إنسانا ما على تبديل عقيدته وقد بلغت رعاية الفقه الإسلامي في ذلك سموا سامقا لا نحسب أن تشريعا آخر قد بلغه. فالشافعي يقول في مسألة إسلام أحد الزوجين غير المسلمين لا يعرض الإسلام على الزوج الآخر خلافا للحنفية الذين يرون العرض وحجته في ذلك «أن في هذا العرض تعرضا لهم وقد ضمنا بعقد الذمة ألا نتعرض لهم . <br />
<br />
ويجب ألا نخلط في هذا الشأن أي حرية العقيدة وعقوبة المرتد ، أي عقوبة المسلم إذا خرج من الإسلام ، فهذا شيء يغاير حرية العقيدة. <br />
<br />
فالمسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام الإسلام وعقيدته. <br />
<br />
فإذا ارتد فقد أخل بهذا الالتزام وأساء إلى الدولة التي هو عضو الجماعة المسلمة فيها وهي الأمة ويكون بذلك قد تجرأ عليها فيستحق العقاب. <br />
<br />
وقد اختلف في أمره بين ارتكابه المعصية وارتكابه الكبيرة وللفقهاء في هذا الشأن شروط نحيل فيها إلى كتبهم. <br />
<br />
والمرتد هو المسلم الذي غير دينه ، فالردة مقصورة على المسلمين ولا يعتبر مرتدا من يغير دينه من غير المسلمين. ويعتبر المرتد مهدر الدم في الشريعة من وجهين ، أولههما أنه كان معصوما بالإسلام فلما ارتد زالت عصمته فأصبح مهدرا ، وثانيهما أن عقوبة المرتد في الشريعة القتل حدا لا تعزيرا لقوله عليه الصلاة والسلام&nbsp;: «لا يحل قتل امرئ إلا بإحدى ثلاث&nbsp;: كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل نفس بغير نفس» ولقوله&nbsp;: «من بدل دينه فاقتلوه». <br />
<br />
فعقوبة الردة عقوبة متلفة وعلى هذا تعتبر الردة من الجرائم المهدرة إذا نظر إلى عقوبتها ، ولكن لما كان أساس الردة هو الرجوع عن الإسلام وهو الأصل في العصمة فقد نظر في الإهدار إلى الوجه الأول دون الثاني. <br />
<br />
ويشترط الفقهاء قبل الحكم بعقوبة الردة أن يستتاب المرتد ويعرض عليه الإسلام من جديد ، فإن لم يتب قتل حدا <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== حرية الرأي والتعبير ====<br />
<br />
نصت المادة 89 «لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير «فلكل إنسان الأعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو بالتصوير. ويدخل في إطار ذلك التعبير في الأنشطة الفنية كدور المسرح والسينما والصحافة وغيرها من أدوات التعبير عن الرأي كما يدخل في إطار هذه المادة التعبير بأية لغة يريدها الفرد وقد تتناول صور التعبير الأمور السياسية والأدبية أو الدينية ولا يرد عليها قيد إلا نص المادة 94- التي سنعالجها من بعد- كغيرها من الحقوق والحريات. <br />
<br />
وقد عالجت هذه الصور المادة 89 مخالفة بذلك ما أورده دستور 1923 حيث كان يعالجها في المواد 14 و 15 و 16. فالمادة 14 منه كانت تنص «حرية الرأي مكفولة. ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون» والمادة 15 كانت تنص «الصحافة حرة في حدود القانون. <br />
<br />
والرقابة على الصحف محظورة. وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي» والمادة 16 كانت تنص «لا يسوغ تقييد حرية أحد في استعماله أية لغة أراد في المعاملات الخاصة أو التجارية أو في الأمور الدينية أو في الصحف والمطبوعات أيا كان نوعها أو في الاجتماعات العامة». <br />
<br />
والتعبير عن هذا الرأي له في نظرنا تقديران متباينان ، هناك رأي عام لأولى الحل والعقد وأهل الرأي من العلماء في الأمة ، وهو ما يعرف في أصول التشريع بالإجماع. <br />
<br />
وهذا النوع يرجع إليه في التشريع فيما لم ينص عليه الكتاب والسنة وهو حجة في الأحكام الشرعية ، ومصدر من مصادر الأدلة الإسلامية وهناك رأي عام التعبير عنه يكون من حق كل فرد مهما اختلفت سعة معرفته وهو من علامات المجتمع الصالح وأمارات الأمة الرشيدة. ومن العبث المفضوح أن تقرر الدولة الأخذ بمبدأ الشورى وهي تسطو على حرية الرأي فتسلبها من الأفراد. <br />
<br />
فالرأي العام إذا كان جريئا لا يخشى في الحق صولة صائل ، ولا يعرف في سبيل المصلحة العامة مداهنة ، ولا يدين بتسامح ولا هوادة في حقوق المجتمع ، وتنفيذ شرائع دينه ، فهو عنوان نضج الأمة ودليل استقامة الرأي فيها ، واستحقاقها للحياة الحرة الكريمة وقد روى البيهقي في الشعب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-&nbsp;: «لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق ألا تكلم به ، فإنه لن يقدم ذلك من أجله ، ولن يحرمه رزقا هو له». <br />
<br />
ولا ريب أن للإنسان ناحيتين في حياته&nbsp;: ناحية ذاتية تتميز بها صفاته وتظهر بها عواطفه ومقدرته وناحية أخرى اجتماعية هي التي تتكيف بها أفعاله ومعاملاته مع المجتمع الذي يعيش فيه. <br />
<br />
وإذا كانت حرية التعبير عن الأولى هي إحدى النتائج لوجود الحريات الاجتماعية فإن العكس أيضا صحيح ، فالأخيرة تميد نطاق التعبير عن الناحية الذاتية بإتمام العلائق بين الأفراد وحرية الاجتماع والتي يخرج عن نطاقها دون شك الاجتماع لمشاركة في تصرفات مالية (كتأسيس شركات التي ينطبق عليها القانون التجاري والتشريع المدني) كذلك فيخرج عن نطاقها الانضمام إلى النقابات للدفاع عن المصالح المهنية. وهذا الحق قد تضمنته المادة 90 بنصها «لكل فرد الحق في حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية». <br />
<br />
والقانونيون يفرقون في هذا الشأن بين الاجتماعات العامة والإضرابات والتجمهر فالأولى الاجتماعات العامة Les reunions publiques يصدق عليها المصطلح الأول المنصوص عليه في المادة وهي حرية الاجتماع ، إذ هي لا تخرج عن كونها تجمع مؤقت لمجموعة من الناس بهدف التعبير عن رأي أو الدفاع عن مصالح (يخرج بطبيعة الحال المصالح المهنية إذ أن نطاق التعبير عنها هو النقابات) والثانية الإضرابات Les manifestations تتفق مع الأولى في خاصية التنظيم لتجمع مؤقت لكن تفترق عنها في كونها للتعبير عن احتجاج أو إنكار تصرف. وحيث أنها تخرج في العادة عن إطار أماكن التجمع فإنه تتخذ إزاءها إجراءات أكثر جدية ، لذلك تشترط بعض القوانين في البلاد المختلفة إخطار سلطات الأمن مسبقا وبمدة تتفاوت من تشريع إلى آخر عن الهدف من الإضرابات ونطاق السير للتعبير عنها مثلما جرت عليه فرنسا منذ عام 1935 وهناك من تحرمه بين الدول المختلفة. <br />
<br />
أما الثالثة التجمهرات Les attroupements فإنها تتفق مع الأولى في أنها تجمع مؤقت وتختلف عنها في كونها بدون تنظيم هيئة أو جماعة وتتفق مع الثانية في كونها تعبير عن غضب واحتجاج أو إنكار تصرف ، ولما كانت تخرج عن إطار أماكن التجمع فإنها تعكر الأمن العام لما قد يندس بين هؤلاء من يهدف إلى التدمير ، لذلك فإنه يتخذ إزاءها إجراءات أكثر شدة مما ينتج عنه حق السلطة الإدارية (السلطة العامة) في اتخاذ إجراءات التفريق بالقوة والعنف حالة الدفاع الشرعي والمسؤولية المدنية والجنائية لمن قادها أو شارك فيها. <br />
<br />
كما نصت المادة على حق كل فرد في تكوين الجمعيات السلمية وقد تكون هذه من الجمعيات الخيرية أو الجمعيات ذات النفع العام أدبية أو رياضية ، وهي تخرج من تعريفها الجمعيات التي تتكون لغرض غير مشروع فهي مخالفة بلا شك للقانون وبالتالي تهدر هذا الحق. <br />
<br />
والمادة الواردة في مشروع الدستور المقترح تجمع نص المادتين 20 و 21 من دستور 1923 «للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحا. وليس لأحد من رجال البوليس أن يحضر اجتماعهم ولا حاجة بهم إلى أشعاره. لكن هذا الحكم لا يجري على الاجتماعات العامة فإنها خاضعة لأحكام القانون. كما أنه لا يقيد أو يمنع أي تدبير يتخذ لوقاية النظام الاجتماعي». <br />
<br />
وتنص المادة 21 من الدستور السابق «للمصريين حق تكوين الجمعيات. وكيفية استعمال هذا الحق بينها القانون». <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== حق المقاومة ====<br />
<br />
نصت المادة 91 من مشروع الدستور المقترح على أول حقوق المواطنة التي تفترق عن حقوق الأفراد ، وتلك الأخيرة يتمتع بها كل إنسان يعيش على إقليم الدولة مواطنا أو غيره ممن أذن له بالإقامة ، أما الأولى فهي قاصرة على المواطنين وحدهم. فنصت المادة «مقاومة جور الحكام تعتبر بالنسبة لكل مواطن ولجميع المواطنين أقدس الحقوق وألزم الواجبات». وهذا النص قد أخذت به أيضا وثيقة الثورة الفرنسية عن حقوق الإنسان الصادرة عام 1789 بما أوردته في المادة الثانية منها التي أخذ عنها كذلك الدستور الفرنسي الصادر في 4 يونيو عام 1793. <br />
<br />
وبتبني مشروع الدستور المقترح هذا الحق فإنه قد خالف الدساتير الديمقراطية المعاصرة قاطبة التي ترى في مباشرة هذا الحق الطبيعي جريمة تهدد سلامة الجماعة وأمنها. <br />
<br />
والجماعة لا يمكن تصور قيامها دون سلطة حاكمة تنظمها وتضع القواعد لها ، ومن ثم فإن الحكومة هي مظهر للاجتماع البشري ، والحاكم في الدولة يتولى سلطاته بإرادة الرعية. وللحاكم كل ما للأفراد من الحقوق ، ولكن له حق الأمر عليهم ، واستعمال هذا الحق يؤدي إلى ترتيب واجب على الأفراد هو واجب الطاعة. وحق الأمر وواجب الطاعة كلاهما مقيد غير مطلق ، فليس لأمر أن يأمر بما يخالف الشريعة العامة والمبادئ التي تقوم عليها ، وليس لمأمور أن يستطيع فيما يخالف تلك الشريعة العامة وما يقوم عليها من مبادئ سواء كان موظفا أو غير موظف وذلك ظاهر من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وقوله عليه السلام «من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه». <br />
<br />
فأمر الحاكم لا يخلي المأمور من المسؤولية ولو كان المأمور موظفا. إذا أمر الرئيس مرؤوسه بعمل مخالف للشريعة فأتاه وهو عالم بأنه غير مباح له كان على المرؤوس عقوبة الفعل الذي أتاه ، لأن أمر الرئيس في هذه الحالة يعتبر أمرا غير ملزم لا تجب طاعته ، لأنه صدر فيما لا سلطان للرئيس فيه وليس للمرؤوس أن ينفذه ، فإن نفذه حمل مسؤوليته. <br />
<br />
وإذا كان الفعل محرما ولكن المأمور لا يعلم بذلك ونفذه طاعة للأمر معتقدا أنه غير محرم ، فلا مسؤولية على المأمور لحسن نيته بشرط أن يكون الفعل داخلا في اختصاص الآمر ، إذ من الواجب على المأمور أن يطيع رئيسه فيما ليس بمعصية . <br />
<br />
وإذا كان الفعل محرما ، فهل يخضع له الفرد موضوع الفعل؟ الإجابة هي النفي. فيحق لهذا الفرد الدفاع الشرعي لتجاوز القائم على تنفيذ الأمر حدود الشرعية أو إذا تعدى حدود وظيفته وتعسف في استعمالها يفقد ما تخوله له وظيفته العامة من حقوق وأصبح للفرد موضوع الفعل حق الدفاع إذا أن الطاعة التي ذكرها القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ . <br />
<br />
كما يقول أبو السعود في تفسيره هي الطاعة الواجبة على الإنسان إزاء السلطة التي تمارس اختصاصها في حدود الشرع ، فهي إذن ليست طاعة سلبية عمياء تلك التي يفرضها القرآن على المؤمنين ، إنما هي طاعة إيجابية حيال سلطة محددة الاختصاصات وأصبحت المقاومة حقا شرعيا لدفع تجاوزها وهذا ما ذهب إليه ابن عابدين من أن استخدام العنف يصبح مشروعا لدفع أفعال عمال السلطة حيث لا تجدي وسيلة أخرى لدفعه . <br />
<br />
'''هذا عن عمال السلطة التنفيذية فما بال الحاكم؟''' <br />
<br />
سلطة رئيس الدولة كما يبين من مشروع الدستور المقترح ليست مطلقة بل هي سلطة مقيدة بنصوص الشريعة ومبادئها العامة. فهو إذ كان صاحب سلطة تنفيذية قوية كما ظهر لنا من دراستنا لاختصاصات السلطة التنفيذية فإن سلطته مقيدة بحدود هذه الاختصاصات وأن جار قامت مسؤوليته. وهذه المسؤولية تقوم قبل السلطة التشريعية وهي مجلس الأمة ، غير أن المادة 91 قد خولت أيضا المواطنين حق مقاومة جوره. فالمركز القانوني لرئيس الدولة هو مركز الوكيل بالنسبة للأمة فلها ، والفرد واحد منها ، حق مراقبته وسائر ولاته في أعمالهم وتصرفاتهم في شؤون الدولة. وهي تستمد هذا الحق من طبيعة علاقة الوكالة ، فهي التي اختارته ، ولأن من يملك التعيين يملك العزل ، والأمة التي اختارته تملك تنحيته إذا خرج عن حدود ولايته ، وقد رسم مشروع الدستور المسؤولية السياسية لرئيس الدولة والاقتراع على فقد الثقة. <br />
<br />
غير أن المادة 91 تحدد حق مقاومة جور الحاكم الذي هو أقدس الحقوق فهل يترتب عليه أيضا العزل؟ الإجابة لا شك بالإيجاب. نستأنس في ذلك بما أوردته ديباجة المشروع بنصها أنه يعتمد في جوهره على الإسلام ، فهو مستمد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين. <br />
<br />
فطاعة الأمة ليست سلبية بل هي طاعة في معروف استشعرها خليفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر حيث خطب فقال «أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم أن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني- أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم». <br />
<br />
ومن حق الأمة تقديم النصح لحاكمها ناذا زل فليتب كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «ومن اخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة ، فإن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق». <br />
<br />
'''فإذا أقدم الحاكم على المنكر فما هي وسائل دفعه؟''' <br />
<br />
قد حصر بعض الفقهاء الوسائل الصالحة لدفع المنكر في سبع وسائل وهي&nbsp;: التعريف ، والنهي بالنصح والوعظ ، والتعنيف ، والتغيير باليد ، والتهديد بالضرب والقتل ، وإيقاع الضرب والقتل ، والاستعانة بالغير. وقد أجاز الفقهاء استعمال هذه الوسائل في حق الكافة عدا الوالدين والزوج والحاكم ، فليس للرعية على الحاكم إلا التعريف والنهي بالموعظة والنصح ، أما التغيير باليد -في هذه المرحلة وهي البدء في الإقدام على المنكر- فالرأي الراجح أنه غير جائز ، لأنه يفضي إلى خرق هيبته وإسقاط حرمته وذلك محظور لقوله عليه الصلاة والسلام&nbsp;: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علنية ، وليأخذ بيده فليخل به وإن قبلها قبلها ، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له». <br />
<br />
فإذا لج الحاكم في الحور بحيث أبعد عن طريق الطاعة ، فالرأي الغالب لدى الجمهور هو أن ينعزل الحاكم بالجور ، ومن ثم فلا يجب الخروج عليه في غير ذلك يقصد عزله وتولية غيره ، لأن إباحة الخروج عليه تدعو إلى عدم الاستقرار وكثرة الفتن واضطراب أمور الناس. والأقلية تذهب أن للأمة خلع الإمام (الحاكم) وعزله بسبب يوجبه ، وأنه ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، فإذا وجد من الإمام ما يوجب اختلال الأموال وانتكاس أمور الدين كان للأمة خلعه كما كان لها نصبه ، وإذا أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى المضرتين ، وهناك من يرى خلعه إذا لم يستلزم فتنة . <br />
<br />
'''وما الحكم إذا لم يتيسر عزل الحاكم بغير القوة؟''' <br />
<br />
اختلف الفقهاء في جواز تنفيذ العزل عن طريق الثورة المسلحة ودرسوا ذلك تحت عنوان الخروج بالسيف ، وقد ذهب فريق منهم إلى عدم وجوب الخروج وذهب الفريق الآخر إلى وجوبه. <br />
<br />
ويذهب الفريق الأول إلى حرمة الخروج وهذا رأي بعض أئمة أهل السنة الشافعي وأحمد بن حنبل الذي صرح بوجوب الصبر عند الجور ونهي عن الخروج والائتمار نهيا صريحا فلقد روى عنه «الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور ، ولا يخرج على الأمراء بالسيف وأن جاروا». <br />
<br />
كما روى عن الإمام مالك قوله «من قام على إمام يريد إزالة ما بيده أن كان -أي المقوم عليه- مثل عمر بن عبد العزيز ، وجب على الناس الذب عنه والقيام معه أما غيره فلا ، دعه وما يراد منه ينتقم الله من ظالم بظالم». <br />
<br />
وعند هذا الفريق أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه ، وأن السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية ، وأن الإمام يكون عادلا ويكون غير عادل ، وليس لنا إزالته وأن كان فاسقا. وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه» . <br />
<br />
وهذا الرأي قالت به أيضا الروافض من الشيعة إذ أجمعت على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك ، واستندت في ذلك إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يأمره الله بالقتال- كان محرما على أصحابه أن يقاتلوا . <br />
<br />
ويستند هذا الفريق على بعض أحاديث رويت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- منها «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية». <br />
<br />
ومنها «سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر مسلم ولكن من رضي وبايع ، قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما ضلوا ونحوه». <br />
<br />
وما روى سأل سلمة بن زيد الجعفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يا نبي الله أرأيت أن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ، فأعرض عنه ، ثم سأله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم». <br />
<br />
'''القائلون بوجوب الخروج:''' <br />
<br />
ومن هذا الفريق بعض أهل السنة والخوارج والمعتزلة والزيدية وكثير من المرجئة فعندهم أن الإمام الفاسق أو الجائر الذي لا يخضع للعزل يتعين عزله بالقوة والثورة عليه إذا اقتضى الأمر ذلك وهو ما يعبر عنه بالخروج ، وهذا ما قال به أيضا ابن حزم . <br />
<br />
وقد استند هذا الفريق إلى جملة أدلة من القرآن وسنة الرسول ، فمن القرآن يستدلون بقول الله سبحانه ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ وقول الله ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. واستدلوا من الأحاديث ما روى عن الرسول «أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» ويذهب ابن حزم أن حجج من يستندون إلى حرمة الخروج لا تسندهم فيما ذهبوا إليه لأن الرسول لا يمكن أن يأمر بالصبر على الضرر ينزل بغير حق بالمسلم في ماله أو جسمه ، وكذلك من المحال أن يتعارض مع كلام الله إذ يقول سبحانه ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. <br />
<br />
فإذا ما صحت ما يستند إليه كل فريق من أدلة كان لا بد من التماس مخرج من هذا التعارض الظاهري وفقا لما يعرفه الأصوليون في تعارض الأدلة. فالأحاديث التي يقول بها الفريق الأول لا تتوافق مع بعض الآيات في القرآن الكريم ولا نقول تعارضا حيث ينبغي أن يتساوى الدليلان -كما يقول الأصوليون- في القطعية والظنية من جهتي الثبوت والدلالة ، فلا تعارض من ثم بين هذه الآيات حيث أنها قطعية وبين هذه الأحاديث المروية وهي ليست قطعية الورود عن الرسول لأن من تلقاها عن الرسول ليس جمعا من جموع التواتر ، وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول. <br />
<br />
كذلك الأمر في شأن الحديث المروي عن الرسول «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان» والذي يستند إليه الفريق الأول القائل بالمنع. فالحديث هو من السنة المشهورة قطعية الورود عن الرسول لأن تواتر النقل يفيد الجزم بصدق الرواة بخلاف الأحاديث الأخرى وقد قدمنا إنها ليست قطعية الورود. <br />
<br />
يدفعنا إلى القول بصحة من قالوا بالخروج وهو الفريق الثاني ما روى عن عمر بن الخطاب قوله «أن رأيتموني على حق فأعينوني وأن رأيتم في اعوجاجا فقوموني» فرد عليه أعرابي قائلا «والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا» ولم يغضب عمر بل حمد الله أن جعل في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه وفي إقراره ذلك دلالة على وجوب الخروج بالسيف. <br />
<br />
وكان حريصا على إظهار معاني هذه النصوص وتثبيتها في الأذهان ، خطب يوما فقال&nbsp;: «لوددت أني وإياكم في سفينة في لجة البحر تذهب بنا شرقا وغربا فلن يعجز الناس أن يولوا رجلا منهم فإن استقام اتبعوه وأن جنف قتلوه» فقال طلحة&nbsp;: «وما عليك لو قلت وأن تعوج عزلوه» قال&nbsp;: «لا ، القتل أنكل لمن بعده» . <br />
<br />
وإذا كانت المعارضة بين حديثين ولم يوجد ما يدفعها يصار إلى أقوال الصحابة عند من يوجب العمل بأقوال الصحابة. <br />
<br />
وهذا ما ناصر فيه عمر بن الخطاب حجة الفريق القائل بالخروج. <br />
<br />
بيد أن اللجوء إلى القوة مشروط بتوافر القوة اللازمة ورجحان النجاح ، وبدون ذلك لا يجوز العنف ، لأن من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أن لا يكون العمل على إزالة المنكر مستلزما منكرا أعظم ، وعدم توافر القوة ثم إعلان الخروج على الحاكم بالسيف كما يعبر الفقهاء لا يؤدي إلا إلى سفك الدماء وخراب البلاد وكل هذه منكرات فلا يجوز مباشرة أسبابها. وفي ذلك يقول ابن خلدون في المقدمة «أن الذين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه ، والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله يكثر إتباعهم والمتشبثون بهم من الغوغاء والدهماء ، ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم وإنما أمر به حيث تكون القدرة عليه. قال -صلى الله عليه وسلم- «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان». <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== تقديم العرائض ====<br />
<br />
نصت المادة 93 «للمواطنين حق تقديم العرائض إلى الهيئات الحاكمة» وهذا الحق كما يقول ديجي القانوني الفرنسي هو أحد أشكال حرية الرأي فلكل مواطن الحرية في عرض آرائه على الجمهور وعلى ممثلي السلطة. وهذا الحق خاص بالمواطنين دون سواهم من الأفراد وهو متصل بحقوق المواطنة وقد جاء النص عاما فالهيئات الحاكمة تشمل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أي مجلس الأمة ورئيس الدولة. وهي جاءت عامة متفقة مع المادة 22 من دستور 1923 في نصها «لأفراد المصريين أن يخاطبوا السلطات العامة فيما يعرض لهم من الشؤون وذلك بكتابات موقع عليها بأسمائهم. أما مخاطبة السلطات باسم المجاميع فلا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية». <br />
<br />
وصيغة مادة المشروع توحي بأنها غير مقيدة فيجوز تقديم العرائض من المواطنين فيما يخصهم كحالات شكوى فردية كما نصت على ذلك المادة 82 من الدستور التركي أو مما يهم الصالح العام ، وقد تشمل هذه العرائض أيضا طلب تعديل بعض أحكام الدستور وتتفق في ذلك مع ما ينص عليه الدستور السويسري وإزاء عدم التخصيص فإن نص المادة 93 قد شمل ذلك أيضا. <br />
<br />
ونصت المادة 94 «لا يخضع الفرد عند مزاولة حقوقه والتمتع بحرياته السابقة إلا للقيود التي ينص عليها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياتهم واحترامها ولحماية مقتضيات الأخلاق والنظام العام والرفاهية العامة في مجتمع إسلامي ، ولا يجوز في أية حالة مزاولة هذه الحقوق والحريات على نحو يتعارض مع الإسلام نصا أو روحا». <br />
<br />
وهذا النص يظهر ولا شك أن العنصر الأخلاقي عميق في بناء المجتمع الإسلامي ، وتلك نتيجة طبيعية لانبثاقه من الشريعة الإلهية ، وارتباطه بالمبادئ الخلقية التي جاء بها الإسلام والتي تتسم بها جميع الارتباطات في ذلك المجتمع ، سواء في ذلك سلوك الفرد ومعاملات الجماعة وأنه ليصعب تفسير كثير من النظم الإسلامية بما فيها المعاملات الاقتصادية بغير النظر إلى العنصر الأخلاقي فيها واعتباره ، بل أنه ليصعب تصور النظام الإسلامي قائما في مجتمع بدون هذا العنصر الأصيل. <br />
<br />
والحدود والتعزيرات كلها مستمدة من هذا العنصر ، وهي وسيلة من وسائل حماية أخلاق الجماعة. <br />
<br />
ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة أو الأولى فالإسلام نظام وقائي في هذا الجانب ، يعمل على تربية ضمير الفرد بتقوى الله ويعمل على توفير الضمانات للفرد كي لا يعتدي ، ثم في النهاية يأخذه بالحدود والتعزيرات عند الضرورة ، وبعد اتخاذ جميع خطوات الوقاية والعلاج ، قبل الالتجاء إلى العقاب. ومن ثم يتسم المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع فاضل ، للعنصر الأخلاقي فيه دخل كبير في إقامته وفي المحافظة على كيانه ، وله دخل كبير في كل قوانينه وتشريعاته وتوجيهاته .. <br />
<br />
على أنه قد تقتضي بعض الظروف تعطيل هذه الحريات لذلك نصت المادة 95 «لا يجوز تعطيل هذه الحريات إلا بقانون ويكون ذلك لمدة معينة ولظروف تقتضيها سلامة الدولة». <br />
<br />
فجواز التعطيل لم يرد بصورة مطلقة بل قيد بالتأقيت والظروف التي تقتضيها. وإطلاق هذا التعطيل في رأينا فيه تسليط للسيف على الرقاب وإهدار للحريات ، وفيه إطلاق ليد الحاكم وتعسفه في استعمال سلطته. وهذا ما ذهب إليه القضاء المصري الذي كانت تفخر به مصر وتعتز في حكمه&nbsp;: <br />
<br />
«أن تعطيل أحكام الدستور بمقتضى نظام الأحكام العرفية طبقا للمادة 155 من الدستور (دستور 1923) لا يكون إلا وقتيا مما يخرج منه بداهة أن يتحول تعطيل حق المصريين في تكوين الجمعيات وغيرها وهو حق كفله الدستور إلى إعدام أصل الحق في ذاته بصفة دائمة ونهائية.. <br />
<br />
«وإن نظام الأحكام العرفية -وإن كان نظاما استثنائيا- إلا أنه ليس بالنظام المطلق. بل هو نظام خاضع للقانون ، وضع الدستور أساسه فوجب أن يكون الإجراء الذي تتخذه السلطة القائمة عليه بالقدر الذي يسمح به القانون وإلا كان ما يتخذ من التدابير والإجراءات مجاوزا للحدود ، مخالفا للقانون تنبسط عليه رقابة المحكمة فتقضي بإلغائه فيما جاوز تلك الحدود . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== أحكاما عامة وأخرى وقتية ===<br />
<br />
والأولى قد نظمت الجنسية المصرية كما ذكرتها المادة (96) الجنسية المصرية يحددها القانون . <br />
<br />
والمادة 97 قد نصت على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية» . <br />
<br />
وهي مادة نجد شبيهها في بعض الدساتير المعاصرة منها الدستور التركي الصادر عام 1924 وقبل تعديله سنة 1928 حيث ألغيت صبغته الإسلامية زمن مصطفى كمال أتاتورك. كذلك في المادة 45 من الدستور البرتغالي وقد نصت على أن «الكاثوليكية دين الدولة» والمادة الأولى من الدستور اليوناني الصادر عام 1911 وعنه أخذت الدساتير اليونانية المتعاقبة وقد نصت على أن «مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية هي الديانة الرسمية لليونان». وما تشير إليه المادة 3 من دستور الدانمرك من أن «الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الوطنية الدانمركية» وهو ما يعني الانتصار للمذهب البروتستانتي وكذلك نص المادة الخامسة من الدستور عينه» من انتماء الملك إلى الكنيسة الإنجيلية اللوثرية». وما أوردته المادة السابعة من الدستور الإيطالي الصادر في 22 ديسمبر 1947 بنصها «إن الكاثوليكية هي دين الدولة» وقد ظلت تؤكد ما ورد في اتفاقية بينهما في 18 فبراير 1984 ، ولم تعد الكاثوليكية بموجبه دين الدولة. ونجد نصوصا مشابهة في دساتير السويد والنرويج وأسبانيا وفي الدستور الروماني قبيل قيام النظام الماركسي فيها كما نجد إثارة لها في بعض النصوص المعاصرة لدول أمريكا اللاتينية.. <br />
<br />
كذلك نصت المادة الأنفة الذكر أن «اللغة العربية هي اللغة الرسمية». وهي تذكرنا بنصوص واردة في الدستور التركي بنصه في المادة الثانية أن اللغة التركية هي اللغة الرسمية للدولة». كذلك المادة الثامنة من الدستور النمساوي بنصها «إن اللغة الألمانية هي لغة الجمهورية». والمادة 116 من الدستور السويسري التي تحدد لغات الاتحاد السويسري الرسمية وهي الألمانية والفرنسية والإيطالية.. <br />
<br />
وتأثروا بما في دعوة الإخوان المسلمين من العمومية التي لا تنتسب إلى طائفة خاصة. فهم يرون أن الخلاف في فروع الدين هو أمر لا بد منه للاختلاف في قوة الاستنباط أو ضعفه وأن الإجماع على أمر واحد مطلب مستحيل. <br />
<br />
فلا يتعصب المسلم لمذهب ويتسمى به ، فقد نصت المادة 98 من المشروع على أن «الإسلام لا يعترف داخله بالفرق والطوائف الدينية». وهذا النص جاء تأكيدا للقاء بين المذاهب الإسلامية والتقريب بينها بعد الصدع الذي نال من الإسلام وتفرق المؤمنين به. <br />
<br />
وهو الصدع الذي بدأ في عهد خلافة الإمام علي بن أبي طالب بين مشايعيه والخوارج ، وكلا الفريقين قد تنازعا فيه. وهما أقدم الفرق السياسية والدينية في الإسلام وأبرزهما أثرا في تاريخه ، نشأتا في حضن حزب واحد هو حزب أنصار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب فتعاديتا فيما بينهما ، ثم شاءت ظروف الخصومة المشتركة بينهما زمن الأمويين أن يتحالفا معا على مضض ولكن مبادئ كل فريق كانت في تعارض تام مع مبادئ الآخر. <br />
<br />
وقد كانت هناك أسباب ظاهرة وأخرى كامنة في هذا الخروج. والأولى هي مسألة التحكيم أبان المعركة الفاصلة بين أنصار علي بن أبي طالب وأنصار معاوية بن أبي سفيان إذ رضي علي الخليفة كارها بالتحكيم صونا للأمة من التفرق والنزاع. ولكن الخوارج قد انتهى التحكيم إلى مأساة لصاحبهم كما ترويها كتب التاريخ -ثاروا على نتيجة التحكيم. بيد أن هذا السبب الظاهر الذي يأخذ بتفسيره كثير من مؤرخي الإسلام الأول هو أوهى الأسباب فإن نزعة الخروج كانت كامنة في النفوس بسبب ما آل إليه أمر الخلافة على عهد عثمان بن عفان الخليفة الثالث. وما انتهى إليه أمر الجماعة الإسلامية بعد مقتله من تفرق إلى فريقين متعارضين متحاربين لا لسبب من أسباب الدين بل لأسباب الدنيا والحكم ومغانمه والتطلع إلى السيطرة والرئاسة ، كل هذا ولم يمض على وفاة الرسول إلا ثلاثون عاما مما كان في الواقع انحرافا لجوهر الإسلام بوصفه دينا وعقيدة لا مذهبا في السياسة تنتحله أحزاب متعارضة. <br />
<br />
أحس بهذا نفر من المستمسكين بالعقيدة الدينية في صفائها الخالص بمعزل عن كل سياسة ، فانتهزوا فرصة التحكيم وكشفوا عما كان بيدر في نفوسهم من ثورة على ما آلة إليه أوضاع الخلافة والحكم على عهد عثمان وفي خلافة علي القصيرة ، فكان هذا هو الدافع الأصيل لنشأة الخوارج وليس مسألة التحكيم. ومن هنا كان ما ذهبوا إليه تعبيرا عن تيار عميق الشعور في النفوس ، ومن هنا أيضا كانوا يمثلون تيارا أصيلا في طبيعة تطور أي دين وأن اختلفت الأسماء في الأديان المختلفة ، وكان لا بد من ظهوره في أوقات متباينة على مر العصور ، وأن لم ينتحل أصحابه هذا الاسم صراحة نظرا لاعتبارات سياسية أو ملابسات وضعية. <br />
<br />
وخلاصة هذا التيار العودة إلى الكلمة الأصيلة للدين معبرا عنها في كتاب الله الذي أتى به دون تأويل ولا ترخص بل يتشدد في الفهم لا يقبل التواء ولا مساومة ، ولهذا يدعو إلى الطاعة لما ورد في هذا الكتاب أو ما أتى به صاحب هذا الدين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قواعد وأحكام وسلوك. وهم يتشددون في المسك به ضد جميع الفرق والأحزاب التي بدت لهم أنها قد حادت أو تأولت عليه ولذا كان مذهب الخوارج ضد كل الفرق الأخرى. <br />
<br />
ففي الإمامة كانوا ضد المرجئة الذين أرجأوا الحكم إلى الله ليحكم بين الناس يوم القيامة معترفين كارهين بالأوضاع التي أملتها القوة أو فرضها حد السيف ، وكانوا في فترة لاحقة ضد الشيعة الذين يقولون بأن الإمامة وراثية في أبناء علي بن أبي طالب. <br />
<br />
وقد ذهبوا في نزعتهم إلى مذهب ديمقراطي أصيل -بالتعبير المعاصر- ثاروا بها على النزعة الارستقراطية التي أراد أهل قريش فرضها في اختيار الخليفة باستنادهم على أن «الأئمة من قريش» فقرر الخوارج أن الإمامة إنما تحق لمن تختاره الجماعة أيا كان ولو كان عبدا أسود وأن من حق الأمة إسقاط الإمام (الخليفة أو الحاكم) الذي يحيد عن الطريق الذي سنه الله ورسوله. هم لهذا يطلقون على من يختار إماما لقب أمير المؤمنين ولم يعترفوا بالخلافة إلا لأبي بكر وعمر بن الخطاب أما عثمان فلا يعترفون بشرعية خلافته إلا في السنوات الست الأولى منها ، وعلي اعترفوا بشرعية خلافته حتى معركة صفين. <br />
<br />
وفي السلوك الإنساني كانوا ضد جميع الفرق الأخرى فلا يبررون بالإيمان الأعمال المنافية لما يقتضيه نص الكتاب والسنة إنما العبرة بالعمل. <br />
<br />
وقد انقسم الخوارج إلى الأزارقة والصفرية والبهسية والنجدات وكلها بادت. ويذهب فريق من المؤرخين والمستشرقين إلى اعتبار الإباضية إحدى فرق الخوارج بينما تنكر كتب فقهائهم صلتهم بهؤلاء . <br />
<br />
وكان طبيعيا أن تؤدي هذه المبادئ العامة في السياسة والسلوك إلى إيجاد مذاهب نظرية تقوم على فلسفة الأساس التي تقوم عليها فكان عن ذلك ما عرف في علم الكلام باسم مقالات الخوارج ومقالات الشيعة.. وقد قام كل فريق للانتقاض على السلطة الحاكمة ، سلطة الأمويين التي استندت إلى حكم القوة وبطشها ولم تكن تستند إلى ديمقراطية الانتخاب العام بإجماع الأمة لأصلح الناس للإمامة كما ذهب إلى ذلك الخوارج ، كذلك إلى اغتصابهم الملك لأنفسهم ضد شرعية آل علي بن أبي طالب في نظر الشيعة.. <br />
<br />
ولما كانت الإمامة لدى هؤلاء الأخيرين ثبتت بالنص والتعيين دون الاختيار فقد ذهبوا أول عهدهم إلى القول بالنص على محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب وهؤلاء هم الكيسانية وقال البعض الآخر بالنص على الحسن والحسين وهؤلاء هم غالبية الشيعة واختلفوا فيما بعد ، فقد أجرى بعضهم الإمامة في أولاد الحسن وهو ما ذهب إليه الرافضة وأجراها البعض الآخر في أولاد الحسين زين العابدين وقال فريق ثالث وهم الأمامية بإمامة محمد بن علي الباقر نصا عليه ثم جعفر الصادق وصية إليه. واختلفت الأمامية فيها بينها وتفرقت إلى فرعين رئيسيين الأمامية السبعية القائلين بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وهو مذهب الإسماعيلية ، والفرع الآخر هو الاثنا عشرية الذين يقولون بإمامة محمد بن الحسن العسكري بن علي بن محمد بن علي الرضا. <br />
<br />
وقد تطور الخلاف منذ البداية حول الإمامة وتمخض عن الصراع السياسي ظهور فرق ومذاهب أصولية نترك الحكم عليها. وقد انتشرت آراء هذه الفرق -التي نشأت أصلا من الاختلاف حول الإمامة- في ربوع العالم الإسلامي ولا تزال قائمة بين ظهرانينا اختلط فيها ركام من العقائد والتصورات والفلسفات والأساطير والأفكار والأوهام.. والشعائر والتقاليد يختلط فيها الحق بالباطل ، والصحيح بالزائف ، والدين بالخرافة ، والفلسفة بالأسطورة مما أبعد هذه الفرق عن عقيدة الإسلام وكمالها وتناسقها؛ ساعد على ذلك أن هذه الحركات الباطنية -التي أظهرت منذ قديم الإسلام- قد بدأت في القرن الثاني الهجري من مزيج من نحل هرطقية متطرفة كان بعضها من أصول فارسية قديمة أو سريانية غنوصية مكن لها الموالي والديالم الذين ظاهروا فريقا على آخر مما أشبعت نوازعها نحو الثأر من سيطرة الجنس العربي والانتقام النفسي للنقص الذي عاناه إزاء العنصر المتفوق -في نظرهم- زمن الأمويين. <br />
<br />
وقد كان هؤلاء تحت تأثير الأفكار الهندية قبل الإسلام بعهد طويل والتي رانت على ضميرها البشري وكانوا يميلون إلى القول في ملوكهم أو الشاهنشاه هو تجسيد لروح الله التي تتنقل في أصلاب الملوك من الآباء إلى الأبناء. ومن هنا نفهم ظهور مذاهب العلويين وهم غلاة الشيعة الذين ألهوا عليا وقالوا بعصمة الإمام وبأن كل شيء بالتعليم لا بالتحصيل العقلي. <br />
<br />
وهذا التعليم مصدره الإمام المعصوم وحده ، ومن هنا اقترن به الخوارق ولابد لهم أيضا من أجل ذلك أن ينتحل زعماؤهم صفات النبوة والرسالة بل أحيانا الألوهية فالروح القدس قد حلت فيهم على التناسخ الواحد عقب الآخر. والإمام لذلك مصيب في جميع أحواله وأقواله. والأحكام كلها ترجع إليه فلا اجتهاد في أمور الدين. ولما ضعف أمر السلسلة انتهت إلى أغرب حلقاتها وآخرها أعني إلى إمام طفل غاب وينتظرون رجعته فهو الغائب المنتظر الذي سيظهر ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا ، فهذا هو المهدي المنتظر الذي تقدمت البشارة به. وكان طبيعيا أن يختلفوا في هذه الحلقة الأخيرة فالاثنا عشرية يسوقونها إلى الإمام الثاني عشر محمد القائم المنتظر بن الحسن العسكري بن علي بن محمد بن علي الرضا (نصت المادة الثانية من دستور جمهورية إيران الصادر عام 1979 على أن نظامها يقوم على قاعدة الإيمان... فالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساسي في ديمومة الثورة الإسلامية (الفقرة الخامسة) كما نصت المادة الخامسة من الدستور عينه على «تكون ولاية الأمر والأمة- في غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه..) «أما الإسماعيلية من الشيعة السبعية فقد انقسموا بعد الخليفة الفاطمي الثامن المستنصر بالله إلى فرعين ، الإسماعيليون الشرقيون من جهة وهم إسماعيليو بلاد فارس وكان مركزهم الرئيسي في قلعة الموت ويطلقون عليهم في الهند الخوجا وهم يعتبرون الأغاخان رئيسا لهم (الذي يعد من سلالة نزار من فرقة الحشاشين التي تزعمها الحسن بن الصباح في القرن الحادي عشر) وهناك إسماعيليو مصر واليمن زمن الخلافة الفاطمية التي اندثرت منذ عهد بعيد وهؤلاء قالوا بإمامة المستعلي بالله الابن الثاني للمستنصر بالله وآخر إمام عندهم هو الإمام الفاطمي أبو القاسم الطيب ابن الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله المتوفي في عام 524 هجرية. <br />
<br />
فيكون هذا الإمام الأخير هو الإمام الحادي والعشرين في السلسلة الأمامية التي ابتدأت بعلي بن أبي طالب ولكنه اختفى وهو مازال طفلا وينادي أتباع هذا الفرع من الإسماعيلية ويدعون في الهند باسم البهرة بوجوب غيبة الإمام مع كل ما تحمله هذه الغيبة من معان ميتافيزيقية. كما أنهم يعلنون ولاءهم للداعي (داعي البهرة المطلق اليوم هو الدكتور طاهر سيف الدين ويقيم في الهند ويعتبر نائب الغيبة وهو في عرفهم ممثل الإمام الغائب. وقد ذكرنا أن نشأة هذه الفرق وانتشارها بين الديالم واقترانها بعقائد وأساطير وأوهام احتفظت بهرطقتها وقامت على الباطنية وتبنتها أساسا لها فالتكتم من أولى شعائرهم وطريقتهم طلسم والنحلة سر من الأسرار والإنكار والتقية درع. <br />
<br />
فالكتمان أحد واجبات الإيمان المفروضة عليهم وهي من أسس العقيدة الإسماعيلية الباطنية التي كانت تبالغ في التستر والباطنية ومما لا ريب فيه هي الأصل لهذه النزعات الغريبة في الدين. <br />
<br />
وقد تفرع هؤلاء الغلاة إلى القاديانية والنصيرية وهم ينعتون الإمام علي بن أبي طالب بنعوت وأوصاف الألوهية والشبك من هذه الفرق ومذهب الدروز الذين يصفون أنفسهم بمذهب الموحدين ويذهبون إلى تأليه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وأخيرا البهائية التي أعلنت بخلاف الفرق السابقة خروجها السافر على الإسلام ونسخت سائر الأديان واعتبر أصحابها أن الدين البهائي هو البوتقة التي انصهرت فيها سائر الأديان السابقة. <br />
<br />
وهذه وتلك فرق ومذاهب يحمل أهلها اسم الإسلام ، أما عقائدهم وطقوس عبادتهم فيمكن بسهولة أن تربطها بوثنيات فارس والهند واتجاهات المسيحية واليهودية كما تذهب في ذلك بعض الفرق إلى الاعتراف والتثليث وعقائد الإغريق والرومان والأقدمين. وهي ترجع إلى ما بعد هزيمة الفرس والروم فقد ظلت الحروب قائمة بين أصحاب المجد القديم والدين الزاحف المنتصر ، تأخذ صورا عنيفة في ميدان القتال ، أو تتستر وراء مذاهب وفرق تحاول أن تعود بالمسلمين إلى الجاهلية مرة أخرى.. ولا نغمط في ذلك دور اليهود في تأليب الأمصار وهي عداوات تمتد جذورها إلى صدر الإسلام فقاموا بتأليب الأمصار على عثمان بن عفان وتولى عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر باعتناق الإسلام كبر هذه الفتنة ، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر ، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل الكوفة والبصرة ، فتمالئوا على ذلك وتكاتبوا فيه ، وتواعدوا أن يجتمعوا في الإنكار على عثمان ، وعلت الموجة المسمومة حتى طوت الخليفة ذا النورين ، وسجلت في تاريخ الإسلام صفحة دامية تركت أثرها العميق في نفوس أبنائه.. <br />
<br />
ثم كان عبد الله بن سبأ كبر فتنة الغلو في علي بن أبي طالب الذي تبرأ منها وسائر الأئمة كما يظهر ذلك من مطالعة كتب الرجال الرواة عند الشيعة وهو دور قد لعبه اليهود في تاريخ الإسلام وسعوا في نشر الحركات الباطنية ومنها الإسماعيلية زمن الخلافة الفاطمية ودور ابن كلس اليهودي وزير ذلك العهد معروف. ودور اليهود في ذلك يشهد به المستشرقون النزاء . <br />
<br />
وفكرة المهدي والمهدية التي قال بها الشيعة لا تختلف عما يقول به بعض السنين ، وقد لعبت دورا كبيرا في الإسلام من القرن الأول إلى اليوم ، وسبب انتشارها بين بعض العقول كما يقول المرحوم الدكتور أحمد أمين يرجع إلى شيئين&nbsp;: الأول أن نفسية الناس تكره الظلم وتحب العدل ، سنتهم في جميع الأزمنة والأمكنة ، فإذا لم يتحقق العدل في زمنهم لأي سبب من الأسباب اشرأبت نفوسهم لحاكم عادل تتحقق فيه العدالة بجميع أشكالها ، فمن الناس من لجأ إلى الخيال يعيش فيه وألف في ذلك اليوتوبيا أو المدن الفاضلة على حد تعبير الفارابي ، وخلق من خياله دنيا ونظاما عادلا كل العدالة ، خاليا من الظلم كل الخلو ، وعاش فيه بخياله ينعم بالعدل الخيالي ، فقد روى لنا في الشرق والغرب يوتوبيات كثيرة على نمط جمهورية أفلاطون ، ومنهم من نزع إلى الثورة يريد رفع هذه المظالم وتحقيق العدالة الاجتماعية في الدنيا الواقعة ، فلما عجزوا عن تحقيقها أملوها ، وإذا جاءت هذه الفكرة عن طريق الدين كان الناس لها أكثر حماسة وغيرة وأملا ، فوجدوا في فكرة المهدي ما يحقق أملهم. ولذلك كثرت هذه الفكرة في الأديان المختلفة من يهودية ونصرانية وإسلام ، فاعتقد اليهود رجوع إيليا واعتقد المسيحيون والمسلمون رجوع عيسى بن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما. ولعلهم رمزوا إلى العدالة بالمسيح وإلى الظلم بالمسيح الدجال وسلطوا المسيح على المسيخ فقتله إيماء بأن العدل يسود والظلم يموت وفقا للأمل. <br />
<br />
والثاني أن الدنيا في الشرق والغرب مملوءة ظلما وذلك في كل العصور ، وقد حاول الناس كثيرا أن يزيلوا الظلم عنهم ويعيشوا عيشة سعيدة في جو مليء بالعدل فلم يفلحوا ، فلما لم يفلحوا أملوا فكان من أملهم إمام عادل ، أن لم يأت اليوم فسيأتي غدا ، وسيملأ الأرض عدلا ، وستتحقق على يديه جميع الآمال. <br />
<br />
وكلا الفريقين يستند إلى أحاديث قيل بأنها وردت في المهدي مثل ما رواه جابر قال&nbsp;: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب» ومثل ما رواه الترمذي عن النبي&nbsp;: «ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، ومثل حديث عن علي عن النبي قال&nbsp;: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي. يملؤها عدلا كما ملئت جورا» ، ومثل ما رواه الحاكم عن أم سلمة قالت&nbsp;: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر المهدي ويقول&nbsp;: هو حق وهو من بني فاطمة» ، وعن أب سعد الخدري قال&nbsp;: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم&nbsp;: المهدي مني ، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، الخ». <br />
<br />
واستغل بعض الحكام شيوع كلمة المهدي بين الناس واعتقادهم فيها فدعوا بها وهذا الفرزدوق يمدح سليمان بن عبد الملك بقوله&nbsp;: <br />
<br />
سليمان المبارك قد علمتم <br />
<br />
:::هو المهدي قد وضح السبيل<br />
<br />
'''وقوله في هشام بن عبد الملك&nbsp;:''' <br />
<br />
فقلت له الخليفة غير شك <br />
<br />
:::هو المهدي والحكم الرشيد<br />
<br />
ولما زالت دولة الأمويين وتأسست دولة العباسيين جاء المنصور واستغل فكرة المهدي وشيوعها بين الناس فلقب ابنه بالمهدي على أساسها ودعا إليه على أنه المهدي المنتظر ليحيط الخلافة بالسلطان الدنيوي والتقديس الديني.. وقد ضعف ابن خلدون فيما عقده من فصل المهدي أسانيد هذه الأحاديث ، وروى حكايات عن جماعات كثيرة قالوا بدعوى المهدية وأن أكثرهم فشل في دعوته فقتل أو هرب ، ثم ذكر علاقة فكرة المهدي بالمتصوفة التي تسربت إلى تعاليمهم فقال&nbsp;: «أن المتقدمين منهم لم يكونوا يخوضون في شيء من هذا وإنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال ثم كان كلام الأمامية من الشيعة في تفضيل علي والقول بإمامته وإدعاء الوصية له ثم حدث بعد ذلك القول بالإمام المعصوم ، وجاء آخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بواسطة التناسخ ، وآخرون يدعون ألوهية الإمام بنوع من الحلول فتسرب هذا إلى الصوفية أيضا فقالوا بالقطب وقالوا بالحلول كالذي كان من الحلاج وأشباهه ويقول أن المتصوفة الذين عاصروا ابن خلدون أكثرهم يشيرون إلى رجل مجدد لأحكام الملة ومراسم الحق ويتحينون ظهوره.. ومن رأيه أن من نجح من دعاة المهدية يرجع نجاحه لا إلى أسباب دينية وتنبؤات ونحو ذلك وإنما يرجع إلى أن له عصبية قوية تحميه وتدافع عنه كالذي حدث للفاطميين والقرامطة وغيرهم ، وأما من فشل منهم ففشله يعود إلى ضعف عصبيته ، والمهدية قامت على أساس هذه العصبية وقد قواها الصاق المهدية بالدين ، والناس للدين أكثر انقيادا. وعلى ذلك لنا أن نفهم نشأة بعض هذه الجماعات وضعفها آخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي كالسنوسية وقد كان أشهر دعاة المهدية في العصور الحديثة محمد المهدي السنوسي الذي ورد عنه في كتاب «الدرة الفردية في بيان الطريقة السنوسية» أن غيابه عن الأعيان لحكمة أرادها الواحد المنان ضحوة يوم الأحد 24 سفر سنة 1320 ، وثانيها المهدية بالسودان ومؤسسها محمد بن عبد الله الذي ولد بدنقلة ، وثالثة ظهرت بالصومال حيث اعتنق محمد بن عبد الله حسن فكرة المهدية ودعا إليها وسرعان ما اكتسب نفوذا في قبيلته ولكن الحكومة البريطانية قضت عليه سريعا باكتسابها له واستخدامها إياه في تهدئة الثورات التي تقوم حولها وأخيرا في أثناء الحرب العالمية الأولى استطاع الإيطاليون هناك أن يقضوا على سلطته ومات سنة 1920 ، ومن عجب أن كل من رفع لواء المهدية كان ينسب نفسه وأسرته إلى نسل رسول الله ، وما علموا أن رسول الله ما عاش مترفا كما عاش بعض هؤلاء المدعين فكثرت لديهم الأموال من بؤس الأتباع ، وما عاش -صلى الله عليه وسلم- ظالما كما عاش أولئك الذين لم يملئوا الأرض عدلا كما ملئت ظلما على حساب دعواهم ، بل كان مثلهم مثل غيرهم وكانوا في مدة حكمهم محتاجين هم أنفسهم إلى مهدي آخر يذهب بظلمهم. <br />
<br />
وهي صورة لما سببته فكرة المهدية وقد تباينت أشكالها من العنف كالحشاشين أو المسالمة كمهدي الصومال وما أثرت في الأمة الإسلامية بنشر الأوهام بين بعض أبنائها من الدهماء ممن ضعف فيهم الرشد. <br />
<br />
تلك شذرات أردنا بها أن نذكر الذين يدينون بالإسلام بما حل بهم ففرقهم طوائف وفرقا وقد آن الأوان أن ينبذ المسلمون هذه الدواهي ويستمسكوا بكتاب ربهم ويعتصموا بسنة نبيهم ويلوذوا بشريعتهم وذلك ما نعتقد فيما ذهب إليه مشروع الدستور بنصه في المادة 98 منه «الإسلام لا يعترف داخله بالفرق والطوائف الدينية» وهي بحسبنا أريد بها رتق ما انفتق وإصلاح لما داخل تلك الفرق من ركام هائل يتخبط في ظلمات وظنون لا يستقر منها على يقين. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الرؤساء الدينيون ====<br />
<br />
إلحاقا لما سبق بيانه من حرية الاعتقاد والتدين ومبدأ الإسلام في هذا الشأن يترك غير المسلمين وما يدينون ، نصت المادة 99 من المشروع «يترك لأفراد كل طائفة من غير المسلمين أمر اختيار الرؤساء الدينيين وفق قانون ينظم هذه الطوائف». <br />
<br />
وقد تنوعت طوائف غير المسلمين في مصر وفق أديانهم إلى طوائف اليهود وطوائف المسيحيين. كما تفرقت وفق مذاهبهم فالأول قد انقسموا إلى اليهود القرائين وهم الذين يؤمنون بالتوراة ويتبعون تعليماتهم فقط وقد ظهر المذهب القرائي في بغداد في القرن الثامن الميلادي ثم انتشر بعد ذلك بين اليهود في سوريا ومصر وغيرها وهم يرفضون التفسير الذي وضعه اليهود الحاخاميون أو الربانيون لكتابهم فيما يسمى بالتلمود وكانت هذه الطائفة الأخيرة تضم أغلبية اليهود في مصر وقد انقسموا بدورهم إلى طائفتين ، طائفة في مدينة القاهرة وأخرى في الإسكندرية ، وكان لكل واحدة منها حاخامها ومجلسها الملي المنتخب. كما انقسمت طائفة الربانيين في القاهرة إلى طائفتين بحسب العنصر المكون لها ، الأولى طائفة اليهود السفرديم أي اليهود الشرقيين الذي ينتمون في أصلهم إلى حوض البحر المتوسط وأسبانيا وإلى طائفة اليهود الأشكنازيم وهم اليهود الغربيين الذين وفدوا على مصر من أوروبا وكان لكل طائفة مجلسها الطائفي وحاخامها الخاص.. <br />
<br />
كما تنوع طوائف المسيحيين بحسب اختلافهم في طبيعة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من قائل أنه ذو مشيئة واحدة أو مشيئتين إلى كاثوليك وأرثوذكس وما أعقب النزاع الواقع في حضن الكاثوليكية إلى الإنجيليين والبروتستانت. كما تنوعت طوائفهم بحسب أصولهم التي وفدت إلى مصر إلى اللاتين والروم والسريان والكلدانيين والموارنة والأرمن وغيرها. وهم في تنوع مذاهبهم وطوائفهم تفرقوا إلى كبرى الكراسي الأسقفية وهي أربعة ، كرسي روما (الفاتيكان ويتبعه الكاثوليك واللاتين) وكرسي القسطنطينية ويتبعه الروم الأرثوذكس وكرسي أفسيس وكرسي الإسكندرية للكرازة المرقسية ويتبعه الأقباط الأرثوذكس وكنيسة الحبشة (ظلت على تبعيتها حتى قيام النظام الماركسي في أثيوبيا وانفصلت). ولكل طائفة مجلس يدير شؤون الملة التي نتسب إليها فهناك سنودس النيل لطائفة الإنجيليين (البروتستانت) والمجلس الملي للأقباط الأرثوذكس. ويحكم هذه الطوائف في العصر الحديث الخط الهمايوني الذي صدر زمن الإمبراطورية العثمانية وقد أدخلت عليه تعديلات أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهي قوانين تنظيم شؤونها واختيار الرؤساء الدينيين كالبطريركية التي عرفها ابن العسال في كتابه القوانين الذي يعتبر المرجع الأصلي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. <br />
<br />
ذكر بأن «البطريركية خلافة مسيحية في الدنيا على حراسة الدين وسياسة المؤمنين سياسة شرعية روحانية ، وتقليدها لمن يقوم بها فرض على المؤمنين واجب بالإجماع ويدل عليه الشرع والطبع.. ويشترط فيمن يستحقها أن يكون راهبا أو ممن له بعض مراتب المذيح ، ولا يصح علمانيا إلا بعد ضرورة وبعد أن يشرط على نفسه حفظ القوانين المقدسة وهذا على ما ورد في قوانين اثناسيوس بطرك القسطنطينية ، وهو مستقر في بيعتنا أعني أن يكون راهبا أو كاهنا . <br />
<br />
ولا يجوز أن تكون هذه الرئاسة الدينية لاثنين في زمان واحد. وإذا وجد أكثر من مرشح للكرسي الشاغر تم الاختيار بالقرعة الهيكلية أي وضع أسماء المرشحين الثلاثة أصحاب أعلى الأصوات في المجمع في صندوق صغير ويتم الاقتراع على أحدهما بواسطة طفل يقوم بسحب الورقة التي تحمل اسم أحد المرشحين. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== اللاجئون السياسيون ====<br />
<br />
نصت المادة 100 من مشروع الدستور المقترح «تسليم اللاجئين السياسيين محظور مع عدم الإخلال بالاتفاقات الدولية» وقد اتفقت هذه المادة مع نص المادة 151 من دستور 1923 عدا أنها تخالفها فيما أوردته في نصها الذي أردف «الاتفاقات الدولية التي يقصد بها المحافظة على النظام الاجتماعي» الذي قصد به مناهضة الأفكار الماركسية التي وضع الدستور السابق عقب فترة نجاح الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي. أما نص مادة المشروع فقد أتى بصيغة عامة ولذلك فهو يشمل كل فرد لا يستطيع البقاء أو لا يرغب في العودة إلى بلده خشية اضطهاد من أجل ما يعتنق من مبادئ أو لانتمائه سلالة أو جماعة. كذلك فإن نص المادة يشمل كل فرد لا جنسية له. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== تعديل الدستور ====<br />
<br />
قد يكون التعديل كليا أو جزئيا ، وهو يتناول حذف أحد النصوص ونسخها أو إضافة لأحد النصوص. ولا يتم التعديل إلا بموافقة أغلبية موصوفة فيما عدا الأحكام الخاصة بالمشروعية الإسلامية العليا إذ أن شريعة الله لا تتجزأ وهي لا بد أن تكون حاكمة برد الشرع إلى الله ابتداء وأن جاز للبشر أن يشرع ابتناء وفيما لا يخالف شرع الله ، فذلك هو مضمون الشرعية في فقه الإسلام. ولا نزاع بين المسلمين جميعا في أن القرآن حجة يجب العمل بما فيه وعلى المجتهد أن يرجع إليه أولا في استنباط الأحكام ، ولا يجوز لأحد العدول عنه إلى غيره إلا إذا لم يجد مطلبه فيه ، لاعتقاد الجميع أنه كلام الله يقينا بعد نقله البنا بطريق التواتر المفيد العلم القطعي بالثبوت ، والله لا يقول إلا الحق. وهذا أمر مسلم به لا يحتاج إلى دليل ، ولذلك لم يتكلم أحد من الأصوليين على اختلاف مذاهبهم على حجيته باعتبارها أمرا لا يحتاج إلى الاستدلال مع اتفاقهم جميعا على الاستدلال على حجية غيره من الأدلة ابتداء من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سائر الأدلة الأخرى. <br />
<br />
لذلك نصت المادة 101 من مشروع الدستور المقترح «لا يجوز تنقيح حكم من أحكام هذا الدستور بتعديل أو حذف أو إضافة إلا بموافقة ثلاث أرباع الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس الأمة. ومع ذلك فإن الأحكام الخاصة بسيادة القرآن وبنظام الحكم وبحقوق الأفراد وبمبادئ الحرية والمساواة الواردة في هذا الدستور لا يجوز تنقيحها». <br />
<br />
فالأحكام الخاصة بسيادة القرآن تأكيد لالتزام الدولة الإسلامية دينا لها وهو يعني التزامها الشريعة الإسلامية شريعة لها ، إذ هي مجموعة القواعد التشريعية التي جاء بها الإسلام وأوجبها ، والقرآن هو أول الأدلة والمصادر ولهذه القواعد. <br />
<br />
كذلك فإن الأحكام الخاصة بنظام الحكم لا يجوز تعديلها. وهي تلك المتعلقة بشكل الدولة وصفتها الإسلامية والتي بينا أنها جمهورية من نوع خاص فليست ملكية وراثية حيث تنتفي مع مبدأ الإسلام في اختيار الحاكم وحصر السلطة في طبقة دون الشعب. <br />
<br />
وعماد الحكم فيه الشورى. ولذلك فهي تنتفي مع تعديل يلحقه بإحلال نظام دكتاتوري يستبد فيه الحاكم بسطوة وعنوة ، كذلك فلا يجوز تنقيح حقوق الأفراد ومبادئ الحرية والمساواة بالتعديل أو الحذف وهو ما يعني العودة إلى النظام الدستوري القديم الذي كانت تأخذ به مصر وتتبناه في العهد الملكي وهو النظام الليبرالي الذي اقتصر على ذكر الحقوق والحريات الكلاسيكية دون الاجتماعية والتي تمتعت في ظله طبقات أثرياء زادت تخمة بينما البقية من الشعب عاشت في غصة . <br />
<br />
فمن يملك اقتراح التنقيح؟ قد سكتت المادة عن بيان ذلك الأمر الذي نرجع فيه إلى القواعد العامة المنصوص عليها وهي تعطي هذا الحق لأعضاء السلطة التشريعية (مجلس النواب) ولرئيس الدولة. وقد يكون هذا الحق في اقتراح التنقيح خول إلى المواطنين بما نصت عليه المادة 93 «للمواطنين حق تقديم العرائض إلى الهيئات الحاكمة». وقد تشمل هذه العرائض اقتراح التنقيح؛ نستأنس في ذلك بالمادتين 120 و 121 من الدستور السويسري الذي نصت عليه ديباجة المشروع بذكرها أنه قد فصلت نصوصه على نحو بدا مسايرا لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة وقد نصت على هذا الدستور كما ذكرت غيره. <br />
<br />
ومن يملك سلطة التنقيح؟ قد تكون جمعية دستورية تنتخب لهذا الغرض أو قد تملكها السلطة التشريعية ذاتها. قد سكتت المادة واكتفت في هذا الشأن بأنه لا يجوز التنقيح إلا بموافقة ثلاث أرباع الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس الأمة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== في علاقة الأحكام الشرعية بأحكام القوانين ====<br />
<br />
إذا جاءت القوانين واللوائح متفقة مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية وجبت الطاعة لها ، وحقت العقوبة على من خالفها. أما إذا جاءت القوانين واللوائح مخالفة للمبادئ الشرعية وروجها التشريعية فهي قوانين ولوائح باطلة بطلانا مطلقا وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الذين يستندون إلى نصوص القرآن ، والسنة ، والإجماع. فقد جاءت الأوليان صريحة في أبطال كل ما يخالف الشريعة ، ومن ثم انعقد الإجماع على احترام هذه النصوص الصريحة وإبطال كل ما يخالفها. فمن يتحاكم إلى غير ما أنزل الله وما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه. والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله. أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة الله ، فمن آمن بالله ليس له أن يؤمن بغيره ، ولا أن يقبل حكما غير حكمه ، كذلك فليس لمؤمن أن يرضى بغير ما أنزل الله ، فإن رضيه واختاره لنفسه فهو غير مؤمن ، وقد قال الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ . <br />
<br />
ومن المتفق عليه بين المفسرين أن من يستحدث أحكاما غير ما أنزل الله ، ويترك بالحكم بها كل أو بعض ما أنزل الله من غير تأويل يعتقد صحته ، فإنه يصدق عليهم ما قاله الله سبحانه كل بحسب حاله ، فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعا ، ومن لم يحكم به لعلة أخرى غير الجحود والنكران فهو ظالم أن كان حكمه مضيعا لحق ، أو تاركا لعدل ، أو مساواة ، وإلا فهو فاسق . <br />
<br />
وكما قدمنا أن أولي الأمر ليس لهم حق التشريع المطلق ، وحقهم فيه قاصر على نوعين ، الأول&nbsp;: تشريعات تنفيذية يقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية. والثاني&nbsp;: تشريعات تنظيمية لتنظيم الجماعة وحمايتها وسد حاجاتها على أساس مبادئ الشريعة العامة ، وهذه التشريعات لا تكون إلا فيما سكتت عنه الشريعة فلم تأت بنصوص خاصة فيه ولا يمكن أن تكون فيما نصت عليه الشريعة. ويشترط في هذه التشريعات أن تكون متفقة مع مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية فهي تشريعات توضع بقصد تنفيذ مبادئ الشريعة العامة ، وإذن فهي في حقيقتها نوع آخر من التشريعات التنفيذية. <br />
<br />
وأولوا الأمر في قيامهم على هذا التشريع يقومون به إما باعتبارهم خلفاء للرسول أو نوابا عن الجماعة الإسلامية. وليس لهم بمقتضى الخلافة عن الرسول أن يخرجوا ما تدين به الجماعة وما تؤمن به بصفتهم نوابا عنها وإلا خرجوا على حدود النيابة. <br />
<br />
وأولوا الأمر في قيامهم على هذا التشريع مقيدون بما ورد على أن «الإسلام دين الدولة» ومعنى هذا النص أن النظام الأساسي الذي تقوم عليه الدولة هو الإسلام ، وأنه المصدر الذي تأخذ عنه ، والمرجع الذي تنتهي إليه ، والحاكم الذي تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه. فوجود هذا النص يقتضي أن يكون القانون الأولي بالنسبة لغيره من التشريعات فلا تحل إلا ما أحلته الشريعة ولا تحرم إلا ما حرمته. <br />
<br />
واستيفاء التشريعات المخالفة للشريعة شكلها القانون لا يمنع من أنها تشريعات باطلة بطلانا مطلقا من ناحية الموضوع ، وصحة الشكل لا يمكن أن تؤثر على بطلان الموضوع ، لأن صحة الشكل لا تحيل الحرام حلالا ، والباطل صحيحا. <br />
<br />
ولا يمتد البطلان لما يوافق الشريعة من النصوص ولو أنها أدمجت في قانون واحد أو لائحة واحدة أو قرار واحد مع غيرها من النصوص المخالفة للشريعة. فتعتبر من ثم النصوص الموافقة للشريعة صحيحة ما دامت قد صدرت من هيئة تشريعية ذات اختصاص واستوفت إجراءاتها الشكلية التي يقررها القانون. فالبطلان لا يصيب سوى الحالات التي تخالف فيها الشريعة ، أما تلك التي تتفق فيها مع الشريعة فهي صحيحة ، فأساس الصحة والبطلان يرجع إلى موافقة الشريعة أو مخالفتها ، إذ العلة -كما يقول الأصوليون- تدور مع المعلول وجودا وعد ما. <br />
<br />
ومن الأمثلة على بطلان النص الواحد في بعض الحالات وصحته في بعض الحالات الأخرى جريمة الزنا ، فعقوبتها في الشريعة -كما سبق عرضها- هي رجم الزاني المحصن ، وجلد الزاني غير المحصن ، والزنا شرعا هو إدخال الحشفة أو مقدارها في الفرج ، فما كان دون ذلك فلا حد فيه ، وإنما فيه التعزير ، فالشروع في الزنا ومقدمات الزنا مما يطلق عليه في قانون العقوبات الجرائم الماسة بالأخلاق وخدش الحياء لا يعاقب عليه بعقوبة الحد. والفعل التام لا يعاقب عليه في بعض الحالات بعقوبة الحد إذا درئ للشبهة أو حين ترتفع العقوبة. وعلى هذا فالجرائم التامة التي يجب فيها الحد لا يجوز أن تطبق عليها نصوص القانون ، لأنها تخالف حكم الشريعة ، وتعاقب بعقوبة غير عقوبتي الرجم والجلد اللتين توجبهما الشريعة ، أما الجرائم التامة التي درئ فيها الحد ، والجرائم غير التامة ، فالعقوبة عليها هي عقوبة التعزير طبقا للشريعة. والتعزير من العقوبات التي تتركها الشريعة لتصرف الهيئات التشريعية. ولما كان قانون العقوبات صادرا عن هذه الهيئات فإن عقوباته تعتبر تعازير عن الأفعال التي لا يعاقب عليها بعقوبة الحد أي بأية عقوبة مقدرة ، ومن ثم تكون نصوص قانون العقوبات باطلة في كل حالة يجب فيها الحد ، صحيحة في كل حالة تستوجب التعزير. <br />
<br />
والسرقة العادية عقوبتها القطع في الشريعة ، وعقوبتها الحبس في القانون. ولكن حد القطع لا يجب إلا في سرقة تامة توفرت فيها شروط الحد التي عرضناها آنفا ، فإذا لم تكن السرقة تامة أو لم تتوفر فيها شروط الحد فالعقوبة هي التعزير ، والعقوبة المقررة في قانون العقوبات هي عقوبة تعزيرية. ومن ثم تكون نصوص قانون العقوبات الخاصة بالسرقة باطلة في كل سرقة عادية تعاقب عليها الشريعة بالقطع ، وصحيحة في كل سرقة تعاقب عليها الشريعة بالتعزير. <br />
<br />
والقذف في الشريعة عقوبته الجلد ثمانين جلدة ، والقذف المعاقب عليه بعقوبة الحد هو الرمي بالزنا أو نفي النسب ، وما عدا ذلك لا يعتبر قذفا وإنما يعتبر سبا وعقوبته التعزير. ولما كانت الجزاءات في قانون العقوبات تعازير فإن نصوص هذا القانون الخاصة بالقذف تعتبر باطلة في كل قذف تعاقب عليه الشريعة بعقوبة الحد (أي في الرمي بالزنا) ، وتعتبر صحيحة في كل قذف أو سب تعاقب عليه الشريعة بعقوبة التعزير إلا فيما يختص بالمنع من إثبات القذف فإن الشريعة لا تمنع من إثبات ما قذف به بينما القوانين تمنع ذلك. <br />
<br />
وأكثر أحكام التشريع المدني الحديث تقابل أحكاما مماثلة لها في الفقه الإسلامي ، وهي تتضمن أيضا نصوصا تبيح استغلال الناس بعضهم لبعض كالربا ، لذلك جاءت الأولى موافقة لمبادئ الشريعة وروحها التشريعية فهي صحيحة والثانية تخالفها لما منع الشرع من استغلال الحاجات واعتبر الربا محرما تحريما مطلقا ، كما اعتبر الغبن من أسباب إبطال العقود. <br />
<br />
من ذلك يبين أن تحكيم شريعة الله هي عبادة تؤدي امتثالا لأمر الله ، وذلك هو مصدر بركتها وسرق وتها في أنفس المؤمنين بها وفي كيان الجماعة المؤمنة. <br />
<br />
ومن ثم نصت المادة 102 من مشروع الدستور المقترح «تلغي جميع النصوص التشريعية المعمول بها وقت صدور هذا الدستور المخالفة أو المجافية لأحكامه أو روحه وتستبدل بها تشريعات تساير أحكام الإسلام وتعاليمه». <br />
<br />
واعتناقا لمبدأ أن الإسلام لا يعترف داخله بالفرق والطوائف الدينية كما نصت عليه المادة 98 من مشروع الدستور فقد قرن هذا بالمادة 103 منه التي تنص «تحل جميع الطوائف الدينية الإسلامية وتنتقل أموالها إلى جهة بر يعينها قانون الحل». وهي تشمل في رأينا الفرق الدينية التي فرقت المسلمين شيعا وأحزابا كما تشمل فيما نعتقد الطرق الصوفية التي بلغت زهاء الثلاثمائة طريقة تجمع أغلبية من المريدين سمتها الجهل والأمية والفقر مما يسلس قيادها بالشعوذة الروحية التي تنافي روح الإسلام ، وقد كانت سببا لبلاء كبير في المسلمين ، وتكأة لكل أباحي يتلمس السبيل إلى نيل شهواته تحت ستار من العقائد ، أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشبهات ، أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== خلاصة ===<br />
<br />
يلاحظ من عنوان مشروع الدستور أنه صيغ بمشروع دستور إسلامي للدولة المصرية ولا نرى تعارضا لصياغته لدولة قومية مع السعي لتحقيق الوحدة العربية والسيرالي الجامعة الإسلامية. فهذا النظام لا يتنافى مع قيام جامعة إسلامية تتكون من كل الدول الإسلامية وتشرف عليها وتعمل على توحيد أغراضها واتجاهاتها نحو قيام الدولة الموحدة. <br />
<br />
ولا يتنافى مع هذا المبدأ ما دام هذا النظام يحقق الأهداف الإسلامية. فالمشروع قد أتت صياغته دستورا لدولة إسلامية وهي بطبيعتها دولة فكرية (أو بالتعبير المعاصر أيديولوجية) تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وما انبثق منها من أحكام ونظم. وهي دولة فكرة تمتد إلى المدى الذي تصل إليه عقيدتها فلا مكان فيها لامتيازات تقوم على الطبقية أو اللون أو الجنس يستطيع أن يعيش في ظلها الإنسان وأن يعيش في ظل نظامها القانوني ويصبح من رعاياها وحملة جنسيتها أو مستأمنا أو مستأمنا أذن له بالعيش والإقامة بين ظهراني مواطنيها ويبقى هو على عقيدته دون بغي أو إكراه . <br />
<br />
أما أهداف تلك الدولة فهي مشتقة من طبيعتها كدولة فكرة وتصبح من ثم أهدافها كما قدمنا هي أهداف الإسلام عينه. فلا تقصر هذه الأهداف عند توفير الأمن والطمأنينة للأفراد والمحافظة على حياتهم بدرء الخطر عنهم من أمن داخلي ورد العدوان الخارجي ، وإنما تمتد أهدافها إلى أحكام الإسلام في جميع شؤون الدولة وعليها أن تمكن الأفراد من عبادة الله والعيش وفق العقيدة وحسب مناهج الإسلام ، وأن ترفع العوائق التي تحول دون ذلك وأن ترفع كل ما يناقض الإسلام في أفكاره ونظمه في الاجتماع أو الاقتصاد. <br />
<br />
وهذه هي أهداف الدولة الإسلامية التي ترعى مصالح الفرد والمجتمع. <br />
<br />
وهذا هو المفهوم الذي أتى به الإسلام فجعل السلطة مبنية على الشورى والمساواة والعدالة ولم يجعل لها صبغة دينية بالمعنى المفهوم عند الأمم الأخرى كما شهدتها أوروبا في القرون الوسطى لكنها سلطة مسؤولة لا مستعلية ، للأفراد أن يحاسبوها ويخطئوها وهي تنظر إلى المصلحة العامة في تصرفاتها وسياستها. وهي سلطة تفسح المجال للحياة الروحية فتحميها وتحرسها وتستمد في تصرفاتها من هذه الروح وتراعي في جميع أنظمتها وأعمالها هذا الاعتبار الإنساني الروحي وبذلك ترتفع القيم الروحية والخلقية لأن الدولة تقدرها قدرها وتحلها المكان اللائق بها. <br />
<br />
وليس الجمع بين الدين والدولة أن يكون للسلطة الزمنية سلطة روحية تجعلها تتمتع بامتيازات تدعي بها الأرجحية والعصمة والاستعلاء والاستبداد فهذا مفهوم مخالف للإسلام وهو يعد مصدر بلاء. والإسلام هو النظام الوحيد الذي استطاع الجمع بين الدين والدولة وهو حل فيه للبشرية كل النفع وفيه استثمار واسع لقوى الإنسان ومواهبه المادية والروحية وتوجيه هذه القوى لسعادة الإنسان وخيره. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
== الفصل الثاني&nbsp;: التكوين الإداري ==<br />
<br />
في رسالة «إلى الشباب» حدد حسن البنا خصائص دعوة الإخوان المسلمين بقوله «إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات ، فنحن نعلم تماما ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة». <br />
<br />
نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته ، وفي خلقه وعاطفته ، وفي عمله وتصرفه. فهذا هو تكويننا الفردي. <br />
<br />
ونريد بعد ذلك البيت المسلم في ذلك كله ونحن لهذا نعني بالمرأة عنايتنا بالرجل ، ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري. <br />
<br />
ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت ، وأن يسمع صوتنا في كل مكان ، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار ، لا نألو في ذلك جهدا ولا نترك وسيلة. <br />
<br />
ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد ، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر من قبل ، ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها ، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام. <br />
<br />
ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية. ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين ، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها. <br />
<br />
فمصر وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول لا إله إلا الله كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصة وضم أجزائه بعضها إلى بعض. ولئن كان الرايخ الألماني يفرض نفسه حاميا لكل من يجري في عروقه دم الألمان ، فإن العقيدة الإسلامية توجب على كل مسلم قوى أن يعتبر نفسه حاميا لكل من تشربت نفسه بتعاليم القرآن «فلا يجوز في عرف الإسلام أن يكون العامل العنصري أقوى في الرابطة من العامل الإيماني» . <br />
<br />
وهو يحدد الوسائل العامة لتحقيق هذه الأهداف بقوله «أن الخطب والأقوال والكتابات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده لا يجدي نفعا ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل لها. والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة <br />
<br />
(1) الإيمان العميق ، <br />
<br />
(2) التكوين الدقيق ، <br />
<br />
(3) العمل المتواصل. <br />
<br />
وهو يريد بآصرة الإيمان أن يوقن الإخوان أن فكرتهم إسلامية صميمة وأن يفهم الإسلام كنظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقاة وقانون أو علم وقضاء وهو مادة وثروة أو كسب وغني ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء . <br />
<br />
وقصد بالتكوين الدقيق تقوية الصف بالتعارف وتمازج النفوس والأرواح ومقاومة العادات والمألوفات ، والمران على حسن الصلة بالله واستمداد النصر منه وهذا هو معهد التربية الروحية للإخوان المسلمين وأخذت الصورة الثانية من هذا التكوين الفرق للكشافة والجوالة والألعاب الرياضية ، ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان وتعويدهم الطاعة والنظام والأخلاق الرياضية الفاضلة وإعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم وهذا هو معهد التربية الجسمية للإخوان المسلمين وهذه وتلك تبين أن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها . <br />
<br />
'''وهو يحدد أركان بيعة الإخوان في عشرة&nbsp;:''' <br />
<br />
الفهم ، والإخلاص ، والعمل ، والجهاد ، والتضحية ، والطاعة ، والثبات ، والتجرد ، والأخوة ، والثقة. <br />
<br />
وهذه الأصول قصد منها تربية روحية وسلوك اجتماعي وتضمنتها رسالة التعاليم ولائحة النظام التعاوني الصادرة عام 1943 بنصها على واجبات شخصية واجتماعية ومالية بقصد إحياء العادات الإسلامية في كل مظاهر الحياة. <br />
<br />
'''وهو يعرف بالإخوان المسلمين بقوله&nbsp;:''' <br />
<br />
«هل نحن طريقة صوفية ، جمعية خيرية ، مؤسسة اجتماعية ، حزب سياسي؟ نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة ، للذين يقولون أننا جماعة زاهدة نمتاز بالرهينة والتبتل نقول أن غيركم يقول عنا أننا نجمع بين الدين والسياسة ، فلا رضي هذا الفريق عنا كرهبان وزهاد ولا رضي عنا هذا الفريق كعاملين في ميدان الكفاح الوطني ولكننا نحن نجمع بين كل خير في هذه الصور جميعا وفكرة الإخوان فكرة جامعة لأنها تستمد من الإسلام الحنيف ، نستغني بها عن غيرها ، أخذت من كل شيء أحسنه وابتعدت عن مزالقه وأخطائه. أخذت من فكرة الأحزاب السياسية الغيرة الوطنية والحماسة الإصلاحية وطرحت تنابذها وأحقادها وأخذت من فكرة الصوفية روحانيتها وإخاءها وتركت فرديتها واعتزالها. وأخذت من فكرة الجماعات والأندية بأنواعها دقة نظامها ونشاطها وطرحت غفلتها ولهوها . <br />
<br />
ذلك التعريف الذي كرسه حسن البنا قد أكده خليفته حسن الهضيبي في حديثه الصحفي إلى جريدة الرأي العام السورية أثناء تجواله في البلاد العربية يقول «الإخوان المسلمون يأخذون الإسلام كلا غير قابل للتجزئة ، وهو يوجب عليهم أن يشتغلوا في جميع شوؤن الحياة ، لا فرق في ذلك في المسائل السياسية وغير السياسية. فالكلام في التعليم سياسة وفي الزراعة سياسة وفي واجبات الحاكم والمحكوم سياسة ، وكل ذلك يرجع إلى تدبير أمور الناس التي نظمها الإسلام جميعا . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== في الطبيعة القانونية للإخوان المسلمين ===<br />
<br />
جماعة الإخوان المسلمين هل تؤلف حزبا سياسيا كما يذهب بعض الكتاب أم أنها هيئة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية كما وردت في القانون المدني؟ <br />
<br />
نعود في هذا التحديد إلى رأيين قانونيين ، الأول منهما هو فتوى قلم قضايا الحكومة لوزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 6 نوفمبر 1945 بقولها «بالإحالة إلى الكتاب المطلوب به استطلاع رأي القسم في مدى تطبيق القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بالجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية على هيئة الإخوان يتشرف القسم بالإفادة بأنه بالإطلاع على النظام الأساسي لهذه الهيئة وعلى الأوراق المرفقة بكتابكم السالف الذكر يتبين أنها «هيئة سياسية دينية اجتماعية تتكون من مركز عام ومن شعب ، وأن شعبها تتمتع باستقلال ذاتي واسع فلها مجالسها الإدارية وجمعياتها العمومية وماليتها المستقلة (مادة 33 وما بعدها من النظام الأساسي). <br />
<br />
أما الرأي القانوني الثاني فهو حكم مجلس الدولة المصري في القضية رقم 568 لسنة 3 قضائية القاضي بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين الذي أصدره محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء آنئذ في 8 ديسمبر 1948 وقد تعرض حكم محكمة القضاء الإداري للدفع بعدم قبول الدعوى ومتعرضا للطبيعة القانونية لجماعة الإخوان المسلمين ، بنص هذا الحكم&nbsp;: <br />
<br />
«... ومن حيث أن مبنى هذا الدفع (أي بعدم قبول الدعوى) أن تلك الجمعية لم تكتسب الشخصية المعنوية أصلا ، لأن القانون المدني بين في المادة 52 منه الأشخاص المعنوية على سبيل الحصر ولا تدخل الهيئة المذكورة بما لها من أغراض سياسية واجتماعية ودينية في أي نوع أو تتسق معه ، ومهما يكن من شيء فإن القرار رقم 63 لسنة 1948 الصادر بحلها قد قضى عليها فلم يعد لها من بعده أي وجود كما أنها لم تحي حياة جديدة في ظل القانون رقم 66 لسنة 1951 الخاص بالجمعيات. <br />
<br />
ومن حيث أنه فيما يتعلق بالوجه الأول من الدفع فلا ريب في أن حق المصريين في تكوين الجمعيات هو حق أصيل أقر الدستور في المادة 21 منه بقيامه وعهد إلى القانون بتنظيم استعماله ولذا فإن لجنة الدستور إذا تحدثت عن الباب الذي وضعته في الدستور بعنوان «في حقوق المصريين وواجباتهم» الذي يعتبر حق تكوين الجمعيات فرعا منه قالت «وقد كان المصريون يتمتعون بهذه الحقوق تدعمها النظم السياسية التي كانت جارية في مصر وتنظم معظمها القوانين المصرية. غير أن تلك الحقوق لم تكن مجموعة في باب ظاهر منشور بين الناس ، لذلك رأت اللجنة أن تضع ذلك الباب درجا على سنن الدساتير الأخرى ، وتحقيقا للغرض الذي يلتمس منه ، وليكون قيدا للشارع المصري لا يتعداه فيما يسنه من الأحكام» ومفاد هذا أن حق المصريين في تكوين الجمعيات كان قائما قبل الدستور الذي جاء فأكد قيامه وأن عهد إلى القانون بتنظيم استعماله. <br />
<br />
ومؤدي ذلك أن للمصريين حق تكوين الجمعيات بلا حاجة إلى قانون يستمدون منه هذا الحق ولهم أن يستعملوه في حدود القانون ، وما لم يرد قيد على هذا الاستعمال ، فهو يجري على إطلاقه ، ولم يصدر في هذا الصدد سوى تنظيم جزئي بالقانون رقم 49 لسنة 1945 في شأن الجمعيات الخيرية والمؤسسات في صدد الكلام عن الأشخاص الاعتبارية ، وأخيرا صدر القانون رقم 66 لسنة 1951 في صدد الجمعيات التي تسعى إلى تحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية متضمنا ، كما نوه بذلك ، أحكاما تكميلية لنصوص القانون المدني الجديد.. <br />
<br />
«ومن حيث أن جمعية الإخوان المسلمين تكونت في ظل ذلك الحق الأصيل في تكوين الجمعيات ، هذا الحق الذي قرر الدستور قيامه وأكد وجوده من قبل ، كما اكتسبت الشخصية المعنوية وفق المبادئ المسلمة من إسناد هذه الشخصية لكل جمعية استوفت مقومات هذه الشخصية من ذمة مالية مستقلة عن ذمم أعضائها ومن قيام هيئة منظمة تعبر عن إرادة الجمعية ، ولما صدر القانون رقم 49 لسنة 1949 بعدئذ متضمنا بعض القيود بالنسبة إلى الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية التي نظمها وكانت أحكامه وتنظيماته تتناول الجمعيات القائمة عند صدوره وكان من أوجه نشاط هيئة الإخوان المسلمين إلى جانب أغراضها السياسية أغراض اجتماعية فقد رأت الهيئة بعد صدور القانون المشار إليه أن تعدل نظامها الأساسي وسجلت ذلك في وزارة الشؤون الاجتماعية. فلا وجه إذن لما تتحدى به الحكومة من أن القانون المدني الجديد لم يعترف لأمثال هذه الهيئة في شتى أغراضها بالشخصية المعنوية لأن القانون المذكور لم ينشئ أحكاما جديدة تنسخ ما قبلها بل قنن القواعد التي استقرت قبله وهي تسلم بتوافر الشخصية المعنوية للجمعيات متى استكملت مقومات هذه الشخصية كما سلف بيانه..». <br />
<br />
وخلصت محكمة القضاء الإداري أن جماعة الإخوان المسلمين تتمتع بالشخصية المعنوية وأن الحاكم العسكري إذا كان يملك بمقتضى قانون الأحكام العرفية تعطيل نشاط الجمعية تعطيلا مؤقتا يمنع اجتماعاتها فهو لا يملك القضاء عليها بل تبقى قائمة قانونا وأن عطل نشاطها وتظل لها شخصيتها المعنوية . <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== التنظيم الإداري ===<br />
<br />
يمكن القول أن بانتشار جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها بين مختلف طبقات الأمة العاملة والوسطى منها ومن لحق بهما ممن وصفت بأنها من الطبقة العليا وبين الشباب والشيوخ والرجل والمرأة قد اتسمت هذه الحركة بطابع بعدها عن الأحزاب السياسية التي وجدت في ظروف ولدواع شخصية. وهذه الأخيرة كانت وفقا لتقسيم أساتذة العلوم السياسية أحزاب نخبة ولم ينفرد منها سوى حزب الوفد الذي ضم كثيرا من الطبقة الوسطى وأغلبهم الموظفون وحزب مصر الفتاة (الحزب الاشتراكي من بعد) وقد كان محدودا تأثيره ، أما جماعة الإخوان المسلمين فيمكن وصفها وفقا لهذا التقسيم أنها حركة جماهيرية وسعت كل مصر بحواضرها ومراكزها ونجوعها وقراها وعلى ذلك قام تنظيمها الإداري. <br />
<br />
فالدعوة الإسلامية خالدة في أصولها ، ولكنها قد تتطور في وسائلها.. ولقد كانت ميزة حسن البنا الفهم الدقيق لهذه الحقيقة.. لذلك وضع أسس البناء للجماعة على أحدث ما وصل إليه التفكير في إقامة المنظمات والجماعات.. فهو يربط القرية بالمدينة بالمحافظة بالعاصمة بالوطن الإسلامي كله في ترتيب دقيق.. وهو تنظيم يجعل للجميع نصيبا معلوما في نشاط الجماعة ، وحظا مقسوما من جهدها ، فالأطفال لهم مدارس الجمعة ، والنساء لهن قسم الأخوات ، والجماعة تفتح أبوابها للطلاب والعمال والزراع والمهنيين وغيرهم ليمارسوا ما يرضي طاقاتهم ويوافق ميولهم من ألوان النشاط.. فهناك رياضة وثقافة وعبادة ، وهناك رحلات ومعسكرات ، وهناك مدارس ومستوصفات وشركات.. الخ. <br />
<br />
ولقد كان الإخوان يؤمنون بحقيقة تطور الوسائل مع بقاء الدعوة في أصولها خالدة لا تتغير فوضعوا القانون الأساسي للجماعة أول الأمر في 22 مادة . <br />
<br />
ويحكم هذا التنظيم الإداري كل من القانون الأساسي في آخر تعديلاته حيث وافقت عليه الهيئة التأسيسية في 12 رجب 1367هـ الموافق 21 مايو 1948 ، واللائحة الداخلية العامة التي أقرها مكتب الإرشاد العام في 2 صفر سنة 1371هـ الموافق 2 نوفمبر سنة 1951. <br />
<br />
عرفت المادة 2 من القانون الأساسي الجماعة بقولها الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف؛ وهي الأغراض التي سبق عرضها في الفصل الأول. ونصت المادة 3 يعتمد الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الأغراض على الوسائل الآتية وعلى كل وسيلة مشروعة&nbsp;: (أ) الدعوة&nbsp;: بطريق النشر والإذاعة المختلفة من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج. <br />
<br />
(ب) التربية&nbsp;: يطبع أعضاء الهيئة على هذه المبادئ وتمكين معنى التدين العملي لا القولي في أنفسهم أفرادا وبيوتا وتكوينهم تكوينا صالحا- بدنيا بالرياضة وروحيا بالعبادة وعقليا بالعلم. وتثبت معنى الأخوة الصادقة والتكافل التام والتعاون الحقيقي بينهم حتى يتكون رأي عام إسلامي موحد وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة إليه. <br />
<br />
(ج) التوجيه&nbsp;: بوضع المناهج الصالحة في كل شؤون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والإدارة والجندية والاقتصاد والصحة العامة والحكم.. الخ والاسترشاد بالتوجيه الإسلامي في ذلك كله والتقدم بهذه المناهج إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية والدولية لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التطبيق العملي. <br />
<br />
(د) العمل&nbsp;: بإنشاء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والعلمية كالمساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ.. الخ وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر والإصلاح بين الأفراد والأسر ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة كالمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل وقت الفراغ بما ينفع ويفيد وتنشأ لذلك أقسام مستقلة طبقا للوائح خاصة تتفق مع القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجماعات الخيرية وأعمال البر وتسجل بوزارة الشؤون الاجتماعية. <br />
<br />
والإخوان المسلمون وفقا لنص المادة 40 من القانون الأساسي هم في كل مكان هيئة واحدة تؤلف بينها الدعوة ويجمعها مكتب الإرشاد العام ويقسمها بحسب الأماكن والبلدان إلى شعب ومناطق. ومناط هذا التقسيم الإداري هو الخريطة الإقليمية لمصر فنصت المادة 50 للمركز العام أن يقسم شعب الإخوان في داخل المملكة المصرية (ألغي النظام الملكي في 18 يونيو 1953) إلى مناطق بحسب التقسيمات الإدارية الحكومية ، أو سهولة المواصلات ، أو غير ذلك من الاعتبارات وتكون إحدى هذه الشعب مقرا للمنطقة ، كما أن له أن ينشئ مكاتب إدارية يختص كل واحد منها بالإشراف على عدة مناطق وتحدد مهمات المناطق والمكاتب بلوائح وأوامر يصدرها المكتب العام. <br />
<br />
وقد زادت اللائحة الداخلية العامة تفصيل هذه النصوص العامة فنصت المادة 2 من اللائحة «الشعبة هي أصغر الوحدات الإدارية وكل مجموعة من الشعب تتكون منها منطقة وكل مجموعة من المناطق يتكون منها مكتب إداري ، ويراعى في تكوين المناطق والمكاتب الإدارية التقسيمات الإدارية الحكومية وسهولة المواصلات وما عدا ذلك من الاعتبارات» والمادة 3 نصت «يمكن أن تتكون شعبة في كل قرية أو بلدة ، والأصل في المنطقة أن حدودها هي حدود المركز أو القسم أما حدود المكتب الإداري فهي المديرية أو المحافظة. <br />
<br />
ونظمت المادة 4 من اللائحة التبعية الإدارية ، فالوحدة الإدارية الأدنى تتبع الأعلى منها التي تدخل في اختصاصها وهي جميعا خاضعة لمكتب الإرشاد وهو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها. <br />
<br />
عرفت المادة 4 من القانون الأساسي عضو الهيئة بأنه «كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق أغراضها ، ثم وافقت إدارة الشعبة التي ينتمي إليها على قبوله وبايع على ذلك وأقسم عليه ونص البيعة «أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه والله على ما أقول وكيل». <br />
<br />
وينقسم الإخوان في الشعبة إلى إخوان تحت الاختبار وإخوان عاملين ، فالإخوان الذين تحت الاختبار هم الذين اعتنقوا فكرة الإخوان حديثا وهؤلاء يقضون مدة لا تقل عن ستة أشهر تحت الاختبار يثبت فيها الأخ أنه قام بواجبات عضويته في الشعبة بصورة مرضية ، وفي هذه الحالة تعتمد عضويته من المركز العام ويؤذن له بأداء البيعة بناء على طلب الشعبة. ويقوم رئيس الشعبة أو من يقوم مقامه بمبايعته نيابة عن المرشد العام ، أما الإخوان العاملون فهم كل من قام بواجبات عضويته واعتمدت عضويته من المركز العام وبايع على ذلك وأقسم على البيعة طبقا للمادة 4 من قانون النظام الأساسي (مادة 5 من القانون الأساسي) أيضا (مادة 5 من اللائحة) وقد وضع لهؤلاء الأعضاء برنامجا إعداديا الغرض منه تكوين الفرد المسلم الفاهم للإسلام والعامل به العامل له بصفته عضوا في جماعة. وتناول هذا البرنامج إعداد الأخ من النواحي الآتية&nbsp;: الإعداد الروحي والخلقي والرياضي ، الإعداد الثقافي العقلي العلمي ، الإعداد العملي الاجتماعي ، الإعداد الصحي الرياضي الجولي والإعداد التخصصي ، وشمل دراسات فقهية وقرآنية كعلوم القرآن ومصطلح الحديث والعقائد والفقه ودراسات تاريخية تناولت التاريخ الإسلامي العام وتاريخ مصر القومي ودراسات اجتماعية نفسية وعلم الاجتماع الديني وإعداد رياضي في ركوب الخيل والسباحة والدراجات والعدو وغيرها. <br />
<br />
'''والمادة 7 من اللائحة نصت على ما يشترط في العضو وهي كما يلي&nbsp;:''' <br />
<br />
1- أن لا يقل عمره عن ثمانية عشر عاما. <br />
<br />
2- أن يكون حسن السير والسلوك لم تصدر ضده أحكام مخلة بالشرف. <br />
<br />
3- أن يكون فاهما فكرة الإخوان ناهضا بواجباته. <br />
<br />
4- أن يفرض على نفسه اشتراكا شهريا يدفعه للشعبة بانتظام مساهمة في أعباء الدعوة. <br />
<br />
كما أن للدعوة حقا في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك ويعفى من التكاليف المالية غير المستطيعين بقرار من إدارة الشعبة بعد التأكد من حالة عدم الاستطاعة (مادة 6 من قانون النظام الأساسي). <br />
<br />
5- أن يتعهد بالعمل بقانون الإخوان المسلمين ويبايع بيعتهم. <br />
<br />
إذا قصر العضو في واجباته أو أخل بعضويته كان لرئيس الشعبة ومجلس إدارتها أن يوقعا عليه العقوبات المبينة بالمادة 7 من قانون النظام الأساسي ، وهذه الأخيرة فرقت بين درجات العقوبة فلفت النظر إلى تقصير العضو أو تفريطه في بعض حقوق الدعوة من حق رئيس الشعبة التي ينتمي إليها والذي يعمل على إصلاحه بالوسائل الجدية. أما إذا عاد لهذه المخالفة فلمجلس إدارة الشعبة أن ينذره أو يوقع عليه جزاء ماليا أو يقرر وقفه مدة لا تزيد على شهر أو يقرر إعفائه من العضوية. وفي حالة توقيع الجزاء بالإعفاء يجب أخذ موافقة المركز العام قبل إعلان القرار إذا لم يكن العضو تحت الاختبار. <br />
<br />
وقد تميز التكوين العضوي بخصيصتين أولاهما المركزية الديمقراطية وتشمل انتخاب جميع هيئات الجماعة المركزية وغير المركزية من القاعدة إلى القمة ، واللجنة التي تتولى الإدارة في كل هيئة مركزية أو غيرها (الشعب) يجب أن تقدم تقريرا عن أعمالها في أوقات دورية إلى تلك الهيئة. <br />
<br />
ثانيها&nbsp;: الشورى ، ويقصد بها تبادل الرأي حول ما يهم الجماعة والنصائح والاقتراحات فيما يحقق أهدافها. <br />
<br />
وهذا النظام قد ربط بين أدنى الوحدات وأعلاها في سلم التنظيم الهرمي على وجهين أولهما إداري وثانيهما مالي. <br />
<br />
'''أولا- الشعبة''' <br />
<br />
يشكل الأعضاء العاملون جمعية عمومية للشعبة التي ينتسبون إليها فنصت المادة 13 من اللائحة الداخلية «أعضاء الجمعية العمومية للشعبة الذين يملكون حق الانتخاب هم الأعضاء العاملون بالشعبة الذين سددوا اشتراكاتهم إلى آخر شهر قبل الانعقاد أو المعفون من الاشتراك بقرار قانوني. ويكون الانعقاد صحيحا إذا توافرت فيه شروط المادة 41 من النظام الأساسي؛ وهذه الأخيرة تنص» تجتمع (الجمعية العمومية للشعبة) اجتماعا دوريا خلال شهر المحرم وفي غير هذا الموعد إذا وجد ما يدعو إلى ذلك بدعوة من رئيس الشعبة أو من المرشد العام أو بطلب يقدم إلى أحدهما من خمس الأعضاء ، ويكون انعقادها صحيحا إذا حضره نصف الأعضاء على الأقل وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة. فإذا لم يتم العدد القانوني أجل الاجتماع أسبوعا يكون الاجتماع بعدها صحيحا بأي عدد يحضر. وترسل الدعوة في الحالتين قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل ومعها جدول الأعمال. ويقوم برئاسة الاجتماع رئيس الشعبة أو وكيلها أو أكبر الأعضاء سنا إذا لم يحضرا. <br />
<br />
ومن اختصاصات الجمعية العمومية انتخاب أعضاء مجلس الإدارة ومراجع الحسابات ، والنظر في التقارير التي تقدم إليها منها ، واعتماد ميزانية العام الجديد ، والموافقة على الحساب الختامي للعام الماضي ، ومناقشة ما يعرض عليها من الاقتراحات والموضوعات. <br />
<br />
ونصت المادة 43 من النظام الأساسي يجب أخطار المركز العام دائما بموعد انعقاد الجمعية العمومية وبجدول أعمالها في هذه الاجتماع قبله بعشرة أيام على الأقل. وللمركز العام أن يوفد من يمثله في هذا الاجتماع. ويشترط لصحة القرارات أيا كانت موافقة المركز العام. <br />
<br />
'''مجلس إدارة الشعبة''' <br />
<br />
نصت المادة 11 من اللائحة الداخلية يدير الشعبة مجلس إدارة مكون من خمسة أشخاص أحدهم يختاره المركز العام وهو رئيس الشعبة أو نائبها والأربعة الباقون تنتخبهم الجمعية العمومية للشعبة على أن يكون اثنان منهما وكيلين والثالث سكرتير والرابع أمين صندوق وعلى أن يكون الانتخاب سريا (أيضا 44 من القانون الأساسي) وعلى عضو الشعبة الذي له حق اختيار أعضاء مجلس الإدارة كلما اختار واحدا من الأربعة أن يبين أمام اسمه الوظيفة التي اختاره لها (مادة 12 من اللائحة) ويجدد مجلس الإدارة كل عامين ، ويجوز انتخاب العضو أكثر من مرة. وللمركز العام إعفاء الرئيس من مهمته وانتداب من يحل محله إذا رأى ذلك في أي وقت من الأوقات (مادة 44 من اللائحة). <br />
<br />
'''ويشترط فيمن يختار عضوا لمجلس إدارة الشعبة وفقا لنص المادة 14 من اللائحة&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) أن يكون سنه 21 سنة هلالية على الأقل (أيضا 44 من القانون). <br />
<br />
(ب) أن يكون قد مضى على عضويته في الشعبة مدة عام على الأقل لم يعرف عنه في أثنائها ما يتنافى مع واجباته العضوية. <br />
<br />
ومتى تم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة أدى كل عضو منهم هذا القسم «أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي ، واثقا بقيادتهم ، منفذا لقرارات مكتب الإرشاد العام وقرارات مجلس إدارة الشعبة وأن خالفت رأيي ، مجاهدا ما استطعت في سبيل تحقيق الغاية السامية وأبايع الله على ذلك ، والله على ما أقول وكيل». (مادة 45 من النظام الأساسي) ولمجلس إدارة الشعبة أن يكون لجانا من الأعضاء العاملين تشرف على أوجه النشاط المختلفة في الشعبة ويجوز أن يكون المجلس ممثلا في كل لجنة بعضو من أعضائه (مادة 16 من اللائحة ، أيضا 48 من النظام الأساسي). <br />
<br />
ونصت المادة 49 من النظام الأساسي «إذا خلا مكان عضو من أعضاء المجلس بالإعفاء أو الاستعفاء ، للمجلس الحق في تعيين العضو الذي يليه في عدد الأصوات في آخر انعقاد الجمعية العمومية». <br />
<br />
واجتماعات المجلس دورية ، وتحدد بقرار منه ويدعي في غيرها إذا حدث ما يدعو إلى ذلك بدعوة من الرئيس. ويرأسه الرئيس (أو نائب الشعبة أي رئيس مجلس الإدارة) أو أكبر الوكيلين سنا إذا غاب (المادة 18 من اللائحة) ، وتكون الاجتماعات قانونية بحضور نصف الأعضاء إذا كان بينهم الرئيس أو الوكيل. وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين ، فإذا تساوت الأصوات يكون جانب الرئيس مرجحا (مادة 47 من النظام الأساسي). <br />
<br />
ويختص مجلس إدارة الشعبة بالنظر في المسائل الآتية وفقا لنص المادة 17 من اللائحة&nbsp;: إدارة الشعبة من الناحيتين الإدارية والمالية ، الإشراف على النشاط الفني للشعبة ، تمثيل الشعبة أمام الجهات الحكومية والأهلية ، ويكون هذا التمثيل في شخص الرئيس أو من ينوب عنه». <br />
<br />
ورئيس الشعبة هو المسئول الأول عن أعمالها ونشاطها بالاشتراك مع المجلس وهو الذي يرأس الجلسات والاجتماعات ، ويمثل شعبته في كل المعاملات الرسمية والقضائية ، وفي التوقيع على الأوراق أيا كان نوعها ، ويقوم عنه أحد الوكيلين حال غيابه. ويقوم السكرتير بالمحافظة على الأختام والسجلات والملفات.. الخ. <br />
<br />
ويقوم أمين الصندوق بحفظ الأموال وتنظيم حساب الخزينة وتقديم التقارير والبيانات المتعلقة بمهمته لمجلس الإدارة والجمعية العمومية (مادة 46 من النظام الأساسي). <br />
<br />
ولمجلس الإدارة أن يطلب حل الشعبة إذا تبين عجزها عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها وحينئذ تؤول أموال الشعبة وأثاثها بعد سداد ديونها إلى المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة ولو لم ينص على هذا في قرار الحل (مادة 20 من اللائحة) ولا يكون هذا الحل قانونيا إلا إذا كان بناء على قرار من الجمعية العمومية في دور انعقاد يحضره ثلاثة أرباع الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم ، ويكون القرار بأغلبية ثلثي الحاضرين ولا ينفذ قرار الحل إلا بعد اعتماده من مكتب الإرشاد (مادة 21 من اللائحة) للشعبة أن تجتمع في حدود القانون الأساسي وهذه اللائحة ، وأن تضع لنفسها لائحة خاصة تتفق مع ظروفها ولكنها لا تسري إلا بعد أن يقرها مكتب الإرشاد (مادة 23 من اللائحة). <br />
<br />
ونصت المادة 19 «كل أعضاء الشعبة المقيدين فيها خاضعون لإدارة الشعبة وكل عضو يقيم في دائرة الشعبة عليه أن يقيد اسمه فيها ويشترك في نشاطها أيا كانت صفته». <br />
<br />
والأعضاء العاملون في الشعبة يقسمون إلى أسر بحيث لا يزيد عدد الأسرة على خمسة يختار أحدهم نقيبا للأسرة (مادة 9 من اللائحة) وهي وحدة متكاملة متضامنة في المسؤولية ويمثلها نقيبها أمام رئيس مجلس إدارة الشعبة (مادة 10 من اللائحة). <br />
<br />
وقد سبق لحسن البنا بيان أهمية هذا النظام الأسري بقوله في خطاب توجيهي&nbsp;: «هذا النظام أيها الإخوان نافع لنا ، ومفيد كل الفائدة للدعوة بحول الله وقوته ، فهو سيحصر الإخوان الخلصاء ، وسيجعل من السهل الاتصال بهم ، وتوجيههم إلى المثل العليا للدعوة ، وسيقوي رابطتهم ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، كما حدث فعلا في بعض الأسر التي أصيب فيها بعض أعضائها ، وسينتج بعد قليل رأسمال للإخوان من لا شيء» وحدد أركان هذا النظام في ثلاث&nbsp;: التعارف ، والتفاهم ، والتكافل. <br />
<br />
وأولى أواصره مقصود بها تدعيم الإخاء بين الإخوان. <br />
<br />
وثانيها&nbsp;: أساسه الاستقامة على منهج الحق ، وفعل ما أمرنا الله به وترك ما نهانا عنه ، ولقد قال شارحا هذا الركن «حاسبوا أنفسكم حسابا دقيقا على الطاعة والمعصية ، ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه أن رأي فيه عيبا ، وليتقبل الأخ تصح أخيه بسرور وفرح وليشكره على ذلك». <br />
<br />
وثالثها&nbsp;: التكافل «وهو صريح الإيمان ولب الإخوة» والوصية أن يتعهد الإخوان بعضهم بعضا بالسؤال والزيارة والبر ، والمبادرة إلى المساعدة ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول&nbsp;: «لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرا ، ومن أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير الله له جزاء دون الجنة». <br />
<br />
وقد حددت لائحة النظام التعاوني الصادرة في مارس 1943 ولائحة الأسر الصادرة عام 1953 ثلاثة أقسام من الواجبات&nbsp;: شخصية واجتماعية ومالية. <br />
<br />
والأولى منها قصد منها التربية والسلوك للشخصية الإسلامية في العقيدة والمعاملات. <br />
<br />
وثانيها الاجتماعية وأساسها تأكيد روابط الإخاء بين أفراد الأسر ، فأوجبت أن تتخذ كل أسرة مكانا تجتمع فيه ليلة في الأسبوع غير دار الشعبة ، ويحسن أن يكون ذلك في بيوت أعضائها بالتبادل ، ويبيت أعضاؤها ليلة في الشهر في مكان واحد على هيئة معسكر كشفي وغير ذلك. <br />
<br />
أما الواجبات المالية فقد نصت كل من اللائحتين «أن أعضاء كل أسرة متكافلون فيما بينهم في احتمال أعباء الحياة ، فمن نكب منهم أو تعطل عن عمله لسبب خارج عن إرادته أو مات ، فبقية إخوانه في الأسر ملزمون بسد حاجياته وحاجة أولاده ورعايتهم ومساعدتهم. ووضحت اللائحة أسلوب هذا التعاون وذلك بأن تنشئ كل أسرة صندوقا تعاونيا خاصا يشترك فيه كل أخ بجزء من إيراده ، وينفق من المتحصل في كفالة الإخوان المتعاونين ، ويؤخذ الخمس من صناديق الأسر جميعا ويورد لصندوق التعاون العام بالمركز العام ، وتحول هذه الأموال إلى شركة تأمين اجتماعي إسلامي. ونقيب الأسرة هو المسئول عنها ، لذلك فقد عنيت اللائحة بإعداد النقباء لتأهيلهم لهذه المسؤولية؛ فأنشئت مدارس للنقباء ووضع لها منهج يتناول دراسات اجتماعية وإدارية واختير من أساتذتها المسؤولون من الإخوان أو من أصدقائهم أساتذة الجامعات. <br />
<br />
'''المنطقة:''' <br />
<br />
نصت المادة 24 من اللائحة التنفيذية «تتكون من كل الشعب الواقعة في دائرة المركز أو القسم منطقة تسمى باسم المركز أو القسم ويجوز أن تكون حدود المنطقة أوسع أو أضيق من حدود المركز أو القسم». وحددت المادة 25 تكوين مجلس إدارة المنطقة على الوجه الآتي&nbsp;: <br />
<br />
(أ) رئيس الشعبة الرئيسية رئيسا وهذا في الأقاليم. أما في القاهرة والإسكندرية فرئيس الشعبة التي تعتبر رئيسية لقوتها وقدرتها على الإنفاق. ويجوز أن يختار المركز العام رئيسا للمنطقة أحد أعضاء مجلس إدارة الشعبة الرئيسية أو المعتبرة كذلك أو أخا عاملا يرى فيه الكفاية. <br />
<br />
(ب) رؤساء بقية الشعب الداخلة في المنطقة. <br />
<br />
ج) زوار الشعب وزائر المكتب الإداري. <br />
<br />
(د) مندوبو أوجه النشاط في الشعبة الرئيسية. <br />
<br />
والزوار جميعا رأيهم استشاري وليس لهم حق التصويت على القرارات (مادة 26). <br />
<br />
ونصت المادة 27 يصح أن يختار سكرتير وأمين صندوق الشعبة الرئيسية سكرتيرا وأمينا للمنطقة ، ويجوز لنواب الشعب أن يختاروا السكرتير وأمين الصندوق من الإخوان العاملين بالشعبة الرئيسية وفي القاهرة والإسكندرية يجوز اختيار السكرتير وأمين الصندوق من أي شعبة أو من بين نواب الشعب. <br />
<br />
'''المكتب الإداري:''' <br />
<br />
نصت المادة 28 من اللائحة التنفيذية يتكون من كل المناطق الواقعة في دائرة المديرية أو المحافظة مكتب إداري يسمى باسم المديرية أو المحافظة ويجوز أن تتسع حدود المكتب أو تضيق عن حدود المديرية أو المحافظة. <br />
<br />
'''ولكل مكتب إداري مجلس يديره. وبينت المادة 29 تكوينه على الوجه الآتي&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) رئيس الشعبة الرئيسية رئيسا للمكتب الإداري وهذا في الأقاليم ، أما في القاهرة والإسكندرية فرئيس الشعبة التي تعتبر رئيسية. ويجوز أن يختار مكتب الإرشاد من الإخوان العاملين في الأقاليم وغيرها رئيسا للمكتب الإداري ولو لم يكن رئيس شعبة أو عضوا فيها. <br />
<br />
(ب) وكيل الشعبة الرئيسية أو أحد الإخوان العاملين بها وكيلا للمكتب الإداري وهذا في الأقاليم ، أما في القاهرة والإسكندرية فوكيل الشعبة المعتبرة رئيسة. ويجوز أن يكون رئيس أي منطقة من المناطق يختاره أعضاء المكتب من بينهم. <br />
<br />
(ج) سكرتير وأمين الشعبة الرئيسية سكرتيرا وأمينا للمكتب وهذا في الأقاليم ، أما في القاهرة والإسكندرية فيجوز أن يكون الأمر كذلك ويجوز لأعضاء المكتب انتخابهما من بين أعضائه أو من أي منطقة أو شعبة أخرى. <br />
<br />
(د) رؤساء المناطق في دائرة المكتب الإداري. <br />
<br />
(هـ) أعضاء الهيئة التأسيسية بدائرة المكتب الإداري. <br />
<br />
(و) مندوبو النشاط في المكتب الإداري. <br />
<br />
(ز) زائر مكتب الإرشاد ورأيه استشاري وليس له حق التصويت. <br />
<br />
'''الهيئات المركزية:''' <br />
<br />
وهي أعلى درجات التنظيم الإداري للإخوان المسلمين وتشمل الهيئة التأسيسية ومجلس الإرشاد العام. وقد بين قانون النظام الأساسي الأحكام التي تنظم الأولى ، تكوينها واختصاصاتها. <br />
<br />
فنصت المادة 33 من القانون الأساسي «تتألف الهيئة التأسيسية» لهيئة الإخوان المسلمين من الإخوان الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة «ومهمتها» الإشراف العام على سير الدعوة ، واختيار أعضاء مكتب الإرشاد العام وانتخاب مراجع الحسابات ، وتعتبر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد العام (مادة 34). وتجتمع هذه الهيئة اجتماعا دوريا خلال أول شهر من كل عام هجري لسماع ومناقشة تقرير مكتب الإرشاد عن نشاط الدعوة في العام الجديد ، واختيار الأعضاء الجدد إذا حل موعد اختيارهم ، ومناقشة تقرير المراجع عن الحساب الختامي للسنة الماضية ، والميزانية المقترحة للسنة التالية ، وانتخاب المراجع الجديد إذا حل موعد انتخابه (ويجب أن يكون من أعضائها وألا يكون من المختارين لمكتب الإرشاد العام) ، وللنظر في غير ذلك من الأعمال والمقترحات التي تعرض عليها. وتجتمع في غير هذا الموعد اجتماعا فوق العادة إذا حدث ما يدعو إلى ذلك من المرشد العام أو بقرار من مكتب الإرشاد أو بطلب يقدم من عشرين عضوا. والمرشد العام هو الذي يرأس الاجتماع ، فإذا لم يحضر ، أو كان الاجتماع لأمر يتصل به ، أو رأي أن يتنحى عن رئاسة الجلسة قام بذلك الوكيل. فإذا تخلف أو اعتذر فأكبر الأعضاء سنا. ويكون الاجتماع صحيحا إذا حضرته الأغلبية المطلقة (النصف زائدا واحدا) إلا في الحالات التي اشترط لها نصاب خاص ، فإذا لم يتكامل العدد أجل الاجتماع أسبوعين وأعيدت الدعوة ونص فيها على الموضوع وعلى أن الاجتماع سيصير قانونيا بأي عدد يحضر ، وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين إلا في الحالات الخاصة (مادة 35). ولهذه الهيئة أن تقرر في أي اجتماع ، أو بناء على ترشيحات اللجنة المنصوص عليها في المادة التالية ، منح بعض الإخوان حق العضوية للهيئة التأسيسية ، بشرط أن تتوفر فيمن يراد منحه إياها هذه الشروط&nbsp;: <br />
<br />
(أ) أن يكون من الأعضاء المثبتين. <br />
<br />
(ب) ألا يقل سنه عن خمس وعشرين سنة هلالية. <br />
<br />
(ج) أن يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات على الأقل. <br />
<br />
(د) أن يكون متصفا بالصفات الخلقية والثقافية والعملية التي تؤهله لذلك. <br />
<br />
ويجب ألا يزيد عدد من يمنحون هذه العضوية على عشرة إخوان في كل عام على أن يراعى في اختيار هؤلاء تمثيل المناطق بقدر الإمكان. <br />
<br />
كان عدد أعضاء الهيئة التأسيسية عام 1948 تاريخ الحل الأول مائة عضوا وفي عام 1954 أصبح عدد الأعضاء 146 بعد فصل أربعة في أحداث الانشقاق عام 1953. <br />
<br />
وتنتخب الهيئة التأسيسية من أعضائها (ومن غير الأعضاء المنتخبين للمكتب) لجنة مكونة من سبعة أعضاء ويفضل غير القاهريين وذوي الإلمام والصلات بالفقه الإسلامي والإجراءات القانونية. مهمتها تحقيق ما يحال إليها من المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو الهيئة نفسها خاصا بما يمس الأعضاء في سلوكهم أو الثقة بهم أو أي أمر آخر. ولهذه اللجنة أن توقع ما تشاء من الجزاءات حتى الإعفاء من العضوية على أن تعتمد ذلك من المرشد العام. ويكون اجتماع هذه اللجنة صحيحا بحضور خمسة من أعضائها متى كان فيهم الرئيس ، وتكون قراراتها صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للمجتمعين. <br />
<br />
ويتجدد اختيارها مع اختيار المكتب (أي كل عامين) ، ولا مانع من اختيارها كلها أو بعضها لأكثر من مرة ، وتجتمع بدعوة من رئيسها. وللعضو الذي يتقرر فصله أن يستأنف هذا القرار بطلب كتابي يرفع إلى مكتب الإرشاد العام ليعرض على الهيئة التأسيسية في أول اجتماع لها ، ورأيها فيه حاسم (مادة 37 من القانون الأساسي). وتزول صفة العضوية من عضو الهيئة التأسيسية بالاستعفاء أو بفقدانه أحد الشروط التي تؤهله للعضوية أو بقرار من اللجنة المنصوص عليها في المادة 37 بالشروط الواردة فيها أو بقرار من الهيئة نفسها ، وفي كل الأحوال ، يجوز للمرشد العام أن يأمر بوقف العضو على أن يعرض أمره فورا على الهيئة المختصة بالنظر في أمره (مادة 39 من القانون الأساسي). <br />
<br />
'''مكتب الإرشاد العام:''' <br />
<br />
مكتب الإرشاد العام هو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها (بند ثانيا من المادة 9 من قانون النظام الأساسي والمادة 30 من اللائحة التنفيذية) وله بهذه الصفة&nbsp;: <br />
<br />
(أ) الإشراف على سير الدعوة وتوجيه سياستها وتنفيذ أحكام قانون النظام الأساسي ومراقبة القائمين على التنفيذ. <br />
<br />
(ب) تمثيل الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية وكل الهيئات الإخوانية في كل الشؤون (ها دون الإخلال باللامركزية الإدارية ومسؤولية الشعب في تمثيل مصالحها). <br />
<br />
(ج) وضع النظم والقواعد وتخير الوسائل التي تحقق غاية الإخوان المسلمين. <br />
<br />
(د) تعيين الوعاظ والدعاة العموميين الذين يعبرون عن فكرة الإخوان ، واعتماد تعيين من تريد الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية أن تعينه منهم دون بقية موظفيها لصلة الواعظ والداعية بالفكرة الروحية. <br />
<br />
(هـ) تأليف الرسائل وإصدار النشرات والتعليمات التي تكفل شرح الدعوة وبيان أغراضها ومقاصدها ومراجعة ما تصدره الشعب وغيرها من الهيئات الإخوانية قبل نشره لصلته بتصميم الفكرة (المادة 30 من اللائحة). <br />
<br />
'''تكوينه:''' <br />
<br />
يتكون مكتب الإرشاد العام من أثنى عشر عضوا ينتخبون من بين أعضاء الهيئة التأسيسية عدا المرشد العام ، ويلاحظ في انتخابهم أن يكون تسعة منهم من إخوان القاهرة والثالثة الباقون من بين إخوان الأقاليم (مادة 19 من النظام الأساسي) ولعل هذا التحديد يرجع إلى أن جلسات المكتب دورية وقد تحول مشاغل الأعضاء من غير القاهريين دون الاشتراك فيها. <br />
<br />
'''ويشترط فيمن يرشح لعضوية مكتب الإرشاد العام أن تتوافر فيه الشروط الآتية التي نصت عليها المادة 20 من النظام الأساسي&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) أن يكون من بين أعضاء الهيئة التأسيسية ، وأن يكون قد مضى على عضويته فيها مدة لا تقل عن ثلاث سنوات. <br />
<br />
(ب) أن يكون مؤهلا من النواحي الخلقية والعلمية والعملية لهذه العضوية. <br />
<br />
(ج) ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة هجرية. <br />
<br />
(وقد اختير لعضوية المكتب بعد مزاولة الجماعة نشاطها في ظل القانون رقم 66 لسنة 1950 بشأن الجمعيات كل من المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة الذي ترجع صلته بالجماعة إلى الأربعينات حيث نشر مقالاته في التشريع الجنائي الإسلامي عام 1947 على صفحات مجلة الشهاب والمرحوم الأستاذ سيد قطب وترجع صلته بالجماعة إلى عام 1939 حيث نقد على صفحات مجلة «الإخوان المسلمون» كتاب مستقبل الثقافة في مصر للدكتور طه حسين ومجموعة أخرى من المقالات غير أن اتصاله الفكري يعود إلى عام 1946 حيث رغب إليه المرحوم الأستاذ حسن البنا بوضع مؤلف «العدالة الاجتماعية في الإسلام» فعدا من أعضاء الهيئة التأسيسية حسب نص الفقرة ج من المادة 36 من النظام الأساسي. ويجدر بالملاحظة أن المادة السابقة قد نصت أن يكون عضو المكتب مؤهلا علميا وهي في ذلك تختلف عما اشترطته المادة 36 التي اقتصرت في عضو الهيئة التأسيسية وأن يكون متصفا بالصفات الخلقية والثقافية والعملية التي تؤهله لذلك (فقرة د) وربما أراد قانون النظام الأساسي توفر شروط علمية أرفع من تلك التي تعالج عضوية الهيئة التأسيسية ، لذلك كان أعضاء مكتب الإرشاد العام من الحاصلين على مؤهلات جامعية عليا ، ستة منهم حاصلون على دراسات قانونية (الحقوق) وأربعة حاصلون على دراسات أدبية (دار العلوم وكلية الآداب) واثنان على دراسات هندسية (دكتوراه في الهندسة) واثنان حاصلان على دراسات شرعية من الأزهر ، وواحد حاصل على دراسات في الصيدلة ، وواحد حاصل على دراسات تجارية). <br />
<br />
ويتم انتخاب أعضاء المكتب من بين أعضاء الهيئة التأسيسية جميعا (ألا من اعتذر وقبلت الهيئة عذره) بطريق الاقتراع السري. وتتكون لجنة تختارها الهيئة من بين أعضائها (وبفضل المعتذرون عن الترشيح أن وجدوا) بالقيام بعملية فرز الأصوات وإعلان النتيجة (مادة 21) وإذا تم انتخاب أعضاء المكتب فعلى كل منهم أن يقسم أمام الهيئة القسم الآتي&nbsp;: «أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي ، واثقا بقيادتهم ، منفذا لقرارات المكتب العام القانونية وأن خالفت رأيي في هذا بكل قوتي في سبيل تحقيق الغاية السامية ، وأبايع الله على ذلك والله على ما أقول وكيل» (مادة 22). <br />
<br />
إذا تم إعلان النتيجة والقسم انتخبت الهيئة بالاقتراع السري ، ومن بين الإخوان التسعة القاهريين وكيلا وسكرتيرا عاما وأمينا للصندوق وقامت لجنة الفرز السابقة بفرز الأوراق وإعلان النتيجة أيضا (مادة 23). ومدة عضوية المكتب سنتان ، ويتجدد الانتخاب في نهاية المدة ، ويجوز اختيار العضو لأكثر من مرة ، وإذا خلا مكان أحد الأعضاء قبل مضي المدة المحدودة حل محله الذي يليه في عدد الأصوات في انتخابات الهيئة (مادة 24). <br />
<br />
والقيادة في هذا التنظيم جماعية والمسؤولية تضامنية فنصت المادة 25 من قانون النظام الأساسي «من واجبات عضو المكتب السهر على مصلحة الجماعة ، والمواظبة على حضور الجلسات وسرية المداولات واحترام القرارات ولو كانت مخالفة لرأيه الخاص ، وليس له نقدها أو الاعتراض عليها متى صدرت بصورة قانونية ، والقيام بالمهمات التي يكلف بانجازها على أكمل وجه ، وإذا قصر أحد الأعضاء في واجبات عضويته كان للمكتب أن يؤاخذه على التقصير بلفت نظره أو أنذراه أو بالغرامة المالية أو بالإيقاف مدة لا تزيد على شهر أو بالإعفاء من عضوية المكتب. ويجب أن يصدر قرار الأعضاء بأغلبية ثلاثة أرباع الحاضرين ويعلن العضو بالحضور ليشرح وجهة نظره للمجتمعين (ويلحظ هنا أن الإعفاء يختص فقط في إطار عضوية المكتب ولا تزول عنه عضوية الهيئة التأسيسية وهي من اختصاص هذه الأخيرة). <br />
<br />
ولمكتب الإرشاد العام الحق في أن يضم لعضويته عددا من أعضاء الهيئة التأسيسية من ذوي الكفاءة والمؤهلات والسبق في الدعوة ، على ألا يزيد عدد هؤلاء على ثلاثة أعضاء ، ويكون لهؤلاء الأعضاء جميع الحقوق والواجبات التي للأعضاء المنتخبين (مادة 26 من النظام الأساسي وأيضا المادة 52 من اللائحة). ومن أمثلة ما يعد تقصيرا كما نصت عليه المادة 51 من اللائحة التنفيذية&nbsp;: <br />
<br />
(أ) إفشاء سر المداولات أو القرارات التي يوصي بكتمانها. <br />
<br />
(ب) التقصير في مهمة وكلت إليه. <br />
<br />
(ج) التأخر أو التخلف عن حضور جلستين للمكتب دون عذر مقبول ولهيئة المكتب تقدير قيمة العذر. <br />
<br />
(د) إذا تصرف تصرفا يمس كرامته كأخ مسلم أو يضر بالفكرة ضررا مباشرا أو غير مباشر. <br />
<br />
وجلسات المكتب دورية ، وتحدد بقرار منه ، ويجتمع في غير الموعد الدوري إذا حدث ما يدعو إلى ذلك بدعوة من المرشد العام أو من يقوم مقامه ، أو بطلب يقدم إليه من ثلاثة من الأعضاء. <br />
<br />
وتكون الجلسة قانونية إذا حضرها أغلبية الأعضاء المطلقة (النصف زائدا واحدا) ويعتبر المعتذرون بأعذار مقبولة مع التأييد في حكم الحاضرين من حيث العدد لا من حيث الأصوات. فإذا لم يتم النصاب القانوني للأعضاء أجلت أسبوعا ، وكانت الجلسة التي تليها قانونية بأي عدد يحضر. وينبه الأعضاء إلى ذلك بخطاب من سكرتير المكتب ، وتكون القرارات في أي اجتماع تال صحيحة متى صدرت عن الأغلبية المطلقة للمجتمعين كذلك ، وإذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس (مادة 30 من النظام الأساسي ، وأيضا المادتان 41 و 42 من اللائحة والتي أدخلت تعديلات لنظام الجلسات غير الدورية بنصها أن تكون بناء على دعوة المرشد العام أو ثلث الأعضاء). <br />
<br />
ويرأس اجتماعات المكتب المرشد العام ، أو الوكيل عند غيابه ، أو أكبر الأعضاء سنا إذا تخلف الوكيل (مادة 31 من القانون 430 من اللائحة) ويتلى محضر الاجتماع السابق ويصدق عليه ثم ينظر في جدول الأعمال (مادة 31 من النظام الأساسي و 45 من اللائحة التنفيذية). <br />
<br />
وقد تضمنت اللائحة المواد 46 إلى 50 المنظمة للإجراءات والمناقشة. <br />
<br />
ونصت المادة 32 من القانون الأساسي «لمكتب الإرشاد العام أيضا أن ينشئ أقساما ويؤلف لجانا من بين أعضائه أو أعضاء الهيئة التأسيسية أو غيرهم للقيام بتحقيق أغراض الهيئة ، وله أن يضع اللوائح اللازمة لهذه اللجان ولأوجه نشاط أقسامه والمشروعات المختلفة» ، أيضا المادة 35 من اللائحة التنفيذية التي ذكرت «يصح أن تكون هذه الجماعات دائمة أو مؤقتة». <br />
<br />
وهذه الأقسام واللجان التي يؤلفها مكتب الإرشاد تخضع له وتتبعه ومقرها المركز العام (مادة 54 من اللائحة) وتعرض أعمال الأقسام واللجان على المرشد العام أو على المكتب إذا رأى المرشد ذلك أو رآه المكتب ، فإذا أقرت هذه الأعمال أبلغت للهيئات الإدارية عن طريق السكرتير العام (مادة 55 من اللائحة). <br />
<br />
ويعين مكتب الإرشاد رؤساء الأقسام واللجان ويعين المرشد العام من يعاونهم في العمل بناء على اقتراح رؤساء الأقسام واللجان (مادة 56 من اللائحة). <br />
<br />
ونصت المادة 27 من القانون الأساسي على أن «السكرتير العام يمثل مكتب الإرشاد العام والمركز العام للإخوان المسلمين تمثيلا كاملا في كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار قانوني منه» ونصت المادة 28 «أن مهمة السكرتير العام هي تنفيذ قرارات مكتب الإرشاد العام ، ومراقبة نواحي النشاط وأقسام العمل بالمركز العام ، وله أن يستعين بغيره من الأعضاء أو الموظفين ، ولكن هو المسئول أمام المكتب عما يسند إليهم من أعمال ، وفي حالة غياب السكرتير العام أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضائه من يحل محله مؤقتا». <br />
<br />
وقد تضمنت اللائحة التنفيذية المواد 33- 35 التي تنظم مهمة السكرتير العام الإدارية والتنظيمية. ونصت المادة 29 من قانون النظام الأساسي على مهمة أمين الصندوق وهي ضبط أموال الهيئة ، وحصر ما يرد منها وما ينصرف ، ومراقبة كل نواحي النشاط المالي والحسابي ، والإشراف على تنظيمها ، وإحاطة المكتب علما بذلك في فترات مناسبة ، وله أن يستعين بغيره من الأعضاء أو الموظفين تحت مسؤوليته ، وفي حالة غيابه أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضائه من يقوم بمهمته مؤقتا وقد نظمت المادة 37 من اللائحة مهمة أمين الصندوق الإدارية والتنظيمية في فقراتها أ وب و ج و د وهـ. <br />
<br />
<br> '''المرشد العام:''' <br />
<br />
'''وصفت الفقرة الأولى من المادة 9 من قانون النظام الأساسي المرشد العام «بأنه الرئيس العام للهيئة ولمكتب الإرشاد وللهيئة التأسيسية» ، وله بموجب المادة 31 من اللائحة التنفيذية&nbsp;: ''' <br />
<br />
(أ) الإشراف على كل هيئات الإخوان توجيهها ومراقبتها. <br />
<br />
(ب) تمثيل مكتب الإرشاد وتنفيذ قراراته ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير. <br />
<br />
'''وحددت المادة 10 من القانون الشروط الواجب توافرها فيمن يختار مرشدا عاما فنصت على&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) أن يكون من أعضاء الهيئة التأسيسية وقد مضى على اتصاله بها خمس سنوات. <br />
<br />
(ب) ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة هلالية. <br />
<br />
(ج) أن تتوافر فيه الصفات العلمية والخلقية والعملية التي تؤهله لذلك. <br />
<br />
(وقد اختير المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا عاما في أكتوبر 1951 وكان قد اتصل بالدعوة منذ الثلاثينات وقدمته جريدة المصري صبيحة اختياره بأنه عضو الهيئة التأسيسية ، وملحوظة أخرى جديرة بالاهتمام وهي اشتراط الصفة العلمية في الفقرة ج من المادة ، فلم تقتصر على ذكرها مؤهلا علميا كما هو الشأن في عضو مكتب الإرشاد بل قدمت الصفة العلمية على غيرها من الصفات ، الأمر الذي يعني ضرورة اختيار شخص يمتاز بثاقب النظر والرأي وهما صفتان لازمتاه كما لزمتا سلفه المرحوم حسن البنا طيلة حياتهما وقد تميزا برجاحة العقل في معالجة القضايا على ضوء الإسلام مما أبعد الجماعة عن التزمت والجمود). <br />
<br />
ونصت المادة 11 من القانون «ينتخب المرشد العام من بين أعضاء الهيئة التأسيسية في اجتماع يحضره على الأقل أربعة أخماس أعضاء هذه الهيئة. ويجب أن يكون حائزا لثلاثة أرباع أصوات الحاضرين. وإذا لم يحضر الاجتماع العدد القانوني أجل إلى موعد آخر لا يقل عن أسبوعين ولا يزيد عن شهر من تاريخ الاجتماع الأول ، ويجب أن تتوفر في هذا الاجتماع النسبة المقررة في الاجتماع الأول من عدد الحاضرين والموافقين ، فإذا لم يتوفر العدد القانوني في هذا الاجتماع أجل مرة ثانية وعلى الهيئة تحديد موعد اجتماع آخر في مدة كالسابق بيانها مع الإعلان عنه وعن المهمة التي سيعقد من أجلها وعن أن الاجتماع التالي سيكون صحيحا مهما كان عدد الحاضرين ، ويكون الاختيار صحيحا بأغلبية ثلاثة أرباع الحاضرين. <br />
<br />
'''إذا تم اختيار المرشد العام أقسم أمام الهيئة التأسيسية القسم الآتي&nbsp;:''' <br />
<br />
«أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي ، وألا أجعل مهمتي سبيلا إلى منعة شخصية ، وأن أتحرى في عملي وإرشادي مصلحة الجماعة وفق الكتاب والسنة ، وأن أتقبل كل اقتراح أو رأي أو نصيحة من أي شخص بقبول حسن ، وأن أعمل على تنفيذه متى كان حقا ، وأشهد الله على ذلك». <br />
<br />
وعلى أعضاء الهيئة التأسيسية أن يجددوا معه بيعة الإخوان المنصوص عليها في المادة 4 ، ويبايعه الإخوان في الشعب المختلفة عن طريق رؤسائهم ، ويجددون بيعتهم معه لأول لقاء يجتمعون به فيه (مادة 12 من النظام الأساسي). <br />
<br />
ونصت المادة 13 «يضطلع المرشد العام من هذه اللحظة بمهمته وعليه أن يستقيل من عمله الخاص ويتفرغ كل التفرغ للمهمة التي اختير لها». <br />
<br />
(استقال حسن البنا من عمله مدرسا بوزارة المعارف عام 1946 وتفرغ لتحرير مجلة الشهاب التي صدرت عام 1947 كما استقال حسن الهضيبي من آخر مناصبه في القضاء وهو نائب رئيس محكمة النقض والإبرام أعلى سلطة قضائية في مصر وذلك عام 1951). <br />
<br />
ونصت المادة 14 «لا يصح للمرشد العام -بشخصه ولا بصفته- أن يساهم في شركات أو أعمال اقتصادية أو يشترك في إدارتها ، حتى يتصل منها بهيئة الإخوان المسلمين وأغراضهم ، صيانة لشخصه وتوفيرا لوقته ومجهوده ، على أن يكون له الحق في مزاولة الأعمال العلمية والأدبية بموافقة مكتب الإرشاد العام». ويقوم المركز العام بنفقات المرشد العام ، ما لم يكن له من ماله الخاص أو من الأعمال التي أجاز مزاولتها له مكتب الإرشاد العام ما يقوم بذلك. على أن يكون تقدير هذه النفقات بلجنة تختارها الهيئة التأسيسية لهذا الغرض عقب انتخابه مباشرة (مادة 15 من النظام الأساسي). <br />
<br />
ونصت المادة 16 «إذا أخل المرشد العام بواجبات منصبه ، أو فقد الأهلية اللازمة لهذا المنصب ، فعليه أن يتخلى عنه ، كما أن للهيئة التأسيسية أن تقرر إعفاءه في اجتماع يحضره أربعة أخماس الأعضاء ، ويجب أن يكون هذا الإعفاء بموافقة ثلاثة أرباع الحاضرين ، على أنه إذا لم يتم الاجتماع على النحو السالف طبقت أحكام المادة 11». <br />
<br />
ونصت المادة 17 «يقوم المرشد العام بمهمته مدى حياته ما لم يطرأ سبب يدعو إلى تخليه عنه. <br />
<br />
ونظمت المادة 18 حالة الوفاة أو العجز عن العمل فذكرت «يقوم الوكيل مقام المرشد العام حتى يعرض الأمر على الهيئة التأسيسية في اجتماع توجه إليه الدعوة خلال شهر على الأكثر». <br />
<br />
(كان المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة يشغل منصب الوكيل العام للجماعة ، وقضت الظروف المحيطة بالإخوان عام 1954 إلى شغل منصب جديد هو نائب المرشد الذي شغله المرحوم الدكتور خميس حميده لوجود المرشد والوكيل في المعتقلات أبان أزمة الديمقراطية في مصر). <br />
<br />
'''الأقسام واللجان التابعة للمكتب:''' <br />
<br />
'''نصت المادة 57 من اللائحة التنفيذية على أن «الأقسام الأساسية التابعة لمكتب الإرشاد العام هي&nbsp;:''' <br />
<br />
1- قسم نشر الدعوة <br />
<br />
2- قسم العمال <br />
<br />
3- قسم الفلاحين <br />
<br />
4- قسم الأسر <br />
<br />
5- قسم الطلبة <br />
<br />
6- قسم الاتصال بالعالم الإسلامي <br />
<br />
7- قسم التربية البدنية <br />
<br />
8- قسم الصحافة والترجمة <br />
<br />
9- قسم المهن <br />
<br />
10- قسم الأخوات المسلمات <br />
<br />
'''واللجان الأساسية التابعة للمكتب هي&nbsp;: ''' <br />
<br />
1- اللجان المالية <br />
<br />
2- اللجنة القضائية <br />
<br />
3- اللجنة السياسية <br />
<br />
4- لجنة الخدمات. <br />
<br />
5- لجنة الإفتاء <br />
<br />
6- لجنة الإحصاء <br />
<br />
ونقتصر على دراسة بعض هذه الأقسام لأهميتها في البناء العضوي لحركة الإخوان المسلمين؛ وقد ألزمت المادة 88 من اللائحة التنفيذية رؤساء الأقسام واللجان بتقديم تقارير مختصرة في آخر كل شهر عن حالة النشاط في القسم أو اللجنة في مدى الشهر السابق ، وعليهم أن يضمنوا هذه التقارير ملاحظاتهم عن سير العمل وما لوحظ من أوجه النقص سواء كان هذا النقص راجعا إلى القائمين بالعمل أو لعيب في الأنظمة المطبقة مع بيان ما يجب عمله لتلافي مواضع النقص والعيب». <br />
<br />
'''أولا- قسم نشر الدعوة''' <br />
<br />
نصت المادة 58 من اللائحة التنفيذية على أن «الغرض من إنشاء قسم نشر الدعوة هو تنظيم الدعاية فكرة الإخوان تنظيما فنيا ونشر الدعوة بكافة الوسائل التي لا تتنافى مع روح الإسلام ومن ذلك&nbsp;: <br />
<br />
(أ) أعداد الدعاة للخطابة والمحاضرات والكتائب على أن لا يسمح لهؤلاء أن يخطبوا في الأحفال العامة إلا بعد التأكد من صلاحيتهم. <br />
<br />
(ب) إصدار ما تحتاج إليه الدعوة من رسائل ونشرات علمية وثقافية ورياضية. <br />
<br />
(ج) تنظيم إصدار الرسائل والكتب التي يصدرها الإخوان المسلمون ولها مساس بالدعوة بحيث لا تطيع أي رسالة إلا بعد عرضها على القسم وإقرار نشرها وعلى كل أخ يؤلف كتابا أو رسالة من هذا القبيل أن لا يطيعها قبل عرضها على القسم فإذا أقرها القسم اعتبرت من رسائل الإخوان (وقد عالجت المادة 61 من اللائحة حقوق المؤلفين بقولها «يطبع مكتب الإرشاد على نفقته ما يراه صالحا من الرسائل والكتب بعد الاتفاق ماليا مع مقدميها ويتولى المكتب الإشراف على نشرها وبيعها». <br />
<br />
(د) إعداد الإخوان بصفة عامة إعدادا إسلاميا من النواحي الدينية والروحية والعلمية عن طريق تنظيم المحاضرات والرسائل في المواضع التي تهم الأخ معرفتها وتوجيههم إلى قراءة الكتب النافعة التي تزيد من ثقافتهم الإسلامية وتبعث الروح الرياضية في محيط الإخوان المسلمين ونشر الألعاب الرياضية المناسبة لتقوية أبدانهم وتحسين صحتهم. <br />
<br />
(هـ) إمداد الشعب والمناطق بالدعاة والمحاضرين في الحالات التي يراها المركز العام أو تفوض إليه. ويقوم قسم نشر الدعوة بوضع برنامج موحد لمدارس الدعاة التي نصت المادة 59 من اللائحة على إنشائها في دائرة كل مكتب إداري ، ويحدد القسم المواضيع التي تدرس والكتب التي يدرسها الطلبة في كل موضوع ومدة الدراسة ويتخير القسم بعد انتهاء الدراسة الطلبة الذين تثبت صلاحيتهم كدعاة». وقد تنوع المنهج الدراسي لهذه المدارس بين دراسات في علم النفس والاجتماع ودراسات تنظيمية إدارية ومالية ودراسات تاريخية وغيرها. وأنيط التدريس بالإخوان من ذوي الكفاءات وأصدقائهم من أساتذة الجامعات.. <br />
<br />
'''ثانيا- قسما العمال والفلاحين''' <br />
<br />
سبق أن وصفنا جماعة الإخوان المسلمين بأنها حركة جماهيرية وليست أحد أحزاب النخبة التي وجدت على الساحة السياسية المصرية وهي الأحزاب القائم وجودها على أشخاص زعمائها وليس على برامج ومناهج محددة ومثالها حزب الأحرار الدستوريين أو الاتحاد أو الشعب أو السعدي وغيرها. لذلك اهتمت جماعة الإخوان بفئات شتى في المجتمع المصري لاسيما في القطاع الزراعي والصناعي ، فنظم قسما العمال والفلاحين ، وعالجت أولهما المواد 63- 65 ، وعالجت ثانيهما المواد 66- 68. <br />
<br />
ونذكر كليهما لتشابه النصوص؛ نص على أن الأغراض في القسمين هي&nbsp;: (مادة 63 ، مادة 66). <br />
<br />
(أ) تنظيم نشر الدعوة في محيط العمال (والفلاحين) وإيجاد جو إسلامي في المصانع والشركات والنقابات العمالية (المزارع والنقابات الزراعية). <br />
<br />
(ب) توجيه العمال (الفلاحين) إلى الاستقامة من النقابات والنشاط العمالي وإلى ما يحفظ حقوقهم. <br />
<br />
(ج) تنظيم التعاون بين العمال (الفلاحين) والقيام على حاجاتهم ومطالبهم. <br />
<br />
(د) دراسة مشاكل العمال (الفلاحين) وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها والعمل على التقريب بين العمال وأرباب العمل (بين الفلاحين والملاك). <br />
<br />
(هـ) دراسة نظم العمل (الاستغلال الزراعي) ومحاولة تصحيحها وردها إلى أصل إسلامي. <br />
<br />
(و) تثقيف العمال (الفلاحين) ثقافة إسلامية وتوجيههم إلى ما يرفع مستواهم التعليمي والخلقي والاجتماعي والصحي. <br />
<br />
ويقوم قسم العمال (الفلاحين) بدراساته الفنية ويضع رسائله ونشراته ، وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية لتنفيذها (المادتان 64 ، 67). <br />
<br />
للقسم أن يتصل بمندوبي العمال (الفلاحين) في المكاتب الإدارية والمناطق إذا اقتضت دراسته أن يتصل بهم واتصالات القسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقا للخطة التي يعتمدها المرشد العام (المادتان 65 ، 68). <br />
<br />
وقد نصت اللائحة الخاصة بكلا القسمين على أن «من أغراضها دراسة وشرح ونقد قوانين العمل وتبصير العمال بحقوقهم ، والعمل للحصول على هذه الحقوق. وتوجيه الشركات العمالية وصبغها بالصبغة الإسلامية ، وتوجيه العمال الصناعيين للاشتراك في النقابات والمطالبة بعمل نقابات للعمال الزراعيين ، وبث روح التعاون في صفوف العمال من الإخوان ، والاستفادة من تكتلهم في مشروعات تعاونية» ، والأخذ بمبدأ الخدمات الاجتماعية في جميع المصانع. وحل مشاكل الفقر بين الفلاحين وما يتصل بها من مشاكل الملكية الزراعية ، ومطالبة الدولة بإصدار التشريعات الاقتصادية والاجتماعية التي تكفل ضمان حقوقهم ، والعمل على حل المشاكل الاجتماعية العمالية المتجددة بما يحقق مصلحة العامل الصناعي والزراعي». <br />
<br />
ونظم قسم العمال «مدرسة للتوجيه النقابي والشؤون العمالية» ألقيت فيها محاضرات فنية عامة أسبوعيا لتعليم الإخوان العمال كيف يديرون شؤونهم النقابية ويحلون مشاكلهم على أسس سليمة من القوانين العمالية». <br />
<br />
كما قدم قسم العمال وكذلك قسم الفلاحين خدمات اجتماعية لكلا الفئتين وذلك بمساعدتهم في حل مشاكلهم ، فوجد في كليهما محامون متخصصون في الشؤون العمالية والزراعية لتوجيه العمال وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم وكذلك المساعدة في حالة البطالة. <br />
<br />
<br> '''ثالثا- قسم الطلبة:''' <br />
<br />
'''نصت المادة 70 يقوم قسم الطلاب على الأغراض الآتية&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) تنظيم نشر الدعوة الإسلامية في محيط الطلاب وإيجاد جو إسلامي بصفة عامة في المعاهد الدراسية. (ب) تقديم الثقافة الإسلامية المناسبة للطلاب على اختلاف معاهدهم وأعمارهم. <br />
<br />
(ج) القيام على حاجات الإخوان الطلاب وتنظيم التعاون المدرسي بينهم. <br />
<br />
(د) تنظيم الاستفادة من الطلبة في العطلة الصيفية وإفادتهم. <br />
<br />
(هـ) توجيه الطلبة إلى الاستفادة من النشاط المدرسي. <br />
<br />
والمادتان 71 و 72 تعالجان وضع الدراسات الفنية والاتصال بالمندوبين وهما شبيهتان بما سبق عرضهما في قسمي العمال والفلاحين. <br />
<br />
ولعل هذا القسم قد لعب دورا بارزا في حياة الطلاب خاصة في الجامعة ، وهو لا ريب قدم سبل تنمية روحية وفكرية من خلال انضمام الطلاب إلى حركة الإخوان ، وخير الأدلة على ذلك تفوقهم في انتخابات مجالس اتحادات الجامعات كما سبق عرضنا لها في الفصل الأول.. <br />
<br />
<br> '''رابعا- قسم التربية البدنية&nbsp;:''' <br />
<br />
ونصت المادة 76 من اللائحة «يضع قسم التربية البدنية المناهج والدراسات اللازمة لتربية الإخوان تربية بدنية إسلامية وإعدادهم للقيام برسالتهم. ويشرف القسم على تنظيم هذه الناحية طبقا للسياسة التي يضعها مكتب الإرشاد» ، وتنوعت الفرق الرياضية قبل الحل الصادر في 8 ديسمبر 1948 ، فكان للإخوان وفقا لما ورد بمجلة «الإخوان المسلمون» 99 فرقة كرة قدم في مناطق مصر المختلفة منها 36 فرقة لكرة الطاولة (بنج بنج) و 19 فرقة لرفع الأثقال و 16 فرقة للملاكمة و 9 فرق للمصارعة و 8 فرق للسباحة أشرف عليها سباح مصر حسن عبد الرحيم وكان عضوا في الجماعة كذلك فرق الدراجات والرجبي». <br />
<br />
أما بعد مباشرتهم النشاط وخلال الفترة القصيرة التي سبقت الحل الثاني في عام 1954 فقد تكون فريق لكل لعبة في كل مكتب إداري أي 19 فرقة لكل لعبة. <br />
<br />
كما تنوع نشاط التربية الرياضية إلى المعسكرات التي أقيمت خلال أشهر الصيف والعطلات المدرسية وكان يقوم الإخوان إلى جوار السباحة بالتمرينات الرياضية واختراق الضاحية والعدو وحفلات السمر. كما نشطت أيضا الحركة الكشفية والجوالة التي قدمت مساعدات الخدمة العامة حين اجتاح وباء الكوليرا مصر عام 1947. <br />
<br />
<br> '''خامسا- قسم المهن:''' <br />
<br />
ولعل قسم المهن كان ذا أهمية في وضع الدراسات الفنية التي تطلبتها مرحلة التعاون بين حركة الإخوان وثورة 23 يوليو 1952 ، إذ ضم هذا القسم عددا كبيرا من المختصين في النواحي المختلفة وتفرع إلى 9 فروع داخلية هي الأطباء ، المهندسين ، القانونيين ، المعلمين ، التجاريين ، الزراعيين ، الاجتماعيين ، الصحفيين ، والموظفين. <br />
<br />
'''وقد نصت المادة 78 من اللائحة التنفيذية يقوم قسم المهن على الأغراض الآتية&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) نشر الدعوة في محيط أصحاب المهن وإيجاد جود إسلامي عام في بيئاتهم. <br />
<br />
(ب) حصر الإخوان في كل مهنة والعمل على الاستفادة من المهنة بالنسبة للدعوة والأفراد والإخوان. <br />
<br />
(ج) الاستفادة من النقابات المهنية المختلفة والعمل على إيجاد جو إسلامي فيها. <br />
<br />
(د) إعداد المناهج المختلفة في شتى النواحي على أساس من الإسلام والعمل على تنفيذها بواسطة أصحاب المهن. <br />
<br />
(هـ) توجيه الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي وصبغها بالصبغة الإسلامية. <br />
<br />
كما نصت المادتان 79 و 80 على نصين شبيهين بما سبق عرضها من نصوص تتناول وضع الدراسات الفنية والاتصال بمندوبي مختلف المهن. <br />
<br />
وكان لكل فرع لائحته الخاصة ، ونصت اللائحة العامة لقسم المهن على أن من أغراضه «توثيق الصلة بين أرباب المهن في مصر والبلاد الإسلامية ، وتوسل لذلك بأن يعمل على توثيق الصلة بالشخصيات المهنية ، والنقابات ، والأندية والروابط ، والجمعيات العلمية المحلية والدولية ، وتنظيم الحاق الإخوان الخريجين في الأعمال الحكومية والحرة حسب الحاجة والإمكان». <br />
<br />
والذي يهم دراسته ونحن بصدد الخدمات الاجتماعية هو أن نعرض لفرعين&nbsp;: أولها فرع الزراعيين وثانيهما فرع الاجتماعيين. <br />
<br />
وقد ذكرت اللائحة الخاصة لفرع الزراعيين أن من أغراضه «أنه يهدف إلى إعداد المناهج الإصلاحية من الناحية الزراعية ومنها دراسة مشروعات الصناعات الزراعية وتنفيذ ما يمكن تنفيذه عن طريق شركات مساهمة أو جمعيات تعاونية مثل&nbsp;: <br />
<br />
(أ) منتجات الألبان. <br />
<br />
(ب) حفظ الخضر والفاكهة والمستخرجات النباتات الطبية. <br />
<br />
(ج) العمل على رفع مستوى الإنتاج الزراعي وزيادة غلة الفدان وذلك بما يأتي&nbsp;: <br />
<br />
1- حث الزراعيين على أتباع أحدث الطرق الزراعية. <br />
<br />
2- استعمال التقاوي المنتقاة. <br />
<br />
3- العناية بالإنتاج الحيواني وتربية السلالات الممتازة. <br />
<br />
4- استغلال الآلات الميكانيكية استغلالا تعاونيا لقصر الحيوانات على الإنتاج فقط. <br />
<br />
5- تربية الدواجن على أسس علمية صحيحة. <br />
<br />
6- نشر تربية النحل ودودة القز. <br />
<br />
7- نشر الصناعات الريفية. <br />
<br />
8- تسويق المحاصيل تعاونيا. <br />
<br />
'''أما فرع الاجتماعيين فقد نصت لائحته الخاصة على تكوينه&nbsp;:''' <br />
<br />
1- المشتغلون والمتخصصون بالشؤون الاجتماعية. <br />
<br />
2- الباحثون الاجتماعيون بمصلحة الضمان الاجتماعي. <br />
<br />
3- الأخصائيون الاجتماعيون بمصلحة الفلاح (كانت تتبع وزارة الزراعة). <br />
<br />
4- خريجو قسم الاجتماع بكليات الآداب. <br />
<br />
5- خريجو مدرسة الخدمة الاجتماعية. <br />
<br />
'''وحددت اللائحة الخاصة أهداف الفرع وهي&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) تقديم البحوث لتوجيه الحكومة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية على ضوء المبادئ الإسلامية. <br />
<br />
(ب) المساهمة في الخدمة الشعبية عن طريق تقديم البحوث العلمية ، والبيانات الفنية اللازمة لإنشاء مؤسسات اجتماعية لمكافحة الفقر والجهل والمرض والرذيلة ، كما يقوم بتنسيق التعاون بين هذه المؤسسات. <br />
<br />
(ج) العمل على تقديم الخدمات الاجتماعية للإخوان وذلك عن طريق تعميم المشروعات الاجتماعية مثل التأمين الاجتماعي والصحي ونظام القرض الحسن ، وكذلك دراسة مشكلات الأفراد وتقديم وسائل العلاج لمشاكلهم. <br />
<br />
(د) جمع البيانات في الميادين الاجتماعية وفي مجتمع الإخوان يقصد ترتيبها وعرضها في صورة يمكن استيعابها ثم تحليلها واستخلاص النتائج منها للاستفادة منها في ميادين الدعوة. <br />
<br />
'''ويقوم بتنفيذ الأهداف السابقة اللجان الآتية&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) لجنة الإحصاء الاجتماعي. <br />
<br />
(ب) لجنة خدمة الفرد. <br />
<br />
(ج) لجنة المشروعات الاجتماعية. <br />
<br />
(د) لجنة تنسيق الخدمات الاجتماعية. <br />
<br />
(هـ) لجنة النشر والتسجيل. <br />
<br />
كما صدرت عن فروع المعلمين والتجاريين والقانونيين والمهندسين ، بحوث علمية لتوجيه الحكومة نحو الإصلاح المنشود بشرح الأخطاء وبيان العلاج على أسس علمية وقد صدر من هذه البحوث اثنان قام عليهما الإخصائيون من الإخوان وأصدقاؤهم من أساتذة الجامعات في مرحلة التعاون الوثيق بين حركة الإخوان وثورة 23 يوليو 1952. <br />
<br />
والأول منهما في السياسة العامة للتربية والتعليم وقد أصدره فرع المعلمين وبه آراء في مبادئ التربية والتعليم وتنظيم مراحل التعليم ومناهجه وتنوعه ، ونظم الامتحانات وإعداد المعلم الصالح وإزالة المركزية. <br />
<br />
والبحث الثاني قدمته الفروع المتخصصة وهو خطوط في الإصلاح على ضوء الإسلام ، وهو من قسمين أولهما في الاقتصاد والنقد والضرائب قام عليه فرع الاقتصاديين ، وثانيهما في الزراعة والتصنيع والمواصلات والعمارة واشتركت في وضعه الفروع المتخصصة بقسم المهن الذي كان من مهمته «إعداد البحوث والمشروعات والبرامج الإصلاحية لتنظيم شتى نواحي الحياة مع قواعد الإسلام وإذاعتها على الرأي العام المحلي والدولي والتقدم بها للجهات المختصة والعمل على تنفيذها». <br />
<br />
ونظم القسم أيضا سلسلة من المحاضرات العلمية بالمركز العام قام عليها الإخوان أو أصدقاؤهم من أساتذة الجامعات ، وبالرجوع إلى مصادر أعلامهم أمكننا بيان عدد منها في الفترة من نوفمبر 1952 وكانت تنشر بعضها الصحف المصرية آنئذ ، ففي 13/ 11/ 1952 ألقيت محاضرة بعنوان «الاقتصاد الإسلامي» للدكتور محمد عبد الله العربي (حصل رحمه الله على الدكتوراه في القانون من باريس عام 1924 وكان أستاذا بكلية الحقوق جامعة فؤاد (القاهرة الآن) ، 20/ 11/ 1952 «دور المدرسة في بناء الشباب» للشهيد الأستاذ سيد قطب (1906- 1966 وكان مراقبا عاما بوزارة المعارف (التعليم) ، في 27/ 11/ 1952 «نحو مجتمع سليم» للمرحوم الأستاذ محمد العشماوي وزير الشؤون الاجتماعية ثم المعارف سابقا وعضو لجنة الدستور في يناير 1953) ، 4/ 12/ 1952 «إصلاح القرية» للدكتور محمد عبد الله العربي ، في 18/ 12/ 1952 «الإصلاح الزراعي وأهدافه» للدكتور سعيد النجار (من أساتذة الاقتصاد بالجامعة) ، في 1/ 1/ 1953 «من خصائص الفقه الإسلامي» للدكتور محمد يوسف موسى (كان رحمه الله أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة) ، في 8/1/ 1953 «التكافل الاجتماعي في الإسلام» للمرحوم الشيخ محمد أبو زهرة (كان رحمه الله أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة) ، في 22/ 1/ 1953 «دردشة صحية» للدكتور سعيد عبده (وكيل وزارة الصحة) ، وفي 29/ 1/ 1953 «وسائل تنمية الثروة الزراعية» للدكتور محمد المهدي العزوني (أستاذ بكلية الزراعة) ، في 5/2/ 1953 «آراء حرة في قانون الإصلاح الزراعي» للدكتور مصطفى كامل (دكتوراه في القانون عام 11939 وأستاذ بكلية الحقوق) ، في 26/2/ 1953 «كيف ينجح المجتمع في تحقيق نهضته» لسعيد رمضان (دكتوراه في القانون عام 1957 من جامعة كولونيا بألمانيا) ، في 19/3/ 1953 «الصناعات الكيماوية وأثرها في النهوض بثروة البلاد» للدكتور حسن إبراهيم بدوي ، في 26/ 3/ 1953 «التوسع الزراعي والصناعي وتنويع الإنتاج وأثره في الدخل القومي «لحسين عارف ، في 2/4/ 1953 «سياستنا التعليمية» لعبد الحميد مطر ، في 9/ 4/ 1953 «النباتات الطبية في مصر» لعز الدين رشاد ، في 23/ 4/ 1953 أقيمت ندوة تحت عنوان «التأمين في ضوء الإسلام» اشترك فيها أساتذة الشريعة والاقتصاد وهم المرحوم الشيخ عبد الوهاب خلاف أستاذ الشريعة وأحمد دانش ومحمد أبو زهرة وأحمد عنان ومحمد عبد الله دراز (حصل رحمه الله على الدكتوراه من السوربون عام 1947) وزكريا محمد شفيق ومحمد يوسف موسى وعبد الله فكري أباظة ومحمود شلتوت (أصبح شيخ الأزهر من بعد) ومحمد عبد العزيز عبد الكريم (من أساتذة الاقتصاد بكلية التجارة) وعقدت الندوة مرة أخرى في 30/4/ 1953 ، في 7/5/ 1953 «معالم رئيسية في السياسة الاقتصادية الإسلامية» للدكتور زكي محمود شبانة (حصل رحمه الله على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي بكليات الزراعة) وغير ذلك من المحاضرات كان لها أثرها على مستمعيها ، وعقدت محاضرات وندوات أخرى في مختلف شعب الإخوان شارك في بعضها غير المسلمين ، مستمعين ومحاضرين من بين هؤلاء الأخيرين المستشرق الفرنسي لويس جارديه الذي ألقى محاضرة بشعبة العباسية في 20 فبراير 1953 تحت عنوان «إنسانية المسيحية وإنسانية الإسلام في مواجهة الفكر المعاصر وترجمها عن الفرنسية الأب الراهب الدومينيكاني جورج شحاته قنواتي وهو ما ينفي بالطبع ما رماهم به خصومهم من معاداة مخالفيهم في الدين. <br />
<br />
'''قسم الأخوات المسلمات:''' <br />
<br />
ما من شك في أن مصر قد شهدت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين صراعا بين المدافعين عن القيم الاجتماعية وآخرين ممن دعوا إلى النهضة الفكرية متأثرين بالحضارة الغربية ودون الرجوع إلى المصادر الإسلامية للكشف عما فيها من ثراء وكانت قضية المرأة هي إحدى عوامل الصراع بين الطائفتين ، وقد مثل قاسم أمين أخراها بكتابيه «تحرير المرأة» و «المرأة الحديدة».. <br />
<br />
ولا ريب أن الإسلام وفقا لما قدمنا لدى عرض مشروع الدستور المقترح لا يمكن أن ينسب إليه الانحطاط الذي أصاب المرأة المسلمة ، بل أن مقاصد الشريعة قد أكسبتها مقاما رفيعا في الهيئة الاجتماعية ، وقد خولت الشريعة للمرأة -وهي صنو للرجل في ذلك- من الحقوق وألقت عليها تبعة أعمالها المدنية. فلها الحق في إدارة أموالها والتصرف فيها بنفسها ، أما حجب المرأة وتصور أن المرأة سائمة أو أداة من أدوات المتاع يتلهى بها فهي نظرات بعدت عن فطرة الإسلام وافتئات على فطرة الله وهي عادات عرضت على أقوام فاستحسنوها وأخذوا بها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات التي تمكنت في الناس باسم الدين وشرع الله منها براء. <br />
<br />
وكان صدى هذا الصراع عظيما بين إقبال على التعليم من قبل الفتيات ووضع الحجاب بصورته القديمة منذ ثورة 1919 وبعد هنيهة من الوقت الذي دعا يه قاسم أمين دعوته. وبدا عدد المتعلمات ذات شأن ففي عام 1927 كانت نسبة المصريين الذين يجيدون القراءة والكتابة 32.5% من مجموع السكان وبلغت نسبة الرجال في ذلك 42.5% بينما بلغت نسبة النساء 21% أي كانت نسبة هؤلاء الأخيرات 50% بالنسبة إلى الرجال ، وبمقارنة الإحصاء الذي تم عام 1873 وجد أن الفارق بزيادة 43.3% <br />
<br />
إزاء هذه الصورة المتقدمة يمكننا القول أن جماعة الإخوان المسلمين قد واجهت أرضا خصبة لانتشار دعوتها بين النساء وذلك ابتداء من عام 1932 تاريخ انتقالها إلى القاهرة. وتكونت أول لجنة للأخوات المسلمات تحت عنوان «فرق الأخوات المسلمات» نشرت لائحتها الداخلية في 26 أبريل 1933 وكان الغرض من تكوينها التمسك بالآداب الإسلامية والدعوة إلى الفضيلة وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات ، ولعل ما كتبه رئيسة هذه الفرقة آنئذ المرحومة السيدة لبيبة أحمد وقد كانت رئيسة تحرير مجلة النهضة النسائية يوضح الأفكار والأسس التي قام عليها بناء الفرقة. كتبت تقول &nbsp;: أخواتي وبناتي&nbsp;: <br />
<br />
أحمد إليكن الله الذي لا إله إلا هو وأصلي وأسلم على رسول الله وأحييكن بتحية الإسلام فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته. <br />
<br />
«أن الأمة كما ترون في تدهور خلقي وخلل اجتماعي بدت أعراضه في كل مظهر من مظاهر الحياة&nbsp;: في المنزل وفي الشارع ، في المصنع وفي المتجر وفي كل بيئة وفي كل وسط ودوام هذا الحال يؤدي بنا إلى أوخم العواقب وأحط النتائج. وأساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة ، وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة ، لأن المرأة أستاذ العالم ولأن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها. <br />
<br />
وأن على الفتاة المسلمة أن تفهم أن مهمتها من أقدس المهمات ، وأن أثرها في حياة أمتها أعمق الآثار ، وأن في مقدورها أن تصلح الأمة إذا وجهت عنايتها لهذا الإصلاح. <br />
<br />
لهذا نحن نريد أن نصلح أنفسنا واعتقد أن في تعاليم الإسلام وأحكامه إن علمناها وعملنا بها ما يكفل لنا هذا الإصلاح المنشود ، وإذا فهيا يا أخواتي وبناتي نصلح أنفسنا لنفهم الإسلام ونعمل به ونبث تعاليمه في نفس المرأة المسلمة ، فإن صلحنا صلحت بصلاحنا الأسرة وكان على ذلك صلاح الأمة جمعاء. <br />
<br />
«ذلك ما أردت أن أبينه لكن ، منهاجنا لعملنا الذي لزمنا أنفسنا له والله أسأل أن يوفقنا إلى ما فيه الخير لأمتنا العزيزة المفداة». <br />
<br />
ولكن دور الفرقة أصابه الخمول لإقامة رئيستها في الأراضي الحجازية ، وفي عام 1944 أعيد إحياء تنظيمها من جديد فتكونت أول لجنة تنفيذية في 14 أبريل 1944 وحتى عام 1948 تاريخ الحل الأول في 8 ديسمبر أصبح لهذا القسم خمسون شعبة تضم خمسة آلاف من الأخوات متقوم بالوعظ فيهن سيدات منهن ممن تشربن الدعوة وكذلك بعض العلماء. <br />
<br />
وكانت أولى رسائل القسم هي «مع المرأة المسلمة» صدرت في أكتوبر 1947 وقد ورد في هذه الرسالة منهج صريح عن رسالة الأخوات المسلمات والمرأة المسلمة وكان أساسها ما كتبه حسن البنا في مقاله عن «المرأة المسلمة» بمجلة المنار عام 1359 هجرية- 1940 في المجلدين الثامن والعاشر حيث خلف رشيد رضا على تحرير المجلة ، وفي مقاله الذي عرضنا له سابقا يذكر أن الإسلام يقر بحقوق المرأة كاملة ، الشخصية والمدنية والسياسية فأوردت الرسالة المذكورة عن دور الأخوات&nbsp;: <br />
<br />
أولا- محاربة النظام الحاضر والمذاهب المعاصرة القائمة وتصحيح الأوضاع الحالية سواء من وجهة نظر المجتمع للمرأة والإقرار لها بحقوقها كاملة ، والنظر إليها نظرة الاحترام والتقدير الواجبة وذلك عن طريق خطوتين إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. <br />
<br />
«فالإيجابية أن جهودنا ستأخذ شكلا عمليا يتجه إلى البناء بالتكوين والتربية أي بالعمل على تكوين المجتمع الصالح ، وبالتالي تقديم نماذج للمرأة المثالية ، لتحققه بالمبادئ التي تريدها وتدعو إليها. <br />
<br />
'''والسلبية هي أننا سنعبئ الجهود ونوجهها إلى نسف قواعد النظم الحاضرة بما فيها من إباحية وفسق وفجور ، وتمرد على قواعد الخلق والفضيلة ومعنى ذلك كله بالواضح الصريح&nbsp;:''' <br />
<br />
إعلان الثورة على النظم القائمة ، وتجنيد المرأة لقيادة هذه الثورة وتحقيق الغاية الإصلاحية المطلوبة. سنثور لحماية المرأة وصيانة أعراض الأمة ، والمرأة نفسها هي التي ستحمل علم هذه الثورة لأحداث الانقلاب الذي سنهيئ له ، سنحرض المرأة على الثورة حتى تثور ، وذلك بتنويرها وإماطة اللئام عما يخفي عليها من الحقائق المستورة وسنقنعها بأن بقاء هذا الحال إصرار على المضي في سياسة امتهانها وتحقيرها ، والاتجار بشرفها ، واعتبارها متاعا يباع ويشتري ، ويعرض ويباح حيث يهوى الفجرة المخادعون ، وأنها بذلك الوضع المهين تخسر كل الميادين ولا تكسب شيئا. <br />
<br />
«تلك خطوة رئيسية ، ومادة أساسية في رأس المنهاج. ثمارها تعبئة المرأة لقيادة النهضة النسائية السليمة ، وإعدادها لهذه القيادة. <br />
<br />
ثانيا -إعلان حقوق المرأة الإنسانية ، وتسليمها زمام قيادة النهضة النسائية ، على أساس نظام عام مستمد من دستورية القرآن وروح النظام الإسلامي ، بأن يشمل هذا الإعلان تقرير حريتها الصحيحة ، ومنحها حقوقها الطبيعية العامة والخاصة ، والاعتراف بمساواتها بالرجل في الحقوق الإنسانية العامة التي لا تتعارض مع أداء وظيفتها الخاصة للمجتمع. <br />
<br />
ثالثا- تحديد رسالة المرأة الإصلاحية ووظيفتها الاجتماعية وهي&nbsp;: <br />
<br />
تكوين المجتمع الصالح ، وتعهده في حراسة الفضائل الاجتماعية العليا ، وهي بهذا التحديد قانون جامع ، ومعنى واسع ، ينسحب على كل ما يمكن أن نستحدثه من التعبيرات ، أو تتطور إليه المطالب والحاجات ما دامت نامية في ظل المثل الأخلاق العليا. فإذا جندنا المرأة في أعمال البر والخير ، وأطلقناها في ميدان النشاط الاجتماعي في أي صورة من صوره ، كان ذلك داخلا في رسالتها ، وإذا أسندنا إليها القيام بمهمتها الأصلية الطبيعية في البيت كزوجة وأم صالحة تقدم الفرد النافع الذي تتكون منه الجماعة ، كان هذا من صميم رسالتها. وإذا ساهمت في أي ميدان من ميادين العمل الذي يناسبها ويتلاءم مع طبيعتها فإن هذه المساهمة عمل تؤدي به جزءا هاما من رسالتها. وإذا تقدمت لحمل أعباء الجهاد الوطني وشاركت بجهودها وبعقلها وثقافتها وبتجاربها وخبرتها وبكل صور المشاركة التي تناسبها ولا تتعارض مع روح الدستور الإسلامي العام ، وإذا هبت للمطالبة بحقوقها التي اعترف لها بها الإسلام ، ونظمت طرائق الجهاد لإقرار هذه المبادئ وتطبيقها عمليا ، والثورة ما عداها من مذاهب الظلم والفوضى الاجتماعية ، كان ذلك أول واجب رئيسي تحث عليه رسالتها وتأمر به. <br />
<br />
رابعا- تعهد نظام الأسرة عن طريق التشريع ، وتعهد المرأة نفسها وحمايتها بقوة القانون. <br />
<br />
وصدرت عام 1953 رسالة «المرأة بين البيت والمجتمع» أقرت بحقوق المرأة في التعليم وحقها في العمل فيها لا يتعارض مع استعدادها وحقها في تنظيم نسلها إذا كان ضارا بصحتها أو لظروف اقتصادية وحقها في الترويح عن النفس في المتنزهات العامة أو الذهاب لمشاهدة أفلام ثقافية أو مسرحيات وأوضح الإخوان في تلك الرسالة أن هذه الدور أي دار السينما والمسارح ليس فيها حرج لذاتها بل الحرج على الأفلام الرخيصة التي تعرض فيها كما اعترفت الرسالة بحقوق المرأة السياسية مع بيان أن المجتمع عندما لم يتهيأ بعد لمزاولته والأخذ به (نذكر أن هذه الرسالة صدرت عام 1953 وأن بعض الدول المتقدمة ما زالت لم تمنح المرأة بعض هذه الحقوق ، من تلك بعض المقاطعات السويسرية مثلا). <br />
<br />
'''ونظمت اللائحة العامة لقسم الأخوات المسلمات الصادرة عام 1951 الغاية منه بنصها في البند 2 الغاية من تكوين هذا القسم ما يأتي&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) بعث الروح الدينية وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات. <br />
<br />
(ب) التعريف بالفضائل والآداب المزكية للأنفس ، والموجهة للخير والكمال ، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات. <br />
<br />
(ج) إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهن النمو الجسمي والعقلي وتجنبهم الإسراف الصحي والنقص العقلي. <br />
<br />
(د) العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية وبث تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد. <br />
<br />
(هـ) محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن. <br />
<br />
(و) نشر الثقافة والمعارف التي تثير عقولهن وتوسع مداركهن. <br />
<br />
(ز) الاهتمام بالشوؤن المنزلية ، لتجعل من البيت مكانا سعيدا يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم. <br />
<br />
(ج) المساهمة في المشروعات الاجتماعية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن في محيطهن ، ومن هذه المشروعات&nbsp;: <br />
<br />
المستوصفات ، دور الطفولة ، رعاية اليتامى ، وأندية الصبيان ، والمدارس ، وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة.. الخ. وتوضع لكل مشروع لائحة خاصة وتؤلف له هيئة إدارية تنهض به وتشرف عليه طبقا لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 وتسجل بوزارة الشؤون الاجتماعية. <br />
<br />
(ط) المعاونة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن في تحقيق البرنامج الإصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة. <br />
<br />
وقد أقامت الأخوات المسلمات عددا من المؤسسات الاجتماعية من بينها «دار التربية الإسلامية للفتاة» بالقاهرة كانت أشبه بمدرسة داخلية حيث كفلت للفتيات الرعاية الثقافية والاجتماعية يتعلمن فيها القرآن والدين وفنون التطريز فضلا عن الألعاب الرياضية ، كما شملت الدار في منهاجها على مساعدة الأسر الفقيرة بإعانات عينية ومالية والمساهمة في الإرشاد الاجتماعي والوعظ عن طريق المحاضرات. كما أقام القسم مستوصفا عاما للسيدات في القاهرة ألقيت فيه محاضرات بهدف نشر الثقافة الصحية قامت بالعمل فيه مجموعة من الطيبات والممرضات من الأخوات أنفسهن. <br />
<br />
وفي الإسكندرية كان النشاط شبيها بما أرسي في القاهرة. فأقامت الأخوات في الأولى مشغلا للفتيات يتعلمن فيه فنون الحياكة والتطريز والثقافة الدينية ودارا لكفالة الفقيرات واليتيمات وأنشئت مدرسة لمحو الأمية بين السدات ، كما نظمت دروس الوعظ. <br />
<br />
ويتبع في كل النواحي الخاصة بالعضوية والإدارة والمالية لشعب الأخوات المسلمات قانون النظام الأساسي مع ملاحظة الفروق الخاصة التي تضمنتها اللائحة العامة للقسم (بند 4). <br />
<br />
أما الهيئة التأسيسية للأخوات المسلمات فتتألف من الأخوات العاملات بالقاهرة والأقاليم إلى هذا التاريخ (1951) وعددهن خمسون أختا ومن يزدن بعد ذلك بحسب نصوص النظام الأساسي المقررة فيه (بند 6). <br />
<br />
ويسند الأشراف على هذا القسم للمرشد العام للإخوان المسلمين رأسا وله أن ينتدب من الإخوان العاملين سكرتير اتصال لتنظيم الأعمال الإدارية بالقسم ، كما أن له أن ينتدب من الإخوان من ينوب عنه إذا حدث ما يدعو إلى ذلك ، ويعاونه في الإشراف والإدارية لجنة تتألف من اثنتى عشرة أختا من أخوات الهيئة التأسيسية تسمى "لجنة الإرشاد العامة للأخوات المسلمات" تنتخبها الهيئة بالاقتراع السري ، وتختار من بينهن رئيسة لهن ووكيلة وسكرتيرة وأمينة للصندوق (بند 7) وللجمعية العمومية للأخوات في أية شعبة أن تزيد على هذه اللائحة العامة ما تراه مساعدا على تنظيم العمل بشرط أن يوافق المركز العام على ذلك (بند 10). <br />
<br />
ويسير نظام الأسر في قسم إلا×وات على مقتضى النظام العام للأسر في الأخوان الذي تنظمه لائحة خاصة به ، وأن كان هناك نظام آخر خاص بنظام الأسر الروحية نظمته الرسالة الأولى للأخوات بتنظيمها عدد أفراد الأسرة من 5 إلى 8 من الأخوات وهو يشمل منهاجا دراسيا كاملا في دراسة القرآن والحديث والفقه والتفسير وقراءة رسائل الأخوان ومؤلفاتهم ، ولكل أسرة نقيبة مسئولة أمام مجلس إدارة الشعبة. كما أنشئت مدرستان للدعايات أحداهما في القاهرة والثانية في الإسكندرية عمادها من الأخوات خريجات الجامعات. <br />
<br />
ولا ريب أن هذه الصورة التي قد منا ها تنفي ما ألصق إلى الإخوان من البهتان واتهامهم بجمود الفكر معا تتناوله أقلام المغرضين. <br />
<br />
'''الجهاز الخاص&nbsp;:''' <br />
<br />
وهذا الجهاز قد عرف داخل الأخوان بالجهاز الخاص وخارج نطاقهم أطلق عليه خصومهم الجهاز السري. <br />
<br />
وتعود نشأته إلى عام 1940 حيث طرح الحسن البنا فكرة إقامته بعد اتضاح التواطؤ الاستعماري مع الصيونيين على تسليمهم فلسطين. <br />
<br />
وأيقن المرشد أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود وأدرك أيضا أن الحكومات العربية بما فيها الحكومات المصرية المتعاقبة على كرسي الحكم متخاذلة أن لم يكن بعضها متواطئا مع الإنجليز ، فكان طبيعيا والإخوان المسلمون ينادون بتحرير وطنهم والوطن الإسلامي جميعه التفكير في الاستعداد للقوة ورد العدوان بالنار/ وفي عام 1940 عرض مرشد الأخوان حسن البنا على خمسة أشخاص هم صالح عشماوي والدكتور حسين كمال الدين والشيخ حامد شريت وعبد العزيز أحمد ومحمود عبد الحليم إنشاء نظام خاص تواجه به الجماعة مسئوليتها إزاء الإنجليز في الداخل والصهيونيين في فلسطين ، وأسند إلى هؤلاء الخمسة قيادة هذا النظام وعهد إليهم بإنشائه وتدريب أفراده على أساس الأصول الإسلامية للجندية ، وكان برنامج هذا النظام يشمل دراسة عميقة للجهاد في الإسلام وما ورد بشأنه في القرآن والسنة ، والتاريخ الإسلامي ، وكان عميقة للجهاد في الإسلام وما ورد بشأنه في القرآن والسنة ، والتاريخ الإسلامي ، وكان العضو يأخذ نفسه بأنواع العبادات المختلفة كالصوم والتهجد والذكر والتلاوة والتدريب على الأعمال الشاقة واستعمال الأسلحة. <br />
<br />
واشترك أعداد كبيرة من أخوان هذا النظام في حرب فلسطين عام 1948 وقد شهد ببسالتهم وحسن مرانهم قادة الحملة المصرية في ذلك الوقت وأقيمت العقبات في سبيل نجدتهم لبعض القوات المحاضرة في الفالوجا كما ذكرت ذلك جريدة الأهرام بتاريخ 19 ديسمبر 1950 بقولها " إن الأخوان قد أعدوا جماعتين انتحاريتين لنجدة قوات الفالوجا أثناء حرب فلسطين لكن رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي رفض التصريح لهم بذلك؟ أكان تخطيطا لاعتقال الإخوان وتوقيع الهدنة؟ لا نشك في ذلك حيث أنه في 8 ديسمبر 1948 صدر قرار حل الإخوان ووقعت الهدنة في 24 فبراير 1949. <br />
<br />
ومن العجيب في الأمر أن قرار الحل الذي أصدره النقراشي بوصفه حاكما عسكريا أنئذ قد استند إلى مجموعة من الوقائع كذبها القضاء وسلطات التحقيق في سنى حكمه. وهذه الوقائع التي ذكرها قرار الحل تشمل الاتهام للإخوان بإثارة طبقات الفلاحين للمطالبة بدفع قيمة إيجارية معتدلة في تفاتيش الدولة الزراعية أو في أراضي بعض الاقطاعيين ، ومنها أحداث لعب فيها النظام الخاص دورا أساسيا في إحباط محاولة الإنجليز لإرهاب مواطني القنال وذلك بالتعرض لفندق الملك جورج في الإسماعيلية في شهر ديسمبر 1946 وقد كان مقرا لمخابرة البريطانيين في منطقة القنال ومكان التقائهم ببعض المصريين ممن يعاونونهم بالمعلومات ، وما استند إليه قرار الحل أيضا بذكره أنه حدث في 19 يناير سنة 1948 أن ضبط خمسة عشرة شخصا من جماعة الأخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل ، من الغريب أن هذه الحادثة قد شهد تحقيقها بنفسه النقراشي حيث ثبت أمام القائمين على التحقيق بضبط 165 قنبلة ومفرقعات أن من أوقفوا من أفراد الإخوان قد ثبت تدربهم للقتال في فلسطين وأصدر المحامي العام وقتها قراره بالإفراج عنهم جميعا في حضور رئيس الوزراء النقراشي. <br />
<br />
كما استندت المذكرة ويذهب معها الماركسيان أنور عبد الملك ورفعت السعيد إلى إلصاق الاتهام بالإرهاب والتخريب والقتل إلى الإخوان المسلمين مخالفين بذلك الحقيقة التي يشوهانها. فهما يلقيان مسؤولية مقتل حكمدار القاهرة سليم زكي في 4 ديسمبر 1948 على جماعة الإخوان مستندين في ذلك على بيان الحكومة آنئذ . <br />
<br />
ورغم أنه تبين بعد إلقاء القبض على من ثبت اتهامهم من قبل طلبة الجامعة المعتصمين احتجاجا لإعلان الهدنة في فلسطين عدم انتمائهم إلى الإخوان وقد حكم على المسؤولين منهم بالسجن لمدة عشرين عاما من الأشغال الشاقة . <br />
<br />
كما صورا في كتابيهما ضبط سيارة جيب بتاريخ 15 نوفمبر 1948 بالتهويل الذي كان قاسما لعهود سبقت حيث بالغا بذكر مواد متفجرة ومفرقعات وغيرها ، بينما وجهت سلطات التحقيق آنئذ إلى المقبوض عليهم تهمة حيازة محطات إذاعة ، وبلغ عدد من قيدوا رسميا في هذه القضية المعروفة باسم سيارة الجيب 32 شخصا وصدر الحكم في صددها عام 1951 الذي قضى ببراءة 14 شخصا والسجن 3 سنوات لخمسة وسنتين لاثني عشر وسنة لواحد فقط ، وقد أفرج عنهم جميعا بقرار العفو عام 1952. <br />
<br />
كما يذهبان أيضا إلى مسؤولية الإخوان في إذكاء نيران التعصب الديني مستخدمين في ذلك الديناميت (على حسب تعبيرهما) حيث تم في 20 يونيو 1948 إشعال النيران في بعض منازل حارة اليهود وفي 19 يوليو وقع انفجار في محل شيكوريل وأركو وهما مملوكان لتجار من اليهود والتدمير الذي لحق في محلات بنزايون وجاتينيو وشركة الدلتا التجارية ومحطة ماركوني للتلغراف اللاسلكي ومبني شركة الإعلانات الشرقية رغم أنه لم يجر في هذه الأحداث تحقيق ينم عن الفاعل كما أن هذه الأحداث قد نتجت كرد فعل مباشر لاعتداء اليهود على فلسطين عام 1948 وإلقاء بعض القنابل من طائرة إسرائيلية اخترقت القاهرة. كما يذهب أولهما مستغلا عدم معرفة قرائه للغة العربية بحيث يرجعون إلى الاستيثاق لكتاب المؤرخ المرحوم عبد الرحمن الرافعي والذي يغير المؤلف نصوصه للإساءة إلى جماعة الإخوان- يذهب إلى إلصاق حوادث إلقاء القنابل عام 1946 وعام 1947 حيث وقع انفجار في سينما مترو إلى الإخوان ، ومسؤوليتهم أيضا في مقتل المرحوم الدكتور أحمد ماهر رئيس الوزراء الأسبق عام 1945 وكان المتهم بقتله هو محمود العيسوي أحد شباب الحزب الوطني ، كما يلصق إليهم فيها بعض الشباب الوطنيين حسين توفيق ومحمد إبراهيم كامل (وزير الخارجية فترة المرحوم أنور السادات) والتي اتهم فيها هذا الأخير وقد حكم ببراءته . <br />
<br />
كما يذهب إلى إلصاق نفس الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين بما شرع جماعة من الأفراد بتاريخ 25 ابريل 1948 في نسف دار النحاس حيث نجا من هذا الحادث ويذكر المرحوم المؤرخ الرافعي أنه لم يعرف الجناة وهم مجهولون ، ويلصق إليهما أيضا إلقاء قنبلة بتاريخ 6 ديسمبر 1945 على سيارة النحاس في طريقه إلى النادي السعدي وقد ذكر المؤرخ الرافعي أن الجاني كان حسين توفيق الذي لم يعرف إلا من خلال اعترافاته في قضية أمين عثمان . <br />
<br />
ويزيد هذا المؤلف في خصب الخيال حيث ينسب إلى الإخوان شروعهم في يوليو 1948 في نسف دار وكالة حكومة السودان بواسطة الديناميت ، ولكن المحاولة أخفقت لضبط الديناميت قبل انفجاره بينما يذكر المؤرخ الرافعي أنهم مجهولون لم تتحدد هويتهم . <br />
<br />
صحيح أنه قد جنح بعض شباب الإخوان إلى التطرف في معالجة القضية الوطنية التي كانت تمر بها مصر خلال سني الأربعينات ولم يثبت قانونا تورط هؤلاء سوى في قضيتي المرحوم أحمد الخازندار وكيل محكمة استئناف القاهرة وقضية المرحوم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء الأسبق. <br />
<br />
والأول قتل في 22 مارس 1948 واتهم بقتله شابان من الإخوان المسلمين وقد تبين من التحقيق معهما أنهما قتلاه انتقاما منه لحكم أصدره حين كان رئيسا لمحكمة الجنايات بالإسكندرية على اثنين من الإخوان بالأشغال الشاقة أنهما في حوادث إلقاء القنابل على الجنود البريطانيين. وقد استعملت محكمة الجنايات التي حوكما أمامها الرأفة حيث قدرت معها أسبابها.. التي كانت تمر بها مصر حينئذ وقضت عليهما في شهر نوفمبر 1948 بالأشغال الشاقة المؤبدة ثم أفرج عنهما عام 1952 بعفو خاص كما ذكرنا آنفا. <br />
<br />
والقضية الثانية وقعت أيضا في الفترة الحرجة التي مرت بها مصر خلال نضالها الوطني وإزاء اشتراكها أيضا في قضية فلسطين عام 1948.. <br />
<br />
فقد اشتد سخط المصريين إزاء السياسة البريطانية وموقف المفاوضة آنئذ وتجلى هذا السخط في مظاهرات عمت أرجاء البلاد وكان البوليس يقابلها بالعنف الصادر الأمر به من القائمين على الحكم ، تارة وزارة النقراشي عام 1946 وطورا وزارة إسماعيل صدقي. <br />
<br />
ووقعت في عهد الأول مظاهرات من طلبة جامعة القاهرة (فؤاد يومها) بتاريخ 9 فبراير 1946 تهتف بالجلاء ولا مفاوضة إلا بعده فتصدت لها قوات البوليس بقسوة وأسفر التصادم عن قتلى وإصابات بليغة كما أسفرت أيضا المظاهرات التي انفجرت في مدن غيرها عن عدد من القتلى. وكان لهذه الحوادث وقع أليم في النفوس واشتد سخط الرأي العام على مسلك الوزارة تجاه المظاهرات الذي ألقى عليها عبئا جسيما من المسؤولية تزلزل لها مركزها فاستقالت. <br />
<br />
أما على الصعيد القومي فقد اشتركت مصر بقواتها في حرب فلسطين ولم تكد تمضي ثلاثة أسابيع على بداية الحرب حتى تدخل مجلس الأمن وطلب إلى الفريقين عقد هدنة بينهما قبلاها في 11 يونيو 1948 وقد اخترقها اليهود غير مرة وهاجموا الجيش المصري غدرا في شهر أكتوبر 1948 وقد ثبت فيها خلال حصار الفالوجا تؤازره جماعات المتطوعين من الإخوان المسلمين الذين شهد لهم أحمد فؤاد صادق القائد العام للقوات المصرية. في هذه الظروف السياسية صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948 مستندا على مذكرة عددت بعض الوقائع فندنا عدم صدقها بشهادة المؤرخ عبد الرحمن الرافعي ، وكان من جراء ذلك أن اختلط الأمر على بعض شبابها فارتكب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق تحت حماسة جامحة فالتوى عليهم القصد وغم المراد. <br />
<br />
أما قرار الحل عينه فيقول المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الرافعي لعمري أن النقراشي لم يكن موفقا في إصدار هذا الأمر ، فإنه ليس من العدل أن تؤخذ الجمعيات والأحزاب بتصرفات أو جرائم وقعت من بعض أعضائها بل يجب أن يقتصر الجزاء والقصاص على من ارتكبوا هذه الجرائم «ولا تزر وازرة وزر أخرى» ، والدستور يحرم إلغاء الجمعيات إلا في حدود القانون ، ولم يكن صدر قانون الجمعيات بعد ، والدستور يحرم مصادرة الأموال والأملاك ، نوقد صادرت الحكومة أموال الجماعة وأملاكها ووضعت دورها وشعبها ومنشآتها وسجلاتها وأوراقها تحت يد البوليس ، وصادرت ما أنشأته من معاهد العلم ومستوصفات ومعامل ، بل أن شركات مدنية وتجارية صادرتها بحجة أن لها صلة بهذه الجماعة ، كشركة المناجم والمحاجر العربية وشركة الإعلانات العربية وشركة الإخوان للنسيج ودار الإخوان للصحافة والطباعة ومدارس الإخوان بالإسكندرية وما إلى ذلك. <br />
<br />
كل هذه تصرفات لا يجيزها القانون والدستور ، وإذا كانت الأحكام العرفية من شأنها تعطيل أحكام الدستور والقانون العام ، فكان واجبا على الحكومة أن تقصر هذا التعطيل على ما تقتضيه حالة الحرب في فلسطين وما يستدعيه حفظ النظام ، لكن هذا الأمر العسكري قد خرج عن مدلول هذه الحكمة ). <br />
<br />
وهذا ما قضى به حكم مجلس الدولة في القضية رقم 568 لسنة 3 قضائية الذي ننشره في الملحق شهادة للقضاء الذي كانت تفخر به مصر وتعتز. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
== الفصل الثالث&nbsp;: الإخوان والثورة .. تعاون وانقسام ==<br />
<br />
العلاقة بين تنظيمي الضباط الأحرار والإخوان المسلمين هي إحدى معالم الحيرة في تاريخ مصر القومي التي يقف إزاءها المؤرخون ودارسوا العلوم السياسية بشك وحذر لما تكتنفه الوثائق الرسمية الصادرة عن السلطة من الغموض والتضارب ، كذلك لما تتضمنه بعض مذكرات من انتسبوا إلى الإخوان من إفراط في توضيح هذه العلاقة. <br />
<br />
ونحن إزاء كل من النظرتين نرجع إلى الوثائق التي تكشف جوانب مظلمة كانت تحكم الظروف السياسية ، نقدم من خلالها صورة واضحة لحقبة من تاريخ مصر أسدل عليها ستار النسيان أو المغالطة أو التزوير لفترة طويلة بحيث أصبح من الممكن أن تتوه معالم التاريخ القريب في ذهن أجيال عديدة لم تعايش هذه الحقبة. <br />
<br />
سؤال يرد حول اشتراك الإخوان المسلمين في ثورة 23يوليو ، أكان تنظيم الضباط الأحرار أحدى منظمات الأولين؟ دون ريب قد كانت هناك علائق بن كليهما كما يبدو واضحاً في إعداد الثورات حيث يدعو نجاحها إلى تضافر جهود من يسعون إلى الاتحاد إزاء عدو مشترك. <br />
<br />
الوثائق الرسمية المتبناة من قبل السلطة القائمة آنذاك تنفي علاقات قامت واتصال بين كل من التنظيمين ، أو تقلل من شأن هذا الدور حيث توضح بأن اشتراك بعض الضباط الأحرار في جماعة الإخوان المسلمين كان بصورة فردية دون تنظيم الأول بأسره. <br />
<br />
بيد أن مذكرات لبعض المؤرخين والشخصيات السياسية عايشت هذه الفترة تنير لنا هذه الحقبة المتضاربة وثائقها الرسمية. وهي وثائق لا نتردد في الأخذ بها وهي لبعض من تعاونوا مع جمال عبد الناصر في سني حكمه. <br />
<br />
أولاها ما أورده المرحوم أحمد عطية الله ( 1904- 1982) المؤرخ المعروف وقد كانت تربطه علاقة صداقة به ، ضمنها كتابه «&nbsp;ليلة 23 يوليو 1950&nbsp;» الصادر عام 1982وفيه يذكر أن ساعة الصفر للثورة قد تقررت ليلة 21 يوليو 1952بمنزل صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد بحضور جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ، وأن اجتماعات عقدت بين ممثلي الإخوان وجمال عبد الناصر لمعاونة الحركة . <br />
<br />
وثانيها تلك التي أوردها الشيخ أحمد حسن الباقوري (ولد عام 1907) وقد كان وزيرا للأوقاف في الفترة من 1952إلى 1959. يقول في مذكراته التي أوردها بمجلة آخر ساعة خلال شهر يوليو 1983 «&nbsp;إنه كان خطيب حفل بالمركز العام للإخوان المسلمين ليلة 23يوليو 1952 ، وعند تأهبه لإلقاء كلمة ترحيب بوفد باكستاني مال عليه المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام وأومأ إليه بالدعاء للملك ولولي عهده ، فتعجب (أي الباقوري) حيث كانت أول مرة يطلب إليه ذلك بينما لم يفعلها بنفسه سابقًا (أي المرشد) بيد أن تعجبه زال وقد فهم من بعد مشاهدة تحرك قوات الثورة أن تلك الإيماءة كانت تضليلا لبعض الأعين وستارا لقوات الجيش المتحركة. <br />
<br />
وثالث تلك الوثائق هي لأحدى الشخصيات البارزة في تاريخ الثورة واحد قادتها ، وهي للسيد كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة وأحد نواب رئيس الجمهورية حيث أورد شهادته في غير مصدر ، ذكر الرجل أن الإخوان المسلمين كانوا على علم بموعد الثورة قبل قيامها ، وأنه قد اتصل في 20 يوليو 1952 هو وعبد الناصر بالإخوان بمنزل صالح أو رقيق حيث أطلعوا على تفاصيل الحركة. وأن هؤلاء الأخيرين كان لهم متطوعون على طريق السويس لاحتمال تحرش قوات الانجليز بالثورة وأن أعدادا منهم كانت تقوم على حراسة المنشآت العامة والمرافق . <br />
<br />
هذه الوثائق قد سبقتها غيرها فيها نشره مؤرخو جمال عبد الناصر في الصحف في نوفمبر 1952 بعد قيام الثورة بأربعة شهور ، وهي توضح طبيعة العلاقة بين التنظيمين عندما سئل هذا الأخير من أحد ضباط الحركة قبل قيامها عما إذا كان يتوقع خيراً من الإخوان فأجاب «&nbsp;نعم خير كثير&nbsp;» وهي إجابة علق عليها ريتشارد ميتشيل بقوله&nbsp;: «&nbsp;هكذا الإخوان المسلمون في نظر الثوار وقد اكتسبوا منزلة عالية وبهذا أصبحوا الشركاء المنطقيين في حلف بين الجيش وحزب شعبي يعملان معاً دون ارتباط ظاهري حتى يحين الوقت المناسب&nbsp;» . <br />
<br />
هذه الوثائق تكذب لا شك ما أوردته الوثيقة الرسمية الصادرة عن مجلس قيادة الثورة والتي أوردتها جريدة الأهرام بتاريخ 15 يناير 1954 في صفحتها الأولى حيث أوردت في قرار حل الإخوان «&nbsp;عدم تأييد الإخوان للثورة وأن المرشد ظل في مصيفه بالإسكندرية لائذا بالصمت ، فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك وأنه قد وافق على تأييد الإخوان للثورة وهو التأييد الذي تأخر أسبوعاً كاملاً&nbsp;» . <br />
<br />
قرينة تكد بها وثيقة أخرى ينشرها الأهرام في 28 يوليو 1952 في صفحته السادسة حيث أورد تحت عنوان «&nbsp;الإخوان يؤيدون الجيش ويؤازرونه ويدعون إلى حماية نهضته الصادقة&nbsp;». <br />
<br />
«&nbsp;بيان للمرشد إلى الإخوان بوادي النيل&nbsp;». <br />
<br />
«&nbsp;تلقينا من المرشد العام للإخوان المسلمين البيان التالي&nbsp;» . <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
السلام عليكم ورحمة الله <br />
<br />
«&nbsp;في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم ، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات كبيرة في إقرار الأمن وإشاعة الطمأنينة وأخذ السبيل على الناكصين ودعاة الفتنة ، ووقاية النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه ، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال&nbsp;». <br />
<br />
«&nbsp;والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها ويشدون من أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح ، وتحقق للبلاد ما تصبوا إليه من عزة وإسعاد. <br />
<br />
«&nbsp;وإن حالة الأمن لتتطلب منكم -بوجه خاص- أعينا ساهرة ويقظة دائمة ، فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالا يعرفون عند الشدة ويلبون عند أول دعوة فكونوا عند العهد بكم والله معكم ولن يتركم أعمالكم&nbsp;». بيان لا شك صراح وفريد في تأييد الثورة دون المنظمات الأخرى. <br />
<br />
وثيقة ثانية تضمنها بيان الإخوان المسلمين الصادر عن مكتب الإرشاد العام وقد نشرته مجلة الدعوة الأسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 27 يوليو 1952 الصفحة الأولى والثالثة. والذي أقرته الهيئة التأسيسية بتاريخ أول أغسطس 1952 وقد نشرته أيضًا جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 2 أغسطس 1952 ، الصفحة السادسة. <br />
<br />
بيان جاء معبرا عن فهم لحركة الجيش حيث نظروا إليها نظرتهم إلى ثورة في وقت قد أرتبك فيه مفهومها لدى القائمين عليها ولم تظهر مبادئها الستة الشهيرة سوى عام 1954. <br />
<br />
أكان الإخوان المسلمون قوى ضغط في تلك الفترة؟ الإجابة لا شك غير مؤكدة لكن لا ريب أن الضباط الأحرار قد استلهموا مبادئهم من تلك الخطوط العريضة التي أوردها الإخوان في بيانهم الذي نشره الأهرام يومئذ. <br />
<br />
بيان الإخوان المسلمين عن الإصلاح المنشود في العهد الجديد «&nbsp;التطير الشامل ومحاكمة كل من أساء استخدام السلطة -توفير التعليم لجميع المواطنين وتكوين جيل مشبع بالروح الدينية والخلقية والوطنية- عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يستمد مبادئه من مبادئ الإسلام -تحديث الملكيات الزراعية- والعلاقة بين المالك والمستأجر واستكمال التشريعات العمالية. <br />
<br />
'''تلقينا من الإخوان المسلمين أمس البيان المنشور فيما بعد وقد أقرته الهيئة التأسيسية للإخوان في اجتماعها غير العادي الذي عقدته في المركز العام أمس الجمعة وفيها يلي نص البيان&nbsp;: ''' <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ <br />
<br />
«&nbsp;الآن وقد وفق الله جيش مصر العظيم لهذه الحركة المباركة وفتح بجهاده المظفر أبواب الأمل في بعث هذه الأمة ، وإحياء مجدها التليد ، وأزال عقبة كانت تصد عن سبيل الله والحق وتعوق المصلحين ، ويستند إليها ويملي لها المفسدون المغرضون من كبراء هذه الأمة وحكامها في العهود المختلفة.. <br />
<br />
الآن ينبغي أن ننظر إلى الأمام وألا يأخذنا الزهو بهذه الانتصارات عما يجب من استئناف العمل في مرافق الإصلاح الشامل حتى تشعر الأمة بأنها انتقلت نقلة كلية من عهد إلى عهد فالا تفعل -فقد ضاعت ثمرة هذه الحركة وأصابتنا نكسة لا نؤمن عواقبها. وهذا يفرض على كل ذي رأي في الأمة أن يتقدم إلى الأمة وإلى أولي الأمر فيها بمشورته خالصة لله بريئة من الهوى عما ينبغي أن ينجه إليه الإصلاح المنشود ببعث هذه الأمة من جديد. <br />
<br />
وسنة الإخوان المسلمين أن يتقدموا إلى الأمة وأولي الأمر فيها في مثل هذه المراحل المتميزة من تاريخها بالرأي يستقونه من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي يسوى بين المسلمين وغير المسلمين في حقوقهم وواجباتهم العامة ولا يفرق بين جنس وجنس ولا بين لون ولون.. <br />
<br />
'''بعد هذه المقدمة يقدم بيان الإخوان المسلمون برنامجا يمثل قمة نضجهم كحركة سياسية ذات طابع راديكالي. يقول البيان الذي أردفت جريدة الأهرام نشره&nbsp;: ''' <br />
<br />
'''أولا&nbsp;: التطهير الشامل الكامل''' <br />
<br />
إلا أن أول ما ينبغي الالتفات إليه من ضروب الإصلاح وما لا تظهره ثمرة العمل إلا به ، أن يؤخذ كل من أعان الملك السابق على الشر ويسر له سبل الفساد والطغيان بما أخذ به الملك السابق نفسه -وما ينبغي أن يؤخذ به فلا يستقيم في ميزان العدالة- ولا في حماية المصالح العامة وراية المثل العليا أن يكون أمر التطهير مقصورا على عزل الملك ثم يترك أعوانه وأدواته آمنين لا يمتد إليهم بد القصاص. <br />
<br />
إن دستور البلاد الذي أقسم جميع الوزراء في الدولة على احترامه ، تنتهي نصوصه وروحه إلى إلقاء المسئولية كلها على كاهل الوزراء. والوزراء حين يحملون هذه المسؤولية يعتبرون مؤتمنين عليها من قبل الأمة ، فإذا فرطوا في رعاية هذه الأمانة فقد استوجبوا أشد أنواع المؤاخذة. <br />
<br />
وأن الدستور ليقرر أن أوامر الملك شفهية كانت أو كتابية لا تعفي الوزير من المسؤولية ، بل أن الدستور يؤكد المسؤولية في الحكومة حتى يعل رئيسها مسؤول عن أحاديث الملك الشخصية. فكيف يقبل بعد هذا عذر وزير مهد للملك سبيل الإفساد ويسر له استغلال أموال الدولة واغتصاب أراضيها وإضاعة مصالحها ، وأعانه على إهدار الحريات وسفك دماء أبنائها الأبرار ، وسن له من التشريعات والقوانين الاستثنائية ما يحميه من رقابة الشعب ويدفعه إلى التمادي في طريق البغي. ولكن رجال الحكم قد جاوزوا كل حد في التفريط وتضييع الأمانة ورأوا أن الاحتفاظ بمقعد الحكم -وهو أقصى ما يستطيع الملك حرمانهم منه- أعز عليهم من الوطن والشعب جميعا فضلا عما شاركوا فيه من الغنم الحرام والاستغلال الآثم لمقومات البلاد. <br />
<br />
لقد أصبح لزاما أن تمتد يد التطهير إلى هؤلاء الحكام ، فتبادر إلى تنحيتهم عن الحياة العامة وحرمانهم من مزاولة النشاط السياسي حتى يقدموا للمحاكمة عن كل ما يوجه للملك السابق من اتهامات وما يعاب عليه من تصرفات. وما تظهره الملفات الحكومية اليوم وبعد اليوم من مظاهر البغي وسوء الاستغلال حتى يكونوا عبرة لكل من يلي أمور هذه البلاد ، إذ يوقنون أن عقاب الشعب المتربص أحق بأن يتقي من نقمة الملك المتسلط. ولا يبلغ التطهير غايته حتى تشمل المؤاخذة كل من عبث بمصلحة الدولة أو أجرم في حق البلاد في عهود الحكم المختلفة..وهذا يتقاضانا أن نبادر إلى تنفيذ قانون الكسب الحرام دون هوادة ولا محاباة ، وأن نقدم للمحاكمة بلا تردد ولا تمييز كل من أساء استخدام السلطة بمصادرة الحريات وترويع الآمنين وتعذيب أبناء الأمة الأحرار ، وأن يعاد التحقيق نزيها صارما في القضايا التي غل الطغيان عنها يد العدالة من قبل كقضايا الجيش واغتيال الشخصيات التي كان لبعض المسؤولين فيها دور معروف. كما ينبغي إلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين الرجعية المنافية للحرية . <br />
<br />
'''ثانيا&nbsp;: الإصلاح الخلقي والتربوي''' <br />
<br />
أن حركة الجيش التي أسلمتنا إلى هذه النتيجة المباركة -نتيجة المسير في طريق التطهير لن يتسنى لها أن تؤتي ثمارها كاملة غير منقوصة حتى نسير في الإصلاح التشريعي والخلقي بخطوات حاسمة لا تتكرر معها التجارب المريرة ولا تسمح ببروز أوضاع وظهور أشخاص من طراز أولئك الذين لم نستجمع أنفاسنا بعد منذ أنحناهم عن الطريق. ولا شك أن التشريع مهما أحكمت صياغته واستقامت أهدافه وأصوله ، لا يبلغ غايته حتى يقوم على تنفيذه الفرد الصالح الذي لا يتم إعداده إلا عن طريق التربية الدينية إذ تغرس في نفسه من معالي الإنسانية السامية ما يعصمه من اتباع الهوى ويهديه إلى أن يحب للناس ما يحبه لنفسه. فإذا ولي أمرا أو تقلد سلطانا كان المؤمن بربه الذي لا يذل ولا ينزلق. المستقيم في خلقه الذي لا يتكبر ولا يتغطرس ، المرضي في أمانته الذي لا يختلس ولا يرتشي ، والذي لا يقصي الفضيلة عن حياته الشخصية أو حياته العامة فهو في بيته القدوة الصالحة ، وفي مكتبه المثل الطيب ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾. ومن تمام هذا الباب أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله وإلغاء مظاهر الحياة التي تخالف ذلك مثل القمار والخمر ودور اللهو والمراقص والأفلام والمجلات المثيرة للغرائز الدنيا. وأن العاطفة الدينية لا تكفي وحدها لضمان التخلق بأخلاق الإسلام فينبغي أن يقترن غرسها وإنمائها بمحاسبة الفرد حسابا دقيقا عن اتخاذ الآداب والأخلاق القرآنية منهاجا له في حياته الخاصة والعامة. <br />
<br />
كما يجب أن نعيد بناء نظامنا التعليمي والتربوي على أسس جديدة تضمن تكوين جيل جديد مشبع بالروح الدينية والخلقية والوطنية وأن نعيد كتابة تاريخنا الإسلامي والمصري لنزيل منه ما وضعه المغرضون من المستعمرين والمستشرقين . ويجب أن نوفر التعليم للمواطنين جميعا وألا يكون ذلك على حساب سواه ويجب تدعيم معاهد العلم والجامعات على اختلافها وتزويدها بما تحتاج إليه المكتبات والمعامل وأدوات البحث حتى تقوم بمصر نهضة علمية جديدة تستطيع بقسط كبير في بناء نهضتنا الاجتماعية والاقتصادية. <br />
<br />
'''ثالثا - الإصلاح السياسى''' <br />
<br />
بعد هذا البند الثاني يعالج بيان الإخوان الذي نشره الأهرام الإصلاح الدستوري وفيه نقرأ ما ذهبوا إليه من سقوط دستور 1923 والدعوة إلى عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جدي موضحا مبدأهم من قضية الديمقراطية. البيان سكت عن ذكر الأحزاب السياسية مما لا يعني إلغاءها كما ذهبت إلى عكسه بعض الماركسيين الذين يرون أن الأخوان يرفضون النظام الحزبي بمجمله وعن غموض موقفهم من قضية الديمقراطية. يعزز ما نذهب إليه أن البيان قد اقتصر على إجراء تطهير في الحياة السياسية وأحزابها عكس ما ذهب إليه حسن البنا من ضرورة حلها وتجميعها في قوى وطنية موحدة. <br />
<br />
هذا التغير في النظرة إلى الأحزاب السياسية يرجع في رأينا إلى نشأة أحزاب وجماعات في أواخر سني الأربعينات وبداية الخمسينات تختلف مبادئها عن تلك التي تبنتها أحزاب الثلاثينات. فالأخيرة كانت تجمع بينها مصلحة طبقة يرتبط مصيرها بالحكم آنئذ عدا اثنين منها وهما الحزب الوطني الذي كان يرأسه المرحوم حافظ رمضان والثاني حزب الوفد الذي كان يتزعمه المرحوم مصطفى النحاس ، أما باقيها -في عام 1937 حيث طالب حسن البنا بتوحيد جهود الأمة في حزب واحد يعمل لمصلحة البلاد وقضايا القويمة- فقد عرفت بأنها أحزاب للقصر أو موالية لسياسته -وهي حزب الاتحاد الذي أنشأه أحمد زيور باشا على أثر الانقلاب الدستوري عام 1924 ثم رأسه من بعد حلمي عيسى باشا ، وحزب الشعب الذي أسسه إسماعيل صدقي باشا عام 1930 ، وحزب الأحرار الدستوريين الذي أسسه عدلي يكن باشا ومحمد محمود باشا عام 1922 على أثر الانشقاق الذي وقع في حزب الوفد الذي تزعمه سعد زغلول ، والحزب السعدي الذي تزعمه أحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا منذ نشأته عام 1936 بعد الانشقاق الذي وقع أيضًا في حزب الوفد. وبين عامي 1940 و 1947 -حيث أعاد البنا مطالبته بحل الأحزاب المصرية سيئة هذا الوطن الكبرى وأنها ليست أحزابا حقيقة بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب في أي بلد من بلاد الدنيا- زاد هذا العدد بنشأة حزب الكتلة الوفدية الذي تزعمه المرحوم مكرم عبيد باشا عام 1944 على أثر الانشقاق الواقع في حزب الوفد عشية حادث 4 فبراير 1942. وتأسيس الحزب الاشتراكي عام 1946 بزعامة أحمد حسين الذي أنشأ حديث المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي بمنشور إداري «&nbsp;إلى الإخوان رقم 3 في ديسمبر 1952 الذي لم يمكن نشره بجريدة المصري آنئذ ثم الحديث الذي أدلى به في الإخوان المسلمين وحركة الجيش ، وفيه رد على من ينعتون الأخوان بالتعتيم والتكالب على الحكم. <br />
<br />
مع أقرانه حركة مصر الفتاة عام 1933 والتي تحولت إلى الحزب الوطني الإسلامي عام 1940. كما أضيفت إلى هذه حزب العمل الذي أنشأه النبيل السابق عباس حليم من الأسرة المالكة السابقة. <br />
<br />
قد أضيفت إلى هذه وتلك أحزاب تختلف في مبادئها تأسست في بداية الخمسينات وهي حزب الفلاح الذي أسسه أحمد مختار قطب عام 1950 والحزب الوطني الجديد الذي أسسه فتحي رضوان بعد الانشقاق الذي وقع في صفوف الحزب الوطني وخروج بعض الشباب من أعضائه على سياسته وحزب الاتحاد النسائي الذي تزعمته السيدة فاطمة راشد أحدى زعيمات الحركة النسائية وليد ثورة 1919 وأخيرا حزب بنت النيل الذي تزعمته المرحومة الدكتورة درية شفيق من زعيمات الحركة النسائية أيضًا في هذه الفترة... <br />
<br />
ما من شك أن نشأة هذه الجماعات السياسية مع أخريات ممثلة للتيار اليساري كدار الأبحاث العلمية التي أنشئت عام 1945 ولجنة الثقافة الحديثة عام 1946 وتأسيسها لصحافة اليسار (الفجر الجديد والطليعة عام 1945-1946والجماهير 1947-48) قد أضفى طابعا مميزا على الحركة السياسية تختلف عن سابقتها خلال الثلاثينات والعقد الرابع والتغير الذي لحق بعض الأحزاب القديمة كحزب الأحرار الدستوريين لتزعم المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل خلفا لمحمد محمود باشا الذي كان يعد من كبار الأسر الإقطاعية حتى وفاته عام 1942؟ <br />
<br />
هذا المناخ الجديد في الحياة السياسية المصرية كان ذا صدى على بيان الإخوان الذي اقتصر على المطالبة بالتطهير وحرمات من أساء إلى الحياة العامة من مزاولة النشاط السياسي . <br />
<br />
هذا البيان وأخر صدرت خلال العامين التاليين تكذب ما ذهبت إليه الوثائق الرسمية التي تبنتها السلطة آنئذ (مجلس قيادة الثورة) أو بعض من مثلها كالمرحوم جمال عبد الناصر والمرحوم أنور السادات في بيانات متضاربة عن انفراد الإخوان بتأييد قرار مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب الصادر قراره في يناير 1953 وإعلان فترة انتقال مدتها عشر سنوات تحكم خلالها مصر حكما عسكريا (1) دون حياة نيابية وهو ما يكذبه كما سنرى البند الثالث والبيانات الأخرى الصادرة عن المرشد العام حسن الهضيبي بتاريخ 4 مايو 1954 وسبتمبر من العام عينه. <br />
<br />
'''ذكر البيان الأول الصادر في أغسطس 1952 تحت عنوان الإصلاح الدستوري&nbsp;: ''' <br />
<br />
«&nbsp;إن الفرد الصالح لا تطيب له الحياة في ظل دستور تم وضعه في عهد الاستعمار الانجليزي أولا والطغيان السياسي ثانيا. وقد نشأ عن ذلك وجود ثغرات في نصوص الدستور سمحت بأحداث اضطرابات في حياتنا العامة ، واستطاع الاحتلال أن ينفذ منها بين حين وحين آخر. كما سولت للملك التدخل المستمر وتجاوز حدود المبادئ الدستورية الأساسية. ولقد كان المظهر البارز لهذه الملابسات أن يجئ الدستور منحة من الملك لا نابعا من أرادة الأمة. ولما أن تصرف الحكام قد أهدر الدستور نصا ومعنى -وكان من طبيعة الثورات الناجحة أن تسقط الدساتير التي تحكم الأوضاع السابقة عليها (كناية إلى اعتبار حركة الجيش ثورة دون وصف انقلاب) فإن الدستور المصري يكون قد أصبح لا وجود له من ناحية الواقع ولا من ناحية الفقه (كناية عن اعتبارهم سقوط دستور 1923 بنجاح حركة الجيش وهو ما أكده أيضًا حديث الأستاذ حسن الهضيبي -رحمه الله- في المنشور الإداري رقم 3 ، وقد أعلن مجلس قيادة الثورة سقوط الدستور في 10 ديسمبر 1952) مما يقتضي المسارعة إلى عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد على أساس أنه تعبير عن عقيدة الأمة وإرادتها ورغبتها وسياج لحماية مصالحها ، لا على أنه منحة من الملك (تشكلت هذه الجمعية التأسيسية في 13 يناير 1953 من خمسين عضوا تضم بعض أساتذة القانون مثل المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري والمرحوم الدكتور السيد صبري والمرحوم الدكتور وايت إبراهيم وبعض الشخصيات العامة كالأستاذ مربت غالي عضو مجلس النواب سابقا وخمسة أعضاء يمثلون الأخوان المسلمين هم الدكتور محمد كمال خليفة (ولد عام 1906) عضو مكتب الإرشاد والشهيد عبد القادر عوده (ولد عام 1906-1954) وكيل الجماعة والمرحوم الشيخ محمد الأودن (1894-1976) أستاذ الحديث بالأزهر وعضو الهيئة التأسيسية والمرحوم صالح عشماوي (1906-1983 عضو مكتب الإرشاد العام) والمرحوم حسن العشماوي (1918-1972). <br />
<br />
وسيترتب على أعادة إصدار الدستور بطبيعة الحال اختفاء جميع نصوصه التي تصدر عن طبيعة كونه منحة ويستمد مبادئه من مبادئ الإسلام الرشيدة في كافة شئون الحياة. وفي ظل هذه المبادئ تختفي من الدستور أسطورة الحكام الذين هم فوق المسئوولية الجنائية ، فالمبدأ الأساسي الذي يقرره الإسلام أن المسئولية بمقدار السلطة وأن الكل سواء أمام القانون. ومن هنا يجب أن يكون كل فرد في الأمة -حاكما كان أو محكوما- مسؤولا مسؤولية مباشرة عن كل تصرفاته- خاضعا لنفس الإجراءات والعقوبات التي يخضع لها الجميع بلا استثناء. <br />
<br />
هذا وينبغي أن نستفيد أيضًا من التجارب الدستورية السابقة ليكون اتجاهنا إلى الإصلاح مؤسسا على قواعد واقعية ملموسة -والذي يستقرئ هذه التجارب -منذ بدء الحياة النيابية إلى اليوم -يجد أنها لم تقدم للبلاد نيابة صالحة ولا تمثيلا صالحا. وليس أدل على ذلك من أنه مع شيوع المفاسد وانتشار الأخطاء التي تعترف بها الأحزاب السياسية اليوم وتقول أن الملك كان هو الآمر بها ، لم يفلح برلمان واحد في إسقاط حكومة أو مناقشة مخصصات الملك أ, تغيير وزيرا أو توجيه اللوم إلى وزارة ، ولم ينته أي مجلس من مناقشة أي استجواب إلا بالانتقال إلى جدول الأعمال وفوق ذلك فما من قانون جاء ضارا بالحريات إلا وقد أقرته وخضعت لمشيئة الحكومات فيه البرلمانات المتلاحقة. <br />
<br />
تلك البرلمانات التي طالما يسرت للحكومات اعتماد الأموال الضخمة المرهقة للميزانية في أوجه البذخ والترف وتحقيق شهوات الحكم الفردي بحيث عجزن الميزانية عن مواجهة مطالب النهضة وضرورات الإصلاح في مرافق الحياة. وهكذا انتهت الحياة البرلمانية في كافة العهود الحزبية إلى أن أصبحت أداة تعطي شهوات الحكام ومظالم السلطات صيغة قانونية. فلا مناص أذن من النظر في إعادة بناء الحياة النيابية والقوانين الانتخابية على أصول سليمة حتى تؤدي رسالتها على الوجه المنشود&nbsp;» . <br />
<br />
وتضمن البيان السالف برنامجا اجتماعيا فريدا مثل مطالب وآراء الحركات والتيارات السياسية والإصلاحية التي كانت تعادي النظام القديم والتي أوضح لبناتها الأولى المرشد حسن البنا في غير مقالة مما كتب في جرائدهم منذ العقد الثالث. كذلك ما عالجه سيد قطب وعبد القادر عودة في غير مؤلف لهما كما سجلته من بعد منشورات الإخوان علاجا لأدواء المجتمع المصري. <br />
<br />
<br> '''رابعا ً: الإصلاح الإجتماعي''' <br />
<br />
'''أورد البيان تحت البند الرابع بعنوان الإصلاح الاجتماعي&nbsp;: ''' <br />
<br />
«&nbsp;أن الأمة تعاني الآن تفاوتا اجتماعيا خطيرا ، فهي بين قلة أطغاها الغنى وكثرة أتلفها الفقر ، وهذه حال لا يرضى عنها الإسلام. فالإسلام يكره أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم. والإسلام يقضي بأن يكون لكل فرد في الدولة مسلما كان أو غير مسلم كحد أدني&nbsp;: مسكن يقيه حر الصيف وبرد الشتاء وملبس للصيف والشتاء ومطعم يقي جسمه ويجعله قادرا على العمل وعلاج بالمجان أن كان غير قادر وتعليم بالمجان ، ذلك كله له ولزوجه ومن يعول ، وسبيل الإسلام إلى تحقيق هذه المزايا&nbsp;: <br />
<br />
أولا -العمل&nbsp;: فالعمل فرض على القادر عليه ، لا يجوز له أن يتخلى عنه ولا تجوز إعانة رجل لا يعمل وهو قادر ، بل يحمل على العمل حملا ، ويجب على ولي الأمر أن يساعده على إيجاد عمل له ، ويهيئ له وسائله ويتعهده حتى يتحقق أنه مستريح فيه. <br />
<br />
ثانيا -التكافل الاجتماعي&nbsp;: فإذا لم يجد عملا أصلا أو كان عمله لا يكفيه أو كان غير قادر عليه وجب على ولي الأمر أن يتدخل ليحقق له ضرورات الحياة المذكورة آنفا بالزكاة ، وهي فريضة مقررة مقدرة وليست صدقة يدفعها الغني متفضلا. <br />
<br />
وهي حق للفقراء وتصرف حيث تجبي ولا تنقل إلى مكان آخر حتى يستوفى أهل كل جهة بفقرائها الذين يعرفونهم ويعرفون حاجاتهم ، فيشعر الأغنياء والفقراء بأنهم متكافلون متراحمون. فإن لم تكف الزكاة لتوفير تلك الحاجات الضرورية وجب على من عنده فضل مال أن يرده على الفقراء حتى يستوفوا حاجاتهم فإن لم يفعلوا أجبرتهم الحكومة على ذلك واتخذت من التشريعات ما يكفل إصلاح حال المجتمع بقدر ظهور الحاجات وبروز الضرورات وقبل توفير هذه الضرورات الأساسية لكل فرد لا يوقع الإسلام حد السرقة على السارق ، وبناء على هذه المبادئ يجب النظر في عدة إجراءات يلزم أن تتخذها الدولة لتحقيق تلك الغايات نلخص أهمها فيما يأتي&nbsp;: <br />
<br />
'''1- تحديد الملكيات الزراعية''' <br />
<br />
فإن الملكيات الكبيرة قد أضرت أبلغ الضرر بالفلاحين والعمال وسدت في وجوههم فرص التملك وصيرتهم إلى حال أشبه بحال الأرقاء ، فلا سبيل إلى إصلاح جدي في هذا الميدان إلا بتقرير حد أعلى للملكية وبيع الزائد منه إلى المعدمين وصغار الملاك بأسعار معقولة تؤدي على آجال طويلة. كما يتعين توزيع جميع الأطيان الأميرية المستصلحة والتي تستصلح على صغار الملاك والمعدمين خاصة (حددت رسالة أهدافنا ومبادؤنا الصادرة في أغسطس 1925 الملكية الزراعية بمائة فدان وهو الحد الذي وصل إليه النقاش بمجلس النواب في العهد الملكي وقبيل قيام الثورة بينما كان قد أقترح كل من محمد خطاب وإبراهيم شكري عضوي المجلس تحديد الملكية الزراعية بخمسين فدانا ، يجدر بالإشارة أن تحديد الملكية الزراعية كما وردت في قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 الصادر في 9 سبتمبر 1952 كان مائتي فدان ثم عدل إلى مائة فدان بالقانون الصادر في 25 يوليو 1916. كما نشير أن القانون الأول قد خول لوالد اثنين من القصر الاحتفاظ بمائة فدان وهو ما يعني أن الكثيرين كانوا يملكون في ظل هذا القانون ثلاثمائة فدان. <br />
<br />
'''2- تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر''' <br />
<br />
فمن الواضح أن عددا كبيرا من المشتغلين بالزراعة لن تتوافر له ملكية حتى بعد التحديد وذلك نظرا إلى قلة الأراضي الصالحة للزراعة بالقياس إلى عدد المشتغلين بها. ولقد جرت العادة أن يلزم المستأجر بأداء مبلغ نقدي أو قدر عيني من المحصول لقاء انتفاعه بكل فدان دون مراعاة للقصد والاعتدال. الأمر الذي يترتب عليه أن يحرم الفلاح ثمرة عمله طوال العام. بل يخرج في أكثر الأحيان مثقلا بدين لا يستطيع أداءه ولا علاج لهذه الحال بعد تحديد الملكية إلا بإصدار تشريع يقصر نظام التأجير على المزارعة بمعنى اقتسام المحصول بنسبة يتفق عليها كالنصف مثلا لأنها أقرب الصور إلى العدالة (حدد قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 الصادر في 9 سبتمبر 1952 القيمة الايجارية للفدان بسبعة أمثال الضريبة أو اقتسام المحصول بنسبة النصف حال المزارعة). <br />
<br />
'''3- استكمال التشريعات العمالية''' <br />
<br />
بإعادة النظر في التشريعات العمالية الحالية لتشمل جميع فئات العمال بما فيهم العمال الزراعيون. ولتكفل للعامل وأسرته التأمينات الكافية ضد البطالة والإصابات والعجز والمرض والشيخوخة والوفاة ، مع مراعاة جعل الانتساب إلى النقابات اجباريا وإباحة تكوين الاتحادات النقابية وتحديد أجور العمال وفق المبادئ الإسلامية على أسس اقتصادية سليمة مع ضمان حصول العمال على نصيبهم من غلة الإنتاج ، وإلغاء مكافآت أعضاء مجالس أدارة الشركات على أن يكون تقرير هذه الحقوق وحمايتها بنصوص قانونية صريحة (نص القانون رقم 178 لسنة 1952على إنشاء جمعيان تعاونية لصغار الملاك (خمسة أفدنة) كما خول العمال الزراعيين الحق في إنشاء نقابات تدافع عن مصالحهم. <br />
<br />
كما حدد القانون رقم 113 الصادر في 19 يوليو 1916 الحد الأقصى لراتب مديري الشركات والمؤسسات بخمسة آلاف جنيها سنويا كما أن القانون رقم 125الصادر في 21يوليو 1961 قد منع شغل أكثر من منصب في الإدارة والحكومة والشركات والمؤسسات. نشير أن التأمينات الاجتماعية الصادرة بالقانون رقم 259 لسنة 1959قد قصر حق الانتفاع بها على بعض الفئات وأن توزيع الأرباح على العاملين قد تقرر بما عرف باسم قرارات يوليو الاشتراكية الصادرة في 1961 ، وقد قصر على العاملين بشركات القطاع العام ومؤسساته وكذلك الشركات المساهمة). <br />
<br />
4'''- إصلاح نظم التوظيف''' <br />
<br />
على أساس تقريب الفوارق بين الحد الأعلى والحد الأدنى للمرتبات والأجور وكفالة الضمانات القانونية والمالية في الخدمة وفي المعاش. وتأمين المرؤوسين ضد أهواء الرؤساء واستبدادهم وتحديد التبعات وتبسيط الإجراءات وإلغاء المركزية. <br />
<br />
'''5- إلغاء النياشين''' <br />
<br />
وذلك تكملة لما تم من إلغاء الرتب وتحقيقا للمساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد وحتى تكون الأعمال خالصة لله. وكذلك العمل على القضاء على مظاهر البذخ والترف (جدي بالإشارة أن مرشد الإخوان المسلمين المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي كان من بين بعض الأعضاء ممن يحملون لقب البكوية كما نشير أن قرار إلغاء الرتب قد صدر في 3 أغسطس 1952). <br />
<br />
6'''- جعل المسجد مركزا دينيا وثقافيا واجتماعيا''' <br />
<br />
وقد كانت هذه وظيفة المسجد الرئيسية منذ نشأته ولا يتم هذا إلا بتعيين رجال متدينين مثقفين للإشراف على المساجد لا يكتفون بإقامة الصلوات بل يحولون المسجد -وبخاصة في القرى- إلى ندوة حافلة بضروب النشاط والإصلاح ومكافحة الأمية (البيان لم يحدد تسمية رجال دين وهي تسمية تخالف مفهوم الإسلام حيث أن المسلم هو رجل دين ودنيا). <br />
<br />
<br> '''خامسا -الإصلاح الاقتصادي''' <br />
<br />
أن مواد الثروة في مصر بوضعها الحالي لا تكفي لأن يعيش المواطنون معيشة طيبة ولابد من فتح أبواب جديدة للثروة وإصلاح الأوضاع القائمة على أسس سليمة ونقترح لذلك أمورا منها&nbsp;: <br />
<br />
1- تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيما يؤدى إلى هذه الغاية وتكون الحكومة قدوة في ذلك بالتنازل عن الفوائد في مشروعاتها الخاصة. <br />
<br />
2- تمصير البنك الأهلي وإنشاء مطبعة للإصدار في مصر واستعجال أنشاء دارسك النقود المعدنية (أمم البنك الأهلي بموجب القانون رقم 40 الصادر في 11 فبراير 1960). <br />
<br />
3- إلغاء بورصة العقود التي أدت المضاربات فيها إلى زعزعة الاقتصاد القومي والعمل على إصلاح السياسة القطنية بما يحقق مصالح البلاد. (أول سلسلة القوانين المنظمة لتجارة القطن صدرت بالقانون رقم 47 في 6 يونيو 1961 حيث نص على أن يكون التجار والوكالات التجارية من حاملي جنسية الجمهورية العربية المتحدة (زمن الوحدة المصرية السورية بين فبراير 1958 إلى سبتمبر 1961) وأصدر القوانين رقم 69و 70 و 71 و 120 في الفترة من 22 يونيو إلى 20 يوليو 1961 تنظم احتكار اللجنة المصرية للقطن لتجارة هذا النشاط كما نظمت شركات التصدير على أن تكون شركات مساهمة رأسمالها مائتي ألف جنيه يساهم فيها القطاع العام بنصف رأس المال ثم أصدر القرار رقم 972 في 30 يونيو 1961لتنظيم اللجنة المصرية للقطن حيث عرفها بأنها مؤسسة عامة تتمتع بشخصية معنوية وتتبع وزارة الاقتصاد ، وقد ألغيت بورصة العقود في القاهرة والإسكندرية بموجب القانون رقم 116 الصادر في 19 يوليو 1961). <br />
<br />
4- استكمال إصلاح الأراضي البور والعناية باستغلال الصحاري المصرية زراعيا ومعدنيا. <br />
<br />
5- تصنيع البلاد مع العناية بالصناعات المعتمدة على المواد الأولية المحلية والصناعات الحربية. <br />
<br />
<br> '''سادسا&nbsp;: التربية العسكرية''' <br />
<br />
إن رجال الجيش الباسل هم أولى الناس بإصلاحه ويجب على الدولة ألا تبخل عليه بالمال الذي يهيؤه لتأدية واجباته وأن تعتبر ذلك فريضة لا يؤخرها غيرها من الفرائض ولو اقتضى الأمر الجور على أبواب الميزانية الأخرى ونود أن نشير إلى أمور في التربية العسكرية نجملها فيما يأتي&nbsp;: <br />
<br />
1- أن تراعى الآداب والشعائر الدينية في الجيش وأن تقوم العلاقة بين أفراده على أساس الأخوة. <br />
<br />
2- أن يوسع نطاق التجنيد بحيث لا يبقى في الأمة –بعد فترة وجيزة- من يستطيع حمل السلاح دون أن يحمله حتى يصبح الشعب كله جيشا كامل الأهبة والعتاد (في 25 أكتوبر 1953 صدر قانون بإنشاء الحرس الوطني). ﴿انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. <br />
<br />
3- أن تضاعف العناية بالتدريب العسكري في المدارس والجامعات وأن يتسم بالجد والإنتاج إجباريا في مناهج التعليم ويشمل فنون الحرب وأساليب القتال الصحيح. <br />
<br />
4- إنشاء جيش إقليمي يتكون من كل فاته الانتظام في الجيش العامل. <br />
<br />
5- أن تبادر الحكومة إلى إنشاء مصانع الأسلحة والذخيرة لإمداد الجيش بحاجته منها حتى يستطيع الجيش أن يحقق غاياته في العدد والعدة ومستوى التدريب. <br />
<br />
<br> '''سابعا&nbsp;: البوليس''' <br />
<br />
إن رجال البوليس هم حفظة الأمن الداخلي وهم جزء من الأمة يجب أن تكون علاقتهم معها علاقة أخوة قائمة على أساس من الخلق الفاضل الكريم. لذلك ينبغي أن يطهر البوليس من العناصر الفاسدة التي عاونت الطغاة على إذلال الأمة ومهدت السبيل لزج أبنائها الأبرياء في ظلمات السجون والمعتقلات وأشاعت في البلاد جوا من الفزع والإرهاب لا زالت آثاره حية بيننا. وأن ينزه البوليس عن أن يكون أداة في يد الأحزاب تسخره في مآربها السياسية مستغلة سيطرتها عليه حين تكون في الحكم. ويجب إلغاء البوليس السياسي الذي أساء إلى سمعة البوليس ومد نفوذه بغير حق إلى كثير من مرافق الحياة وهو في حقيقته أثر من آثار الاستعمار البغيضة. ويجب أن يرفع مستوى رجال البوليس وأن يأمنوا في حياتهم وتوثيق روابط الود بينهم وبين رؤسائهم من ناحية وأفراد الأمة من ناحية أخرى. <br />
<br />
<br> '''خاتمة:''' <br />
<br />
هذه خطوط رئيسية في الإصلاح يحتاج كل منها إلى بيان ، وأن المشكلة التي تقابلها الآن ذات ثلاثة أطراف –مظلومون – وظالمون- وأوضاع مكنت الظالم من أن يظلم ولابد لكي يستقيم أمر هذه الأمة مما يلي&nbsp;: <br />
<br />
1- أن ترد المظالم إلى أهلها وأن يعاد إلى كل ذي حق حقه فترد إلى المسجونين السياسيين حريتهم. ولقد كانت هذه الصفوة من الشباب الطليعة الأولى التي ثارت في وجه الظلم والطغيان ولا زالت ترسف في أغلالها بينما يتمتع المترفون والجلادون بأهوائهم ، كما ترد الأموال والأرض المغصوبة إلى أهلها ، وأن تتوفر للمواطنين حياة يتحرون فيها من أغلال الإلحاد والفقر وطغيان الطبقة الحاكمة وتجار السياسة. <br />
<br />
2- أن يقتص من الظالمين وأن يبعدوا عن الميدان السياسي؛ هؤلاء الذين استباحوا الحرمات واعتدوا على الحريات وداسوا على مقدسات الأمة وجعلوا البلاد مزرعة لشهواتهم واتخذوا العبث بمصالحها مادة للكسب الحرام لأنفسهم وأهليهم وأنصارهم. <br />
<br />
3- أن تغير الأوضاع التي مكنت الظالم من أن يظلم وأن يكون التغيير شاملا لكل مرافق الحياة التي استطاع الطغاة أن ينفذوا منها إلى مآربهم. <br />
<br />
أما قضية الاستقلال فليس لها إلا حل واحد هو أن يخرج الانجليز من مصر والسودان وأن يخرج كل مستعمر من بلاد الإسلام. <br />
<br />
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ ... <br />
<br />
وأن الإخوان المسلمين حين يتقدمون بهذه الخطوط الرئيسية إنما يستوحونها من كتاب الله الذي يأمر بالعدل والإحسان ويحض على الإخاء ورعاية أهل الذمة. <br />
<br />
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾. <br />
<br />
ويدعون الله جلت قدرته أن يجمع القلوب على الهدى وأن يحقق للأمة أهدافها وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل ... <br />
<br />
والله أكبر ولله الحمد... <br />
<br />
المرشد العام <br />
<br />
حسن الهضيبي <br />
<br />
بيان صريح صدر عن جماعة دون الأخريات من الجماعات السياسية... وهو يحدد بلا ريب أن ثمة علاقة قائمة بين تنظيمي الضباط الأحرار - والإخوان المسلمين. أكانوا على اتفاق في الخطوط العريضة التي أعقبت 23 يوليو ، الإجابة لا تشك في حسن العلاقات بينهما حتى بداية عام 1954 ثم خامرتها ظلال من الشك. <br />
<br />
بين التاريخين ، كان الإخوان المسلمون الحركة الوحيدة الوجود على الساحة السياسية المصرية التي كانت تصدر عنها ما نحسبه توجيها مثلما درج البنا في إرسال خطاباته إلى المسئولين المصريين موضحا ما يهم الأمور القومية.. وتلك كانت سنة خلفه ممثلا للجماعة ، وهي أمور بلا شك توحي بالعلاقة بين التنظيمين. مساندة الإخوان في حركة الجيش أكدتها الوثائق وتأييدها بعد نجاحها عبرت عنه غير مرة خطوات بدرت عن المرشد ، وبرنامج إصلاحي اجتماعي أعدته الجماعة . <br />
<br />
وفي الوقت الذي اضطرب فيه فهوم الحكم ونظامه لدى القادة الجدد تقدم الإخوان بمشروع دستور إسلامي مقترح للدولة المصرية صاغ مواده المرحوم الدكتور محمد طه بدوي ( توفى عام 1981 وكان أستاذا للقانون العام والعلوم السياسية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية) عضو الشعبة القانونية وقد ناقشته لجنة برئاسة المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية (1894-1976) عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري للإخوان بالإسكندرية باشتراك كل من الأستاذ على فهمي طمان (محام) والدكتور غربي الجمال (حالياً أستاذ الاقتصاد الإسلامي بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة) عضوي الشعبة القانونية ،وقد أقرته الهيئة التأسيسية بتاريخ 16 سبتمبر 1952 ، ومن دراسته التي قدمناها آنفاً يبين معالم النظام الذي تبنوه ودعوا إليه ، وهو النظام الجمهوري الذي أوضحته أيضًا رسالة «&nbsp;أملكية أو جمهورية&nbsp;» لواضع المشروع المقترح وهي التي صدرت في أول ديسمبر 1952 (ألغي النظام الملكي وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953). <br />
<br />
تلك المعالم التي صاغها تفصيلاً المرحوم الأستاذ صالح عشماوي (توفي عام 1983) عضو مكتب الإرشاد ، حيث كتب في مجلة الدعوة الأسبوعية بتاريخ 15 ديسمبر 1952 «من أجل أن نضمن كل سبل النجاح لتعديل الدستور ، لابد أن تبدأ الحكومة في تعزيز بعض الحريات ، ولابد من التأكيد على حرية الصحافة والتعبير والاجتماع حتى يستطيع الشبع أن يعبر عن آمال ورغباته.أما بشأن الدستور الجديد فيجب إلغاء الرقابة على الصحف على الأقل فيما له تأثير على المسألة الدستورية ، أما بشأن الدستور نفسه فلابد أن يكون مستوحيا من الإسلام ، تلك هي القاعدة الأساسية لدستور مصر الإسلامية التي تتكون غالبية سكانها من مسلمين. وبطبيعة الحال فإن رئيس الدولة لابد أن يكون منتخبا من الشعب وليس مفروضا عليه. إن الإسلام لا يعترف بالنظام الوراثي الذي برهنت العصور على عيوبه وخطره. <br />
<br />
كذلك فإن الإسلام لا يعرف القداسة لأي إنسان. فالرئيس لابد أن يكون مسؤولا مباشرة أمام الشعب. إننا نريد أن ينص الدستور على أن الإسلام دين الدولة. وليس هذا كافيا لأن هذا النص قد بقي صياغة ميتة في الدستور القديم. نحن نريد أذن إضافة أن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين في الدولة. نحن نريد أن تضمن حرية التعبير وليس للدعوة إلى الإلحاد والسفاهة&nbsp;». <br />
<br />
ذلك الرأي كان صدى لما كرسه حسن الهضيبي في حديثه لا حدي الصحف ولكن لم ينشر. وقد أورده المنشور الإداري الثالث «&nbsp;إلى الإخوان&nbsp;» حيث أكد على وجوب أن ينص في الدستور على أن القوانين ينبغي أن يكون مصدرها الإسلام. وأن ولى الأمر أياً كان الاسم الذي يطلق عليه يصبح مسؤولا عن أعماله الجنائية والإدارية والمدنية مسؤولية أن شخص من رعاياه بلا تخفيف ولا تمييز. ولكي يكون الاستفتاء سليماً ولا يدعى أحد أن تأثيراً غير مشروع قد وقع عليه ينبغي إلغاء الأحكام العرفية وإلغاء الرقابة العسكرية على الصحف وإباحة الاجتماعات.. وبالجملة توفير كل الضمانات التي تكفل حرية أبداء الآراء.... وأن ولي الأمر لابد أن يكون منتخبا ، وهذا الانتخاب يتنافي مع وراثة العرش . <br />
<br />
تلك المبادئ هي أيضًا التي عبر عنها ممثلو الإخوان أعضاء لجنة الدستور المشكلة في يناير 1953. ثم تتابعت الإحداث بعد إلغاء الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953. أصبح الإخوان المسلمون الحركة الوحيدة الوجود على الساحة السياسية في مصر. <br />
<br />
نشير بهذا الصدر أنه بموجب قانون تنظيم الهيئات والأحزاب الصادر في 9 سبتمبر 1952 بدا تياران أثارا جدلا كاد أن يصل إلى إشعال فتنة في صفوف الإخوان. <br />
<br />
أولهما يذهب إلى القول بأن الإخوان المسلمين يجب تسجيلهم كحزب سياسي لأن السياسة جزء من منهاجهم وثانيهما يذهب إلى القول بأن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا سياسيا ولكنهم هيئة وكان المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي من أصحاب الرأي الأخير. ولكن الهيئة التأسيسية أخذت بالرأي الأول وتقدمت بالأخطار الأول الذي أدخلهم في نطاق هذا القانون بعد القرار الصادر عن الهيئة التأسيسية بتعديل نظام الجماعة الذي جعل مدة رئاسة المرشد ثلاث سنوات بدلا من أن يكون منتخبا مدى الحياة ، وأن عدد الأعضاء المؤسسين يبلغ 150 عضوا ، عندئذ قدم الأستاذ حسن الهضيبي استقالته إلى الهيئة التأسيسية التي اجتمعت مرة أخرى ونظرت فيما قدمه المرشد من أسباب أولها مضمون ما نادي به حسن البنا في رسالة «&nbsp;بين الأمس واليوم&nbsp;» وموصيا الإخوان بقوله «&nbsp;أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية الأغراض محددة المقاصد ، ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن ، ونور جديد يشرق فيبدد الظلام ، ظلام المادة بمعرفة ا لله ، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس ، وإذا قيل لكم الأم تدعون؟ فقولوا ندعو للإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه ، فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام . <br />
<br />
وهكذا رد المرشد أعضاء الهيئة التأسيسية إلى الأصل الذي نادوا به وما كان له أن يغير في أهدافها أو غايتها ، فقررت الهيئة التأسيسية العدول عن طلب التسجيل كحزب سياسي ورأت أنهم لا يعتبرون الحكم من وسائلهم في الوقت الحاضر ، وعلى هذا فلن يدخل الإخوان الانتخابات كهيئة إذا أجريت الانتخابات مع الاحتفاظ لأنفسهم بحق التوجيه والنقد في الأمور السياسية والوطنية وقدموا أخطارهم الثاني بالعدول في 7 نوفمبر 1952فخرجوا من نطاق قانون الأحزاب السياسية . <br />
<br />
العلاقة إذن بين التنظيمين كانت وثيقة الصلة. تعاون في سبيل القضاء على نظام ملكي متهالك تسانده قوات الاحتلال. بيان بالأهداف الوطنية صادر عن نكتب الإرشاد العام وصدقت عليه الهيئة التأسيسية. معالم نظام دستوري مقترح. <br />
<br />
عفو خاص صدر في 11أكتوبر 1952عن المحكوم عليهما في قضية مقتل المستشار أحمد الخازندار الذي قتل لأنه حكم بالإدانة في بعض عمليات الاغتيال ضد أفراد القوات البريطانية (وكانت محكمة الجنايات قد استعملت الرأفة مع من صدرت بحقهما أحكامها وقضت عليهما في شهر نوفمبر 1948 بالأشغال الشاقة المؤبدة ، وأطلق سراحهما بموجب العفو الخاص) كما صدر أيضًا في نفس التاريخ عفو خاص عن المحكوم عليهم بالإشغال الشاقة لاشتراكهم في مقتل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء الأسبق ، وقد أفرج عن هؤلاء قبل صدور المرسوم بقانون رقم 241 لسنة 1952 في 16 أكتوبر 1952 بالعفو الشامل عن الجرائم السياسية التي وقعت في المدة من توقيع معاهدة 1936 إلى 23يوليو 1952 أو المتهمين في قضايا سياسية خلال هذه المدة ولم تزل قضاياهم منظورة أمام المحاكم. <br />
<br />
علاقة تؤكدها بعض مظاهر الود حيث احتفل الإخوان المسلمون بالمولد النبوي في مركزهم العام بتاريخ 3 ديسمبر 1952 حيث زارهم ضباط القيادة وعلى رأسهم محمد نجيب الذي أشاد في كلمة ألقاها بروحهم وجهادهم ثم صحبتهم للمرشد العام حسن الهضيبي في جمع من الوزراء وضباط الثورة إلى قبر حسن البنا بمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاده حيث ألقى محمد نجيب كلمته التي جاء فيها «&nbsp;أن الإمام الشهيد حسن البنا أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه رحمه الله لم يعش لنفسه ، بل عاش للناس ، ولم يعمل لمنفعته الخاصة ، بل عمل للصالح العام&nbsp;». وإعادة التحقيق في قضية اغتياله وتقديم إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء الأسبق المتهم بإصدار أوامر التعذيب ضد الإخوان عام 1949 إلى محكمة الثورة في سبتمبر عام 1953 التي أصدرت حكمها بإعدامه بعد أدانته (خفف إلى السجن المؤبد وأفرج عنه صحيا في فبراير 1954). تعيين بضع الإخوان المسلمين في المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي وقد صدر به مرسوم قانون في 2 أكتوبر 1952 ومهمته بحث المشروعات الاقتصادية التي تكون من شأنها تنمية الإنتاج القومي في النواحي الزراعية والصناعية والتجارية وكذلك في المجلس الدائم للخدمات العامة الذي صدر قانون رقم 493 في 17 أكتوبر 1953 بإنشائه. <br />
<br />
وكان الهدف من إنشائه بحث السياسة العام ووضع الخطط الرئيسية للتعليم والصحة والعمران والإشراف على المرافق العامة والشؤون الاجتماعية (قد عين في لجنة التعليم المرحوم الأستاذ سيد قطب ، والدكتور حسين كمال الدين في مجلس الإنتاج وغيرهما).. <br />
<br />
دامت هذه العلاقة الوطيدة خلال عام 1953 وما تخلل آخره من بعض مظاهر الانقسام الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين من حيث فصل بعض القائمين على نشاط الجهاز الخاص الذي حد المرشد العام منه بعد انتخابه في 18أكتوبر 1951 معلنا أن لا إرهاب في الدعوة (بتاريخ 2نوفمبر 1953 ، أعلن عن فصل أربعة من أعضاء هذا الجهاز هم&nbsp;: أحمد زكي حسن وأحمد الصباغ وأحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي رئيس هذا الجهاز وصديق مقرب إلى جمال عبد الناصر). <br />
<br />
لاشك أن هذه الأحداث التي وقعت حوول استغلالها من وراء الكواليس من حيث استغلال واقعة هذا الانشقاق الذي وقع –وهي ظاهرة عامة نلقاها في جميع الجماعات والأحزاب- كذلك يمكن النظر إلى إنشاء الحرس الوطني في 25 أكتوبر 1953 ومنظمة الشباب التابعة لهيئة التحرير بمثابة الخطوة الأولى في اتجاه إنشاء ثقل معادي للإخوان المسلمين في نفس الوقت الذي بدأ فيه جمال عبد الناصر ينشط في شد أزر مجموعة المنشقين الذين فصلوا من الجماعة فجاء قرار حل الجماعة في يناير 1954بعد فشله في محاولة استغلال هذا الانشقاق. وأورد قرار الحل الذي نشرته جريدة الأهرام في 15يناير 1954 في صفحتها الأولى ثلاثة عشر اتهاما لجماعة الإخوان المسلمين وأطلق العنان لحملة صحفية مكثفة ضد المرشد العام المرحوم حسن الهضيبي وشددت إجراءات أمن صارمة وربطت الحملة الصحفية الموجهة بين عدد من العناصر لا رابط بينها بل والمتعارضة أحيانًا؛ أولها&nbsp;: المعاهدة السرية بين الهضيبي والبريطانيين والزعم أنها تضمنت قبوله شروطاً للجلاء منها مبدأ الدفاع المشترك مع الغرب والخبراء العسكريين والتحالف مع الإنجليز بعد الجلاء مع التنويه الخاص إلى سرية تلك المفاوضات ، وهي اتهامات ومزاعم كذبتها شهادة شهود لا نشك في نزاهة قولهم وهي لبعض من تعاونوا مع جمال عبد الناصر في سني حكمه. الزعيم <br />
<br />
'''يقول قرار الحل الذي نشره الأهرام:''' <br />
<br />
«&nbsp;قرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين لتآمرهم مع رجال السفارة البريطانية على قلب نظام الحكم الحاضر. فقد أصدر المجلس في اجتماعه برياسة البكباشي جمال عبد الناصر نائب الرئيس ما يلي&nbsp;: <br />
<br />
«&nbsp;تعتبر جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسياً ويطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بحل الأحزاب السياسية... <br />
<br />
أن الثورة حينما حلت الأحزاب لم تطبق أمر الحل على الإخوان أبقاء عليهم وأملا فيهم وانتظار لجهودهم وجهادهم في معركة التحرير ، ولكن نفرا من الصفوف الأولى في هيئة الإخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأهواء ذاتية مستغلين سلطان الدين على النفوس ، وقد أثبتت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الأخوان والنظم التي تقوم عليها لأحداث انقلاب في نظام الحكم تحت شعار الدين ، وسارت الحوادث بين الثورة والإخوان بالتسلسل الآتي&nbsp;: <br />
<br />
1- في صباح يوم الثورة استدعى الأستاذ حسن العشماوي لسان حال المرشد العام إلى مقر قيادة الثورة في كوبري القبة ، وكلف أن يطلب من المرشد العام إصدار بيان بتأييد الثورة ، ولكن المرشد بقي في مصيفه بالإسكندرية لائذا بالصمت ، فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد أن العلماء الملك ، ثم أصدر بياناً مقتضبا طلب بعده أن يقابل أحد رجال الثورة فقابله جمال عبد الناصر في منزل صالح أو رقيق الموظف بالمجامعة العربية. وقد بدأ المرشد حديثه مطالباً بتطبيق أحكام القرآن في الحال ، فرد عليه جمال أن هذه الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والاستعمار البريطاني ، وهي بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم ، فانتقل المرشد العام بالحديث إلى تحيد الملكة وقال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى 500 فدان (نرجو أن يعود القارئ إلى ما أورده بيان مكتب الإرشاد وصدقت عليه الهيئة التأسيسية ونشره الأهرام في 2 أغسطس 1952) ، فرد عليه جمال قائلا&nbsp;: إن الثورة رأت التحديد بمائتي فدان وهي مصممة على ذلك ، فانتقل المرشد بالحديث قائلا أن يرى لكي تؤيد هيئة الإخوان الثورة أن يعرض عليه أي تصرف للثورة قبل إقراره ، فرد عليه جمال قائلا بأن هذه الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها ، وهي لن تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد وإن كان هذا لا يمنع القائمين على الثورة من التشاور في السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأي دون التقيد بهيئة من الهيئات ، ولم يلق الحديث قبولا من نفس المرشد. <br />
<br />
2- سارعت الثورة بعد نجاحها في إعادة الحق إلى نصابه ، وكان من أول أعمالها أن أعادت التحقيق في مقتل الأستاذ حسن البنا فقبضت على المتهمين في الوقت الذي كان فيه المرشد لا يزال في مصيفه بالإسكندرية . <br />
<br />
3- طالبت الثورة الرئيس السابق على ماهر بمجرد تولية الوزارة أن يصدر عفوا شاملا عن المعتقلين والمسجونين السياسيين ، وفي مقدمتهم الإخوان وقد نفذ هذا فعلا بمجرد تولي الرئيس نجيب رياسة الوزارة. <br />
<br />
4- حينما تقرر إسناد الوزارة إلى الرئيس نجيب تقرر أن يشترك فيها الإخوان المسلمون بثلاثة أعضاء ، على أن يكون أحدهم الأستاذ حسن الباقوري ، وقد تم اتصال تليفوني بين اللواء عبد الحكيم عامر والمرشد ظهر يوم 7 سبتمبر 1952 فوافق على هذا الرأي قائلا أنه سيبلغ القيادة الاسمين الآخرين ، ثم حضر الأستاذ حسن العشماوي المحامي إلى القيادة في كوبري القبة ، وأبلغ جمال عبد الناصر أن المرشد يرشح للوزارة الأستاذ منير الدولة الموظف في مجلس الدولة والأستاذ حسن العشماوي ، وقد عرض هذا الترشيح على مجلس قيادة الثورة فلم يوافق عليهما ، وطلب جمال من العشماوي أن يبلغ ذلك إلى المرشد ليرشح غيرهما ، وفي نفس الوقت اتصل جمال بالمرشد فقال الأخير أنه سيجتمع بمكتب الإرشاد في الساعة السادسة ويرد عليه بعد هذا الاجتماع ، وقد أعاد جمال الاتصال مرة أخرى بالمرشد فرد عليه أن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك في الوزارة فلما قال له لقد أخطرنا الشيخ الباقوري بموافقتك ، وطلبنا منه أ ، يتقابل مع الوزراء في الساعة السابعة لحلف اليمين ، أجاب بأنه يرشح بعض أصدقاء الإخوان لاشتراك في الوزارة ولا يوافق على ترشيخ أحد من الإخوان ، وفي اليوم التالي صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل الشيخ الباقوري من هيئة الإخوان ، فاستدعي جمال عبد الناصر الأستاذ حسن العشماوي وعاتبه على هذا التصرف الذي يظهر الإخوان بمظهر الممتنع عن تأييد وزارة الرئيس نجيب ، وهدد بنشر جميع التفاصيل التي لازمت تشكيل الوزارة ، فكان رد الأستاذ حسن العشماوي أ ، هذا النشر يحدث الفرقة في صفوف الإخوان ويسئ لموقف المرشد ورجاء عدم النشر . <br />
<br />
5- عندما طلب من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها قدم الأخوان أخطارا باعتبارهم حزبا سياسيا ، وقد نصحت الثورة رجال الأخوان بألا يتردوا في الحزبية ويكفي أن يمارسوا دعوتهم الإسلامية بعيدا عن غبار المعارك السياسية والشهوات الحزبية ، وقد ترددوا بادئ الأمر ثم استجابوا قبل انتهاء موعد تقديم الإخطارات وطلبوا اعتبارهم هيئة وطلبوا من جمال عبد الناصر أ ، يساعدهم في تصحيح الأخطار فذهب إلى وزارة الداخلية حيث تقابل مع المرشد في مكتب الأستاذ سليمان حافظ وزير الداخلية وقتئذ ، وتم الاتفاق على أن تطلب وزارة الداخلية من الإخوان تفسيرا عما إذا كانت أهدافهم سيعمل على تحقيقها عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات وأن يكون رد الإخوان بالنفي حتى لا ينطبق عليهم القانون. <br />
<br />
6- وفي صبيحة يوم صدور قرار حل الأحزاب في يناير سنة 1953 حضر إلى مكتب جمال عبد الناصر الصاغ صلاح شادي والأستاذ منير الدله وقالا له&nbsp;: الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا هيئة الإخوان ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا في وضع يمكنهم من أن يردوا على كل أسباب التساؤل –فلما سألهم ما هو هذا الوضع المطلوب ، أجبا بأنهم يريدون الاشتراك في الوزارة ، فقال لهما إننا لسنا في محنة ، وإذا كنتم تعتقدون أ ، هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون ، فقالوا له إذا لم توافق على هذا فإننا نطالب بتكوين لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها ، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم أن أردتم التأييد ، فقال لهم جمال لقد قلت للمرشد سابقا إننا لن نقبل الوصاية ، وإنني أكررها اليوم مرة أخرى في عزم وإصرار. <br />
<br />
وكانت هذه الحادثة في نقطة التحول في موقف الإخوان من الثورة وحكومة الثورة. إذ دأب المرشد بعد هذا على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية ، كما كانت تصدر الأوامر شفويا إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائما في المناسبات التي يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي. <br />
<br />
7- لما علم المرشد بتكوين هيئة التحرير تقابل مع جمال في مبنى القيادة بكوبري القبة وقال أنه لا لزوم لإنشاء هيئة التحرير ما دام الإخوان قائمين ، فرد عليه جمال أن في البلاد من لا يرغب في الانضمام للإخوان وأن مجال الإصلاح متسع أمام الهيئتين ، فقال المرشد إنني لن أؤيد هذه الهيئة ، وبدأ منذ ذلك اليوم في محاربة هيئة التحرير وإصداره أوامره بإثارة الشغب واختلاف المناسبات لإيجاد جو من الخصومة بين أبناء الوطن الواحد . <br />
<br />
8- وفي شهر مايو سنة 1953 ثبت لرجال الثورة أن هناك اتصالا بين بعض الإخوان المحيطين بالمرشد وبين الإنجليز عن طريق الدكتور محمد سالم الموظف في شركة النقل والهندسة ، وقد عرف جمال من حديثه مع الأستاذ حسن العشماوي في هذا الخصوص أنه حدث اتصال فعلا بين الأستاذ منير الدله والأستاذ صالح أبو رقيق ممثلين للإخوان وبين مستر ايفانز المستشار الشرقي للسفارة البريطانية ، وأن هذا الحديث سيعرض حينما يتقابل جمال والمرشد ، وعندما التقى جمال مع المرشد ، أظهر له استياءه من اتصال الإخوان بالإنجليز والتحدث معهم في القضية الوطنية ، الأمر الذي يدعوا إلى التضارب في القول وإظهار البلاد بمظهر الانقسام. <br />
<br />
ولما استجوب الدكتور محمد سالم عن موضوع اتصال الإنجليز بالمرشد ومن حوله قال أن القصة تبتدئ وقت أن كان وفد المحادثات المصري جالسا يتباحث رسميا مع الوفد البريطاني ، وفي إبريل سنة 1953أتصل به القاضي جراهام بالسفارة البريطانية وطلب منه أ ، يمهد مقابلة بين مستر ايفانز المستشار الشرقي للسفارة البريطانية وبعض قادة الإخوان ، وأنه أي محمد سالم أمكنه ترتيب هذه المقابلة من منزله بالمعادي بين منير الدله وصالح أبو رقيق عن الإخوان ومستر ايفانز عن الجانب البريطاني ، وتناول الحديث موقف الإخوان من الحكومة وتباحثوا في تفاصيل القضية المصرية ، ورأي الإخوان وموقفهم من هذه القضية –ثم قال الدكتور محمد سالم أنه جاء في رأى قادة الإخوان أن عودة الإنجليز إلى القاعدة تكون بناء على رأى لجنة مشكلة من المصريين والإنجليز وأن الذي يقرر خطر الحرب هي هيئة الأمم المتحدة. ولعل هذا هو السبب في تمسك الإنجليز بهذا الرأي الذي لم يوافق عليه الجانب المصري للمفاوضات حتى اليوم. <br />
<br />
ثم قال الدكتور محمد سالم في اجتماع آخر مماثل في منزله أيضًا حيث طلب مستر ايفانز مقابلة المرشد ، فوعد منير الدله بترتيب هذا الاجتماع ، وفعلا تم في منزل المرشد ودار في هذا الاجتماع الحديث عن القضية المصرية وموقف الإخوان منها ، وذكر الدكتور محمد سالم أن مستر ايفانز دعا منير الدله وصالح أبو رقيق لتناول الشاي في منزله ، وقد أجابا دعوته مرتين . <br />
<br />
9- وفي أوائل شهر يونيو 1953 ثبت لإدارة المخابرات أن خطة الإخوان قد تحولت لبث نشاطها داخل قوات الجيش والبوليس ، وكانت خطتهم في الجيش تنقسم إلى قسمين&nbsp;: <br />
<br />
القسم الأول&nbsp;: ينحصر في عمل تنظيم سرى بين الإخوان وبين ضباط الجيش ، ودعوا فيمن دعوا عددا من الضباط وهم لا يعلمون أنهم من الضباط الأحرار ، فسايروهم وساروا معهم في خطتهم وكانوا يجتمعوا بهم اجتماعات أسبوعية وكانوا يتحدثون في هذه الاجتماعات عن الأعداد لحكم الإخوان المسلمين والدعوة ، إلى ضم عدد كبير من الضباط ليعملوا تحت إمرة الإخوان وكانوا يأخذون عليهم عهدا وقسما أن يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد. <br />
<br />
أما القسم الثاني&nbsp;: فكان ينحصر نشاطه في عمل تشكيلات بين ضباط البوليس ، وكان الغرض منها هو إخضاع نسبة كبيرة من ضباط البوليس لأوامر المرشد أيضًا ، وكانوا يجتمعون في اجتماعات دورية أسبوعية ، وينحصر حديثهم فيها في بث الحقد والكراهية لرجال الثورة ورجال الجيش وبث الدعوة بين ضباط البوليس بأنهم أحق من رجال الجيش بالحكم نظرا لاتصالهم بالشعب ، وكانوا يمنونهم بالترقيات والمناصب بعد أن يتم لهم هدفهم ، وكان يتزعمهم الصاغ صلاح شادي الذي طالما ردد في اجتماعاته بهم أنه وزير الداخلية المقبل. <br />
<br />
وقسم ثالث أطلق عليه قسم الوحدات ، وكان الغرض منه هو جمع أكبر عدد ممكن من ضباط الصف بالجيش تحت إمرة المرشد أيضًا ، وكانوا يجتمعون بهم في اجتماعات سرية أسبوعية وكان الحديث يشتمل على بث الكراهية للضباط في نفوس ضباط الصف وأشعارهم بأنهم القوة الحقيقية في وحدات الجيش وأنهم إذا ما نجح الإخوان في الوصول إلى الحكم فسيعاملون معاملة كريمة. كما كان يقوم هذا القسم ببث الدعوة لجمع أكبر عدد من صف ضباط وجنود ليكون تحت أمرة المرشد العام للإخوان. <br />
<br />
ولما تجمعت هذه المعلومات لإدارة المخابرات اتصل جمال عبد الناصر بحسن العشماوي باعتباره ممثلا للمرشد وصارحه بموقف الإخوان العام ثم بموقف الإخوان في داخل الجيش وما يدبرونه في الخفاء بين قوات الجيش والبوليس وقال له&nbsp;: لقد أمناكم لكن هذه الحوادث تظهر أنكم تدبرون أمرا سيجني على مصير البلاد ، ولن يستفيد منه إلا المستعمر وإنني أنذر أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه التصرفات التي تجب أن توقف إيقافا كاملا ، ويجب أن يعلم الإخوان أن الثورة إنما أبقت عليهم بعد أن حلت جميع الأحزاب لاعتقادها أن في بقائهم مصلحة وطنية فإذا ما ظهر أن في بقائهم ما يعرض البلاد للخطر فإننا لن نتردد في اتخاذ ما تعليه مصلحة البلاد مهما كانت النتائج ، فوعد أن يتصل بالمرشد في هذا الأمر وخرج ولم يعد حتى الآن. <br />
<br />
وفي اليوم التالي استدعى جمال عبد الناصر الصيدلي خميس حميده نائب المرشد والشيخ سيد السابق وأبلغهم ما قاله لحسن العشماوي في اليوم السابق ، وأظهرا الاستياء الشديد وقالا أنهما لا يعلمان شيئا عن هذا ، وأنهما سيبحثان الأمر ويعملان على وقف هذا النشاط الضار. <br />
<br />
ورغم هذا التحذير وهذا الإنذار استمر العمل حثيثا بين صفوف الجيش والبوليس وأصبح الكلام في الاجتماعات الدورية يأخذ طابع الصراحة وطابع الحقد فكانوا يقلبون الخطط في هذه الاجتماعات بحثا عن أسلم الطرق لقلب نظام الحكم وكان الأحرار المنبثون في هذه التشكيلات يبلغون أولا بأول عما يدور في كل اجتماع . <br />
<br />
10- بعد أن تعين الأستاذ الهضيبي مرشدا للإخوان لم يأمن إلى أفراد الجهاز السري الذي كان موجود في وقت السيد حسن البنا برياسة السيد عبد الرحمن السندي. فعمل على أبعاده معلنا بأنه لا يوافق على التنظيمات السرية لأنه لا سرية في الدين ، ولكنه في الوقت نفسه بدأ في تكوين تنظيمات سرية جديدة تدين له بالولاء والطاعة بل عمد إلى التفرقة بين أفراد النظام السري القديم ليأخذ منه إلى صفه أكبر عدد ليضمهم إلى جهازه السري الجديد –وفي هذه الظروف المريبة قتل المرحوم المهندس سيد فايز عبد المطلب بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى لمناسبة عيد المولد النبوي ، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الصغير البالغ من المر تسع سنوات وطفله صغيرة كان تسير تحت الشرفة التي انهارت نتيجة الانفجار . <br />
<br />
وكان المعلومات ترد إلى المخابرات أن المقربين من المرشد يسيرون سيرا سريعا في سبيل تكوين جهاز سري قوي ويسعون في نفس الوقت إلى التخلص من المناوئين لهم من أفراد الجهاز السري القديم. <br />
<br />
11- وكانت نتيجة ذلك أن حدث الانقسام الأخير بين الإخوان واحتل فريق منهم دار المركز العام. وقد حضر إلى منزل جمال عبد الناصر بعد منتصف ليل ذلك اليوم الشيخ محمد فرغلي والأستاذ سعيد رمضان مطالبين بالتدخل ضد الفريق الآخر ومنه نشر الحادث ، فقال لهم جمال أنه لن يستطيع منع النشر حتى لا يؤول الحادث تأويلات ضارة بمصلحة البلاد ، أما من جهة التدخل فهو لا يستطيع أن يتدخل بالقوة حتى لا تتضاعف النتائج وحتى لا يشعر الإخوان أن الثورة تنصر فريقا على فريق ، وأنه يرى أن يتصالح الفريقان وأن يعملا على تصفية ما بينهما ، فطلب منه الشيخ فرغلي أن يكون واسطة بين الفريقين ، وأن يجمعه مع الأستاذ صالح عشماوي ، فطلب منه جمال أن يعود في اليوم التالي في الساعة العاشرة صباحا ، وأنه سيعمل على أن يكون الأستاذ صالح موجودا ، وفي الموعد المحدد حضر الشيخ فرغلي ، ولم يمكن الاتصال بالأستاذ صالح عشماوي ، وكان الشيخ فرغلي متلهفا على وجود الأستاذ عشماوي ، مما دعا جمال أن يطلب من البوليس الحربي البحث عن الأستاذ صالح عشماوي واحضاره إلى المنزل –وتمكن البوليس الحربي في الساعة الثانية عشرة من العثور على الأستاذ صالح عشماوي وإحضاره إلى المنزل- فحضر هو والشيخ سيد سابق إلى منزل جمال وبدأ الطرفان يتعاتبان. وأخيرا اتفقا على أن تشكل لجنة يوافق على أعضائها الأستاذ صالح عشماوي للبحث فيما نسب إلى الإخوان الأربعة المفصولين وإنما يعتبرون تحت التحقيق ، والعمل أن يسود السلام المؤتمر الذي كان مزمعا عقده في دار المركز العام في عصر ذلك اليوم ، ولكن لم ينفذ هذا الاتفاق. <br />
<br />
12- وفي يوم الأحد 10 يناير سنة 1954 ذهب الأستاذ حسن العشماوي العضو العامل بجماعة الإخوان وأخو حرم منير الدله إلى منزل مستر كريزويل الوزير المفوض بالسفارة البريطانية ببولاق الدكرور الساعة السابعة صباحا ، ثم عاد لزيارته أيضًا في نفس اليوم في مقابلة دامت من الساعة الرابعة بعد الظهر إلى الساعة الحادية عشر من مساء نفس اليوم ، وهذا الحلقة من الاتصالات بالإنجليز تكمل الحلقة الأولى التي روى تفاصيلها الدكتور محمد سالم. <br />
<br />
13- وكان آخر مظهر من مظاهر النشاط المعادي الذي قامت به جماعة الإخوان هو الاتفاق على إقامة احتفال بذكرى المنيسي وشاهين يوم 12الجاري (يناير سنة 1954) في جامعتي القاهرة والإسكندرية في وقت واحد ، وأن يعملوا جهدهم لكي يظهروا بكل قوتهم في هذا اليوم وأن يستغلوا هذه المناسبة استغلال سياسيا في صالحهم ويثبتوا للمسئولين أنهم قوة وأن زمام الجماعة في أيديهم وحدهم ، وفعلا تم اجتماع لهذا الغرض برياسة عبد الحكيم عابدين حضره حسن دوح المحامي ومحمود أبو شلوع ومصطفى البساطي من الطلبة ، واتفقوا على أن يطلبوا من الطلبة الإخوان الاستعداد لمواجهة أي احتمال يطرأ على الموقف خلال المؤتمر حتى يظهروا بمظهر القوة وحتى لا يظهر في الجامعة أي صوت آخر غير صوتهم ، وفي سبيل تحقيق هذا الغرض اتصلوا بالطلبة الشيوعيين رغم قلتهم وتباين وجهات النظر بينهم ، وعقدوا معهم اتفاقا وديا يعمل به خلال المؤتمر. <br />
<br />
وفي صباح 12 الجاري عقد المؤتمر وتكتل الإخوان في يوم الجامعة وسيطروا على الميكروفون ، ووصل إلى الجامعة أفراد منظمات الشباب من طلبة المدارس الثانوية ومعهم ميكروفون مثبت على عربة للاحتفال بذكرى الشهداء ، فتحرش بعض الطلبة الإخوان وطلبوا إخراج ميكروفون منظمات الشباب ، وانتظم الحفل وألقيت كلمات من مدير الجامعة والطلبة ،وفجأة إذا بعض الطلبة من الإخوان يحضرون على الاجتماع ومعهم نواب صفوي زعيم فدائيات إسلام في إيران حاملينه على الأكتاف ، وصعد إلى المنصة وألقى كلمة ، وإذا بطلبة الإخوان يقابلونه بهتافهم التقليدي «&nbsp;الله أكبر ولله الحمد&nbsp;». وهنا هتف طلبة منظمة الشباب «&nbsp;الله أكبر والعزة لمصر&nbsp;». فساء طلبة الإخوان أن يظهر صوت في الجامعة مع صوتهم ، فهاجموا الهاتفين بالكرابيج والعصي وقلبوا عربة الميكروفون وأحرقوها وأصيب البعض إصابات مختلفة ثم تفرق الجميع إلى منازلهم. <br />
<br />
حدث كل هذا في الظلام وظن المرشد وأعوانه أن المسئولين غافلون عن أمرهم ، لذلك فنحن نعلن باسم هذه الثورة التي تحمل أمانة أهداف هذا الشعب أن مرشد الإخوان ومن حوله قد وجهوا نشاط هذه الهيئة توجيها يضر بكيان الوطن ويعتدي على حرمة الدين. ولن تسمح الثورة أن تتكرر في مصر مأساة رجعية باسم الدين ، ولن تسمح لأحد أن يتلاعب بمصائر هذا البلد بشهوات خاصة مهما كانت دعواها ، ولا أن يستغل الدين في خدمة الأغراض والشهوات ، وستكون إجراءات الثورة حاسمة وفي ضوء النهار وأمام المصريين جميعا. <br />
<br />
هذا ما ورد في قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين فما وجه الدفاع الذي نجده في منشور بعنوان «&nbsp;هذا بيان للناس&nbsp;» أعده المرحوم الأستاذ بعد القادر عوده فيذكر «&nbsp;يطالب بعض الإخوان بالرد على أسباب حل الجماعة وفيها يلي الرد مؤثرين في تناول المسائل الدفع بالتي هي أحسن&nbsp;: <br />
<br />
1- أخذ على فضيلة المرشد أنه لما طلب منه بيان بتأييد الثورة في يومها الأول بقي لائذا بالصمت ولم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك ثم أصدر بيانا مقتضبا . <br />
<br />
2- والرد على ذلك أن الإخوان جميعا أيدوا ا لثورة منذ اللحظة الأولى في غير تحفظ وبكل قوة ولم يكن ذلك إلا بأمر المرشد ولا يهم بعد ذلك أن يحضر للقاهرة أو أن يبقى في الإسكندرية ولا أهمية لطول البيان أو قصره إذ العبرة بأثره. <br />
<br />
وأخذ على فضيلته أنه طالب بتطبيق أحكام القرآن وما من حرج عليه في ذلك فإنما يطالب بأمانة الدعوة التي حملها ، ولو سكت لتنكر لما يدعو الناس إليه. والاختلاف على الحد الأدنى للملكية اختلاف في وجهات النظر وقد أبدي المرشد رأيه مؤيدا بحججه ونشرته الصحف على العالم أجمع ، والمطالبة بتغيير الرأي أشبه بالتحكم في آراء الناس ، وهي من الناحية الأخرى رياء ونفاق والرجل الكريم لا يحب أن يتحكم في رأيه أحد ولا أن يساير أحدا على رأي آخر ولو علم أن رأيه سينبذ. <br />
<br />
ولا محل لمؤاخذه المرشد على ما طلبه من عرض التصرفات على هيئة الإخوان قبل أقرارها فذلك حق لا يجادل فيه إنسان لأن تأييد هيئة الإخوان لتصرف ما يحملها مسئوليته ولا يصح أن تتحمل الهيئة مسئولية أعمال وتصرفات لا رأي لها فيها. <br />
<br />
2 ، 3- أما مسارعة الثورة بإعادة التحقيق في قضية الإمام الشهيد حسن البنا ومطالبة الرئيس على ماهر بإصدار عفو عن المسجونين السياسيين فذلك واجب رأي رجال الثورة أداءه ، فإن شاءوا أن يذكروا الناس بما فعلوا فنحن لم ننسى بعد ما فعلوا ولعلهم لا ينسون ما فعلنا. <br />
<br />
4- ظاهر من البند الرابع من بنود بيان الحل أن قيادة الثورة هي التي قررت من تلقاء نفسها أن يشترك الإخوان في الوزارة ، وأن الإخوان قرروا عدم الاشتراك في الوزارة ، وإذن فالبيان يعترف أن الأخوان عرضت عليهم الوزارة فرفضوها ومعنى هذا أنهم ليسوا طلاب حكم. <br />
<br />
أما ما جاء في هذا البند من تفصيلات أخرى عن الترشيح وعن الأستاذ الباقوري فهذه مسألة داخلية تهم الجماعة وحدها فلا محل لأن يتعرض لها غيرها بعد أن انتهت منها. <br />
<br />
5- أما أن البكباشي جمال عبد الناصر تدخل في تصحيح الأخطار عن الجماعة فقد كان التدخل على أساس أبعاد الجماعة عن الحكم فإن كان قد تدخل وهو يعلم أنه غير محق فذلك شأنه وأن كان قد تدخل وهو يعلم أنه محق فذلك أمر طبيعي. <br />
<br />
6- وإذا صح ما قيل عن بعض الإخوان من طلب تأليف لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها كشرط لتأييد الأخوان لتصرفات رجال الثورة إذا صح ذلك فليس فيه خروج على فكرة الإخوان التي اتجهت من أول الأمر إلى أن تأييد الإخوان لتصرفات رجال الثورة يقتضي أن يعلم الإخوان بهذه التصرفات وأن يقروها قبل تأييدها. وليس في ذلك إلا معنى التأييد للثورة والخشية من الأخطاء والحرص على استدامة العلاقات الطيبة. <br />
<br />
ولقد اعتبر البيان هذا الطلب نقطة تحول دأب المرشد بعدها على إعطاء تصريحات يهاجم فيها الثورة ورجالها وإصدار أوامر للإخوان بأن يظهروا بمظهر الخصم المتحدي. <br />
<br />
ونحن لا نرى أنه حدث أي تحول ، ولا نعتقد أن هناك ما يستدعي التحول ، وكنا نود لو أن البيان جاءنا ببعض هذه التصريحات التي هاجم فيها المرشد رجال الثورة أو جاءنا بعينة من الأوامر التي صدرت للإخوان بأن يظهروا بمظهر التحدي وعلى كل حال فإنه لن يعيب الأستاذ المرشد أن يقول ما يعتقده حقا أو أن يتقدم للحاكم بالنصيحة التي هي واجبة على كل مسلم. <br />
<br />
7- أما ما ذكر عن معارضة المرشد في إنشاء هيئة التحرير فقد كان رأي جميع الإخوان ، ولم يكن هذا الرأي لأن الإخوان يخشون منافسة أية هيئة ، فقد نافسوا الهيئات جميعا وعاشوا في سلام ، ولكن الإخوان كانوا يضنون برجال الثورة أن ينزلوا من علياء الثائرين الموجهين لعامة الشعب إلى مستوى الحزبية ، وكان الإخوان يودون أن يبقى رجال الثورة متجردين ليكون لتوجيههم السليم أثره السريع وحتى لا تكون شبهة الحزبية عائقا من عوائق الإصلاح. <br />
<br />
8- ولقد أخذ على بعض الإخوان اتصالهم بالإنجليز في الوقت الذي أحاطهم المرشد فيه علما بذلك. أن الاتصال بالإنجليز أو بغيرهم من الأجانب ليس عيبا وليس عملا يحرمه الإسلام والقانون الوضعي اللهم إلا إذا كان يقصد الخيانة أو التآمر. <br />
<br />
ولعل مما يؤكد أن الأمر ليس فيه خيانة ولا تآمر أن الدكتور محمد سالم الذي اعتبره البيان وسيطا لا يزال مطلق السراح متمتعا بحريته. <br />
<br />
يجدر الإشارة أن في ملفات الخارجية البريطانية التي أذيعت مع بداية عام 1985 يذكر السفير البريطاني آنئذ في القاهرة في الملف رقم 2/ 105/ 1054 ف ج ، قول المرحوم الدكتور محمود فوزري وزير الخارجية المصرية وقتئذ أن بيان الحكومة الذي جرى فيه اتهام حسن العشماوي بالسفارة البريطانية يجب قراءته في إطار أنه تم إصداره للتأثير على الداخل أو للاستهلاك المحلي). <br />
<br />
9- أما ما جاء في البيان عن تدبير مؤامرة في صفوف الجيش والبوليس لقلب نظام الحكم ، فإن كان الاتهام حديا فنحن نطالب بتحقيقه أمام هيئة قضائية كما نطالب بأن تكون المحاكم أمام محكمة تتوفر فيها كل الضمانات. <br />
<br />
10 ، 11- وليس لنا رد على ما جاء في البندين العاشر والحادي عشر إلا بأن ما جاء فيهما لا صلة له بعلاقة القياد بالإخوان ، وإنما هي مسائل داخلية من شؤون الإخوان وحدهم ، وهم أحق بالقيام عليها ، وللإخوان مقاييسهم الخاصة وطرقهم في المحاسبة. <br />
<br />
12- وما يقال عن زيارة الأستاذ حسن العشماوي لمنزل الستر كرزويل من الساعة 11 من يوم الأحد 10 يناير سنة 1954 هو أمر لا يكاد الإخوان يصدقونه لأن الأستاذ حسن شوهد بالمركز العام من كثيرين في هذه الفترة ، ونرجو من القيادة أن تتحقق من صحة مصادرها بعد أن تبين بصورة لا تقبل الشك أن الأستاذ حسن كان في المركز العام في الوقت المدعى فيه بوجوده عند مستر كرزويل. <br />
<br />
13- أما حادث الجامعة وما نسبه البيان للإخوان من إثارة الشغب فإن الإخوان يحتكمون فيه إلى تحقيقات النيابة التي أجريت عقب الحادث والتي ثبت منها ثبوتا قاطعا أنهم كانوا مجنيا عليهم وليسوا جناة ، وكانوا مدافعين لا معتدين. <br />
<br />
«&nbsp;تلك هي أسباب الحل كما وردت في البيان الرسمي ، وما نشك لحظة في أن فقدان الثقة كان له أثره في تصور الوقائع وتصويرها ، وما رددنا إلا بما نعلم وبما نعتقد أنه الحق والله الموفق وهو على كل شيء شهيد&nbsp;». <br />
<br />
وتلك كانت بداية عام 1954 الذي مثل تاريخا حرجا وأزمة الديمقراطية في مصر. في جانب من الساحة مجلس قيادة الثورة الذي يهيمن على مقدرات الأمور في البلاد وما يتخلله من صراع بين اتجاهات وأشخاص ، ولنا أن نفهم أن مثل هذا الصراع هو أمر بديهي في كافة الثورات لتباين اتجاهات القائمين وتنوع الخلايا المكونة لها ، فلم يكن مجلس القيادة يصهر الاختلافات المتأججة ، والضباط ليسوا من سلاح واحد بل من أفرع مختلفة وقد بدأ هذا التضارب بينهم منذ عام 1953 فنحي عن مجلس قيادة الثورة كل من القائمقام رشاد مهنا والقائمقام يوسف صديق والبكباشي عبد المنعم أمين. وتلاحقت الأحداث عام 1954 فاتهم اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية بطلب الاستزادة من سلطاته فلما أبى مجلس قيادة الثورة ذلك قدم استقالته في فبراير 1954 غير أن هذا التنحي كان قصيرا إذ عاد بعد خمسة أيام إلى منصبه رئيسا للجمهورية.. وبدأ يطفو على الساحة المصرية الصراع بين المنادين بالديمقراطية ومجلس قيادة الثورة الذي يخطو خطوات محسوبة ومرتقبة للأحداث ظاهرها الإيحاء بالنظام الديمقراطي بما أعلنه جمال عبد الناصر في 6 مارس 1954 عن اتخاذ إجراءات لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بطريق الاقتراع وتجتمع خلال شهر يوليو ليكون مهمتها مناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقا لأحكام الدستور الذي ستقره هذه الجمعية. <br />
<br />
كذلك الإيماء إلى قيام الأحزاب بما يقرر مجلس قيادة الثورة في 25 مارس 1954 بالسماح بقيامها وحل مجلس قيادة الثورة في 24 يوليو 1954. ويبد في ظاهرها إعطاء صورة التخلي علن المسؤولية ريثما ترصد الأحداث وترتبها. على الساحة فريقان أحدهما مجلس قيادة الثورة وهذه المرة مهدد بالانقسام والاتهام إلى عضو المجلس الصاغ (الرائد) خالد محي الدين بميوله الماركسية واتهامه بتزعم مؤامرة لقلب نظام الحكم وإقامة نظام شيوعي بعد وصفه بالضابط الأحمر. القائمقام أحمد شوفي (العقيد) عضو مجلس قيادة الثورة يحاكم بعد اتهامه في مارس 1954 بمحاولة قلب نظام الحكم واتهام مجموعة أخرى من ضباط الثورة بنفس التهمة في أبريل 1954 وكان على رأسهم البكباشي أحمد علي حسن المصري كذلك مجموعة تالية اتهم على رأسها اليوزباشي مصطفى كمال صدقي بذات التهمة والفريق الآخر في الساحة يمثله المثقفون وأساتذة الجامعات والنقابات المهنية وهي تدعو جمعيا إلى الحياة الديمقراطية. ويتحرك الفريق الأول ليكون له الغلبة إذ حرك الفئات التي تضمها هيئة التحرير التي يشرف عليها بعض ضباط الثورة الموالين للفريق الغالب فيضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة في مباشرة سلطاته وعدم الدخول في انتخابات قبل جلاء المستعمر فقرر مجلس القيادة فيا ليوم التالي إرجاء تنفيذ ما اتخذه من قرارات حتى نهاية فترة الانتقال أي عام 1956. <br />
<br />
وترتب على فوز الفريق حرمان بعض المنادين بالديمقراطية من الحقوق السياسية من بينهم المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري وشمل الحرمان ستة من أعضاء لجنة الدستور. وطرد من الجماعات ستون أستاذا من أعضاء هيئة التدريس واعتقل منهم العديد نذكر منهم الدكتور وحيد فكري رأفت والمرحوم الدكتور سعد عصفور أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية وحل مجلس نقابة الصحفيين في 15 أبريل 1954 ووقع التوتر بين نقابة المحامين ومجلس قيادة الثورة منذ انعقاد الجمعية العمومية للمحامين بصفة غير عايدة في 26 مارس 1954 وصدر قرار بحل مجلس النقابة في 22 ديسمبر 1954. <br />
<br />
وهي الصورة عينها تكررت عام 196. صراع كامن على السلطة بين الرجل الأول جمال عبد الناصر والرجل الأول مكرر عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية الأول ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس عدد من اللجان منها تصفية الإقطاع إذ لم يبق على القمة سواهما من أعضاء مجلس قيادة الثورة؛ فالصاغ (الرائد) صلاح سالم نحي من عضوية المجلس ووزارة الإراشد القومي (في صيغة استقالة كما وردت في بيان المجلس) في 31 أغسطس 1955. وقائد الجناح طيار (مقدم طيار) جمال سالم الذي كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للمواصلات نحي من تولية الوزارة بعد انتخابات رئاسة الجمهورية في يونيو 1956 وأنسد إليه لجنة اختصار لروتين وقائد الأسراب حسن إبراهيم الذي كان وزرا لشؤون رئاسة الجمهورية ووزيرا لشؤون الإنتاج نحي من تولية الوزارة عقب هذه الانتخابات وعين مشرفا على مؤسسة اقتصادية وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وكانا نائبي رئيس الجمهورية أخرجا نتيجة لمعارضتهما تورط مصر بجيشها في اليمن بعد قيام ثورتها عام 1965 وزكريا محي الدين ظل نائباً لرئيس الجمهورية وحسين الشافعي ظل وزيرا للشؤون الاجتماعية تارة وطورا للأوقاف وأنور السادات نحي من وزارة الدولة وأسند إليه شؤون المؤتمر الإسلامي ثم رئيسا لمجلس الأمة. <br />
<br />
والصراع بين الرجلين ظل كامنا وسلطة الأمن أضحت مركزة في المباحث الجنائية العسكرية وخرجت في اختصاصها الداخلي عن المباحث العامة التي كانت تتبع وزارة الداخلية. في هذا الوقت القلق وجد شعب متوجس في فناء أبنائه في حرب بعيدة عن وطنه ولا يبدو لها بارقة أمل في الانتهاء مع استنزاف ثروات أمة ، انفجار للسفينة نجمة الإسكندرية التي تحمل أسلحة إلى الجزائر إبان حربها مع المغرب ومصرع كثير من بحارتها فضلا عن الضغط بكبت الحريات ، الشائعات تتناقل عن محاولة انقلاب عسكرية في يوليو 1965 وكشف محاولة للإطاحة بجمال عبد الناصر وهو في منصة ملعب الإسكندرية البلدي وإعدام مجموعة العسكريين التي قامت بها وهي شائعات ما ندري صحتها أو عدم صدقها. في هذا الزمن بدأت أولى مظاهر الغليان المكبوت في الصدور أثناء تشييع جنازة بحارة السفينة وهتاف الجماهير التي شاركت فيها «أبناؤنا لنا لا للجزائر ولا لليمن» ثم بدأ هذا الغليان عاليا أثناء تشييع جنازة المرحوم مصطفى النحاس وهتاف من اشتركوا فيها يوم 23 أغسطس 1965 «&nbsp;لا زعيم إلا النحاس&nbsp;» وهي تتردد في القاهرة والرئيس يتباحث في السعودية مع ملكها من أجل مخرج من الورطة اليمنية ، فاعتقل ليلتئذ المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي بتهمة إحياء تنظيم الإخوان ، وأعلن الرئيس في بداية سبتمبر 1965 في موسكو عن اكتشاف مؤامرة جديدة للإخوان المسلمين على رأسها المرحوم سيد قطب ، وبدأت تترى اكتشاف مؤامرات منها اتهام الصحفي الأستاذ مصطفى أمين بالتخابر مع الأمريكان واتهام وكيل وزارة الخارجية بالتجسس لحساب الولايات المتحدة واكتشاف مؤامرة لاغتيال القادة دبرها حسين توفيق وبعض الأفراد ومؤامرة لقلب النظام والاغتيال دبرها الحزب الشيوعي العربي وتزعمها المحامي الأستاذ أنور زعلوك (ذكر الاتهام موالاة هذا الحزب المدعى إلى الصين) والمثير للدهشة والحيرة أن الذي اكتشف المؤامرات جميعها هو جهاز الأمن أي المباحث الجنائية العسكرية والمخابرات وهما تابعتان للرجل الأول مكرر . <br />
<br />
في مثل هذا الوقت وما أحيط به منذ أوائل عام 1954 والهجوم على جماعة الإخوان سافر ومحموم على مرشدها ، فاعتقل مع 450 منهم وأودعوا السجن الحربي والمعتقلات ومع إصرار المرشد العام المرحوم حسن الهضيبي على الجهر برأيه الحق وهو في أشد محنة أرسل خطابه إلى الرئيس الأسبق محمد نجيب رئيس الجمهورية في 16 مارس 1954 مذكرا أن مصر ليست ملكا لفئة معينة ولا حق لأحد أن يفرض وصايته عليها ولا أن يتصرف في شؤونها دون الرجوع إليها والنزول على إرادتها لذلك كان من أوجب الواجبات على الإخوان المسلمين أن يذكروكم بأنه لا يمكن أن يبت في شؤون البلاد في غيبتهم. وكل ما يحصل من هذا القبيل لن يكون له أثر في استقرار الأحوال ولا فيفيد البلاد شيء. <br />
<br />
«&nbsp;وإن ما دعوتم إليه من الاتحاد وجمع الصفوف لا يتفق وهذه الأحوال فإن البلاد لا يمكن أن تتحد وتجتمع صفوفها وهذه المظالم وأمثالها قائمة . <br />
<br />
وأفرج عن المرشد وإخوانه مع اعتذار قادة مجلس الثورة الذين التقوا به كما ذكرت الصحف حينئذ. وتمر الأيام وينحسر الموقف خلال شهر أبريل 1954 عن حرمان بعض المنادين بالحرية والديمقراطية من حقوقهم السياسية وحل مجلس نقابة الصحفيين واعتقال أعداد منهم ، من بينهم هؤلاء إحسان عبد القدوس الذي كتب على صفحات روز اليوصف «&nbsp;هذه العصابة التي تحكم مصر&nbsp;» ووقوع توتر مع نقابة المحامين وطرد أساتذة الجامعات واعتقال بعضهم ،وبقى الإخوان وحدهم في الميدان ، والأمر ترقب وحذر ويدلي المرشد العام برأيه مجاهرا بالحق في خطاب أرسله بتاريخ 4 مايو 1954 إلى جمال عبد الناصر مما لا يدع مجالا للشك عن قيام علاقة وثقى بين الجماعتين يصر إزاءها مرشد الجماعة الأولى أن يبديها. <br />
<br />
يقول في خطابه «&nbsp;إن مصر لتحتاج إلى الاستقرار وهو أمر لا ينال بالكلام. ولا يدرك بالشدة. ولكنه ينال حينما يشعر الناس شعروا حقيقيا بأنهم حماة الثورة. وحماة ما اتجهت إليه من دروب الإصلاح. والثورة لابد للمحافظة عليها من أن تحوطها القلوب وتذود عنها أما القوة وحدها فإنها لا تحقق الغاية المقصودة. ويدرك الاستقرار كذلك بالعدل والإصلاح والرفق. إنه لا يغني واحد من هذه عن الآخر. وإن للاستقرار وسائل أحب أن أضع تحت نظركم منها ما يأتي&nbsp;: <br />
<br />
'''1- إعادة الحياة النيابية&nbsp;: ''' لا ريب أن الحياة النيابية هي الأساس السليم لكل حكم في العصر الحاضر. وإذا كانت تجارب الماضي قد أظهرتنا على بعض العيوب فمن واجبنا أن نخلي حياتنا النيابية من العيوب وأن نجعلها أقرب ما تكون إلى الكمال. والأمة لا تتعلم بإلغاء الحياة النيابية في فترة الانتقال ، وإنما تتعلم بممارسة الحياة النيابية بالفعل ، فلنشرع فورا فيما يؤدي بنا إليها في أقرب وقت. <br />
<br />
2'''- إلغاء الإجراءات الاستثنائية والأحكام العرفية&nbsp;:''' <br />
<br />
فإن الإجراءات الاستثنائية إذا أفادت الهدوء المؤقت والاستقرار الظاهر فإنها تخلق حالة من الغليان وتذكي النار تحت الرماد ولن يؤمن على مستقبل الوطن. إذا اشتعلت فيه النيران. <br />
<br />
3'''- إطلاق الحريات&nbsp;:''' <br />
<br />
وأود أن تطلقوا الحريات جميعا وعلى الأخص حرية الصحافة فإن في ذلك خير مصر وأمنها وسلامتها. ولقد رأيتكم تأخذون على الناس أنهم لم يقولوا لفاروق «&nbsp;لا&nbsp;» حيث تجب أن تقال ، وأنتم الآن بفرض الرقابة على الصحف تمنعون الناس أن يقولوا لكم «&nbsp;لا&nbsp;» حيث يجب أن تقال وما هكذا تربى الأمة على نصرة الحق وخذلان الباطل. <br />
<br />
ونحن لا نسلم بأن تتجاوز الصحافة حدودها ولا أن يطلق لها العنان لتلبس الحق بالباطل. وإنما نحب أن تترك لتقول الحق في حدود القانون. فإذا تجاوزته حق عليها العقاب. وقد تجدون في معارضة الصحف لكم خيرا كثيرا. <br />
<br />
وغني عن القول أن إطلاق حريات المعتقلين وبعض المحكوم عليهم من المحاكم الاستثنائية أمر توحي به ضرورة جمع الشمل وتوحيد الكلمة ويوجبه الحق والعدل. <br />
<br />
بين هذا التاريخ 4 مايو 1954 و 26 أكتوبر 1954 تاريخ الإدعاء بمؤامرة لاغتيال جمال عبد الناصر ساد الترقب والحذر والشك من كلتا الجماعتين ، إحداهما تجاه الأخرى مع تباين موقفهما. <br />
<br />
الأولى في جماعة الإخوان المسلمين ، تجاهل تام وعدم ذكر السلطة ممثلة في مجلس قيادة الثورة وجمال عبد الناصر شخصيات في الجريدة التي تحمل اسمهم وقد أصبحت لسان حالهم منذ 5 مايو 1954 مع الإشارة إلى الحريات التي يتطلع إليها الشعب في المقالات التي أمهرها سيد قطب رئيس تحرير الجريدة يومئذ. والموقف الآخر نعجب له ، حملة صحفية بين حين وآخر وقد صحبتها مقالات غير كريمة في مجلة التحرير لسان حال هيئة التحرير التي باركها مجلس القيادة ، وهي ممهرة تارة من الصاغ صلاح سالم وأخرى من الصاغ إبراهيم الطحاوي أحد المسؤولين من الضباط عن نشاط الهيئة وغيرهما.. وتشتد هذه الحملة الصحفية مع انتهاء الطرفين المصري والبريطاني في محادثات الجلاء إلى عقد الاتفاقية الأولى التي تضمنت المبادئ الرئيسية للاتفاق النهائي المقترح بإعداده لتنظيم الجلاء وذلك يوم 27 يوليو سنة 1954. <br />
<br />
'''الإخوان المسلمون والاتفاق المصري – البريطاني&nbsp;:''' <br />
<br />
إلقاء الضوء على هذه الفترة الحرجة في أزمة الديمقراطية في مصر نعود إلى وثيقتين تبرزان بوضوح موقف الإخوان المسلمين من الاتفاق المصري – البريطاني لتنظيم جلاء القوات البريطانية. <br />
<br />
أما الأولى فهو الحديث الذي أدلى به المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي إلى جريدة المنار الدمشقية خلال رحلته للبلاد العربية وقد ذكر فيه «&nbsp;كنت أتمنى أن أجد في الاتفاق الذي وقع أمس الأول في القاهرة بالأحرف الأولى ما يحقق مطالب مصر ، ولكني لم أجد أية مصلحة في عقده ، بل هو يحوي كل أضرار بمصالح مصر والدول العربية عامة. <br />
<br />
أما ما نص عليه الاتفاق من جلاء الجنود البريطانيين عن منطقة قناة السويس خلال عشرين شهرا من وقت التصديق على المعاهدة فهذا كان متفقا على أن يتم في عام 1956 بموجب معاهدة سنة 1936 التي ألغتها مصر ، وإذا فرض أن الإنجليز كانوا يأبون الخروج عند نهاية تلك المدة ، فإن بقاءهم يكون بلا سند قانوني ، فما المصلحة في منحهم هذا السند للبقاء والعودة؟ <br />
<br />
«&nbsp;فقد أعطى الاتفاق المذكور الإنجليز حقا في العودة إلى احتلال القناة إذا هوجمت إحدى الدول الموقعة على معاهدة الدفاع المشترك الذي عقد ضمن نطاق الجامعة العربية أو على تركيا –ولم يكن لهم هذا الحق من قبل- وتركيا كثيرة الأحلاف والأعداء معا مما يربطنا ويربط الدول العربية معنا بالمعسكر الغربي في كل حرب. بل أن الاتفاق حين أباح للإنجليز العودة إلى مصر ، لم يحدد لخروجهم بعد ذل أمدا والإنجليز أصحاب حيل ومكائد لا يعجزون عن أن يجدوا المبررات التي يتذرعون بها لبقاء احتلالهم. <br />
<br />
إن الاتفاق قد اعترف للإنجليز بقناة السويس كقاعدة عسكرية ، وأباح لهم احتلال أجزاء منها لم تبين ، فاعترف بشرعية القاعدة مع أن معاهدة 1936 لا تعطيهم الحق في إنشائها حتى يتعللوا الآن بوجودها ، وهكذا أقررنا باحتلالهم بوثيقة لصالحهم دون مصلحة لنا فيها. <br />
<br />
ومن الأمور الخطيرة في الاتفاق أن مصر وضعت بموجبه مطاراتها في جميع أنحاء البلاد وفي كل وقت من أوقات السلم والحرب تحت تصرف السلاح الجوي البريطاني – والطيران هو السلاح الرئيسي في هذه الأيام. أما إدارة القاعدة والأشراف عليها فلا يجوز أن نخدع أنفسنا بالقول بأنه سيكون بواسطة مدنين ، فهم في الواقع عسكريون تابعون للحكومة البريطانية مباشرة ومن قال غير ذلك فقط غالط نفسه. <br />
<br />
«&nbsp;لقد كسبت بريطانيا بهذه الاتفاقية امتدادا للمعاهدة الملغاة خمس سنوات أخرى ، ولا تنتهي الأوضاع بعدها ، بل تعود إلى الحلقة المفرغة ، التشاور بشأن التدابير التي ينبغي اتخاذها بعد انتهاء مدة الاتفاق ، وأسلوب التشاور مع بريطانيا أسلوب سبق أن عرفناه ولمسنا نتائجه. <br />
<br />
«&nbsp;وبهذه المعاهدة أضافت بريطانيا حلقة جديدة إلى الحلقات التي تطوق بها البلاد العربية بمعاهدات وأحلاف عسكرية ، والتي كان آخرها المعاهدة الليبية ، فقد استغلت بريطانيا في ذلك ضعف بعض الحكومات وعدم تمثيلها لشعوبها فسارت في ذلك على سياسة إغفال إرادة الشعب مما سيلحق بها أفدح الأضرار. <br />
<br />
«&nbsp;ولذلك يعلن الإخوان المسلمون رفضهم هذا الاتفاق ويصرون على أن اتفاقا ما بين الحكومة المصرية وأية حكومة أجنبية لا يجوز أن يتم دون أن يعرض على برلمان منتخب انتخابا حرا نزيها يمثل إرادة الشعب المصري أصدق تمثيل ، كما يجب رفع الرقابة عن الصحافة حتى يقول كل إنسان رأيه في هذه الاتفاقية دون حد من إرادته وحريته ، فما كان لأحد أن يتحكم في مصائر الشعب دون الرجوع إليه . <br />
<br />
أما الوثيقة الثانية البالغة الأهمية في هذا الصدد ، فهي المذكرة التي أرسلها مكتب الإرشاد على رئاسة مجلس الوزراء متضمنة رأي الإخوان المسلمين في هذا الاتفاق. وقد ناقش فهيا المكتب بصفته الهيئة التنفيذية للجماعة الخطوط الرئيسية للمعاهدة كما ناقش الملاحق المفصلة بالنصوص. تقول هذه المذكرة التي تذكرها كاملة وهي بتاريخ 2 أغسطس 1954. <br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. <br />
<br />
السيد رئيس مجلس الوزراء.. <br />
<br />
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. <br />
<br />
وبعد ، فقياما بواجب الشورى في الأمر ، والتواصي بالحق والصبر ، والتعاون على البر والتقوى ، وقد اطلع مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين على الخطوط الرئيسية للاتفاق المقترح عقده بين مصر وانجلترا والذي وقعه رئيس وزراء مصر ووزير حربية انجلترا في يوم 27 /7/ 1954 كما اطلع المكتب على الملحق الذي نشر مع الخطوط الرئيسية في اليوم التالي للتوقيع ، وقد تبين المكتب في دراسة الخطوط الرئيسية والملحق أمورا خطيرة يعرضها فيما يلي عليكم ، ويتقدم بالرأي والنصيحة فيها إليكم ، وهو إذ يفعل يقدر كل التقدير ما بذله المفاوضون المصريون من مجهود كبير ومن محاولات ضخمة للوصول إلى حقوق الأمة&nbsp;: <br />
<br />
'''أولا&nbsp;: الخطوط الرئيسية&nbsp;:''' <br />
<br />
1- تحدد المادة الثانية مدة الاتفاق بسبع سنوات من تاريخ توقيعه كما أنها تلزم الحكومتين المصرية والإنجليزية بالتشاور خلال السنة السابعة فيما يتخذ من تدابير عند انتهاء المدة. <br />
<br />
وإذا كان الجلاء سيتم كما اتفق في ظرف 20 شهرا فلا محل لجعل مدة الاتفاق 7 سنوات إلا إذا كانت الاتفاقية تستهدف شيئا آخر غير تنظيم الجلاء ، وهو ربط مصر بانجلترا طيلة السبع سنوات بنوع من التحالف أو الارتباط قد يمتد إلى ما بعد السبع سنوات كما يدل على ذلك التزام مصر بالتشاور مع انجلترا فيما يتخذ من تدابير عند انتهاء السبع سنوات. <br />
<br />
2- وتعطي المادة الرابعة الحق لانجلترا في العودة إلى قاعدة القنال إذا هوجمت مصر أو أي دولة من دول الجامعة العربية والتي وقعت معاهدة الدفاع المشترك أو إذا هوجمت تركيا ، وتوجب المادة على مصر أن تقدم لانجلترا كل التسهيلات اللازمة لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها إدارة فعالة ، ويدخل في ذلك استخدام جميع الموانئ المصرية وسنبين فيما يلي وجوه الخطر في هذه المادة&nbsp;: <br />
<br />
(أ) أعطيت إنجلترا الحق المطلق في العودة إلى القنال واحتلال القاعدة بجنودها لمجرد حدوث هجوم على مصر أو أية دولة عربية أو تركيا ولانجلترا حق العودة للقنال دون استشارة مصر ، ودون حاجة للحصول على موافقتها ، بل ودون رضاها ، ولو كانت الدولة المعتدي عليها قادرة على رد الاعتداء وحدها والدولة المستقلة لا تقبل أن يفرض عليها العون فرضا ، ولا تعرض أرضها للاحتلال بهذه السهولة ، ولا تجعل دخول الأجانب بلادها راجعا لمشيئة الأجنبي. <br />
<br />
(ب) وإذا كان الاعتداء على تركيا أمرا يقلق راحة كل مسلم ، وكان الدفاع عن كل بلد إسلامي واجبا فإنا لا نفهم كيف أن اعتداء على تركيا يعطي انجلترا الحق المطلق في احتلال القتال ، ويلزم مصر التزامات مادية وأدبية قبل انجلترا لا قبل تركيا المعتدى عليها إلا إذا كان المقصود تدعيم السياسة الإنجليزية وحماية الإمبراطورية. <br />
<br />
(ج) ولقد انتقدت مصر حلف باكستان -تركيا ، ورفضت من قبل أن تدخل في حلف بلقاني ، أو في حلف الأطلنطي ، ولكنها طبقا للمادة الرابعة دخلت في هذه الأحلاف بطريق غير مباشر ، لأن تركيا حليفة لباكستان ، وحليفة لبعض دول البلقان كما أنها مرتبطة بحلف الأطلنطي فإذا هوجمت أي دولة محالفة لتركيا ودخلت تركيا الحرب حق لإنجلترا أن تحتل القنال بحجة مهاجمة تركيا. ووجب على انجلترا أن تدخل الحرب في صف تركيا طبقا لما بينهما من معاهدات ، وإذا دخلت انجلترا الحرب وهي محتلة فقد اشتركت مصر اشتراكا فعليا في الحرب بمساهمتها باستخدام أراضيها ومطاراتها وموانيها وبما تقدمه من معونة وتسهيلات لانجلترا. ولا شك أن هذه النتيجة التي وصلت إليها إنجلترا عن التحالف الواقعي الذي فرضته المادة الرابعة هي نفس النتيجة التي طالما حرصت انجلترا على الوصول إليها في المفاوضات السابقة عن طريق التحالف الاتفاقي والدفاع المشترك. <br />
<br />
ولعل هذا التحالف الواقعي الذي أقامته المادة الرابعة ولم تصرح به ألفاظها هو الذي دعا رئيس وزراء مصر ووزير حربية انجلترا إلى أن يعلنا في البلاغ المشترك أن الاتفاق ليس له غرض عدواني ، وأنهما يعتقدان أنه سيفضي إلى المحافظة على السلم والأمن. <br />
<br />
(د) أعطت المادة الرابعة لانجلترا الحق في استعمال جميع المواني المصرية ويترتب على ذلك أن يكون لها الحق في نقل جنودها وعتادها على الطرق البرية والمائية والسكك الحديدية المصرية التي تصل مختلف الموانئ بالقاعدة ، وأن يكون لها مندوبون في كل ميناء وما كانت انجلترا تستطيع أن تصل لشيء من هذا أو تطلبه قبل أن تقرره لها المادة الرابعة. <br />
<br />
3- والفقرة الثانية من المادة الرابعة تلزم مصر أن تتشاور مع انجلترا في حالة قيام تهديد بهجوم على أي بلد من البلاد التي سلف ذكرها في الفقرة الأولى. ولم تبين هذه الفقرة حالة التهديد بالهجوم ، تلك الحالة التي لا تكاد تختلف في مدلولها عن عبارة خطر الحرب التي طالما حاولت انجلترا إغراءنا بالاتفاق عليها ولم تقابل إلا بالرفض. <br />
<br />
4- وتنص المادة السابعة على جلاء القوات الإنجليزية جلاء تاما عن الأراضي المصرية في مدة لا تزيد على عشرين شهرا من تاريخ توقيع الاتفاق. والجلاء التام الناجز غير المشروط بشرط هو حق الشعب الذي أجمع على المطالبة به وهو المستهدف بالحركة وصرح به رجالاتها ، ولكن الجلاء الذي جاءت به المادة السابعة جاء مع الأسف مسبوقا بالتزامات ومعلقا على شروط تجعله جلاء مشروطا وغير تام وغير ناجز. وسنرى أن الملحق رقم (1) استبدل بالجنود الإنجليز فنيين وموظفين من الإنجليز يديرون القاعدة ويحافظون عليها ، وهذا يجعل الجلاء صوريا ، ويحل محل الإنجليز الذين يلبسون الملابس العسكرية بانجلترا يرتدون الملابس المدنية ومهمة الفريقين واحدة. <br />
<br />
لذلك رأينا أن المادة الرابعة تعطي انجلترا حق إعادة جيشها للقاعدة بمجرد جمة دولة من الدول التي عينتها المادة ، كما تفرض على مصر مخالفة واقعية مع انجلترا وحلفائها. <br />
<br />
وإذا كانت مدة الاتفاقية سبع سنوات من تاريخ توقيعها فمعنى ذلك أن تظل القاعدة محتلة بالمدنيين من الانجليز ومعرضة لدخول الجيش الإنجليزي فيها طيلة سبع سنوات. <br />
<br />
وإذا كان هذا هو الجلاء الذي جاءت به المادة السابعة فلن يستطيع منصف أن يقول عنه أنه جلاء تام أو جلاء ناجز غير مشروط. <br />
<br />
5- وتنص المادة الثامنة على اعتبار قناة السويس ممرا مائيا له أهميته الدولية ، وعلى أن الطرفين مصممان على احترام اتفاقية 1888 التي تكفل حرية الملاحة في القنال. <br />
<br />
والاعتراف باعتبار قناة السويس ممرا مائيا له أهميته الدولية هو تقرير للواقع ، ودليل على بطلان ما كانت تدعيه انجلترا من أهمية القنال لها وحدها ، ولكن النص على احترام اتفاقية 1888 التي تكفل حرية الملاحة كان يقتضي النص على حق مصر في تعطيل هذه الملاحة في حالة الدفاع عن النفس. والمادة الثامنة بهذا الوضع الناقص لن يستفيد منها إلا إسرائيل . <br />
<br />
6- وتلزم المادة التاسعة مصر بأن تقدم التسهيلات الخاصة بالطيران والنزول والصيانة لكل طائرة تابعة لسلاح الطيران الإنجليزي بمجرد الإخطار عنها. <br />
<br />
'''وهذا النص يحمل مصر بالتزامات خطيرة&nbsp;:''' <br />
<br />
(أ) فهو يلزم مصر قبول أي طائرة أخطرت عنها دون أن يكون لمصر حق الاعتراض أو الرفض. <br />
<br />
(ب) يلزم مصر أن تنشئ مطارات لنزول الطائرات الإنجليزية ، وأن تنشئ محطات لإصلاح وصيانة هذه الطائرات ، كما يلزم مصر أن تضع مطاراتها الحالية ومحطات الإصلاح والصيانة تحت تصرف الطيران الإنجليزي. <br />
<br />
(ج) ويلزم مصر أن تقدم التسهيلات السابقة في أي مكان من القطر المصري لا في منطقة القنال وحدها ، ويكمل هذا الالتزام الجوي التزام بحري هو حق انجلترا في استخدام جميع الموانئ المصرية المنصوص عليه في المادة الرابعة ، ويترتب على هذين الالتزامين التزام بري بنقل الأشخاص والمهمات فيما بين بعض المطارات والموانئ وبعضها الآخر وفيما بين الطائرات والموانئ وبين القاعدة. <br />
<br />
'''ثانيا- الملحق رقم (1)&nbsp;:''' <br />
<br />
1- أعطت الفقرة الثالثة لشركة تجارية انجليزية أو أكثر حق حفظ المنشآت البريطانية وإدارتها وأباحت لهذه الشركات أن تستخدم فنيين وموظفين من البريطانيين على أن لا يزيد عدد الفنيين عن حد معين سيتفق عليه ، وهذا النص إذا كان مقيدا لعدد الفنيين فإنه لا يقيد عدد الموظفين ، ويسمح للشركة أن توظف عددا كبيرا من الإنجليز وهم جميعا مجندون ، فيكون هناك جيش من هؤلاء في القنال تحت اسم الموظفين ، ويستطيع هذا الجيش الأجنبي في أي وقت أن يكون خطرا على مصر خصوصا وتحت يده العتاد الكبير ولديه العدد الكافي من الفنيين ، ولا يغير من هذا المعنى ما قد توهم به عبارة النص من جواز أن تكون الشركة مصرية وبين جواز استخدام المصريين مع البريطانيين ، فإن حق اختيار الشركة أو الشركات متروك لانجلترا ، ولا يعقل أن تختار شركات مصرية وحق اختيار الفنيين والموظفين متروك للشركة ، ولا يعقل أن تختار الشركة الإنجليزية فنيين أو موظفين مصريين إلا إذا كانت أعمالهم تافهة ولم يكن لديها من يقوم مقامهم من الإنجليز. <br />
<br />
«ولو صح أن انجلترا لا يهمها أن يشرف على القاعدة مصريون لما كان هناك داع لهذا اللف والدوران ولسلمت القاعدة للحكومة المصرية وتركت في مسؤوليتها. <br />
<br />
على كل حال فإن وضع إدارة القاعدة في يد شركة يشرف عليها موظفون بريطانيون يلحقون بالسفارة البريطانية يدل على روح الحكومة البريطانية واتجاهها وحرصها على أن تكون أمور القاعدة في أيدي إنجليزية. <br />
<br />
2- وتلزم الفقرة الرابعة الحكومة المصرية أن تقدم المعونة الكاملة للشركة التجارية ، وتعبير المعونة الكاملة تعبير واسع ومن شأنه أن يرتب على مصر التزامات غير محددة تنفرد الحكومة البريطانية بتقديرها. <br />
<br />
3- والفقرتان الأولى والخامسة معا تفيدان أن معظم المنشآت الإنجليزية في القتال ستسلم للشركات التجارية لإدارتها وحفظها وصيانتها ، وأي منشآت من نوع خاص كالكباري والمواصلات وأنابيب البترول قد تسلم للحكومة المصرية. ولكن الحكومة المصرية مع تسلمها هذه المنشآت لن تديرها إلا بواسطة الشركات التجارية. <br />
<br />
ولا ندري ما الحكمة التي تدعو لتسليم الحكومة المصرية بعض المنشآت وإلزامها بأن لا تديرها بنفسها. <br />
<br />
4- وتجعل الفقرة السادسة للحكومة الإنجليزية حق التفتيش على جميع المنشآت ، ما يسلم منها للحكومة المصرية وما يسلم منها للشركات ، ويتم التفتيش بواسطة موظفين من الإنجليز يلحقون بالسفارة البريطانية في القاهرة ومقتضى هذه الفقرة&nbsp;: <br />
<br />
(أ) أن يقوم بالتفتيش عسكريون من الإنجليز ولا يمكن أن يكونوا إلا عسكريين لأنهم سيفتشون على منشآت وأعمال عسكرية. <br />
<br />
(ب) أن يكون التفتيش على جميع المنشآت ما سلم منها للحكومة المصرية وما سلم للشركات. <br />
<br />
(ج) أن يمنح هؤلاء المفتشون الحصانة الدبلوماسية بحكم إلحاقهم موظفين بالسفارة البريطانية ، الأمر الذي سيترتب عليه تحويل السفارة البريطانية إلى ثكنة عسكرية يتمتع أفرادها بالحصانة الدبلوماسية. <br />
<br />
(د) أن يكون لهؤلاء العسكريين حق الإقامة في القاهرة بعد أن جلا العسكريون عن القاهرة منذ 1946. <br />
<br />
(هـ) وأخيرا إن قيام شركات انجليزية بإدارة القاعدة ، واستخدامها فنيين وموظفين من الانجليز ، وجعل التفتيش على أعمال هؤلاء العسكريين بواسطة موظفين ملحقين بالسفارة البريطانية ، كل ذلك معناه أن انجلترا هي التي تدير القاعدة وتحافظ عليها وتتصرف فيها وأن الوضع السابق على هذه الاتفاقية لم يتغير في حقيقته وأن تغير في مظهره. <br />
<br />
'''المعاني التي قامت عليها الاتفاقية&nbsp;:''' <br />
<br />
'''يستخلص من دراسة الخطوط الرئيسية والملحق رقم (1) أن الاتفاقية تقوم على المعاني الآتية&nbsp;:''' <br />
<br />
الأول - ربط مصر بالكتلة الغربية ربطا فعليا ، وذلك بإدخال تركيا في الاتفاق وهذا الرباط يجعل مصر حليفة لدول الكتلة الغربية ، وأن لم تذكر كلمة التحالف ويعرض مصر لويلات حروب لا مصلحة لها فيها ولا فائدة تعود منها عليها ، ويحملها نفقات هي أحق بأن تنفقها في محاربة الاستعمار وتدعيم استقلالها. <br />
<br />
الثاني -تقدير الجلاء المشروط بإدخال تركيا في الاتفاق واعتبار هذا الدخول شرطا للجلاء وثمنا له وهذا هو الجلاء المشروط الذي حرص الانجليز منذ سنة 1945 على أن يتمسكوا به في كل مفاوضة ، وليس هو الجلاء التام الناجز غير المشروط الذي نادت به الأمة المصرية وتعاهدت عليه واستشهد أبناؤها في سبيله. <br />
<br />
الثالث -استبدال الاحتلال المدني بالاحتلال العسكري طول مدة الاتفاقية ، الأمر الذي يجعل الجلاء غير تام وغير ناجز ، لأن المدنيين الإنجليز لا فرق بينهم وبين العسكريين الإنجليز إلا الملابس. الرابع - إعطاء انجلترا الحق في إعادة الاحتلال العسكري إذا هوجمت مصر أو أي بلد من بلاد الجامعة العربية أو تركيا ، وهذا المعنى مع سابقه يجعلان الجلاء جزئيا لا كليا ومؤقتا لا نهائيا وصوريا لا حقيقيا ، وقد يقال أن تقديم مصر التسهيلات لانجلترا لا يجعل مصر حليفة لها ، ويستدل القائلون بما حدث في الحرب الماضية ، وهؤلاء يجب أن يعلموا أن مصر بتقديمها التسهيلات في أراضيها لدولة محاربة تعتبر مشتركة في الحرب فعلا ، وأن ما حدث من إيطاليا وألمانيا في الحرب الماضية لن يحدث من روسيا مثلا ، ذلك أن ألمانيا وإيطاليا كانتا على علم بحقيقة شعور الشعب المصري نحو الإنجليز ، وكانتا تطمعان في الاستفادة من هذا الشعور لزعزعة مركز الانجليز ومع ذلك فإن حرصهما على عدم استثارة الشعب المصري لم يمنع من غارات طائراتهما على المدن المصرية مما أدى إلى تخريب المنشآت وهلاك الأنفس. <br />
<br />
'''علاج الموقف&nbsp;:''' <br />
<br />
أن أول علاج للموقف في رأينا هو أن توقف المفاوضات الدائرة بين الحكومة المصرية والحكومة الإنجليزية وأن يعتبر ما تم منها كأن لم يكن ما دامت المفاوضات أساسها المساومة على الجلاء حتى إذا ما اعترف الإنجليز بالجلاء غير مقيد بقيد ، ولا مشروط بشرط ، ولا مرتبط باتفاق على أمور أخرى ، جاز للحكومة المصرية أن تدخل معهم في مفاوضات لا تتعدى تنظيم الجلاء. فإذا تم الجلاء ، وانتهت عوامل الضغط وأسباب المساومة ، فإن لمصر أن تفاوض انجلترا وأن تتفق معها على ما تراه في صالحها. <br />
<br />
والنقطة الثانية في علاج الموقف هي تحقيق ما أعلنت الحكومة الحالية من إعداد الشعب وتربيته تربية عسكرية ، وبث روح الجهاد فيه ، وتجميع صفوفه وتنظيمها لجهاد كريم هو السبيل الطبيعي لاستخلاص الحقوق ، وإجلاء الغاصبين والمستعمرين ، ويوم تفعل الحكومة هذا فسيكون الإخوان في الصف الأول ، وسترى الحكومة كيف يبيعون أنفسهم هم وأفراد هذا الشعب الكريم في سبيل الله وتحرير وطنهم ، وأن ذلك الاتجاه لقمين أن يوصلنا إلى الجلاء التام الناجز في أقرب وقت وبأقل كلفة ، ولن نبذل من التضحيات والخسائر في هذا السبيل بعض ما يصيب البلاد من هذا الاتفاق المقترح بيننا وبين الإنجليز. ولا نحب أن نلزم الحكومة الأخذ برأينا في علاج الموقف ويكفينا أن تعلم الحكومة المصرية أن مشروع الاتفاق ضار بمصر للأسباب التي ذكرناها وأن الأمة لا ترضاه ولا تقبله ولن تسمح بأن تقيد نفسها به وأن على الحكومة أن تراجع موقفها من هذا الاتفاق ، وأن تتخذ منه الموقف اللائق بوعي الأمة وحيادها الطويل وبأهداف الثورة وما أعلنته منذ قيامها من أنها لا تقبل إلا الجلاء الناجز الطليق من كل شرط أو قيد. <br />
<br />
هذا ما يرى الإخوان المسلمون التقدم به إلى الحكومة آملين أن تستجيب لهم ، فإن أبت الحكومة إلا المضي فيما بدأته من مفاوضات ، فإن الأمانة الوطنية تحتم عليها أن تتبين رأي الأمة في هذا الأمر الخطير الذي لا يجوز أن تستأثر به حكومة دون شعب ، وإذا كان قد فات الحكومة أن تتبين رأي الأمة في المفاوضة قبل البدء فيها ، فلا يفوتن الحكومة أن تبين رأي الأمة في اتفاق الخطوط الرئيسية ، ولن يكون ذلك إلا بإطلاق حرية القول والاجتماع وترك الحرية للصحف ولتنشر كل ما يصل إليها عن الاتفاق. <br />
<br />
ولا يغني عن تبين رأي الأمة في اتفاق الخطوط الرئيسية أن يعرض الاتفاق النهائي بعد تمامه على ممثلي الأمة لإقراره والتصديق عليه ، فإن تبين رأي الأمة في الاتفاق قبل المضي فيه يوفر على الأمة وقتها وجهدها ، ويجعل الحكومة على بصيرة من أمرها فيما تأخذ وما تدع ، وعلى هذا جرى العمل في كل مشروعات الاتفاقات السابقة فقد عرضت على الأمة لاستطلاع الرأي فيها ، ونوقشت في الصحف وفي الاجتماعات العامة مناقشة حرة لا قيد عليها ولا تثريب على المشتركين فيها. وما تقدمنا للحكومة في هذا كله إلا بالنصيحة التي يفرضها علينا الإسلام والدين النصيحة ، وما نريد إلى الخير للأمة وللحكومة. أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. <br />
<br />
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... <br />
<br />
الوكيل العام للإخوان المسلمين <br />
<br />
<br> '''الصراع ''' <br />
<br />
هذا الفصل هو تتمة الصراع بين قوى المنادين بالديمقراطية وفريق القادة الجدد التي بدأت حلقاته منذ عام 1953 بقرار حل الأحزاب الصادر في 17 يناير ونشأة هيئة التحرير التي ضمت في عضويتها جمهرة من الأميين مما يسلس قيادها بالشعوذة والسياسية التي قادها فريق الضباط في هذه الفترة التي تولوا فيها قدر مصر. وهي الشعوذة عينها التي واكبت السلطة السياسية طوال سني حكم جمال عبد الناصر بنشأة الاتحاد القومي في الفترة من 1957 حتى 1961 والاتحاد الاشتراكي الذي أعقبه في النشأة عام 1962 بميثاقه الوطني الشهير الصادر في مايو من ذلك العام ، وما تخلل هذا وذاك من وعود كاذبة وأماني براقة بالديمقراطية وآخرها بيان 30 مارس 1968 بينما الحقيقة التي لا يماري فيها إلا مكابر تنضح بالإرهاب الذي عاناه الشعب طوال سني حكمه حيث روع بمصير ذوي الرأي والفكر فيه منذ عام 1954 الذي سجل أزمة الديمقراطية في مصر . <br />
<br />
هذه الأزمة التي فجرتها استقالة الرئيس محمد نجيب من منصبه في رئاسة الجمهورية في 23 فبراير 1954 وما أعقبه من صراع بعد أن رفض ضباط سلاح الفرسان استقالته ، وقد كان يقودهم الصاغ خالد محي الدين عضو مجلس القيادة الذي تمسك بأن الحل في استقرار الأمور هو إعادة الحياة النيابية وبن تاريخ استقالة محمد نجيب وعودته للرئاسة تتالت المناورات من قبل جمال عبد الناصر وفريقه ، ففي 26 فبراير يوافق مجلس الثورة بالإجماع على العودة إلى الحكم النيابي وتعيين خالد محي الدين رئيسا لوزارة مدنية تعيد الحياة النيابية في أقرب وقت وحل مجلس قيادة الثورة وإحالة ضباطه إلى المعاش واستقالة القائد العام (عبد الحكيم عامر) من منصبه وتعيين قائد جديد بمعرفة خالد محي الدين مع إعادة محمد نجيب رئيسا للجمهورية. وفي يوم 27 فبراير يركب عبد الحكيم عامر موجة العنف ضد سلاح الفرسان الذي يطالب بعودة الحياة النيابية بضباطه المائة ، ويعلن عامر خروجه على قرار المجلس بالعودة إلى صفوف الجيش ويعود ليتولى القيادة من جديد ويدعي أنه يعرض نفسه للمحاكمة العسكرية امتثالا لرغبات الجيش. وفي الجانب الآخر تقوم المظاهرات في 28 فبراير 1954 أغلبها من الإخوان المسلمين وطلاب الجامعات والمثقفين الذين يخطب فهيم محمد نجيب وإلى جواره عبد القادر عودة ويقول أنه سيعمل على إعادة الحياة النيابية في أسرع وقت ممكن لإقامة جمهورية برلمانية. لم ينقص مجلس قيادة الثورة حيلة في أخذ تصريح محمد نجيب من أجل تنفيذ شباك محكم يؤدي بدعاة الديمقراطية ، فيصدر بلاغ من المجلس بعودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية دون سابق سلطاته رئيسا لمجلس الوزراء ورئيسا لمجلس قيادة الثورة اللذين يستأثر بهما جمال عبد الناصر الذي كان نائب رئيس في كليهما ، والذي يصرح بأن مجلس قيادة الثورة هو أعلى سلطة تراجع مجلس الوزراء أي السلطة التنفيذية ، وهو بذلك السلطة التشريعية للنظام ، بذلك أسدل الستار على أولى مراحل الصراع فغدا محمد نجيب رئيسا شرفيا دون سلطات حقيقية كمثل التي يتمتع بها رئيس الجمهورية الفرنسية في ظل النظام البرلماني ، وأضحى جمال عبد الناصر نصا وواقعا ، الحاكم الفعلي. <br />
<br />
وبدت الحلقة الثانية في مجابهة دعاة الديمقراطية باعتقال عبد القادر عودة (اعتقل في 3 مارس 1954) وستة وأربعين من الإخوان المسلمين وواحد وعشرين من الحزب الاشتراكي ، خمسة من الوفديين ، أربعة من الشيوعيين ، خمسة عشر عاملا وثماني وعشرين فئات أخرى. بهذه المرحلة أصبح متصورا مجابهة العسكريين للمدنيين كما هو الواقع في كثير من الثورات وأصبح النظام بالأحرى يدفع الخطر الذي يواجهه ، إذ أن نجيب بالوعد الذي قطعه بإنشاء جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد وضمان الحريات الدستورية المفقودة قد أتاح للمعارضة المدنية في توحيد جهودها ، وتكاثرت عرائض الجامعات ونقابة الصحفيين والنقابات المهنية طالبة عودة الحياة الدستورية. والتزم مجلس القيادة إزاء الضغط الشعبي بدعوة جمعية تأسيسية منتخبة بالاقتراع العام المباشر مهمتها وضع دستور جديد ومباشرة السلطة التشريعية إلى حين انتخاب برلمان في إطار الدستور. <br />
<br />
غير راض بإصدار تلك القرارات التي تخالف نهجه الذي سلكه طوال سني حكمه ، أعلن جمال عبد الناصر قرار مجلس القيادة بإلغاء الأحكام العرفية حتى يتاح للانتخابات المقبلة مناخ التعبير الحر ، ورفع الرقابة التي كممت الصحف وأخيرا إجراءات العفو عمن صدرت بحقهم أحكام من المحاكم الاستثنائية. <br />
<br />
وبدا واضحا أن هذه القرارات تمثل انتصارا لمحمد نجيب وقوى أنصار الديمقراطية خاصة بعودة ظهور الدكتور علي ماهر رئيس الوزراء السابق (تولى الوزارة بترشيح من الإخوان المسلمين حيث لم يلوث سمعته شائبة خلال توليه الحكم في فترات مختلفة واستقال في سبتمبر 1952) والدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة ، والأول قد عين رئيسا للجمعية الدستورية والآخر نائبا له. <br />
<br />
بيد أن هذا الشعور الشعبي الجارف سرعان ما انقشع وبدت في الأفق سحب مناورات الفريق المنافس الذي حسب موقف الشعب مناديا بالحريات جحودا في حق من تخيلوا لأنفسهم أدوار منقذيه من الاستبداد والاستعباد ، وصدر قرار مجلس قيادة الثورة في 8 مارس 1954 بتعيين جمال عبد الناصر حاكما عسكريا عاما إلى جانب وظيفتيه السابقتين وأصبح مفوضا في اتخاذ ما يراه ضروريا لحماية النظام ، الأمر الذي بدا للأعين أن إلغاء الأحكام العرفية وضمان الحريات ليس للمستقبل القريب. ولنا أن نفهم إذن أنه إزاء هذه المناورات الساخنة والباردة معا أصبح شعب مصر طوال سنين أحد الشعوب المتشائمة في عودة الديمقراطية الحقة ، وهي الصورة التي وصفها أنور السادات أحد صناع هذه الفترة في كتابه «البحث عن الذات» بقوله&nbsp;: «لقد استحال الشعب» مساخيط «أو دمى في أيدي حكامهم يفعلون بهم ما يشاءون فلم يعد مسموحا للناس بالسفر أو أن يقولوا كلمة تختلف عما يقوله الحاكم وإلا اعتقلوا أو صودروا في أرزاقهم ، وازدادت سلبية الناس وأصبح الأمان لهم أن يسيروا إلى جانب الحائط ، أصبحوا لا ينظرون ولا يسمعون ولا ينطقون». <br />
<br />
وتترادف المناورات لتحكم شباك الإيقاع بقوى أنصار الديمقراطية ، فيقبض على مجموعة كبيرة من الأفراد من الإخوان المسلمين اتهموا بالإرهاب أثر حوادث انفجارات في القاهرة التي ندع أحد صناع هذه الفترة يرويها ، يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته&nbsp;: أن جمال يحاول إيهام أعضاء المؤتمر المشترك من مجلس الثورة وأعضاء الوزارة في 20 مارس سنة 1954 بوقوع ست انفجارات نسف في مبنى السكة الحديد وفي الجامعة وفي محل جروبي في وقت واحد ، ويقول أن ذلك إنما جرى بسبب سياسة اللين في موقف الحكومة وأن خطوة العودة إلى الحكم النيابي لا تصلح في هذا الوقت ، وتعجب حين تعلم أن عبد الناصر نفسه هو الذي قام بهذه الانفجارات التي رواها مستهجنا ، بل اعترف بذلك في اليوم التالي لكل من عبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم وكمال الدين حسين ، وعزا السبب في قيامه بهذه الحوادث إلى أنه «كان يرغب في إشارة البلبلة في نفوس الناس ويجعلها تشعر بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات ويشعروا أنهم في حاجة إلى من يحميهم» . <br />
<br />
فهل كان فريق القادة الجدد يرغب حقا في الحكم النيابي التي صدرت قرارات 25 مارس بشأنه إذ نصت على عودة الحياة النيابية وانتخاب جمعية تأسيسية لها سلطة السيادة كاملة ، وحل مجلس قيادة الثورة وتسليم الحكم لممثلي الشعب وانتخاب رئيس الجمهورية من أعضاء الجمعية التأسيسية بمجرد انعقادها . <br />
<br />
الإجابة لا شك توضحها مرحلة تالية في نصب شباك التحدي لأنصار الديمقراطية ، إذ على أثر الإفراج عن المائة وخمسين عضوا من الإخوان المسلمين الذين بقوا رهن الاعتقال مع مرشدهم بادر بعد زيارة جمال عبد الناصر وصلاح سالم معتذرين عن الإساءة إلى الجماعة بالقول «بأن الإخوان المسلمين سيواصلون الثورة التي بدأتها حركة الجيش عندما ينسحب العسكريون من الساحة السياسية. أننا نعتبر حركة الجيش مرحلة لثورة أشمل وأكثر عمقا وهي حركة الإخوان المسلمين وعمادها أحكام الإسلام . <br />
<br />
كذلك بدأت الأحزاب التي حلت في 17 يناير 1953 تعيد تنظيم صفوفها بعد قرارات 25 مارس التي سمحت بعودة الأحزاب السياسية. لكن في مواجهة هذا الموقف اصطنعت مظاهرات تضم أعضاء هيئة التحرير الذين أخذوا يرجمون جريدة المصري التي تتبنى الدفاع عن الحريات الدستورية ويضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة في مباشرة سلطاته وعدم الدخول في انتخابات قبل جلاء المستعمر فقرر مجلس قيادة الثورة في اليوم التالي 29 مارس إرجاء تنفيذ ما اتخذه من قرارات حتى نهاية فترة الانتقال التي حددها الإعلان الدستوري الصادر عام 1953 بثلاث سنوات أي حتى عام 1956. <br />
<br />
ولكي نفهم هذه الفترة الحالكة نعود إلى شهادة صناع أحداثها فيروي الصاغ السابق إبراهيم الطحاوي الذي كان سكرتيرا مساعدا لهيئة التحرير في صفحة 17 من كتاب «شهود ثورة يوليو» لأحمد حمروش قوله أن حسين الشافعي حضر إليه خلال أزمة مارس سنة 1954 وقال له أن مجلس الثورة قرر الانسحاب والعودة إلى الثكنات. فاعترضت على ذلك قائلا&nbsp;: إن الانسحاب معناه الدخول السجن وقررت المقاومة في وقت كانت الجماهير تهتف قائلة «لا ثورة بلا نجيب - إلى السجن يا جمال.. إلى السجن بإصلاح» ثم يستطرد فيقول «أن صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل جاءه واتفق معه على الإضراب العام لوسائل المواصلات حيث أن العمال كانوا حريصين على بقاء قانون العمل الذي صدر بمنع فصلهم تعسفيا ، ثم يستطرد قائلا&nbsp;: «وبدأت تنفيذ الخطة التي تكلفت أربعة آلاف جنيه فقط ، ونجحت الاعتصامات والإضراب ووقف البوليس موقفا حياديا أنجح الحركة ، وكنت خلال ذلك أتحرك بالميكروفون أوجه العمال وانتهى الأمر إلى الحد الذي حمل فيه الناس جمال عبد الناصر على الأكتاف وقال جمال عبد الناصر وقتها «أن كفاية عليّ إبراهيم الطحاوي أحكم به مصر». <br />
<br />
وألغيت قرارات 25 مارس وبإلغائها بدا انتصار جمال عبد الناصر وفريقه في مواجهة أنصار الديمقراطية التي بدأت تتهاوى قواهم. الدكتور علي ماهر رجل الدولة الذي شغل منصبه في أحلك الظروف التي مرت بها مصر والذي لعب دورا بازرا من أجل العودة إلى الحياة الدستورية والذي اختير رئيسا للجنة وضع الدستور الجديد اضطر إلى الاستقالة حيث وضح له أن العمل الذي كلف به لن يرى النور ، والدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة وكبير الفقهاء الدستوريين وأستاذ القانون الذائع الصيت يعتدي عليه في المظاهرات التي ضمت أعضاء هيئة التحرير التي يقودها الضباط والذين قامت على نقلهم إلى المجلس سيارات الجيش ، والتي كانت إدارة الشؤون العامة للجيش تصنع هذه المظاهرات وتطلب من القوات الجوية وقودا للسيارات التي تحمل المتظاهرين . <br />
<br />
وهي نفس صورة الزيف في اعتصام الضباط بمجلس القيادة أو المعسكرات أو الشرطة في ناديها ، هذا الزيف الرخيص الذي ران على الحياة السياسية المصرية طوال فترة طويلة في تاريخها. <br />
<br />
لكن هذه المجابهة لم تقض على عنصرين فعالين بعد ، كان لهما أثرهما حتى أكتوبر 1954 ، أولهما جماعة الإخوان المسلمين التي أعلن مرشدها حسن الهضيبي في تصريح له لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية سنواصل طلب العودة للحياة النيابية والحريات الديمقراطية <br />
<br />
ذلك التصريح الذي أثار حفيظة جمال عبد الناصر الذي أعلن في خطاب له أمام جمع من عمال السكة الحديدية أن الثورة المصرية قد بدأت الآن وستهجم الآن على الرجعية التي تخدع ملايين المصريين . <br />
<br />
والعنصر الفعال الثاني هم طلاب الجامعات الذين أضربوا في جامعتي القاهرة والإسكندرية احتجاجا على مواصلة الحكم العسكري ومظاهرات الطلاب تواجه بقوة وعنف ، إزاء هذه الأخطار المحدقة يرسل المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي رسالته المؤرخة في 4 مايو 1954 التي أوردناها سابقا إلى جمال عبد الناصر الذي توسد منذ 20 فبراير 1954 كامل السلطات التنفيذية وأضحى من ثم الدكتاتور المطلق رسميا كما كان فعليا منذ عامين خليا. <br />
<br />
'''نهاية الصراع''' <br />
<br />
صاحب توقيع الاتفاق المصري البريطاني في 27 يوليو 1954 معارضة من بقي على الساحة السياسية وهي الجامعات وجماعة الإخوان المسلمين وبعض الشخصيات العامة وفي الأولى كان الأساتذة والطلاب والمثقفون ينحون باللائمة على النظام لإلغائه الحريات العامة وإقامة دكتاتورية عسكرية وعقد اتفاق مع انجلترا لا يحقق الأماني الوطنية كما ذكرت ذلك وكالة united Press الأمريكية . <br />
<br />
أما الإخوان المسلمون فقد أعلنوا شجبهم للمعاهدة وكانت معارضتهم هو الصوت الذي يمثل رأي غالبية الشعب المصري ، فأرسل حسن الهضيبي رسالته المؤرخة في 4 سبتمبر 1954 إلى جمال عبد الناصر يبدو فيها أن النفور الشخصي قد أضحى السمة بين الرجلين. وقد بين في رسالته معارضة الإخوان لاتفاقية الجلاء التي سمحت بأن تقدم مصر تسهيلات للحكومة البريطانية في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد طرف في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية (وقد كانت في فلك النفوذ الغربي رغم استقلالها الأسمى) أو على تركيا وهي دولة عضو في حلف الأطلنطي ، مما يعني دخول مصر نطاق الحرب الباردة وتعرضها لأخطار حرب حقيقية. <br />
<br />
'''يقول المرشد في رسالته&nbsp;:''' <br />
<br />
السيد جمال عبد الناصر- رئيس مجلس الوزراء <br />
<br />
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد <br />
<br />
فإني لا زلت أحييك بتحية الإسلام وأقرئك السلام. ولازلت ترد على التحية بالشتائم واتهام السرائر واختلاق الوقائع وإخفاء الحقائق ، والكلام المعاد الذي سبق لكم قوله والاعتذار عنه. وليس ذلك من أدب الإسلام ولا من شيم الكرام ، ولست أطمع في نصحك بأن تلزم الحق فذلك أمر عسير وأنت حر في أن تلقي الله تعالى على ما تريد أن تلقاه عليه ، ولكني أريد أن أبصرك بأن هذه الأمة قد ضاقت بخنق حريتها وكتم أنفاسها. وأنها في حاجة إلى بصيص من نور يجعلها تؤمن بأنكم تسلكون بها سبل الخير وأن غيركم يسلكون بها سبل الشر والهدم والتدمير إلى آخر ما تنسبون إليهم. أن الأمة في حاجة الآن إلى القوت الضروري ، القوت الذي يزيل عن نفسها الهم والغم والكرب. أنها في حاجة إلى حرية القول ، فمهما قلتم أنكم أغدقتم عليها من خير فإنها لن تصدق إلا إذا سمحتم لها بأن تقول أين الخير وسمحتم لها بأن تراه ، ومهما قلتم أنكم تحكمونها حكما ديمقراطيا فإنها لن تصدق لأنها محرومة من نعمة الكلام والتعبير عن الرأي. وإذا حققتم ذلك فإننا نعدكم بأن نذكر الحقائق ولا نخاف من نشرها وتصدق القول ولا نشوبه بالكذب والبهتان والاختلاق ، ولا نتهم لكم سريرة ولا تبادلكم فيما تضمرون وتدخرون في أنفسكم ولا تجاري بعض وزرائك فيما يكتبون من غثاثة وإسفاف وإنما نعدكم -كما هو شأننا- بأن نناقش المسائل مناقشة موضوعية على ما تعطيه الوقائع التي ترضونها أو تصدر عنكم ، أما أن تعطوا أنفسكم الحق في الكلام وتحرموا الناس منه ، وأما أنكم تفرضون آرائكم بالنبوت على الأمة فشيء لا يعقله الناس ولا ترضاه الأمة. <br />
<br />
'''أيها السيد&nbsp;:''' <br />
<br />
أن الأمة قد ضاقت بحرمانها من حريتها فأعيدوا إليها حقها من الحياة وإذا كان الغضب على الهضيبي وعلى الإخوان المسلمين قد أخذ منك كل مأخذ فلكم الحق أن تغضبوا -وهذا شأنكم- ولكن لا حق لكم في أن تحرضوا الناس على الإخوان المسلمين وتغروهم بهم ، وليس ذلك من كياسة رؤساء الوزارات في شيء فأنه قد يؤدي إلى شر مستطير وبلاء كبير ، ومن واجبكم أن تحافظوا على الناس مخطئهم ومصيبهم وأن تجمعوا شمل الأمة على كلمة سواء. وأنكم لا شك تعلمون أن الإخوان المسلمين حملة عقيدة ليس من الهين أن يتركوها ولا أن يتركوا الدفاع عنها ما وجدوا إلى الدفاع سبيلا. <br />
<br />
فإغراء بعض الأمة بهم وتحريضهم عليهم من الأمور التي لا تؤمن عواقبها. <br />
<br />
«وأنني أؤكد لكم أن في وسعك أن تمشي ليلا أو نهارا وحدك بلا حراس وفي أي مكان دون أن تخشى أن تمتد إليك يد أحد من الإخوان المسلمين بما تكره. أما أن يمد أنصارك أيديهم بالسوء إليهم استجابة إلى إغرائك فإن مسؤوليتك عند الله عظيمة. ولعل الذي حملك على أبداء العداوة والبغضاء للإخوان المسلمون هو أنهم عارضوا المعاهدة ، فالإخوان المسلمون لن يؤمنوا بها دون أن تناقش في برلمان منتخب انتخابا حرا يمثل الأمة أكمل تمثيل». <br />
<br />
وقد اعترض على هذا الاتفاق النهائي الرئيس محمد نجيب (1901- 1984) ومن الشخصيات العامة كل من الأستاذ سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة الذي أصبح أول وزير داخلية بعد قيام حركة الجيش في 23 يوليو 1952 والمرحوم الأستاذ عبد الرحمن عزام الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (من 1945 إلى 1952) والمرحوم الأستاذ محمد العشماوي وزير المعارف سابقا وعضوا لجنة الدستور. <br />
<br />
وكان صوت الإخوان المسلمين ممثلا رأي كثير من القوى ، ومن العجب الذي ندهش له أن الصحافة الأجنبية قد دعت إلى القضاء عليهم منذ أوائل يناير 1954 ، أكان تخطيطا مسبقا وإشارة بدء لحل الجماعة والمحنة التي جرت عليها؟ الرد لا شك بالإيجاب. ونعود إلى ما ذكرته وكالة United press الأمريكية «أنه بالقضاء على الإخوان المسلمين ، فإن النظام العسكري يكون قد أزاح أيضا آخر الأصوات المناهضة لبريطانيا» وأشارت الوكالة «أن وجهة النظر البريطانية في هذا الشأن ، ترى بأن المفاوضات تفترض وجود حكومة مصرية قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق واحترامه» وفي هذا المعنى أردفت الوكالة الأمريكية أنه كلما زادت قبضة النظام دكتاتورية ومطلقة كان في ذلك الإفادة . <br />
<br />
ولكي يكون حكمنا على الاتفاق المصري البريطاني موضوعيا نعود إلى ما ذكره أنتوني ناتنج وزير الدولة البريطاني الذي وقع الاتفاق النهائي والذي نشرته الصحافة الأجنبية في الوقت الذي كممت فيه الصحافة المصرية ، قال ناتنج في مجلس العموم البريطاني&nbsp;: «يجب الإشارة إلى أنه لأول مرة يكون لنا حق شرعي في الحصول على قاعدة عسكرية في مصر. هؤلاء الفنيون يتمتعون بالحصانات إزاء السلطات القضائية المصرية وأن التجهيزات الضرورية معفاة من الجمارك وهذه أهم التزامات مالية وسياسية من قبل حكومة ذات سيادة أما بشأن الملاحة الإسرائيلية فقد أكد في حديث له أن مصر ملتزمة بحرية الملاحة للسفن الإسرائيلية . <br />
<br />
هذا الاتفاق المصري البريطاني الموقع عليه في أكتوبر 1954 لا شك قد خالف الأماني الوطنية وقتئذ ، وناقض ما لم تقبله الحكومة المصرية في مباحثات 1950- 1951 والتي قررت حكومة مصطفى النحاس مجابهتها بإلغاء معاهدة 1936 في 8 أكتوبر 1951 والتي قبلها وفد المفاوضات المصري عام 1954 ومتنازلا عن حقوق مالية قدرها 52 مليون جنيه إسترليني طالبت بها الحكومة المصرية سابقا كرسوم جمارك حتى تاريخ إلغاء معاهدة 1936. <br />
<br />
'''محنة الإخوان:''' <br />
<br />
تلك المحنة التي ختم بها الإخوان عام 1954 كانت لا شك حصيلة كيد خارجي وداخلي معا. ولا نقصد بالكيد الخارجي إثارة قوى أجنبية فذلك ثابت كيده يقينا بما قدمنا من الاستعداء الإنجليزي والأمريكي معا وقد وضحته وكالات الأنباء يومئذ. <br />
<br />
أما الذي ينحن بصدده فهو كيد فريق القادة الجدد الذي هيمن على مقدرات الأمور ومصير شعب ، وقد بدا لهذا الفريق بعض القضاء على كبار العهد بتحطيم الأحزاب السياسية وحلها في 17 يناير 1953 وبعد أن قضى على سطوة أصحاب الإقطاع في سبتمبر 1952 ، أن الصراع بينه وبين جماعة الإخوان حتمي رغم ما ظهر من علائق التعاون بين التنظيمين منذ أعداد الثورة وقيامها التي أثبتناها بوثائقها. <br />
<br />
وعود على بدء إلى مذكرات أحد صناع هذه الفترة مصورا الكيد الرخيص من أجل سلطان الحكم ومغنم السلطة ، يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته - التي صور فيها الإخوان المسلمين وواصفا إياهم بضعف الشخصية ، وأن أهدافهم كانت الاستيلاء على السلطة- أن مجلس قيادة الثورة اجتمع في 18 ديسمبر سنة 1953 واتفق على مقاومتهم والقضاء على جماعتهم خاصة وأنهم كانوا يعملون على التوغل في صفوف الجيش والبوليس ، ولذا اتفق على العمل لزيادة الانشقاق بينهم لإضعاف وتفكيك صفوفهم لإمكان مقاومتهم والقضاء عليهم ، خاصة وأن قادتهم كانوا لا يثقون في بعضهم البعض كما كانوا ضعاف الشخصية ، وأن أفراد الخلايا في الجماعة نفسها لم يكونوا يعرفون أهداف قيادتهم الحقيقية ، وهم يتبعونها على أنها دعوة دينية ليست لها أهداف سياسية . <br />
<br />
ذلك القرار لا شك كانت له مقدماته ، وهي الوقيعة التي أحدثها عبد الرحمن السندي صديق جمال عبد الناصر والذي قرر مكتب الإرشاد العام فصله من رئاسة الجهاز الخاص بتاريخ 22 نوفمبر 1953 لمسؤوليته عن أخطر حادثين أصابا الجماعة من داخلها وأولهما مقتل المهندس سيد فاز أحد أعضاء هذا الجهاز والذي خالف رئيسه في رأيه ، وثانيهما إرسال السندي لجماعة من أفراد الجهاز الخاص الذي يدينون له بالطاعة لإرغام المرشد على الاستقالة ، قد ساعد على إشعال هذه الفتنة لا شك خطة جمال عبد الناصر وقتها في الاتصال بأعضاء من الجماعة - من خلف ظهر المرشد وساعيا لتجميعهم ضده بعد أن تبين له أن المرحوم الأستاذ الهضيبي يشكل عقبة كبيرة في طريق تنفيذ مخططاته ضد الجماعة وما يبطن حيالها ، وهو العائق الذي عبر عنه بصدق الشيخ الباقوري الذي عين وزيرا للأوقاف بعد أن خلع ربقة الإخوان ، في حديث نشرته جريدة Le Monde الفرنسية أن الهضيبي رجل عاقل يعرف متى ينسحب في الوقت المناسب . <br />
<br />
وقد أثار فصل عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي بعض شباب النظام الخاص الذين صدرت إليهم التوجيهات لإحراج المرشد بالسؤال عن أسباب الفصل. ولكن المرشد -خاصة بعد مقتل سيد فايز- لم يكن يذكر أسبابا دعت لهذا الفصل ، وأن نفي المركز العام وجود الصلة بين قرار الفصل وحادث مقتل سيد فايز لأن السبب الجوهري كان صلة المفصولين لاسيما السندي بقادة الثورة من خلف ظهر قيادة الجماعة وليس من الحكمة الجهر بهذا السبب بينما تتربص الحكومة بالجماعة للكيد لها والوقيعة بين القائمين عليها ، فاستغل المفصولون هذا الأمر وبدءوا الإشاعة في صفوف النظام أن الجماعة تخلت عن الجهاد وأصبحت مجرد جمعية خيرية بعد حل الأحزاب ، ولهذا يسعى المرشد لحل النظام الخاص ، وقد ساند هذه الطائفة مجموعة من المتعاطفين من أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية منهم صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي عضوا مكتب الإرشاد العام ، وعبد العزيز جلال والشيخ سيد سابق عضوا الهيئة التأسيسية لكي يختاروا مرشدا عاما للإخوان بدلا من المرحوم الأستاذ الهضيبي وكان التدبير أن يختاروا صالح عشماوي حيث كان قد اتهم قيادة الجماعة في إحدى الخطب بالتخلي عن الجهاد ، وترتب على هذا الموقف قرار مكتب الإرشاد العام في 9 ديسمبر 1953 بفصل الأعضاء الأربعة ( ) ، وقد أقرت الهيئة التأسيسية ذلك. <br />
<br />
تلك الأحداث كشفت ضرورة استغلال الانشقاقات بين الإخوان فكان قرار مجلس قيادة الثورة يدس الفتنة بين أعضاء الجماعة. ولما فشل هذا الدرس بالوقيعة كان لا بد من علانية المواجهة بقرار حل الإخوان في يناير 1954 وما أعقبه من محاولة استقطاب العناصر المفصولة لتكوين قيادة جديدة وفقا لما أوردته جريدة Le Monde الفرنسية بنصها أن صالح عشماوي قد أبدى رغبته للمسؤولين بجمع الإخوان المسلمين تحت قيادة جديدة ومن أجل تعاون مشترك مع هيئة التحرير . <br />
<br />
أدرك جمال عبد الناصر في هذه الفترة أن أسلوب المواجهة قد يتخذ سبيلين أولهما الدس والفتنة وثانيهما اصطدامه سافرا مع الإخوان ، وهذا المنطق الأخير هو الذي دفعه للاستفزاز بأعضاء هيئة التحرير في غير مناسبة وكما بدا واضحا في حادث الجامعة الذي جعل أحد أسباب الحل الذي أصاب الجماعة في يناير 1954. ولإلقاء الضوء على أسباب هذا الحادث الذي ثبت أن طلاب الإخوان لم يكونوا معتدين بل معتدي عليهم نعود إلى الشهادة التي أوردتها جريدة Le Monde الفرنسية حيث ذكرت أن طلاب جامعة القاهرة قد اجتمعوا بمناسبة ذكرى شاهين والمنيسي وللاحتجاج ضد بريطانيا. وكان نواب صفوي زعيم جماعة فدائيان إسلام الإيرانية أحد شهود هذا الحفل الذي اخترقته سيارة جيب عسكرية يقودها ملازم الجيش وبها مجموعة من المدنيين يهتفون بشعارات هيئة التحرير التي أنشأتها الحكومة. في مواجهة تلك المجموعة التي أوقفها طلاب الجامعة الذين كانوا يهتفون بشعاراتهم بدت بعض الأحداث أطلق خلالها الأولون النار من أسلحتهم للفرار تاركين سيارتهم . <br />
<br />
أما السبيل الأول ، فقد حاول بدائة أحداث الفتنة مستغلا صديقه عبد الرحمن السندي ولما بدا له الفشل استقطب فريقا آخر للنيل من الإخوان بالوقيعة فها هو كما تصوره جريدة الجمهورية في 13 فبراير 1954 في صفحتها الرابعة يقف على قبر حسن البنا يوم ذكراه الخامسة وعلى يمينه عبد الرحمن البنا والبهي الخولي عضوا مكتب الإرشاد وصالح عشماوي عضو المكتب المفصول ، كان يأمل أن تأتي محاولته ثمارها فأبقى على بعض أعضاء الجماعة مثل المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة والأستاذ عمر التلمساني وغيرهما ولم يقبض عليهما إلا بعد مظاهرة عابدين في 28 فبراير 1954 وذلك في 2 مارس 1954 ، بينما كان المرشد حسن الهضيبي ومن معه من الإخوان أعضاء المكتب أو الهيئة التأسيسية مثل أستاذ القانون الدكتور توفيق الشاوي أو أستاذ الطب المرحوم الدكتور إبراهيم أبو النجا أو أستاذ الآداب الدكتور عبد المنعم خلاف وغيرهم رهن الاعتقال.. ومصدرا البيانات الزائفة ترمي الإخوان بالبهتان كما أوردها قرار حل الإخوان الذي نشره الأهرام ، وهي تلك التي فندنا كذبها بالوثائق التي تصور حقبة سوداء في تاريخ مصر أسدل عيها ستار النسيان أو المغالطة أو التزوير لفترة طويلة. بيد أن السبيل الآخر بمحاولته الدس والوقيعة قد فشل أيضا وأتى عكس ثماره التي خيل له الوهم انتصار كيده وذلك لما تبين أن من حاول استقطابهم قد كشفوا كيده الرخيص وأعادوا قسم البيعة لحسن الهضيبي يوم خروجه من الاعتقال كما أوردت ذلك صحيفة المصري بذكرها في الصفحة الأولى بتاريخ 26 مارس 1954 بقولها&nbsp;: أن الشيخ محمد الغزالي وصالح عشماوي وأحمد عادل كمال قد بايعوا مرشدهم. <br />
<br />
'''المحنة الثانية:''' <br />
<br />
وهي المرحلة الثانية التي مرت بها جماعة الإخوان إبداءهم لواء المعارضة للاتفاق المصري البريطاني الذي وقع بالأحرف الأولى في 27 يوليو 1954 بعد ستة عشر يوما من بدء المفاوضات ، ولنعد إلى شهادة أحد صناع هذه الفترة وهو زكريا محي الدين الذين يذكر أن هذه السرعة في توقيع المعاهدة المصرية الإنجليزية تمت نتيجة وساطة أمريكا التي كشفت الوثائق المعاصرة أخيرا صلة وكالة المخابرات الأمريكية بجمال عبد الناصر بعد أن نحى وفريقه بعض الضباط المنتمين إلى الإخوان أمثال عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي من قيادة الحركة وضاما المندفعين والمغامرين الذين أحضرهم من غرز الحشيش والبارات كما ذكر لكمال الدين حسين عندما أفزعه وضباط المدفعية هذا الخليط العجيب الذي ضم إليهم قبل قيام الحركة ، فكانوا كما قال أحد صناع هذه الفترة «أول من أساء إلى الثورة بعد قيامها بتصرفاتهم وتحقيق المكاسب المادية لأنفسهم وتكوين الثروات من المال الحرام» . <br />
<br />
وعود على بدء لإلقاء الضوء على هذه الفترة الحاسمة في تاريخ الحركة الإسلامية بمصر التي يبدأ صراعها في مجابهة التسلط بما عرضوه في نقدهم لتوقيع الاتفاق المصري البريطاني كما عرضناه آنفا والذي قدم يوم 2 أغسطس 1954 لرئيس مجلس الوزراء (جمال عبد الناصر) الذي أغضبه فيما يبدو أن يبدي من بقي على الساحة اعتراضا على سلطانه بعد صب جام غضبه على المثقفين وأساتذة الجامعات وطلابها الذين أغلقت معاهد علمهم بعد إضرابهم ، وأطلق لنفسه عنان الخبال باتهام الإخوان مرة أخرى بالتآمر مع بريطانيا والاتفاق مع المستر ايفانز التي فندنا مزاعمه بشهادة حسن التهامي ومطلقا صحافة هيئة التحرير ردا على خطاب المرشد حسن الهضيبي إليه بتاريخ 22 أغسطس 1954 مكذبا زعمه بالاتصال بالإنجليز ومؤكدا على نقد الاتفاق المبرم وحرية التعبير حتى «يحكم الناس علينا بفعلنا لا بقولك ، وحتى يستطيعوا أن يعرفوا حقيقتها (المعاهدة) من جملة الحجج ولا يكتفوا بسماع طرف واحد». <br />
<br />
وصحبت تلك الحملة الصحفية التي قصد بها المرشد الذي مثل عقبة أمام عبد الناصر والتي عبر عنها الشيخ الباقوري كما أوردنا ، حملة أخرى تنال الإخوان بوصفهم بالتخريب والتجارة بالدين وتشكك الناس في الإسلام وحكم الإسلام كما دأب خطباء الهيئة على مثل ذلك متمثلين ببعض الدول التي تدعي الحكم بالإسلام وهي أبعد ما تكون عنه <br />
<br />
وأعقب تلك الحملة المحمومة خطاب الهضيبي الذي أرسله بتاريخ 4 سبتمبر 1954 الذي قدمنا نصه مؤكدا معارضة الإخوان للمعاهدة دون أن تناقش في برلمان منتخب انتخابا حرا يمثل الأمة أكمل تمثيل. إزاء هذه المعارضة التي مثلت تحديا لجمال عبد الناصر بدأ هذا الأخير في مضاعفة إجراءات القمع ضد جماعة الإخوان والتي قصد بها أصلا مرشدها العام الذي ألقى القبض عليه بتاريخ 8 أكتوبر 1954 عقب خطابه الشهير كما أوقف العشرات وجرت حملة تطهير في الجيش بين ضباط الصف من الإخوان. <br />
<br />
وأضحى هذا الإجراء وجرت حملة تطهير في الجيش بين ضباط الصف من الإخوان. وأضحى هذا الإجراء سبيلا لتوقيع الاتفاق النهائي ولنعد لتقرير وكالة United press الذي ذكرت فيه «أن النظام قد وقع الاتفاق المبدئي بالأحرف الأولى (في 27 يوليو) خلال العطلة الطلابية ، يتعجل في التوقيع على الاتفاق النهائي قبل بدء الدراسة في معاهد مثيري المعارضة (القصد الجامعات) والتي من شأنها إثارة المشكلات والقلاقل للعسكريين ( ) فوقع الاتفاق النهائي في 19 أكتوبر 1954 «ولم يبد البكباشي عبد الناصر أكثر انعزالا في نظر الشعب المصري كما بدا في اليوم الذي حمل فيه إلى الشعب اتفاقية الجلاء «كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي جان لاكوتور في كتابه «ناصر». <br />
<br />
وصحب التوقيع جملة على المرشد في محبسه وعلى العصاة في زعمه ، كما أردفتها فتنة أخرى حاول استغلالها بالانشقاق الذي وقع في صفوف الإخوان يتولى خمسة أعضاء هم محمد جودة ، محمد الخضري ، محمد عبد السلام فهمي ، محمد فتحي الأنور وحلمي المنياوي حركة عصيان بإقالة المرشد ومكتب الإرشاد ، هذا الإجراء الذي حسبه عبد الناصر انتصارا له بمحاولة هذه العناصر المعتدلة في ظنه للتعاون مع حكمه عقب توقيعه الاتفاق النهائي الذي كان يعد المرشد عدوه الألد. لكن كما خاب ظنه في المحنة الأولى (ديسمبر 1953- مارس 1954) فقد مني أيضا بالفشل في استغلال هذا الانشقاق الذي اعترضت على وقوعه الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان في اجتماعها غير العادي بتاريخ 22 أكتوبر 1954 حيث قررت عقد جلسة خاصة بعد أسبوع للنظر في سياسة الجماعة <br />
<br />
وفي 26 أكتوبر 1954 وقف جمال عبد الناصر بميدان التحرير بالمنشية في الإسكندرية يلقي كلمة فإذا برصاصات تنطلق استمر بعدها في خطابه.. سأعيش من أجلكم وسأموت من أجل حريتكم وكرامتكم فليقتلوني.. لست أبالي ما دمت قد غرست فيكم العزة والكرامة والحرية (!) وإذا مات جمال عبد الناصر فليكن كل منكم جمال عبد الناصر وعلى كل مواطن أن يكون جمال عبد الناصر وأن يتابع جهاد جمال عبد الناصر . <br />
<br />
وصدر بيان أن الذي أطلق الرصاص شاب مفتون من الإخوان المسلمين أسمه محمود عبد اللطيف وهو سمكري من إمبابة بالقاهرة ، وثبت من التحقيق الذي أجرى كما أذاعت ذلك الرواية الرسمية أن المؤامرة لم تكن مقصورة على جمال عبد الناصر. بل كانت هناك خطة مرسومة لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة ونحو 160 ضابطا من ضباط الجيش. وقد ضبطت في مخابئ الإخوان مفرقعات تكفي لنسف جانب كبير من القاهرة والإسكندرية ولم تر الحكومة بدا -كما يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي- من العودة إلى محاكمات الثورة لتتقي شر مؤامرات الإخوان. فماذا عن المؤامرة؟ وحادث المنشية . <br />
<br />
'''حادث المنشية والخيال المريض''' <br />
<br />
هذا الحادث الذي أصبح ينظر إليه بشك من قبل ذوي الحيدة ، أكان حقيقيا أم محض اختلاق؟ سؤال تجيبنا عليه شهادة من عملوا مع جمال عبد الناصر وما أوصلتنا إليه دراستنا التحليلية من خلال الإطلاع على وسائل الإعلام الأجنبية في الوقت الذي كممت فيه الصحافة المصرية ، وللمحاكمة التي أجريت. <br />
<br />
في أول نوفمبر 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة أمرا بتأليف محكمة مخصوصة سميت محكمة الشعب برئاسة قائد الجناح جمال سالم (عضو مجلس قيادة الثورة وناب رئيس الوزراء) والبكباشي أنور السادات (عضو مجلس القيادة ووزير الدولة) والبكباشي حسين الشافعي (عضو مجلس القيادة ووزير الشؤون الاجتماعية) وتختص المحكمة بالنظر فيما يرى مجلس قيادة الثورة عرضه عليها من القضايا أيا كان نوعها حتى ولو كانت منظورة أمام المحاكم العادية أو غيرها من جهات التقاضي الأخرى ما دام لم يصدر فيها حكم ، وتعتبر هذه المحاكم أو الجهات متخلية عن القضية فتحال إلى المحكمة المخصوصة بمجرد صدور الأمر من مجلس قيادة الثورة بذلك ، وتختص بمحاكمة الأفعال التي تعد خيانة للوطن أو ضد سلامته في الداخل والخارج وكل ما يعتبر موجها ضد نظام الحكم والأسس التي قامت عليها الثورة. مادة 3&nbsp;: يعاقب على الأفعال التي تعرض على المحكمة بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بالسجن أو بالحبس المدة التي تقدرها المحكمة أو أي عقوبات أخرى تراها المحكمة. <br />
<br />
مادة 4&nbsp;: ينشأ بمقر قيادة الثورة مكتب للتحقيق والادعاء يلحق به نواب عسكريون وأعضاء من النيابة العامة ، يتولى رئاسته البكباشي زكريا محي الدين (وزير الداخلية). ولهم حق الأمر بالقبض على المتهمين وحبسهم احتياطيا ولا تجوز المعارضة في هذا الأمر. <br />
<br />
مادة 6&nbsp;: للمحكمة أن تتبع من الإجراءات ما تراه لازما لسير الدعوى ولا يجوز المعارضة في هيئة المحكمة أو أحد أعضائها. وهو ما عبر عنه النائب العام وقتئذ بقوله «أن المحكمة لها كامل السلطات وهي غير مقيدة بأي قانون كما أوردته صحيفة Le Monde الفرنسية . <br />
<br />
مادة 8&nbsp;: أحكام المحكمة نهائية ولا يقبل الطعن بأي طريقة من الطرق أو أمام أي جهة من الجهات وكذلك لا يجوز الطعن في إجراءات المحكمة أو التنفيذ. <br />
<br />
محكمة تشكلت دون توافر أية ضمانات قانونية للمتهمين الماثلين أمامها ، وقد قصد بها الانتقام كما يبدو مما أوردته جريدة الأهرام بتاريخ 2 نوفمبر 1952 حيث نصت المادة 5 من قرار تشكيل المحكمة «يخطر المتهم بالتهم ويوم الجلسة بمعرفة المدعي قبل ميعادها بأربع وعشرين ساعة على الأقل ، ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من مرة واحدة ولمدة لا تزيد على 48 ساعة للضرورة القصوى». <br />
<br />
كما ذكرت «ولا ينتظر أن يعلن مكتب الإدعاء والتحقيقات عددا كبيرا من الشهود للحضور في المحاكمة ، وسيكتفي بعدد محدود منهم إذ أن المتهمين قد اعترفوا بجريمتهم اعترافا كاملا واضحا. <br />
<br />
وهي الصورة عينها تكررت في 25 مارس 1964 بصدور القانون رقم 119 لسنة 1964 الذي خول لرئيس الجمهورية (جمال عبد الناصر) في غير الحالات الاستثنائية والطارئة المقررة في قانون الطوارئ وبدون إبداء أسباب أن يقبض على المواطنين وأن يحتجزهم فيما أسماه «بمكان أمين» وأن تفرض الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم وأن يكون لسلطات التحقيق في الجرائم التي تحال إليها سلطات مطلقة وغير مقيدة بما ورد في قانون الإجراءات الجنائية ، من قيود وضمانات للأفراد ، ولرئيس الجمهورية الحق في أن يأمر بتشكيل محاكم استثنائية من العسكريين لمحاكمة المواطنين وأعفيت هذه المحاكم من أن تتقيد بأي قانون وحظر الطعن في أحكامها بأي وجه من الوجوه. <br />
<br />
أكان نذيرا لمحاكمة الإخوان في قضية أخرى مشابهة؟ لا نشك في ذلك وهو ما شهد به عام 1965. تلك عن الإجراءات ، فما بال المحاكمة ذاتها؟ <br />
<br />
أما القاضي جمال سالم فقد نصب نفسه مدعيا عاما ، فكان يقاطع كما يحلو له إجابات الشهود إذا لم تحز رضاه ، ويكرههم بالتهديد على الإجابات المطلوبة ، وكانت أسئلة تصاغ بحيث تحول دون أي إجابة تختلف عما تطلبه المحكمة وأية محاولة لإضافة تفاصيل جديدة كانت تصد في الحال. وفي بعض الأحيان كان يشتبك في حوار ومجادلة مع المتهمين توجه فيها إهانات وقحة ، وكان يسمح للجمهور القليل العدد إذ لم يزد على الثلاثين اختيروا بعناية ، وبعضهم من الصحفيين بالمشاركة في السخرية وتوجيه الإهانات لهم ، وفي مناقشة الشهود لم تكن غالبية الأسئلة الموجهة لهم مرتبطة بما يحاكمون فيه ، فكانت تتضمن تفسيرا للآيات القرآنية وإعراب كلمات وطلب إلى يوسف طلعت قراءة الفاتحة بالمقلوب (هكذا). <br />
<br />
'''وماذا عن الحادث ذاته؟ أحقيقي هو أم ملفق؟ ''' <br />
<br />
نعود في دراستنا إلى شهادة السيد حسين التهامي التي أوردها بمجلة روز اليوسف في العدد 2603 الصادر في أول مايو 1978 ، وهو العدد الذي كشف فيه النقاب عما اتهم به الإخوان من اتصال مع الإنجليز وكشف فيه هذا الزيف إذ تم بعلم عبد الناصر ، يذكر في شهادته «أن هناك خبيرًا أمريكيًا قد اقترح اختلاق محاولة لإطلاق الرصاص على عبد الناصر ونجاته منها ، فإن هذا الحادث بمنطق العاطفة والشعور الشعبي لا بد وأن يزيد شعبية عبد الناصر لتأهيله للحكم الجماهيري العاطفي ، وأنه قد ورد قميص واق من أمريكا قبل هذا الحادث ببضعة أسابيع وكان مودعا عنده في بيته ، وأرسلناه إليه في نفس الليلة فوصله في الصباح الباكر وعندما رآه وكان معه العديد من الزملاء يهنئونه على نجاته ضحك كعادته وقال «كل شيء انتهى»! <br />
<br />
وشهادة أخرى ذات أهمية نذكرها وهي للواء طيار متقاعد عبد الحميد دغيدي وقد نشرها تحت عنوان «هذا رأيي في حادث المنشية» بجريدة السياسي التي تصدر عن دار التعاون في أبريل 1975 جاء فيها&nbsp;: «ذهبت مع السيد حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة السابق لمعاينة شرفة مبنى بورصة الإسكندرية سابقا ومقر الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي بالإسكندرية حاليًا. فقد كان المقرر أن يلقي رئيس الجمهورية السابق محمد نجيب خطابًا سياسيًا من هذا المكان ، واتضح لنا من المعاينة أن السور المحيط بالشرف عالي بحيث طلبنا من قائد المنطقة الشمالية وقتئذ إعداد ما يقف عليه محمد نجيب أثناء إلقاء الخطاب ليشاهد الناس ويشاهدوه. هذا من ناحية. <br />
<br />
ومن ناحية أخرى ، فقد جمعني مجلس عقب إطلاق الرصاص بميدان المنشية على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع النائب العام الأسبق الأستاذ حافظ سابق الذي أشرف على التحقيق فسألته&nbsp;: <br />
<br />
- هل عاينت مكان الحادث؟! <br />
<br />
فأجاب بالنفي ( ).. ثم استطرد قائلا&nbsp;: <br />
<br />
- ولكن المتهم اعترف.. <br />
<br />
وللتاريخ والإنصاف أقول أن أي فرد أو جماعة كانت تدبر حادث الاغتيال المشار إليه ما كانت تختار ذلك المكان لتنفيذ خطتها ، فسور الشرفة كما أوضحت لا يسمح بدقة التصويب وخاصة أن الذين سبق لهم الاستماع إلى خطب بميدان المنشية ما كانوا يرون الرئيس الراحل بوضوح إلا على بعد يزيد على الثلاثمائة متر ، وتلك المسافة تخرج عن المرمى المؤثر لإطلاق المسدس ، كما أن الجمهور المتزاحم حول المقدم على الاغتيال لا يسمح له باتخاذ وضع التنشين على الهدف بالدقة والسرعة المطلوبة. <br />
<br />
صحيح أنه حدثت إصابات نتيجة إطلاق الرصاص ، لكن الواضح أنه إطلاق رصاص طائش مما يوحي بأنه لم تكن هناك خطة جادة للاغتيال ولكن خطة لأمر آخر! <br />
<br />
وتناقض يلقاه من يطالع صحف هذه الفترة ، من ذلك عدد الطلقات التي أطلقها الجاني ، فذكر صلاح سالم وزير الإرشاد القومي أنها ثماني ، بينما تذهب جريدة الأهرام بتاريخ 27 أكتوبر 1954 في صفحتها الخامسة إلى عشر رصاصات وأيضا إلى أداة الجريمة وقد ذكرت جريدة الأهرام نبأ العثور عليه بتاريخ 2 نوفمبر 1952 وأوردت لهذا النبأ قصة سقيمة بقولها قد عثر عليه عامل بناء وسار على قدميه إلى القاهرة الذي لم يكن يملك ثمن تذكرة القطار! ليقوم بتسليم المسدس إلى جمال عبد الناصر حيث أهداه مائة جنيها من جيبه. <br />
<br />
وندع هذا الخيال المريض ولنرجع إلى الصحافة الأجنبية لتطلع على ما أحاط بهذا الحادث من غموض أريد للشعب المصري أن يعيش فيه من خلال صحافته المكممة. <br />
<br />
على صفحات جريدة La Suisse السويسرية الصادرة في 27 أكتوبر 1954 ، كذلك صحيفة Le Monde الفرنسية الصادرة في 28 أكتوبر 1954 نقرأ «بينما جمال عبد الناصر يلقي خطابه في حشد جماهيري إذ بشاب يطلق ست رصاصات في اتجاهه» وتؤكد الصحيفة السويسرية أن هناك أربعة أفراد يدعى الحسيني السيد عرام موظف بوزارة التربية والتعليم كان ممسكا بمسدس وهو يؤكد عثوره عليه ملقيا على الأرض حيث يبدو أن أحد العسكريين قد تركه يسقط عمدا ، بيد أن بعض الشهود -كما تقول الصحيفة السويسرية- يؤكدون أنه مطلق النار. واتهم بعض الشهود شخصا ثانيا يدعى محمد إبراهيم دردير بأنه الفاعل ، وفرد ثالث يدعى محمد عامر حماد أوقف عندما حاول الهرب ، أما الشخص الرابع (لم تذكر الصحيفة اسمه) فيظن بأنه قد استعمل سلاحا وجد في حوزته لإطلاقه في الهواء تعبيرًا عن الفرحة ، وهو سمكري يقطن القاهرة واشترك في حرب فلسطين ، ذكر بأنه من الإخوان المسلمين». إزاء هذا التضارب يصرح هذا الأخير الذي تبين أن اسمه محمود عبد اللطيف بأنه قد أطلق ثمان رصاصات لتحية وصول البكباشي جمال عبد الناصر. وهو في قوله ذلك يخالف ما ذهبت إليه الصحيفتان السويسرية والفرنسية من أن العدد هو ست رصاصات ، كما يخالف الحقيقة المسجلة على شريط من أرشيف الإذاعة المصرية. أوقع عليه إكراه أو ضغط؟ ربما ، إذ أن المنطق لم يخدم أيضا السلطة آنئذ بما قدمته من نبأ عثور عامل البناء على السلاح ، بينما نقرأ في موسوعة الأسلحة الخفيفة العالمية (الطبعة الفرنسية) أن عدد طلقات هذا النوع هو ست طلقات ، ومطلق الرصاص قيل بأنه كان معروفًا شخصيًا لدى جمال عبد الناصر ، فهل وعد بمقابل لاعتراف ملفق؟ وهل كان تكرار الرئيس لعبارة «أيها الرجال ، فليبق كل في مكانه» حيث كررها غير مرة تعني تمثيل القبض عليه. <br />
<br />
والرواية الرسمية التي أذاعتها السلطة من أن المتهم بإطلاق النار قد أتى مبكرا إلى مكان الحفل حيث اتخذ مكانه على بعد خمسة عشر مترا تناقضها شهادة الصاغ السابق إبراهيم الطحاوي مسؤول هيئة التحرير في هذه الفترة (كان سكرتيرًا عامًا مساعدًا ، بينما عبد الناصر كان يشغل سكرتيرها العام) الذي ذكر بأن الثلاثين صفا الأولى قد خصصت لهيئة التحرير ومنظمة الشباب التابعة للهيئة والحرس الوطني . <br />
<br />
والشاهد الأول هنداوي دوير الذي اتهم بأنه حرض مطلق الرصاص ، قبيل بأنه كان من المحيطين بعبد الرحمن السندي صديق عبد الناصر ورئيس الجهاز الذي فصل عندما أراد حسن الهضيبي القضاء على انحراف الجهاز الخاص- هل وعد هو الآخر مقابل اعتراف ملفق؟ لا نشك في ذلك ، حيث أنه تحيط به الشبهات ، خلافا لما أراد أن يدعيه من حلفه من الجهاز الخاص على يد حسن البنا شخصيا أو أنه عضو في الهيئة التأسيسية ، ولما ضاق من تضارب أقواله صرخ قائلا أنه كان يود أن يحاكم أمام محكمة إنجليزية . هذا الشاهد الذي أتوا به كان يأتي حركات عصبية تخالف طبيعة رجل تمرس أعمالاً تتسم بالسرية ، وقد أراد لنفسه وأراد له المدعي أن يكون محاميا لدى مكتب عبد القادر عودة بينما يذكر القاضي الشهيد في أقواله أنه لم يره من قبل كما أوردت أقواله جريدة الأهرام بتاريخ أول ديسمبر 1954. أوعد الاثنان محمود عبد اللطيف وهنداوي دوير الذي ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه كان يأمل حتى ساعة إعدامه في رسالة من جمال عبد الناصر تنقذ رقبته؟ لا نشك في ذلك وقتيا بما وعدا به يوم 7 ديسمبر 1954. <br />
<br />
'''الإخوان والحادث:''' <br />
<br />
هذا الحادث أصبح السبيل الأخير للقضاء على آخر المعارضين للاتفاق المصري الإنجليزي ، وهو ما عبر عنه بصدق الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي آنئذ بقوله «أنه كان في النية القضاء على جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة عدا نجيب وتشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد العشماوي ، الوزير السابق ويشترك فيها عبد الرحمن عزام الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الذي أنكر ما صرح به صلاح سالم. وهذان الأخيران (عزام والعشماوي) كانا من المعارضين للاتفاق ، أما محمد نجيب فقد رفض التصديق على الاتفاق كما أوردت ذلك صحيفة الديلي ميل البريطانية في تقريرها ، فكان أن دفع ثمن معارضته في 15 نوفمبر 1954 بإعفائه حيث عاش تحت الإقامة الجبرية. <br />
<br />
أما نظرة الإخوان لهذا الحادث فقد تبين لنا من الإطلاع على الصحافة الأجنبية أنهم اعتبروه محاولة جديدة من عبد الناصر للإيقاع بهم دون أن تبدي مقاومة بالسلاح وهو ما ينفي عن الجماعة في رأينا ما ألصق بهم من اتهام وبهتان. يعبر عن ذلك المرحوم حسن العشماوي في كتابه «الإخوان والثورة» حيث ذكر&nbsp;: «تركنا - يوسف طلعت وأنا- الحديث عن حادث الإسكندرية إذ استوى عندنا يومئذ أكان ملفقًا أم صحيحًا ، وبدأت سؤاله بسؤالي التقليدي الذي أردده عليه منذ وقع ذلك الحادث وماذا تنوون بعد ذلك؟ كنت أسأله هذا السؤال- بوصفه رئيس الجهاز الخاص والمسؤول عنه ومما يضم من أشخاص وما يملك من سلاح- ولكني لم أجد عنده جوابا واضحا عن ذلك ، لا بسب قلة الرجال والاستعداد ولكن لأنه كان يتخوف من أمرين يعوقانه عن التصرف&nbsp;: هما التدخل الأجنبي إذا ثأرت قلاقل في مصر ، والتشفي ممن داخل السجون بقتلهم إذا أقدمنا على أية مقاومة سافرة للوضع العسكري القائم ، كان هذا التخوف بشقيه يسيطر على ذهن يوسف طلعت إلى أبعد الحدود حتى أعطاني صورة يائسة عن نية رفاقه». <br />
<br />
وهي الصورة عينها التي كشف عنها المرحوم الأستاذ سيد قطب أمام المحكمة التي وقف أمامها يوم 23 نوفمبر 1954 بقوله «أن أكبر ظنون الإخوان المسلمين في حالة التفكير في تغيير النظام كان موقف الولايات المتحدة لأنه من المعروف أنها كانت تساند نظام حكم عبد الناصر» . <br />
<br />
يتضح لنا من استقراء الأحداث أن حادث المنشية قد أريد استخدامه عاملا للحيلولة دون انعقاد الهيئة التأسيسية في 29 أكتوبر 1954 وفقا لما كان مقررًا ، وأن هذا الحادث أيضا قد نظر إليه من قبل السلطة القائمة بأنه حادث فردي إذا ذكرت صحيفة الأهرام أن التهمة الموجهة إلى محمود عبد اللطيف هي الشروع في قتل الرئيس جمال عبد الناصر والذي بدأت محاكمته في 12 نوفمبر 1954 وما أعلن عن تقديم المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي وأعضاء مكتب الإرشاد العام إلا في 21 نوفمبر 1954. <br />
<br />
ما بين التاريخين اعتبر الإخوان أنفسهم براء مما ألصق بهم من اتهام ومحاولة للنيل منهم وهو ما عبر عنه المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة في كتابه المرسل إى جمال عبد الناصر بتاريخ 4 نوفمبر 1954 والذي أذاعته وكالة الأنباء الفرنسية في الوقت الذي كممت فيه الصحافة المصرية. <br />
<br />
'''يقول الأستاذ عبد القادر عودة الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين (نذكر أن المرشد الأستاذ حسن الهضيبي ألقي القبض عليه في 8 أكتوبر 1954) في كتابه&nbsp;:''' <br />
<br />
1- أن جماعة الإخوان تتعهد بحل الجهاز الخاص وتسليم الأسلحة التي في حوزتها إلى السلطات خلال الخمسة عشر يوما التي تعقب الهدنة مع هذه الأخيرة ، (ذكر المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة أن هذه الأسلحة قد سلمت إلى الإخوان عام 1953 للاشتراك في القتال أثناء النزاع الناشب في قناة السويس وقد اتهم عوده أثناء محاكمته في أول ديسمبر 1954 رئيس مجلس قيادة الثورة (جمال عبد الناصر) ووزير الإرشاد (صلاح سالم) وأعضاء آخرين بتسليم الإخوان هذه الأسلحة هل نذكر في هذا الشأن أيضا حادث اتهام الإخوان بإخفاء أسلحة ومفرقعات بعزبة المرحوم حسن العشماوي والذي ورد في قرار الحل في يناير 1954 ثم الاعتذار عنه). <br />
<br />
2- بإعادة تنظيم جماعة الإخوان وحصر نشاطها في المجالات الدينية والثقافية على الأقل في فترة الانتقال (أي الفترة التي سبق تحديدها في الإعلان الدستوري عام 1952 وتنتهي في يناير 1956) وإلى حسين وضع نظام دستوري في مصر. <br />
<br />
3- بإنهاء حملة الإخوان المسلمين إزاء الحكومة خلال الأسبوعين اللذين يعقبان هذه الهدنة والاتفاق عليها ، وهذه المدة تسمح بالاتصال بممثلي الإخوان خارج مصر. <br />
<br />
'''ومن ناحية أخرى فإن الإخوان المسلمين يطلبون من الحكومة&nbsp;:''' <br />
<br />
1- عدم اتخاذ أي إجراء إزاء الإخوان الذين يقومون على تسليم هذه الأسلحة خلال أسبوعين. <br />
<br />
2- أن يتم الإفراج عن جميع الإخوان المسلمين الذين سبق اعتقالهم. <br />
<br />
3- عدم الحيلولة دون اتصال الإخوان بعضهم ببعض والمحبوسين منهم خاصة لتبادل آرائهم في شأن الاتفاق مع الحكومة. <br />
<br />
4- أن تكف حملة الاعتقالات خلال خمسة عشر يوما حتى يتسنى تطبيق هذا الاتفاق . <br />
<br />
وبدأ أن هذا العرض لم يلق قبول عبد الناصر الذي كان يأمل في أحداث فتنة في صفوف الإخوان كمثل الذي فتن به من غشي بصيرته جاء الحكم وكرسي الوزارة وكما كان يأمل في أن يجنح إلى حكمه عبد القادر عودة وآخرون ولما ظهر جليًا أنهم متضامنون مع مرشدهم ، أذن فلم تصبح القضية إلا شخصية قصد بها حسن الهضيبي (كما عبر عنها الشيخ الباقوري في فبراير 1954) ومن حوله من أعضاء مكتب الإرشاد الذين لم تنل منهم قناة فاتهموا في 21 نوفمبر 1954 بالتآمر لقلب نظام الحكم وصدرت بحقهم في 5 ديسمبر 1954 أحكام محكمة الشعب (!) بإعدام كل من المرشد المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي (بدل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة) والقاضي الشهيد عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي واعظ الإسماعيلية وقائد فدائي فلسطين والقنال ، ويوسف طلعت فدائي فلسطين ، وإبراهيم الطيب (محام). <br />
<br />
كما صدرت الأحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة في حق الدكتور خميس حميدة (صيدلي ، نائب المرشد) الدكتور كمال خليفة أستاذ بكلية الهندسة ، الدكتور حسين كمال الدين أحمد إبراهيم أستاذ بكلية الهندسة ، منير دله مستشار بمجلس الدولة ، وصالح أبو رقيق مستشار بجامعة الدول العربية ، عبد العزيز عطية مدير منطقة الإسكندرية التعليمية ، محمد حامد أبو النصر محام ، والحكم بالسجن خمسة عشر عاما في حق كل من الشيخ حامد شربت واعظ ، وعمر التلمساني محام ، وسيد قطب كاتب ، وصدرت أحكام بالبراءة في حق كل من عبد الرحمن البنا ، عبد المعز عبد الستار أستاذ بالأزهر ، والبهي الخولي مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الأوقاف الذي مضى في مدن مصر مروجا لعبد الناصر متحدثا إلى الإخوان عن مثالب المرشد ومعلنا نقض بيعته وخروجه عليه -رحمه الله. <br />
<br />
وصعدت أرواح يوسف طلعت وكانت آخر كلماته كما ذكرت إحدى المجلات الفرنسية في عددها الذي صودر حال توزيعه «اللهم اغفر لمن أساء إلي» ، وآخر كلمات الشيخ محمد فرغلي «يا مرحبا بلقاء الله» وإبراهيم الطيب وآخر كلماته «خصومنا هم قضاتنا» والقاضي الشهيد عبد القادر عودة وآخر كلماته «دمي لعنة على أعضاء مجلس قيادة الثورة» ، كما صعدت في 28 أغسطس 1966 أرواح سيد قطب وإخوانه عبد الفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش تشتكي فيه إلى ربها ظلم العبيد للعباد. <br />
<br />
وخرج من شيوخ الأزهر من أفتى بأن الإخوان كالخوارج لا يقبل في أمرهم توبة ولا شفاعة وخرج من يفتي بانحراف كتاب معالم في الطريق وخطب الخطباء وكتب الكتاب وأفتى المفتون وكل هؤلاء وأولئك تنطق ألسنتهم بما لا تؤمن به قلوبهم فغلبت عليهم أهواؤهم وشهواتهم وعلت قلوبهم منها غشاوة حتى ساروا إلى ما صاروا إليه يؤمرون فيطيعون ، وكثير من هؤلاء الذين يزينون الباطل للحكام حقا ، والظلم عدلا هم على صنفين ، صنف كان عونا في التمكين لهذه الروح الذليلة بسيرهم في ركاب الظالمين ، وصنف آخر آثر الدعة والسكوت عن الظلم بأضعف الإيمان رهبة من البطش أو رغبة في العطاء؛ فانحدر مفهوم الطاعة لأولي الأمر إلى ذلك منكر للحاكم مهما أخطأ وظلم ، وهو داء ابتلى به الإسلام خلال عصور طويلة من تاريخه ، وأهمل العلماء علاجه حيث يجب أن يعالج&nbsp;: في فهم المسلمين لدينهم ، وتذكيرهم بفريضة الله عليهم في مجاهرة الظلم والضرب على يد الظالم وفي النصح للحاكم المخطئ وتقويمه وكل هؤلاء بعونهم الحاكم الظالم أو غفلتهم عن شؤون المسلمين كانوا يجدون التكأة الكاذبة على مثل قول الله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وهم يعلمون قول الرسول «إنما الطاعة في المعروف» وأصبحت السلبية والغفلة مرتعا خصبا لسلطان كل حاكم منحرف أو مستبد ظالم ، وهي أخطاء إذا لم تصوب تزداد وتتعاقب ، والظلم حين لا يجاهد يطغى صاحبه ويستحكم طغيانه وتدفع الشعوب ثمن غفلتها التي تدوم. تلك حال شعب مصر طوال سني حكم جمال عبد الناصر الذي بدا تعطشه للسلطان منذ قديم ومنح أمته دساتير مفصلة وفق الهوى. ومن العجب أن نشهد بعض أساتذة القانون الدستوري من سار في ركب النفاق الرخيص واصفا صدور هذه الدساتير المتعاقبة بأنه تفويض من الأمة لقائد الثورة أو أن الرئيس لفرط إحساسه بإرادة الأمة وهي مصطلحات كغيرها من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية تلوكها الألسن ولا ترشد بها العقول. وتجرع شعب مصر وجيشه الإرهاب الذي سلط عليهما من قبل المخابرات التي أنشأها لحمايته ، فهو الأب الروحي الذي تجب حمايته بكل سبل الترغيب والترهيب ، والتي شهدت ساحة القضاء أخيرًا بعض صور انحرافها وقد وصفتها بأنها صفحة سوداء في تاريخ مصر. ومفتاح شخصية عبد الناصر خلال سني حكمه لا تبعد قط عن عبادته لذاته ورغبته العارمة في النفوذ والسلطان التي بسطت ظلها على كل سلوكه من منطلق هذه العبودية لذاته والتي نترك وصفها للكاتب الأمريكي Andrew Tully «أندرو تاللي» في كتابه عن وكالة المخابرات الأمريكية ، وقد أظهر المؤلف في كتابه الصادر عام 1962 ثمة علاقة بين تنظيم الضباط الأحرار في صورته الأخيرة أو عبد الناصر وبعض رفاقه وبين وكالة المخابرات الأمريكية بداية عام 1952 وهي العلاقة التي ظهرت أخيرا بشهادة رفاق عبد الناصر ذاته. <br />
<br />
يذكر تاللي في مؤلفه تقريرا أرسله أحد رجال الوكالة الأمريكية بداية سني الخمسينات محللا أعمال عبد الناصر «أن آفاته هي الغرور والخيلاء والعناد والمكابرة والريبة والتعطش للسلطة. وقوته تكمن في الثقة المطلقة بذاته ، وقبول المخاطر ومهارة المناورة والاستمساك بهدفه الأصيل. يعبد التآمر ويرثي نفسه. وهو إذ يبدو منظما صبورا وذا فطنة ودهاء ، فهو أهل للإطاحة برأسه». <br />
<br />
وهذه الصفات ليست بالأمر الهين إذ ربما يظهر يسيرا في بادئ الأمر حين لا ينتظر لصاحبه تحقيق نفوذ وسلطان كبيرين ، ولكن إذا صادف هذا الطبع نجاح صاحبه وعجز من حوله عن رده إلى الصواب وتقويمه استشرى هذا الداء فيه ليهوى به والفتك بأقرب الأصحاب وهدم كل ما يعز ويغلى. <br />
<br />
لقد كان دائه الشك والريبة كما أظهرتهما الشواهد وفيما رواه أقرب من عملوا إلى جواره طوال سني حكمه. هذا الشك وهذه الريبة هما في يقيني بعض عوامل الطفولة التي عاشها ، فمنذ السابعة من عمره أدخل المدرسة الابتدائية بالقاهرة حيث لحق للإقامة بأحد أعمامه وبعيدًا عن منزل أسرته التي كانت تقطن الخطاطبة متنقلة وراء تنقل رب الأسرة في عمله ، وفي سن التاسعة من عمره حيث دخل على أسرته في الأجازة الدراسية عام 1927 فوجئ بوجود امرأة أخرى غير أمه التي أخذ نبأ وفاتها - في غيبته المدراسة- هذا الحادث في يقيني كان له صداه في نفس جمال الطفل وأصبح ينظر إلى كل من حوله بعين الشك والريبة والحذر ، تلك الآفات التي رانت على قلبه فتمكنت من نفسه وكبرت معه حتى احتوت شخصيته المصابة فكان مثالا لهؤلاء المرضى الذين يحكمون. <br />
<br />
وتناولت عصر جمال عبد الناصر دراسات شتى يجنح بعضها إلى الإفراط أو إلى التفريط. ولندع أحد شركاء هذه الفترة يرويها واصفا بعض من لعبوا أدوارها فيذكر المرحوم أنور السادات صفتي الشك والريبة لدى جمال عبد الناصر في غير موضع من كتابه قائلا «القلق يأكله أكلا فقد كان يفترض الشك في كل إنسان مسبقا وكانت النتيجة الطبيعية لكل هذا أن خلف عبد الناصر ورائه تركة رهيبة من الحقد سواء بين زملائه أقرب الناس إليه أو داخل البلد نفهسا بجميع طبقاتها (صفحة 106- 107 ، أ]ضا 135 ، 156 ، 239- 240). <br />
<br />
ويذكر الصراع بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بقوله «وبدأ عبد الحكيم عامر منذ أول سنة 1962 يأخذ احتياطه من عبد الناصر كما بدأ عبد الناصر يأخذ احتياطه من عبد الحكيم. وهكذا نشأ أول مركز قوة في مصر يباشر عمله بصراحة- فقد أصبح هم عامر الأول أن يؤمن نفسه ضد عبد الناصر بعد ما تأكد لديه المعنى الذي كان دائم الإحساس به وهو أن هناك صراعا وعدم ثقة وفجوة بينه وبين عبد الناصر وبينه وبين الباقين من مجلس قيادة الثورة وهكذا نجد أن الصراع الذي بدأ في أول الستينات قد ازداد اتساعًا وازداد معه التمزق لأن الحقد أصبح دفينا بين عبد الناصر وعامر ، وعامر وحده والباقين ، وعبد الناصر وحده والباقين.. وانصرف عامر إلى تثبيت مركزه ليس فقط داخل القوات المسلحة بل في البلد كلها (صفحة 209) حتى أصبح الآمر الناهي والمتحكم في مصير الناس وفي كل ما يتعلق بالبلد من أحداث.. أما عبد الناصر فكان يراقب ما يفعله عامر وهو أيضا مليء بالمرارة ، وعاجز لا يستطيع أن يفعل شيئا (صحة 219).. وفي سنة 1965 عندما قيل أن هناك مؤامرة يدبرها الإخوان المسلمون تولى أمرهم البوليس الحربي وشمس بدران أهم معاوني عامر ، وكما اتضح بعد ذلك كان هناك تعذيب وإهانة وامتهان لكرامة الإنسان (صفحة 215). <br />
<br />
هذه الشهادة التي يذكرها توحي بالكيد الذي دفعه الإخوان المسلمون في الصراع الدائر بين الرجل الأول والرجل الأول مكرر ، وهو يذكرها في الطبعة العربية مستخدما قبل أو هيئ للسلطة الحاكمة في ذلك الوقت بأنهم يتآمرون ليقوموا بالثورة المضادة (صفحة 71) ويذكرها صراحة في الطبعات الأجنبية لكتابه (البحث عن الذات) وكأنه لم يبغ أن يعلمها القارئ العربي والمصري خاصة ، يقول «أن السلطة الحاكمة هيئ لها أن الإخوان المسلمين يتآمرون ضد نظام الحكم وليقوموا بالثورة المضادة وما كان هذا الأمر إلا خيالا محضا. أنه من الصعب حتى الآن معرفة إذا كان حكام تلك الفترة قد اعتقدوه حقيقة أم أنهم قد استخدموا هذه الحجة لإرضاء ضغائن شخصية. ومهما يكن الأمر فقد ذهب ضحية هذا التصور الكثيرون ممن يحصون بالآلاف ، من بينهم سيد قطب داعية الإخوان الشهير الذي أعدم. ولاتهامهم بمؤامرة ضد نظام الحكم فإن الكثيرين من الإخوان المسلمين ألقى القبض عليهم وصدرت ضدهم أحكام شاقة دون إدانة حقيقية». <br />
<br />
نرجو أن يعود القارئ إلى الطبعة الإنجليزية وإلى الطبعة الفرنسية.. <br />
<br />
Ln search of identiy, 1978, p. 76 Recherche d'une identite, 1978, p. 77 <br />
<br />
<br> '''دعوة في أوانها''' <br />
<br />
الدعوة إلى استئناف حياة إسلامية تستمد مقوماتها من شريعة الإسلام ومن مبادئ الإسلام.. دعوة تجيء في أوانها ، وتلبي حاجة طبيعية في العالم الإسلامي ، بل في العالم الإنساني في هذا الأوان.. وليست هي مجرد رغبة فردية في العودة إلى الماضي ، أو عاطفة دينية لا ترتكن إلى الحاجة الواقعية.. <br />
<br />
لقد دبت اليقظة في كيان العالم الإسلامي بعد فترة نوم طويلة فإذا هو ممزق في مخالب الدول الاستعمارية.. كل منها نهشت نهشة من جسم الوطن الإسلامي ، وهي تمضغها وتعلكها وتمتص ما ينز منها من شحم دوم.. ولم يكن بد لهذه المزق أن تتجمع وتتوحد تحت راية معلومة تفيء إليها ، فإذا هي متعارفة متضامنة متعاونة... ولم يكن هناك من راية يمكن أن تضم هذه الرقعة الطويلة العريضة فيحس كل بلد أنها رايته ، ويحس كل شعب أنه منها واليها ولا يعترض أحد على الانضواء تحتها ، ولا تثور في نفسه نعرة من أي نوع.. لم يكن هنالك من راية تتوافر لها هذه الصفات كلها إلا راية الإسلام.. <br />
<br />
الراية التي يفيء إليها العربي والتركي والأفغاني والإيراني والباكستاني والاندونيسي وسائر الأجناس والشعوب في الوطن الإسلامي الكبير فلا يحس غضاضة في نفسه ، ولا عصبية من غيره ، لأن الجميع تحتها سواء. وهي ملك لهم وهم ملك لها سواء. <br />
<br />
ولقد صحت الشعوب الإسلامية على أوضاع اجتماعية لا تسر ، نشأت من الاستعمار ومن غير الاستعمار.. ولم يكن بد أن تحاول إصلاح هذه الأوضاع ، وأن تفيء في هذه المحاولة إلى فكرة أو مذهب تسير على هداه.. ولم تكن هنالك فكرة أخرى تحفظ لهذه الشعوب عقيدتها في الله ، وتقاليدها في الحياة ، وتمكن لها في الوقت ذاته من الإصلاح الاجتماعي ، ومن العدالة الاجتماعية ، وفي صورة كاملة شاملة ، وهي في الوقت ذاته طبيعية عاقلة.. لم تكن هنالك فكرة أخرى تفي بهذا الغرض إلا الفكرة الإسلامية التي تتبع من ضمير هذه الشعوب ومن تاريخها وتماشي رغباتها الكامنة وظروفها وتعطي الحقوق لأهلها دون أن يجور فرد على فرد ، ولا طائفة على طائفة ، ولا مصلحة على مصلحة ويملك الجميع بعد هذا كله أن يقول كل منهم ، لقد اخترت الحل الذي يوافقني. اخترته اختيارا ولم أقسر عليه قسرا ، اخترته من تراثي الخاص. تراث الإسلام الذي هو ملك خاص لكل مسلم في أطراف الأرض ، وملك عام لهذه الأمة المسلمة في كل زمان ومكان. <br />
<br />
ولقد صحت الأمة الإسلامية فإذا السوس قد نخر عظامها وهد كيانها. سوس الفساد الخلقي والانحلال النفسي.. السوس الذي دسه الاستعمار الخارجي ، ودسه الفساد الداخلي. ولم يكن هنالك من دواء يقتل هذا السوس ويشفي ما بثه في كيان الأمة الإسلامية من انحلال وتفسخ وانهيار.. لم يكن هنالك من دواء إلا العقيدة الإسلامية ، العقيدة التي تجعل العنصر الأخلاقي مقوما أساسيا من مقومات الحياة.. <br />
<br />
العقيدة التي تظهر الضمير فينبثق منه السلوك طاهرا ، كما ينبثق طهور الماء من طهور الينبوع.. العقيدة التي تبني النفوس وتبني البيوت وتبني المجتمعات على أس من تقوى الله بناء راسيا راسخا عميق الجذور.. <br />
<br />
كل ظروف الأمة الإسلامية ، وكل تاريخها ، وكل ضروراتها ، كلها كانت تهتف بها إلا الإسلام راية للمجتمع والكفاح.. وفكرة للتنظيم والإصلاح.. وعقيدة للبناء والفلاح.. ولم تكن رغبة طارئة ، ولا نزعة عارضة ولا عاطفة متحمسة.. لم يكن شيء من هذا هو الدافع إلى محاولة استئناف حياة إسلامية في هذه الرقعة الطويلة العريضة.. إنما كانت حاجة طبيعية عميقة الجذور ، قوية الدوافع وحقيقية المقومات ، وهذا هو الذي مكن لها في الأرض وجمع النفوس حولها والقلوب في شتى أقطار الإسلام وهذه الدعوة لا تلبي اليوم حاجة الأمة الإسلامية وحدها ، إنما هي تلبي كذلك حاجة الإنسانية جميعا. <br />
<br />
أن البشرية تعاني اليوم مثلما كانت تعانيه قبيل ظهور الإسلام ، انهيار خلقي شنيع.. وتفسخ نفسي قاتل ، وحيرة مقلقة لإقرار فيها ولا اطمئنان.. وعداوات دولية مستحكمة أثارت حربين طاعنتين في ربع قرن وهي تمهد لحرب ثالثة لا تبقى ولا تذر.. ومظالم اجتماعية فاشية في كل صقع وفي كل أرض ، تختلف أعراضها وتتشابه آثارها في تحطيم الكيان الإنساني ، فإذا شاء أحد أن يعدل أقام عدله لطائفة على حساب طائفة ، وحطم طبقة ليسود طبقة.. وليس هنالك اليوم من فكرة يمكن أن تنضوي البشرية كلها تحت لوائها ، فتهب لها العدل والطمأنينة والسلام غير الفكرة الإسلامية كما كان الحال يوم جاء الإسلام سواء بسواء.. الفكرة التي لا تظلم فردا ولا طبقة ولا شعبا.. الفكرة التي تضم الناس جميعًا إخوانا متحابين متساوين ، لا أعداء متناحرين ومتفاوتين. الفكرة اللائقة بالإنسانية التي خلقها الله لتتطلع دائما إلى مراقي السمو الإنساني لا لترتكس أبدا في المستنقع المادي الحيواني.. <br />
<br />
والمستقبل لهذه الدعوة.. المستقبل لها في الأمة الإسلامية أولا.. وفي الأمة الإنسانية أخيرًا.. ومهما تتلألأ في الأفق أضواء وشعل ، فالمستقبل للكوكب الدري الخالد الذي لا ينطفئ نوره ، لأنه من نور الحي الذي لا يزول.. <br />
<br />
هذه الكلمات التي خطها سيد قطب منذ عام 1952 لا شك أنها كانت صدى لحركة بعث إسلامي تستند إلى فكرة ، وإلى فلسفة. والحركات التي تقوم على غير أساس فلسفي حركات محدودة الأصل ، ضعيفة الأثر لأن الحياة أوسع مجالا وأعمق جذورا من الأهداف القريبة.. <br />
<br />
والمد الاستعماري ذاته لم يكن حركة غزو عسكرية فقط ، ولم يكن حركة غزو اقتصادي فقط. إنما كان غزوا اقتصاديا وعسكريا قائما كذلك على نظريات فلسفية ومثل أخلاقية وتقاليد اجتماعية. <br />
<br />
كذلك يقوم المد الشيوعي اليوم لا على مجرد النظام الاقتصادي ، وهو في ذاته فكرة وفلسفة ، بل على أصل فلسفي أعمق هو التفسير المادي للتاريخ. <br />
<br />
وكلا المدين الاستعماري والشيوعي وليد بيئة خاصة ، وليد عوامل تاريخية معينة لا وجود لأكثرهما في رقعة العالم الإسلامي ، لذلك فقد فشلا في خلق حركة طبيعية دائمة في عالم الإسلام ولا ينتقص من هذا الفشل نجاح هذا أو ذاك في إيجاد مناخ مصطنع هنا أو هناك فهي حال لن تدوم ، إذ قامت في فترة الغيبوبة عن السلاح الوحيد ، والمنهج الوحيد ، والراية الوحيدة التي غلب بها المسلمون ألف عام والتي بها يغلبون ، وبغيرها يغلبون. أنها فترة الغيبوبة بحكم السموم التي بثتها العداوات منذ قديم في كيان الأمة الإسلامية ، والتي تحرسها بالأوضاع التي تقيمها في هذه الأرض الإسلامية. <br />
<br />
ورغم كل ما ينادي به ساسة الغرب والشرق على السواء من تعاون وإنسانية عالمية فإن حقائق الأحداث ترينا ما يراد بنا. وهؤلاء وأولئك يبذلون جهودا كبيرة منظمة لتهذيب الإسلام! وتريد هدفا من اثنين&nbsp;: أولهما- إحلال الأفكار المادية محله كما تنادي بذلك الشيوعية. <br />
<br />
وثانيهما- تحويل الإسلام إلى دين فردي كهنوتي لا علاقة له بالحياة العامة والكفاح الإيجابي ، وفي سبيل ذلك تشجع المذاهب المستأنسة والتي تنتسب ظلما إلى الإسلام. <br />
<br />
فنحن نؤمن أن ديننا أساس حياتنا وحضارتنا ، وهم يرون تنحية الإسلام عن وضعه الأساسي ، واعتباره مظهرا اجتماعيًا إذا أصررنا على وجوده. <br />
<br />
'''ويتخذ كفاحهم ضد الإسلام صورا متعددة نذكر بعضها فيما يلي&nbsp;:''' <br />
<br />
هناك أولا- الاتجاه الدراسي العلمي الذي يرمي إلى جمع كل ما يمكن جمعه من المعلومات الدقيقة عن الحركات الإسلامية. <br />
<br />
وثانيا- الاتجاه النقدي الذي يستتر وراء البحث المجرد ليهدم مقدسات الإسلام وليؤكد استحالة تطبيقه وضرورة تطويره وتهذيبه ،والتهوين من شأنه تاريخيا وإرجاعه إلى أسباب مادية محدودة. <br />
<br />
وثالثا- التبشير بمعالم حضارة جديدة لها مقوماتها الخاصة. ولكل من الماركسيين والمعسكر الغربي -بفرقه المتعددة- مناهجه المتميزة ، ومن أوضح مظاهرها الغزو الفكري المنظم الذي يمثله الطوفان العالي من الكتب والمجلات والمبعوثين الثقافيين. <br />
<br />
ورابعا- السيطرة الاقتصادية باسم المعونة الفنية ، وما وراءها من امتداد النفوذ السياسي ودوران الدول في فلك التبعية. <br />
<br />
وخامسا- الكفاح المسلح السافر الذي نراه في غير ركن من أركان العالم. <br />
<br />
وسادسا- الإبادة المنظمة كما نراها في القضية الفلسطينية وضحايا المؤامرة عليها وقضية شعب أفغانستان. <br />
<br />
وكلا المدين الاستعماريين ، الصليبي والماركسي يحاربان الإسلام إذ هو الدين الوحيد الذي يقف في وجمه هذه الجهود كما تقول تقريراتهم ، وكما يفصح أحيانا بعض الصرحاء منهم! فهم لا يخشون البوذية ولا الهندوكية ولا اليهودية إذ أنها جميعا ديانات قومية لا تريد الامتداد خارج أقوامها وأهليها ، فأما الإسلام فهو -كما يسمونه- دين متحرك زاحف. وهو يمتد بنفسه وبلا أية قوة مساعدة وهذا هو وجه الخطر فيه في نظرهم جميعا. ولهذا يجب أن يحترسوا منه ، وأن يقاوموه ويكافحوه.. <br />
<br />
وهؤلاء وأولئك يعرفون أن الإسلام ليس شيئا آخر غير حكم الإسلام. فهو لا يستطيع أن يتحقق كاملا وقويا في هذه الأرض بغير هذا الحكم الذي يحول العقيدة شريعة ثم يقف ليحميها ويدفع عنها. <br />
<br />
لذلك يحاربون رجعة الحكم إلى الإسلام محاربة قوية لا هوادة فيها. يحاربونها بنفوذهم وقوتهم- كما يحاربونها بواسطة المغفلين منا وذوي المصالح الذين يخشون حكم الإسلام عليها. وهؤلاء يقتصرون على ذكر نصوص ميتة في دساتيرهم واضعوها بنصهم على دين دولهم الرسمي هو الإسلام دون تحقيقها حية في قانون أو سياسة أو تعليم أو تنظيم وفي كل أوجه نشاط فهي لا تحرم ما حرمته الشريعة ولا تبطل ما أبطلته ، وما نذكر ذلك إلا لنبين ما تقتضيه هذه النصوص ويستوي عندنا بعد ذلك أن يعترف دستور بالإسلام دينا رسميا أو ينكره ، فإن اعتراف الدستور أو إنكاره ليس له قيمة ذاتية والعبرة في هذا الأمر بالواقع.. <br />
<br />
والماركسية لا يختلف حالها عن الصليبية ، فهي تعد نفسها في مرحلة حرب وكفاح ، فكل عقيدة فيها جانب للروح وفيها حساب لله ، تعدها الماركسية عدوة لها ، ولو كانت هناك مشابه كثيرة في الجانب الاقتصادي بينهما. بل أن الماركسية لتعادي الإسلام أكثر مما تعادي المسيحية ، لأن هذه الأخيرة لم تعد قوة إيجابية في طريقها ، ولأن الإسلام يملك أن يحقق عدالة اجتماعية اقتصادية بجانب احتفاظه بالله في العقيدة واحتفاظه بالروح في الحياة- ومثل هذا خطر على الدعوة الماركسية التي تعتمد أول ما تعتمد على سوء الأحوال الاجتماعية ويأس الجماهير من أن تجد لها طريقا إلى العدالة غير الماركسية. <br />
<br />
ولقد أحست الماركسية الشيوعية هذا في السنوات الأخيرة ، فأخذت تجند لمحاربة الدعوة إلى الحكم الإسلامي جهودها وتبث ضد هذه الفكرة دعايتها ، وهذه الدعاية تأخذ طريقها في شعبتين&nbsp;: <br />
<br />
الأولى- هي تشويه صورة الحكم الإسلامي مستغلة تلك الصور المزورة في بعض الشعوب الإسلامية ، وبيان عدم جدية هذا الحكم وغموض الأسس التي يرتكن إليها ، وصلاحية هذا الغموض للتأويل والاستغلال ضد الجماهير وضد الحرية وضد المفكرين الأحرار. <br />
<br />
والشعبة الثانية- هي الإلحاح في القول بأن العالم ينقسم فقط إلى كتلتين اثنتين ، الشرقية والغربية. وأن عدم الانضمام إلى الجبهة الشرقية معناه تقوية الجبهة الغربية. وكذلك أي تفكير في إيجاد كتلة ثالثة معناه تجزئة القوى مما يقوي جبهة الرأسمالية. <br />
<br />
ولقد كشفنا ما في هذا القول أو ذاك من مغالطة أو ما يخفي وراءه من أغراض. والمهم أن يفطن الناس حين يسمعون الدعوة ضد الحكم الإسلامي إلى بواعثها الحقيقية. <br />
<br />
أن الماركسيين يتعصبون لمذهبهم تعصبا يجعله في نظرهم غاية في ذاته ولا وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية ، لذلك يهمهم أن يسدوا في وجوه الجماهير أي طريق آخر يمكن أن يحقق لها عدالة حقيقية ، كي لا يبقى هناك إلا طريق واحد ، طريق الماركسية. <br />
<br />
ولا يجوز أن نغفل كذلك أن ليس التعصب المذهبي وحده هو الذي يملي على دعاة الشيوعية خطتهم. ففي مصر وفي غيرها من بلاد الإسلام تتدخل عوامل أخرى غير التعصب للماركسية ، ويجب أن نحسب لهذه العوامل حسابها. أن في مصر وفي غيرها ماركسيين لا لأنهم يحبون الشيوعية ، بل لأنهم يكرهون الإسلام. فكل ما يحارب الإسلام أذن هو لهم صديق. <br />
<br />
وهم يتظاهرون أمام المغفلين من المسلمين بأنهم مجردون من كل تعصب ديني ولا يحفلون بكل الأديان ، وهم في حقيقتهم صليبيون ينصبون للإسلام وحده ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ وما نحب أن نفيض في هذا الموضوع ، ولكنا نحب أن ننبه كل مسلم من الأبرياء الذين تخدعهم هذه المؤامرة إلى أن يتأكد من الباعث الأول على الطعن في الإسلام وحكم الإسلام. فقد لا تكون الشيوعية والماركسية إلا ستارا لذلك الطعن الخبيث. ونحن لكل فتى من فتيان المسلمين أن يتلفت فيما خدعه أحد من هؤلاء الصليبيين المستترين ، فليأخذ حذره إنها عمل لحساب الصليبية ، لا لحساب الماركسية والشيوعية ولا العدالة الاجتماعية . <br />
<br />
فكلا المدين أقاما بؤرا مصطنعة وليدة عوامل تاريخية معينة غريبة الوجود في رقعة العالم الإسلامي ، لذلك فإنها لا تصمد على البقاء. <br />
<br />
فإذا قامت حركة بعث وإحياء في رقعة العالم الإسلامي فلا مفر من أن تقوم على المقومات التاريخية لهذه الرقعة وعلى العناصر الذاتية الكامنة فيها لتكون حركة طبيعية غير مفتعلة ، حركة عميقة الجذور في تربة هذه الرقعة لا تقتلعها الطوارئ ، لأنها تستند إلى عمق تاريخي وواقعي يكفل لها المقاومة والبقاء. <br />
<br />
من أجل ذلك قامت حركة الإخوان المسلمين مستندة إلى الفكرة الإسلامية ونقطة الخطأ في تصور الكثيرين هي اعتقادهم أن الفكرة الإسلامية هي مجرد عقيدة تعبدية ، أما الحقيقة فهي أن هذه الفكرة تصوير كامل للحياة بكل ارتباطاتها ينبثق منه نظام اجتماعي معين أوسع مدى وأكثر شمولا من النظام الاجتماعي الذي انبثق من مذهب تفسير المادي للتاريخ ، ومن النظم الاجتماعية الأخرى التي سادت في الغرب وكان المد الاستعماري الصليبي ثمرة من ثمراتها.. <br />
<br />
والدليل على أن الإخوان حركة طبيعية وأنها حركة بعث وإحياء مستمدة من جذور تاريخية وواقعية عميقة في هذه الرقعة ، الدليل على ذلك أنها قامت في كل قطر إسلامي تقريبا في أوقات متقاربة وأن اختلفت عنواناتها. <br />
<br />
فحملت لافتة «الإخوان المسلمون» حركات في سورية ولبنان والسودان والمغرب والعراق وغيرها ، ووفقا للمادة الثانية من قانون النظام الأساسي بنصها&nbsp;: «الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام» احتسبوا حركتهم إسلامية جامعة وليست مصرية أو عربية بحتة فالولاء في نظرهم كما قدمنا إلى ثلاثة أطر تتدرج من الوحدة القومية (القطر الخاص) والوحدة العربية (القطر العام) والسعي إلى الوحدة الإسلامية ، وهذه الثلاث لا تناقض بينها. فالإسلام فرض أن يعمل كل إنسان لخير بلده ولأمته التي يعيش فيها ، ثم إن الإسلام نشأ عربيا ووصل إلى الأمم عن طريق العرب ونزل القرآن بالعربية ومن ثم فإن وحدة العرب خطوة لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته. وعملوا على نشر دعوتهم في العالم الإسلامي وترجع أولى شعبهم خارج مصر حين عزم بعض شباب جيبوتي على فتح أحداها في بلادهم عام 1933. <br />
<br />
وفي خلال الثلاثينات بدأت مرحلة الاهتمام بشؤون العالم الإسلامي وقضاياه السياسية على وجه خاص حين كان حسن البنا يتحدث في خطبه وكاتبا في مقالاته داعيا إلى أن يتمتع الوطن الإسلامي بحريته واستقلاله وكان يعتبر الإخوان حماة قضاياه والسياسية منها خاصة . <br />
<br />
وبدأ الاهتمام بإنشاء الشعب خارج مصر حين انتدب اثنان من أعضاء مكتب الإرشاد العام سنة 1935 لزيارة سوريا ولبنان وفلسطين ، ونهض بالعمل للدعوة سنة 1937 في أولاها شباب الجامعة السورية وطلاب العلوم الشرعية ، ولعل أساس هذه الدعوة الطلبة الذين كانوا ينتسبون إلى الإخوان خلال سني دراستهم في مصر ، فلما عادوا إلى أقطارهم الخاصة كانوا الدعاة للفكرة والمبدأ وربما كانت دعوة الإخوان في سوريا أهم روافد الحركة الإسلامية. <br />
<br />
والملاحظ أنه في عام 1937 لم تنشأ شعبتهم تحت لافتة الإخوان لخشية البطش من حكومة الانتداب (فرنسا حينئذ) فتعددت التسميات ، ففي حلب كانت دار الأرقم ، وفي دمشق جمعية الشبان المسلمين ، وفي حمص جمعية الرابطة ، وفي حماة جمعية الإخوان المسلمين ، وفي القدس جمعية المكارم وغيرها في دير الزور واللاذيقية وطرابلس وبيروت وكانت جميعها تشكل جماعة واحدة الغاية مع تعدد أسمائها وتعارفت فيما بينها «بشباب محمد» وقد عقدت فيما بينها مؤتمرات دورية ، أولاهما في حمص عام 1937 ، والثالث بدمشق عام 1938 حيث قرر اتخاذ مركز رئيسي بدار الأرقم في حلب. وعقد المؤتمر الرابع في حمص عام 1943 حيث بدء بتبني الفكرة عينها التي حدد حسن البنا منهاجها في المؤتمر الخامس فاهتم بالناحيتين الاقتصادية والرياضية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والاهتمام بالقضايا السياسية الإسلامية. <br />
<br />
وعقد المؤتمر الخامس في حلب عام 1944 حيث تقرر توحيد الأسماء وأطلق عليها جميعا «الإخوان المسلمون». وكانت لجماعتهم أنشطة شبيهة بما قام بها إخوانهم في مصر ، فأسس المعهد العربي الثانوي ، ودار الطباعة والنشر العربية التي أصدرت جريدة «المنار الدمشقية» ، وشركة للنسيج في حلب. <br />
<br />
ومرت دعوة الإخوان في سوريا بمرحلتين شبيهتين باللتين مرت بهما الجماعة في مصر. الأولى منذ تاريخ نشأتهم عام 1937 حيث حددوا غايتهم بشرح رسالة القرآن وعرضها بما يلاءم روح العصر وإبرازها كأقوى رسالة وأكمل منهاج. كما اهتموا بالقضايا الإسلامية ناصين على تحرير البلاد الإسلامية من الاستعمار والنفوذ الأجنبي ، وسعي برنامجهم إصلاح عيوب النظام السياسي وإصلاح نظام الانتخاب ليتم انتخاب نواب الأمة بحرية ، وإصلاح الأنظمة والقوانين وسبل التقاضي لتحقيق العدالة بين الناس دون تمييز ومنع البغي والفساد. <br />
<br />
أما الطور الثاني فيرجع إلى عام 1946 ويبدو فيه التأثر بمنهج إخوانهم في مصر ، فقرروا كذلك أن في الإسلام من متانة الأصول التشريعية ومرونتها ما يجعله متمشيا مع الزمن لمصلحة البشر المادية والروحية. وقرروا كذلك في تعريفهم «أن الإسلام عقيدة وعبادة وخلق وتشريع ودين ودولة» . <br />
<br />
وطلبوا إعادة النظر في القوانين والتشريعات الاقتصادية والأخلاقية والتعليمية والجزائية والمدنية لتتفق مع تشريع الإسلام وروحه. <br />
<br />
وحدد الإخوان بسوريا منهاجهم في تحرير الأمة وتوحيدها وحفظ عقيدتها وبناء نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على أساس الإسلام. <br />
<br />
ووصفوا جماعتهم بأنهم ليسوا حزبا كسائر الأحزاب وأن هدفهم إصلاح المجتمع لا الوعظ فحسب وفي سبيل ذلك يحاربون الاستعمار بكل أشكاله ويتعاونون مع كل هيئة وطنية تعمل لخير الوطن ، وأن دعوتهم شاملة تتناول الاقتصاد والأخلاق والسياسة والثقافة والرياضة وشتى نواحي الإصلاح ، إذ ذلك كله هو مفهوم الإسلام في معناه الصحيح ، وهي خاصية الشمول التي وصف بها الإخوان في مصر حركتهم والتي سبق عرضها آنفا. <br />
<br />
ورمت جماعتهم إلى توحيد جهود المسلمين لا يفرق بينهم اختلاف مذاهب أو نعرة الطائفية فدعوا إلى التعاون بين أبناء الأمة كلها وأن دعوتهم هي الرجوع إلى تعاليم الأديان البعيدة عن تلاعب ذوي الهوى والغرض. <br />
<br />
وبلغت الجماعة نشاطها خلال عام 1948 حيث بدأت حرب فلسطين فألفت كتيبة للقتال بقيادة المرحوم الدكتور مصطفى السباعي مراقبها العام. وعندما حلت جماعة الإخوان بمصر في 8 ديسمبر 1948 واغتيل مرشدها في 12 فبراير 1949 انتقل ثقل الدعوة إلى صنوها بدمشق ، وظلوا يعملون أثناء قيام الحكومة العسكرية التي رأسها العقيد أديب الشيشكلي إلى أن صدر قرار بحلهم في 17 يناير 1952 بدعوى اشتغالهم بالسياسة وهي ذات التهمة التي رموا بها في مصر وغيرها ويرمون بها حتى اليوم كما يرمي بها كل اتجاه إسلامي في مشرق العالم الإسلامي أو مغربه. <br />
<br />
وعاد الإخوان إلى مباشرة نشاطهم بعد عودة الحياة الدستورية وسقوط الحكم العسكري وأعيد تنظيمهم الذي بلغ شأوا بتولي بعض الإخوان الوزارة ودخول بعضهم مجلس النواب كالدكتور مصطفى السباعي والمرحوم الأستاذ محمد المبارك ، ولقوا العنت خلال الوحدة المصرية السورية بتأسيس الجمهورية العربية المتحدة التي رأسها جمال عبد الناصر في الفترة من فبراير 1958 حتى سبتمبر 1961 ثم أعقبتها فترة نشاط قصيرة حتى وصول حزب البعث إلى الحكم عام 1965 وما صحبه من فترة تنكيل وإرهاب يعاني منه كل معارضيه. <br />
<br />
أما فلسطين فلم تكن بمنأى عن اهتمام الإخوان بمصر ، فمنذ عام 1935 شارك الإخوان في ثورة أبنائها واشتركوا في جهادهم خلال سنوات 1936- 1939. <br />
<br />
وقد انتشرت دعوة الإخوان في سني الأربعينات وتأسست شعبت القدس وغزة ونابلس وخان يونس واللد والرملة وسلمة وسلواد ويافا التي عقد ممثلوها اجتماعات دورية لاستعراض الحالة السياسية التي كانت تمر بها فلسطين آنئذ ، فعقد مؤتمر يافا في فبراير 1946 وثان في حيفا في أكتوبر من العام عينه وقد اتخذ بصددها قرارات بالاستمساك بالميثاق القومي الذي أقرته الأمة في جميع مؤتمراتها وهيئاتها والعمل على تحقيق مطالب الأمة وهي&nbsp;: بقاء فلسطين عربية للعرب وإنشاء حكومة وطنية مستقلة فيها ، وقف الهجرة اليهودية وفقا تاما ، منع بيع الأراضي منعا باتا وأنهم لا يتقيدون بأية توصية تصدرها لجنة التحقيق الإنجلو- أمريكية وتتعارض مع ميثاقهم القومي وأهدافهم الوطنية ، مقاطعة المنتجات الصهيونية في فلسطين وتأييد الجامعة العربية ومطالب مصر بالجلاء ووحدة وادي النيل واعتبار حكومة الانتداب في فلسطين (البريطانية حينئذ) مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب. وفي الفترة عينها أنشئت شعب للإخوان بالأردن والتي قال في وصفهم عبد الله ابن الحسين ملك الأردن سابقا «الإخوان المسلمون هم معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجيل» وظلت هذه الشعب على نشاطها خلال حرب فلسطين بيد أنها قيدت بالأوضاع التي أعقبت تلك الحرب. <br />
<br />
أما في لبنان فيجدر بنا أن نذكر أنه كان في بيروت فرع لجماعة الإخوان المسلمين عام 1946 إلا أنه كان ضعيفا ، وقد صدر قرار بحله عام 1948 عندما قامت الحكومة اللبنانية بحل جميع المنظمات في لبنان بسبب أحداث سياسية داخلية وبسبب وقوع مصادمات بين الحزب القومي السوري ومنظمة الكتائب اللبنانية. والأول كان يرأسه أنطون سعادة وله مبادئ تقول أن سوريا فينيقية وليست عربية ولا إسلامية ، ويعني بسوريا أرض لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ويريد أن يعود بها إلى فينيقيتها وقد ضعف نشاطه بعد إعدام زعيمه في لبنان ، أما الثانية (الكتائب اللبنانية) فهي منظمة مسيحية صرفة تأسست عام 1936 وهي تسعى إلى الاستيلاء على الحكم في لبنان وهي ذات منهاج عقائدي ، وقد حاولت القيام بانقلاب عام 1949 ولكنها فشلت بسبب انكشافه قبل وقت التنفيذ وهي تملك أسلحة كثيرة كشفت خطتها الأحداث الأخيرة التي مر بها لبنان. وجدد الإخوان نشاطهم في بداية سني الخمسينات مع احتفاظهم بطابع خاص يتفق مع بلد الطوائف والطائفية وأعلنوا في بيانهم «أننا لا نعيش في هذا الوطن وحدنا وإنما هناك طوائف أخرى شقيقة يجب أن نتعاون وإياها على إصلاح الوطن وحمايته.. ونعلم أن الدين لله والوطن للجميع وأن لكل فريق حقا يرضيه» ويبدو أن نشاطهم ظل محدودا وقد برروا وجودهم آنئذ بكثرة الأحزاب التي اشتهر بها لبنان وبعضها قوي وبعضها ضعيف ، وحددوا هدفهم وفقا لهذه النظرة في شقين أطلق على أولهما إصلاح الدار وهي أمور تتصل بإصلاح حال المسلمين الداخلية أما ثانيهما فقصد به التعاون مع الطوائف لحفظ الوطن وإقرار السلام ومحاربة الطائفية العمياء التي أزكاها المستعمر الفرنسي منذ الانتداب الواقع في عام 1920 والتي نجد لها أثارة حتى يومنا. وقد وضع المستعمر قانون الطوائف الذي قسم فيه المسلمين إلى ثلاث ، كل طائفة تنفصل عن الأخرى انفصالا كليا ، وهذه الطوائف هي&nbsp;: الطائفة السنية والطائفة الشيعية ، والطائفة الدرزية. وقد تمكن المستعمر أن يلقي في نفوس أفراد كل طائفة أنهم فعلا منفصلون عن غيرهم من الطوائف الإسلامية. والغاية التي هدف إليها المستعمر من وراء هذا التقسيم هي جعل إحدى الطوائف غير المسلمة صاحبة الأكثرية فتكون لها أكثر مرافق الدولة بالإضافة إلى رئاسة الجمهورية والأكثرية النيابية وغيرها ولو أمكن جمع طوائف المسلمين في كتلة واحدة لصارت في مجموعها أكثرية ، وهي ذات السياسة التي رسمت وسعي إلى تطبيقها في بلاد المغرب قاطبة ، الأقصى والأوسط والأدنى (أو المغرب والجزائر وتونس) من محاولة التفرقة بين أبناء البلد الواحد والعقيدة الواحدة بدعاوي عنصرية زائفة علميا لإثارة الشتات بين من أسماهم عربا وبربرا خاصة في المغرب أو عربا وقبائل في الجزائر. وحدد الإخوان في لبنان منهاجهم السياسي فنصوا على عدم التدخل في الأمور السياسية التي لا تنافي مصلحة الأمة والوطن. ولم يشيروا إلى الصلة التي تربطهم بالإخوان في مصر كما فعل الإخوان في فلسطين الذين اعتبروا صنوهم في وادي النيل مبعثًا للنهضة الإسلامية بل اكتفى إخوان لبنان حينئذ بجعل شعارهم سيفان يتوسطهما مصحف (وهو شعار الإخوان) رمزا للوحدة الفكرية( ). وربما خلف هذا الفرع -فيما نعتقد- جماعة عباد الرحمن ، وهي جماعة أنشئت أيضا في بداية سني الخمسينات ومركزها بيروت وتدعو إلى الرجوع للإسلام الصحيح بكل أسسه وتعاليمه فهي تتفق ودعوة الإخوان المسلمين في جميع آرائها وبرامجها وأصدرت عددا من الرسائل تحتوي على وصايا دينية واجتماعية ، والوصية الرابعة منها تجمع مبادئهم ويذكرون السادسة أنهم دعوة دينية وجماعة رياضية ورابطة علمية ومنظمة اجتماعية وشركة اقتصادية وهي أوصاف جماعة الإخوان المسلمين التي بينها حسن البنا في المؤتمر الخامس الذي عقد في عام 1939 ، وكما نشطت الدعوة في بلاد المشرق بالعراق ووادي النيل في السودان حيث افتتحت شعب الخرطوم وبورسودان وعطبرة والدامر وشندي وبعض بلدان شرقي أفريقيا كاريتريا ، فإن الدعوة لم يكن غريبا وجودها في بلاد المغرب فقد تأسس مركز عام في تطوان تفرعت عنه سائر الشعب وأنشئ فرع آخر في مدينة القصر الكبير وربما رجع هذا الإنشاء إلى علماء المغرب وطلابه الذين وفدوا على مصر للبحث والتحصيل ومن بينهم العالم الجليل محمد بن صديق الغماري الذي نشر غير مرة في صحفهم بالقاهرة وطبعت مؤلفاته في مطبعتهم ، كما أن الدعوة لم تكن مجهولة في تونس التي وصلتها صحيفتهم اليومية والتي فتحت أبوابها لمعالجة قضايا البلاد الإسلامية وقد خصصت أعمدتها للبلدان العربية ، وكان كبار الشخصيات البارزة يدلون بأحاديثهم على صفحاتها مما جذب القلوب إلى الدعوة وأثار اهتمام القراء بها فانعقدت الصلة بانحيازها إلى جانب الوطنيين في كفاحهم الوطني دون إثارة النعرات الدينية أو العنصرية الكاذبة التي أغفلوها منذ بداية نشأتهم واعتبروا المسلمين جميعهم كتلة واحدة وهي الحال التي عبر عنها كبار أهل الشيعة كالعالم الإيراني سيد العراقيين ورئيس وزراء تونس وقتئذ بقوله «إن اسم الإخوان المسلمين يملأ العالم نورا وهداية ، واسم الأستاذ البنا يتردد على جميع الألسن كمصلح ديني واجتماعي يرجون على يديه خيرا كثيرا . <br />
<br />
كما نشط أفراد وهيئات في الولايات المتحدة الأمريكية في تأسيس بعض الشعب التي مازال دورها حتى اليوم في بعض الولايات وهي تعمل لشرح دعوة الإسلام وتخليصها من شوائب الدعايات التي ينشرها خصومه. كما أن هذه الدعوة يبدو أثرها بارزا في الفترة الحاضرة في غير بلد ، وبلاد أخر خلت من لافتة تحمل اسم الإخوان لكنها لم تخل من دلائل المد الإسلامي في صورة أخرى وتحت اسم آخر فظهرت في الجزائر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وفي العراق جماعة الإخوة الإسلامية ، وفي لبنان أيضا جماعة عباد الرحمن ، وفي الكويت جمعية الإرشاد الإسلامية ، وفي الباكستان الجماعة الإسلامية ، وفي اندونيسيا حركة ماشومي الإسلامية. <br />
<br />
ففي كل بلد إسلامي كانت هناك حركة بعث إسلامية ، قريبة في أهدافها من أهداف الإخوان المسلمين ، سواء حملت هذا الاسم أم لم تحمله. فالعنوانات لا تهم كثيرا إذا تحدت الأهداف. لا بل أن الوسائل ذاتها لتتقارب يوما بعد يوم في شتى الأقطار الإسلامية ، وسائل أعداد الشباب ووسائل الدعوة ووسائل العمل ، وهو دليل لا ينقض على استمداد كل حركة من ذات الجذور الكامنة العميقة في هذه الرقعة الفسيحة.. <br />
<br />
فحركة الإخوان حركة طبيعية حقيقية شاملة تشعر أطرافها جميعا بوحدة الجسم الذي تتصل به وبحيوية هذا الجسم واستمداده من الغذاء الطبيعي الواحد في جميع الشعوب. أما أهداف هذه الحركة فهي أهداف كل حركة إحياء عالمية فمن طبيعتها ألا تقف عند الحدود الوهمية وألا تنحصر في أهداف حزب سياسي أو هيئة دينية أو جماعة محلية لأنها أكبر من هذا وأشمل.. <br />
<br />
وهي حركة طبيعية في هذه الرقعة من الأرض التي تسمى العالم الإسلامي وهي رقعة فسيحة متصلة الحدود ، متحدة المصالح -على الرغم مما يبدو أحيانا من اختلاف في مصالح حكامها لا شعوبها- وهي رقعة ذات موارد طبيعية تكفي لقيام كتلة متكاملة اقتصاديا وسياسيا إذا أحسن استغلالها. وهي في الوقت عينه كتلة ذات تصوير واحد للحياة يمكن أن يقوم عليها نظام اجتماعي واحد ونظام سياسي متحد. <br />
<br />
نقول أن الإخوان ومثيلها في ذلك كل اتجاه إسلامي حركة طبيعية في هذه الرقعة الفسيحة ، لأنها حركة بعث وإحياء بعد فترة طويلة من الخمود والكمون تسلط فيها الاستعمار بكل أنواعه على الشعوب التي تسكن هذه الرقعة والتي كانت في فترة من فترات التاريخ هي محور النشاط الإنساني كله.. <br />
<br />
لذلك فلا تعجب أن تدرس المعسكرات العالمية الوعي الإسلامي وهذا البعث دراسة دقيقة ، وتهتم بالحركات العاملة له. وتختلف نظرة دارسيها حسب مشاربهم ، فذهب فريق من هؤلاء إلى دراسة موضوعية تتناول المبادئ أو الأشخاص فكتبت النيويورك بوست في 13 فبراير 1946 أن حسن البنا قد أفاد من تجارب هؤلاء جمعيا (الأفغاني ومحمد عبده والمهدي والسنوسي ومحمد بن عبد الوهاب) فوصل أنه قد أفاد من تجاربهم وأخذ خير ما عندهم وأمكنه أن يتفادى ما وقعوا فيه من أخطاء ، ومن أمثلة ذلك أنه جمع بين وسيلتين متعارضتين جرى على إحداها الأفغاني وارتضى الأخرى محمد عبده.. كان الأفغاني يرى الإصلاح عن طريق الحكم ، ويراه محمد عبده عن طريق التربية ، وقد استطاع هو أن يدمج الوسيلتين معا وأن يأخذ بهما جميعا كما أنه وصل إلى ما لم يصلوا إليه وهو جمع صفوة المثقفين من الطبقات والثقافات المختلفة إلى فكر موحد وهدف محدد.. <br />
<br />
كما ذهب الدكتور نبيه فارس وهو عربي غير مسلم إلى القول «أنه على الرغم من حل الإخوان المسلمين في مصر عام 1954 فإن هذه الحركة بقيت ذات نشاط في كل أرض إسلامية وهدفها وآمالها المثلى تمثل الآمال العميقة لدى المسلمين من المغرب حتى اندونيسيا . <br />
<br />
كما ذهب الألماني هانز تويتش إلى أن أحد المعالم المميزة لحركة الإخوان المسلمين هو العودة إلى المبادئ الأولى للإسلام . <br />
<br />
هذه النظرة تجد أثارة لها في كتاب المستشرق آرثر جب بعنوان الاتجاهات الحديثة في الإسلام أيضا لدى المستشرق الفرنسي لويس جارديه الذي ذهب في تحليله لهذه الحركة «أنها تجمع بين سعة ويسر السلفية والاهتمام بصفة خاصة بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية <br />
<br />
وهناك فريق ثان يهتم أيضا بدراسة هذا البعث الإسلامي الجديد وهذا الفريق تجمعه هوية العداوات للإسلام عينه وهو فريق من يهود صهيونيين وصليبيين وماركسيين. ومما يدعو إلى الأسف- وأن كان لا يدعو إلى العجب- أن نرى الهجوم السافر خاصة على حركة الإخوان المسلمين دون منهجية علمية وفي مؤلفات (علماء) أبسط ما يفرض فيهم الأمانة العلمية فأرجع بعض من الأول حركة الإخوان المسلمين إلى نظام طائفة الحشاشين <br />
<br />
وهذه الحملة اليهودية الصهيونية بدأت منذ قديم حيث أتاحت ثورة عرب فلسطين عام 1936 فرصة الاشتراك لجماعة الإخوان المسلمين إثباتا لدعوتهم. وقد عبر عن هذا العداء الذي مازال يرنو صداه في الغرب تشويها لهذه الحركة مقال كتبته صهيونية يهودية تدعي روث كاريف في جريدة الصنداي ميرور الأمريكية بتاريخ 6 فبراير 1948 والذي نشرته صحيفة المصري في اليوم التالي تحت عنوان «مؤامرة صحفية ضد العرب في أمريكا -حملة على المفتي- معركة فلسطين- الإخوان المسلمون» تنقل إلى القارئ نصه بالكامل. <br />
<br />
'''في ألف مسجد ومسجد ، تكرر المنظر التالي مرات عديدة ، خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة&nbsp;:''' <br />
<br />
في الأسواق المظلمة المزدحمة في مدن الشرق الأوسط ، وفي قرى الريف بأكواخها المبنية من الطين والقش ، تدوي صيحة تدعو المؤمنين إلى الوفود والتجمع في بيت الله.. <br />
<br />
وهناك يخطب فيهم فتى قدم إليهم من القاهرة عاصمة الدولة الإسلامية الكبرى فيقول لهم «أن العرب هم أسمى الشعوب على وجه البسيطة» ويذكرهم بأن الإسلام هو خير الأديان جميعا ، وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها ويحدثهم عن اليوم الذي يخرج فيه جنود الله -كما خرجوا أيام النبي محمد- فيغزون العالم كله ويحكمونه وما هذا اليوم ببعيد.. <br />
<br />
وينصت المسلمون في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى هذا النداء ، وتراهم يتركون أعمالهم ومصالحهم وأدواتهم ويذهبون جماعات إلى المسجد لينصتوا إلى الداعي الوافد من القاهرة. فيؤكد لهم خطيبهم «أن الرغبة في السيطرة على العالم ، تلك الرغبة العميقة المتأصلة في نفس كل مسلم ، أنما تستمد قوتها من القرآن. والآن ، إذا أردتم أن تعبروا عن رغبتكم المقدسة هذه ، وأن تضموا أصواتكم إلى أصوات المسلمين في كل أنحاء العالم ، أدعوكم أن تهتفوا معي «الله أكبر ولله الحمد». <br />
<br />
وتتردد جوانب هذه الصيحة الدينية المتحمسة في أرجاء المكان ، وحينذاك يكون لها معنى مماثل لصيحات الألمان هايل هتلر! ويشبه قائلوها أولئك الذين غررت بهم عصبة من النازيين قبل الحرب ويبدو أن هناك عصبة نازية جديدة تنشئ حركة شعبية فاشية في الشرق الأوسط ، لا يعد الفالانج في أسبانيا الحالية بجانبها شيئا مذكورا.. <br />
<br />
واسم هذه الحركة الجديدة «الإخوان المسلمين».. <br />
<br />
«ولما كان الغربيون لا يعلمون عن الشرق الأوسط ما يدور فيه حقيقة ، بل يعتبرونه منطقة خيام وحريم وملابس فضفاضة لا غير- فإن قليلا جدا من الخبراء بشؤون الشرق الأوسط هم الذين يستطيعون تقدير هذه الحركة الجديدة قدرها الحقيقي وخطرها على السلام.. <br />
<br />
«والآن وقد أصبح هؤلاء الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط ، وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة ، فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الجذاب الرومانتيكي اسم «الإخوان المسلمين». <br />
<br />
إنهم يدعون اليوم أن أعضاء الجمعية يبلغون نصف مليون ، موزعين في 1500 مركز بمصر وسوريا وفلسطين ولبنان والعراق ، بل أن لهم أنصارا وأتباعا في الهند والفلبين وجزر الهند الشرقية وهم يدعون أيضا أنهم يتكلمون باسم المثل العليا والآمال والأماني التي تجيش بها صدور سبعين مليونا من العرب وثلاثمائة مليون من المسلمين. <br />
<br />
ولا شك أن هذه الأرقام مبالغ فيها. ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن هذه الجمعية هي أولى الجمعيات السياسية الاجتماعية التي نشأت في الشرق الأوسط وتعتمد على تأييد كتل شعبية كبيرة. والسلاح الذي يعتمد عليه الإخوان المسلمون ، هو الدين ، فشعوب العالم الإسلامي كلها متدينة إلى حد التعصب. وقاعدتهم الأساسية في دعوتهم هي العودة إلى القرآن. والذي يريدونه أذن ، هو أن يعودوا بالزمن ألف سنة إلى الوراء ، ليعيش المسلمون الحياة الأولى ، ويخضعوا للقوانين التي كانت تسود في هذه الحقبة القديمة من الزمن. وهم في سياستهم الداخلية ينادون بالحد من فوضى التعليم. <br />
<br />
ويشيرون بذلك إلى مختلف العلوم والآداب والفنون والفلسفة التي لم يعرفها الإسلام. وهم ينادون بحرق أدب الغرب ، لأنه أدب مادي يفسر التطور الاقتصادي ، أدب يسوي في القانون بين المؤمنين وغيرهم ، ولا يعترف باعتقادهم أنه لا وجود الآن إلا لعالمين ، عالم الإسلام وعالم الحرب. <br />
<br />
ومن بين ما يريدونه بالعودة إلى القرآن ، إلغاء القوانين الوضعية وبخاصة قانون العقوبات الذي لا ينتج من الأثر ما تنتجه قواعد القرآن ومثلهم الحي في ذلك ما تفعله المملكة العربية السعودية. أنهم يريدون أن ينشئوا عالما خياليا لا يوجد فيه قانون ولا دفاع ولا محاكم ولا برلمان فاللص تقطع يده أمام الناس حتى يرتدع غيره. والرق مباح على أوسع نطاق. وهم أيضا يعارضون كثيرا من المثل الأخلاقية الجديدة كإعطاء المرأة حقوقها السياسية والاقتصادية. <br />
<br />
وهم في الشؤون السياسية يعارضون شتى مظاهر الديمقراطية الحديثة ، فلا يعترفون بتعدد الأحزاب لأن المسلمين في أول عهدهم لم يكن لهم سوى حزب واحد ، هو حزب محمد. <br />
<br />
أما سياستهم الخارجية فتقوم على دعواهم التي يصرحون بها في كل حين وهي أن العرب هم أرفع شعوب الأرض وأن الله اصطفاهم لينشروا تعاليم الإسلام في الدنيا بأسرها بكل الوسائل التي في استطاعتهم.. وأغراض الإخوان المسلمين وأهدافهم كما وردت في النشرة التي يوزعونها باسم «دعوتنا» ما هي إلا صورة كاريكاتورية لما ورد في كتاب «كفاحي» لهتلر. ولم يأخذ زعماء الإخوان المسلمين عن النازية عقائدها الأساسية وأهدافها الرئيسية وطرق التأثير في الجماهير فحسب ، بل أخذوا عن النازية أيضا طرقها الخاصة بالعدوان. <br />
<br />
وقد قسموا مشروع السيطرة على العالم إلى عدة مراحل. والمرحلة الأولى هي إبادة الأقليات غير المسلمة في الشرق الأوسط. فهم يريدون القضاء على الأقباط في مصر ، والمارونيين في لبنان ، والمسيحيين في سوريا ولبنان ، والأكراد في الشرق الأوسط ، واليهود في فلسطين بطبيعة الحال. ولما كان اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين الذين يريدون رد الشرق الأوسط إلى العصور الوسطى ، كان اليهود لذلك هم الهدف الأساسي لعدوان الإخوان وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم في كثير من مدن الشرق الأوسط ، وهم يعدون الآن العدة للاعتداء الدموي على اليهود في عدن والبحرين. وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية ، وطالبوا علنا بانسحاب جميع الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة. <br />
<br />
وهم الآن يدربون أنصارهم تدريبا عسكريا منظما في كل من مصر وسوريا. وقد قبض البريطانيون وأعضاء جمعية الهاجاناه أخيرا على عدد من الإخوان الذين تسربوا إلى فلسطين من سوريا فوجدوهم تحت قيادة ضباط من الألمان. <br />
<br />
وقادة هؤلاء الإخوان سياسيون مهرة استطاعوا الوصول إلى أغراضهم السياسية ومن بينهم الحاج أمين الحسيني ، بل هو زعيمهم الروحي. وقد دبر المفتي حوادث الاعتداء على اليهود بين عامي 1936 و 1939 ثم دبر ثورة العراق ضد الحلفاء عام 1941 وأخيرًا قصد إلى برلين عن طريق السفارة اليابانية في إيران... <br />
<br />
والشخصية الثانية في الإخوان المسلمين هي شخصية «الفوهور» الذي يسمي نفسه «مرشد الشعب الأكبر» وهو الشيخ حسن البنا الذي كان مدرسا بإحدى المدارس وقد اتبع طرق هتلر حتى استطاع الوصول إلى مركزه الحالي. <br />
<br />
وقد أقام الشيخ حسن البنا تنظيم جماعته الداخلية على أسس فاشية كهتلر تماما ، فجعل فيها ذلك النظام الهرمي الذي يعلو فيعلو حتى يصل إليه هو في القمة. وفي أثناء الحرب كان حسن البنا يعمل لصالح المحور بالطبع. <br />
<br />
والجزء الفعال من أتباعه الذي يحارب الآن ضد مشروع التقسيم الذي قررته هيئة الأمم المتحدة ، كان يحارب من قبل ضد الحلفاء في ميادين شمالي أفريقيا وسوريا ولبنان وفي ثورة العراق. <br />
<br />
وقد أدى الخيال العجيب الذي أضفاه هؤلاء القادة على حركتهم ودعوتهم إلى تضليل الكثيرين من أفراد الشعب حتى في الشرق الأوسط نفسه ، فلم يستطيعوا تقدير الخطر الذي يهددون به السلام حق قدره. <br />
<br />
وإذا كان المدافعون عن فلسطين (تقصد اليهود) يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة ، فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها ، ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجها لوجه ، وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة.. وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب ، فإن أوروبا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي ، إذ واجهتها حركة فاشية نازية ، فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي أفريقيا إلى الباكستان ومن تركيا إلى المحيط الهندي. <br />
<br />
وذهب من الآخرين الدكتور فيليب حتى في بحثه عن دراسة الوحدة الإسلامية ألقي في مؤتمر معهد الشرق الأوسط في واشنطن عقد في مارس 1951 ذهب إلى القول «ويمثل هذه الرجعية أيضا حركة الوحدة الإسلامية ، وفي حين تحاول الوحدة العربية أن تجعل من اللغة والثقافة الوحدة المشتركة ، فإن الوحدة الإسلامية تجعل الدين هذه الوحدة المشتركة ، فالوحدة الإسلامية تنظر إلى الوراء والوحدة العربية تنظر إلى الإمام ، الوحدة الإسلامية تستلهم الأفكار التي ترجع إلى القرون الوسطى ، فهي مخالفة للغرب ومخالفة للديمقراطية ، والإخوان المسلمون يمثلون هذه الحركة في أسوأ مظاهرها . <br />
<br />
كما قال الدكتور وتدل كليلاند عن الحركات القومية في المؤتمر السالف الإشارة إليه&nbsp;: «أن بعض العناصر المحافظة تحاول أن تبذل جهدا في توجيه هذه الحركات نحو المثل القديمة الساذجة ، فنحن نسمع أحيانا عن ظهور شخص يريد أن يكون المهدي ، وقد سمعنا منذ حين أشارت إلى حركات كالإخوان المسلمين». <br />
<br />
ومن هؤلاء أيضا نعد الدكتور ولفرد كانتول سميث في كتابه «الإسلام في التاريخ المعاصر» فهو مع تسليمه بأثر الإخوان المسلمين وهدفهم من أجل بعث مفهوم الإسلام ونهضته من الركود الذي أصاب المجتمع الإسلامي والمصري بخاصة ، غير أنه يراهم متصلي الفكر بالماضي أو ما تجد عنه التعاليم الأزهرية في شأن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية أو ذات المساس بالسياسة العامة وأن برنامجهم في هذا الشأن غير واضح المعالم. والمؤلف بلا شك قد تجاهل ما نادى إليه الإخوان من مبادئ وأهداف دون أن يرجع إليها وهي واضحة جلية في صحفهم منذ بداية نشأتهم حتى تاريخ الحل الذي أصابهم. <br />
<br />
ووجه الخطل في تحليله بين إذ يذهب أن مناداة الإخوان بالإسلامية والمبادئ التي سعوا إليها إنما هو انعكاس وتأثير للتعبير عن الكره والجحود الذي عاشه الشعب خلال فترة طويلة من حياته فريسة للفقر والخشية وعدم القدرة. وهو أراد أن يصل في تحليله الخاطئ إلى دور الإخوان المسلمين غير المباشر في حريق القاهرة في 26 يناير 1952 . <br />
<br />
كما أراد -وهو بيت القصيد عنده- أن يظهرهم الكارهين لكل من هو غير مسلم ويذهب أن ذلك تشهد به مؤلفاتهم كما بيني هذا الادعاء على ما يذكره من مقابلات شخصية مع مسيحيين مصريين ومن السلطات الكنسية. وما ندري مصدر إدعائه وقد شهد الكثيرون من غير المسلمين على روح الود التي لازمت دعوة الإخوان وهذه الروح التي فندها المرحوم الدكتور منصور فهمي بقوله «لقد أخطأ وظلم من توهم أن في دعوة حسن البنا ذرة من التعصب المقيت يتجلى في معاداة من ليسوا على دينه وعقيدته ، وذلك لأن هذا الرجل كان رقيق القلب مهذب النفس ، يفهم دينه كما يجب أن يفهم على حقيقته ، ويعلم أن من الأسس التي قامت عليها دعائم الإسلام إلا إكراه في الدين ، وأني لأعلم علم اليقين أن الفقيد الراحل كان أخا كريما وصديقا صادقا للكثيرين من أهل الرأي والفكر ممن هم على غير دينه ، وكان في حلقة الجدل والمباحثة يتخلى عن رأي بدا له إلى رأي صائب جاء ممن يغايره في الرأي أو في العقيدة ، ومثل هذه الصفات التي كان يتحلى بها الفقيد تتنافى مع ما يلصقه البعض بالدعوة من تهم قامت على التوهم» . <br />
<br />
أما الفريق الأخير فمؤلف من ماركسيين ، وهم كما أوضحنا يتعصبون لمذهبهم تعصبا يجعله في نظرهم غاية في ذاته. وقد ذهب من هذا الفريق كل من أنور عبد الملك في كتابه الصادر عام 1962( ) ورفعت السعيد في كتابه الصادر عام 1977 إلى القول بأن الإخوان كانوا يعملون في خدمة الرأسماليين والمستغلين وفي خدمة الطاغية صدقي وحكومات الأقلية . وقد نسي المؤلفان أن غالبية الإخوان كانت من الطبقات الكادحة (حسب التعبير المألوف لدى أصحاب هذا الفكر) وأن فشل جبهة الإضراب عام 1946 يرجع إلى سياسة حزب الوفد كما قدمنا من رأي المؤرخ المرحوم عبد الرحمن الرافعي. <br />
<br />
كما أنه لا يجوز كما قلنا أن نغفل أثر العوامل الأخرى غير التعصب للماركسية. ففي مصر وغيرها ماركسيون لا لأنهم يحبون الشيوعية بل لأنهم يكرهون الإسلام. فكل ما يحارب الإسلام أذن هو لهم صديق.. وهذه الحرب المعلنة للإسلام مشبوبة أيضا ضد كل اتجاه إسلامي ، وقد نالت جماعة الإخوان المسلمين النصيب الأكبر من هذا الكيد الذي أخذ صورة التأويل السيئ الذي خرج عن جادة التقييم العلمي لما لا يسه من التشويه في الوقائع والتزييف في رواية التاريخ. <br />
<br />
وبعد فتمر أكثر من ثلاثين عاما على اغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949 وقد علم الذين أردوه أنهم قتلوا أخطر داعية في عالم الإسلام منذ قرون ، وتمر أكثر من ثلاثين عاما على محاكمة هازلة في ديسمبر 1954 وأكثر من عشرين عاما على محاكمة هازلة أخرى في عام 1965 تعرضت خلالها جماعة الإخوان المسلمين للظلم في ماضيها والبهتان في حاضرها ، وقد كانت أخص خصائص حركتها ثلاث&nbsp;: <br />
<br />
*في فكرتها&nbsp;: القوة والجلال.<br />
<br />
*وفي كيانها&nbsp;: الأخوة والحب.<br />
<br />
*وفي نشاطها&nbsp;: البذل والفداء.<br />
<br />
'''وحوربت بأخطر ما حوربت به بثلاث&nbsp;:''' <br />
<br />
*في فكرتها&nbsp;: بتشويه جمال الإسلام.<br />
<br />
*وفي كيانها&nbsp;: بالوقيعة والدس.<br />
<br />
*وفي نشاطها&nbsp;: بالإغراء يعرض الحياة الدنيا.<br />
<br />
ولكن مازال هذا النبض قويا يدوي في العالمين ببعث إسلامي جديد دعوته هي الإسلام ، والإسلام كلمة ظلمتها القرون وألقت على صفائها القديم أغلفة من ألوان شتى ، حتى اختلفت معانيها في أذهان المسلمين ، وأصبحت ترى منهم من لا يصله بالإسلام إلا طقوس يؤديها على دخل في فهمه وأخلاقه ، ومنهم -وأن كانوا لا يزالون قلة- من حمل أمانة هذا الإسلام كاملة لا يساوم عليها ، ونذر لها حر ماله وزكى دمه ، ووقف بإيمانه المشبوب يصارع كل من يتصدى لهذه الدعوة بعد وأن.. وبين هذين الصنفين ، أصناف بين بين وكلهم ينتسب إلى الإسلام ، وكلهم حجة عليه عند الذين لم يدرسوه من المسلمين وعند غير المسلمين. <br />
<br />
والإسلام مظلوم من كثير من هؤلاء.. <br />
<br />
والدعاة الإسلاميون مسؤولون أن ينصفوه من ظلم أكثر الناس له ، وأن يعرضوه بصفائه القديم ، وأحكامه المتكاملة ، وروعته الفذة في مخاطبة النفوس والعقول والأوضاع. <br />
<br />
هي معركة مع الفهم الخاطئ والأوهام الفاسدة ومؤامرات أعداء الإسلام لتشويه جماله إلى جانب المعركة التي لا بد منها مع الأهواء والمطامع وطغيان الفساد.. <br />
<br />
'''وكيان هذا البعث أواصر ثلاث&nbsp;:''' <br />
<br />
*آصرة الروح.<br />
<br />
*وآصرة الفكرة.<br />
<br />
*وآصرة التنظيم.<br />
<br />
وهي التي عبر عنها حسن البنا بالإيمان العميق ، والتكوين الدقيق والعمل المتواصل. <br />
<br />
أن حركة البعث الإسلامي الجديد اليوم في مدها ولابد أن تبلغ الشاطئ والذين يقفون في طريقها سوف يدفعهم موجها مع الزبد ، أو تهوى بهم مواقفهم إلى القاع. وأن اختلفت مظاهر هذه الحركة وتعددت مداخلها في أرجاء الأمة الإسلامية فهي تسير جميعا في فلك واحد لا معدى لها عنه.. والقوى التي تملكها من شأنها أن تخط جديدا في تاريخ دعوتها.. <br />
<br />
أن من قواها عظمة الرسالة التي تحملها.. فهي تحمل رسالة الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهي بذلك تجد طريقها إلى القلوب والعقول باسم الله ، ولئن ترائت ألوان الفساد الذي غشي الناس في كل ناحية. أن طوية هذه الأمة لا يزال يملأها الحنين إلى الإسلام والأسف على ما فرطت. فالمسلمون اليوم يعلمون من أمر هذا الدين ما يكفي ليعرفوا منه مدى التناقض بين حياتهم التي يحيونها وبين شريعة دينهم التي يؤمنون بها. ولكنهم غلبت عليهم أهوائهم وشهواتهم وعلت قلوبهم منها غشاوة حتى صاروا إلى ما صاروا إليه ، وأن كلمة الله لا تزال أبدا حين تصدر خالصة أقوى في النفوس من عبث الشهوة ومن زخرف الهوى. <br />
<br />
ومن قوى هذه الحركة الإسلامية هذا العدد الكبير من شباب المسلمين الذي اجتمع عليها في كل مكان وأعطاها من ذات نفسه؛ وقد كانوا من قبل لم يدرسوا الإسلام ولم يعرفوا أحكامه ، وتثقفوا ثقافة أخرى غير إسلامية امتلأت بها رؤوسهم وتأثرت بها نفوسهم ، وقد كانوا على عاطفة دفينة ولا شك من الحب لدينهم ولكنها عاطفة غامضة مشوهة ، واستجابتهم لها في حياتهم الخاصة أو أفكارهم العامة استجابة فيها هذا الغموض والتشويه فقد تراهم في أخلاقهم الخاصة بعيد عن آداب الإسلام ، وتراهم في أحاديثهم العامة يخلطون حقا بباطل ويريدون أن يفهموا الإسلام بالمقاييس التي صنعتها رؤوسهم ثقافات بعيدة عن روح الإسلام وأصوله.. وأبدلتها آصرة الروح وآصرة الفكرة أو الإيمان العميق والتكوين الدقيق إلى شباب فطموا بها أنفسهم عن الشهوات ، وبذلوا لها من الوقت والمال والجهد ولم تعد تزيدهم الأيام إلا رشدا ولا تتابع الأحداث إلا عزما وإصرارا.. <br />
<br />
ومن قوى هذه الحركة أيضا هذا القلق النفسي الذي تعانيه شعوب الأمة الإسلامية والسأم والضجر الذي أصبحت تجده من الجعجعة والهراء ، والإحساس بواقعها المهين وتناقض الأوضاع في بلادها وما تلاقيه ، وهي أمور تجعلها تتحسس طريقا آخر تسكن نفوسها إليه وتقدم فيه على تجربة من نوع جديد. <br />
<br />
ومن قوى هذه الحركة الإسلامية أيضا هذه القضايا التي أصبح يحس بخطرها المسلمون جميعا كقضية فلسطين وأفغانستان وما هي منا ببعيد. وقد بدأ الكفاح المسلح سافرا وهم يعلمون أن هذه القضية وغيرها لن تحل إلا بقوة ترد السلاح بالسلاح ، والعدوان بالنار.. بعد أن اشتد الهجوم على أرض الإسلام واستطاعت قوى الغرب والشرق معا أن تقتسم أرضه بعد أن مهدت لذلك ببعثات من المبشرين والمستكشفين والعلماء والتجار للتبشير بمعالم حضارة جديدة لها مقوماتها الخاصة ولكل من الشيوعيين والمعسكر الغربي -بفرقه المتعددة- مناهجه المتميزة ، ومن أوضح مظاهرها الغزو الفكري المنظم ، والسيطرة الاقتصادية باسم المعونة الفنية وما وراءها من امتداد النفوذ السياسي ودوران الدول في الفلك الاستعماري للشرق أو الغرب اللذين أدركا حقيقة الخطر الذي يواجهانه بصحوة الإسلام ويقظة بنيه وتحركت الأبواق في السر والعلن تدعو حكام هذه الشعوب لضرب الحركة الإسلامية ووأدها في مهدها ، وهي لا شك تعي أنها مع الشر في معركة واحدة ، قد تختلف آجالها.. ولكن لا تختلف أبدا طبيعتها ولا مصيرها.. <br />
<br />
وأن من وراء هذه القوى جميعا ومن فوقها قوة الله الذي يحكم ولا معقب لحكمه ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ <br />
<br />
<br> <br />
<br />
<br> <br />
<br />
== الملاحـق ==<br />
<br />
'''الإخوان المسلمون .. الشعبة القانونية''' <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== مشروع دستور إسلامي للدولة المصرية ===<br />
<br />
==== مقدمة ====<br />
<br />
هذا اقتراح بمشروع لدستور للدولة المصرية يعتمد في جوهره على الإسلام فهو مستمد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين. <br />
<br />
وإذا فصلت نصوصه على هذا النحو بدا مسايرا لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة&nbsp;: كالصالح النظام الرياسي rigome presidential (المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية). ونظام حكومة الجمعية gouvernemenr d,assemblee(الذي أخذت به بعض الدساتير الأوروبية كدستور النمسا الصادر في سنة 1920 والدستور التركي الصادر في سنة 1924 والدستور السويسري الحالي) ، كما بدا خاليا مما في تلك النظم من أوضاع أجمع على فسادها الفقه الدستوري الحديث. وكذلك بدا المشروع مجافيا كل المجافاة للنظام البرلماني Regime parlementaire الذي نشأ في انجلترا ثم انتقل منها إلى غيرها من البلاد كفرنسا وبلجيكا ومصر حالاً ، وذلك لما ينطوي عليه هذا النظام –على وجه الخصوص- من استقلال رئيس الدولة عن الهيئة التي تمثل الأمة فلا يسأل أمامها عن تصرفاته في شئون الدولة سياسياً (ولا جنائيا إن كان ملكاً). إذ الأصل في رئيس الدولة (الملك) حيث نشأ هذا النظام (في انجلترا) أنه فوق البشر ذاته مقدسة مصونة ، معصوم من الخطأ مؤيد موفق مسدد (the king can do no wrong) (الملك لا يخطئ) فاعتباره مسئولا فيه تعد على قداسته. أما الإسلام فلا يعرف العصمة إلا على أساس أنها لله وحده دون عباده حتى الأنبياء منهم والمرسلين. <br />
<br />
فكيان الحكومة في المشروع يتلخص في وجود هيئة حاكمة تتكون من مجلس الأمة ورئيس الدولة. ومجلس الأمة الذي يؤلف من أعضاء منتخبين هو الذي يباشر سلطات الأمة بالنيابة عنها. فينفرد بالتشريع ويفوض رئيس الدولة في التنفيذ ، أما رئيس الدولة فيختاره مجلس الأمة لمدى الحياة هو يباشر التنفيذ ويسأل عن مباشرته له أمام مجلس الأمة سياسياً وجنائيا فإذا ثبتت مسئوليته انعزل عن الرياسة. وثمة وزراء يعينهم رئيس الدولة ويسألون أمامه سياسياً وأمام مجلس الأمة جنائيا ويسأل الرئيس سياسياً أمم هذا المجلس عن تصرفاتهم. وليس لرئيس الدولة في مقابل ذلك كله أية وسيلة يؤثر بها على مجلس الأمة ، فمجلس الأمة&nbsp;: مجلس دائم الأصل فيه أنه ينعقد من تلقاء نفسه وليس لرئيس الدولة ولا لوزرائه حق حضور جلساته من حيث المبدأ ولا حق حله على عكس الحال في النظام البرلماني. وكيان الحكومة على هذا الوضع مفصل على تعاليم الإسلام وأساليبه الحقة في هذا الصدد ، وإذ فصل على هذا النحو بدا كما أشرنا متفقا مع أصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة خاليا مما فيها من أوضاع أثبت العمل فسادها. <br />
<br />
ولقد نق المشروع عن الدستور المصري الحالي بعض أحكامه (كالخاصة «&nbsp;بالمالية&nbsp;») لعدم مجافاتها لتعاليم الإسلام من جهة –و لثبوت صلاحيتها في التطبيق من جهة أخرى. <br />
<br />
ونقلا عن تعاليم الإسلام تضمن المشروع ما يكفل للفرد حياة كريمة في مجتمع متضامن عن طريق وضع حد لاستغلال الفرد للفرد وإلزام الدولة بأن تضمن للفرد مستوى مادياً معيناً مما يدعم في نفس الوقت الحريات الفردية ، فلا تقتصر الإفادة بهذه الحريات على فريق من الأمة دون فريق كما هي الحال في الديمقراطيات الغربية الفردية النزعة وفي ظل الدستور المصري الحالي ، وتمشيا مع روح الإسلام التي ترى في كفالة الحقوق الاجتماعية على النحو السابق ضمانا للإفادة من الحريات الفردية جعل المشروع الصدارة للحقوق الاجتماعية فأوردها في صدر الباب الرابع قبل الحريات الفردية مجافيا في ذلك الدساتير الغربية الفردية النزعة التي إما أن تكتفي بضمان الحريات الفردية دون الحقوق الاجتماعية وإما أن تجعل للأولى الصدارة على الأخيرة. هذا وقد أفاد المشروع من حيث الصياغة –دون الجوهر- من وثيقة الإعلان العالمي الأخير لحقوق الإنسان. <br />
<br />
وتمشيا مع أحكام الإسلام وتعاليمه الحقة اعتبر المشروع مقاومة الهيئة الحاكمة إن جارت من أقدس حقوق المواطن وألزم واجباته وهو بذلك يخالف الدساتير الديمقراطية المعاصرة قاطبة فهي ترى في مباشرة هذا الحق الطبيعي جريمة تهدد سلامة الجماعة وأمنها. <br />
<br />
والمشروع –كما يبدو واضحاً من نصوصه- يسود أحكام الإسلام وتعاليمه فيخضع لها ولأحكام الدستور جميع التشريعات التي تصدر عن الهيئة الحاكمة ، وضمانا لذلك خول المشروع القضاء الرقابة على دستورية القوانين. <br />
<br />
ولنا إلى كل ذلك رجعة بالتفصيل في مذكرة إيضاحية سنصدرها قريباً إن شاء الل. <br />
<br />
الإسكندرية <br />
<br />
25 ذو الحجة سنة 1371 <br />
<br />
16 سبتمبر سنة 1952 <br />
<br />
دكتور محمد طه بدوي <br />
<br />
<br><br />
==== الباب الأول&nbsp;: في السيادة ====<br />
<br />
مادة 1- مصر دولة إسلامية حكومتها نيابية. <br />
<br />
مادة 2- تباشر الأمة سلطانها عن طريق هيئة تنوب عنها <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الباب الثاني&nbsp;: في الهيئة الحاكمة ====<br />
<br />
'''مجلس الأمة''' <br />
<br />
مادة 3- يؤلف مجلس الأمة من مائتي عضو منتخبين بالاقتراع المقيد بشرط الأهلية الثقافية على مقتضى قانون الانتخاب. <br />
<br />
مادة 4- يشترط في عضو مجلس الأمة أن يكون مصريا حسن السمعة وأن تكون سنه أربعين سنة هجرية كاملة على الأقل وأن يكون على درجة من الأهلية الثقافية يحددها قانون الانتخاب. <br />
<br />
مادة 5- مدة العضوية خمس سنوات. <br />
<br />
مادة 6- ينتخب المجلس رئيسا ووكيلا سنوياً في آخر كل دور انعقاد عادي – ويتم الانتخاب وفق لائحة المجلس الداخلية. <br />
<br />
مادة 7- مركز مجلس الأمة مدينة القاهرة إلا إذا اقتضت الضرورة اجتماعه في جهة أخرى. <br />
<br />
مادة 8- عضو المجلس ينوب عن الأمة كلها – فلا ينوب عن دائرته فحسب. <br />
<br />
مادة 9- مجلس الأمة هو الذي يباشر سلطات الأمة بالنيابة عنها. <br />
<br />
مادة 10- فهو الذي يتولى التشريع في حدود تعاليم الإسلام ويفوض الرئيس في التنفيذ. <br />
<br />
مادة 11- قبل أن يتولى أعضاء المجلس عملهم يقسمون علناً بقاعة جلساته أن يكونوا مخلصين لله ثم للوطن مطيعين أحكام الدستور نصاً وروحا. <br />
<br />
مادة 12- يختص المجلس بالفصل في صحة نيابة أعضائه وفق لائحة المجلس الداخلية. <br />
<br />
مادة 13- مجلس الأمة مجلس دائم ينعقد من تلقاء نفسه بدعوة رئيسه أو وكيله في حالة غياب الرئيس في يوم السبت الأول من كل شهر ويدوم دور انعقاده إلى آخر شهر (أي عشرة شهور) ورئيس المجلس هو الذي يفض الدورة. <br />
<br />
مادة 14- ومع ذلك يجوز لرئيس المجلس أو وكيفه في غيبة الرئيس أو رئيس الدولة أن يدعو المجلس إلى الانعقاد في أثناء العطلة البرلمانية إن استدعت الضرورة البت فيأمر من الأمور التي تدخل في اختصاصه ويصح أن يتم ذلك بناء على طلب أكثر من ثلث أعضاء المجلس. <br />
<br />
مادة 15- جلسات المجلس علنية ويجوز عند الضرورة القصوى أن تكون سرية وفق أحكام اللائحة الداخلية. <br />
<br />
مادة 16- لا يجوز أن يقر المجلس قرارا إلا إذا حر الجلسة أغلبية الأعضاء الذي يتكون منهم المجلس ويستثنى من ذلك الاقتراع على مسألة الثقة برئيس الدولة فإنه يشترط للنظر فيها ولاتخاذ قرار بشأنها أن يحضر الجلسة أكثر من ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس ، وتصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة وذلك في غير الأحوال المشترطة فيها أغلبة خاصة. <br />
<br />
مادة 17- لا يجوز مؤاخذة الأعضاء عما يبدون من الأفكار والآراء في المجلس. <br />
<br />
مادة 18- لا يجوز أثناء الدورة الانعقاد القبض على عضو المجلس إلا بإذن المجلس. <br />
<br />
مادة 19- لا يجوز فصل العضو إلا بقرار مسبب من المجلس بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم. <br />
<br />
مادة 20- تجري الانتخابات العامة لتجديد مجلس الأمة في خلال المائة يوم السابقة لإنهاء مدة نيابته وفي حالة استحالة إجراء هذه الانتخابات في هذه الفترة فإن مدة نيابة المجلس تمتد إلى حين تمم الانتخابات المذكورة. <br />
<br />
مادة 21- إذا خلا محل أحد أعضاء المجلس بالوفاة أو الاستقالة أو لأي سبب آخر ينتخب بدله في مدى شهر من يوم خلو المكان فعلاً ولا تدون نيابة العضو الجدي إلا إلى نهاية مدة سلفه. <br />
<br />
مادة 22- يضع المجلس لائحته الداخلية. <br />
<br />
مادة 23- تحدد مكافأة عضو المجلس بقانون. <br />
<br />
مادة 24- لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأمة وأية وظيفة عامة ويستثنى من ذلك أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية وينظم قانون الانتخاب طريقة اختيار ممثلي الجامعات. <br />
<br />
'''رئيس الدولة''' <br />
<br />
مادة 25- يختار مجلس الأمة من بين أعضائه رئيسا للدولة المصرية لمدى الحياة ، كما يجوز له أن يختار رئيسا من غير أعضائه وفي هذه الحالة يشترط لصحة التعيين أن يكون الاختيار بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس وأن تتوافر في المختار ما يجب توفره في عضو مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 26- قبل أن يباشر رئيس الدولة سلطاته يحلف اليمين الآتية أمام المجلس «&nbsp;أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور نصاً وروحا&nbsp;». <br />
<br />
<br> مادة 27- أثر وفاة الرئيس يجتمع المجلس خلال عشرة أيام من تاريخ الوفاة لينتخب رئيسا جديداً وحتى يتم الانتخاب يتولى رئيس الأمة سلطات رئيس الدولة وكذلك الحال عند خلو رئاسة الدولة لأي سبب آخر. <br />
<br />
مادة 28- لا يجوز الجمع بين رئاسة الدولة وأية وظيفة عامة ، أو خاصة بأجر أو بغير أجر. <br />
<br />
مادة 29- رئيس الدولة مسئول لدى مجلس الأمة عن تصرفاته في شئون الدولة سياسياً وجنائيا. <br />
<br />
مادة 30- إذا قرر مجلس الأمة عدم الثقة برئيس الدولة انعزل عن الرئاسة. <br />
<br />
مادة 31- للمجس حق اتهام رئيس الدولة فيما يقع منه من الجرائم أثناء تأدية وظيفته ولا يصدر قرار الإدانة إلا بأغلبية الأعضاء. <br />
<br />
مادة 32- يحاكم رئيس الدولة عما يقع منه من جرائم بمناسبة أداء وظيفته أمام مجلس الأمة وتتبع في محاكمته الإجراءات والأوضاع الواردة بلائحة المجلس الداخلية. <br />
<br />
مادة 33- يسأ لرئيس الدولة مدنيا وجنائيا أمام جهات القضاء العادي في غير الحالة المتقدمة شأنه في ذلك شأن كل مواطن عدا أنه لا يجوز القبض عليه إلا بعد الحصول على إذن مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 34- ليس لرئيس الدولة حق حضور جلسات مجلس الأمة إلا بدعوة من المجلس لسؤاله أو لاستجوابه ، ولكنه يستطيع مكاتبة المجلس عن طريق رئيسه. <br />
<br />
مادة 35- يساعد رئيس الدولة في أداء وظيفته التنفيذية وزراء يتولون الوزارات المختلفة التي ينظمها القانون. <br />
<br />
مادة 36- رئيس الدولة يعين الوزراء ويقيلهم. <br />
<br />
مادة 37- يسأل كل وزير أمام رئيس الدولة سياسياً. <br />
<br />
مادة 38- يكون رئيس الدولة مسئولا سياسياً عن تصرفات وزرائه أمام مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 39- يسأل الوزير جنائيا أمام مجلس الأمة وتسري في ذلك أحكام المادتين 31 و 32. <br />
<br />
مادة 40- يشترط فيمن يختاره رئيس الدولة وزيرا ما يشترط في عضو مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 41- لا يجوز الجمع بين الوزارة وبين أية وظيفة عامة ، أو خاصة بأجر أو بغير أجر. <br />
<br />
مادة 42- ليس للوزراء حق حضور جلسات مجلس الأمة إلا بوصفهم من الجمهور ولكن للمجلس أن يستدعيهم ليستمع إليهم بناء على طلب منهم أو ليستفسرهم عن أمر معين وفق الأوضاع الواردة بلائحة المجلس الداخلية. <br />
<br />
مادة 43- لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس الدولة أسئلة واستجوابات وذك على الوجه المبين باللائحة الداخلية للمجلس. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الباب الثالث&nbsp;: في توزيع وظائف الدولة ====<br />
<br />
'''الوظيفة التشريعية''' <br />
<br />
مادة 44- الوظيفة التشريعية يتولاها مجلس الأمة في حدود تعاليم الإسلام وأحكام هذا الدستور. <br />
<br />
مادة 45- لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة ولرئيس الدولة حق اقتراح القوانين بما لا يجافي الإسلام. <br />
<br />
مادة 46- لا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلس بأغلبية أعضائه. <br />
<br />
مادة 47- طريقة عرض الاقتراح على المجلس وكل ما يوصل إلى اتخاذ قرار من شأنه تنظمه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 48- يبعث رئيس مجلس الأمة بالقانون بعد إقرار المجلس له إلى رئيس الدولة ليصدره ، فإذا لم يصدر رئيس الدولة القانون في مدى عشرة أيام أصدره رئيس المجلس وسئل عن ذلك رئيس الدولة سياسياً لدى المجلس إلا إذا كان الامتناع عن الإصدار لمخالفة القانون لأحكام الإسلام أو أحكام الدستور وفي هذه الحالة يتحتم على الرئيس رد القانون إلى المجلس في المدة المذكورة مشفوعا بما يوضح هذه المخالفة. <br />
<br />
'''الوظيفة التنفيذية''' <br />
<br />
مادة 49- الوظيفة التنفيذية يتولاها رئيس الدولة في حدود هذا الدستور. <br />
<br />
مادة 50- رئيس الدولة يصدر القوانين. <br />
<br />
مادة 51- تكون القوانين نافذة في جميع أنحاء الدولة المصرية بإصدارها ويستفاد هذا الإصدار من نشرها في الجريدة الرسمية ، ويحدد القانون بدء تاريخ العمل به ولا تجري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها ما لم ينص على ذلك بنص خاص. <br />
<br />
مادة 52- لرئيس الدولة أن يضع اللوائح لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها وليس له بأية حال أن يضع لوائح مستقلة. <br />
<br />
مادة 53- رئيس الدولة يرتب الوزارات والمصالح العام ويولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين بالقوانين. <br />
<br />
مادة 54- رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهوا لذي يولي ويعزل الضباط على الوجه المبين بالقوانين. <br />
<br />
مادة 55- رئيس الدولة يعلن الحرب الدفاعية ثم يعرض الأمر على مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 56- وهو الذي يعلن الحرب الهجومية ويبرم المعاهدات بعد موافقة مجلس الأمة. <br />
<br />
مادة 57- وهو الذي يعين الممثلين السياسيين ويقيلهم على الوجه المبين بالقوانين. <br />
<br />
مادة 58- وهو الذي يباشر حق العفو وتخفيض العقوبة على الوجه المبين بالقوانين والعفو الشامل لا يكون إلا بقانون. <br />
<br />
'''الوظيفة القضائية''' <br />
<br />
مادة 59- السلطة القضائية تتولاها المحاكم وتصدر الأحكام باسم الله جل جلاله. <br />
<br />
مادة 60- تنظيم القضاء وتعيين القضاة ورجال النيابة العمومية يكون على الوجه المبين بالقوانين. <br />
<br />
مادة 61- للقاضي أن يمتنع من تلقاء نفسه عن تطبيق أي قانون مخالف لأحكام هذا الدستور نصاً أو روحا. <br />
<br />
مادة 62- وللمتقاضين أن يطلبوا إلى القاضي ذلك أثناء النظر في النزاع. <br />
<br />
مادة 63- لكل مواطن الحق في رفع دعوى يطالب فيها بإبطال قانون مخالف لأحكام الإسلام أو للدستور أو مجاف لها أمام محكمة خاصة ينظمها القانون. <br />
<br />
'''المالية''' <br />
<br />
مادة 64- تنشأ الضرائب وتعدل وتلغى بقانون. <br />
<br />
مادة 65- عقد القرض العام لا يتم إلا بقانون وكذلك الحال بالنسبة لأي تعهد يترتب عليه إنفاق مبالغ من خزانة الدولة في سنة أو سنوات مقبلة وكذلك كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثروة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة وكل احتكار ولا يجوز منحه إلا بقانون وإلى زمن محدود. <br />
<br />
مادة 66- الميزانية الشاملة لإيرادات الدولة ومصروفاتها يجب تقديمها إلى البرلمان قبل ابتداء السنة المالية بأربعة شهور على الأقل لفحصها واعتمادها – وتنظر الميزانية بابا والسنة المالية بعينها القانون. <br />
<br />
مادة 67- لا يجوز فض دور انعقاد مجلس الأمة قبل الفراغ من تقرير الميزانية. <br />
<br />
مادة 68- إذا لم يصدر القانون بالميزانية قبل ابتداء السنة المالية يعمل بالميزانية القديمة حتى يصدر القانون بالميزانية الجديدة. <br />
<br />
مادة 69- كل مصروف غير وارد بالميزانية أو زائد على التقديرات الواردة فيها يجب أن يأذن به مجلس الأمة وكذلك يجب استئذانه كلما أريد نقل مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الميزانية. <br />
<br />
مادة 70- الحساب الختامي للإدارة المالية عن العام المنقضي يقدم على البرلمان في مبدأ كل دور انعقاد لاعتماده. <br />
<br />
'''القوات المسلحة''' <br />
<br />
مادة 71- ينظم القانون قوات الجيش وطريقة التجنيد. <br />
<br />
مادة 72- الخدمة العسكرية إلزامية للمصريين جميعاً على الوجه المبين بالقانون. <br />
<br />
مادة 73- يحمر من ثبت فراره من الخدمة العسكرية من مباشرة حقوقه السياسية. <br />
<br />
مادة 74- ينظم القانون هيئات البوليس واختصاصاتها. <br />
<br />
'''الإدارة المحلية''' <br />
<br />
مادة 75- تعتبر المديريات والمدن والقرى فيما يختص بمباشرة حقوقا أشخاصا اعتبارية وتمثلها مجالس المديريات والمجالس البلدية المختلفة. <br />
<br />
مادة 76- يبين القانون اختصاص هذه المجالس وينظمها وينظم علاقاتها بجهات الحكومة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الباب الرابع&nbsp;: في حقوق الأفراد ====<br />
<br />
مادة 77- يولد الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق والحريات بدون أي تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الأخوة. <br />
<br />
مادة 78- لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وفي أن يعيش آمنا مطمئنا. <br />
<br />
مادة 79- لكل فرد الحق في العمل والحرية في اختياره بشروط عادلة مجزية وله الحق في الحماية من البطالة –وللجميع الحق في الحصول على أجر متساو عن عمل متساو. <br />
<br />
مادة 80- لكل من يعمل الحق في أجر عادل يضمن له ولأسرته حياة تتفق مع الكرامة البشرية ويكمل عند الضرورة بأية وسيلة من وسائل الحماية الاجتماعية. <br />
<br />
مادة 81- لكل فرد الحق في أن يكون مع غيره نقابات وفي أن ينضم إلى نقابات للدفاع عن مصالحه. <br />
<br />
مادة 82- تكفل الدولة لكل فرد مستوى من الحياة يضمن له ولأسرته الصحة والرخاء وبخاصة فيما يتعلق بالمأكل والملبس والمسكن والخدمات الصحية والاجتماعية الضرورية. كما تكفل الدولة للفرد الضمان في حالة البطالة والمرض والعجز عن العمل والترمل والشيخوخة وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل كسب قوته لظروف لا دخل لإرادته فيها. <br />
<br />
مادة 83- تقدم الدولة للأمومة والطفولة المساعدة والإعانة الكافية. <br />
<br />
مادة 84- لكل فرد الحق ي التعليم وتكفل له الدولة التعليم في مختلف مراحله ويجب أن يهدف التعليم إلى تقوية الكرامة البشرية وتنمية الفضائل. <br />
<br />
مادة 85- لا يجوز القبض على أحد أو حبسه أو نفيه بإجراء تحكمي ، ولا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تحكمي في حياته الخاصة أو في أسرته أو في منزله أو في مراسلاته. <br />
<br />
مادة 86- لكل فرد الحق في التنقل بحرية داخل الدولة. <br />
<br />
مادة 87- لكل فرد الحق في الملكية بصفة فردية أو جماعية ولا يجوز حرمان أحد من ملكه بإجراء تحكمي. <br />
<br />
مادة 88- لكل فرد الحق في حرية التفكير والاعتقاد والتدين. <br />
<br />
مادة 89- لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير. <br />
<br />
مادة 90- لكل فرد الحق في حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية. <br />
<br />
مادة 91- مقاومة جور الحكام تعتبر بالنسبة لكل مواطن ولجميع المواطنين أقدس الحقوق وألزم الواجبات. <br />
<br />
مادة 92- لا يجوز إبعاد مواطن من الديار المصرية. <br />
<br />
مادة 93- للمواطنين حق تقديم العرائض إلى الهيئات الحاكمة. <br />
<br />
مادة 94- لا يخضع الفرد عند مزاولة حقوقه والتمتع بحرياته السابقة إلا للقيود التي ينص عليها القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياتهم واحترامها ولحماية مقتضيات الأخلاق والنظام العام والرفاهية العامة في مجتمع إسلامي ، ولا يجوز في أية حالة مزاولة هذه الحقوق والحريات على نحو يتعارض مع الإسلام نصاً أو روحا. <br />
<br />
مادة 95- لا يجوز تعطيل هذه الحريات إلا بقانون ويكون ذلك لمدة معينة ولظروف تقتضيها سلامة الدولة. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
==== الباب الخامس&nbsp;: أحكام عامة ووقتية ====<br />
<br />
'''أحكام عامة''' <br />
<br />
مادة 96- الجنسية المصرية يحددها القانون. <br />
<br />
مادة 97- الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية. <br />
<br />
مادة 98- الإسلام لا يعترف داخله بالفرق والطوائف الدينية. <br />
<br />
مادة 99- يترك لأفراد كل طائفة من غير المسلمين أمر اختيار الرؤساء الدينيين وفق قانون ينظم هذه الطوائف. <br />
<br />
مادة 100- تسليم اللاجئين السياسيين محظور مع عدم الإخلال بالاتفاقات الدولية. <br />
<br />
مادة 101- لا يجوز تنقيح حكم من أحكام هذا الدستور بتعديل أو حذف أو إضافة إلا بموافقة ثلاث أرباع الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس الأمة. ومع ذلك فإن الأحكام الخاصة بسيادة القرآن وبنظام الحكم وبحقوق الأفراد وبمبادئ الحرية والمساواة الواردة في هذا الدستور لا يجوز تنقيحها. <br />
<br />
'''أحكام وقتية''' <br />
<br />
مادة 102- تلغى جميع النصوص التشريعية المعمول بها وقت صدور هذا الدستور المخالفة أو المجافية لأحكامه أو روحه وتستبدل بها تشريعات تساير أحكام الإسلام وتعاليمه. <br />
<br />
مادة 103- تحل جميع الطوائف الدينية الإسلامية وتنتقل أموالها إلى جهة بر يعينها قانون الحل. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== هذا بيان للناس ===<br />
<br />
بسم الله الرحمن الرحيم <br />
<br />
الله أكبر ولله الحمد <br />
<br />
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهم القويم إلى يوم الدين. <br />
<br />
أحييكم أطيب تحية –تحية السلام التي جاء بها الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. <br />
<br />
وبعد – فإن الدعوة تمر اليوم بأحداث جسام لها أثرها في مستقبل الدعوة وفي مستقبل الأجيال القادمة ومن حقكم أن تبصروا بكل ما يواجه الدعوة من أحاث وما يحيط بكم وبالدعوة من ظروف. وأن تعلموا حقائق هذه الأحداث وتلك الظروف لتكونوا على بينة من أمركم ، ولتكون تصرفاتنا جميعاً على هدى الحق والواقع. <br />
<br />
وإذا كان من حقكم على قيادتكم أن تبصركم وتوجهكم فإن من حق الدعوة عليكم أن تأخذوا أنفسكم بآدابها. وأن تقيدوا أنفسكم بحدودها. وأن تخضعوا تفكيركم لسلطانها ، فلا تفكروا إلا من خلال الإسلام ، ولا تقولوا إلا ما يبيحه لكم الإسلام ، ولا تعملوا إلا في حدود الإسلام فإن فعلتم ذلك ربطتم أنفسكم - 4 - - بكتاب ربكم وسنة نبيكم. واستكملتم إيمانكم. وما يستكمل المؤمن إيمانه حتى يقول لله ، ويعمل لله في رضاه وغضبه ، وحبه وبغضه ، وفي جميع حالاته «&nbsp;من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان&nbsp;». <br />
<br />
'''أيها الأخوة الكرام&nbsp;:''' <br />
<br />
لسنا بغاة فإن الإسلام يحرم علينا البغي ، ولسنا دعاة فتنة فإنها أشد من القتل ، وما ينبغي للمؤمن أن يكون فتانا ولا لعانا ، ولكنا نسير على آثار محمد عليه السلام ندعو إلى الخير بالحم والموعظة الحسنة ، وندرأ بالحسنة السيئة وندفع بالتي هي أحسن ؟؟؟ ؟؟؟ المؤمن وصبره ويقينه بنصر ربه. <br />
<br />
لقد حلت جماعة الإخوان المسلمين مرة ثانية واعتقل الكثيرون من أعضائها ونسبت إليهم التهم وخاضت فيهم الصحف ، وإنه لابتلاء جديد وامتحان يبشر برضاء الله عن هذه الجماعة ، فإن سنة الله في الجماعات أن يمحصها وأن يميز خبيثها من طيبها ، ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ وغداً تخرج الجماعة على الناس وهي أشد مضاء وأقوى قوة وأصلب عودا وأمر مكرا ، لأن هذا الابتلاء المتكرر دليل على قوة إيمان الجماعة وقربها من الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله&nbsp;: «&nbsp;أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الأمر على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلاة زيد له في البلاء&nbsp;».. <br />
<br />
فعلى الإخوان أن يقابلوا البلاء بالصبر ، فإن الصبر كما يقول الرسول نصف الإيمان ، ولتيأسوا بمن قبلهم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى إذا استيأسوا جاءهم نصر الله ، ولقد شكا أصحاب الرسول إليه ، فقالوا&nbsp;: يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ، قال&nbsp;: «&nbsp;إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرقه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، وبمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه لكنكم قوم تستعجلون&nbsp;». <br />
<br />
ولا تقنطوا أيها الأخوة من رحمة ربكم ، وأحسنوا الظن بالله ، فإن رحمته أقرب مما تظنون وأسرع مما تنتظرون واذكروا ما روي عن محمد صلى الله عليه وسلم&nbsp;: «&nbsp;عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قانطين (يائسين) فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب&nbsp;». <br />
<br />
'''أيها الأخوة&nbsp;:''' <br />
<br />
إن واجبنا الأول في هذه الفترة العصيبة هو أن نجم القلوب ونسوي الصفوف ، ونحتفظ بوحدتنا فمنها نستمد قوتنا وبها ننفذ دعوتنا ، وما دامت القلوب موصولة والأيدي متشابكة والصفوف مرصوصة ، فلن تحل الجماعة إلا على الورق ، وستبقى الجماعة حية قوية بإذن الله. <br />
<br />
'''ولنصل إلى هذه الغاية الجليلة علينا أن نأخذ أنفسنا بما يأتي&nbsp;:''' <br />
<br />
أولاً – علينا أن ننسى أشخاصنا وأن نتناسي خلافاتنا ، وأن لا نقلب صفحات الماضي ، فإن الوقت وقت إنقاذ لا وقت تنافس ولا وقت حساب ، ولنعلم أن الناس في وقت الحريق لا يبحثون عمن أشعل النار إلا بعد إطفاء النار ، فلنتعاون جميعاً على الإنقاذ حتى إذا مارست السفينة على شاطئ الأمن والسلامة ، كان لمن شاء الحساب أن يحاسب وكان للجماعة أن تأخذ المخطئ بخطئه ، وأود أن يعلم الإخوان أن الكلام عن الأشخاص والخلافات يؤدي إلى بلبلة الأفكار وإثارة النفوس ، ونحن في أشد الحاجة إلى استقامة أفكارنا وصفاء نفوسنا كما أن الإسلام لا يجيز للمسلم أن يتكلم في حق أخيه بما يكره ويعتبر ذلك غيبة ، ولقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها&nbsp;: «&nbsp;ذكرك أخاك بما يكره&nbsp;» فقال له قائل أو لو كان في أخي ما أقوله؟ فقال&nbsp;: «&nbsp;إن كان فيها ما تقوله فقد أغتبه وإن لم يكن فيه فقد بهته&nbsp;» أي افتريت عليه ، ولا أظن أن أخا مسلماً يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً ، أو أن يعد في المفترين الكاذبين. <br />
<br />
ثانيًا – في مثل هذه الأوقات تروج الإشاعات ، يطلقها في الجماعة أعداء الدعوة ويروجها المرجفون والمفسدون ودعاة الفرقة فيدعون مثلا أن فلانا له اتجاه وأن فلانا له اتجاه آخر وأن شخصا ما أشد أخلاصا من آخر وتجد مثل هذه الإشاعات المغرضة آذانا صاغية من بعض أعضاء الجماعة. وينقلها هؤلاء إلى غيرهم فيقومون بإعانة المفسدين والمرجفين دون قصد ، ويعيشون على أنفسهم وجماعتهم وهم لا يعلمون. <br />
<br />
ومن حق الجماعة علينا أن ننبه إلى أن هذه الإشاعات هي أشد ما يخشى على وحدة الجماعة وأكثر ما يضعف حماسة أفرادها ويكسر قلوبهم ويجعلهم في حيرة من أمرهم. وأن أفراد الجماعة ليساهمون إلى حد كبير في تحطيم وحدة الجماعة وأضعاف روحها المعنوية بما يفعلون من تبرعهم بنقل هذه الإشاعات إلى أخوانهم وبما يسارعون إلى تصديقها. <br />
<br />
وأولى بالإخوان المسلمين أن يتأدبوا بأدب القرآن في هذه الناحية وأن يتدبروا قوله تعالى&nbsp;: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. <br />
<br />
ولقد نزلت هذه الآية أنكارا على من بادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها وصح أنها نزلت فيمن. <br />
<br />
أشاعوا أن الرسول طلق ناءه ومن نقل هذه الإشاعة ونشرها وهي إشاعة لا صحة لها. <br />
<br />
وليتدبر الإخوان قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «&nbsp;كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع&nbsp;» وقوله «&nbsp;من حد بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين&nbsp;» وليعلموا أن الرسول نهى عن قيل وقال أي أنه نهى عن الحديث بما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين. <br />
<br />
وإذا كان هذا هو ما أدبنا به الله ورسوله فعلينا إذن أن نيمت الإشاعات فلا ننشرها ولا ننقلها إلا لمن يعلم حقيقة أمرها ليخبرنا بمدى موافقتها للحقيقة أو بعدها عنها. <br />
<br />
ثالثا&nbsp;: وأخرى لا غنى عنها لضمان توحيد الاتجاهات ، ولنون يدأ واحدة في كل ما نحن بسبيله وهي أن يعلم الإخوان أن المسئول لا قيمة له ولا يصح أن ينفذ ، وعلى المسئولين في كل مكان أن يتأكدوا أن الأمر صادر عن المسئول الأول قبل أن ينفذوه ، وليعرضوا كل الأعراض عما يأتيهم من قبل غير المسئولين من خير أو تعليمات أو أوامر فإنما يعرضون عن الفتنة ، ويساعدون على توجيه الجماعة توجيها سليما. <br />
<br />
ويحسن أن يتصل الرؤساء في كل إقليم بالمسئول الأول لينظموا صلتهم به ، وإن لم يكن يتصل هو بهم وليتأكدوا من صحة اتصالهم ، ويكفي أن يعلم الإخوان أن الأمر في هذه الناحية دقيق كل الدقة ، وأن سلامة تصرفات الجماعة تقوم عليه ، ولن تنجح جماعة لا يقوم أمرها على التنظيم الدقيق ، والتقي من صاحب الحق في التوجيه ، ولن تؤتي الجماعة إلا إذا كان أمر التوجيه فوضى ووجد المتدخلون من يستمع إليهم أو يقبل عليهم ، ولقد أعذرنا بهذا الذي نقول إلى الله ووفينا بما علينا ولم يبق إلا أن تعينونا على ما نريد. <br />
<br />
رابعا&nbsp;: ونود في هذا الظرف العصيب أن ينعتصم بالله وأن نحكم كتاب الله وسنة رسوله في كل قول يصدر منا ، وكل عمل نأتيه ، وعلينا أن نعلم أن الرؤية والحكمة هي السلاح الوحيد الذي يساعدنا على الخروج بما نحن فيه ، وليأخذ كل أخ على يد أخيه ولنتواصل جميعا بالحكمة وبعمل الصالحات وبالحق وبالصبر فكل عمل الإنسان إلى خسر ما لم يأخذ نفسه بذلك ويتواص به ﴿ وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾. <br />
<br />
خامسا&nbsp;: ولعل مما تدعو إليه الحاجة وينحسم به الموقف أن تقوم العلاقة بين الإخوان على الثقة المتبادلة وحسن الظن ، وما نطلب من الإخوان في هذه إلا ما يطلبه الإسلام ، فإنه يوجب على المسلم أن يحسن الظن بأخيه ويجعل حسن ظنه بأخيه من حسن عبادته ، وفي ذلك يقول الصادق المصدوق&nbsp;: «&nbsp;حسن الظن منه حسن العبادة&nbsp;». <br />
<br />
ولقد علمنا الله تعالى أن المرء يأثم بطنه «&nbsp;إن بعض الظن إثم «&nbsp;فمن الخير أن لا نعرض أنفسنا للوقوع في المآثم ، وقد أمرنا بانتقاتها ولن يكون أحدنا من المتقين كما يقول الرسول حتى يدع ما ليس به باس حرا لما به البأس. <br />
<br />
فليثق كل منا بأخيه وليحسن ظنه به والمسلم المؤتمن بإسلامه وإن جماعة يتشكك بعض أفرادها في البعض الآخر لهي جماعة إلى تفتت وزوال ، فاعلموا على استبقاء جماعتكم وتماسكها بالثقة المتبادلة وحسن الظن. <br />
<br />
سادسا&nbsp;: واذكر أخواني بأن أمر الجماعة يقوم على الشورى ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ وهذا يقاضي احترام الآراء المختلفة وتقبلها بقبول حسن ومناقشتها في هدوء لبيان وجه الرأي فإذا استبان وجه الرأي وجب أن تقف المناقشة حتى لا يكون الجدل المحرم والخصومة المنكرة والخروج من الهدي إلى الضلال ، ولنذكر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن «&nbsp;أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم&nbsp;» وأنه «&nbsp;ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل&nbsp;». <br />
<br />
وعلينا أن نعلم أن من واجبنا كأفراد جماعة أن تتلاقى قلوبنا ولن تتلاقى قلوبنا إذا تلاقت آراؤنا أو عذر بعضنا بعضا فيما يرى. <br />
<br />
ومن أول ما يقرب الشقة وينهى الخلاف أن تفكر فيما يفكر فيه أخوك ، وأن يفكر فيما نفكر فيه أنت ، وبهذا يقترب كل واحد من أخيه أو يلتمس له العذر ، أما إذا ظل كل واحد يفكر فيما عنده وفيما يهمه ولا يفكر فيما عند غيره ولا فيما يهم أخاه فلن يكون لقاء ولن يكون إلا التنافر والتنازع وقد حرمهما الإسلام على المسلمين ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ﴾ ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾. <br />
<br />
سابعا&nbsp;: وأخيرا فإن الظروف تقتضي من الإخوان أن يصلحوا ذات بينهم ، ولو أنا تمسكنا بالإسلام لحرصنا على إصلاح ذات البين فإنها كما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «&nbsp;أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة&nbsp;» وإن فساد ذات البين هي الحالفة. <br />
<br />
ولذكر ونحن نطلب الخير من الله أنه بين ألنا على لسان رسوله ما يرفع الله به الدرجات وينزل به الخير على الأفراد والجماعات وهو قوله «&nbsp;تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من رحمك وتصل من قطعك&nbsp;» وليكن كل منا في هذه الآونة الرهيبة مثلا لأبي ضمضم ولن يعجز أن يكون مثله. <br />
<br />
وهو كما قال الرسول «رجل فيمن كان قبلكم ، كان إذ أصبح قال اللهم إني جعلت عرضتي لمن شتمتي&nbsp;». ولقد علمنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يقال له في اخوانه لأنه يجب أن يخرج إليهم وهو سلم الصدر ، ونحن مأمورون بالتأسي به وأتباع طريقته ، ولن نكون متأسين ومتبعين إلا إذا حرص كلا منا على أن لا ينقل ما يحرج النفوس ويملأ الصدور ، ويذهب الثقة ، ويوقظ الفتنة ، ولعنة الله واقعة على من أيقظها. <br />
<br />
ولكن الرفق أيها الخوة شعاركم فإن الصادق المصدوق يقول «&nbsp;إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ومالا يعطي على سواء ، ويقول&nbsp;: «&nbsp;من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير ، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حطه من الخير&nbsp;». فأرفقوا بأخوانكم ولاتعنفوا عليهم فما يصلح النفوس كالرفق ولا يجمع القلوب كاللين ، واذكروا قوله تعالى ﴿ رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾. <br />
<br />
'''أيها الأخوة الكرام.. ''' <br />
<br />
'''لقد مضي على حل الجماعة فترة وقعت فيها أشياء أود أن تعلموا عليها وأن تقفوا على حقائقها حتى لا يكون سبيل لعبث ولا فرصة الإفساد&nbsp;: ''' <br />
<br />
أ) وأول ما أود أن تعلموا هو أن إخوانكم أعضاء المكتب اختاروا من بينهم واحدا ليكون المسئول الأول في هذه الفترة وهو المتشرف بخطابكم «&nbsp;أخوكم عبد القادر عودة ، والله أرجو أن يوفقنا جميعا إلى الخير وأن يربط على قلوبنا وأن يجعلنا أهلا لأمانة الدعوة ، وأن يعيننا على الخروج بها سليمة قوية كريمة بحسن عونكم وجميل توجيهكم إنه سميع مجيب. <br />
<br />
ب) وعلى أثر الحل تقدم أخواننا المفصولون معلنين ألمهم وغضبهم لما أصاب الجماعة وأنهم يضعون أنفسهم في هذا الظرف العصب تحت تصرف الجماعة جنودا مجهولين لا يطلبون مكانا في اصف معنا ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا. فكان ذلك العمل من جانبهم أول فواتح الخير الذي جاءتنا به المحنة «&nbsp;وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم&nbsp;» ولله الحمد والمنة ، في السراء والضراء وعلى كل حال. وقد تقبل أخوانكم هذا العمل الكريم من إخوانهم بالإكبار ولم نشا أن تفلت الفرصة السانحة لرأب الصدع. وجمع الشمل والوقف أمام الناس صفا واحدا على أمر جامع وعلى كلمة سواء. <br />
<br />
ولقد سال البعض عن مآل قرار الفصل وأحب أن تعلموا أن أخوانكم متفقون عمي على أن قرار الفصل قائم وأن الظروف الحاضرة لا تسمح بالتعرض له وأنه من الخير أن لا نتعرض لهذا الأمر الآن ومحل الكلام فيه لمن شاء يوم تعود الظروف العادية. وعلى أن قرار الفصل لا يمنعني من الاتصال بهم والاستئناس بآرائهم. <br />
<br />
جـ) ولقد رأينا من مصلحة الدعوة ومصلحة الوطن أن تعالج الأمور بالحكمة ، ووضعنا سياستنا في مدة الفترة الدقيقة على أساس الدفع بالتي هي أحسن أعذارا إلى الله وإلى الناس موقنين أن هذه السياسة هي أقرب طريق لعلاج ما فسد ورتق ما انفتق ، وأنها وحدها هي التي تسد الثغرة وترأب الصدع وتجنب البلاد الشقاق والخلاف. <br />
<br />
وليست مصلحة الدعوة أو المصلحة الوطنية وحدها هي التي أملت علينا هذه السياسة وإنما يمليها علينا الآن الإسلام قبل كل شيء وليس لمسلم أن يتحلل مما يقيده به الإسلام. <br />
<br />
ويبقى بعد ذلك أن أذكر الإخوان بأن يأخذوا أنفسهم بهذه السياسة وأن يحصروا على تنفيذها فإن انتهت إلى حل سليم فذلك ما نبغي من الخير ، وإن لم تؤد إلى الحل السليم الكريم فنصبر حتى يحكم الله بيننا والله خير الحاكمين. <br />
<br />
د) ويطالب بعض الأخوان بالرد على أسباب حل الجماعة ، وفيما يلي الرد مؤثرين في تناول المسائل الدفع بالتي هي أحسن&nbsp;: <br />
<br />
1- أخذ على فضيلة المرشد أنه لما طلب منه بيان بتأييد الثورة في يومها الأول بقى لائذا بالصمت ولم يكن ذلك إلا بأمر المرشد ولا يهم بعد ذلك أن يحضر القاهرة أو أن يبقى في الإسكندرية ولا أهمية لطول البيان أو قصره إذا العبرة بأثره. <br />
<br />
وأخذ على فيلته أن طالب بتطبيق أحكام القرآن وما من حرج عليه في ذلك فإنما يطالب بأمانة الدعوة التي حملها. <br />
<br />
ولو سكت لتنكر لما يدعو الناس إليه. <br />
<br />
والاختلاف على الحد الأدنى للملكية اختلاف في وجهات النظر وقد أبدى المرشد رأيه مؤيدا بحججه ونشرته الصحف على العالم أجمع ، والمطالبة بتغير الرأي أشبه بالتحكم في أراء الناس ، وهي من الناحية الأخرى رياء ونفاق والرجل الكريم ولا يحب أن يتحكم في رأيه أحد ولا أن يساير أحدا على رأي آخر ولو علم أن رأيه سينبذ. <br />
<br />
ولا مل لمؤاخذة المرشد على ما طلبه من عرض التصرفات على هيئة الإخوان قبل إقرارها فذلك حق لا يجادل فيه إنسان لأن تأييد هيئة الإخوان لتصرف ما يحملها مسئولية ولا يصح أن تتحمل الهيئة مسئولية أعمال وتصرفات لا رأي لها فيها. <br />
<br />
202- أما مسارعة الثورة بإعادة التحقيق في قضية الإمام الشهيد حسن البنا ومطالبة الرئيس على مار بإصدار عفو عن المسجونين السياسيين فذلك واجب رأي رجال الثورة أداءه. <br />
<br />
فإن شاءوا أن يذكروا الناس بما فعلوا فنحن لم ننس بعد ما فعلوا ولعلهم لا ينسون ما فعلنا. 4- ظاهر من البند الرابع من بنود بيان الحل أن قيادة الثورة هي التي قررت من تلقاء نفسها أن يشترك الإخوان في الوزارة ، وأن الإخوان قرروا عدم الاشتراك في الوزارة ، وإذن فالبيان يعترف أن الإخوان عرضت عليهم الوزارة فرفضوا ومعنى هذا أنهم ليسوا طلاب حكم. <br />
<br />
أما ما جاء في هذا البند من تفصيلات أخرى عن الترشيح وعن الأستاذ الباقوري فهذه مسألة داخلية تهم الجماعة وحدها فلا محل لأن يتعرض لها غيرها بعد أن انتهت منها. <br />
<br />
5- أما أن البكباشي جمال عبد الناصر تدخل في تصحيح الأخطار عن الجماعة فقد كان التدخل على أساس إبعاد الجماعة عن الحكم فإن كان قد تدخل وهو يعلم أنه غير محل فذلك شأنه وإن كان قد تدخل وهو يعلم أنه محق فذلك أمر طبيعي <br />
<br />
6- وإذا صح ما قيل عن بعض الإخوان من طلب تأليف لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها كشرط لتأييد الإخوان لتصرفات رجال الثورة ، وإذا صح ذلك فليس فيه خروج على فكرة الإخوان التي اتجهت من أول الأمر إلى أن تأييد الإخوان لتصرفات رجال الثورة يقتضي أن يعلم الإخوان بهذه التصرفات وأن يقروها قبل تأييدها. وليس في ذلك إلا معنى التأييد للثورة والخشية من الأخطاء والحرص على استدامة العلاقات الطبيعة. <br />
<br />
ولقد اعتبر البيان هذا الطلب نقطة تحول دأب المرشد بعدها على إعطاء تصريحات يهاجم فيها الثورة ورجالها وإصدار أوامر للإخوان بأن يظهروا بمظهر الخصم المتحدي. <br />
<br />
ونحن لا نرى أنه حدث أي تحول ، ولا نعتقد أن هناك ما يستدعي التحول ، وكنا نود لو أن البيان جاءنا ببعض هذه التصريحات التي هاجم فيها المرشد رجال الثورة أو جاءنا بعينة من الأوامر التي صدرت للإخوان بأن يظهروا بمظهر التحدي «&nbsp;على كل حال فإنه لن يعيب الأستاذ المرشد أن يقول ما يعتقده حقا أو أن يتقدم للحاكم بالنصيحة التي هي واجبة على كل مسلم. <br />
<br />
7- أما ما ذكر عن معارضة المرشد في إنشاء هيئة التحرير فقد كان رأي جميع الإخوان ولم يكن هذا الرأي لأن الإخوان يخشون منافسة أي هيئة ، فقد نافسوا الهيئات جميعا وعاشوا معها في سلا ، ولكن الإخوان كانوا يضنون برجال الثورة أن ينزلوا من علياء الثائرين الموجهين لعامة الشعب إلى مستوى الحزبية ، وكان الإخوان يودون أن يبقى رجال الثورة متجردين ليكون لتوجيههم السلمي أثره السريع وحتى لا تكون شبهة الحزبية عاقتا من عوائق الإصلاح. <br />
<br />
8- ولقد أخذ على بعض الإخوان اتصالهم بالانجليز في الوقت الذي أحاطهم المرشد فيه علما بذلك إن الاتصال أو بغيرهم منن الأجانب ليس عيبا وليس عملا يحرمه الإسلام أو القانون الوضعي اللهم إلا إذا كان يقصد الخيانة أو التآمر. <br />
<br />
ولعل مما يؤكد أن الأمر ليس فيه خيانة ولا تآمر أن الدكتور محمد سالم الذي اعتبره البيان وسيطا لا يزال مطلق السراح متمتعا بحريته. <br />
<br />
9- أما ما جاء في البيان عن تدبير مؤامرة في صفوف الجيش والبوليس لقلب نظام الحكم ، فإن كان الاتهام جديا فنحن نطالب بتحقيقه أمام هيئة قضائية كما نطالب بأن تكون المحاكمة أما محكمة تتوافر فيها كل الضمانات. <br />
<br />
10 ، 11- ولي لنا رد على ما جاء في البندين العاشر والحادي عشر إلا بأن ما جاء فيهما لا صلة له بعلاقة القيادة بالإخوان ، وإنما هي مسائل داخلية من شئون الإخوان وحدهم ، وهم أحق بالقيام عليها ، وللإخوان مقاييسهم الخاصة وطرقهم في المحاسبة. <br />
<br />
12- وما يقال عن زيارة الأستاذ حسن العشماوي لمنزل المستركرزويل من الساعة 4 إلى الساعة 11 من يوم الأحد 10 يناير سنة 1954 هو أمر لا يكاد الإخوان يصدقونه لأن الأستاذ حسن شوهد بالمركز العام من كثيرين في هذه الفترة ، ونرجو من القيادة أن تتحقق من صحة مصادرها بعد أن تبين بصورة لا تقبل الشك أن الأستاذ حسن كان في المركز العام في ال وقت المدعي فيه بوجوده عند مستر كرزويل. <br />
<br />
13- أما حادث الجامعة وما نسبه البيان للإخوان من إثارة الشغب فإن الإخوان يحتكمون فيه إلى تحقيقات النيابة التي أجريت عقب الحادث والتي ثبت منها ثبوتا قاطعا أنهم كانوا مجنيا عليهم وليسوا جناة ، وكانوا مدافعين لا معتدين. <br />
<br />
تلك هي أسباب الحل كما وردت في البيان الرسمي ، وما نشك لحظة في أن فقدان الثقة كان له أثره في تصور الوقائع وتصويرها ، وما رددنا إلا بما نعلم وبما نعتقد أنه الحق والله الموفق وهو على كل شيء شهيد. <br />
<br />
هـ) والتوجيه الأخير للإخوان أن يحسنوا صلتهم بالله وباخوانهم وأن يترابطوا على أمر الله وأن يتعاونوا على ابر والتقوى وأن يصبروا ويصابروا ، وأن يعلموا أن جماعة الإخوان لا تحل على الورق ، ولا بغلق الدور وإنما تنحل بانحلال ترابطهم وفراغ قلوبهم من حب أخوانهم وحب الدعوة. <br />
<br />
ولن يكون حل ما دامت تنبض بحب الدعوة قلوبهم وتخفق مع ذكر الدعوة مشاعرهم ، وما داموا قد وهبوا أنفسهم لها يحيون فيها ويعيشون بها ولا ويضحون في سبيلها. <br />
<br />
ولن يضر الدعوة شيئا أن تغلق دورها وتعطل منابرها ما دام كل منكم قد دعل للدعوة من قلبه دارا ومن نفسه حصنا. ومن كان قادرا على القول فكل مكان له منبر. <br />
<br />
وستظل الدعوة بإذن الله حية قوية لها اعتبارها ولها كرامتها مادمتم متماسكين مترابطين متحابين صابرين مصابرين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ والله أكبر ولله الحمد. <br />
<br />
أخوكم <br />
<br />
عبد القادر عودة <br />
<br />
<br> نثبت في هذا الملحق حكم مجلس الدعوة المصري - يوم أن كان القضاء الذي تفتخر به مصر - بإلغاء الأمر العسكري الذي أصدرته الحكومة المصرية في 8 ديسمبر 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وجاءت حيثيات الحكم قوية واضحة في تبرئة الإخوان من كل تهمة نسبت إليهم وفي الشهادة لهم بأن رسالتهم التي وضحت للمحكمة من كل ما ضبط من أوراق هي إصلاح المجتمع في كل نواحيه الدينية والاجتماعية والاقتصادية على أساس من أحكام الإسلام ، وهي - في ناحيتها السياسية - تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي ، ومساعدة الأقليات الإسلامي في كل مكان وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعة الإسلامية ، وقيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا. <br />
<br />
ثم دحت المحكمة ما عزى إلى الأخوان من الاتجاه الإرهابي والتطرف في العنف واستشهدت في ذلك بتوجيهات منشئ الجماعة الشهيد الأستاذ حسن البنا التي يقول فيها صراحة بأنه لا بد من الجمع بين الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل ، وأن حركة الإخوان تمر بثلاث مراحل&nbsp;: الأولى مرحلة التعريف بالفكرة ، والثانية مرحلة التكوين وهي استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد من حيث قوتها الروحية وكفايتها العسكرية ، والثالثة مرحلة التنفيذ ، ثم أثبتت المحكمة من كل الأوراق المضبوطة أن نية الجماعة كانت متجهة إلى مكافحة المستعمرين أعداء الإسلام وقالت&nbsp;: إن أثر ذلك التدريب الروحي والعسكري ظهر عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثيرين من متطوعيها للقتال... <br />
<br />
وهكذا أصدر القضاء حكمه في قضية الإخوان المسلمين وعرف الناس مبلغ ما انطوت عليه التهم والشائعات من أراجيف وبهتان ، ومبلغ الظلم الذي وقع بهم من قتل وسجن وأذى وتشريد.. <br />
<br />
وما أحرى بعد ما أثير من شبهات حول أحداث عامي 1954 و 1965 أن يحصحص الحق كما بدا في القضاء الذي كانت تفخر به مصر.. <br />
<br />
ولسنا ندري لحساب من كان كل هذا؟ <br />
<br />
لم يكن لحساب الإسلام يقينا. <br />
<br />
ولم يكن لحساب قضية مصر وشعبها الذي زور عليه تاريخه وقنن ما طغى فيه وكبت حريته. <br />
<br />
فلحساب من إذا؟؟! <br />
<br />
القضية رقم 568 لسنة 3 قضائية قد نشرت بالمجلد السادس من أحكام محكمة القضاء الإداري من الصفحة 1266 إلى 1302 وقد قمنا على تغير الترقيم بداهة لإلحاقها بالكتاب. <br />
<br />
<br> <br />
<br />
=== القضية رقم 568 لسنة 3 القضائية ===<br />
<br />
{{القضية رقم 568 لسنة 3 القضائية}}<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
<br />
[[تصنيف:حصريات]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF&diff=643047محمود محمد حامد2012-02-20T12:48:20Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div><center>'''الحاج محمود محمد حامد'''</center><br />
<br />
<br />
'''بقلم / أ.عبده مصطفى دسوقي'''<br />
<br />
<br />
== النشأة ==<br />
[[ملف:الحاج-محمود-حامد-.jpg|تصغير|<center>'''الحاج محمود حامد'''</center>]]<br />
<br />
ولد محمود محمد حامد في 14 مارس 1934م في قرية أجهور الرمل – مركز قويسنا محافظة المنوفية وهي قرية تقع على نهر النيل، وكان والده يعمل في الزراعة بهذه القرية، وكان يتسم بالتدين الريفي كأبناء الريف، وكذلك والدته.<br />
<br />
<br />
التحق بمدرسة أجهور الرمل للتعليم الأساسي ، ثم انتقل لمدرسة الخطيب عام 1943م، ثم انتقل إلى مدرسة المساعي المشكورة الابتدائية عام 1946م، وفي عام 1950 التحق بالصف الأول الثانوي، وتخرج من الثانوية بمدرسة بنها، عام 1954م ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا فى نفس العام وتخرج منها في 1974م بسبب الاعتقالات.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== معرفته ب[[الإخوان]] ==<br />
<br />
تعرف على [[الإخوان]] عن طريق الحاج محمد أبو السعود والذي كان مدرسا بمدرسة المساعي المشكورة حيث كان يحدثهم عن سلوكيات الإسلام الصحيحة، كما أنه أرشدهم لشعبة [[الإخوان]] بقويسنا، وقد استقبلهم الأستاذ جمال إبراهيم ليشرح لهم القرآن.<br />
<br />
ولقد تأثر هو وغيره من أهل قويسنا بعدد من الشخصيات الإخوانية أمثال الأستاذ عبدالمنعم عطية –مسئول الشعبة- ومحمد شديد الذي يعمل في النيابة بوزارة العدل وعبدالرازق أمان الدين.<br />
<br />
استطاع هو وبعض رفاقه تكوين شعبة لهم في أجهور الرمل واستأجروا مكانا ليكون مقرا للشعبة وذلك عام 1947م، وقد نشط هؤلاء الصغار فى تنظيف القرية ومحو أميتها.<br />
<br />
وبعد الثانوية حاول الالتحاق بعمل غير انه وقع في عملية نصب فلجأ ورفاقه لمكتب الاستاذ [[عبدالقادر عودة]] ليدافع عنهم وذلك عام 1951م.<br />
<br />
بعد ذلك التحق بمدرسة بنها الثانوية وكان مسئول عن [[الاخوان]] فيها الطالب السيد إبراهيم سالم، ثم اختاره الاستاذ [[محمد عبدالعليم عيسي]] ليكون مسئول [[:تصنيف:إخوان القليوبية|الإخوان في القليوبية]] ليكون مسئولا عن الطلبة في مدرسة بنها الثانوية وكان ذلك عام 1954م.<br />
<br />
<br />
== محنته ==<br />
<br />
قبض عليه بعد حادثة المنشية وقد تم القبض عليه يوم 12 ديسمبر 1954م وزج به إلى سجن القلعة، ثم رحل للسجن الحربي يوم 15 ديسمبر 1954م وقدم للمحاكمة يوم 27 من نفس الشهر أمام الدائرة الثانية هو وكلا من عبدالحميد محمد ماضي والسعيد السيد المنسي وأبوالفتوح عفيفي وسعيد عبدالمقصود وسيد إبراهيم سالم ومحمد عبدالغفار سالم.<br />
<br />
وبعد المحاكمة وصدور الحكم رحل لسجن مصر يوم 18 يناير 1955م، ثم رحل لسجن بني سويف، ثم رحل لكثير من السجون حتى انتهى به المطاف بسجن القناطر الذي خرج منه في 12 ديسمبر عام 1964م.<br />
غير أنه ما كاد يستقر بعض الوقت بالخارج حتى صدر القرار الجمهوري رقم 2513 عام 1965م "باعتقال كل من سبق اعتقاله" بتاريخ 6 سبتمبر 1965م.<br />
<br />
فقد هجمت عليه المباحث في 12 أغسطس 1965م واعتقلته وبناء على القرار الذي صدر حول إلى السجن بالقلعة، ثم رحل لسجن الفيوم وفي 1968م صدر قرار رقم 1514 باستمرار اعتقاله حتى خرج في 24 يناير 1971م بالقرار رقم 2167 لسنة 1971م.<br />
<br />
<br />
== ما بعد المحنة ==<br />
[[ملف:محمود-حامد-والدكتور-محمد-بديع-(2).jpg|تصغير|<center>'''الحاج محمود حامد والدكتور محمد بديع'''</center>]]<br />
بعدما خرج من المعتقل كانت والدته قد رحلت حسرة وكمدا على اعتقال ابنها، فبحث عن الزوجة فوجدها فى ابنة الشيخ محمدي سالم عمار وقد حدث يوم زفافه موقفا طريفا حيث تجمع عليه تعب السجن وتعب اعداد الزفاف فنام ليلة الدخلة وانتظر الناس والعروس مجئ العريس غير انه لم يحضر فذهب إليه الأخ السيد الشيخ وأيقظه بالقوة وألبسه وذهب به لبيت العروس وتم الزفاف يوم 14 سبتمبر 1972م، وبعدها ايتكمل دراسته حتى حصل على ليسانس الآداب، ثم سافر إلى السعودية، وبعدما عاد عمل مع إخوانه وهو الان بمدرسة الفتح الخاصة ببنها.<br />
<br />
<br />
كما انه كان واحد من الذين شاركوا الأستاذ عاكف والدكتور بديع عملية التسليم والتسلم.<br />
<br />
<br />
<br />
== للمزيد ==<br />
<br />
*'''محمود محمد حامد: الكتابة على جدران الزمن : الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الاولى، 2009م- 1429 هـ.'''<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]<br />
[[تصنيف:أعلام من المنوفية]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3&diff=643046محمود يونس2012-02-20T12:45:39Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>محمود يونس من هو ؟<br />
هذا الرجل من اعرق رجال عرب جهينة من عائلة ابو يونس اكبر عائلات العرب <br />
<br />
مؤسس جماعة الاخوان في مركز شبين القناطر من الجيل الاول للجماعة <br />
اعتقل يوم وفاة المرشد حسن البنا اعتقلت الحكومة امام بيت المرشد في الحلمية الجديدة<br />
ومنعت هو ومجموعة من الاخوان من حضور جنازة المرشد حسن البنا ومن بعدها لم يظهر حتي مات من التعذيب في المعتقل - رحم اللة الرجال الغيورين علي الدين<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D9%84%D8%B3%D8%A9_%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%B4&diff=643045مدونة لسة عايش2012-02-20T12:42:29Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:مقال-جديد خاص.gif|وصلة=مقالة جديدة لسة عايش]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
<br />
'''<center>[http://lesa-3aish.blogspot.com مدونة لسه عايش]</center>'''<br />
<br />
----<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9_%D8%AD%D9%82&diff=643044مدونة كلمة حق2012-02-20T12:42:19Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:مقال-جديد خاص.gif|وصلة=مقالة جديدة كلمة حق]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
<br />
'''<center>[http://alhakonline.blogspot.com مدونة كلمة حق]</center>'''<br />
<br />
----<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D8%A3%D8%B9%D9%82%D9%84_%D9%85%D8%AC%D9%86%D9%88%D9%86%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF&diff=643043مدونة أعقل مجنونة في الوجود2012-02-20T12:40:46Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<br />
<br />
== استيقظ أيها الفكر !!<br />
<br />
<br />
ثبات عميق نغط فيه، وتخدير ينمل كل مشاعرنا، ووقت طويل يضيع منا في تفاهات لا تنتهي أبداً.<br />
<br />
إلى متى ونحن هكذا؟؟؟<br />
<br />
استيقظ أيها الفكر !!<br />
<br />
كُن كالمارد العملاق ..<br />
<br />
قم .. انهض .. جلجل .. دندن .. أطربني!<br />
<br />
وأطرب كل من فقد نشوة الطرب الأصيل ..<br />
<br />
الطرب الجديد هو - طرب الفكر - وليس الطرب الهابط الذي يحيط بنا من كل صوب وحدب.<br />
<br />
موسيقى يقظة الفكر .. هي موسيقى الروح التي تنعش فينا نسمات الحياة، وتجدد خلايا الفكر الراكدة، وتوقظها من غفلتها!!<br />
<br />
وعندما يستيقظ الفكر ويدندن دندنات.. سيعزف أحلى سيمفونية لصحوة الفكر ..<br />
<br />
هذه بعض من ألحان دندناتي الفكرية .. التي أطرب لسماعها، وأتمنى أن تطربكم أيضاً.<br />
<br />
مدونة أعقل مجنونة في الوجود<br />
http://dndanh111.blogspot.com'''<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D8%A3%D9%85_%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86&diff=643042مدونة أم عبدالرحمن2012-02-20T12:40:08Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:مقال-جديد خاص.gif|وصلة=مقالة جديدة أم عبد الرحمن]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
<br />
<br />
== '''<center>[http://hmuslim.wordpress.com// مدونة أم عبد الرحمن]</center>''' ==<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%86%D8%B3_%D9%81%D9%88%D8%B2%D9%89&diff=643040مدونة انس فوزى2012-02-20T12:39:40Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:مقال-جديد خاص.gif|وصلة=مقالة جديدة انس فوزى]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9_%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%B7%D8%B1%D9%89&diff=643039مدونة خواطرى2012-02-20T12:39:26Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:مقال-جديد خاص.gif|وصلة=مقالة جديدة خواطرى]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
<br />
'''<center>[http://zahrafoughali.maktoobblog.com مدونة خواطري]</center>'''<br />
<br />
----<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D9%88%D9%86_%D9%88%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA&diff=643038مدونون ومدونات2012-02-20T12:36:01Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>[[ملف:رغبة-الإنضمام.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]] [[ملف:للتواصل.gif|وصلة=نقاش المستخدم:Admin]]<br />
<br />
*[[إصحي يا نايم]]<br />
<br />
*[[مدونة انس فوزى]]<br />
<br />
*[[مدونة خواطرى]]<br />
<br />
*[[مصري إخواني]]<br />
<br />
*[[مدونة لسة عايش]]<br />
<br />
*[[مدونة كلمة حق]]<br />
<br />
*[[مش ممكن]]<br />
<br />
*[[عمار اون لاين]]<br />
<br />
*[[سيف مش معاهم]]<br />
<br />
*[[بلاد العجب]]<br />
<br />
*[[جنّي]]<br />
<br />
*[[أنا مش ساكتة]]<br />
<br />
*[[مواطنون ضد الشعب]]<br />
<br />
*[[قلم إخواني]]<br />
<br />
*[[طريق النور]]<br />
<br />
*[[علي السريع]]<br />
<br />
*[[مدونة أم عبدالرحمن]]<br />
<br />
*[[شهيدة]]<br />
<br />
*[[مدونة الاحبه]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D8%B0%D8%A8%D8%AD%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1_.._%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF_%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86&diff=643037مذبحة التحرير .. شاهد من الميدان2012-02-20T12:35:30Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div><center><font color="green"><font size=5> ''' مذبحة التحرير .. شاهد من وسط الميدان''' </font></font></center><br />
<br />
'''بقلم: رضا خيري .. أحد المشاركين في مظاهرة ميدان التحرير'''<br />
<br />
<br />
== مقدمة ==<br />
[[ملف:مظاهرة-التحرير.jpg|يسار|300بك]]<br />
لقد كنت حاضراً في ميدان التحرير يوم 25 يناير وما أثير كان أقل بكثير مما حدث هناك لقد أطلقوا علينا الرصاص والقنابل المسيلة للدموع فضلاً عن الضرب المباشر من عناصر الأمن وليس هذا فقط ،بل لقد حاصرونا من كل مكان وطاردونا بالغاز والرصاص في جميع الشوارع بشكل مكثف جعلني أوقن أنها إبادة جماعية لأكثر من 50 ألف متظاهر.<br />
<br />
يا إخوة .. أقسم بالله لقد كدت أختنق وأسقط تحت العربات المصفحة لولا أن قواني الله لأجري وأحتمي بشارع جانبي ، ولقد شاهدت حولى الشباب يتساقطون إما بسبب الغاز أو بسبب الإصابات المباشرة بالرصاص المطاطي.<br />
<br />
لقد ظننت أنها نهايتي .. ولكن قدر الله لى فى العمر بقية لأستمر .. نعم سأستمر بإذن الله حتي تتحرر مصر من كل خائن وعميل .. يا إخوة نحن تحت الإستعمار بالفعل .. الإستعمار الوطني .. وقد جائت اللحظة التي ينتظرها كل حر وكل مصلح للإنتفاض والتحرر وإني أحمل مسئولية ما حدث لى ولإخواني يوم 25 يناير فى ميدان التحرير الساعة الواحد بعد منتصف الليل ليس فقط للنظام وجلاديه بل لكل سلبي عاش حياته فى ذلك اليوم آمناً مطمئناً فى بيته ،لأنه لو كان العدد أكثر من ذلك لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك... ولكن الفرصة لا تزال مستمرة وإني أوقن أن نصر الله قد اقترب.<br />
<br />
<br />
== تسلسل الأحداث كما عايشتها ==<br />
[[ملف:ميدان-التحرير19.jpg|تصغير|250بك|<center>من تصويري: المظاهرة أثناء سيرها من جامعة الدول إلى التحرير</center>]]<br />
قدمت من محافظة القليوبية مع أربعة شباب من أصدقائي إلى شارع جامعة الدول العربية حيث مكان تجمع إحدى المظاهرات كانت الساعة الواحدة والنصف ظهراً وكان مقرر أن تكون المظاهرة فى تمام الثانية ظهراً لذلك قمنا بالإنتظار في شارع جانبي حتى الثانية ظهراً ولفت إنتباهنا تواجد مكثف لعناصر الأمن وما أن جائت الساعة الثانية ظهراً حتى ظهرت المظاهرات من كل مكان فإنضممنا إليها وتوجهت المظاهرات صوب ميدان التحرير.<br />
<br />
إستغرقت المظاهرة ساعة تقريباً حتي إستقرت في ميدان التحرير ، كان الأمن طوال الطريق مسالم للغاية ولم يتعرض لأحد منا سوى بعض المحاولات لتشتين المظاهرة وفصل أجزاء منها لكنها لم تنجح .<br />
<br />
لفت إنتباهنا تعاطف عدد كبير من عساكر الأمن المركزي معنا حيث كانوا يشيرون إلينا بعلامة النصر من داخل عربات الأمن المركزي.<br />
[[ملف:ميدان-التحرير16.jpg|تصغير|250بك|<center>من تصويري: المظاهرة أثناء سيرها من جامعة الدول إلى التحرير</center>]]<br />
'''فور وصولنا إلى ميدان التحرير شرعنا فى صلاة العصر في الشارع وكنت قد صليت أنا وأصدقائي الظهر والعصر مسبقاً جمع تقديم في محطة المترو لذلك شاهدت جيداً التالي:'''<br />
<br />
أثناء إنشغال جزء كبير من المظاهرة فى الصلاة توجهت نحونا عربة مطافي مصفحة ترش الماء علي الناس بغرض تشتيتهم ولقد كادت العربة أن تسحق أمامها عدد كبير من الشباب لولا ستر الله عز وجل ، صعد فوق العربة عدد من الشباب يحاولون سد نافورة المياة ونجحوا بالفعل غير أن سقطوا من فوق العربة بسبب دفع عناصر الامن لهم فكانت هذه أول إصابات ، وصورت بنفسي إصابة أخري لإحدى الأخوات في رأسها.<br />
<br />
'''كانت هذ الشرارة الأول تحول بعدها هدوء الأمن إلى الوجه الأخر وتوالت الأحداث كالتالي:'''<br />
<br />
*حاولنا التوجه نحو مجلس الشعب حيث أنه قريب جداً من ميدان التحرير وعند تحركنا فوجئنا بتعدي الامن علينا بالضرب المباشر بالعصى أولاً ثم بعد ذلك الضرب بالقنابل المسيلة للدموع حتى كدت ان أختنق أكثر من مرة بسبب كثافة الغاز المفرطة ورغم ذلك لم نقابلهم بالعنف بل هتفنا "سلمية سلمية" حتى نعلمهم اننا ما جئنا إلا في مظاهرة سلمية نطالب بحقنا الذى يقره القانون فلم يلقوا بالااً بذلك واستمروا فى الضرب وإطلاق القنابل.<br />
<br />
*بعد قلبل إنضم إلينا المزيد من الشباب وإستطعنا السيطرة على ميدان التحرير بالكامل وانحصر الأمن في الشوارع الجانبية للميدان لكنه استمر فى إطلاق القنابل المسيلة للدموع من حدب وصوب لكننا صمدنا أمام القنابل بحمد الله وتوفيقه.<br />
<br />
*استمر الوضع على هذه الحالة ما بين الساعة الثالثة و السادسة مساءاً انحصر فيها الأمن فى شارع مجلس الشعب وكانوا يهاجموننا على قترات بجري الجنود نحونا بالعصى وكذلك القنابل المسيلة للدموع فكنا نمتص هجومهم ثم بعد ذلك نجري ورائهم صائحين " الله أكبر" فكانوا يفرون أمامنا . <br />
<br />
<br />
== حديث صحفي مع قناة أجنبية ==<br />
<br />
في ظل تلك الاحداث استوقفني أحد الصحفيين لتابعين لقناة أجنبية على حد تعبيره ليأخذ مني تصريح صحفي فسألني عن الإسم والسن والعمل ثم سألني ماذا تريدون ؟<br />
<br />
فأجبته نريد إسقاط النظام فلقد شبعنا من الوعود والأوهام التى لا تتحق ولم أكمل كلامي حت أطلقت نحونا عدة قنابل مسيلة للدموع فتفرقنا ولم نكمل الحوار.<br />
<br />
<br />
== موقف حضاري ==<br />
<br />
'''حدثت عدة مواقف أرد بها على كل من إدعى ن مظاهرتنا كانت لإحداث فوضي وتعدي على الأمن أذكر منها:'''<br />
<br />
ذكرت أن الأمن كان يهجم من حين لأخر ويجري نحونا ثم يرتد أمام زحفنا نحوه وفى أحد الهجمات تعرقل أحد أفراد الأمن ووقع في يد المتظاهرين فأراد أحدهم أن يضربه ولكن جميع الحاضرين منعوه من ذلك وصاح الجميع "سيبوه سيبوه" "سلمية سلمية" فتركه الشباب .<br />
<br />
كما أنه أفراد الامن كانوا يمرون بيننا للذهاب لإحضار الطعام حيث أننا كنا محتلين الميدان كما ذكرت فلم يتعرض لهم أحد بالمرة بل كان الشباب يمازحوهم ومن أحد المواقف المضحكة في ذلك: " أن أحد أفراد الأمن كان ماراً من بيننا فسأله أحد الشباب مازحنا انت معانا وإلا معاهم فقال: معاكم لحد ما أعدى من هنا "<br />
<br />
<br />
== موقف مؤثر ==<br />
<br />
أثناء إجراء حديث صحفي مع أحد المتظاهرين وكان رجل كبير السن إنهار الرجل مشتكياً ظروفه الإجتماعية قائلأ : "أن ضابط حيش على المعاش مرتبى لا يكفي كل شوية بستلف من الناس بقيت مديون لطوب الأرض ولما سمعت عن المظاهرة دي فرحت وخرجت لأول مرة ومش عايزها تفشل مش عايز أرجع أستلف تاني مش عايز أرجع أستلف تاي" ثم سقط الرجل على الأرض مغشياً عليه واندفعنا نحوه نسعفه حتى أفاق وردد نفس الكلمات فشعرنا بالأسى وإذددنا إصراراً علي الإستمرار قائلين له: " لا تقلق لن نمشي من هنا حتي نحقق لك ولنا كل مطالبنا ".<br />
<br />
'''وهذه صورة للرجل إلتقطها بموبايلي:'''<br />
<br />
[[ملف:ميدان-التحرير1.jpg|center|<center>الرجل في المنتصف</center>]]<br />
<br />
<br />
== صلاة المغرب تحت القصف ==<br />
[[ملف:صلاة المغرب.jpg|تصغير|250بك|<center>المتظاهرون يصلون المغرب في ميدان التحرير</center>]]<br />
<br />
<br />
أذن المغرب حوالى الساعة الخامسة والنصف فتوقف الكثر منا وصلينا المغرب فى الساحة أمام شارع مجلس الشعب حيث يتمركز الأمن وأثناء صلاتنا هجم أفراد الأمن هجمة أخرى فنصحنا بعض الشباب أن نسلم ونترك الصلاة لكننا أبينا إلا ان نكمل وقلنا في أنفسنا فليقتلونا ونحن نصلي.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== ما بعد السادسة مساءاً ==<br />
[[ملف:التحرير ليلا.jpg|تصغير|يمين|250بك|<center>عم الهدوء النسبي بعد الساعة السادسة مساءاً</center>]]<br />
'''هدئت الأمور نسبيا ما بين الساعة السادسة مساءاً وحتى منتصف الليل وأكتفى الأمن بالتمركز فى مقدمة الشوارع الجانبية وأثناء تلك الفترة حدث التالي:'''<br />
<br />
*تناولنا بعض الطعام المتمثل فى بعض المخبوزات التى كان يبيعها شابين لا أعلم كيف وصلوا إلينا .. لعلها عناية السماء.<br />
<br />
*صلينا العشاء في الميدان مع الدعاء فى الركعة الأخيرة أن ينصرنا الله ويثبتنا.<br />
<br />
*توالى إنضمام الشباب إلينا عبر كوبري قصر النيل حيث كان تمركز الأمن به ضعيف فأستطاعت بعض المظاهرات الأخري الإنضمام إلينا حتى وصل عددنا ما بين 30- 50 ألف .. لا أستطيع ان أحدد بالضبط.<br />
<br />
*وصل إلينا الأستاذ إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور وتحدث حديثا ملخصة أن لنا مطلب واحد فقط وهو إسقاط النظام وأن هذا لن يتحقق إلا بثبات الشباب.<br />
<br />
*بعد قليل وصل الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد وتحدث حديثاً أيضا لكني لم أحضره كما كانت زوجته متواجده معنا .<br />
<br />
*وصلت إلينا تحذيرات أن الأمن يخطط لعملية هجوم بعد منتصف الليل.<br />
<br />
<br />
== مذبحة في ميدان التحرير ==<br />
<br />
عند إقتراب الساعة من الواحدة بعد منتصف الليل لاحظنا تحركات فى عناصر الأمن وحشد لعربات مصفحة من كل مكان وفجأة انطلقت صفرات الإنظار وكأنها إشارة بالهجوم .<br />
<br />
كنت فى مقدمة المظاهرة اما مجمع التحرير بالضبط حيث كانت بداية التحك من الشارع الجاور للمجمع فبدأت العربات المصفحة يفتح سقفها ويخرج منها أفراد يطلقون القنابل المسيلة للدموع فى مؤخرة المظاهرة فأنتبهت لذلك وأخذت أصيح توجهوا لمقدمة المظاهرة لأنه لن يضربون في أنفسهم وقام بعض الشباب فى المقدمة بالتصدي للعربات وحاول أحدهم الصعود على إحداها لكن تم إسقاطه من جانب الأمن.<br />
<br />
ثم توالى قذف القنابل من كل حدب وصوب وأخذ الجنود المشاة أيضاً يضربون القنابل بل وشاهدت بنفسى أحد الجنود فى عربة مصفحة أطلق النار مباشرة على جموع الشباب وتالى بعدها إطلاق القنابل والرصاص علينا قتمسكت وبعض الشباب (حوالي مائتين شاب ) بوجودنا فى المقدمة لأن مؤخرة المظاهرة الغاز بها كثيف ولمحاولة لصد العربات والقوات المتقدمة لكني عندما نظرت للخلف وجدت الجميع قد هرب من الإختناق بسبب الغاز الكثيف ولم نجد انا وبعض الشباب الذين بقوا سوى قوات الأمن أمامنا تتقدم نحونا قمت بالجري بعيدا ولكن لا أعلم أين أذهب فقوات الأمن في كل مكان وتضرب من كل الإتجاهات والغاز يتسرب إلى صدرى وعيني أصبحت غير قادر على الرؤية وأصبت بالإختناق عندها أدركت أنها النهاية وهمت أن أسقط ولكن أعانني الله أن أستمر بالجري وأنا أقتح عيني فقط لأعلم هل الطريق أمامي فاضى أم لا ثم أكمل الجري وأنا مغمض عيناي حتى أحتميت بشارع جانبي لأتنفس هواء نقي غير مسمم بالغز.<br />
<br />
شاهدت الكثير من الشباب يتساقط أمامي إما بسبب الإختناق من الغاز الكثيف أو بسبب الإصابات المباشرة بالرصاص المطاطي عندها أدركت أنها ليست مجرد حركة لتشتيت الناس بل إنها محاولة إبادة جماعية بكل معني الكلمة.<br />
<br />
<br />
== من المسئول ==<br />
<br />
المسئول المباشر عن ما حدث هو النظام بالكامل بداية من رئيس الجهورية المزعوم مرورا بوزير الداخلية وصولا إلى جميع الظباط وأفراد الأمن الذين نفذوا المذبحة.<br />
<br />
ولكن توجد مسئولية غير مباشرة أحملها لجميع السلبيين في مصر الذين فضوا المكوث في بيوتهم راضيين بالذل والقهر رغم إتاحة الفرصة لهم ليتحرروا من قيودهم ، حيث أنه لو كان العدد أكثر من ذلك لما استطاع النظام وجلاديه أن يقدموا على مثل هذا التصرف الذى أقل ما يوصف أنه دموي.<br />
<br />
<br />
== الثورة مستمرة ==<br />
<br />
وإني لأحمد الله الذي قدر لي الحياة بعد هذه المذبحة لكي أستمر حتى تتحرر مصرنا الحبية بل وكل بلادنا العربية والإسلامية من الظلم والقهر والطغيان .<br />
<br />
فآن الأوان يا إخوتي أن ننهض وننتفض من أجل ديننا وحريتنا وكرامتنا فالفرصة مازات مستمرة وإن غداً لناظره قريب '''"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون'''" صدق الله العظيم.<br />
<br />
<br />
== ألبوم صور للمظاهرة من تصويري ==<br />
<br />
{{صور مظاهرة التحرير}}<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%86&diff=643035مقالات البحرين2012-02-20T12:14:52Z<p>Elsamary: حمى "مقالات البحرين" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>*[[المنبر الإسلامي يندد بالاعتداءات الوحشية الصهيونية على أسطول الحرية]]<br />
*[[بيان المنبر حول الطعن في الدستور القائم]]<br />
*[[المنبر تناشد القيادة المصرية وقف بناء الجدار الفولاذي]]<br />
*[[المنبر الإسلامي تتضامن مع السعودية وتدعم دفاعها عن أراضيها]]<br />
*[[المنبر الإسلامي يندد باقتحام الصهاينة للمسجد الأقصى]]<br />
*[[الإصلاح والمنبر الإسلامي ومناصرة فلسطين يدعمون أي تحرك لكسر الحصار عن غزة]]<br />
*[[بيان مكتب قضايا المرأة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة]]<br />
*[[بيان كتلة المنبر الوطني الإسلامي حول رفض ميزانية 2009- 2010]]<br />
*[[بيان من المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث سوريا]]<br />
*[[الإصلاح والمنبر الإسلامي يحذران من استمرار تصاعد الأحداث بالشارع]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث ليبيا]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الاسلامي بمناسبة مرور 10 سنوات على التصويت على ميثاق العمل الوطني]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الإسلامي بشأن إنتفاضة الشعب المصري]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول محاولة اغتيال مدير تحرير الوطن]]<br />
*[[بيان المنبر الإسلامي حول توجيهات الملك بتطبيق القانون على المتجاوزين]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث تونس الشقيقة]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الإسلامي بمناسبة عيد الفطر المبارك]]<br />
*[[إخوان البحرين وسلفيوها - تحالف المتنافسين]]<br />
*[[أسباب خسارة سلفية وإخوان البحرين]]<br />
*[[الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة مرشد إخوان البحرين.. فوارق النشأة وعلامات الغياب]]<br />
*[[نتائج انتخابات البحرين : الشيعة يربحون 18 مقعداً .. وانكماش حصة الاخوان والسلفيين]]<br />
*[[بيان من الإخوان المسلمين حول أحداث مملكة البحرين]]<br />
*[[رئيس "الإصلاح" البحرينية: الغرب يريد استنزاف مواردنا]]<br />
*[[المنبر الإسلامي ينافس على منصب النائب الثاني لرئيس البرلمان البحريني]]<br />
*[[نتائج الجولة الأولى لثاني انتخابات بحرينية 16 مقعدًا للشيعة و7 لتحالف الإخوان والسلفيين وصراع في الإعادة لزيادة المقاعد]]<br />
*[[إخوان أون لاين يحاور رئيس المنبر الوطني الإسلامي بالبحرين]]<br />
<br />
*[[المنبر الإسلامي يحذر من تهويد القدس]]<br />
*[[إخوان البحرين يدعون إلى كونفدرالية خليجية]]<br />
*[[الاخوان المسلمون في مصر يرفضون تحويل الوضع بالبحرين إلى قضية طائفية]]<br />
*[[إخوان البحرين يطالبون زينب (العسكري) بالتوبة]]<br />
*[[الجمعيات الإسلامية البحرينية تحتفل بوفد حماس]]<br />
*[[جمعية الإصلاح البحرينية تنهي جمعيتها العمومية العادية]]<br />
*[[كتلة المنبر الوطني الإسلامي البحريني تستنكر الإساءة للقرضاوي]]<br />
*[[الإخوان يفوزون بمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان البحريني]]<br />
*[[في الجولة الثانية للانتخابات التشريعية والبلدية 5 مقاعد جديدة بالبرلمان لتحالف الإخوان المسلمين وجمعية الأصالة بالبحرين]]<br />
*[[البحرين: نواب الإخوان يتبنون قضية معتقلي جوانتانامو]]<br />
*[[عاكف يستقبل رئيس جمعية الإصلاح البحرينية]]<br />
*[[إخوان البحرين يرفضون تلويح الحكومة بعقاب إحدى الجماعات الشيعية]]<br />
*[[إخوان البحرين يحتجون على مسرحية (بودي جارد)]]<br />
*[[الإخوان: التصعيد فى البحرين ينذر بمخاطر جسيمة]]<br />
*[[اخوان وسلفيو البحرين: لسنا وراء وقف تجارة الجنس]]<br />
*[[الإخوان قلقة من تحول أحداث البحرين إلى قضية طائفية]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%86&diff=643034مقالات البحرين2012-02-20T12:14:24Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>*[[المنبر الإسلامي يندد بالاعتداءات الوحشية الصهيونية على أسطول الحرية]]<br />
*[[بيان المنبر حول الطعن في الدستور القائم]]<br />
*[[المنبر تناشد القيادة المصرية وقف بناء الجدار الفولاذي]]<br />
*[[المنبر الإسلامي تتضامن مع السعودية وتدعم دفاعها عن أراضيها]]<br />
*[[المنبر الإسلامي يندد باقتحام الصهاينة للمسجد الأقصى]]<br />
*[[الإصلاح والمنبر الإسلامي ومناصرة فلسطين يدعمون أي تحرك لكسر الحصار عن غزة]]<br />
*[[بيان مكتب قضايا المرأة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة]]<br />
*[[بيان كتلة المنبر الوطني الإسلامي حول رفض ميزانية 2009- 2010]]<br />
*[[بيان من المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث سوريا]]<br />
*[[الإصلاح والمنبر الإسلامي يحذران من استمرار تصاعد الأحداث بالشارع]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث ليبيا]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الاسلامي بمناسبة مرور 10 سنوات على التصويت على ميثاق العمل الوطني]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الإسلامي بشأن إنتفاضة الشعب المصري]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول محاولة اغتيال مدير تحرير الوطن]]<br />
*[[بيان المنبر الإسلامي حول توجيهات الملك بتطبيق القانون على المتجاوزين]]<br />
*[[بيان جمعية المنبر الوطني الإسلامي حول أحداث تونس الشقيقة]]<br />
*[[بيان المنبر الوطني الإسلامي بمناسبة عيد الفطر المبارك]]<br />
*[[إخوان البحرين وسلفيوها - تحالف المتنافسين]]<br />
*[[أسباب خسارة سلفية وإخوان البحرين]]<br />
*[[الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة مرشد إخوان البحرين.. فوارق النشأة وعلامات الغياب]]<br />
*[[نتائج انتخابات البحرين : الشيعة يربحون 18 مقعداً .. وانكماش حصة الاخوان والسلفيين]]<br />
*[[بيان من الإخوان المسلمين حول أحداث مملكة البحرين]]<br />
*[[رئيس "الإصلاح" البحرينية: الغرب يريد استنزاف مواردنا]]<br />
*[[المنبر الإسلامي ينافس على منصب النائب الثاني لرئيس البرلمان البحريني]]<br />
*[[نتائج الجولة الأولى لثاني انتخابات بحرينية 16 مقعدًا للشيعة و7 لتحالف الإخوان والسلفيين وصراع في الإعادة لزيادة المقاعد]]<br />
*[[إخوان أون لاين يحاور رئيس المنبر الوطني الإسلامي بالبحرين]]<br />
<br />
*[[المنبر الإسلامي يحذر من تهويد القدس]]<br />
*[[إخوان البحرين يدعون إلى كونفدرالية خليجية]]<br />
*[[الاخوان المسلمون في مصر يرفضون تحويل الوضع بالبحرين إلى قضية طائفية]]<br />
*[[إخوان البحرين يطالبون زينب (العسكري) بالتوبة]]<br />
*[[الجمعيات الإسلامية البحرينية تحتفل بوفد حماس]]<br />
*[[جمعية الإصلاح البحرينية تنهي جمعيتها العمومية العادية]]<br />
*[[كتلة المنبر الوطني الإسلامي البحريني تستنكر الإساءة للقرضاوي]]<br />
*[[الإخوان يفوزون بمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان البحريني]]<br />
*[[في الجولة الثانية للانتخابات التشريعية والبلدية 5 مقاعد جديدة بالبرلمان لتحالف الإخوان المسلمين وجمعية الأصالة بالبحرين]]<br />
*[[البحرين: نواب الإخوان يتبنون قضية معتقلي جوانتانامو]]<br />
*[[عاكف يستقبل رئيس جمعية الإصلاح البحرينية]]<br />
*[[إخوان البحرين يرفضون تلويح الحكومة بعقاب إحدى الجماعات الشيعية]]<br />
*[[إخوان البحرين يحتجون على مسرحية (بودي جارد)]]<br />
*[[الإخوان: التصعيد فى البحرين ينذر بمخاطر جسيمة]]<br />
*[[اخوان وسلفيو البحرين: لسنا وراء وقف تجارة الجنس]]<br />
*[[الإخوان قلقة من تحول أحداث البحرين إلى قضية طائفية]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9&diff=643033مقالات السعودية2012-02-20T12:13:54Z<p>Elsamary: حمى "مقالات السعودية" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))</p>
<hr />
<div>*[[الإخوان السعوديون..التيار الذي لم يقل كلمته بعد!]]<br />
*[[محاكمة عوض القرني أم إخوان السعودية؟]]<br />
*[[عوض القرني: الإخوان المسلمون موجودون في السعودية كتيار فكري يؤثر ويتأثر]]<br />
*[[نيويورك تايمز: الإخوان المسلمون سر رفض السعودية للثورة ودفاعها عن مبارك.. خشية على دورها الدين]]<br />
*[[بيان الاخوان المسلمين السعوديين من محاولةاغتيال صاحب السموالملكي محمد نايف-حفظه الله-]]<br />
*[[نيويورك تايمز: السعودية تستخدم المال للحد من نفوذ الإخوان]]<br />
*[[الإخوان المسلمون يطالبون السعودية بوقف قتال الحوثيين]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9&diff=643032مقالات السعودية2012-02-20T12:13:32Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>*[[الإخوان السعوديون..التيار الذي لم يقل كلمته بعد!]]<br />
*[[محاكمة عوض القرني أم إخوان السعودية؟]]<br />
*[[عوض القرني: الإخوان المسلمون موجودون في السعودية كتيار فكري يؤثر ويتأثر]]<br />
*[[نيويورك تايمز: الإخوان المسلمون سر رفض السعودية للثورة ودفاعها عن مبارك.. خشية على دورها الدين]]<br />
*[[بيان الاخوان المسلمين السعوديين من محاولةاغتيال صاحب السموالملكي محمد نايف-حفظه الله-]]<br />
*[[نيويورك تايمز: السعودية تستخدم المال للحد من نفوذ الإخوان]]<br />
*[[الإخوان المسلمون يطالبون السعودية بوقف قتال الحوثيين]]<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%AA%D9%85_%D8%AA%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%87%D8%A7_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA&diff=643031مقالات تم تنسيقها بالوصلات2012-02-20T12:12:51Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>== مقالات ==<br />
<br />
#[[النظام الخاص .. حقائق وافتراءات في تاريخ الإخوان المسلمين]]<br />
#[[جهود الإخوان تجاه القضية الفلسطينية]]<br />
#[[دور الإخوان في حرب 1948م]]<br />
#[[كيف نشأ تنظيم 1965]]<br />
#[[الإخوان والعمالة للإنجليز]]<br />
#[[تكوين الخلية الأولى لضباط الإخوان المسلمين]]<br />
#[[الإخوان والأقليات الدينية]]<br />
#[[الإخوان والعنف]]<br />
#[[الإخوان وتسييس الدين]]<br />
#[[الإمام حسن البنا يكتب إلى الإخوان المسلمين بمناسبة الإنتخابات]]<br />
#[[جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد]]<br />
#[[حقائق عن الحكم والمحاكمات في مصر]]<br />
#[[حقائق مسلسل الجماعة]]<br />
#[[حوار هام مع المستشار حسن الهضيبي]]<br />
#[[الإخوان المسلمون وحزب مصر الفتاة]]<br />
#[[شخصية جمال عبد الناصر فى رأى السادات]]<br />
#[[سيد قطب .. ضد العنف]]<br />
#[[مذبحة المنشية]]<br />
#[[الإخوان و دخول البرلمان|الإنتخابات والبرلمان]]<br />
#[[تاريخ الإخوان في محافظة القاهرة]]<br />
#[[تاريخ الإخوان المسلمين في محافظة الدقهلية]]<br />
#[[جهود الإمام البنا في التربية]]<br />
#[[الأسرة في الإسلام .. دعامة المجتمع وأساس النهضة]]<br />
<br />
== شخصيات ==<br />
<br />
#[[أحمد الملط]]<br />
#[[عبد العزيز الرنتيسي]]<br />
#[[مصطفي السباعي]]<br />
#[[فتحي يكن]]<br />
#[[سعيد رمضان]]<br />
#[[لبيبة أحمد]]<br />
#[[صالح عشماوي]]<br />
#[[أبو الأعلى المودودي]]<br />
#[[أبو الحسن الندوي]]<br />
#[[أبو الفتوح عفيفي]]<br />
#[[أحمد العسال]]<br />
#[[أحمد أنس الحجاجي]]<br />
#[[أحمد القاضي]]<br />
#[[أحمد بللو]]<br />
#[[عبد الكريم الخطابي]]<br />
#[[محمد أمين الحسيني]]<br />
#[[يحيى عياش]]<br />
#[[محمد فرغلي]]<br />
#[[سعد الجزار]]<br />
#[[عز العرب فؤاد]]<br />
#[[عباس السيسي]]<br />
#[[محمود شيت خطاب]]<br />
#[[وليد الأعظمي]]<br />
#[[مناع خليل القطان]]<br />
#[[سهام عبد الجواد]]<br />
#[[مبارك عبد العظيم]]<br />
#[[حسن دوح]]<br />
#[[محمود عبده]]<br />
#[[يحيى عبد الحليم]]<br />
#[[علي صديق]]<br />
#[[عبد المنعم مكاوي]]<br />
#[[عصام الراوي]]<br />
#[[سعيد صيام]]<br />
#[[زياد العاني]]<br />
<br />
*'''هذا بالإضافة إلي تصنيف [[:تصنيف:أحداث في صور|أحداث في صور]] وتصنيف شبهات وردود'''<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC_%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7_%D9%84%D9%84%D8%B6%D8%BA%D9%88%D8%B7_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA_(6)&diff=643030نموذج لمواجهة الإمام البنا للضغوط والأزمات (6)2012-02-20T12:05:38Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center>نموذج لمواجهة الإمام [[البنا]] للضغوط والأزمات (6) </center>'''<br />
<br />
'''بقلم : د. [[محمد عبدالرحمن]] ... عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
• إن الراصد لأسلوب الإمام [[البنا]] وطريقته فى مواجهة الصعاب والضغوط، وفى التعامل مع الحكومات أو مختلف الأعداء، ليدرك مدى عمق رؤيته ومدى براعته وحكمته .. كان الإمام الشهيد يدرك تماماً أن الأنظمة والحكومات فى عدائها للدعوة والجماعة لا تتحرك من دوافع ذاتية فقط، وإنما تخضع للتأثير والتوجيه الأجنبى الذى يستهدف السيطرة على هذه البلاد وإنفاذ مشروعها ومخططها، وأهدافها الحالية والمستقبلية.<br />
<br />
وأن هذه القوى عندما تضغط أو تدفع وتحفز هذه الأنظمة التى تحولت إلى أدوات رخيصة فى يد الأجنبى – لضرب الجماعة – فإنها لا تبالى برد فعل الشعب تجاهها أو بالأثر السلبى الذى يعود عليها أو على الوطن ككل.<br />
<br />
ولهذا كان الإمام الشهيد يحرص على ألا يستعجل الصدام والمواجهة أو يلجأ إلى الاستفزاز، بل وعند المواجهة لا يوسع من مساحتها ولا يصعّد من مراحلها، ولا يمكنهم من تصفية الجماعة بردود أفعال غير متزنة أو مدروسة، بشرط ألا يؤثر ذلك على جوهر العمل والحركة.<br />
<br />
وإذا فُرضت على الجماعة هذه المواجهة أو ذلك الصدام، واجهه الإمام بصبر وثبات وحرص على استمرار العمل بوسائل شتى، وتحقيق تماسك الجماعة والثبات على الأهداف والمبادئ مهما حدث.<br />
<br />
• عندما خرجت المظاهرات من الأزهر بقيادة الإمام الشهيد تجاوبًا مع القضية الفلسطينية ارتفعت بعض الشعارات التى تندد بالملك وتهتف بسقوطه، فوجههم الإمام أن يهدف بعضهم بعدها بـ " يحيا الملك" وتمت المظاهرة وحققت أهدافها، وبذلك استطاع أن يلطف من جو الاستفزاز الذى قد سببته بعض الشعارت، ليواصل بعدها العمل الجماهيرى وحشد الشعب لتأييد القضية الفلسطينية.<br />
<br />
• كما كان الإمام يحرص على أن يبقى هناك باب مفتوح، مع القوة المعارضة والمنافسة، ومع الحكام، حتى مع ألد أعداء الدعوة ممن ينتسبون إلى الوطن .. وذلك ليتمكن من إرسال الرسائل التى تحقق مصلحة الدعوة وتقلل من حدة العداء والاستعداء، كما يمكن عن طريقها نزع فتيل بعض الأزمات أو تأجيل حدوثها أو حتى تخفيفها إذا حدثت، مما يحقق مساحة أوسع للدعوة وتهدئة للأجواء حولها، فالدعوة تنمو تنطلق فى الجو الهاديء المستقر، وجهود الإصلاح تكون ثمرتها أسرع فى تلك الأحوال الهادئة.<br />
<br />
• كان الإمام حريصاً على فتح قنوات اتصال عن طريق عناصر متعاطفة أو وسيطة تحب التفاهم مع الجماعة، أو قادرة على حمل رسالة محددة، لجميع القوى التى حكمت البلاد فى هذه المرحلة.<br />
<br />
وعندما ازداد الضغط على الجماعة فى محنة [[1948]]، وكان يعلم جيداً الضغط الخارجى، وأن النظام والملك يستهدف الجماعة ويستهدف قتله، استمر يحاول فتح قنوات الاتصال وتهدئة الأحوال وإرسال الرسائل حتى آخر لحظة، وذلك لتهدئة الضغط والرد على الأسباب الواهية التى افتعلوها لضرب الجماعة، وليس ذلك خوفاً أو جزعاً وإنما لصالح الدعوة والتفافاً حول المعوقات والضغوط.<br />
<br />
والإخوان مع ذلك لا يهابون المعتقلات والسجون أو يساومون بها على دعوتهم أو يجعلهم ذلك يحجمون ويتأخرون، وإنما ميزان الفصل فى هذا هو متطلبات الخطة ومستهدفاتها، والحرص على مصلحة الدعوة ومراعاة الضوابط الحاكمة فى تلك المرحلة، ويحتملون كل أذى فى سبيل دعوتهم.<br />
<br />
• والإمام الشهيد فى حركته ودعوته لا ينطلق من مجرد رؤية محدودة أو رد فعل لأحداث، وإنما كانت له رؤيته الاستراتيجية وتخطيطه بعيد المدى وضوابطه وتوجهاته الحاكمة لخطواته وحركته ووسائله.<br />
<br />
ففى الوقت الذى كانت الأحزاب والقوى الوطنية مفتونة بتشكيلاتها العسكرية المسماة بالقمصان الخضراء والزرقاء والحمراء .. الخ وتقوم باستعراضاتها وفرد عضلاتها وسطوتها، وتفرح بتهليل فئات من الشعب لها والحديث عن قوتها، رفض الإمام الشهيد أن يجاريها فى ذلك رغم المغريات وحماس الأفراد، وكان أن أصر على تشكيل فرق الكشافة والجوالة بالشورت والقميص الكاكى وبالشارات المتعارف عليها فى نظام الكشافة.<br />
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-بزي-الجوالة.jpg|تصغير|<center>'''الإمام [[حسن البنا]] في زى الكشافة'''</center>]]<br />
وقد كان رحمه الله موفقاً فى ذلك، فبعد عدة سنوات تم حل تلك التشكيلات العسكرية بقرار نهائى، وبقيت جوالة وكشافة [[الإخوان]] فى الميدان لأنه لم يكن ينطبق عليها ذلك، وهى أيضاً تشكيل رسمى معترف به دولياً .<br />
<br />
• وعندما ضغطت عليه مجموعة من الأفراد بالجماعة بشأن اتخاذ مواقف عنيفة واللجوء إلى بعض مظاهر القوة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومجاراة بعض الأفعال التى صدرت من تجمعات وقوى أخرى مثل مصر الفتاة، رفض هذا النهج لأنه خروج على الاستراتيجية والضوابط الحاكمة، مما تسبب فى خروج وانشقاق تلك المجموعة من الشباب التى عرفت بشباب محمد، ثم ما لبثت الأحداث أن احتوتها واستوعبتها، وأثبتت الأيام مدى عمق رؤية الإمام الشهيد.<br />
<br />
• وفى مذكرات الدعوة والداعية يذكر الإمام الشهيد أول معركة مواجهة مع الإدارة الأجنبية بشأن المسجد الذى تم إنشاؤه فى شركة الجباسات بالإسماعيلية وانتداب الشيخ محمد فرغلى رحمه الله لإدارة المسجد والتدريس فيه، فقامت تلك الإدارة بمحاولة إقصاء الشيخ فرغلى واستبداله بآخر من عندها حتى لو تطلب الأمر غلق المسجد، وذلك لمواجهة تأثيره الدعوى والإصلاحى على عمال الشركة.. ونرى فى هذه الواقعة كيف أدار الإمام هذه المواجهة ببراعة واقتدار، فقد تمسك الشيخ فرغلى والإخوان معه بمكانه وعمله بالمسجد، وتصاعد الأمر حتى وصل إلى محافظ القنال الأجنبى ومأمور الإسماعيلية، وهددوا باستخدام القوة، فلم يتراجع الشيخ فرغلى وتجمهر عدد كبير من العمال، وأمسك الإمام الشهيد بجميع الخيوط، مع التأكيد على صلابة الموقف فاتصل بالعضو المصرى الوحيد فى مجلس إدارة الشركة حيث سافر له الإمام لمقابلته بالقاهرة وناقشه فى الأمر رغم عدم تجاوبه معه وكذلك قابل مدير الشركة الأجنبى وأوضح له بأسلوب هادئ نواحى خطئه وأن المشكلة ليست فى المسجد وإنما فى أسلوب معاملتهم للعمال. وتعامل كذلك مع المأمور فأوضح له خطورة تصعيد الأمر وأن العواقب قد تسوء إذا حدث رد فعل من العمال الغاضبين، ثم طرح الإمام الشهيد حلاً للأزمة تفاوض معهم عليه، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على أن يبقى الشيخ فرغلى شهرين حيث هو وتقوم الشركة بتكريمه عند انتهاء هذه المدة وأن تطلب رسمياً من الإخوان أن يحل محله واحد من المشايخ، وأن تضاعف للشيخ الجديد راتبه .. الخ .<br />
<br />
وبذلك نجح الإمام فى إدارة هذا الصراع وحقق كل أهدافه كاملة، مع بعض التنازلات البسيطة الشكلية التى لا تؤثر وأخذ مقابلها مكاسب كثيرة.<br />
<br />
وهذا مجرد نموذج فحياة الإمام وجهاده مليئة بالكثير من تلك المواقف.<br />
<br />
• كما كان الإمام الشهيد يراعى فى حركته ونشاطه أن يكون مظهر الجماعة أقل من حقيقتها، وأن يكون تقدير الأعداء لمدى قوتها أقل من الحقيقة والواقع، وألا تنخدع الجماعة بالظواهر عن حقائق الأحداث، فللدعوة ميزان غير ميزان الآخرين ورؤيتهم، ليس ذلك تهويناً لشأن الدعوة وهيبتها، وإنما فى هذه المرحلة من تربص الأعداء بها، يستهدف الإمام من ذلك أن يقلل من تحفز الأعداء ضدها ومسارعتهم إلى ضربها، أو يهدئ من شدة الضربات الموجهة إليها.<br />
<br />
• لقد وافق الإمام على التنازل عن الدخول فى الانتخابات عام [[1942]] وركز على الحركة بهدوء والانتشار العملى بين الجماهير رغم توتر الإنجليز وتشديد قبضتهم على البلد وإعلان الأحكام العرفية، ولم يتراجع الإمام فى ذلك الجو عن مبادئ دعوته أو أن يفصل بين الدعوة والسياسة، وليراجع من شاء رسالة المؤتمر السادس عام [[1941]] وهى تؤكد على نفس المبادئ والأهداف.<br />
<br />
وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى كانت الجماعة قد وصلت لمرحلة جديدة من القوة والانتشار لم يكن يتصورها الآخرون.<br />
<br />
• لكن يحدث فى بعض الأحيان والمواقف، أن يظهر للآخرين مدى قوة الجماعة مثلما أدرك الأعداء فى معارك [[فلسطين]]، ورأوا من بطولات [[الإخوان]] والنماذج العالية التى قدموها فى الثبات والإقدام وحسن التخطيط ما أزعجهم بشدة، ورغم هذا لم يستخدم الإمام هذه القوة فى مواجهة السعديين عندما حاربوا الجماعة وسجنوا الكثيرين من أفرادها.<br />
<br />
• وهذا الأمر لا يجعل الإخوان يغترون بفضل الله عليهم أو يسارعون للتحدى قبل الأوان، أو يكون هذا مبرراً للتخاذل والقعود، بل يحرص الإخوان أن يطمئنوا المنزعجين والمتخوفين ولا يخرجهم الإنجاز وأقوال الناس، عن استراتيجيتهم وضوابط حركتهم وخطتهم الحكيمة.<br />
<br />
• وإذا استحكم شيء فى مواجهة الدعوة أو أظلمت الدنيا من حولهم لم يفقد الإخوان ثقتهم ولم تهتز خطواتهم، بل أحسنوا التوكل على الله ولجأوا إلى الدعاء والاستغفار وطلب العون من الله، وحرصوا على دعاء السحر وقيام الليل، فهذا هو باب النجاة والفلاح بعد استفراغ الجهد من الأخذ بالأسباب " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه".<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:محمد عبدالرحمن]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_25_%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1.pdf&diff=643029يوميات ثورة 25 يناير.pdf2012-02-20T11:56:51Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div><googledoc>http://www.ikhwanwiki.com/images/7/7d/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_25_%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1.pdf</googledoc><br />
<br />
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف:مكتبة الدعوة للتحميل]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9_%D8%A3%D9%85_%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA_(2-2)&diff=642857سنة التدافع أم صراع الحضارات (2-2)2012-02-18T15:47:30Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center>سنة التدافع أم صراع الحضارات (2-2) </center>'''<br />
<br />
'''بقلم : د. [[محمد عبدالرحمن]] ... عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
<br />
== رؤية الإمام [[البنا]] لواقع الحضارة الإسلامية والنهوض بها ==<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
'''يوجز الإمام الشهيد رؤيته فى هذا المسار التاريخى، بما نشير إليه فى تلك النقاط السريعة:-'''<br />
<br />
1. الحضارة الإسلامية هى الحضارة الحقيقية الشاملة للمادة والروح معاً والتى تتسق وتنسجم مع ناموس الكون وفطرة الإنسان وترتقى به الرقى الحقيقى فى كل جوانبه.<br />
<br />
2. وتقوم تلك الحضارة على منهج ربانى هو الإسلام يؤهلها لقيادة الإنسانية وأستاذية الأمم والعالم كله... وهذه الخيرية لأمة الإسلام''' { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ..}''' [ آل عمران : 110] مشروطة باتباع منهج الله وأداء رسالة الإسلام، فهى خيرية دعوة ومنهج وليست خيرية جنس أو قوم أو عصبية .<br />
<br />
يقول الإمام الشهيد :" قرر الإسلام سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها للأمم فى آيات كثيرة من القرآن .. ثم أوجب على الأمة المحافظة على هذه السيادة وأمرها بإعداد العدة واستكمال القوة حتى يسير الحق محفوفاً بجلال السلطة كما هو مشرق بأنوار الهداية '''{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}''' [ الأنفال: 60] ( رسالة مؤتمر طلبة الإخوان ) <br />
<br />
هذه هى الرسالة والمهمة التى صارت إليها أمة الإسلام، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسادت بحضارتها الإسلامية الدنيا كلها .<br />
<br />
3. ويحذر الإمام من الانحراف فى أداء هذه الأستاذية : " ولم يغفل التحذير من سورة النصر، ونشوة الاغترار، وما تجلبه من مجانبة للعدالة وهضم للحقوق فحذر المسلمين من العدوان على أية حال " ( رسالة مؤتمر طلبة الإخوان )<br />
<br />
4. ثم يوضح الإمام أنه نتيجة : للبعد عن الدين وجوهره، وعدم الأخذ بأسباب القوة تسللت عوامل الضعف والتحلل فى كيان الأمة الإسلامية: " <br />
<br />
1- من انتشار الخلافات السياسية والعصبية،<br />
<br />
2- وتنازع الرياسة والجاه،<br />
<br />
3- والخلافات المذهبية والدينية،<br />
<br />
4-والانصراف عن الدين كعقائد وروح وحياة،<br />
<br />
5- وكذلك الانغماس فى الترف والنعيم والشهوات،<br />
<br />
6- وغرور الحكام واستبدادهم،<br />
<br />
7- الانخداع بوسائل الخصوم والمنافقين،<br />
<br />
8- وإهمال العلوم العملية والمعارف الكونية. " ( رسالة بين الأمس واليوم باختصار)<br />
<br />
<br />
5. ثم جاءت – وحال الأمة هكذا – محاولات الأعداء للقضاء على الأمة الإسلامية، ويوضح الإمام أيضاً جذور هذا العداء وتلك الحرب على أمة الإسلام. " .. أخذت هذه العوامل تعمل فى كيان الدولة الإسلامية، والأمة الإسلامية عملها، وظنت الأمم الموتورة أنه قد سنحت الفرصة، لتأخذ بثأرها وتقضى على هذه الدولة الإسلامية التى فتحت بلادها من قبل وغيرت معالم أوضاعها فى كل شئون الحياة." (رسالة بين الأمس واليوم).<br />
<br />
ويقول أيضاً " .. وإنهم إن تفرقوا فى مطامعهم واختلفوا فى منازعهم، فهناك سبيل واحد اتفقوا عليه وأقسموا ليُنفذنَّه، هو القضاء على الإسلام والمسلمين، وهى إحن صليبية وسياسة رجعية تدفعهم إلى أعمال هى إلى الوحشية والجنون أقرب .. لا تخدعوا أنفسكم أيها المسلمون وحسبكم غفلة وحسن ظن بالأيام، فقد وصف الله لكم القوم فى كتابه فقال تعالى : '''{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }''' [ البقرة 217] <br />
<br />
وقال نبيه صلى الله عليه وسلم ما هو أصرح من ذلك وهم لا يرضيهم منكم إلا الردة وإلا الاستعباد، وبعد كل هذا لهم معكم حقد قديم ينتقمون منكم به " (من مقالة الإمام الشهيد عام 1931: واجب العالم الإسلامى أمام ما نزل به )<br />
<br />
6. ونجحت الأمم الأوروبية فى هذه المرحلة، ونشرت حضارتها المادية . يقول الإمام : " وقد عمل الأوروبيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها الفتاكة، جميع البلاد الإسلامية التى امتدت إليها أيديهم .. مع حرصهم الشديد على أن يحتجزون دون هذه الأمم عناصر الصلاح والقوة من العلوم والمعارف الصناعية والنظم النافعة وقد أحكموا خطة هذا الغزو الاجتماعى إحكاماً شديداً، واستعانوا بدهائهم السياسى، وسلطانهم العسكرى، حتى تم لهم ما أرادوا وتمكنوا بعد ذلك من أن يغيروا قواعد الحكم والقضاء والتعليم، وأن يصبغوا النظم السياسية والتشريعية .. والثقافية بصبغتهم الخاصة فى أقوى بلاد الإسلام" (رسالة بين الأمس واليوم)<br />
<br />
'''ويقول رحمه الله أيضاً :'''<br />
<br />
" ولكن هذه الحضارة الغربية قد غزتنا غزواً قوياً عنيفاً بـ: العلم، والمال، وبالسياسة، والترف، والمتعة، واللهو، وضروب الحياة الناعمة العابثة المغرية .. واندفعنا نغير أوضاعنا الحيوية ونصبغ معظمها بالصبغة الأوروبية، وحصرنا سلطان الإسلام فى حياتنا على القلوب والمحاريب، وفصلنا عنه شؤون الحياة العملية .. وهذه الحياة الغربية بما تحتويه من مباهج ومفاتن، وبما لها من مظاهر القوة المادية تحاول أن تسيطر وتهيمن على ما بقى لنا من شئوننا الحيوية" ( من رسالة دعوتنا فى طور جديد) <br />
<br />
7. ونتيجة تلك الحرب يتراءى للراصد مدى التفوق والسيطرة المادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والعسكرية مما يعتقد معه أن المعركة انتهت لصالحهم، لكن هناك أمر أساسى وهام لم تُحسم حوله المعركة هو الشخصية الإسلامية ومدى صلاحيتها و استعدادها لأن تنهض من جديد وأن تمتلئ بالإسلام وتعيد مجده وحضارته وإن مظاهر هذا البعث بما تشمله من حركات وطنية وإسلامية قد بدأت.<br />
<br />
لهذا تدور المعركة بقوة حالياً لتدمير هذه الشخصية الإسلامية وإفراغها من مضمونها وصنع نموذج خاضع لهم مشوه فى رؤيته وأفكاره وفى همته وإيمانه برسالته فيذوب فى شخصيتهم وحضارتهم الغربية، وكلهم أمل فى أن ينجحوا مثلما نجحوا مع الهنود الحمر ومع اليابانيين وغيرهم وبالتالى ندرك أهمية هذه المعركة الفاصلة التى تدور حول الأجيال الحالية والقادمة لأمة الإسلام وكيفية تربيتها وصياغتها الصبغة الإسلامية المتكاملة.<br />
<br />
يقول الإمام البنا : "ونستطيع بعد ذلك أن نقول: إن الحضارة الغربية بمبادئها المادية قد انتصرت فى هذا الصراع الاجتماعى على الحضارة الإسلامية بمبادئها القويمة الجامعة للروح والمادة معاً" فى أرض الإسلام نفسه وفى حرب ضروس ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم و عقائدهم وعقولهم، كما انتصرت فى الميدان السياسي والعسكرى، ولا عجب فى هذا، فإن مظاهر الحياة لا تتجزأ والقوة قوة فيها جميعاً، والضعف ضعف فيها جميعاً كذلك '''{ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}''' [ آل عمران: 140] ( رسالة بين الأمس واليوم)<br />
<br />
ورغم شدة الهجمة، فإن مبادئ الإسلام ما زالت قائمة : " وإن كانت مبادئ الإسلام وتعاليمه ظلت قوية فى ذاتها، فياضة بالخصب والحياة جذابة أخاذة بروعتها وجمالها، وستظل كذلك، لأنها الحق، ولن تقوم الحياة الإنسانية كاملة فاضلة بغيرها، ولأنها من صنع الله وفى حياطته '''{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }''' [ الحجر: 9]، '''{ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }''' [ التوبة : 32] ( رسالة دعوتنا فى طور جديد)<br />
<br />
8. وأصبح واجباً علينا استرداد دورنا، وإقامة نهضتنا وحضارتنا، يقول الإمام : "وهكذا أيها الإخوان أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وان يشرق نور دعوتكم فى ثنايا هذا الظلام وأن يهيئكم الهً لإعلاء كلمته، وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ الحج: 40] ( رسالة دعوتنا فى طور جديد)<br />
<br />
ويقول أيضاً : " وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه أغاليط الماضى ونتجرع مرارتها، وأن يكون علينا رأب الصدع، وجبر الكسر وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا، واسترداد عزتنا ومجدنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا" . ( رسالة هل نحن قوم عمليون)<br />
<br />
9. " لهذا يدعو الإخوان المسلمون إلى أن يكون الأساس الذى تعتمد عليه نهضتنا : توحيد مظاهر الحياة العملية فى الأمة على أساس الإسلام وقواعده" (رسالة دعوتنا فى طور جديد)<br />
<br />
وأن علي الأمة طريقاً طويلاً من الجهاد لتحقيق هذه الغاية: " وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف، وصراع قوى شديد بين الحق والباطل، بين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين، وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء، وليس للأمة عدة فى هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة، والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات، والإقدام عند الملمات، وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها" ( رسالة هل نحن قوم عمليون .. )<br />
<br />
'''ويقول أيضاً : " إن تكوين الأمم وتربية الشعوب يحتاج من الأمة إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة أمور :'''<br />
<br />
- إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.<br />
<br />
- ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر.<br />
<br />
- وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل.<br />
<br />
- ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصمه من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره.<br />
<br />
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربع، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين لا يصل إلى خير ولا يحقق أملاً " ( رسالة إلى أى شيء ندعو الناس)<br />
<br />
ويقول: " بهذه المشاعر الثلاثة: الإيمان بعظمة الرسالة، والاعتزاز باعتناقها، والأمل فى تأييد الله إياها، أحياها الراعى الأول صلى الله عليه وسلم فى قلوب المؤمنين من صحابته بإذن الله" ( رسالة دعوتنا فى طور جديد ).<br />
<br />
10. " ثم بين الله تبارك وتعالى أن المؤمن فى سبيل هذه الغاية قد باع لله نفسه وماله، فليس له فيها شيء، وإنما هى وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس: '''{ إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ }''' [ التوبة: 111]، ومن ذلك نرى أن المسلم يجعل دنياه وقفاً على دعوته، ليكسب آخرته جزاء تضحيته، ومن هنا كان الفاتح المسلم أستاذاّ يتصف بكل ما يجب أن يتحلى به الأستاذ من: نور وهداية ورحمة ورأفة، وكان الفتح الإسلامى فتح تدين وتحضير وإرشاد وتعليم، وأين هذا مما يقوم به الاستعمار الغربى الآن ؟! " {رسالة إلى أى شيء ندعو الناس)<br />
<br />
<br />
== سنة التدافع ==<br />
<br />
المنهج الإسلامى وما ينبنى عليه من حضارة إسلامية، لا يحمل فى مبادئه الاعتداء على الآخرين أو الغلبة والقهر لأحد، أو سيطرة جنس على آخر أو إشعال الصراع والحرب، وإنما الأصل أن الأمة الإسلامية صاحبة رسالة تشرحها وتوضحها دعوة وتطبيقاً لكل العالم، وهى دعوة إيجابية تواجه كل صور الظلم والاستبداد لتزيله من حياة البشر أياً كان، وكذلك تواجه المعوقات التى تمنع وصول دعوتها للعالمين وتزيلها حتى لو لزم الأمر استخدام القوة.<br />
<br />
اما الصور والنماذج الأخرى من الدول والإمبراطوريات أو الأشكال المختلفة من الحضارات الإنسانية الخارجة عن نطاق رسالة الإسلام فكان منهجها قائم على السيطرة والصراع وعصبية الجنس والحروب وكان منهجها تجاه حضارة الإسلام أو من يمثلها هو الحرب والإقصاء ومحاولة القضاء عليها.<br />
<br />
وهذا الأمر حقيقة تاريخية وواقع تحدثت عنه آيات القرآنية ورأينها فى قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم عندما جاءتهم دعوة الإسلام، ولهذا كان على أمة الإسلام أن تدفع هذا العدوان وتدفع هذا الظلم، وأن يكون لها موقفاً فاصلاً حاسماً مع الباطل، تراعى فى ذلك مبادئ وقيم رسالتها، وتحذر كل صور الظلم وتجتهد فى إقامة الحق والعدل. '''{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا }''' [ الحج : 40]،''' { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }''' [ الحج : 41] لهذا كانت هناك " سنة التدافع" التى قررها الله فى الأرض وأصبحت تكليفاً لكل المؤمنين جهاداً خالصاً فى سبيله أن يدفعوا عدوان الباطل ويتصدوا له مهما كانت إمكانياتهم وأن الله على نصرهم لقدير.<br />
<br />
وهذا العدوان من الباطل ليس خيالاً أو توهماً وإنما هو أمر واقع وسلوك ضمنى ينبع من الطبيعة البشرية، ومن المنهج الذى تدين به ومن الاعتراض على دعوة الإٍسلام، وبدون هذا التدافع البشرى المؤيد بالرعاية الربانية، لكان حال الأرض إلى الفساد والهلاك وغلبة الباطل عليها.<br />
<br />
وهذا التدافع والجهاد له سنن وقوانين يجب على أهل الحق التزامها والتمسك بها وقد وضحتها كذلك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعرف هذا بسنن التمكين فى الأرض.<br />
<br />
'''ونظرة الإسلام فى تعامل دولته وأمته مع الدول والأمم الأخرى تقوم أساساً على :'''<br />
<br />
1) الدعوة وإبلاغ رسالة الإسلام للجميع.<br />
<br />
2) تشجيع التعاون والتعارف فيما فيه خير الإنسانية وفق قيم العدل والمعانى السامية، وبما يحقق سعادة وسلام الإنسانية .<br />
<br />
3) المعاملة بالمثل، فمن اعتدى عليها واجهته وردت عدوانه، ومن سالمها سالمته، بما يحفظ لأمتها العزة والكرامة.<br />
<br />
والحضارة الإسلامية يتسع صدرها لكل شعوب العالم وحضاراته وقيمه الخاصة به، وحقه فى أن يعتز كل منها بقوميته دون اعتداء على الآخرين. وهى تزن رصيد وتراث وحضارات هذه الأمم بميزان الإسلام وقيمه، فما وافق منها مبادئ الإسلام أقرته، وما خالفها أوضحت رأيها فيه، وهى تأخذ بالنافع المفيد مما فيه عمران الأرض والكون وتستفيد من خبرات الآخرين، وتصبغه بالصبغة الإسلامية، وتوجهه التوجيه النافع الصالح لها وللبشرية.<br />
<br />
وأمة الإسلام تدرك سُنّة التدافع فى الكون، وأنه لابد للحق من دعاة يحملونه وأمة تتبناه وتقر مبادئه، وتؤمن له الحرية والحماية وتدفع الاعتداء والظلم فى الأرض.<br />
<br />
<br />
== صراع الحضارات، والمقصود من الحوار ==<br />
<br />
'''نحدد أولا ما المقصود بهذا الصراع، وما هى أبعاده؟'''<br />
<br />
فهناك مثلاً صراع المبادئ والقيم، وإذا كان هذا أمر وارد بين اجتهادات البشر فالأصل فيه هو الحوار والجدال ولكن بعض الدول تتبنى منطق السيف والقهر لإظهار وسيطرة مبادئها وإرغام الناس عليها.<br />
<br />
وإذا نقلنا الحديث عن الإسلام بقيمه ومبادئه وعن النماذج البشرية الأخرى بقيمها المنحرفة عنه، فالأصل عند الإسلام هو {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ } [ النحل: 16] وما كان الجهاد والسيف إلا لدفع الاعتداء، أو لإزالة الظلم والمعوقات التى تحول بين الإنسان ووصول دعوة الإسلام إليه، ولتأييد وحماية حركة الدعوة ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.<br />
<br />
لكن الواقع التاريخى أن الباطل وقيمه المنحرفة عن قيم الإسلام، لا يحتمل هذه المواجهة الفكرية ولا يصمد أمامها فكان يلجأ للعنف والتعذيب والقتل والنفى لمواجهة هذه الدعوة .<br />
<br />
إن الحضارة والفلسفة الغربية ما زالت تقوم على فكرة صراع الحضارات واستهدافها، إخضاع وقهر الدول والحضارات الأخرى وسيطرة الجنس الغربى على العالم كله، بل ومع طبيعتها تلك يوجد صراعات أخرى داخلية فيما بينها لا تكف عنها حيث هناك من يستفيد من آلة الحرب، ويستغل هذه الفلسفة، وقد يأخذ الصراع صوراً أقل حدة من الحرب المباشرة إلى صراع المشروعات وتقاطع المصالح.<br />
<br />
والإسلام يرحب بأى دعوة للحوار لعرض مبادئه وقيمه وإظهار سموها، فهى من عند رب العالمين، وكذلك يرحب أن نتعاون فى إطار القيم المشتركة المتفق عليها وما فيه من صالح العدل ورقى البشرية وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستجابة لمبادئ حلف الفضول الذى فيه نصرة للضعيف ومنع للظلم.<br />
<br />
لكن أن يكون معنى الحوار وهدفه أن يتنازل الإسلام قليلاً عن بعض مبادئه لنلتقى فى منتصف الطريق، فهذا خروج على الحق وخروج على رسالة الإسلام وليس بحوار وتعاون، أو أن تكون الدعوة إلى الحوار وإشاعة الودّ فى ناحية، ومن ناحية أخرى يقوم بالظلم والاضطهاد والاغتصاب لحقوق المسلمين وبلادهم ولا يحرك ساكناً تجاه ذلك، فهذه دعوة للتخاذل والتسليم، وازدواجية فى المقاييس والمواقف، ولعب بالعقول واستهزاء بالحقوق.<br />
<br />
إن الحوار لابد أن يقوم على أسس واضحة من الحق والعدل الذى لا يتجزأ ومن الموقف الواضح العملى من أى ظلم واعتداء.<br />
<br />
وهناك صورة من الصراع ليس من أجل القيم والمبادئ ولكن من أجل المصالح والسلطان وامتلاك القوة، وهذا نراه كثيراً بين الدول وبعضها البعض، وإذا كان فى حق أمة الإسلام فقد جمع الأمر بين النموذجين صراع الباطل ضد القيم والحضارة الإسلامية، وصراع دولة للهيمنة والسيطرة على بلاد المسلمين ومقدراتهم.<br />
<br />
فكيف يكون الحوار بين أمة الإسلام وهذه الدول المعتدية عليها، إنه لابد أولاً من أن توقف عدوانها أو تمتنع عن مساندة هذا العدوان، وأن ترد كل ما أخذته وتعوض عما اقترفته ثم يأتى بعد ذلك الحوار والتفاهم لإقرار العلاقات وصور التعاون، أما حوار السيطرة والقهر والظلم فهذا مرفوض فى كل منطق ويأباه كل حر.<br />
<br />
فهذه الحرب من ناحيتهم هى صراع وعدوان ومن ناحية الأمة الإسلامية هو دفع ورد للعدوان فموقف الأمة الإسلامية من صراع الحضارات أنه صراع مصطنع من حملة الباطل وقوى الظلم والاستبداد، وهى تدعو إلى استبداله بالاتفاق على القيم والمثل الإنسانية وأن تكون حضارة الإنسان منطلقها الإيمان والأخلاق وألا نعبد إلا الله، وأن تقوم حضارة الإسلام التى تحمل نموذج الهداية المستمد من الشريعة الربانية بدورها فى الدعوة والوصول بالإنسانية إلى الرقى الحضارى الإيمانى.<br />
<br />
<br />
== خاتمة ==<br />
<br />
والقوى التى تواجه الأمة الإسلامية فى هذا الصراع أو ذلك التدافع فصّل لنا القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيعتها ومراحله، وأنه محاولة لمواجهة نور الحق، ومنهج الإسلام ومن يحمله، وأنه لا محالة سيكون الباطل مهزوماً بوعد الله وقدره لكن علينا أن نأخذ نحن بأسباب الثبات والنصر التى قدرها الله إذا أردنا أن نكون من أهل الحق بصدق '''{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }''' [ الإسراء : 81] لكن هذا الصراع العنيف لا يجعل أمة الإسلام تشتط أو تتجاوز أو تظلم وتعتدى ''{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ }'' [ المائدة : 8] <br />
<br />
ويأتى هذا التدافع فيميز الله به الخبيث من الطيب، ومن خلاله تترسخ قيم الحق والعدل فى مواجهة قيم الباطل فى الأرض .. يبدأ الصراع وأهل الحق قلة مستضعفة قليلة فى الوسائل والإمكانيات، وتتحمل الكثير من الجهد والتضحيات، ويجرى عليهم اختبار الزمن وتمر عليهم أنواع الفتن والابتلاءات ، لكى يتم تمحيص الإيمان وتحقيق الصدق والتجرد الكامل لله ، ومع استفراغ الجهد البشرى تتأخر عنهم النتيجة '''( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ )'''(البقرة: من الآية214) '''(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا )'''(يوسف: من الآية110) فيكون عليهم الثبات والصبر ، متعلقة قلوبهم بالله وليس بالنتيجة أو بمدة معينة فيأتيهم نصر الله بالأسباب التى يقدرها وفى التوقيت والصورة التى تقتضيها حكمته فلا يظن أحد منهم أنه حقق النصر بفضل مجهوده البشرى أو نتيجة لخطته المحكمة ، وعلى الجانب الآخر تجد أمامها أهل الباطل كثرة متفوقة فى كل الوسائل المادية، ويبذلون أقصى الجهد عندهم، ورغم هذا لا ينجحون فى القضاء على الحق أو ينتصرون فى النهاية ليدركوا أن هزيمتهم لم تكن للتقصير فى الجهد الذى بذلوه وإنما لأنهم باطل فى ذاته وأن ترك الله لهم إلى حين هو إمهال لهم ليريهم قدرة الله ومشيئته المطلقة وتدبيره المحكم .<br />
<br />
'''{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [ الأنفال: 36]'''<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف :روابط محمد عبد الرحمن]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9_%D8%A3%D9%85_%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA_(1-2)&diff=642856سنة التدافع أم صراع الحضارات (1-2)2012-02-18T15:47:18Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center> سنة التدافع أم صراع الحضارات (1-2)</center>'''<br />
<br />
'''بقلم : د. [[محمد عبدالرحمن]] ... عضو مكتب الإرشاد'''<br />
<br />
<br />
== تعريف الحضارة ==<br />
[[ملف:الدكتور محمد عبدالرحمن.jpg|تصغير|200بك|<center>'''د. [[محمد عبدالرحمن]]'''</center>]]<br />
'''لغوياً''': الإقامة فى الحضر مقابل البداوة (وهى سكنى البادية) <br />
<br />
'''وفى اصطلاح العلماء''' تطلق على مظاهر الرقى الإنسانى فى كافة نواحيه: العقلية والروحية والأخلاقية والأدبية والمادية (أى الدينية والدنيوية) .<br />
<br />
وهى تشمل عندما تطلق تسميتها – الحضارات الإنسانية – التراث الإنسان كله وعلاقته بالكون وما وصل إليه من علم وعمل وإنتاج فى جميع الميادين وعندما نخصصها بأمة من الأمم، فانها تعنى تراث هذه الأمة وما يميزها عن غيرها من الأمم كالرومانية والأغريقية والفرعونية..الخ.<br />
<br />
أمام التقدم العلمى المجرد وما ينتج عنه من منافع فليس بمفرده يمثل حضارة وإنما هو استفادة من القوانين التى خلقها وأودعها الله هذا الكون.<br />
<br />
'''وبالتالى نستطيع أن نعرّف الحضارة أنها التفاعل الناتج لثلاث محاور أساسية هى:'''<br />
<br />
1. مقدار ما تحوزه من قيم ومبادئ أساسية، وكلما زاد مقدار هذه القيم واتساعها وشمولها كلما كانت الحضارة قوية مزدهرة تحمل عوامل الاستقرار .<br />
<br />
2. مقدار التطبيق العملى لهذه القيم التى تحوزها، وتمسك أهلها بذلك جيلاً بعد جيل.<br />
<br />
3. مدى استخدام التعمير الكونى الذى وصل إليه الجهد البشرى، لفائدة الإنسان وسعادته.<br />
<br />
وبالتالى تكون هناك حضارات فاسدة تستغل القوة المادية فى السيطرة والظلم، فقيرة فى القيم والمبادئ، لا تلبث أن تنهار .. مثل حضارة قوم عاد وثمود، حيث تفتقر إلى باقى العناصر الأساسية لمفهوم الحضارة وهذا الجهد البشرى فى تعمير الأرض واكتشاف ما أودعه الله فيها من قوانين وإمكانيات مسخرة للإنسان ، يختلف من عصر إلى آخر حسب التطور العلمى والرصيد الإنسانى فى هذا المجال.<br />
<br />
فإذا كان توجيهه لصالح البشرية وسعادة الإنسان، فإنه يعتبر تعميراً إيجابياً ومؤشراً من مؤشرات استقرار الحضارة وازدهارها.<br />
<br />
وإذا تم توجيهه لغير ذلك من انحراف فى السلوك الإنسانى أو التعدى على باقى البشر كان تعميراً سلبياً يؤدى إلى الشقاء.<br />
<br />
فقد يوجد التقدم المادى ويوجد معه التخلف الحضارى الروحى والإنسانى، و يصبح الإنسان متأخراً رغم ما يمتلكه من مظاهر التقدم العلمى، بل قد يكون هذا التقدم الفائق سبباً فى غروره وارتكاسه وانهيار تقدمه المادى كله، وهذا ما نشاهده فى الحضارة الغربية الآن.<br />
<br />
<br />
== الحضارة الإسلامية ==<br />
<br />
هى الحضارة التى قامت وفق المنهج الإسلامى ومبادئه وقادها ووجهها الأنبياء والرسل، عبر التاريخ البشرى.<br />
<br />
'''وقد يقصد بها فى الحديث أحد أمرين:'''<br />
<br />
1. إما مجموعة القيم والمبادئ التى تقوم عليها وتوجه البشرية للأخذ بها، وبالتالى فإنه فى هذا التحديد ، تمثل قيم الإسلام ومنهجه الذى أنزله رب العالمين قمة الحضارة وكمال الإنسانية وذروة الرقى الذى تنشده البشرية، لا يماثلها فيه أىّ منهج أو يشترك معها فيه أىّ دعوة أرضية أخرى، وما كان من بعض القيم فى الدعوات والحضارات الأرضية الأخرى، فهو من تأثير الحضارة الإسلامية وقيمها عبر التاريخ البشرى... فهى – أى الحضارة الإسلامية – هى الحضارة الحقة لا يشاركها فى هذا الأمر شيء آخر.<br />
<br />
2. أو نقصد بها المعنى التطبيقى البشرى للحضارة، أى نتاج التطبيق العملى لأمة الإسلام لهذا المنهج الربانى، ومدى تنفيذها وتمثلها له.<br />
<br />
وبمقدار تطبيقها والتزامها فهماً وعملاً ودعوة وحركة، يكون اقترابها من هذا النموذج الحضارى الكامل.<br />
<br />
ولهذا يمثل تاريخ الحضارة الإسلامية عبر عصوره المختلفة الجهد البشرى الذى تم فى هذا الميدان، ومدى تفاوته بين الضعف والقوة وبين الاستقامة والانحراف ، كما يمثل النموذج العملى للتطبيق فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، النموذج البشرى القدوة فى هذا الأمر، وبالتالى نستطيع بهذا الميزان أن نقيّم هذا التطبيق وأن نطور فيه وأن نراجع جوانب القصور والضعف.<br />
وقد قدر الله عز وجل عوامل يقوم عليها ثبات واستقرار او انهيار وتراجع تلك الحضارات البشرية، وهذه القواعد مجردة لا تجامل أحداً حتى لو انتسب إلى الإسلام.<br />
<br />
<br />
== من سمات الحضارة الإسلامية ومقوماتها ==<br />
<br />
أنها ذات صبغة ربانية ، إنسانية، عالمية، فمرجعيتها ومبادئها تستمدها من المنهج والدين الذى أنزله رب العالمين ، وليس من طائفة من البشر، يعتريها القصور والتحيز البشرى، وكذلك من سماتها هذا البعد الإنسانى الذى يعتمد على الجهد البشرى ، والقواعد التى تنظمه والاحتياجات المتوازنة التى يتطلبها، والبعد العالمى فهى حضارة ليست خاصة بجنس دون آخر أو بمكان أو زمن محدود بل هى ممتدة شاملة عالمية الانتشار والاتساع، وهى تقوم بذلك على الاتساق الفطرى داخل الإنسان ومتطلباته وكذلك الاتساق بين الإنسان والكون، وتعتمد فى التطبيق أساساً على الإيمان بالله ومراقبته وتزكية النفس البشرية بجانب القوانين والقواعد الأخرى.<br />
<br />
'''ومن مقوماتها:'''<br />
<br />
1. الإيمان بالله واللجوء والمرجعية إليه وإلى منهجه القويم.<br />
<br />
2. العلم وتعمير الكون وتوظيفه الإيجابى.<br />
<br />
3. العمل الصالح والتعاون عليه.<br />
<br />
4. إقامة العدل وثبات الموازين.<br />
<br />
5. الحرية المنضبطة بالحقوق والواجبات.<br />
<br />
6. التأكيد على التعاون والتعارف الإنسانى.<br />
<br />
7. تلبية الضرورات الإنسانية من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والارتقاء بها وتحسينها وتكميلها بما يناسب كل عصر.<br />
<br />
والحضارة الإسلامية مع أنها عالمية وشاملة، إلا أنها لا تلغى خصوصية كل أمة داخلة تحت لوائها واعتزازها بتاريخها وإنجازاتها ، لكن كل هذا يصب فى الإطار العام لوحدة الأمة الإسلامية وحملها لرسالتها العالمية وللقيم ا لإسلامية العامة.<br />
<br />
<br />
== الفرق بين الأخلاق والقيم الإسلامية والأخلاق الإنسانية العامة ==<br />
<br />
من آثار قيام الحضارة الإسلامية منذ فجر التاريخ، كانت هذه القيم التى تعرف عليها الإنسان، ورغم ابتعاده عن الحضارة الإسلامية، أو غياب النموذج التطبيقى لها فى فترات من التاريخ، إلا أنه أصبح هناك قيم إنسانية مشتركة تتفق مع الفطرة السوية مثل العدل – المساواة – الشجاعة – الوفاء – الصدق .. الخ.<br />
<br />
'''وكان هذا من إيجابيات وتأثير التطبيق البشرى فى الحضارة الإسلامية ومع أن القيم الإنسانية المشتركة هذه واحدة فى أصلها، إلا أن الأخذ البشرى لها فى المنظور الإسلامى يختلف عن الأخذ الإنسانى العادى لها، فى بعض الجوانب الهامة:'''<br />
<br />
1. ففى منظومة الأخلاق الإسلامية، يجعل لها مرجعية ثابتة لا تتغير بتغير الأحوال والظروف والمصالح، وهذه التقوى والمراقبة لرب العالمين لها أثرها على الضمير وتذكية النفس.<br />
<br />
2. أنه يتسع فى معناها ومجالها ولا يأخذ بجانب واحد من مظهرها ويترك الجوانب الأخرى ، فنجد مثلاُ الجندى شجاعا فى الحرب لكنه ضعيف أمام المتغيرات وهوى النفس، فى المناهج الأخرى .<br />
<br />
3. أنه يعمق من أبعادها فى النفس فلا تتأثر أو تهتز بالمؤثرات والضغوط الخارجية.<br />
<br />
4. أنه لا يخص فى ممارستها جنساً دون آخر، ولكنها أخلاق ثابتة مع الجميع وفى كل الأحوال.<br />
<br />
5. أنها تتوازن مع باقى الأخلاقيات ، ومع باقى الجوانب والمتطلبات البشرية ا لأخرى لأنها صادرة عن منهج متكامل من وضع رب العالمين وهو سبحانه العليم الخبير.<br />
<br />
ولذا فإن أصحاب الرصيد من الأخلاق الإنسانية العامة هم أقرب الناس للتمثل بأخلاق الإسلام والإيمان برسالته يقول صلى الله عليه وسلم "خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا" لأن معدنه وجوهره الصالح هذا يزداد صلاحاً وقوة ونفعاً فى ظل الإسلام وعقيدته.<br />
<br />
وكما ذكرنا فإن اجتهاد الإنسان وسعيه فى الأرض والكون، تحكمه موازين عامة لا تختص بفئة دون فئة أو منهج دون منهج، ومن أخذ بها وصل لنتيجتها وثمرتها لكن هذه النتيجة تكون على أصل القيم والمبادئ السائدة لهذه الفئة وهى تصبغها بروحها وفلسفتها.<br />
<br />
وبالتالى فإن قيم وأخلاقيات الإسلام تعالج الآثار السلبية وتهذب من طبيعة الإنسان التى تميل للسيطرة والاستغلال والأنانية.<br />
<br />
وبالتالى هناك فرق كبير بين النموذج البشرى لإقامة الحضارة الإسلامية وبين النماذج البشرية الأخرى التى لا تؤمن بهذه الرسالة.<br />
<br />
فرق فى المنطلق والصبغة والأهداف فرق فى الاستمرارية ، فرق فى تلبية جميع حوائج الإنسان وتحقيق التوازن النفسى والروحى والمادى فلا يطغى جانب على جانب، فالمنهج الإسلامى يسمو بها ويحقق التوازن ويوسع من دائرتها فى النفس ويربطها بأصلها ويوظفها فى التطبيق لتكون فى كل الأحوال فهم قد يعدلون مع أشخاصهم لكن يظلمون الشعوب الأخرى، وتجعل من الضمير البشرى حارساً عليها – قبل القانون لأنه يستمد ذلك من تقوى الله ومراقبته.<br />
<br />
<br />
== أسباب انهيار الحضارات ==<br />
<br />
وهى قواعد وأسس مجردة، لا تجامل أحداً أو تحابى حضارة على أخرى، ويكون الوزن النسبى لاستمرارها وقوتها بمقدار ما لديها من قيم وأخلاق إنسانية متمسكة بها وكذلك من إقامة ميزان العدل والمساواة، ورسوخ القيم الإيجابية ومبدأ التناصح ووحدة المجتمع وتكافله فى هذا وقد كان أحد أسباب هلاك بنى إسرائيل أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.، ويقول الإمام ابن القيم "إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة على الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة" ويقول "والصبر منصور أبدا فإن كان صاحبه محقا كانت له العاقبة وإن كان غير ذلك فبحسب ما معه من الحق" (إعلام الموقعين)<br />
<br />
'''وبالتالى نستطيع أن نشير إلى أهم هذه الأسباب:'''<br />
<br />
1. غياب ميزن العدل والقسط " إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد" ﴿''' وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾''' [ الأنبياء: 11] <br />
<br />
2. غياب صوت الإصلاح المؤثر فى المجتمع فى مواجهة الفساد والانحراف ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ١١٧﴾ [ هود : 117] <br />
<br />
3. ترف شريحة النخبة وفسادها وفسقها '''﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾''' [ الإسراء : 16] ،''' ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾''' [ القصص: 85] <br />
<br />
4. انحدار رصيد الأخلاق الحميدة بين أفراد المجتمع ، أو ضعف الرصيد الأخلاقى عن تلك الحضارة وظهور الصراع الداخلى بين أفرادها .<br />
<br />
5. غلبة مساحة الظلم والإفساد فى الأرض على مساحة الإصلاح.<br />
<br />
بالإضافة إلى موقف الكافرين من الأنبياء والرسل وما جاءوا به { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34] {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ }[ الشعراء: 208] فكان هذا سببا لهلاكهم وقد صاحب موقفهم وتكذيبهم للرسل، صوراً مختلفة للظلم والتعدى والإفساد فى الأرض.<br />
<br />
== <br />
واقع الحضارة الإسلامية ==<br />
<br />
تكلمنا سابقاً عن الحضارة الإسلامية كقيم ومبادئ، ونشير هنا إلى الحضارة الإسلامية كواقع فى التطبيق ومدى تحقيق النموذج المتكامل، فبمقدار تطبيق المجتمعات الإسلامية مبادئ وقيم ورسالة الإسلام، وبمقدار أخذهم والتزامهم بهذه السنن والموازين التى قدرها الله فى الأرض، بمقدار تحقيقهم للمستوى الحضارى المطلوب، وكان هذا هو واقع تاريخ الأمة الإسلامية من ازدهار وتراجع لحضارتها عندما خالفت هذه الأسس.<br />
<br />
وعوامل التراجع هذه فى تاريخ الأمة، كان سببها الرئيسى التفريط فى السنن والعوامل الداخلية وعدم الالتزام بالمنهج والرسالة فى المجتمعات الإسلامية، أما العامل الخارجى من الأعداء والضغوط المختلفة فلم يكن هو العامل الحاسم لهذا التراجع والانهيار، وإنما كان عاملاً مساعداً كشف عن جوانب الخلل، وساعد على هذا التراجع الشديد ..<br />
<br />
'''نوجز الأسباب الرئيسية للتراجع الحضارى للأمة الإسلامية فى الآتى:'''<br />
<br />
1. ترك رسالتها العالمية والجهاد فى سبيلها، <br />
<br />
2. وإقامة منهج الإسلام وشريعته الإقامة الصحيحة .<br />
<br />
3. التنازع فيما بينها وتمزق وحدتها واجتماع كلمتها .<br />
<br />
4. الركون إلى الدنيا والترف بما يحمله من آثار ضارة و (حب الدنيا وكراهية الموت).<br />
<br />
5. التأخر العملى فى الأخذ بكل أسباب القوة والتخلف التكنولوجى وعدم امتلاك أسباب القوة فى كل مجالاتها (غثاء كغثاء السيل )<br />
<br />
هذا بالإضافة إلى سريان سنن وقوانين الله فى تقدم وانهيار الحضارة عليها.<br />
<br />
ومع هذا الواقع نجد أن مرحلة النهوض واليقظة قد بدأت بما تحتاجه من إحياء تلك المبادئ والتطور والتجديد بما يحافظ على الأصالة والهوية وبما يناسب أسلوب ولغة العصر الحديث وبما يغطى متطلبات تلك النهضة الحضارية ويكافئ تحدياتها.<br />
<br />
ولهذا الأمر الهام وضع الإمام الشهيد حسن البنا، أسس النهضة والمشروع الحضارى للأمة الإسلامية كلها وفق أهداف وخطوات ومراحل ثابتة ومتدرجة ليأتى من بعده، فيعمل فى التفاصيل ويترجم المنهج – والذى استمده الإمام من رسالة الإسلام و هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى خطوات عملية تسير بها إلى نهاية الشوط.<br />
<br />
وبالتالى هو المشروع الإسلامى الشامل الوسطى الذى يحوز اتفاق الأمة، التى ليس لها أن تتشتت ويظهر لها كل فترة مشروعاً آخر يتناول جزئية من الجزئيات أو يبدأ معها من الصفر أو يعمل منفرداً أو متباعداً أو متعارضاً مع هذا المشروع الكامل المستمر بقوة ويتقدم بثبات رغم كل المعوقات، وهو فى مبادئه وأصوله وأهدافه لا يرتبط بشخص الإمام بل يرتبط أساساً بمنهج الإسلام الذى وضحه وبلوره وأيقظ القلوب حوله ووضع الخطوات العملية لتطبيقه.<br />
<br />
وقد طرحه الإمام الشهيد على الأمة لمناقشته والتوافق عليه والمساهمة فيه، وبين فيه أسس اكتماله ومدى ارتكازه على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراعاته لسنن التمكين ومكافأته للواقع، والقدرة على تحويله إلى واقع عملى.<br />
<br />
يقول الإمام البنا " إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد غير ميدان الجهاد الخاطئ، يسهل على كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال، يستطاع تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضنى، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله " . ( رسالة المؤتمر الخامس )<br />
<br />
والواقع الذى تواجهه الأمة الإسلامية اليوم هو حرب حضارة من المشروع الغربى يستهدف منع أو إعاقة عودة الأمة الإسلامية لحضارتها ومكانتها العالمية لعلمهم اليقينى بانهيار حضارتهم وآثارها السيئة والتى فشلت فى إسعاد البشرية وعدم صمودها أمام التطبيق الصحيح للحضارة الإسلامية.<br />
<br />
ويدفعهم كذلك لهذه الرغبة، الهيمنة على مصادر القوة المتوافرة فى محيط الأمة الإسلامية، وكذلك لفرض واقعهم الحضارى حتى تصبح هذه المجتمعات الإسلامية تابعة لهم خاضعة لهويتهم وأفكارهم وسلوكياتهم وسياستهم.<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]<br />
[[تصنيف :روابط محمد عبد الرحمن]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A9_%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%84%D8%A9&diff=642855سميرة عواطلة2012-02-18T15:41:14Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>سميرة عواطلة".. أم المجاهدات في بيشاور<br />
بقلم: مريم السيد هنداوي<br />
<br />
<br />
لقد نظر الإسلام للمرأة على أنها مستخلفة شأنها شأن الرجل في كون الله، وأنها مسؤولة في حدود طبيعتها وإمكاناتها وقدراتها عن مجتمعها ونهضته واستقلاله، وهي منذ ميلادها حتى مماتها نموذج للجهاد الحي، خاصة إذا كانت حياتها لله، وسعياً في مرضاته.<br />
<br />
== نشأة وسط الأهوال ==<br />
<br />
ولدت "سميرة عواطلة" في عام 1948م في "سيلة الحارثية" بفلسطين، في منزل شقيقة الشهيد عبدالله عزام، حيث ارتبطت الأسرتان مع بعضهما البعض من قديم الزمان.<br />
<br />
ونشأت الفتاة وسط صوت الرصاص، وصراخ الأطفال، ووسط مذابح اليهود في حق الفلسطينيين العزل..<br />
كانت أسرتها قبل ميلادها قد انتقلت من حيفا إلى "سيلة الحارثية" بعد نكبة 1948م وانسحاب الجيوش العربية، وترك الفلسطينيين العزل لمواجهة العصابات الصهيونية التي ارتكبت في حقهم أبشع الجرائم في دير ياسين، واستقرت الأسرة مع عائلة الشهيد حيث ولدت..<br />
<br />
وكان الشهيد وقتها عمره ثماني سنوات، ثم انتقلت مع والديها إلى طولكرم، ونشأت في أحضان أسرة عرفت الله، وعدم الاستسلام والخنوع للعدو.<br />
<br />
== زواجها بالمجاهد الشهيد ==<br />
<br />
في عام 1964م تقدم الشهيد عزام لخطبتها، فوافقت ووافقت الأسرة عليه لمعرفتهم القديمة بخلقه، وتم البناء في عام 1965م، وانتقلت إلى بيت زوجها لتعيش مرحلة أخرى ثرية من حياتها.<br />
<br />
وفى ذلك تقول: "هناك علاقات قوية بين أسرتينا، ونحن من عرب 1948م، وهناك نسب ومصاهرة بين عائلتينا، ثم هاجرنا إلى جنين، وولدت في منزل شقيقة الشيخ عبدالله، وكان عمره آنذاك 8سنوات، ثم رحلنا إلى طولكرم، وسبحان الله ابتُعث هو إلى نفس بلدتي للدراسة، وجاء لزيارتنا، وبعد ثلاثة أيام أرسل والده لطلب يدي وكان النصيب، وكان نعم الزوج في إنسانيته ورعايته لأطفاله، وربما يكون مثله في الدنيا آخرون، ولكن ليس في المعاني الإنسانية التي كان يتفرد بها، ووقعه في القلب أفضل مما في الدنيا".<br />
<br />
== جهاد مبكر ==<br />
<br />
لم يغفل عنها ولا عن زوجها كون بلادها قد احتلها عدو صهيوني أذاق شعبها الذل والهوان، فتفجرت طاقتها الجهادية لتكون عونًا لزوجها في جهاده ضد العدو.<br />
<br />
لقد عمل زوجها في بداية حياته مدرسًا ومرشدًا زراعيًّا، كما انتسب لكلية الشريعة بجامعة دمشق، وتعرف على الحركة الإسلامية فيها، وانخرط في صفوفها، وأخذ على عاتقه تربية الصغار والشباب على حب الإسلام الشامل الصحيح، وحب الجهاد لطرد العدو اليهودي..<br />
<br />
وكانت زوجته تشجعه على السير قدمًا على طريق الدعوة والجهاد، فتذكر أنه في بداية تعلمه الخطابة، كانت تجلس أمامه في البيت ليلقي عليها الخطبة.<br />
<br />
لم تكد تهنأ بالعيش مع زوجها حتى اجتاحت "إسرائيل" البلاد العربية بعد نكسة 1967م، وأذاقتهم الهوان في حرب غير متكافئة، والضحية كانت فلسطين التي سيطر عليها اليهود.<br />
<br />
على إثر ذلك انتقلت الزوجة مع زوجها للعيش في الأردن، وهناك عمل عزام على تنظيم وتدريب الشباب على جهاد العدو والمقاومة لتبدأ مرحلة الجهاد العملي، والتحق عزام بقواعد الشيوخ، وشاء الله أن يقوم بأفضل وأكبر العمليات الجهادية في فلسطين مثل الحزام الأخضر وبيسان وغيرها.<br />
<br />
في الوقت الذي كان يقوم فيه الشيخ المجاهد عبدالله عزام بهذه العمليات كانت تقوم هي بتربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة إسلامية صحيحة على حب الإسلام والجهاد، ولم تكن مقتصرة في ذلك على أولادها، بل كانت تبث روح التربية السليمة في نفوس أطفال المجاهدين، وتخبرهم وتشرح لهم الدور العظيم الذي يقوم به آباؤهم.<br />
<br />
== أدركت طبيعة المرحلة ==<br />
<br />
لم يؤثر انشغال زوجها عليها أو على أبنائها حيث أدركت طبيعة المرحلة التي تعيشها في كنف مجاهد تتوقع استشهاده في أية لحظة، غير أنها في إحدى المرات قالت له: "يا عبد الله، أنت تترك أطفالك لمدة طويلة ولابد أن تعطيهم بعض الوقت، فكان جوابه عليها: إني لأرجو الله ألا يضيعهم"، ثم قال لها: "يا أم محمد جزاك الله عني وعن المسلمين خير الجزاء، لقد كنت خير عون لي على أن أنطلق في هذه المسيرة المباركة، وأن أعمل في ميدان الجهاد، ولولا الله ثم صبرك على غيابنا الطويل عن البيت ما استطعت أن أتحمل هذا العبء الثقيل وحدي".<br />
<br />
فكانت الزوجة تعمل على سد ثغرات غياب الزوج عن أبنائه وتذكرهم بالدور الذي يقوم به أبوهم.<br />
<br />
== الزوجان على خط النار ==<br />
<br />
اتصل عزام بالحركة الإسلامية بفلسطين، وكان أحد الذين وضعوا ميثاق حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث أُرسل له فوضع ملاحظاته وتعديلاته عليه، ولما وقعت فاجعة الأيام الست وسقطت الضفة الغربية هاجر إلى شرق الأردن حيث عمل بالتعليم، ثم انتدب للعمل بالسعودية، فمكث بها عامًا واحدًا، ثم عاد إلى الأردن، وواصل العمل الجهادي ضد اليهود انطلاقًا من الأردن، وأنشأ قاعدة جهادية هناك أسماها "قاعدة بيت المقدس"، حققت نجاحات كبيرة ضد اليهود، وقامت بعمليات فدائية جريئة في قلب الكيان الصهيوني.<br />
<br />
== من فلسطين إلى أفغانستان ==<br />
<br />
وبعد أحداث "أيلول الأسود" وخروج فصائل العمل الفدائي الجهادي من الأردن، عاد عبدالله عزام لمجال التدريس، وواصل دراسته حتى نال درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، ثم التحق بعدها بالعمل في جامعة الأردن، ولكنه بعد فترة فصل من الجامعة بسبب نشاطاته المعادية لليهود! فسافر إلى السعودية للعمل بها. لكن لم يلبث الاتحاد السوفييتي الشيوعي السابق أن اجتاح دولة أفغانستان المسلمة المسالمة الضعيفة، فما كان من الشهيد إلا أن اصطحب أهله واتجه للتدريس في الجامعة الإسلامية بباكستان، ليكون قريبًا من الجهاد الأفغاني، وأسس مكتب "الخدمات" عام 1984م النواة الأولى ل"القاعدة" لتكون مؤسسة إغاثية جهادية متخصصة بالعمل داخل أفغانستان ارتبطت باسمه، وكان هدفه توحيد المجاهدين العرب وصهرهم في بوتقة واحدة على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.<br />
<br />
في هذه الأثناء قامت الزوجة برعاية زوجات المجاهدين وتعريفهم بحقيقة الجهاد وما يدور على الساحة، كما كانت تقوم بالاطلاع على مشاكل المهاجرات الأفغانيات من الحرب؛ لأن طبيعة المخيمات كانت لا تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء، كما قامت مع بعض الأخوات بأعمال إغاثية مثل توزيع المساعدات على مستشفيات النساء ببيشاور، وكفالة الأيتام، وإنشاء معامل الخياطة، وتنظيم بعض الدروس والحلقات للأخوات العربيات والأفغانيات.<br />
<br />
تقول أم محمد: "كل من ذهب للجهاد الأفغاني كانت زوجته معه، وكانوا يتركون العوائل في بيشاور، وكنا جميعًا كعائلة واحدة. وكانوا ينظرون لي كأم لهن. وكان هناك تنسيق مباشر مع زوجات المجاهدين".<br />
استمرت مع زوجها وأبنائها فى بيشاور ما يقرب من ستة عشر عامًا من الجهاد، بعد أن وهبت نفسها وزوجها وأبناءها للذود عن الإسلام ومقدساته.<br />
<br />
== فراق واحتساب ==<br />
<br />
لم يقبل عبدالله عزام أن يسير معه ولو حارس واحد لحمايته رغم التهديدات التي كانت تصل إليه، وفى يوم 25 ربيع الآخر 1410ه 26 نوفمبر 1989م، دوى في بيشاور انفجار هائل، واسترقت الزوجة السمع لمعرفة أين حدث هذا الانفجار؟ فكانت الفاجعة حيث تم تفجير سيارة زوجها واثنين من أبنائه أثناء توجهه لصلاة الجمعة في مسجد "سبع الليل" فى بيشاور، حيث قامت المخابرات السوفييتية بالتعاون مع الصليبية العالمية بزرع شحنة ضخمة من المتفجرات في طريق سيارته وهو متجه للصلاة، وتحاملت الزوجة على جراحها وعادت مع باقي أبنائها إلى الأردن لتواصل مسيرة الشهيد.<br />
<br />
== الهوامش ==<br />
<br />
(1) صحيفة الشرق الأوسط، الجمعة 30 ربيع الأول 1427 ه 28 أبريل 2006 العدد (10013).<br />
(2) حوار لمجلة الوقت التركية.<br />
(3) عبد الله كمال: الرايات السود عبد الله عزام من الجهاد إلى الاغتيال (الأخيرة)، ميراث الشيخ الراحل.<br />
(4) مجلة هاجر العدد العاشر السنة الأولى 15 ذو الحجة 1411ه، يوليو 1991م.<br />
(6) موقع مفكرة الإسلام، باب من ذاكرة الأمة، بتاريخ السبت 25 من ربيع الثاني 1428هـ- 12 مايو 2007م<br />
<br />
<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9_%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9&diff=642850سلامة دستور الثورة2012-02-18T15:30:47Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>== سلامة دستور الثورة ==<br />
*[[القدس العربي: الفيل المصري بدأ في التحرك]]<br />
*[[واشنطن بوست: مظاهرات 25 يناير تشكل قلقا كبيرا لمبارك في الانتخابات الرئاسية]]<br />
*[[إذاعة عبرية:تجمع الآلاف في التحرير يعيد للأذهان خروج المصريين للمطالبة بمحاربة إسرائيل]]<br />
*[[الأمن يستخدم القنابل المسيلة للدموع ويعتقل ويسحل المئات عشوائيا في مظاهرات 26 يناير]]<br />
*[[عودة البرادعي]] <br />
*[[حرب شوارع حقيقية بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين في وسط البلد بالقاهرة ومقتل اثنين]]<br />
*[[السويس "تشتعل"..حرق مقر الحزب الوطني ومقر شرطة الأربعين وأنباء عن وفيات جديدة]]<br />
*[[الإخوان :النظام يستجدي أمريكا باتهامه لنا..ومرسي :الإخوان ستشارك في مظاهرات الجمعة]]<br />
*[[تابع تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" على الدستور الأصلي لحظة بلحظة]]<br />
*[[كلينتون: على الحكومة المصرية التحرك الآن إذا أردات تجنب مصير تونس]]<br />
*[[واشنطن:نساند حق المصريين في التعبير عن رأيهم وندعو للتعامل مع المظاهرات سلميا]]<br />
*[[تابع تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" على الدستور الأصلي لحظة بلحظة]]<br />
*[[تفريق مظاهرة التحرير بالقوة والمحتجون يصلون رمسيس ..ووفاة ثالث بالسويس]]<br />
*[[بالفيديو.. إبراهيم عيسى يشارك في مظاهرات يوم الغضب]]<br />
*[[المعتصمون في ميدان التحرير يرفعون 4 مطالب أهمها تنحي مبارك وحل البرلمان والحكومة]]<br />
*[[إسرائيل: ثلاثاء الغضب أكبر مظاهرة شعبية ينظمها المصريون للمرة الأولى ضد مبارك]]<br />
*[[رويترز: مقتل اثنين من المتظاهرين في السويس بعد إطلاق الرصاص الحي عليهم من الشرطة]]<br />
*[[الداخلية تتهم الإخوان بتحريض الجماهير على التظاهر]]<br />
*[[آلاف المصريين يعتصمون في قلب ميدان التحرير حتى اسقاط نظام مبارك]]<br />
*[[بالصور.. آلاف المصريين يتظاهرون في يوم الغضب]]<br />
*[[سليمان يكلف ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة]]<br />
*[[آلاف في ميدان التحرير يهتفون "يامبارك يامبارك.. السعودية في انتظارك" والأمن يشتبك بعنف]]<br />
*[[محتجون يغلقون طريق رفح- العريش.. ويشعلون النار في الإطارات]]<br />
*[[نائب جديد لرئيس حزب العمل.. واستكمال المكتبين السياسي والتنفيذي]]<br />
*[[بالمستندات..المتحدث باسم الكهرباء يرفض استلام إنذار يتهمه بسب رئيس المفاعلات النووية]]<br />
*[[تابع تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" على الدستور الأصلي لحظة بلحظة]]<br />
*[[الأمن المركزي يحتل شارع الثلاثيني في الإسماعيلية.. والاستعانة باتوبيسات نقل عام بالقليوبية]]<br />
*[[القوى الوطنية تدعو أهالي سيناء للتظاهر يوم 25 يناير]]<br />
*[[الداخلية تنذر حملة البرادعي والقوي المشاركة في 25 يناير بعدم التظاهر بدون تصريح]]<br />
*[[6 أبريل تحذر الداخلية من نتائج "غير متوقعة" في حالة الاعتداء على النشطاء يوم 25 يناير]]<br />
*[[نيويورك تايمز:موقف الإخوان من مظاهرة 25 يناير غير مبرر ويتماشي مع مؤيدي النظام]]<br />
*[[" الدفاع عن متظاهري مصر " تستعد لدعم المتظاهرين يوم الثلاثاء قانونيا]] <br />
*[[القليوبية تشارك في يوم الغضب 25 يناير بعدة مظاهرات]]<br />
*[[صحيفة أمريكية: مصر على أعتاب ثورة شاملة..والشباب الغاضب ينوى إسقاط نظام مبارك]]<br />
*[[شيخ السلفية بالإسكندرية يعتبر المشاركة في 25 يناير "نشرا للفتن"]]<br />
*[[الوطنية للتغيير تشارك فى تظاهرات يوم 25 يناير أمام مبنى الأمم المتحدة]]<br />
*[[أمن الدولة في القليوبية يستدعي مواطني الدول العربية ليحذرهم من مظاهرات 25 يناير]]<br />
*[[الإخوان:تعرضنا لتهديدات أمنية لعدم النزول للشارع ..والحسيني لن نمنع شبابنا من المشاركة]]<br />
*[[واشنطن بوست:كل المؤشرات تؤكد أن مبارك يقود مصر إلى كارثة..وأوباما يصر على الصمت]]<br />
*[[الكنيسة تدعو الاقباط لعدم المشاركة فى مظاهرة 25 يناير والإعتكاف للصلاة من أجل مصر]]<br />
*[[التجمع يدعو أعضاءه للمشاركة في مظاهرات 25 يناير..والسعيد:المشاركة بعيدا عن الحزب]]<br />
*[[بالفيديو ..والدة خالد سعيد : هاتوا حقكم وشاركوا في مظاهرات 25 يناير]]<br />
*[[الدستور الأصلي ينشر خريطة أماكن التظاهر في "جمعة الغضب"]]<br />
*[[لليوم الثالث.. سيناء والسويس تعيش ساعات ملتهبة:رصاص حي ومولوتوف وأر بي جي]]<br />
*[[البيت الابيض يعتقد ان الحكومة المصرية مستقرة ويؤكد مبارك صديق]]<br />
*[[البرادعي:أدعو إلي انتخابات رئاسية تديرها حكومة مؤقتة لا يترشح فيها مبارك أو ابنه]]<br />
*[[مرشد الإخوان يتهم النظام بإحداث الفوضي ويحذره من مصير بن علي وشاه إيران]]<br />
*[[مراسل CNN:شاهدت جمال مبارك في مقر"الوطني"ومسئول حزبي أخبرني:الوضع خطير]]<br />
*[[د.محمد البرادعي يكتب: أنزل إلى الشارع في القاهرة لأنه لم يعد هناك خيار أخر]]<br />
*[[البرادعي في طريقه للقاهرة:على مبارك أن يتقاعد]]<br />
*[[دايلي ميل: جمال مبارك سافر إلى لندن على طائرة خاصة بصحبة زوجته و100 حقيبة]]<br />
*[[مراسلون بلا حدود تدين حجب الحكومة لـ"الدستور الأصلى]]<br />
*[[العالم كله يرفض مبارك.. ويطالبه بالرحيل فورا]]<br />
*[[تابع تفاصيل اليوم العاشر للغضب "3 فبراير" لحظة بلحظة]]<br />
*[[نتنياهو: عدم ترشح مبارك لرئاسة مصر "يوم مأساوي" في تاريخ الشرق الأوسط]]<br />
*[[هدية مبارك للشعب قبل رحيله.. مجزرة في ميدان التحرير وتجهيز الأرض لحرب أهلية]]<br />
*[[مفاجأة:رئيس تسويق جوجل المختفي في القاهرة منذ الخميس هو أدمن جروب كلنا خالد سعيد]]<br />
*[[تعديل موعد حظر التجول ليصبح من الخامسة مساء حتى السابعة صباحا]]<br />
*[[تعديل موعد حظر التجول ليصبح من الخامسة مساء حتى السابعة صباحا]]<br />
*[[تابع ثورة المصريين لليوم التاسع "2 فبراير" لحظة بلحظة]]<br />
*[[المظاهرة المليونية 1 فبراير]]<br />
*[[ثالث أيام جمعة الغضب 30 يناير]]<br />
*[[ثاني أيام جمعة الغضب]]<br />
*[[جمعة الغضب]]<br />
*[[عشرات آلالاف يقضون ليلتهم في ميدان التحرير.. وتفاؤل كبير بالحسم في "جمعة الرحيل]]<br />
*[[التغيير فى محطة مبارك]]<br />
*[[مبارك لشبكة ABC:بعد 62 سنة خدمة أريد الرحيل عن الحكم لكني لن أفعل خوفا من الفوضى]]<br />
*[[د.محمد المهدي يكتب:ثورة جيل عربي مختلف(رؤية تحليلية لثورة الشباب العربي ضدالهوان]]<br />
*[[اشتباكات ميدان التحرير تتجدد بعد "مذبحة الأربعاء".. والمتظاهرون يحتشدون لجمعة الرحيل]]<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A:_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D9%88%D8%A7_%D8%A8%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A&diff=642846سعد الحسيني: الإخوان شاركوا بفعالية في الحوار الوطني2012-02-18T15:26:14Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>'''<center>[[سعد الحسيني]]: [[الإخوان]] شاركوا بفعالية في الحوار الوطني </center>'''<br />
<br />
[[ملف:اخبار3062011.jpg|center|350px]]'''<center>د. عمرو حمزاوي يصافح د. بشر وم. الحسيني ود. البلتاجي</center>'''<br />
<br />
<br />
كتب- '''عبد الرحمن عكيلة''':<br />
<br />
أكد المهندس [[سعد الحسيني]]، عضو [[مكتب الإرشاد]] بجماعة [[الإخوان المسلمين]] وعضو الوفد المشارك عن الجماعة في جلسات الحوار الوطني، أن ممثلي الجماعة شاركوا بكل كفاءة وقوة في كل المحاور وكل الجلسات، وتم تقديم العديد من الأوراق والرؤى والتجارب العملية التي يرجون أن يُستفَاد بها، مشيرًا إلى أن الجلسات كان بها بعض الجوانب الإيجابية وأخرى سلبية.<br />
<br />
<br />
[[ملف:اخبار3132011.jpg|left|220px]]<br />
<br />
م. [[سعد الحسيني]] ود. البلتاجي وحوار مع إحدى المشاركات<br />
وأضاف لــ([[إخوان]] أون لان) أن [[الإخوان]] مع مبدأ الحوار حتى تتحقق المصلحة الوطنية، مبديًا استياءه من بعض الأخطاء التي حدثت أثناء الحوار ومنها تجاهل بعض المشاركات وتعمد عدم إعطاء [[الإخوان]] فرصة لعرضها حتى النهاية، وعدم تنظيم الحوار بشكل جيد، وارتباك منهجية المؤتمر وعدم التزام الغالبية بآداب الحوار.<br />
<br />
[[ملف:اخبار3122011.jpg|left|220px]]<br />
<br />
وأشار إلى أنه قد تم الاتفاق على ألا يكون هناك توصيات؛ إلا أننا فوجئنا بعرض العديد من التوصيات والتي تم بعضها بشكل ديمقراطي كما في لجنة حقوق الإنسان؛ إلا أنه تمت التوصيات بشكل انفرادي في لجنة التنمية البشرية وخرجت معبرةً فقط عن مدير الحوار.<br />
<br />
وشدد الدكتور [[فريد إسماعيل]]، عضو الكتلة البرلمانية [[للإخوان المسلمين]] في برلمان [[2005]]م، على أن [[الإخوان]] يدعمون أية مشاركة شعبية ووطنية إذا كانت ستنتهي إلى توصيات محددة تفيد الأمة وتعبِّر عنها، أما إذا كان الحوار يسير على الشكل القديم ليشغلوا الناس عن الثورة وأهدافها ف[[الإخوان]] يرفضون ذلك.<br />
<br />
وأوضح أن [[الإخوان]] قدموا مقترحات وأوراق عمل من أجل [[مصر]]؛ حتى يتم القضاء على فلول النظام البائد، مشيرًا إلى أنهم طلبوا من المجلس العسكري السرعة في تطهير البلاد وكل مؤسسات الدولة من أركان النظام السابق وفلوله التي ما زالت تعبث بأمن الوطن وأجهزة الدولة إلى الآن، وكل همهم هو إجهاض الثورة.<br />
<br />
[[ملف:اخبار3112011.jpg|center|220px]]'''<center> د. محمد علي بشر وم. سعد الحسيني ود. محمد البلتاجي مع د. عمرو حمزاوي</center>'''<br />
<br />
[[ملف:اخبار3102011.jpg|center|220px]]'''<center> د. أحمد أبو بركة ود. محمد البلتاجي وصلاح عبد المقصود</center>'''<br />
<br />
[[ملف:اخبار3092011.jpg|center|220px]]'''<center> د. أحمد أبو بركة خلال الجلسة</center>'''<br />
<br />
[[ملف:اخبار3082011.jpg|center|220px]]'''<center> م. سعد الحسيني خلال جلسات الحوار</center>'''<br />
<br />
[[ملف:اخبار3072011.jpg|center|220px]]'''<center> د. محمد علي بشر ود. البلتاجي خلال المؤتمر</center>'''<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamaryhttps://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%B3%D8%B7%D9%88%D8%B1_%D9%85%D9%86_%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9_%D8%B4%D9%87%D8%AF%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D9%81%D9%8A_%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86&diff=642845سطور من حياة شهداء الإخوان في فلسطين2012-02-18T15:25:36Z<p>Elsamary: </p>
<hr />
<div>بقلم: عبد الحليم الكناني<br />
<br />
سطور من حياة شهداء الإخوان في فلسطين<br />
<br />
[19/04/2004]<br />
<br />
==مقدمة==<br />
حين بلغ الإمام الشهيد حسن البنَّا نبأ استشهاد هؤلاء الإخوة الكرام قال: "اشتقنا إلى الجنة.. لا إلى خيراتها وفواكهِها.. ولكن إلى أبي بكرٍ وعُمرَ وعثمانَ وعليٍّ، والصحبِ الكرام وهؤلاء الشهداء الأعزاء"، ورثاهم بهذا المقال البليغ المؤثر:<br />
<br />
<br />
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾<br />
(آل عمران: 142) أمام حقائق الدعاية وجهًا لوجه لابد من امتحانٍ لحقيقة إيمان المؤمنين، ودعوى الإيمان وحدها لا تكفي في قليل أو كثير.. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: 8) وهذا ناموسٌ من الله الذي لا يتغيَّر، وسنته التي لا تتخلَّف، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمد: 31)، وكلنا مؤمنون- بحكم التعلم والخطابة- أن الذين يستطيعون أن يتمثِلوا معنى الإيمان، ويحسنوا التعبير عنه لأنفسهم وللناس، من هؤلاء من يصدق فيه معنى الإيمان حتى يتذوق حلاوته ويجد طعمه، ويستشعر بردَه على فؤاده، كما يحس بحرارته ودفئه ونوره وإشراقه.<br />
<br />
<br />
<br />
ولكن هذا كله لا يكفي، حتى يقف المرء وجهًا لوجه أمام حقائق الإيمان العملية، وأوضح هذه الحقائق ما اتصل بالجهاد والشهادة والموت في سبيل الله، والعزوف عن متع الحياة الدنيا؛ إيثارًا لما عند الله.<br />
<br />
<br />
<br />
وهؤلاء الشهداء الاثنا عشر- ومن قبلهم الشهيد العزيز السيد الأخ حسين الحلوس، الذي اختاره الله لجواره في حادث انقلاب سيارة المؤن والمهمَّات بسيناء- قد أوقفونا نحن الإخوان وأوقفوا أُسَرَهم الكريمة، وأوقفوا الأمةَ المصريةَ كلَّها أمام حقائق الإيمان وجهًا لوجه.<br />
<br />
<br />
<br />
إن من حقائق الإيمان الأولى أن الموت حقٌّ، وأن الأجل محدود، وأن العمر واحد، ولا ينقص ولا يزيد.. ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (الأعراف: 34) وأن الجبن لن يؤخر الوفاة، وأن الشجاعة لن تدني الموت، وأن قدرَ الله من وراء ذلك كله، ولا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه.. ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ (النساء: 78) ﴿الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: 168).<br />
<br />
<br />
<br />
ولن يستطيعوا أن يدرءوا طبعًا، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، وإن حقائق الإيمان الأولى أن الله- تبارك وتعالى- كتب على المؤمنين كتابًا لازمًا، فريضةً محكمةً أن يقاتلوا في سبيل الحق، وأن يدافعوا، وأن يجاهدوا في سبيل الله تعالى؛ حتى تعلو كلمته وترتفع رايته، وأن من نكَصَ عن ذلك فله عذاب أليم في الدنيا بالصغار، وفي الآخرة بالجحيم والنار.. ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 216) ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).<br />
<br />
<br />
<br />
ومن حقائق الإيمان الأولى أن من مات في سبيل الله أو قُتِل مجاهدًا فهو شهيدٌ حيٌّ، يُرزَق عند الله- تبارك وتعالى- وأنه لا يجد من المَوت إلا كما يجد الإنسانُ الحيُّ الحساسُ من قرصة نملة؛ فإنه لا يفتن في موته، وإنه يُبعَث يوم القيامة بكلُومِه وجروحِه ودمائِه الطاهرةِ الذكيَّة.. اللون لون الدم والريح ريح المسك.. وإن له عند الله- تبارك وتعالى- من المثوبة والأجر أفضل مما عند الله لسائر الذين ماتوا بغير شهادة.. ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا* دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء: 95-96)، وهذه هي القائمة الكاملة لشهداء معركة (كفار ديروم) الأولى.. في10/4/1948م<br />
<br />
1- الشهيد: محمد عبدالخالق يوسف.<br />
<br />
2- الشهيد: محمد سلطان.<br />
<br />
3- الشهيد: عبدالرحيم عبدالحي.<br />
<br />
4- الشهيد: عبدالرحمن عبدالخالق.<br />
<br />
5- الشهيد: عمر عبدالرؤوف.<br />
<br />
6- الشهيد: عبدالسميع علي قنديل.<br />
<br />
7- الشهيد: فرج إبراهيم.<br />
<br />
8- الشهيد: حلمي جبريل.<br />
<br />
9- الشهيد: السيد البش.<br />
<br />
10- الشهيد: محمد طه محمد سيد أحمد.<br />
<br />
11- الشهيد: عزالعرب محمد سليمان.<br />
<br />
12- الشهيد: مصطفى الشربيني.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== محمد عبدالخالق يوسف ==<br />
<br />
<br />
<br />
في قرية عرب الرمل مركز قويسنا محافظة المنوفية كان يقيم الشيخ عبدالخالق يوسف، أحد رجال الإخوان المسلمين، ولقد كان للشيخ عبدالخالق جولات ومغامرات في فلسطين قبل سنة 1948م، عمَّقت حب الجهاد وحب فلسطين في نفسه، حتى إنه اختار شريكة حياته منها، ومن هذا الزواج المبارك كان شهيدنا الكريم.<br />
<br />
<br />
<br />
وجاء عام 1948م بأحداث متلاحقة يرويها الشيخ بنفسه يقول: طلب إلينا فضيلة المرشد أن نُعدَّ أربعة رجال إعدادًا كاملاً من كل مركز جهاد من مراكز الإخوان، فعزمْت أمري أن أكون من بينهم، وفاتحت ابني محمَّدًا في الأمر، فلما طلبت منه أن يخلفني في أهلي قال: لي ولمَ لا أذهب أنا وتبقى أنت؟! ثم أردف قائلاً: هل تمنعني من الجهاد في سبيل الله؟ فقلتُ له: أمَّا هذه فلا؛ فالجهاد فريضة من الله، وتدخَّلت أمُّه بعاطفة الأمومة لتحول بينه وبين السفر فقال لها: يا أمي أحب الأمور إلى نفسي أن ألقى ربي والدماء تنزف من وجهي.. لونها لون الدم وريحها ريح المسك، فسكتت الأم الصابرة، وشدَّ الشيخ الرحال إلى القاهرة بصحبة ابنه، وكان نصيبهما الكتيبة الأولى بقيادة الشهيدين محمد فرغلي ويوسف طلعت.<br />
<br />
<br />
<br />
وفي النصيرات تقيم الكتيبة معسكرها الحربي، ومن أطرف ما حدث في هذا المعسكر أن شهيدنا محمد كُلِّف بحراسة أحد المواقع، فشاهد فرسًا صغيرًا شاردًا يُهرول نحو باب المعسكر فأطلق عليه النار فأراده قتيلاً، فلما سأله إخوانه عن سبب إطلاق النار على الفرس قال: إنه خشي أن يكون أحد الأعداء قد ربط نفسه ببطن الفرس، أو أن يكون الفرس محشوًّا بالديناميت لينفجر بالقرب منا فيروِّعَنا، واتخذ أفراد المعسكر من مقتل الفرس مادةَ تسلية لهم، خاصةً بعد أن دفعوا ثمن الفرس القتيل لصاحبه.. إنها روح الجهاد وحب الاستشهاد، سيطرت على نفس شهيدنا حتى بدت في مثل هذا الموقف الطريف..، وجاء شهر إبريل من عام 1948م؛ لتبدأ الكتبية المجاهدة أولى معاركها ضد اليهود، وكان معركة كفار ديروم الأولى، ويروي لنا والده الشيخ مشاهد هذا الصباح فيقول:<br />
<br />
<br />
<br />
"أعددنا سلاحنا وأنفسنا للمعركة، وتقدم مني ابني محمد وقبَّل يدَي، وقال: ادع لي بالشهادة يا أبتِ، ثم أوصاني بما له وما عليه للناس، فقلت له- وهو يوصيني-: ولِمَ لا أكون أنا الشهيد وتبقى أنت من بعدي، فقال- وهو يشخص ببصره إلى السماء-: إنني رأيت نفسي في نومي وكأني طائر يحلق في السماء ثم ينزل بين أشجار كثيفة ويعشِّش فيها، وهنا وجدتني أقف أمامه في خشوع وإجلال، وارتويت من روحه وبسطتُ إليه يديَّ وأنا أدعو: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك، أستودعك عند الله يا بني يا محمد، ومضت عليَّ ساعة ما أثقل وزنها في حياتي.. ابني محمد سوف يختفي من دنياي ولن أراه.. لن أسمعه.. لن أشمَّ أنفاسه وأتعطَّر بها.. لن أسمع كلمة (يا أبي) منه.. سوف أعيش وحدي ولن أجد من يقاسمني الجهاد، فإخوانه أطفال لا يصلحون لصحبتي في الميدان، واستسلمت لقضاء الله، وأسلمت أمري إليه، وضغطت على عواطفي بكل ما أوتيت من قوة الإرادة، فالموقف أكبر وأجل من أن أستسلم للحزن والبكاء، ووجدت آيات القرآن تنساب في أعماقي، وتمسح برفقٍ كلَّ آلامي، وتضع الطمأنينة والسكينة والرضا، ويكمل الشيخ عبدالخالق القصة بقوله:<br />
<br />
<br />
<br />
صدرت إلينا الأوامر بالتقدم، فوثب الرجال في سرعة مذهلة إلى المستعمرة الراقدة في بطن الوادي، وكأنها شيطان أسود ركبت له عينان متوقدتان لا تغفلان؛ ولكن كانت هناك ظروفٌ كثيرةٌ لم تمكننا من دخول المستعمرة، فغمَرنا العدو بوابل من نيران مدافعه الرشاشة، وأصابت رصاصة غادرة قلب ابني محمد، واستقرت أخرى في ذراع ابن أخي، وانسحبت مع زملائي، وكان لقاء وداع لمحمد لا أنساه..!!"<br />
<br />
<br />
<br />
ويكمل أحد المراسلين الذين شهدوا ختام المعركة وصفَ المشهد الأخير، فيقول: وتصاعدت الأصوات، تبحث عن الحاج عبدالخالق الذي كان يحارب في المعركة ومعه ابنه محمد عبدالخالق، وسقط ابنه قتيلاً إلى جانبه، فلم يبكِ عليه؛ بل حمل بندقيته وراح يقتل بها الذين قتلوا ولده، ثم انتهت المعركة ولم ينتظر الحاج عبدالخالق ليشيِّع جنازة ولده مع المشيِّعين؛ بل ذهب مع ابن أخيه الجريح أحمد يوسف إلى مستشفى غزَّة، وقال له إخوانه إننا نعزِّيك، قال: كلا.. بل هنِّئوني.. إنني سأبقى هنا لأنال بعض الشرف الذي ناله ابني، قلت فمَن عبدالخالق؟ فإذا به عبدالخالق يوسف حسن يوسف من بلدة قويسنا منوفية.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== محمد سلطان ==<br />
<br />
<br />
محمد سلطان من شباب الإخوان بالشرقية، ومن أوائل من خرجوا للجهاد في فلسطين.. إذ كان أحد أفراد الفوج الأول من متطوعي الإخوان المسلمين الذي سافر من القاهرة في فبراير 1948م، واستقر ذلك الفوج الرائد من المتطوعين المجاهدين من رجال الإخوان المسلمين في منطقة الريِّسة بالعريش؛ حيث أقام الإخوان هناك معسكرًا للتدريب والاستعداد لدخول فلسطين.<br />
<br />
<br />
<br />
ويروي قائد المعسكر عن شهيدنا هناك فيقول: وإنني لأذكر أخي محمد سلطان، ونحن في معسكر الريِّسة، وقد كان يقف حراسةً ليلية؛ حيث خرجتُ أتفقَّد المعسكر في الثانية صباحًا وأمرُّ على جنود الحراسة، فإذا بي أجده يقف في موقعه يقِظًا منتبهًا، ولكن دموعَه تسيل على خديه في صمت، فظننت لأول وهلة أنه تعرَّض للدغ حشرة من حشرات الأرض، وأنه يتجلَّد حتى تنتهي نوبة حراسته فلا يحرم أجر العين التي باتت تحرس في سبيل الله؛ ولكني فوجئت عندما سألته عما يبكيه، فكان رده عليَّ أسمى وأبعد من هذا الخاطر بكثير فقال: ما بي من بأس والحمد لله؛ ولكنني سمعت أنك سترسل سرية غدًا إلى المستعمرة اليهودية، وأن اسمي ليس من بين أفرادها فوقفت حزينًا تسيل دموعي كما ترى، ويعلِّق القائد قائلاً: لا إله إلا الله.. إننا في عهد صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذين وُصفوا بأن الموت في سبيل الله كان أحب عندهم من الحياة.<br />
<br />
<br />
<br />
وبهذه الروح كان شهيدنا يحيا ويتحرك، وبهذا الشوق للجهاد والشهادة كان يعيش، وشاء الله أن تنتقل القوات المجاهدة إلى فلسطين في أبريل، وفي اليوم العاشر منه تخوض أولى معاركها هناك، في موقعة كفار ديروم الأولى، ويحمل شهيدنا لغَمًا هائلاً، ويزحف على بطنه، مستهدِفًا أحد مراكز الحراسة في مستعمرة كفار ديروم الحصينة، وينتبه إليه الحرس وهو على قيد خطوات من هدفه، فيطلقون عليه رصاصات تصيبه في ذراعه وتعجزه عن المضيِّ في زحفه؛ ولكنه يتحامل على نفسه، ويزحف بصعوبة والدماء تنزف من جراحه، والرصاص يتناثر من حوله، وهو يجاهد بعناد حتى يقترب من هدفه فيُشعِل اللَّغم فينفجر ويدمِّر مركز الحراسة، ويقضي على البطل الفذ، ويمضي ليلاقي ربه شهيدًا.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== عبدالرحيم عبدالحي ==<br />
<br />
<br />
<br />
من رجال الإخوان المسلمين بالإسكندرية، وكان- رحمه الله- يعمل موظَّفًا مدنيًّا بوحدة سلاح الصِّيانة بالإسكندرية، وحين أنشئَت شعبة الجهاد في سلاح الصيانة بالإسكندرية- والتي كان الأخ عباس السيسي من منشئيها- كان شهيدنا أول من تقدم للاشتراك والمساهمة في نشاطها بقوة وعزم استمر حتى بلغ به الحماس أن صار من أبرز الخطباء، فكان يخطب الجُمَع في المساجد الكبيرة، ويؤثِّر في المستمِعين، وكان له أثرٌ بالغٌ في نشرِ الدعوة بالحديث والخَطَابة.<br />
<br />
<br />
<br />
وعندما أصدر صدقي باشا أوامره بنقل بعض الإخوان من شعبة الجهاد بسلاح الصيانة بالإسكندرية إلى الأقاليم- على إثر بعض المواقف والأحداث- كان نصيب شهيدنا النقل إلى وِرَش سلاح الصيانة بالإسماعيلية، وهناك كان على موعد مع قدر الله، الذي اصطفاه واتخذه من الشهداء؛ حيث كانت الإسماعيلية في ذلك مركزًا مهمًّا لتجمع المجاهدين المسافرين إلى ميدان القتال بفلسطين، وكان الفوج الثاني من المجاهدين بقيادة الشيخ محمد فرغلي وزميله الشهيد يوسف طلعت يستعد للسفر.<br />
<br />
<br />
<br />
ولم يضيع شهيدُنا الفرصة، ولم يدَعها تفلت من بين يديه، فسارع بالتطوع في هذا الفوج المسافر للجهاد، واشترك مع إخوانه في تلك المعركة الباسلة، ونال الشهادة التي كان يتمناها بصدق، مقبلاً غير مدبر، ثابتًا شجاعًا.. صدَقَ اللهَ فصدَقَه.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== عبدالرحمن عبدالخالق ==<br />
<br />
<br />
من شباب الإخوان بمنطقة العباسية بالقاهرة، وهو حاصل على بكالوريوس الزراعة عام 1947م، ولم يكمل عامه الحادي والعشرين، وكان من أبطال الرياضة المعدودين بالجامعة فكان بطلها في المصارعة وكرة السلة، وكان من أفراد الفوج الأول من متطوعي الإخوان المسلمين للجهاد في فلسطين، فكان بذلك من السابقين إلى الجهاد، ثم صار من السابقين إلى الشهادة.<br />
<br />
<br />
<br />
شارك في معركة كفار ديروم الأولى صباح السبت10 إبريل 1948م؛ حيث كان يقود إحدى مجموعات الاقتحام في معركة، وحين تأزَّم الموقف صدرت إليه الأوامر بالانسحاب.. لكنَّه استمرَّ في القتال مستأسِدًا ويقول: كيف ننسحب وإخواننا في داخل المستعمرة؟ ثم يذكِّر من معه بقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ (الأنفال: 15)، ويظل يقاتل بشدة حتى تصيبَه رصاصة قاتلة في رأسه لتضع اسمه في عداد الشهداء الخالدين.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== عمر عبدالرءوف ==<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== الشهيد عمر عبد الرؤوف ==<br />
<br />
من ههيا بمحافظة الشرقية، وكان في سن السابعة والعشرين.. عمل في مجال التجارة وكان ناجحًا في عمله نجاحًا كبيرًا، ورغم أعبائه العائلية الثقيلة إلا أنه آثر الخروج للجهاد وترك لنا مشهدًا حيًّا له عند استشهاده؛ حيث يصفه أحد إخوانه فيقول: أصابتْه رصابةٌ في صدره فبدت على وجهه ابتسامة مشرقة ويهتف بمن حوله أترون ما أرى؟ ثم يأخذ نفَسًا طويلاً ويقول: هذه هي الجنة.. إنني أراها وأشمُّ رائحتها، ثم يلفظ أنفاسه ليمضي إلى جنة ربه الموعودة.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== عبدالسميع علي قنديل ==<br />
<br />
<br />
كان في سن العشرين، ويعمل موظَّفًا في المتحف الحربي، وكان من الإخوان العاملين في شعبة الإخوان بأولاد علام بالجيزة، تنافس هو وأخوه عبدالمنعم في التطوع والسفر إلى فلسطين، واحتكما إلى أبيهما الرجل الصالح علي قنديل، الذي دمعت عيناه من التأثر، واقترح عليهما عمل قرعة، فكانت من نصيب عبدالسميع، وكان من نصيبه الشهادة.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== فرج إبراهيم ==<br />
<br />
<br />
كان طالبًا بكلية الشريعة، ولما أراد التطوع للجهاد حاول البعض أن يثنيه عن ذلك بدعوى أنه طالب علم شرعي وهو نوع من الجهاد؛ ولكنه أبى ذلك، وصمَّم على النفرة في سبيل الله، وكان له موعد مع الشهادة.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== حلمي جبريل ==<br />
<br />
<br />
من قرية جنزور بمحافظة المنوفية، كان طالبًا بكلية أصول الدين، وكان معروفًا بالعمل الكثير والصمت الطويل، متفانيًا في الحركة لدعوته، فعهد إليه بتربية مجموعات من إخوانه وزملائه فكان مربيًّا نموذجيًّا يربي بالقدوة والعمل والالتزام قبل القول والبيان.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== السيد البش ==<br />
<br />
<br />
من خيرة شباب الإخوان العاملين بدمياط، وكان موضع الحب والإعجاب من جميع إخوانه، وفي الميدان كان نعم العون للإخوان جميعًا والمبادر لمساعدتهم في كل الشئون.. نسأل الله أن يكتبه في زمرة الشهداء.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== محمد طه محمد سيد أحمد ==<br />
<br />
<br />
من كفر صقر- محافظة الشرقية، كان صانعًا متقنًا لصنعته، ولما نادى منادي الجهاد أغلق محل صناعته، وانطلق ليتاجر مع الله، فباعه نفسه وماله واشترى بها رضوان الله.. تقبله الله في الشهداء.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== عز العرب محمد سليمان ==<br />
<br />
<br />
من تلراك- كفر صقر- محافظة الشرقية، وكان مزارعًا هادئًا، ومع ذلك كان يُعنَى بالأدب والشعر، وكان له دور دعوي اجتماعي فعَّال في قريته، فكان يسعى دائمًا في الصلح بين الناس، وكان رفيقًا لأخيه محمد طه.. سافرا معًا واستُشهدا معًا.. رحمهما الله.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
== مصطفى الشربيني ==<br />
<br />
<br />
من إخوان المنصورة الكرام، عرفتْه دار الإخوان بالمنصورة، وهو أول من يفتح بابها وأول من يلبِّي نداء الدعوة في كل حين، وشاء الله أن يكون أول متطوعي الدقهلية، وأول شهدائها.<br />
[[تصنيف :تصفح الويكيبيديا]]</div>Elsamary